ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … ·...

201
ﺍﳉﻤﻬ ـ ﻮﺭﻳ ـ ﺔ ﺍﳉ ـ ﺰﺍﺋﺮﻳ ـ ﺔ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴ ـ ﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴ ـ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﱄ ﻭﺍﻟﺒ ﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ـ ﺎﻣ ـ ﺍﻟﺴﺎﻧﻴ ـ- ﻭﻫـﺮﺍﻥ ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻭﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﰲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﳌﻌﺎﺻﺮﺓ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﳕ ـ ﻮﺫﺟ ـ ﻣﺬﻛﺮﺓ ﲣ ـ ﺮﺝ ﻟﻨﻴﻞ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﳌﺎﺟﺴﺘﻴ ـ ﺮ ﰲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﻴـﻢ ﰲ ﺍﻟﻔﻜـﺮ ﺍﻟﻐﺮﺑــﻲ ﺍﳊـﺪﻳـﺚ ﻭﺍﳌﻌـﺎﺻـﺮ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ: ﺇﺷﺮﺍﻑ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ: ﺃﻋﻀﺎﺀ ﳉﻨ ـ ﺔ ﺍﳌ ﻨﺎﻗﺸ ـ: ﺍﻻﺳﻢ ﻭﺍﻟﻠﻘﺐ ﺍﻟﺮﺗﺒ ـ ﺍﻟﺼﻔ ـ ﺍﳉ ـ ﺎﻣﻌ ـ. - ﺑﻮﻛﺮﺍﻟﺪﺓ ﺯﻭﺍﻭﻱ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﱄ ﺭﺋﻴﺴﺎ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻭﻫﺮﺍﻥ- ﺑﻮﺷﻴﺒﺔ ﳏﻤﺪ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﳏﺎﺿﺮ ﻣﺸﺮﻓﺎ ﻭ ﻣﻘﺮﺭﺍ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻭﻫﺮﺍﻥ. - ﳏﻤﺪﻱ ﺭﻳﺎﺣﻲ ﺭﺷﻴﺪﺓ ﺃﺳﺘﺎﺫﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﱄ ﻋﻀﻮﺍ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻭﻫﺮﺍﻥ ﺑﻮﺳﻴﻒ ﻟﻴﻠﻰ ﺃﺳﺘﺎﺫﺓ ﳏﺎﺿﺮﺓ ﻋﻀﻮﺍ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻭﻫﺮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻴﺔ: 2013 / 2014 . ﺑﻮﺷﻴﺒﺔ ﳏﻤــﺪ ﻗﺎﺩﻡ ﻣﻌﻤــﺮ2013/11/07

Transcript of ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … ·...

Page 1: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ة ـة الشعبيـة الدميقراطيـزائريـة اجلـوريـاجلمه حث العلمي وزارة التعليم العايل والب

–وهـران -ا ـالسانية ـعامـج كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية

قسم الفلسفة

البحث موضوع

إشكالية األنطولوجيا والقيمة يف الفلسفة الغربية املعاصرة

اـوذجـنيتشه من

القيـم يف الفكـر ر يف فلسفةـرج لنيل شهادة املاجستيـمذكرة خت الغربــي احلـديـث واملعـاصـر

: إشراف الدكتور : إعداد الطالب

: ةـناقشة املـأعضاء جلن

ةـامعـاجل ةـالصف ةـالرتب االسم واللقب جامعة وهران رئيسا أستاذ التعليم العايل بوكرالدة زواوي - د.أ جامعة وهران مشرفا و مقررا أستاذ حماضر بوشيبة حممد - د جامعة وهران عضوا مناقشا أستاذة التعليم العايل حممدي رياحي رشيدة - د.أ

جامعة وهران عضوا مناقشا أستاذة حماضرة بوسيف ليلى –د . 2014/ 2013: السنة الدراسية

قادم معمــر بوشيبة حممــد 2013/11/07

Page 2: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ
Page 3: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

اهللا الرمحن الرحيم بسم

يؤتي احلكمة من يشاء ومن يؤت احلكمة فقد أويت "

" األلباب اخريا كثريا وما يذكر إال أولو

269 اآلية، ةسورة البقر

Page 4: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

اإلهداء

ي رمحه اهللاختليدا لذكرى جد

الوالدين الكرميني إقرارا بفضل وحق

.بتضحيات كل أفراد أسريت من أجل إجناز هذا البحث اعترافا

.إىل كل هؤالء أهدي هذه الرسالة

قادم معمر

Page 5: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

تقديرو شكر

القدير الذي وفقين يف أشكر اهللا العلي، بعد أن استقام هذا العملو أخريا

التقدير إىل األستاذ املشرف و أتوجه جبزيل الشكر، وإجناز هذه املذكرة

توجيهاته العلمية و الدكتور حممد بوشيبة الذي أفادين كثريا بنصائحه

ال يفوتين أيضا أن ، وإمتامهو القيمة وحرصه الشديد على إجناز هذا العمل

ومن ، فاضل أعضاء جلنة املناقشةزيل لألساتذة األأتقدم بالشكر اجل

.خالهلم كل أساتذة قسم الفلسفة جبامعة وهران

Page 6: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

أ

:ةـدمـقـملا

لة أا أن املتأمل هلا سيدرك أا مل تعاجل مسإل، لقد اهتمت الفلسفة الكالسيكية بالقيم

فجعلت بذلك ، والقضايا اليت استوقفتها تاملشكال القيمة إال ضمن ما كانت تعاجله من خمتلف

.حال ملشاكلها، وبناءا على ذلك اعتربت حل مشاكله، قيمة تابعة للوجودال

هذا وقد إرتبط البحث يف القيم بعد ذلك بالبحث يف اإلنسان الفاعل ببعديه الفردي

فتجلت بذلك عالقة النشاط ، ومن مثة انتقل اإلنسان من عيش أفعاله إىل وعي أفعاله، واجلماعي

أمكنه بلوغ نوع ، أي بالقيم اليت إن استطاع اإلحاطة جبوهرها، اإلنساين باألهداف والغايات

.من الكمال املعريف الذي يؤهله إلدراك املعىن الكامل لنشاطاته وقيمه يف مجيع ااالت

أما الوعي ، على هذا فقد كان واقع السلوك اإلنساين قدمي قدم حرية اإلنسان وبناء

إىل أواخر أكثر دراسي فلسفة القيمة أرجعه حيث ، ذا السلوك فحديث"الرمسي "الفلسفي

.القرن الثامن عشر

إمنا يرجع أساسا النجاح الباهر ، هذا وميكن اإلشارة إىل أن ارتباطه ذه الفترة حتديدا

.الذي يعود إليه الفضل يف التأصيل والتأسيس لفلسفة القيم، "نيتشه"الذي حققته فلسفة

من استعارته ملاهية القيمة من انطالقا لفلسفة القيم "نيتشه"وهكذا فقد أسس

وعلى هذا ، يت يف الوسط الفكري والفلسفي عامةالص حىت غدا هذا املفهوم ذائع، االقتصاديني

Page 7: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

ب

فقد أصبحت معه الرؤية الفلسفية اجتاه عامل القيم تبتغي التسامي باإلنسان إىل أن يتمكن من

إىل قيم إنسانية بالفعل ، هنة إىل قيم غايةفتتحول بذلك قيمه الرا، جديد من أن سيادة مستقبله

.ويثبت وجوده على األرض، فتتجلى فيه بذلك روح اإلبداع، هو خالقها

عامة وفلسفته القيمية خاصة يدرك أنه حاول الولوج إىل عمق " نيتشه"إن املتأمل لفلسفة

به كل الذين خيالف ، منه خللق منوذج قيمي جديد االنطالقحماوال بذلك ، الوجود اإلنساين

أو ، ل للعامل اآلخر كوجود أو كمصرييف الفلسفات امليتافيزيقية اليت كانت تؤص سواءسبقوه

التصورات الدينية السائدة وخاصة التصورات الكهنوتية اليت كانت تعادي احلياة وتقصي كل

". نيتشه"بعد حيوي فيها حسب

" نيتشه"ن احلركة النقدية اليت وجهها وهذا يعين أن املشروع النيتشوي القيمي قد إنبثق ع

هم من " نيتشه"وعلى هذا ميكن أن ندرك أن أعداء ، إىل منظومة القيم السائدة يف عصره

ولكنهم باملقابل ، ويعتربون كل شيء بال قيمة، يريدون قلب كل شيء، حيتجون على كل شيء

.يرفضون خلق القيم ألم يفتقدون لشروط خلق القيم

بعد أن أصبح ، هناك فضاء للميتافيزيقا ميلي على اإلنسان أوامره القيميةوهكذا مل يعد

ذلك ، من حق اإلنسان وحده أن خيلق لنفسه القيم اليت متكنه من تنمية حياته وتقويتها وإثرائها

اليت يدعو فيها إىل حتويل كلي للقيم السائدة إىل قيم " نيتشه"ما يتجلى يف معظم مؤلفات

.جديدة

Page 8: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

ج

: ثـالبحة ـاليـإشك

س نيتشه للوجود ما طبيعة العالقة بني الوجود والقيمة يف التصور النيتشوي ؟ وهل أس

س للقيمة انطالقا من الوجود ؟و إذا كانت الفلسفات امليتافيزيقية انطالقا من القيمة أم انه أس

دعوا إىل وإذا كانت التصورات الدينية والكهنوتية ت، السابقة تقوم على التأصيل للعامل اآلخر

لقيمي كان مسايرا أم مبدعا ؟ وإذا ا يف خطابه"نيتشه"من املقدس فهل انطالقاالتأسيس للقيم

هي هو سائد فهل سعى إىل تأسيس خطاب قيمي جديد؟ وما معارضا لكل ما"نيتشه"كان

هي الدوافع احلميمة وما العوامل الرئيسية اليت سامهت يف بلورة هذا اخلطاب القيمي النيتشوي؟

هو جديد ؟ وما طبيعة القيمة احلقيقية يف اخلطاب اليت أدت به إىل رفض القدمي والتأصيل ملا

يف فلسفته "نيتشه"ر أو بتعبري آخر كيف فس وما أسسها؟ وما معايريها؟ القيمي النيتشوي ؟

قيمي من وراء خطابه ال"نيتشه"هي الغاية النهائية اليت سعى إليها الكوبرنيكية مسألة القيمة؟ ما

اجلديد ؟وإذا كانت غايته إثبات العلو للوجود اإلنساين فكيف السبيل إىل ذلك ؟وإىل أي مدى

يكون نيتشه قد وفق يف تصوره الفلسفي ؟

خطة قد ارتأينا أن تكونف، جزئيات هذه اإلشكاليةو الوقوف على تفاصيل وقصد

:البحث على النحو التايل

Page 9: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

د

ومن ، وصوال إىل إشكالية البحث، عامة مبوضوع الدراسة وفيها حاولنا تقدمي إحاطة:املقدمة

ومنه تطرقنا إىل أبرز ، وكذا املنهج املعتمد يف دراسة اإلشكالية، انتهينا إىل خطة البحث مثة

.العراقيل اليت واجهتنا أثناء إجنازنا هلذا البحثو الصعوبات

الفصل حيث جاءدر اإلمكان قد تضمن تقسيم البحث إىل ثالثة فصول متوازنة قفالتحليل أما

وذلك ، الداللة األنطولوجيةو القيمة بني السؤال اجلينيالوجيو الوجود "عنوان حتت األول

عمق الولوج إىل أيالقيمة عامة قبل و حبث مشكلة العالقة بني الوجودإلدراكنا مدى أمهية

اء حتت عنوان أما األول فج، ذلك جاء هذا الفصل يف ثالثة مباحثول، التصور النيتشوي

وفيه حاولنا أن نتتبع مفهوم الوجود انطالقا ، تارخيية الوجود أو األصل اجلينيالوجي للمفهوم"

ويف السياق ذاته ، من الفضاءات الفلسفية اليونانية اليت برز فيها وصوال إىل الفلسفة املعاصرة

ومن " لوجي للمفهوم تارخيية القيمة أو األصل اجلينيا" جاء املبحث الثاين الذي عنوناه بـ

الفضاءات الفلسفية و خالل هذا املبحث أردنا كذلك أن ننحت مفهوم القيمة بتتبع السياقات

وتبعا هلذين املبحثني جاء ، تطور انطالقا من التصور اليوناين إىل التصور املعاصرو اليت ظهر فيها

ولنا أن جنيب عن سؤال وفيه حا"الداللة األنطولوجية و القيمة" املبحث الثالث حتت عنوان

وقد جاء ، جوهرهو فقد كان هو صلب املوضوع، أما الفصل الثاينالقيمة و العالقة بني الوجود

وسعيا منا للوقوف على جوهر اإلشكالية موضوع " عند نيتشهأنطولوجيا القيمة " حتت عنوان

العدمية أو " وان عناألول منها حتت جاء، فقد قسمنا هذا الفصل إىل أربعة مباحث، الدراسة

التشخيص الذي قدمه وقد سعينا من خالله إىل الوقوف على ، االنبعاثو القيم بني األفول

Page 10: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

ه

هو ما و، والذي كان بدوره نتيجة حتمية لعصور عدمية سابقة، اشهعنيتشه ألزمة العصر الذي

، مجعاء الذي يقدمه نيتشه لإلنسانية حللأفضى بنا إىل املبحث الثاين الذي تضمن جوهر ا

أما "العمق األنطولوجي ، وإرادة القوة بني األبعاد األكسيولوجية" لذلك جاء عنوان املبحث و

وفيه حاولنا " مقولة العود األبدي كأساس لشرعة القيم اجلديدة " املبحث الثالث فكان عنوانه

ها مع مقولة كذا مدى انسجام، األنطولوجية ملقولة العود األبديو تبيان األبعاد األكسيولوجية

ونعين ، وذا انتهينا إىل املبحث الرابع الذي يعد مبثابة تتويج ألثر املقولتني السابقتني، إرادة القوة

اإلنسان األعلى أو ألواح القيم بني " ولذلك جاء عنوان املبحث الرابع ، بذلك اإلنسان األعلى

تقد أا كانت متميزة إزاء اإلنسان ولذلك حاولنا فيه حتليل رؤية نيتشه اليت نع"البناء و اهلدم

.اإلبداعو ومدى قدرته على اخللق

فكان أن عنوناه ، دراسة حتليلية نقدية ا لتقدميولة متواضعة مناأما الفصل الثالث فكان حم

أثر فلسفة نيتشه أردنا الوقوف علىومن خالله ، اآلفاق املستقبليةو بـ الرؤية النقدية

ورد يف املبحث األول الذي جاء حتت وكان ذلك ما اإلنساين األكسيولوجية على املستوى

فيه التطرق ملسألة التغلغل ارتأيناأما املبحث الثاين فقد ، أثر نيتشه يف الفكر اإلنساين" عنوان

تغلغل النيتشوية يف الفكر :ا هذا املبحث بــونولذلك عن، النيتشوي يف الفكر العريب حتديدا

إىل حماولة " نيتشه من منظور نقدي " بحث األخري الذي جاء حتت عنوان لننتهي يف امل، العريب

.التطرق إىل مكامن القوة ونقاط الضعف املمكن إدراكها من خالل هذا البحث املتواضع

Page 11: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

و

تكون يف اية املطاف أمكن من نتائج أو استنتاجات خلامتة الوصول إىل ما وأخريا حاولنا يف ا

.شكالية موضوع البحثإجابة نسبية عن اإلمبثابة

التحليلي النقدي من جهة و التارخيي من جهة وملعاجلة هذا املوضوع اعتمدنا املنهج

كان هو األكثر تناسبا ملعاجلة مجلة من التساؤالت املطروحة يف أما املنهج التارخيي ف، أخرى

موضوع التتبع اجلينيالوجي للمفاهيم اليت تتوقف عليها الدراسة حنن بصددو البحث خاصة

توظيفه فتم التحليلي فقد أما املنهج، القيمةو ونعين بذلك حتديدا مفهومي الوجود، البحث

عرض األفكار اجلوهرية اليت تربز اجلانب األنطولوجي واألكسيولوجي يف اخلطاب عند خاصة

كذلك استخدمنا التحليل قصد توضيح العوامل األساسية اليت سامهت يف بناء نظرية ، النيتشوي

على فيها أما اجلانب النقدي فهو يربز من خالل حماولتنا املتواضعة اليت ركزنا، القيمة عند نيتشه

.مناقشة آراء نيتشه تأييدا أو تعديال أو جتاوزا

أما الدوافع الذاتية ، أخرى موضوعيةو هذا ويعزى اختيارنا هلذا املوضوع ألسباب ذاتية

نيتشه وفلسفته يف أنفسنا تعلقا شديدا بشخصيةفهي تتعلق خاصة باجلانب النفسي إذ جند

ف يف خطابه الفلسفي حيث جنده وظ، خاصة ما تعلق بأسلوبه الذي متيز به عن سائر الفالسفة

ولعل ذلك ما يأسر القارئ ، الفلسفةو أسلوبا فنيا متميزا يوحي بوجود صلة وثيقة بني الشعر

ه ال ميكن أن خنفي تأثرنا ذا الفيلسوف وعلي، وجيعله يزداد شغفا وتعلقا بالدراسة لنيتشه

.مةالثوري ادد يف فلسفته خاصة ما تعلق فيها بنظرية القي

Page 12: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

ز

أما العوامل املوضوعية فهي تتجسد كمحاولة متواضعة منا كطالب للحكمة واملعرفة

قصد الوقوف على سوء الفهم الذي جنده لدى العامة وحىت لدى الكثري من طالب الفلسفة إذ

فأم ، عرض فلسفة يف تاريخ الفكر الفلسفي لسوء الفهم الذي تعرضت له فلسفة نيتشهمل تت

كما نالت فلسفته .. .واالشتراكيةباإلحلاد والترويج أليديولوجية النازية ومهامجة الدميقراطية

التحريف على يد دعاة النازية والفاشية أو على يد من مل يتمكنوا و قدرا غري ضئيل من التشويه

.قراءا قراءة صحيحةمن

إضافة إىل هذا فقد أردنا الوقوف على عوامل اجلدة واإلبداع اليت جاء ا نيتشه يف

ومن مثة أردنا من جانبنا أن نساهم من خالل هذه احملاولة املتواضعة يف إعطاء ، فلسفته الثورية

أسيس لفلسفة القيم الفيلسوف حقه وقدره باعتباره أحد الفالسفة العظماء الذين سامهوا يف الت

إذ أكد ، كوفمان، ياسربس، املعاصرة وذلك باعتراف الكثري من الفالسفة ومنهم هيدجر

.هيدجر أن نيتشه هو آخر امليتافيزيقيني العظام ونقطة النهاية يف تطور امليتافيزيقا

فقد واجهتنا مجلة من الصعوبات اليت ، الفلسفية خاصةو وككل البحوث العلمية منها

أسلوب احلكم ونعين بذلك حتديدا مدى صعوبة، ذاته متعلقة أساسا بطبيعة فلسفة نيتشهكانت

أن الدارس لفلسفته جند ، إضافة إىل هذا، والكتابة الشذرية اليت وظفها نيتشه يف جل مؤلفاته

وهو ما يسمح لكل التفسريات خم والثراء الذي مييز فكر فيلسوفنايصطدم ال حمالة بالز

وهكذا جند أن مما ، مشارا وأيديولوجياا أن جتد فيه مربرا وسندا اختالفعلى والتأويالت

Page 13: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

ح

املواقف واملراجع و يزيد البحث صعوبة مشكلة تشعب اآلراء حول الفيلسوف وتعدد الدراسات

وإضافة إىل هذا يصطدم الباحث يف فلسفة نيتشه مبشكلة ، متضاربةو اليت غالبا ما تكون خمتلفة

يز بسحرها وشدة جذا لدارسها مما جيعل مسألة الدراسة املوضوعية هلا صعبة نصوصه اليت تتم

.للغاية

وأخريا جند صعوبة الرجوع إىل املصادر األصلية املكتوبة باللغة األملانية باعتبارها اللغة األم

حيث أن أغلب الترمجات إىل ، أال وهي مشكلة الترمجة، وحينئذ تطرح مشكلة أخرى، لنيتشه

العربية هي ترمجة ثانية أي أا ترمجة الترمجة وهو ما قد يترتب الكثري من التحريف اللغة

.والتأويل الذي يصرف النص األصلي عن مدلوله احلقيقي إىل مدلول يريده املترجم

، هذا وقصد اإلملام مبختلف جوانب املوضوع فقد عدنا جلل مؤلفات نيتشه اليت ختدم حبثنا

من ، وكوفمان، فنك، هيدجر، املفكرين أمثال ياسربسو الفالسفة مث أهم ما كتبه كبار

أخري حبثنا أبرز الدراسات اليت أجراها الباحثون يف ، واملفكرين العرب عبد الرمحن بدوي

مجلة من الرسائل –على سبيل املثال ال احلصر –واليت ميكن أن نذكر منها ، جامعاتنا

:األطروحات اجلامعية و

النقد اجلينيالوجي لألخالق عند " ، و"عليوة عبد الغين " لـ " للمسيحية قراءة نيتشه " -

عبد " واليت قدمها "إشكالية التراتب يف فلسفة نيتشه " وكذا ، "ايدير فوضيل " لـ " نيتشه

، "مجال مفرج " لـ " قضايا الثقافة يف مشروع نيتشه الثوري " إضافة إىل ، الرزاق بلعقروز

Page 14: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

ةـدمـقـامل

ط

" امتداداا يف الفكر الفلسفي املعاصر و ة اإلرتيابية لقيمة املعرفة عند نيتشهاملسأل" كذلك جند

" ، و"مجال مفرج " لــ " فلسفة القيمة عند نيتشه " وكذا ، عبد الرزاق بلعقروز" لــ

قراءة نيتشه للفلسفة " باإلضافة إىل ، "درسوين وفاء " لـ " مفهوم التأويل يف فلسفة نيتشه

على أنه جيدر اإلشارة إىل أنه ورغم الكم اهلائل من ، "عينات عبد الكرمي " ـ لـ" اليونانية

دراسة –يف حدود علمنا –إال أننا مل جند ، الدراسات اجلامعية اليت عنيت بدراسة نيتشه

فكان ذلك دافعا لنا للبحث يف هذه ، عند نيتشه القيمةو أكادميية حبثت إشكالية األنطولوجيا

.تقدمي ولو إضافة بسيطة من خالل هذا البحث اإلشكالية قصد

، هو أن نكون قد وفقنا يف إجناز هذه املذكرة العلمية، وآخر ما ميكن قوله يف هذا املقام

وما النقائص اليت سوف يتم تسجيلها من طرف األساتذة إال دليال على ، طورنا قدراتنا البحثيةو

، إمكانية اخلطأ، وقابلية املراجعة، والنفتاحيةاو خصائص البحث العلمي الذي يتميز بالنسبية

.نرجو التوفيق من اهللاو

Page 15: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الفصــل األول

الوجود والقيمة بني السؤال اجلينيالوجي والداللة األنطولوجية

تارخيية الوجود أو األصل اجلينيالوجي للمفهوم .1

تارخيية القيمة أو األصل اجلينيالوجي للمفهوم .2

طولوجية الداللة األنو القيمة .3

Page 16: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

2

. تارخيية الوجود أو األصل اجلينيالوجي للمصطلح :املبحث األول

:إيتمولوجيا املفهوم -1

حسب التعريف اإليتمولوجي يف املعجم الغريب مشتق من الالتينية الوجود، بداية

)Esse ( مبعىن)Etre( ،وهلذا اتفق فالسفة الغرب على أن ، اوجودوضدها العدم أو الل

)Etre ،Existence ( ،معناه الوجود املوظف )1(.

مبعىن ظهر ، وجودا، جيد، أما يف املعجم العريب فنجد أن الوجود كلمة مشتقة من وجد

وعليه يبدو أن الوجود يرتبط حبسب داللته اللغوية مبا ، )2(أي أن هناك مقولة ظواهرية ، للعيان

.بدا يف اخلارج للعيان

فال حاجة لتعريفه إال مبا هو مدلول للفظ ، وهو بديهي، لعدمهذا ويبدو أن الوجود مقابل ل

، ال تصوره يف نفسه، وعلى ذلك يعرف تعريفا لفظيا يفيد فهمه من ذلك اللفظ، دون آخر

ويلزم عن ذلك ، )3(أو الشيئية، احلصول أو، أو التحقق، أو الثبوت، كأن نعرف الوجود بالكون

أو ، قدميو وإىل حادث، ينقسم الشيئ إىل فاعل ومنفعل به ثبوت العني أو ما'' أن الوجود يفيد

)4(''ما ال يكون كذلك والعدم، خيرب عنهو ما به يصح أن يعلم

1. Jaqueline russ.dictionnaire de philosophie.les concepts.les philosophies.1850 citation.bordas. paris. 1991.p 98.

.552ص ) د ط (، 1990ملعجم الفلسفي، الدار الشرقية، بريوت، احلنفي، عبد املنعم، ا .2 ).د ط ( ، 558، ص 1980، دار الكتاب اللبناين، بريوت، 2صليبا، مجيل، املعجم الفلسفي، ج .3 . 1776، ص 1996، لبنان، 1، مكتبة لبنان ناشرون، ط 2التهانوي، حممد علي، كشاف اصطالحات الفنون والعلوم، ج .4

Page 17: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

3

وجـد " وهي تعرب عـن مصـدر لفعـل ، إذن فالوجود كلمة مألوفة يف مجيع اللغات

أو فعـل " وجـود " ولذلك غالبا ما تتـرادف كلمـة ، كينونةو مبعىن أن يكون له مكان"

، مبعـىن أـا ليسـت خياليـة أو إفتراضـية ، أي هلا كينونـة ، مع أشياء حقيقية" وجد"

ومـع ذلـك يبقـى هـذا املصـطلح وتعريفـه مـن أشـد ، "غري ال موجـودة "وأيضا

إذ هو يقـع يف قلـب أي فلسـفة وبالتـايل ، )*( التعريفو املصطلحات عصيانا على التحديد

.)1(الفلسفية خيتلف تعريفه حبسب الرؤية الكونية أو املدرسة

فيمكن توضيح معىن الوجود من خالل متييزه عن غريه االصطالحيةأما من الناحية

:مبايلي

فوجوده ، الوجود هو كون الشيئ حاصال يف نفسه مع أنه ال يكون معلوما ألحد: أوال

.)2(إذن بذاته مستقل عن كونه معلوما

إما حصوال فعليا فيكون موضوع ،أن الوجود هو كون الشيئ حاصال يف التجربة:ثانيا

.)3(إما حصوال تصوريا فيكون موضوع استدالل عقلي و ،إدراك حسي أو وجداين

كن تعريف الوجود، ألنه لتعريف تصور ال بد من إدراجه حتت تصور أعلى منه، هو جنسه القريب أو البعيد، وإضافة إىل فصل نوعي ال مي .*

له يفصله عمن يشاركه يف اجلنس، لكن ليس فوق الوجود تصور أعلى منه ميكن أن يندرج حتته، وال ميكن وصفه بفصل ألنه سابق على كل : أنظر ( (transcendantal( صف، وهو يعلو على كل املتقابالت، وكل املقوالت، ومن هنا مسي متعاليا فصل، ومفترض يف كل و

.)175، الكويت، ص 1بدوي، عبد الرمحن، مدخل جديد إىل الفلسفة، وكالة املطبوعات، ط .680، ص 2009، عمان، 1مصطفى، حسيبة، املعجم الفلسفي، دار أسامة للنشر والتوزيع، ط .1 .558صليبا، مجيل، املرجع السابق، .2 .املرجع نفسه واملكان .3

Page 18: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

4

وهو ذا املعىن ، أن الوجود هو احلقيقة الواقعية الدائمة أو احلقيقة اليت نعيش فيها: ثالثا

.)1(احلقيقة النظرية و مقابل للحقيقة اردة

فيكون معناه الوجود ، ) Etre" (كان " أو " وجد " در قد يراد بالوجود مص: رابعا

أو على ، وقد يراد به معىن أعم من ذلك فيطلق على وجود الشيئ يف ذاته، احلقيقي أو الواقعي

األول وجود ، هذا ووجود الشيئ للشيئ يكون على معنيني، وجود الشيئ بالشيئ أو للشيئ

أما الثاين ، كوجود األعراض، ملفهومية عنهمستقال باو الشيئ لغريه بأن يكون حمموال عليه

ويسمى ، غري مستقل باملفهومية عنهو ،احملمولو فوجوده لغريه بأن يكون رابطا بني املوضوع

.)2(وجودا رابطيا

فالوجود اخلارجي عبارة عن ، ووجود ذهين، الوجود ينقسم إىل وجود خارجي: خامسا

كون الشيئ يف عن عبارة فهو الذهين أما الوجود، وهو الوجود املادي، كون الشيئ يف األعيان

.)3(املنطقي األذهان وهو الوجود العقلي أو

هو ، وبكونه استمرار الكون يف األعيان Existenceهذا وميكن أن يتحدد الوجود

ووجود اإلنسان يف ، كما يقال العدم الذي هو اإلنتفاء، يقابل املاهية اليت هي كون يف األذهان

. 559. 558صليبا، مجيل، املرجع السابق، ص ص .1 . 559املرجع نفسه، ص .2 .املرجع نفسه واملكان .3

Page 19: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

5

فاملاهية ، حيل مباهيته وليس معىن ذلك أن الوجود عرض، ني كونه حيوانا ناطقااخلارج هو ع

.)1(لكنه ال ميكن تصور الوجود مع الذهول عن املاهية ، ميكن تصورها مع الذهول عن الوجود

والوجود الذهين ، عمرو وهكذا فالوجود اخلارجي هو كون الشيئ مدركا باحلواس كزيد

ويضاف إىل هذا ، ثال يف الذهن ال غري مثل مجيع املوجوداتهو كون الشيئ متصورا أو ما

وهو يعين عدم فراغ الصنف حبيث يوجد عنصرا واحدا على األقل ينطبق عليه ، الوجود املنطقي

.)2(تعريف الصنف

ولذلك ، التصوراتو فهي تتعلق بأعلى املعاين Etreأما ما يتعلق بداللة مصطلح وجود

ن مع هذا فقد اصطلح على مجلة من التعاريف منها ما يفيد كونه لكو ،تعريفهو يتعذر حتديده

، خيرب عنهو أو هو ما به يصح أن يعلم، منفعلو وما به ينقسم الشيئ إىل فاعل، ثبوت العني

.)3(ويقابله العدم وهو ما ال يكون كذلك

فهو –الوجود احملمويل –أما األول ، ابطيالوجود الرو كذلك جند الوجود احملمويل

الوقوع حنو و اليت تعين احلصول) كان التامة ( يشري إىل وجود الشيئ يف نفسه وهو ما تفيد به

" أنا أفكر أنا موجود ) :" 1596/1650(وحنو قول ديكارت )*("كن فيكون" قوله تعاىل

)4(حممول على ذات الشيئ فالوجود يف هذه احلاالت

.177، ص 1998، اجلزائر، 2يعقويب، حممود، معجم الفلسفة، امليزان للنشر والتوزيع، ط .1 ملكان املرجع نفسه وا .2 .املرجع نفسه واملكان .3 .82سورة ياسني، اآلية .* .177يعقويب، حممود، املرجع السابق، ص .4

Page 20: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

6

)كان الناقصة( وهو ما تفيده ، غريثبوته للو أما الوجود الرابطي فهو وجود الشيئ

وعليه فالوجود املفاد من كان الناقصة مستعمل إليقاع " كان زيد قائما : " حنو قولنا

.)1(الربط بني حدي القضيةو احلملو اإلسناد

قد ميز يف موسوعته الفلسفية بني مدلول ) André Lalande.1963(1867هذا وجند الالند

.وبني مدلول مصطلح وجود كإسم، كفعل Etreمصطلح وجود

، األول باملعىن املطلق، حيمل على معنيني) يكون ، يوجد( كفعل "وجود "فمدلول

أي هو لفظ لطيف ، أما ما يتعلق باملعىن املطلق فهو يعرب عن فعل محلي، والثاين باملعىن النسيب

يت ينسب إليها القول أن شيئا إمنا ميكن التفريق بني مراتب خمتلفة من األفكار ال، يستحيل حتديده

): Est(ما موجود

ر باملعىن اجلوهري يفيد ما عأنا موجود، أنا أفكر:" عنه ديكارت بقوله ب.

2(باملعىن املظهري يوجد شيئا ما عندما يكون حاضرا اآلن يف التجربة(.

باملعىن املوضوعي يوجد شيئ عندما يكون مؤكدا بصفته صاحلا لتجربة كل

أو حىت على الرغم من عدم ، لى الرغم من عدم مثوله اآلن يف جتربة كل منهمع(األفراد

.)3( حضوره اآلن يف جتربة أي منهم

. 177ص ،يعقويب، حممود، املرجع السابق .1 . 373، ص 2001، بريوت، 2، تعريب خليل أمحد خليل، منشورات عويدات، ط 2الالند، أندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .2 .374ع نفسه، ص املرج .3

Page 21: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

7

عندئذ ، احملمولو فهو يعين عالمة العالقة بني الفاعل، أما باملعىن النسيب أو بصفته رابطة

:ميكنه ارتداء أربعة معان خمتلفة

يف صنف آخر ) وصفه كآل ال يتجزأ ب( أو إندغام صنف ، اندراج فرد يف صنف

:x € a.

أو إندماج صنف يف صنف ، إندغام مسة يف مسة:a b.

او يكون فيها للفاعل، رابطة أحكام متبادلة أو قابلة للتبادلاحملمول الداللة ذا ،

= وعندها فقط يترجم فعل الوجود بعالمة، عندها

مثال ذلك ، رد واحدعلى ف، طرفاها، يدل حداها، رابطة أحكام متماهية:

.)1(أوكتاف Ξأوغست

فماذا عن مدلول ، إذا كانت هذه أبرز املعاين اليت حتدد ا مدلول مصطلح الوجود كفعل

! ؟) إسم ( مصطلح الوجود كـــ

والثاين الوجود مبعىن ، األول هو الوجود مبعىن جمرد، يتحدد معىن الوجود كاسم مبعنيني

فلئن كان مثة جسم ، ) Existence(الوجود ، إىل عملية الكونأما األول فهو يشري ، ملموس

به أن يتعلق بقوا حبيث أا ال تستطيع فإن وجودها يفترض...ما يف العامل أو بعض العقول

. 374، مرجع سابق، ص 2الالند، أندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .1

Page 22: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

8

، حقيقيا فيناو أما باملعىن الثاين فهو يعرب عن كل ما يكون واقعيا، واحدة البقاء من دونه حلظة

.)1(ال متناه ، كائن كامل ،وجود تام يصدر عن وهو إمنا

ا وهي تتمثل يتحدد معان أخرى ميكن أن) Existence( هذا وجند ملصطلح وجود

:فيما يلي

وجود يف ذاته )En soi ( أي واقع الوجود مبعزل عن املعرفة سواء املعرفة

.احلالية أو كل معرفة ممكنة

أو ، وعيه ك األنا أو يفأي واقع الوجود املاثل حاليا يف إدرا وجود يف التجربة

.املثول كموضوع إختبار ضروري على الرغم من كونه غري راهن

النظرياتو التجريدات يف مقابل، معاشة أو واقعة، حية حقيقة أي قوي مبعىن.

أي حني تعطى جمموعة أفكار معينة واقع أن صنفا ما ال يكون ، وجود منطقي

وذا ، ال ال يوجد عدد مربع يكون ضعف آخرفمث) املاصدق ، عادما يف املدلول( = خاليا

.)2(بل للصنف ، املعىن ال يكون الوجود نعتا لألفراد

للوجود فماذا عن تارخيية املفهوم؟ اإلصطالحيو هذا عن املدلول اإليتمولوجي

كان ، من عدم –بشكل خاص - ملا كان من الصعب مبكان التأسيس ملفهوم ما يف الفلسفة

اجلينيالوجي مبا هو حقيقة جوهرية يتعذر علينا أن نتحرر و ع الكرونولوجيمن الضروري التتب

. 374ص، مرجع سابق، 2الالند، أندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .1 . 387ص ،املرجع نفسه .2

Page 23: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

9

خاصة إذا كان جمال البحث هو اإلشكاليات الفلسفية النظرية اليت تقتضي إدراك ، منها بسهولة

، اليت انبثقت عنها األفكار والتصورات موضوع البحث الفضاءاتو مدى تسلسل السياقات

ما يعين أن ذلك

، التصورات مبا هي قيم عامة ال متثل سوى إبستمية حقبة حمددة دون أخرىاألفكار و

فإن مساره اجلينيالوجي كان منذ ، ومن مثة فالوجود مبا هو يؤسس للوعي اإلنساين يف جوهره

إىل قصد الولوج، نحته تارخييان وبناء على هذا سنحاول أن، البدايات األوىل للفكر الفلسفي

س جينيالوجيا ؟سيتأس كيف لنتسائل، س نظريةأس عن له والبحث جوهره

: جينيالوجيا مفهوم الوجود .2

يف الفلسفة اليونانية:

نوعا من القداسة لدى إن املتأمل يف تاريخ الفلسفة ليدرك أن مبحث الوجود قد اكتسى Thales.624.546" (طاليس " وبداية من الفالسفة الطبيعيني األوائل جند ، فالسفة اليونان

يف تاريخ الفلسفة الغربية مبا هو أول من تساءل عن األصل أول األنطولوجيني ''بإعتباره )ق م حيث طرح جانبا الظواهر املادية وما ندركه من أشياء حسية ليغوص ، الذي صدر عنه الوجودوقال بنظرة تقوم على العقل ، فارتفع بذلك عن املشاهدة احلسية، حتتها حبثا عن مصدرها

.)1('' وهذا الواحد هو املادة، )*( ا أن الكل واحد أو األصل واحدأساسه

فهو فيلسوف ال ألنه قال باملاء كأصل لألشياء، يعترب طاليس أول من أدرك أن الكائنات املتباينة البد أن تكون قد صدرت عن أصل واحد، .*

، القاهرة، 1عبد الرمحن، سامية، امليتافيزيقا بني الرفض والتأييد، مكتبة النهضة املصرية، ط : انظر ( بل ألنه مؤسس هذا الضرب من الفلسفة . ) 89، ص 1993

.89، ص 1993، القاهرة، 1ضة املصرية، طعبد الرمحن، سامية، امليتافيزيقا بني الرفض والتأييد، مكتبة النه .1

Page 24: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

10

وهو ثاين )م.قAneximandris )610.547ويف السياق ذاته جند انكسمندريس

عنه األشياء مجيعا هو قد اعتقد أن األصل النهائي للوجود واملبدأ الذي صدرت ، فالسفة ملطية

وهو أزيل تنشأ عنه ، أصل كل وجود'' )*(ة فالالائيومن مث ـمبدأ غري حمدود وغري وغري متناه

.)1('' مث تعود إليه ، تفىنو املوجودات

وهو آخر ممثل )م.قAnaximenes )558 .524يأيت تصور أنكسيمانس ، بعد هذا

فتوصل إىل أن املبدأ األول ، حيث وفق بني تصور طاليس وتصور أنكسمندريس، ملدرسة أيونيا

وبالتايل فهو ، لكنه حمدد من حيث الكيف، يكون غري حمدد من حيث الكم للوجود البد أن

>>اهلواء<<)2(.

، وعلى ضوء هذا ميكن استنتاج أن الطابع الذي متيزت به أحباث أوائل فالسفة اليونان

.كان أنطولوجيا حبتا مبا هي قد توجهت إىل األصل وإىل البحث يف احلقيقة الوجودية

05.ق( Parmenidesرمنيدس االوجود حبثا فلسفيا عميقا فهو بأول من حبث يف '' أما

وأنه متصل ، سرمديو، واحد، ابتثولعل جوهر تصوره للوجود يتلخص يف كونه ، )3('')م.ق

وعلى هذا األساس رفض التغري واعتربه عني ، الفكر شيئ واحدو ومن مثة فالوجود، متجانس

إذ ليس ، واعتربه عني العدم، ه أن يتغري إال إىل وجودإذ ليس مثة إال الوجود الذي ال ميكن، العدم

يذهب انكسمندريس يف تصوره للمبدأ األول، إىل أن اإلنسان كان يف األصل مسكا، إذ يولد من الرطوبة بعد التبخر أي يف طني البحر الذي .*

.89عبد الرمحن، سامية، املرجع السابق، ص: انظر ( يتكون من عناصر التراب واملاء واهلواء .89د الرمحن، سامية، املرجع السابق، ص عب .1 . 90املرجع نفسه، ص .2 .526، ص 1984، بريوت، 1، املؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 2بدوي، عبد الرمحن، موسوعة الفلسفة، ج .3

Page 25: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

11

ومبا ، وهكذا فالوجود هو هو نفسه، مثة إال الوجود الذي ال ميكنه أن يتغري إال إىل وجود أيضا

مالء يتسم باألزلية "وبالتايل فالوجود ، )1(هو ضروري فال ميكن أن يكون خبالف ما هو كائن

ومن مث فهو ساكن ، س به حاجة حلركة يبلغ ا غاية ما تنقصهإكتمال كماله فليلو ،الكمالو

.)2(" سكونا تاما

أول فيلسوف أطلق حكما ميتافيزيقيا عن الوجود " بارمنيدس " ويبدو أن هذا ما جعل

>>اوجود غري موجوداللو ،الوجود موجود <<بعبارته الشهرية )3(.

كل "يطس أن التغري جوهر الوجود وأن اعتقد هرياقل، وعلى النقيض من هذا التصور متاما

وباجلملة ال ، وحىت األضداد يتحول بعضها إىل بعض، شيئ يف سيالن دائم وال شيئ ثابت

، ليس هناك ثبات، ليس مثة دوام ألي شيئ'' فالتحول واحلركية تفيد أنه ، )4(" يوجد إال التغري

تستحم يف النهر وكما أنك ال، هرإن احلياة جتري مثل جريان مياه الن، أو مجود أو حىت سكون

.)5('' ة حقائق نقف عندها الواحد مرتني فليس مث

ومع أن الصريورة والتغري تعبري عن جوهر الوجود إال أنه ال ميكن أن يكون هذا التغري

حيكم Logosوغوس العقل أو اللو ،وعليه فالتغري حيكمه بالضرورة القانون، بغري قانون

.626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .1 .136، ص 2001، بريوت، 1بية، ط قاسم حممد، حممد، مدخل إىل الفلسفة، دار النهضة العر .2 .93عبد الرمحن، سامية، املرجع السابق، ص .3 . 626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .4 .136قاسم حممد، حممد، املرجع السابق، ص .5

Page 26: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

12

القانون و العقل اإلهلي بني األشياء أو االنسجامو الذي حيقق النظام وهو وحده، الوجود

.)1(املطلق

Socratesيأيت سقراط ، رؤية هراقليطسو ويف خصم هذا التناقض بني رؤية بارمنيدس

ومعهما تبلور تصور جديد يقوم على التوفيق بني التصورين ، وأفالطون) *()م.ق(399.470

.)2(ئي هو املتغير أما الكلي فهو ثابت إذ قاال أن اجلز، السابقني

تصور وجود ثابت ساكن على عامل )م.ق(Platon 348.428 وضمن هذا املوقف أضفى أفالطون

، ويلزم عن ذلك أن كل مثال ينطوي على ماهيته يف صورة حقيقة ثابتة ال تتغري، )*(املثل

جديرا إال بالتغري يكون عامل احلس يف حني ال، وهكذا يكون للمثل الوجود احلقيقي

.)3(اهلرياقليطي

، فاعتقد أن الوجود مقولة شديدة العمومية)م.ق(Aristote 322.384 وجاء تلميذه أرسطو

ذلك مبا هو أعم، يتعذر تعريفه مبقوالت أخرى نرده إليها ولذلك، بل هو جنس األجناس

.92عبد الرمحن، سامية، املرجع السابق، ص .1فلسفة اليونانية، وحتول اإلهتمام من الطبيعة إىل الت الثورة تتشعب منه يف كان لسقراط أمهية خاصة يف تكوين فلسفة الوجود، إذ بدأ .*

أصبح السؤال عن الذات البشرية هو منهج الفلسفة، ومعرفة هذه الذات هي غاية الفلسفة ، اإلنسان نفسه، بوصفه حمورا للبحث الفلسفي 47، ص 1982، تلس الوطين للثقافة والفنون واآلداب، الكوياكوري، جون، الوجودية، ترمجة، إمام عبد الفتاح، إمام، ام: ظرأن( ).)دط( .626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .2مساها املثل اإلهلية، تتمثل بكوا ال تفسد وال تتغير، بل إا و قال أفالطون بنظرية املثل، وهي صورة جمردة للموجودات يف عامل اإلله، .*

املثل األفالطونية، وهي مبدأ الوجود واملعرفة، ذلك أن اجلسم ال يتعين يف نوعه إال إذا و لتغير والفساد من املوجودات الكائنة،خالدة، بل ينال اقاسم حممد، ( ثل املشاركه جبزء من مادته يف مثال من املثل، كذلك أن النفس ال تدرك وال تعرف أمساءها إال إذا كانت قادرة على تأمل

.)137ملرجع السابق، ص حممد، ا .137قاسم حممد، حممد، املرجع السابق، ص .3

Page 27: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

13

أي ، ي أن يدرك بالتواطؤال ينبغ الوجود'' اعترب أرسطو أن ومن مث، املقوالت وأوضح املعاين

ذلك أنه رأى للوجود حالني مها ، من الوجود ومن اللاوجود يشتق وهو ميكن أن، مبعىن واحد

من حال القوة إىل االنتقالأما التغير فما هو إال ، بالفعل والوجود، )اإلمكان( الوجود بالقوة

.)1('' حال الفعل

ميتزج فيه املعقول '' ر جديد نلمس مالمح تصو) م.ق 204.270( ومع أفلوطني

ويتعقل ماهيته ، فالعقل األعلى الذي يتعقل ذاته يتعقل ذاته بوصفه وجودا أعلى، باملوجود

علته فهو و أما مصدر هذا الوجود، )2('' بوصفها قابلة للتحديد يف املوجودات املعقولة اجلزئية

>>اخلري << أحيانا أخرىو >>اهللا <<الذي يسميه أحيانا )*(الواحد" )3(

، إذا كان هذا ما ميثل نظرة شاملة وجيزة لتطور النظر ملفهوم الوجود لدى فالسفة اليونان

يف الفلسفة الوسيطية ؟ سفكيف تراه قد تأس

.626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .1 . 626املرجع نفسه، ص .2الواحد عند أفلوطني جوهر بسيط كامل يعلو فوق العامل، وإن كان حاضرا يف كل شيء، فمن هذا الواحد تصدر أو تفيض كل املراتب .*

). 99عبد الرمحن سامية، مرجع سابق، ص : انظر ( للموجودات، فاملصدر األول ثابت مع خروج غريه منه األخرى .99عبد الرمحن، سامية، املرجع السابق، ص .3

Page 28: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

14

الوسيطية ( يف الفلسفة املدرسية:(

هي مبا يبدو أن أبرز ما اتفق عليه لدى الفالسفة املدرسيني أن الوجود مقابل للماهية

حاصال يف التجربة غري وكون الشيئ، الفعلي له هو التحقق والوجود، للشيئ املعقولة الطبيعة

.)1(كونه ذا طبيعة معقولة

فقد ارتبط حبثه ملشكلة الوجود ) Aurelius Augustinus )430.354أما القديس أوغسطني

ال ملا وهو فع، ا شيئفال حيده، اهللا قوة مطلقة تسيطر على الوجود بأسره'' فاعتقد أن ، باهللا

)2('' ة لكل ما يقع يف أحناء الكون من أحداث فال خيرج شيئ عن إرادته مبا هو العل، يريد

وكيفيته، وعلى هذا فبحثه ملشكلة الوجود دار يف جممله حول املشيئة اإلهلية يف خلق الوجود

.ومن مثة فال وجود للوجود بدون اهللا، صلته املستمرة بهو

وبني العامل ، األفكار اليت هي الصور األصلية لكل موجود'' ز أوغسطني بنيهذا وقد مي

أما العوامل املكونة للوجود فهي ...النسخ عن هذه الصور األصليةو املخلوق مبا هو التحقق

حيث خلق اهللا جزءا من الوجود يف شكله النهائي ، )أفكار أزلية ( الشكل و الزمان، املادة

أجسام ( فهو ال حمالة قابل للتغري أما اجلزء األخر من املخلوقات ) فالك األ، الروح، املالئكة(

.)3('') الكائنات احلية

.559صليبا، مجيل، املرجع السابق، ص .1 .06ص ،)د ط ( ، 1936هرة، زكي جنيب، حممود، قصة الفلسفة احلديثة، مطبعة جلنة التأليف والترمجة والنشر، القا .2 .69، بريوت، ص 2007، 2جورج كتورة، املكتبة الشرقية، ط :كونزمان، بيتر، وآخرون، أطلس الفلسفة، ترمجة .3

Page 29: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

15

اللغة مت و كان اخللق والوجود بفعل إهلي صرف ومبجرد الكالم، األساسوعلى هذا

أن مل فأخرجه من العدم بعد، اجتهت منذ األزل إىل خلق هذا الوجود''وبإرادة إهلية حرة ، ذلك

أما اهللا فليس ، وقد بدأ اخللق املادي حني بدأ الزمان، فخلقه خلقا دون أن ينبثق منه، كن شيئاي

، امتزجت باألنطولوجيا مع أرسطو ذلك ما يوضح أن امليتافيزيقا اليت، )1('' له زمان وال مكان

.(*)تكون قد حتولت مع القديس أوغسطني إىل علم اإلهليات أو الثيولوجيا

بكونه معىن أعتقد أن ال يتحدد) Thomas d’aquin )1274.1225توما اإلكويين أما القديس

وحيث هو ، هو يعلو على كل األنواعفوعليه ، جنسيا مبا هو ينطوي يف ذاته على كل اختالفاته

ويشري إىل كل ، الفصول النوعيةو ،األنواعو يعلو على كل األجناس، كذلك فهو حد متعال

الوجود حبسب تصور القديس وعليه يبدو أن حقيقة، )2( ل شيئحيتوي إذن على كو ،شيئ

.توما اإلكويين مشتركة بني مجيع الكائنات

حدود املعرفة البشرية يلزم عنها أن دوائر الوجود اليت ميكن ''هذا وجنده يؤكد على أن

هو احملرك للعقل البشري أن يبلغ إليها ال تتخطى العامل الطبيعي املختتم بثيولوجيا تعترب أن اهللا

.06زكي جنيب، حممود، املرجع السابق، ص .1 باإلنسان، وهو الهوت موحى، كما مصطلح يعين علم الالهوت، أي علم اهللا، وعلم صفاته، وصالته بالعامل) theologie( الثيولوجيا .*

يقال أيضا الهوت مقدس، الهوت عقائدي أو مذهيب، وهو الذي يشري إىل كالم اهللا احملفوظ يف كتب مقدسة، كما يدل مصطلح ثيولوجيا ي، الذي من خالله يتمثل على الهوت آباء الكنيسة، أما عند أوغست كونت فاحلالة الالهوتية تعبر عن احلالة األولية من تطور الفكر البشر

، املرجع السابق، ص 3الالند، اندري، موسوعة الفلسفة، ج: انظر ( الظواهر بوصفها من نتاج الفعل املباشر واملتواصل لعوامل خارقة 1451 .

.626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .2

Page 30: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

16

، ذلك ما يوحي مبدى ارتباط الفهم التوماوي للوجود بالفهم األرسطي له من جهة، )1(''األول

من املمكن وصف '' كذلك فقد رأى أنه وحيث هو، وبإبستمية العصر الوسيط من جهة ثانية

.)2(''لكل املوجودات >>األساس <<و >>اجلذر <<و >>اهليوىل << الوجود بأنه

فلسفة اإلسالمية يف ال :

حيث فهموا الوجود يف ، اكتست مشكلة الوجود أمهية قصوى لدى فالسفة اإلسالم

إطار إبستمية خاصة جتمع بني أصول املشكلة اليت متتد إىل الفلسفة اليونانية اليت تأثروا ا أيما

يف تصورهم وتبلور ذلك جليا ، وبني اجلانب األيديولوجي والعقدي الذي ينتمون إليه، تأثر

.للوجود

فمنهم من استندت رؤيته يف تفسري الوجود على مدلول عالقة العلة باملعلول كما هو

، حيث فسر الوجود وفقا لنظرته لعالقة اهللا بالعامل) م 873. 805( الشأن عند الكندي

فاهللا '' ومن مث، ال تتأثر بهو فإا تؤثر فيه، وحيث تكون العلة أرقى يف مرتبة الوجود من املعلول

، كل ما ينشأ يف الكون يرتبط بعضه ببعض إرتباط علة مبعلولو هو العلة األوىلو هو اخلالق

وعلى هذا ، ويترتب عن ذلك أن كل موجود يف الكون يعكس سائر املوجودات كأنه مرآة هلا

.)3('' التراتب العلي فإنك إذا عرفت موجودا واحدا عرفت بقية العامل

. 178، ص 1988، 2طليعة للطباعة والنشر، بريوت، ط ، ترمجة جورج طرابيشي، دار ال3بريهيه، إميل، تاريخ الفلسفة، ج .1 .626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .2 .141قاسم حممد، حممد، املرجع السابق، ص .3

Page 31: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

17

أو ، فإما واجب الوجود، الوجود يطلق على صورتني) م 870.950 (وعند الفارايب

وعلى ذلك فإن النظر يف الوجود املمكن يقتضي ضرورة تصور علة حتقق له ، ممكن الوجود

فقد لزم عن ذلك ضرورة القول ، ومبا أن العلل ال ميكن أن تتسلسل إىل غري اية، الوجود

وهو بالفعل يف مجيع ، له بذاته كماله األمسى ،ال علة لوجوده، بوجود موجود واجب الوجود

.)1(هو اهللا ، ال يعتريه التغري، عما سواه غين، قائم بذاته، جهاته منذ األزل

أو ممكن ، فذهب إىل أن كل وجود إما واجب وجود بذاته) 980. 1038( أما ابن سينا

مث عاد من ، اهليوىل وقد ابتدأ الوجود من األشرف فاألشرف حىت انتهى إىل، الوجود بذاته

2(العقل املستفادو إىل األشرف فاألشرف حىت بلغ النفس الناطقة، األخس فاألخس(.

وهو عرض يف األشياء ، هذا ويؤكد ابن سينا على أن وجود الشيئ زائد على ماهيته

.)3(خارج عن تقومي ماهياا ، ذوات املاهيات املختلفة حمموال عليها

يف الفلسفة احلديثة:

فكرة الوجود بالشيئ '' لعل السمة الغالبة على تصور الوجود يف العصر احلديث ارتباط

>>objet<<اسم الطبيعي حىت انتهى األمر إىل اخللط بني فكرة الوجود وفكرة املوضوع

.111عبد الرمحن، سامية، املرجع السابق، ص .1 .626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .2 .559صليبا، مجيل، املرجع السابق، ص .3

Page 32: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

18

مع البحث ) اخلاص بالوجود (فامتزج البحث األنطولوجي ، وأصبح املوجود هو ما ميكن امتثاله

.)1(''عرفة اخلاص بامل

، كمبدأ أويل له يف املعرفة اعترب الوجود) Descartes )1596.1650ت فـ ديكار

وحيث أن وعي الفرد لذاته ووجوده يفيد أنه غري ، وهي املعرفة املباشرة اليت تعرف بالوعي

ذلك ، فلسفي ومعرفة تأسيسها، فذلك يلزم عنه أن الكمال ال يأيت إال من موجود كامل، كامل

أنا أفكر أنا <<األنطولوجي للكوجيتو الديكاريت انطالقا من املدلول نتمثله بوضوح ما

.)2(إذ هو ميثل يف جوهره مذهبا خالصا يف الوجود ، >>موجود

اإلدراكو وحيلل ديكارت معىن الفكر الذي يقصده فنجده ينطوي على اإلحساس

ما حيلل معىن الوجود الذي ينسب إىل ك، الشكو اإلنكارو اإلثباتو الرغبةو اإلرادةو التخيلو

وكليهما جوهر ماهيته " نفس " أو " عقل " فريى وجود " أنا موجود " يف قوله >>أنا <<

إذ من السهل إنكار وجوده واإلبقاء على ، وتبعا هلذا فال يترتب الوجود على البدن، الفكر

.)3(النفس أو العقل أننا نقع يف تناقض ال يغتفر إن أنكرنا وجودإال أننا النفس

. 626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .1 .38، ص 2008، اجلزائر، 1ابراهيم، أمحد، انطولوجيا اللغة عند مارتن هيدغر، منشورات اإلختالف، ط .2 .144قاسم حممد، حممد، املرجع السابق، ص .3

Page 33: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

19

فتأسست نظرته للوجود يف إطار شروط ) Immanuel Kant )1804.1724 أما كانط

حنكم بوجود شيئ إذا كان موضوعا للمعرفة :وبصورة مباشرة ميكن القول ، نظريته يف املعرفة

.)(يكون مبحث األنطولوجيا قد امتزج عند كانط مببحث اإلبستمولوجيا وهكذا )1(اإلنسانية

فاألوىل تتعلق ، "ةالكينون"و"الوقعية "أشار كانط إىل مقولتني تتعلقان بالوجود مها لقد

ولذلك آمن بوجود ، أما الكينونة فهي ظواهر الطبيعة معطاة، باحلكم بوصفه عملية عقلية

ومن مث جنده هاجم املثالية التوكيدية كما هو الشأن عند ، خارج العقل >>أشياء يف ذاا <<

ويترتب عن هذا أن الوجود وجود ظاهري ، )2(مثال)Berkley George)1685 .1753ي باركل

ميكن الوصول إىل أن برهان كانط وبالتايل ، ووجود يف ذاته يتجاوز حدود العقل، قابل للمعرفة

:ذلك ما يبدو من خالل ما يلي ، على وجود العامل كان انطالقا من برهانه على الذات

ويصاحب الوعي بالوجود ، اشر بوجوده املتمايز عن وجود غريهلكل إنسان وعيه املب

املكان صورتان تنتظمان مادة ، ووعليه سيشكل الزمن، شعورا بالذات يف إطار زمن حمدد

أما معيار إدراك تعاقب حااليت الداخلية ، ومثة وجود، فتكون مثة معرفة، قوامها احلدوس احلسية

وحينئذ فشعوري بوجودي يستلزم وجود عامل ، شغل مكانااليت تعتريين فهو وجود شيئ ثابت ي

.145ص قاسم حممد، حممد، املرجع السابق، .1. اإلبستمولوجيا )épistémologie ( إبستما : أحدمها : ، لفظ مركب من لفظني)épistémé ( وهو يعين العلم، واآلخر لوغوس)logos ( ،اوهو يعين النظرية أو الدراسة، فمعىن اإلبستمولوجيا إذن نظرية العلوم، أو فلسفة العلوم، أي دراسة مبادئ العلوم، وفرضيا

، دار الكتاب اللبناين، 1صليبا مجيل، املعجم الفلسفي، ج: انظر ( نطقي وقيمتها املوضوعية ونتائجها، دراسة انتقاديه توصل إىل إبراز أصلها امل . 33، ص 1980، بريوت، )د ط ( .627بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .2

Page 34: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

20

، وعلى هذا األساس تكون الذات موجودة استنادا إىل معيار خارجي هو العامل، خارجي واقعي

.)1(أدركه كما أدرك ذايت و والعامل موجود ألين أعرفه

Friedrich حيث يرى هيجل، وعلى إثر هذا جند التصور اهليجلي الذي ينتقد فيه كانط

Hegel )1770 .1831( فـــ، أنه مل يدرك جيدا أمهية الربهان األنطولوجي) أكد أن )هيجل

احتاده و وذلك من خالل جمرى التاريخ ومنه توليد الكامل، األلوهية تتحدى ذاا لتثبت نفسها

كن أو حىت ال مي، األفضل أال نقسم رأى أنه من وتبعا هلذا، مع الواقع يف اية ارى التارخيي

لينتهي إىل عدم ، وبني العقل والواقع، العاملو وبني اهللا، والظواهر اجلوهر بتاتا الفصل بني

ليس )(وتبعا هلذا انتهى هيجل إىل أن الوجود ، )2(الفكرة و إمكانية الفصل حىت بني الوجود

ايل وبالت، ذلك ما يشري إىل التأسيس اهليجلي للكل، وهي منطلق التاريخ) Idée(سوى فكرة

،لوهةولكن هذه املرة سوف يشكل عند هيجل كروح أو كفكرة أو أ، لعقل أو للكللالعودة

.)3(أي شيئ آخر ال وجود له إال بالنسبة إليه و

"نيتشه" فلسفة عموما و ةوانطالقا من هذا التصور حتديدا سيتجلى لنا أن الفلسفة املعاصر

حسبه طابع ل هذه التصورات النسقية اليت اكتسترد فعل ثائر على مث إمنا متثل، بصفة خاصة

.148 -147قاسم حممد، حممد، املرجع السابق، ص ص .1 39إبراهيم، أمحد، املرجع السابق، ص .2. ل فيه، إال إذا كان هذا و إنه الالحتدد اخلالص،:" عن الوجود قال هيجلأمل إن افترضنا إمكان التأماخلواء احملض، وليس فيه موضوع للت

م، التأمل خالصا، خاويا، كذلك ال نستطيع أن نفكر فيه، ألن ذلك سيكون تفكريا يف اخلالء، إن الوجود املباشر اللاحمدود هو يف الواقع عد، ص 1975، الكويت، 1بدوي، عبد الرمحن، مدخل جديد إىل الفلسفة، وكالة املطبوعات، ط: انظر " ( ر، وال أقل من عدم وليس أكث

176. .39ابراهيم أمحد، املرجع السابق، .3

Page 35: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

21

فكيف جتلى مفهوم الوجود يف الفلسفة ، واليت ال طائل من ورائها سوى العقل، األفكار امليثالية

ويف التصور النيتشوي خاصة ؟، املعاصرة عامة

يف الفلسفة املعاصرة :

هي يف ، عاجلتها املواضيع اليتو يبدو أن الفلسفة املعاصرة على تنوع تياراا وثراء القضايا

لذلك جند ، ووالدوغماتية كانت حتكم الفلسفة احلديثة، املذهبيةو الغالب متثل ثورة ضد النسقية

ومعها برزت التفرقة بني الوجود، أن تصور الوجود فيها خيتلف عنه يف جل الفلسفات السابقة

.ذلك ما يظهر لدى أشهر أعالمها، املوجودو

األساس و هو املعطى األول'' الوجود )Hartman Nicolai )1882 .1950 فعند هارمتان

بل هو معطى ، لالمتثالواملوجود ليس جمرد موضوع ، ولكل مذهب يف الفلسفة، لكل حبث

.)1(''حاضر

فأقر أنه يبحث فلسفة الوجود العام ) Martin Hiedegger )1889 .1976ر أما هيدج

أما باقي ، ك رأى أن الوجود يقتصر على اإلنسان وحدهولذل، دون فلسفة الوجود اإلنساين

هلذه التفرقة بني وعلى ذلك جنده يؤسس، املوضوعات فتتخذ حاالت أخرى غري الوجود

وهذا اإلتصال جيري ، باعتبار أن اإلنسان وجود منفتح يتصل بكل ما يف احلياة، اإلنسان وغريه

.627بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .1

Page 36: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

22

خربات و يف حاضرها آمال املستقبلالعطاء تستجمع و مرة من األخذتعلى حنو حركة مسب

.)1(املاضي مث تنطبق ا لتحقيق ذاا

أي بالبحث يف ، الوجودو هذا ويكون هيدجر قد اهتم بالبحث يف العالقة بني اإلنسان

فرأى أن بارمنيدس هو الوحيد الذي وضع ، اليت هي ليست جمرد كينونة هناك) الدازاين(اآلنية

أغفلت و عنيت باملوجود أما من بعده فإن الفلسفة الغربية، مشكلة الوجود وضعا حقيقيا

).2(فعله بارمنيدس من اإلهتمام بالوجود املطلق لذلك أكد على ضرورة العودة إىل ما، الوجود

، يبدو أن الوجود سيفهم مبعنيني، )Jean Paul Sartre )1905 .1980ومع سارتر

ىل املوجود الكامل الذي يكاد يشبه وجوده أما األول فيشري إ، ووجود لذاته، وجود يف ذاته

ذلك أن هذا املوجود كامن ، فليس فيه ثغرة ينفذ منها وجود اآلخرين، الشيئ الصلب املتماسك

قوامه ، أما الوجود لذاته فيشري إىل موجود متغري متحرك على مسار الزمان، يف ذاته كامل ا

ل من وجود يرتع باستمرار إىل التنص أقرب ما يكون إىل إعتباره مشروع وهو بذلك، الشعور

وعليه فاإلنسان من حيث هو موجود ، ذلك ما يتميز به اإلنسان وحده، )3(ماضيه لتحقيق ذاته

فهو ، ميثل اإلنسان الواعي الذي هو دوما خيطط ملشروع لكي يوجد على غري ما هو عليه اآلن

.حياول باستمرار حتقيق مشروعه يف عامل الوجود يف ذاته

.126، ص 1984، بريوت، 3 العشماوي، سعيد، تاريخ الوجودية يف الفكر البشري، الوطن العريب، ط .1 .626بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص . 2 . 135العشماوي، سعيد، املرجع السابق، ص .3

Page 37: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

23

ذا كان هذا هو التصور السائد لدى بعض أقطاب الفلسفة املعاصرة عموما والوجودية فإ

وما قيمته ضمن ما تبلور من ؟")(نيتشه فكيف جتلى تصور الوجود لدى، بصفة خاصة

يف بلورة الرؤية الفلسفية لدى " نيتشه " وإىل أي مدى سامهت رؤية تصورات معاصرة ؟

هؤالء الفالسفة؟

وذلك ، سفة نيتشه األثر العميق على جممل التصورات الفلسفية اليت حلقتهيبدو أن لفل

.دولوز وغريهم، هيدجر، باعتراف كبار الفالسفة املعاصرين أمثال ياسربس

، ر مستمرى أن الوجود تغيأرأنه ذلك ، أما تصوره للوجود فقد اكتسى طابعا هريقليطيا

إال أنه ليس شرطا يف ، إن كان شرطا يف التفكريو ةلذلك اعترب أن مبدأ الذاتيو ،وصريورة دائمة

تلك الثورة اليت شنها نيتشه ضد كل الفالسفة الذين جيعلنا ندرك سر ولعل موقفه هذا، الوجود

. فريدريك نيتشهFriedrich Niezsche يف مقاطعة سكسونيا بأملانيا من عائلة دينية، سواء من جهة أبيه، أو من 1844ولد سنة ،بطابع إمياين حبت، كان أترابه يف املدرسة يطلقون عليه اسم القسيس الصغري، لكن عندما بلغ سن الرشد ختلى جهة أمه، مما جعل تنشئته تصبغ

، وختصص يف الفيلولوجيا الكالسيكية حتت تأثري "اليبزيغ " مث يف " بون " أستاذه النموذجي، فتتلمذ له يف " ريتشل " عن إميانه املسيحي، كان فثبته دكتورا قبل أن يناقش األطروحة، تعرف على شخصيات مهمة يف عصره منها " إنه عبقري :" ذه نيتشه أستاذه الذي قال عن تلمي

، استقال من مهنة التعليم وقدمت له "لو أندرياس سالومي " و" أوفر بك " و" بيتر غاست " و" بول ريه " و" ريتشارد فاغنر " املوسيقي لصحية، مما مسح له بالسفر إىل الكثري من البلدان األوربية سائحا، انتهى به املطاف بايار عقلي أدى منحة على شكل معاش بسبب سوء حالته ا

: ، من أهم مؤلفاته 1900عليه وعلى كتبه وخملفاته، إىل غاية وفاته سنة –أخته الوحيدة -" إلزابيت " ، فأشرفت 1888جنونه يف أواخر ، إنسان مفرط يف إنسانيته اجلزء األول والثاين الذي 1876إىل 1872لالراهنة بأجزائه األربعة من ، اإلعتبارات ا1872مولد التراجيديا

هكذا تكلم " ، ألف كتابه األهم 1885إىل 1883، ومن 1881، مث كتاب الفجر 1879إىل 1878يضم املسافر وضله من سنة ، "أفول األصنام " ، "احلالة فاغنر " ، "أصل األخالق وفصلها " ، "ري والشر ما وراء اخل" تتالت إصداراته ابتداء من 1886، ومن "زرادشت

وللتوسع أكثر يف حياة نيتشه وسرية الذاتية ميكن العودة إىل الكثري من " إرادة القوة " الذي مل ينشر إال بعد وفاته، مثله مثل " هذا اإلنسان " ، وكتاب سالومي، إىل جانب كتاب جورج مورال، لكن أحسن صورة "نيتشه " ون بـــ املعن" دانيال هاليفري " كتاب:املؤلفات، وأمهها

بعة حلياة نيتشه الشخصية جندها يف الة األدبية الفرنسية يف عددها اخلاص بــ نيتشه، حيث مت عرض حياة نيتشه منذ أن كان شابا يف السا، واآللة الكاتبة اليت "كارل لودفيج " وأبيه " فرانشيسكا إرنستني روزاورا " ور أمه عشر إىل سنواته األخرية عندما كان جمنونا، كما مت وضع ص .الصورة التذكارية مع سالومي وبول ريهو ،1872استعملها نيتشه ذاته، وكذلك صور فاغنر وزوجته كوزميا

Page 38: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

24

وعليه يكون التفكري يف ، )1(التغير و قالوا بوحدة الوجود وثباته بدال من القول بالصريورة

األمر، يوهم بوجود شيئ ثابت، جمرد وهم –شه حبسب نيت -الوجود بوصفه وجودا ساكنا

.اليت تشكل وحدها الوجود احلقيقي، الذي ينتقص من قيمة الصريورة الدائمة

، تتحدد أنطولوجيا الوجود حسب نيتشه يف تصور الصـريورة مبـا هـي جـوهر الوجـود

هـي و، أمواجـه و سوى ـر الصـريورة ، هناك سوى تيار احلياة املضطرب" ذلك أنه ليس

بـل ، لـيس مـن شـيئ ثابـت و، يبقىو ليس من شيئ يظلو ،هبوط ال ينقطعو يف صعود

ميكـن إدراك أن دواعـي هـذا التضـايف بـني و، )2(" كل شيئ ذاهب يف ر الصريورة

لإلنسـان أن يـرتع توق نيتشه إىل رؤيـة جديـدة تــتيح تكمن يف، الصريورةو الوجود

السـابقة الـيت خلقـت فيـه روح السـكون عن نفسه ما أمل ا من جـراء التصـورات

وهـو مـا يتـيح ، ومن مثة سيكون يف إمكانه أن يبصر جريان الوجود وحركيتـه ، اجلمودو

تلـك اإلمكانـات الـيت ستفضـي بـه ، له خلق فضاء فسيح مليئ بإمكانات هائلة للوجود

ايةو ،الذي ال يتوقف اإلبداع، وحتما إىل اخللق املستمر ال نصل فيه إىل.

الصــريورة حتمـل يف طياـا بـذور اخللــق ، ورديـف الصـريورة ، الوجـود إذن

وهـو ، وأنـواع الصـراع ، ذلك أن ما حيكم الوجود أنه نسيج مـن األضـداد ، اإلبداعو

فكـل إجيـاب يسـتدعي ، وحيث هـو كـذلك ، بذلك ال ميكن استيعابه يف مظهر واحد

.513بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .1 .252، ص2007، )دط(تنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بريوت، يسري، ابرهيم، فلسفة األخالق، دار ال .2

Page 39: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

25

تعـدد لوجهـات النظـر ولكن مع ذلك جنـد أن هـذا ال ، وكل نفي يشمل تأكيدا، سلبا

وجيعلنـا نـدرك جتربـة ، التـاريخ و هو وحده الذي يضفي بعد العمق على احلياة، املتعارضة

)1(الوجود الباطنية يف حقيقتها الدياليكتيكية

فالوجود واحلياة " وعلى ذلك، باحلياة نيتشه ارتبط عند قد الوجود تصور ويكون، هذا

تكون املاهية ومن مثة، ال وجود لوجود آخرو، احلي هو الوجود، مها يف مستوى واحد

فإنه ، وما دمنا ال منتلك طريقة أخرى لتمثل الوجود سوى العيش، بالضرورة هي منط الوجود

.)2('' يتبع ذلك بالضرورة القول أن مفهوم الوجود حمدد كليا بالشروط الباطنية للحياة

ما فلسفة اإلرادة النيتشوية ورغم أنه ليس يف، لقد اقترح نيتشه تصورا جديدا للوجود

اد حتإال أن هذا اإل، طرح مشكلة حول األساس األساس األونطولوجي من نيتشه نفسهيشري إىل

غري أن نيتشه يف ، شدة العامل بات ميتلك ميزة املطلق غري املفارقو الذي تلتقي فيه شدة اإلنسان

وجود هنا " أو " وجود " الوقت ذاته ال يسمح مبجيئ هذا التصور ألن كل شيئ عنده هو

)"Dasein ( ، كل شيئ وجود)فال جمال للنظر إليهما إال ، وحيث أن الوجود هو احلياة، )3

ليست احلياة و ،غري احلياة -النيتشوي-حبسب التصور -إذ ليس الوجود، من زاوية إرادة القوة

النيتشوي للوجود ندرك وانطالقا من هذه الرؤية ، ليس اإلرادة غري إرادة القوةو ،غري اإلرادة

، 1988، بريوت، 1جوليفي، رجييس، املذاهب الوجودية من كريكوجورد إىل جون بول سارتر، ترمجة، فؤاد كامل، دار اآلداب، ط .1

.51ص .72-71، ص 2010، اجلزائر، 1نيتشه، فريدريك، إرادة القوة، ترمجة، مجال مفرج، منشورات اإلختالف، ط .2 . 2011، 1لكحل، فيصل، إشكالية تأسيس الدازين يف أونطولوجيا مارتن هيدغر، مؤسسة كنوز احلكمة للنشر والتوزيع، اجلزائر، ط .3

Page 40: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

26

جراء األثر العميق الذي ، الذي حدث يف االنطولوجيا الغربية املعاصرة االنقالبجليا مدى

ولعل هذا ما ، على امليتافيزيقا الغربية خاصةو الثورية على الفلسفة عامةو النقدية أفكاره خلفته

.سنحاول تبيانه يف الفصول الالحقة

Page 41: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

27

تارخيية القيمة أو األصل اجلينيالوجي للمصطلح: املبحث الثاين

:إيتمولوجيا املفهوم . 1

يف ) Valor(، يف اللغة اإلجنليزية) Value(، يف اللغة الفرنسية) Valeur(القيمة

.)1(اللغة الالتينية

قيمة ي أنر قيمته أم الشيئ تقييما إذا قدقي القيمة لغة تشري إىل مجلة من املعاين أبرزها

أي ما له ، وما لفالن قيمة، كما يقال أن قيمة املرء ما حيسنه، وقيمة املتاع مثنه، الشيئ قدره

.)2(دوام على األمر و ثبات

وقد ، والثمن قد يكون مساويا للقيمة وقد يكون زائدا منه، ما قوم به مقوم القيمةو

يع يف عقد البيع يسمى مثنا واحلاصل أن ما يقدره العاقدان بكونه عوضا للمب، يكون ناقصا عنه

)3(روجوه يف معامالم يسمى قيمة و قرروه فيما بينهمو وما قدره أهل السوق

هي تعين كما ذكرنا و ،وأصله الواو ألنه يقوم مقام الشيئ، إذن فالقيمة واحدة القيم

ستمرت طريقته او وإذا انقاد الشيئ، تقاوموه فيما بينهم: حنو قولنا ، سابقا مثن الشيئ بالتقومي

أي دينار مائة األمة يقال كم قامت ناقتك ؟ أي كم بلغت ؟ وقد قامتو ،فقد استقام لوجهه

التقومي لقول و االستقامةومنها ، )4(بلغت ؟ أي كم أمتك ؟ قامت وكم، دينار مائة قيمتها بلغ

.212صليبا، مجيل، املرجع السابق، ص .1 .212، ص نفسهاملرجع .2 .540التهانوي، حممد علي، املرجع السابق، ص .3 .549، ص 2008، بربوت، 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 5ل الدين حممد، لسان العرب، ج ابن منظور، مجا .4

Page 42: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

28

: لنا فقال متيا رسول اهللا لو قو: ويف احلديث قالوا ، متهاستقمت املتاع أي قو: أهل مكة

ماهللا هو املقو ،وعليه فالقيمة )1(وهو من قيمة الشيئ أي حددت لنا قيمتها ، رت لناأي لو سع

وشيئ ، ومثن كل شيئ قيمته، مثن البيع:والثمن ، ما تستحق به الشيئ'' تعبر عن الثمن وهو

.أو أن قيمته عالية، أي أنه شيئ قيم )2('' مثني أي مرتفع الثمن

يصعب حتديده بدقة ألن هذه )( فاملعىن الدقيق ملصطلح القيمة االصطالحيةلناحية أما من ا

ومن املرغوب فيه إىل ، انتقاال من الواقع إىل القانون، الكلمة متثل يف الغالب مفهوما متحركا ''

ما هو قابل أي من املرغوب فيه إىل) 3('' من خالل املرغوب فيه املشترك –عموما –الرغوب

املدلول املادي للقيمة مبا هي خاصية جتعل األشياء مرغوبا فيها "ذلك ما يعرب عن، بة فيهللرغ

4(بالة مثال هلا قيمة عظمى لدى األرستقراطي فالن(.

إذن فقيمة الشيئ من الناحية الذاتية تطلق على الصفة اليت جتعل ذلك الشيئ مطلوبا

إن للنسب عند : "ولناقحنو ، ن األشخاصومرغوبا فيه عند شخص واحد أو عند طائفة معينة م

.)5("األشراف قيمة عالية

.549، ص السابقاملرجع ابن منظور، مجال الدين حممد، .1 . 517، ص نفسهاملرجع .2. لسياسي، فمن هناك جرى نقلها إىل اللسان كان استعماهلا يف اإلقتصاد ا) باستثناء الرياضيات ( اإلستعمال التقين األول هلذه الكلمة

( إسهاما كبريا يف هذا النشر ''نيتشه ''القدمي، ولقد أسهم (bien )الفلسفي املعاصر، حيث حلت يف عدد كبري من اإلستعماالت حمل تعبري .)124، ص 2001، بريوت، 2، تعريب خليل، أمحد خليل، منشورات عويدات، ط3انظر الالند، اندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج

، بريوت، 2، تعريب خليل، أمحد خليل، منشورات عويدات، ط3الالند، اندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .3 .1524، ص 2001

.506، ص )د ط(، 2007وهبة، مراد، املعجم الفلسفي، دار قباء احلديثة للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، .4 .212رجع السابق، ص صليبا، مجيل، امل .5

Page 43: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

29

ففي نظر أي ، ) Valeur d’usage( ويف هذا املعىن قيل أحيانا قيمة إستعمالية

وميكن هلذه ، شخص تتطابق القيمة اإلستعمالية لشيئ ما مع احلالة اليت حيددها الفرد هلذا الشيئ

.)1(تلفا عن اجلدوى القيمة اإلستعمالية أن تكون شيئا خم

ويترتب عن ذلك أن اصطالح قيمة االستعمال يطلق يف الغالب على ما للشيئ يف نظر

ر ذلك عن معىن املنفعة باعتبار أن الشيئ يف ودون أن يعب، الشخص الذي يطلبه من قدر ومثن

)(جوهره قد يكون ذا قيمة عظيمة يف نظر البعض دون أن يكون له نفع حقيقي

لفظ القيمة من الناحية املوضوعية على ما يتميز به الشيئ من صفات جتعله كما يطلق

اجلمال كانت و اخلريو فإن كان مستحقا للتقدير بذاته كاحلق، مستحقا للتقدير كثريا أو قليال

الوسائل و كالوثائق التارخيية، وإن كان مستحقا للتقدير من أجل غرض معني، قيمته مطلقة

)2(ه إضافيةكانت قيمت، التعليمية

وعلى سبيل -ويضيف الالند يف موسوعته الفلسفية أن مدلول مصطلح القيمة موضوعيا

–وموضوعيا ، )3(إمنا يشري إىل مسات األشياء القائمة على ما تستحق من تقدير نسيب –احلمل

.1522، مرجع سابق، ص 3الالند، اندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .1. كاملاء، اهلواء( يفرق آدم مسيث بني القيمة اإلستعمالية والقيمة التبادلية، فاإلصطالح األول يطلق على ما للشيئ من نفع حقيقي(... ،

من مثن اعتباري يسمح بتداوله بني الناس، وهذا الثمن ال يرجع إىل منفعة ذلك الشيئ، بل يرجع إىل ويطلق الثاين على ما للشيئ يف جمتمع معين انظر صليبا، مجيل، املعجم ( قدرته، أو إىل ما للناس فيه من مآرب كاملاس مثال، فهو بذاته غري نافع، ولكن رغبة الناس فيه جتعل مثنه غاليا

.)212، ص 2الفلسفي، ج .213يل، املرجع السابق، ص صليبا، مج .2 .1522، ص 3الالند، اندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .3

Page 44: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

30

وثيقية يشري إىل مسة األشياء الكامنة يف أا تشبع غرضا معينا حنو القيمة الت –لكن بصفة شرطية

.)1(لألعمال الفنية

مسة األشياء الكامنة يف كوا –من زاوية إقتصادية –هذا وجند أن القيمة مصطلح يعين

مقابل كمية حمدودة من سلعة تعتمد وحدة ، يف حلظة حمددةو قابلة للتبادل يف مجاعة معينة

) قيمة تبادلية(ق عليه غالبا وهو ما يطل، وذا املعىن تعين القيمة السعر املتداول عموما، للتبادل

مرهونة االقتصادلدى علماء وعلى هذا يكون معىن قيمة الشيئ، )2(مقابل القيمة اإلستعمالية

.ومن مثة كلما كانت احلاجة أشد كانت القيمة أعظم، مبدى وفاءه باحلاجات

ى أي عل، فتدل على مثن الشيئ، الكم مقولة يف الشيئ قيمة تدخل فقد هذا على وبناء

كما تدخل ، وقيمة العمل، حنو قولنا قيمة السلعة، كمية املال الذي جيب إنفاقه للحصول عليه

:وحينها تكون دالة على نسبة ذلك الشيئ إىل الصورة الغائية جلنسه حنو قولنا، يف مقولة الكيف

.)3(قيمة العلم و ،وقيمة الصداقة، قيمة األسلوب

يف ، تفيد دميومة األنغام النسبية يف جمال املوسيقىفإن القيمة ، أما يف ميدان اجلماليات

واملقصود بذلك ، حني أا تعين يف ميدان الفنون التشكيلية غموض األلوان أو وضوحها النسيب

.)4(وكم الوضوح أو الغموض املضمن يف لون ما ، الغامض األصل

.1523ص ، 3الالند، اندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .1 .املرجع نفسه واملكان .2 .214صليبا، مجيل، املرجع السابق، ص .3 .1523، ص ، مرجع سابق3الالند، أندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .4

Page 45: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

31

إذا كان ) س(يمة هي ق) 3( ويف الرياضيات جند أن للقيمة مدلول رياضي حنو قولنا إن

حيدد ، وعلى هذا فهي تعبري رقمي أو جربي على األقل، )1() 3( يرمز إىل العدد ) س(الرمز

، ففي كل مسألة ترمي إىل إجياد قيمة شيئ أو عدة أشياء جمهولة، جمهوال أو ميثل حالة متغري

ومن، اخلاصةفمن جهة سيتوجب علينا النظر يف قيم املعطيات ، هناك تفريق مهم ينبغي إجراؤه

مع و العالقات اليت ينبغي على ااهيل أن تقيمها فيما بينها خمتلف يف النظر ثانية جهة

.)2(املعطيات

وكذلك يف املنطق الرمزي نطلق كلمة قيمة على اإلسم الذي نضعه مكان الرمز يف دالة

) س(ا يف الدالة ا ما وضعناه مكاإذ) س ( هو قيمة " العقاد " فاسم ، القضية لتتحول إىل قضية

.)3(" العقاد إنسان " لتصبح ، إنسان

، اخلري هذا ويطلق لفظ القيمة يف ميدان علم األخالق على ما يعرب عن مدلول لفظ

ويترتب عن هذا أنه ، وهكذا تكون قيمة الفعل تابعة يف الغالب ملا يتضمنه ذلك الفعل من خريية

وتسمى ، ورة أكمل كانت قيمة الفعل أمسى وأمثلكلما تطابق الفعل والصورة الغائية للخري بص

وهي ) Valeur idéales( الصورة الغائية املرتسمة على صفحات الذهن بالقيم املثالية

. 506وهبة، مراد، املرجع السابق، ص .1 .1523، مرجع سابق، ص 3الالند، اندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .2 .506وهبة، مراد، املرجع السابق، ص .3

Page 46: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

32

أي األحكام اإلنشائية ) Jugements de valeurs(األصل الذي تبىن عليه أحكام القيم

).1(اليت تأمر بالفعل أو بالترك

Valeur االعتباريةالقيمة و علماء قد ميزوا بني القيمة احلقيقيةإضافة إىل هذا جند أن ال

réelle et valeur fiduciaire)( ،فذهبوا إىل أن أساس القيمة احلقيقية هو املنفعة ،

االئتمان حنو قيمة و أما القيمة اإلعتبارية فأساسها الثقة، وذلك حنو قيمة األرض أو قيمة الطعام

)2(املالية احلواالتو األوراق النقدية

ومدار التمييز بينهما أن القيمة املضافة ، القيمة املضافة إليهو بني القيمة الذاتية للشيءكما ميزوا

، إمنا تنشأ عن العمل املبذول يف إنتاج الشيء أو عن حوالة األسواق أو عن القدرة أو التداول

الفالسفة إال إذا كانت ميكن للقيمة املضافة أن تكون مشروعة يف نظر بعض لكن مع ذلك ال

إن الكسب هو قيمة '' وهذا معىن قول ابن خلدون ، الشيء ناشئة عن العمل املبذول يف صنع

إن القيم الناشئة عن'' ما قصده كارل ماركس يف قوله وهو كذلك'' األعمال البشرية

.)3('' هي القيم احلقيقية األعمال

وحينها إما أن يتم توظيفه باملعىن ، جمردهذا وجند أن مصطلح القيمة قد يرد كاسم

.وإما أن يوظف باملعىن الواسع للمصطلح، الضيق للمصطلح

. 213صليبا، مجيل، املرجع السابق، ص .1 . املرجع نفسه واملكان .2 . املرجع نفسه واملكان .3

Page 47: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

33

أو ) good( أما باملعىن الضيق للمصطلح فهو إشارة إىل القيمة اليت تعرب عن اخلري

ولذلك كانت القيمة تناقش لدى الفالسفة (worth)أو الثمني (desirable)املرغوب فيه

.)1(" اخلري " طون حتت مسمى منذ أفال

اإللزام ، (rightness)أما باملعىن الواسع للمصطلح فهي تشمل إىل جانب الصواب

)obligation ( والفضيلة(virtue) ،اجلمالو (beauty) احلقو (truth) والقداسة

(holiness) ،ذا املعىن املوجب تقابل املعىن اآلخر وهو اجلانب السالب حيث يق ع والقيمة

)2( (disvalue)ويسمى بعدمي القيمة ...وغري ملزم، وخاطئ، ما هو ضار

ويترتب عن ) عيانية ( إضافة إىل هذا فقد يستخدم مصطلح القيمة كاسم أكثر واقعية

what) ما يقوم ة القيم فإننا غالبا نريد اإلشارة إىلما أن نتحدث عن قينذلك أننا إذا ما أرد

is valued) ،مرغوب أو أنه خري بأنه يهعل أي ما حيكم(in desired) ومن مثة فتعبري

.)3(أو ما يعتقد أنه خري القيمة يعين ما يتوق إليه إليه الشخص

ن يكون أأو ما ميكن ، (what has value)كذلك تشري كلمة القيمة إىل ماله قيمة

ئ حاصل على يعين بأن هذا الشي" قيم " أي أن القول بأن شيئا ما ، (valuable)ذا قيمة

.)4(كما يشري إىل شيئ خير أو صائب أو ملزم أو مجيل أو حقيقي، القيمة

.38، اإلسكندرية، ص 1998، 1ن، األحكام التقوميية يف اجلمال واألخالق، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، طالصباغ، رمضا .1 . 40املرجع نفسه، ص .2 .41الصباغ، رمضان، املرجع السابق، .3 .42املرجع نفسه، ص .4

Page 48: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

34

فكيف ، اصطالحيةو إيتمولوجية تعاريفهذا هو أبرز ما مت االتفاق حوله من فإذا كان

كانت قراءة نيتشه هلا؟ وكيف القيمة ؟ حتددت تارخيية مفهوم

:جينيالوجيا املفهوم . 2

معجم أن ولوج مصطلح القيمة إىل) (الكثري من باحثي فلسفة القيم إن ما يتفق حوله

وحتت أمساء ، فكان نفاذها إىل مذاهب الفالسفة من أبواب متعددة، الفلسفة مل يكن إال حديثا

مباحث الفلسفة إال منذ زمن قصري ال يكاد ولكنها مل تعد موضوعا ومبحثا شرعيا من ، خمتلفة

.) **( جياوز القرن التاسع عشر

البد من اإلشارة إىل أن مشكلة القيمة اليت صارت ذات حظوة يف عصرنا مل تظهر و هذا

، وإمنا اهتموا ا، مل يكونوا يهتمون ا بصفة خاصة ألن الفالسفة، يف فلسفات املاضي

.)1(فكانوا ينظرون هلا من الزاوية اليت ينظرون منها للوجود، وبأنواعها تبعا الهتمامهم بالوجود

. فلسفة القيم)philosophie des valeurs (يث هو مرغوب فيه لذاته، وهي تنظر يف قيم وهي تعين البحث عن املوجود من ح

حتللها، وتبين أنواعها وأصوهلا، فإن فسرت القيم بنسبتها إىل الصور الغائية املرتسمة على صفحات الذهن، كان تفسريها مثاليا، وإذاو األشياء،رجاعها إىل أصلني، أحدمها وجودي، واآلخر مثايل فسرت بأسباب طبيعية أو نفسية أو اجتماعية، كان تفسريها وجوديا، وخري تفسري للقيم، إ

.214، مرجع سابق، ص 2صليبا، مجيل، املعجم الفلسفي، ج: انظر ( وعلماء اإلقتصاد '' ريتشل''والالهويت " لوتز '' أن أول من استخدم لفظ القيمة باملعىن الفلسفي وعمل على ذيوعه، هو " رويه "يذكر . **

، وقد جنم ''فون إرنفلس –مينونغ '' وكذلك العلماء النمساويون أيضا '' بافرك –فون بوم –فون وايز –ماجنر ' 'النمساويون بوجه خاص، سنة عن جناح فلسفة نيتشه أن عم استعمال كلمة القيمة صفوف مجهر من املثقفني، واحتلت نظريات القيمة املكانة األوىل يف أملانيا، حوايل

، 1العوا، عادل، العمدة يف فلسفة القيم، دار طالس للدراسات والترمجة والنشر، ط: أنظر ( ، 1910ريكا حويل ، ويف بريطانيا وأم1900 .270-269، ص 1986دمشق،

، 1980، )د ط ( الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر، –بني النسبية واملطلقية –الربيع، ميمون، نظرية القيم يف الفكر املعاصر .1 .64ص

Page 49: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

35

ومع ذلك فلو اعتربنا القيمة عنوانا جديدا يطلق يف بعض جوانبه على موضوعات قدمية

ووصوال حىت الفلسفة ، ألمكننا أن نتتبع ماهيتها جينيالوجيا انطالقا من التصور اليوناين القدمي

.وعند نيتشه خاصة، املعاصرة عامة

يف الفلسفة اليونانية :

، وإىل املسائل اليت تثريها مشكلة القيمة، ت اإلغريقيبدو أن من ميعن النظر يف فلسفا

ذلك ما يظهر إذا ما حنن اجتهنا صوب ، ليدرك أا واحدة من املسائل اليت كانوا على وعي ا

، وحيث هو قد حبث عن املاهية أو طبيعة الشيئ الكامنة وراء ما هو حسي، فلسفة سقراط مثال

بدراسة االهتمامعن دراسة الطبيعة من أجل نصرف ا جديدة حني وجهة وجه الفلسفة'' فإنه

، ذات اإلنسان الذي ميس –األخالق –فانصبت الفلسفة عنده يف جمال القيم ، الذات اإلنسانية

بل حرص على وضع منطق عقلي قوامه اإلميان ، دومل يقف عند هذا احل، وخياطب ضمريه

. )1('' دركات العقلية الكليةالعمل على الوصول إىل األفكار العامة أو املو بالعقل

فإن موضوعها ، وتبعا لذلك اعتقد سقراط أن القيمة وإن كانت قيمة يف نظر اإلنسان

ظهار أن اخلري مثال هو من طبيعة إلوذلك كاف ، فهي حبسبه متلك مسة كلية، حكم حقيقي

. )2(حسية ال روحية

.95عبد الرمحن، سامية، املرجع السابق، ص .1 .98، ص 1986، دمشق، 1العوا، عادل، العمدة يف فلسفة القيم، دار طالس للدراسات والترمجة والنشر، ط .2

Page 50: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

36

ضمن نظرية –ت مسمى اخلري حت –ومع أفالطون تتبلور البدايات األوىل لفلسفة القيمة

اخلري هو '' إذ يرى أن ، )1(األكسيولوجي ر أفالطون عن موقفهوفيها يعب، اليت أطلقها ) *(املثل

وجنري، القيمة العليا أو قيمة القيم اليت نبحث عنها

ر عنه يف نصه وهذا ما عب، ال سعادة إال او، كمال الو ،ال وجود هوراءها ألننا نرى أن

، ومن مثة فاخلري كقيمة هو الذي له األولوية، >>قوةو اخلري فوق الوجود شرفا<<: شهور امل

ألن الوجود ال معىن له إذا ، وعلى هذا كان مصري العادل املضطهد أحسن من مصري الطاغية

.)2('' خان القيمة

ده فالقيمة عن، وهكذا يكون أفالطون قد أسس لفلسفة القيم اليت اكتست طابعا مثاليا

تلتقي أنواع وفيه، وهو املبدأ الذي يشمل املبادئ كلها) قيمة القيم ( اخلري األعلى " هي

ذلك أنه هو ، شيئا آخر سواه يفرض وجوده الو ،وهو موجود يكفي ذاته بذاته، الكمال مجيعا

ك مبدأ وهي بذل، يف األفالطونية ليست إال تتوجيا لعامل الثل- اخلري - إذن فالقيمة، )3('' اهللا

أو أن الفكرة تدل نظرية املثل على أن هناك فرقا وجوديا بني األفكار واألشياء، وهي نظرية تشعرنا دائما بأن املمكن أوىل من املوجود، . *

لكنهما مستويان مترابطان، ميسك و أن املثل أوىل من الواقع، كما تشعرنا أن هناك مستويني للوجود، يفوق أحدمها اآلخر،و أوىل من الشيئ، هلا إال بالنسبة الفكرة ال معىنو أو خيدم كل منهما اآلخر، إىل حد ما، فاملمكن الذي مينح املوجود استعداده، ال معىن له إال بالنسبة إليه،

الربيع ميمون، املرجع السابق، : انظر ( للشيئ، ألا هي اليت متنحه معناه، واملثل ال معىن له إال بالنسبة للواقع، ألنه حياول دائما أن ينطبق عليه .)136ص

يريها، وهي باب من أبواب الفلسفة على البحث الذي يعىن بطبيعة القيم وأصنافها ومعا) axiologie( يطلق مصطلح نظرية القيم .1 .)215، ص 2صليبا، مجيل، املعجم الفلسفي، ج:انظر ( العامة، وترتبط باملنطق وعلم األخالق وفلسفة اجلمال

.136الربيع، ميمون، املرجع السابق، ص .2 .69العوا، عادل، املرجع السابق، ص .3

Page 51: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

37

وعلى هذا األساس جنده يعترب القيمة هي املبدأ ، بناء العامل الذي ينتظم جممل الصور والقوانني

.ذلك مبا هي فوق الوجود متعالية ومتسامية، األمسى للتفسري

اعتربها فرضية زائدة ال ميكن الربهان '' أما أرسطو فلم يقر نظرية أستاذه يف املثل اليت

هلذا اجته اجتاها علميا موسوعيا معتمدا مبادئ عالقة تسلسلية مزدوجة ، منها ال اإلفادةو ،عليها

حيث انتهى إىل جتاوز ثنائية القيمة ، الوجود بالفعلو املادة أو الوجود بالقوةو بني الصورة

فاملادة ، رأى أن القيمة تتجسد فعليا يف الواقع جتسد الصورة يف اهليوىلو ،والواقع األفالطونية

حتقق القيمة هو عني درب وأن درب، وكل صورة هي بذاا أمر صاحل، إىل الصورة تتطلع

وعلى هذا يكون أرسطو قد حاول التوفيق يف طرحه ، )1('' إنتاج الطبيعة ذاا بذاا

وبني ، تتجسدو األكسيولوجي بني األساس الواقعي احلسي باعتباره املنطلق الذي تقوم فيه القيم

.وحي باعتباره منتهى التسلسل الطبيعي ملختلف صور الوجوداألساس الغائي الر

إىل داخل النفس يفسح اال '' أن امتداد ذلك التسلسلإىل وعلى هذا يذهب أرسطو

من فاعلية متتزج باملادة إىل فاعلية الروح احملضة اليت تتجلى يف فضيلة عقلية أو االرتقاءأمام

به تتحد النفس و ،)قيمة القيم ( أي الكمال األمت ، قصىوهو اخلري األ، فلسفية قوامها التأمل

وهو يف وقت واحد عقل ، سعيد بذاته ألن اهللا، تسهم يف حياة اخللود، والبشرية بالعقل اإلهلي

)2(''وفعل صرف، صرف

.70. 69العوا، عادل، املرجع السابق، ص ص .1 .70رجع نفسه، ص امل .2

Page 52: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

38

الوسيطية ( يف الفلسفة املدرسية : (

أنه يف ، م عن ذلكوما يلز، لقد حتولت امليتافيزيقا إىل ثيولوجيا يف العصر الوسيط

اعتقد أن ، فالقديس أوغسطني مثال، اإلمكان أن نتتبع البعد األكسيولوجي يف فلسفة هذا العصر

إمنا ، وأن اإلنسان الذي يطلب السعادة، وحده ثابت كامل'' ذلك مبا هو، اهللا هو القيمة العليا

.)1('' فران إال يف اهللابلوغ الرضا باخلري األعظم ال يتواو ألن اإلفالت من القلق، يطلب اهللا

ويف السياق نفسه حبث القديس توما اإلكويين مسألة القيمة حتت اسم اخلري أو اخلري

بوصفه كائنا ، أي اهللا، العلة األوىلو وحد بني القيمة العليا'' لذلك جنده، أو الكمال، األقصى

.)2('' حيا أزليا خريا

الصورة احملضة الربيئة من كل شوب املادة ''وهكذا فاهللا حبسب القديس توما اإلكويين هو

ويسهر على احلفاظ ، وإنه خيلق العامل من العدم، ال ائيو وإذن كامل، وهو فعل كله، إطالقا

كل اخلري ، بل اهللا مبدأ اخلري، إذ الشر نفي، اهللا ال يصنع الشرو ،على الكون بقدرته املبدعة

وإن القيم تتجسد يف الواقع جتسد الصورة يف ، اجلائزة وعاملنا خري العوامل، الذي يتحقق يف عاملنا

وبني الطابع اإلنساين مبا ، اإلهلي للقيمةو وذا يكون قد مزج بني الطابع الروحي ،)3('' اهليوىل

.هو حمل جتسد القيمة على أرض الواقع

.77العوا، عادل، املرجع السابق، ص .1 . 12، ص 1987، القاهرة، )د ط ( قنصوة، صالح، نظرية القيمة يف الفكر املعاصر، دار الثقافة للنشر والتوزيع، .2 . 81العوا، عادل، املرجع السابق، ص .3

Page 53: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

39

، ةفإذا كان هذا هو التصور الغالب على مواقف الفالسفة من القيمة يف الفلسفة الوسيطي

فكيف حتدد تصور فالسفة اإلسالم إزاء مشكلة القيمة ؟

يف الفلسفة اإلسالمية:

مدى التميز نلمس، والفلسفة اإلسالمية بصفة خاصة، إذا تأملنا الفكر اإلسالمي عموما

، إنه النبع اإلهلي، ذلك مبا هي تنهل من منبع ال ينضب، والرقي الذي بلغته احلضارة اإلسالمية

تنبع من تعلقها بالكمال ، ارتبطت القيم يف الفكر اإلسالمي بروحانية خاصة وعلى هذا فقد

.اإلهلي

والقرآن ، السنة النبوية الشريفةو وعلى هذا األساس فإن مصدر القيم هو القرآن الكرمي

فهو ، وأصل احلضارة اإلسالمية، كتاب املسلمني املقدس املعبر عن اإلرادة اإلهلية '' الكرمي هو

، االقتصاديةو السياسيةو االجتماعيةو األخالقيةو األحكام الدينيةو صدر الرئيسي للتعاليمإذن امل

وقوله )*( >> إن احلكم إال هللا <<:حنو قوله تعاىل ، ذلك ما يؤكده القرآن يف كثري من آياته

مهية للقيم عظيم األو مث تأيت السنة النبوية الشريفة مصدرا هاما، )**( >> أال له احلكم <<تعاىل

>>وما ينطق عن اهلوى إن هو إال وحي يوحى <<:لقوله تعاىل )1('' يف اإلسالم )***(.

.57سورة األنعام، اآلية . *

.62سورة األنعام، اآلية . **ص . 1990القاهرة، ) د ط (دار الثقافة للنشر والتوزيع، –بني الذاتية واملوضوعية –بيوين رسالن، صالح الدين، القيم يف اإلسالم .1

133. .04 -03سورة النجم، اآلية . ***

Page 54: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

40

فقد حظيت القيم هي -القرآن الكرم والسنة النبوية الشريفة -وبالنظر لقداسة املنهل

الفلسفية حول طبيعة و الفكرية االجتاهات ولكن مع ذلك فقد اختلفت، العلوو األخرى القداسة

، أثىن عليهو رعإرادة اهللا باعتبار أن اخلري ما حسنه الش'' حيث يردها أهل السنة إىل، القيم

ومن ، ويلزم عن ذلك أن العقل ال ميكنه أن يكون مصدرا للقيم، )1('' نفر منهو والشر ما قبحه

.مث فهي موضوعية ال ذاتية

أو شريتها خريية األفعال'' بأن فقد رفضوا رأي أهل السنة يف القول) *(أما املعتزلة

أما و ،القبح ذاتيان يف األشياءو فذهبوا إىل القول أن احلسن، إرادتهو مرجعها إىل كلمة اهللا

يلزم عن هذا تقديس العقل مبا هو مقياس القيم كلهاو ،)2('' رعيدركان بالعقل ال بالش.

وما لزم عن ، هو اهللا) خلري ا( بأن أصل القيم '' ومن جهته ابن رشد محل على القائلني

فخالفهم يف ، ألن اهللا ى عنه، أن الشر شرو ،ألن اهللا أمر به، ذلك من قوهلم أن اخلري خري

.)3(''أو حبكم العقل، يكون خريا أو شرا لذاته ذلك بقوله أن العمل

.141بيوين رسالن، صالح الدين، املرجع السابق، ص .1ة علم الكالم باعتباره نسقا كالميا، مرتبطة بنشأة املعتزلة، أما أصل تلك التسمية، فيعود املعتزلة فرقة من الفرق الكالمية، بل أن نشأ . *

يا إمام الدين، لقد ظهرت يف زماننا مجاعة يكفرون أصحاب الكبائر، وهم وعيدية : دخل واحد على احلسن البصري، فقال له : للحادثة التالية مرجئة األمة، فكيف حتكم لنا يف ذلك اعتقادا ؟ فتفكر احلسن يف ذلك، وقبل أن جييب، قال اخلوارج، ومجاعة يرجئون أصحاب الكبائر، وهم

ال كافر، مث قام و ال كافر مطلقا، بل هو يف مرتلة بني املرتلتني، ال مؤمن،و أنا ال أقول إن صاحب الكبرية مؤمن مطلقا،: " واصل بن عطاء اعتزلنا واصل، فسمي هو : ما أجاب به على مجاعة من أصحاب احلسن، فقال احلسن واعتزل إىل اسطوانة من اسطوانات املسجد يقرر

، )دط( ر املعرفة اجلامعية، بريوت عباس حممد حسن سليمان، الصلة بني علم الكالم والفلسفة يف الفكر اإلسالمي، دا: انظر ( وأصحابه معتزلة .)12، ص 1998

.142ق، ص بيوين رسالن، صالح الدين، املرجع الساب .2 .365، ص )د ت ( ، القاهرة 5دي بور، تاريخ الفلسفة يف اإلسالم، ترمجة، حممد عبد اهلادي، أبو ريدة، مكتبة النهضة املصرية، ط.ج.ت .3

Page 55: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

41

يف الفلسفة احلديثة :

الفلسفة مع لقيمة كانت لعله من الضروري اإلشارة إىل أن انطالقة البحث الفعلى يف ا

باملعرفة اتصاهلا بالطريقة أن القيمة القصوى تتصل'' وبداية من ديكارت الذي اعتقد، احلديثة

، وهو يقضي حبذف الروح الشريرة، اليت تسوغ هذه املعرفة باللجوء إىل فكرة اإلله الكامل

.)1(''الواقع ويتسم بكونه الائي الصدق بأكثر منه ال ائي

، وملا كان اخلري األمسى هو معرفة احلقيقة'' ويرى ديكارت أن القيم تستمد من العقلهذا

فإن اخلري ال ، وكانت الفضيلة املثلى هي حرصنا احلازم الثابت على إخضاع إرادتنا لنور عقلنا

وهذا، ألن من كمالنا أن منلكه، ومنلكه بوجه ما، ميكن إذن إال أن يتجلى فيما يؤول أمره إلينا

وهذه هي ، يعين أن ممارسة إرادتنا على الوجه العقلي يسبب أكرب لذة يستطيع احلصول عليها

وهكذا ارتبطت القيم يف العقالنية الديكارتية مبا هو ، )2(''لذة الروح اليت تباين لذة اهلوى

.لدرك مسوها وكماهلا مبا هي جتسد املطلق والالائي، روحي وعقالين

أو على حنو أدق القيمة من حيث هي عنوان جديد لتصور القيمةأما التطور احلديث

، فمن املمكن القول دون مبالغة أن كانط كان هو من مثل انطالقته األوىل، ملوضوع جديد

وبني ، ويف إمكاننا أن نقابل بني كتبه النقدية الثالثة، ولذلك يعد فيلسوفا للقيمة على األصالة

.84العوا، عادل، املرجع السابق، ص .1 .85املرجع نفسه، ص .2

Page 56: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

42

بينما يتناول ، فنقد العقل النظري يبحث احلق، )اجلمال ، اخلري، احلق( ثالوث القيم التقليدية

.)1(ويبحث نقد ملكة احلكم قيمة اجلمال ، نقد العقل العملي قيمة اخلري

فهي ، ما يستحق أن يكونو مبا هي متثل ما جيب أن يكون ويرى كانط أن القيمة، هذا

اإلنفعالية و الذي خيضع احلوافز احلسية إذ العقل العملي فيها هو، تتمتع باستقالليتها عن الوجود

أو منشئوهحنن ، وهو الذي جيعل العمل األخالقي خضوعا لتشريع عام، إىل مبادئ أخالقية قبلية

وهي اليت ، ومن مث فمبادئ هذا العقل هي اليت ترسم لنا صورة الواقع الذي نتطلع إليه، واضعوه

وهي اليت تظهر لنا طابع قيمها ، للوجودوتعتقها من كل تبعية متنح األخالق استقالهلا

.)2(اجلوهري

يف الفلسفة املعاصرة :

أن الفلسفة املعاصرة –دون مبالغة -فلعلنا سنقول ، إذا تأملنا تارخيية مبحث القيمة

حيث أصبحت تبحث كنظرية ، االهتمامو كانت هي الفلسفة الوحيد أعطته حقه من العناية

وبدا ذلك جليا من خالل املواضيع القيمية اليت ، فلسفية األخرىمستقلة عن سائر املباحث ال

.أصبحت تشكل جوهر الفلسفة املعاصرة

قد عين بالقيمة ) Max scheler )1874 .1928روعلى ذلك جند مثال ماكس شل

ففي التجربة املباشرة أدرك ، تعطى لنا يف جتربة عاطفية قبلية'' وهي عنده ، عناية خاصة

.13قنصوة، صالح، املرجع السابق، ص .1 .87السابق، ص الربيع، ميمون، املرجع .2

Page 57: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

43

وال أحتاج ، أو حسن املذاق يف فاكهة، أو السحر يف شخص، مال يف لوحة فنيةبالوجدان اجل

.)1('' أو موقفا ما يتسم بالنبل ، إىل توسط إلدراك أن سلوكا ما هو سلوك شجاع

مستقلة ، مثالية موجودة يف ذاا'' أما نقوالي هارمتان فنظر للقيم باعتبارها موضوعات

، ليا ال عالقة له بالتجربة بتاتابقو إلدراك الذات هلا إدراكا حدسيا قابلة، رغبةو عن كل تفكري

.)2(''ويعين هذا أا تكون يف نظره عاملا كعامل املثل األفالطونية

وعلى ذلك كان ، واحلقيقة واملاهية املستقلة، ويلزم عن ذلك أن القيمة متثل املطلق الثابت

ال صلة هلا و ،كمملكة أخالقية ال صلة هلا بالواقعموجودا يف ذاته '' هلا عاملها اخلاص ا

.)3(''بالشعور

وتسمو ، تتحد القيمة باملطلق) René Leseinne )1882 .1954 وعند لوسني رينه

القيمة املطلقة '' اهللا هو القيمة املطلقة وعلى ذلك يذهب لوسني إىل أن ذلك أن، إىل املتعايل

، شرطا فوق أرضيو مثال أعلىو ربتنا فوق القيمة األخالقيةستبقى ائيا بالنسبة إىل جتو تبقى

أعين املكان ، >>اجلنة <<فيه كل القيم تتكرس مباشرة لألخالقية وقد صارت قداسة مطلقة

والفضيلة التامة ، السرور اخلالصو احلق الكامل، ائياو يف وقت واحد، الذي فيه سنملك

.40بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .1 .260الربيع، ميمون، املرجع السابق، ص .2 .املرجع نفسه واملكان .3

Page 58: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

44

رتعة الروحية هي السمة البارزة يف فلسفة وهكذا تكون ال، )1(''واحلب اللامتناهي

.ويف فلسفته القيمية بشكل خاص، بشكل عام"لوسني"

الفلسفة وإذا كانت هذه التصورات هي ما حدد مفهوم القيمة عند بعض أقطاب

فكيف تراه قد حتدد عند نيتشه ؟، املعاصرة

ا بامتياز حيث يرى لوتسه تصور نيتشه الفلسفي إمجاال ميكن اعتباره تصورا قيمي يبدو أن

Hermann Lotze)1817.1881 ()*( نيتشه هو وحده الذي استطاع أن يتيح ملصطلح '' أن

القيمة تصورا أمسى وأقصى وهو املسؤول عن سيادة ، اتساعه بني الناسو القيمة إذاعته

.)2(''للفلسفة

اتخذ من القيمة املبدأ ذلك أنه، وعلى هذا ميكن اعتبار فلسفته كلها مبثابة نظرية يف القيمة

وحيث ، فالوجود عنده مبختلف جوانبه عملية متصلة من التقومي، الغاية النهائية ملذهبهو األقصى

فإن اإلنسان هو الذي خيلع ، هو إرادة القوة –كما سنرى ذلك الحقا –أن مصدر القيمة

وباعتبار أن ، املقومفاإلنسان وحده هو ، وهو الذي يضفي عليها املعىن، القيمة على األشياء

فهذه األخرية ال متليها إال اإلرادة اليت ال قانون هلا إال ما ختلقه من ، التقومي هو خلق القيمة

.قوانني لنفسها

.371 - 370بدوي، عبد الرمحن، املرجع السابق، ص .1، >>ما هو كائن << الذي حيدد ويشرط هو أول من استخدم لفظ القيمة باملعىن الفلسفي، وهو) لوتسه ( أن '' رميون رويه '' يعتقد . *

القيمة ومشوهلا، الذي ال ينفصل ) (totalité( فالطبيعة يف نظره موجهة حنو حتقيق اخلري، ورد الدليل األنطولوجي على وجود اهللا إىل كلية . ) 14انظر قنصوة، صالح، املرجع السابق، ص ( عن الوجود

.14قنصوة، صالح، املرجع السابق، ص .2

Page 59: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

45

، "قلب مجيع القيم " ميكن حتديدها يف ، إن العبارة اليت تستوعب األكسيولوجيا النيتتشوية

ذلك أا ، أسبقية على سائر التصورات األخرىو إذ يذهب نيتشه إىل أن لتصور القيمة أولية

يكون نيتشه ، ومن مثة، نفسها إلمكان احلياة تكاد تكون الشرط األساسي الذي وضعته احلياة

فيه مسبق وقع تفسريا جعله بعيدا عن كل حتيز أو حكم) اخلري"(األجاثون " قد فسر ماهية

فقد جتاوز نيتشه ، وحيث هي ليست كذلك ،الذين اعتقدوا يف القيم الصادقة يف ذاا أولئك

ذلك اإلنسان الذي خيلق لنفسه ، اعتربها نتاج اإلنسان املبدعو ،ذلك التصور التقليدي للقيمة

وال ، على أنه ليس لتلك التطلعات اية تقف عندها، طموحاتهو القيم اليت تستجيب لتطلعاته

.حدود حتدها

، شأن باقي التصورات األخرى، شأا يف ذلك، رالتغيو ستتـسم بالنسبية، القيم إذن

وكذا ، وتتغير بتغير األفراد أنفسهم، احلضاراتو األممو فهي بذلك تتغير بتغير الشعوب

أنه ليس من شعب حتلو له احلياة دون أن يخضع النظم " ذلك ، األحوال احمليطةو الظروف

أن يأيت بتقدير خيتلف عن تقدير من إن كل شعب يرى من واجبه إذا أراد احلياةو ،لتقديره

ولعل هذا ، )1(" عارا و وهكذا ما كان يراه أحدمها خريا يراه اآلخر دناءة، جياوره من الشعوب

أن املهمة اجلوهرية للفيلسوف تكمن يف النقد الشامل الذي جيب أن يستوعب جممل يعينما

اخللق " وذلك ما جعله يتطلع إىل ، هلامع العمل على إجياد املعايري اجلديدة ، القيم السائدة

فعلى أي فرد أن ، حتول مستمرو ،بل صريورة، ألنه ال توجد أهداف ثابتة، املتجدد لألهداف

.84، ص 2004، 1الكحالين، حسن، الفردانية يف الفكر الفلسفي املعاصر، مكتبة مدبويل، القاهرة، ط .1

Page 60: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

46

ألن احلياة بدون جمازفة ال معىن ، ويناضل لتحقيقها حىت لو تعرض للخطر، خيلق أهدافه بنفسه

ولكنها تظل قيم ، بتغير الشعوبو ،اتتتبدل بتبدل احلاجو ولذلك كانت القيم تتغير، هلا

)1(" ال تسيئ إليه و تقدم اجلنس البشريو إنسانية نبيلة ختدم تطور

الـيت و ،إىل سـقراط و إن ما رفضه نيتشه يف قيم عصره واليت ترتـد إىل األفالطونيـة

، )اللـام و بـاأللف (ذلك أـا ليسـت القـيم ، القطيعو هي قيم العبيد، دعمتها املسيحية

إىل جوارهـا و مـن املمكـن أن يوجـد معهـا ، ما هي منط واحد من القيم اإلنسـانية وإن

وهذا ما جعل نيتشه يسعى إلبـداع منـط قيمـي جديـد ، )2(خلفها أشكال قيمية عديدة و

جيـب أن ، ذلـك الشـر و ،ذلك اخلـري " وعليه جيب أن نتجاوز ، يتجاوز األمناط السائدة

ن يكون لنا من اجلسـارة مـا بـه حنيـا حيـاة حـرة جيب أ...نترك العنان لطبيعتنا املطلقة

فعلينـا ! وإذا ما اقتضى األمر أن نسري فوق طريـق مـن اجلمـاجم ، سافرة يف وضح النهار

جيـب أن تكـون لنـا قلـوب ! أن نسحقها بأقدامنا ودون أن يتحـرك ضـمرينا مبـالم

ملهـم هـو أن نكـون ا، فهذا ال يهـم ، وعليه فإن كانت القيم أفقدت معانيها، )3( ! قاسية

األمـر الـذي يضـفي علـى القـيم ، القوةو وأن نطور أشكاال من القيم تتسم باجلدة، حنن

.يتيح لإلنسانية أن تتجاوز ذاا من جهة أخرى كما، طابعها اإلنساين من جهة

.86الكحالين، حسن، املرجع السابق، ص .1 .300، ص 2010، 1عطية، أمحد عبد احلليم، نيتشه وجذور ما بعد احلداثة، دار الفارايب، بريوت، ط .2 .27، ص 1990، 1كر األخالقي، دار اجليل، بريوت، ط الشرقاوي، حممد عبد اهللا، الف .3

Page 61: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

47

كان مبثابة مؤشر على حلول املرحلة احلامسة اليت ، إن إعالن نيتشه معاداته القيم السائدة

إرادة القوة مبا هي سر اهلدم وتعين هذه املرحلة حلول، وتنتهي إىل البناء، أ عنده من اهلدمتبد

الوقت ذاته سر عملية البناء الذي يعىن بشرعة وهي يف، الذي تكون القيم القدمية موضوعا له

.وهذا ما سنحاول حتليله يف الفصل الالحق، القيم اجلديدة

Page 62: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

48

الداللة األنطولوجية و لقيمةا: املبحث الثالث

يطرح مجلة من التساؤالت اليت ، ودالالا األنطولوجية جند أن تناول مسألة القيمة، بداية

ويف الفلسفة ، من جهة) philosophie des valeur( مت التركيز عليها يف فلسفة القيم

تبع ذلك أن معنيي القيمة، هفإذا اعتربنا أن قيمة الشيئ غري وجود'' ، األنطولوجية من جهة ثانية

، وال ميكن تصور أحد هذين املعنيني دون تصور اآلخر، الوجود يعربان عن حقيقة واحدةو

وعلى هذا ميكن الوصول مبدئيا إىل ، )1('' وال للوجود قيمة ، ولوال ذلك ملا كان للقيمة وجود

لوقت نفسه يربز أمامنا ولكن يف ا.التضايف يف العالقة بني املفهومنيو استنتاج مدى التالزم

التصورين أحق باألولوية ؟فهل الوجود أحق باألسبقية ؟أم القيمة وهو أي، التساؤل اجلوهري

أحق ا ؟ومبعىن آخر هل وجود الشيئ مبدأ قيمته أم قيمته مبدأ وجوده ؟ وهل ميكن القول

ثنائية ؟هل مت التأسيس فعال بأسبقية أحدمها على اآلخر؟أو مبعىن آخر كيف مت التأسيس لتلك ال

؟ أم باملقابل ميكن التجاوز والنظر إىل املسألة من االنفصال؟ أم من زاوية االتصالهلا من زاوية

.زاوية مغايرة للتصورات السابقة

فإن املوجودات ال تعد ، كل ما هو موجود –مبعىن من املعاين –إذا كان الوجود يشمل

أما القيمة فإا .سواء كان وجودا ماديا أو معنويا، خاص به ولكل نوع منها وجود، وال حتصى

إا ، ومن حيث هي غري موجودة، موجودة حيث هي موجودة من ''ال تتجلى إال بكوا

وعلى هذا فالقيمة اليت نريد ، ولكنه يقابل العدم، يقابل الوجود القائم، موجودة كواجب وجود

. 214صليبا، مجيل، املرجع السابق، ص .1

Page 63: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

49

وصارت جمرد واقع جيب ، ننا إذا حققناها فقدت هالتهاولك، حتقيقها تبدو لنا وكأا كل شيئ

.)1('' وأن نتجاوزه إىل أمسى منه ، علينا أن ننظر إىل أبعد منه

أما الوجود فال ينطوي على ما يدل على ، ويلزم عن ذلك أن القيمة حكم إنساين خالص

حكم حبسب مستواه ك، وإمنا يضفي اإلنسان هذه القيم على األشياء، أو احلق أو اجلمال، اخلري

مث ، بل لتتجاوزه، لكن ليس لتكمن فيه، وبذلك سترتبط القيمة من جديد بالوجود، القيمي

.ارتقاءو وهكذا هي على الدوام جتاوز، تعود إليه مرة أخرى

ما هو و فهو ال ينتج ما هو خري، فالقيمة تنبثق كاحتجاج ضد حياد الوجود، وعلى هذا

ولكنه يقدم كذلك ما ، دم ما يؤدي إىل احلياة وجيعلها تستمروهو يف الوقت ذاته يق، مجيل

النقدي ال يعين سوى رفض ما و االحتجاجيومن مثة فطابع القيمة ، يفنيها ويؤدي ا إىل العدم

فال ميكن ألي عنصر من عناصر هذه الكينونة أن يكون منبع ، وحيث هي كذلك، هو كائن

.)2(لكينونة القيمة ما دامت هي ناشئة عن رفض هذه ا

ضباب متعال وال ألي، من عناصر الوجود مبا هو حيادي فالقيمة ال ترتد ألي، وتبعا هلذا

أي ، ليست إال جتاوزا، ولكنها مبا هي كذلك، إا إنسانية، أو حمايث كيفما كانت طريقته

مثال كانت ف، والتوق إىل ما هو أمسى منه دون أن يكون هلذا التوق حدود، هو كائن جتاوز ما

لكنها ، والقضاء على ظاهرة التمييز العنصري، ، املساواةو الكثري من شعوب العامل تتوق للعدل

.36الربيع، ميمون، املرجع السابق، ص .1 .102- 101، ص ص 1980، بريوت، 1خرطبيل، سامي، الوجود والقيمة، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط .2

Page 64: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

50

وبالتايل التوق ، فقد صار من الضروري جتاوزها، أما وقد أدركت الغاية وحتققت واقعيا

.والبحث عما هو أمسى منها

وما نعبر عنه حبكم، م الوجودنصل إىل التمييز بني ما نعبر عنه حبك، وانطالقا من هذا

حيث ، جتربتناو حكم يعبر عما هو واقع يف جمال مالحظتنا'' حكم الوجود فهو أما. القيمة

فهو ال يتجاوز ، أمحر أو أسود، هذا الشيئ حلو أو مر: حنو قولنا ، يدل على واقعة وجودية

، ن مطابقا للواقعفهو صحيح إن كا، إما أن يكون صحيحا أو غري صحيح، وصف الواقع

يف حني أن حكم القيمة يظهر يف املواقف اليت توجب علينا أن نفاضل ، وخطأ إن كان خمالفا له

أفضل من احلياة يف و إن احلياة يف البادية خري: حنو قولنا ، رويةو بني األشياء عن تفكري

.)1(املدينة

أي إىل ما ينبغي أن ،إذن فحكم القيمة يتجه يف الغالب صوب ما هو أمسى من الواقع

بينما ال يتجاوز حكم الوجود الواقع ، نرغب فيهو ،وحنبه، أو إىل ما ينبغي أن نؤثره، يفعل

.الفعلي

وحيث هو ، كما أنه قد يتعلق بقيمة مثالية، حمسوسةو يتعلق حكم القيمة بقيمة حمققة

، االبتكارو رب منه بالعملنقت كذلك فالقيمة تقتضي إميان الشخص ا ألا مثل أعلى نبلغه أو

فنحن مثال نؤمن باهللا مبا هو ، ولعل اإلميان ا يتناسب مع قوا يف ذاا كمثل أعلى بالنسبة إلينا

.33ابق، ص بيوين رسالن، صالح الدين، املرجع الس .1

Page 65: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

51

مبا هي يف نظرهم صورة ال ميكن ، يف حني يؤمن بعض الشيوعيني بالثورة، العظيم املتعايل

.)1(حتاشيها

وإن كانت يف ، حكم الوجود وحكم القيمة ميكن الوصول إىل أن العالقة بني، وعلى هذا

من االنتقالحيث ميكننا ، يربز مدى اتصاهلما االستعمالإال أن ، اإلخالفالظاهر تشري إىل

كان " هذا الولد شجاع :" فإذا قلت مثال ، أحدمها إىل اآلخر يف كثري من األمثلة بدون عناء

فهذا احلكم يدل " الطقس مجيل:"قلت وإذا، قويل هذا إعراب عن قيمة هلذا الولد وعن واقعه

)2(لكنه يف الوقت ذاته يعرب عن تقدير قيمة ، على مشاهدة واقع

كما ال يتصور حكم وجود ، فال ميكن تصور حكم قيمة مبعزل عن حكم وجود، إذن

فهو حملها، بالوجود ترتبط أن القيمة'' وحيث مها كذلك فمن املمكن القول ، دون حكم قيمة

ويف الوقت ذاته ميكن القول ) 3('' اإلنسان لتصنع اجتاهه حياة هلا إال يف الوجود عرب عملال و

لذلك كانت ، ألا هي اليت جتعله جديرا بأن يكون وجودا، أن الوجود هو اآلخر يرتبط بالقيمة

أن أي ب، اليت جتعل منها أشياء جديرة بالوجودو ،اخلاصية اليت توجد يف األشياء'' القيمة هي

.)4( ''تكون مرادة

.38- 37الربيع، ميمون، املرجع السابق، ص .1 .40املرجع نفسه، ص .2 .145خرطبيل، سامي، املرجع السابق، ص .3 .45الربيع، ميمون، املرجع السابق، ص .4

Page 66: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

52

يؤدي بنا ال ، واحلديث يف فلسفة القيم، هذا وميكن استنتاج أن احلديث يف فلسفة األنطولوجيا

ذلك أن الوجود الذي ، ومبا هو جوهر القيم، حمالة إىل احلديث عن اإلنسان مبا هو سر الوجود

، كن أن يقال عنه أي شيئال مي، معتماو خيلو من وجود اإلنسان سيمثل بالضرورة وجودا مغلقا

، ومركز الكون، ولعل ذلك ما جعل اإلنسان حمور الوجود، ال يصبح له معىن، وبعبارة أخرى

. وسيد كل ما هو موجود

'' فاإلنسان هو املوجود الوحيد الذي يتأسس وجوده احلقيقي على، وإضافة إىل هذا

وعلى صنع القيم اليت ، ىل ما ينبغي أن يكونواإلنفراد بالقدرة على التطلع إ، تعاليه على الواقع

.)1('' حياول أن يعيشها جتربة يف حياته

حيث أن ، أن جتربة اإلنسان الوجودية تسري على التوازي وجتربته القيمية، ويلزم عن هذا

السمو ا من درجة و ،فهي تعمل على تأكيد إنسانيته، القيم هي كل شيئ بالنسبة لإلنسان''

كما أننا ال ميكن ، إننا ال ميكن أن نتصور وجودا حقا لإلنسان دون قيم، أعلى منهاإىل أخرى

.)2(''أن نتصور وجودا حقا للقيم دون اإلنسان

ميكن الوصول إىل ، دالالا األنطولوجيةو وبناء على هذا التحليل املتواضع ملسألة القيمة

مدى عمقه مبا هو عن رأن كل حبث يف القيم يف الفكر اإلنساين يعب حبث يف الوجود يف حد

فاإلنسان حني ، أكسيولوجية مسألة أنطولوجية قبل أن تكون مسألة ''ذلك أن القيمة ، ذاته

.35بيوين رسالن، صالح الدين، املرجع السابق، ص .1 .35.36املرجع نفسه، ص ص .2

Page 67: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

53

فهو أيضا يسعى أن يوجد هلا ، هي موجودة بالرغم منه من حيث حياول البحث عن قيمة احلياة

من مث ندرك مدى ثراء التجربة و، )1('' االجتماعيو قيما تضفي عليها بصمة وجوده العيين

.للعلو والتسامي اإلنسانية مبا هي جتربة وجود ميتلك القابلية

وعمل على بلورته يف تصوره األنطولوجي ، ويبدو أن هذا ما آمن به نيتشه

غلبته و سنجده جيعل لتصور القيمة أولويته، وحيث هو كذلك، واألكسيولوجي يف الوقت ذاته

فاإلنسان هو ، فهي عنده أول ما يدل على إنسانية اإلنسان، خرىعلى سائر التصورات األ

وحيث أن إضفاء املعاين على ، املعىنو عليه الداللة يضفيو الذي خيلع القيمة على الوجود

ولذلك ، فقيمة العامل متوقفة على املعىن الذي نعطيه إياه، نيتشه إثباتا لسلم قيم الوجود يعين عند

بل على العكس من ذلك سيكون جتسيدا ، أن يكون ائيا –حبسب نيتشه –فال ميكن للتأويل

وهو بدوره ما ، الثباتو ضي إىل القضاء على أوهام املطلقيةفذلك ما من شأنه ي، للصريورة

، حيث يبدع يف كل حلظة قيمه اخلاصة، والقادر على اإلبداع، يرسخ فكرة اإلنسان الفعال

إال أن التساؤل الذي يتبادر إىل ، اىل على وجوده باستمراروهي بدورها ستجعله يسمو ويتع

أذهاننا اآلن هو كيف ذلك؟ أي كيف خيلق اإلنسان قيمه؟ وما جوهر هذه القيم ؟وما عالقتها

بالوجود ؟ومبعين آخر كيف فهم نيتشه سؤال أنطولوجيا القيمة؟

، وهران، )د ط ( دار الغرب للنشر والتوزيع، –وآفاق التواصل األنطولوجي ...بواكري النشأة –يف فلسفة القيم عبد اهللا، موسى، مقدمات .1

. 08، ص 2004

Page 68: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

54

نوضح بعض املفاهيم ارتأينا أن، أو التطرق لعمق التصور النيتشوي وقبل الولوج، لكن

:من بينها، القيمةو اجلانبية اليت هلا عالقة مباشرة مبفهوم الوجود

األنطولوجيا علم الوجود أوontologie)( :يبحث يف ، هو قسم من الفلسفة

، جمردا عن كل تعيني أو حتديد وهو عند أرسطو علم الوجود مبا هو موجود، الوجود بإطالق

ويترك البحث يف الوجود من نواحيه املختلفة للعلوم ، يزيقا العاموذا يسمى مببحث امليتاف

)1(اإلنسانية و الرياضيةو الطبيعية

واألنطولوجي )ontologique (وهو املتعلق ، هو املنسوب إىل األنطولوجيا

.حبقيقة الوجود ال بظواهر الوجود

واألنطولوجية )ontologisme ( من حيث تعين ميل الفكر إىل األنطولوجيا

.)2(أا تبحث عن صفات املوجود يف ذاته

ارتباط ، أما عند نيتشه فاملالحظ عنده ارتباط مبحث األنطولوجيا مببحث األكسيولوجيا

.إذ الوجود هو وجود اإلنسان املقوم الذي يبدع قيمه باستمرار، تبعية

الكون ، esse، علم األيس( "األيس " ومنها مصطلح مهجور يف اللغة العربية وهو

ومبا ، "كون"من حيث هو عقال يف الكون وهو يشري إىل باب من أبواب الفلسفة ينظر )ككل

فإن فحص ، الدميومة، اإلمكان، الوجود مثل اخلواص العامة املادية بعضو أن للكائنات الروحية

.26، ص1983، مصر، )دط(جممع اللغة العربية، تصدير ابرهيم، مذكور، اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية، .1 . 561ملرجع السابق، ص ، ا2صليبا، مجيل، املعجم الفلسفي، ج .2

Page 69: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

55

من هذه اخلواص يشكل أوال هذا الفرع الفلسفي الذي تستعري منه الفروع األخرى كلها بعضا

) 1(أو ميتافيزيقا عامة ، أو علم الكون )*(إا تسمى األيسية ، مبادئها

مطلق ، ويشري إىل معنيان، وهو ضد الوجود (néant)كذلك جند مفهوم العدم

والعدم اإلضايف أو املقيد هو املضاف إىل ، فالعدم املطلق هو الذي ال يضاف إىل شيئ، وإضايف

)2( االستقرار عدمو ،كقولنا عدم األمن، شيئ

وهي ، ومعناه ال شيئ) nihil(وهو مشتق من اللفظ الالتيين ) nihilisme(والعدمية

وتعرب عن إنكار وجود ، أما األول فيشري إىل العدمية الفلسفية املطلقة، ترد يف الفلسفة مبعنيني

العقل على ويعرب عن إنكار قدرة، أما الثاين فيشري إىل العدمية الفلسفية النقدية، كل شيئ

)3(.الوصول إىل احلقيقة

عن مذهب ) nihilisme moral( ويف ميدان األخالق تعرب العدمية األخالقية

إبطال و فإذا كانت مذهبا نظريا دلت على إنكار القيم األخالقية، نظري أو نزعة فكرية

)4(.وإن كانت نزعة فكرية دلت على خلو العقل من تصور هذه القيم، مراتبها

للداللة بال إلتباس على امليتافيزيقا اجلوهرانية، اليت تتخذ موضوعا هلا، اإلملام من وراء الظواهر واملظاهر باألشياء '' أيسية '' تستعمل كلمة . *

انظر، الالند، اندريه، ( راتوب معارف بذاا، يف مقابل امليتافيزيقا باملعىن اإلنتقادي، أي جممل ا ملعارف اليت ميكن وضعها مسبقا يف كل 912، املرجع السابق، ص 2موسوعة الالند الفلسفية، ج

.911، املرجع السابق، ص 2الالند، أندريه، موسوعة الالند الفلسفية، ج .1 .64، ص 2صليبا، مجيل، املعجم الفلسفي، ج .2 .66املرجع نفسه، ص .3 .املرجع نفسه واملكان .4

Page 70: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

جلينيالوجي والداللة األنطولوجية الوجود والقيمة بني السؤال ا الفصل األول

56

األوىل عدمية سالبة تفضي ، ميكن التعبري عنها من زاويتني - كما سيتضح الحقا - عند نيتشهو

أما الثانية فعدمية فاعلة بناءة ترمي إىل البناء، بل وهدمه وحتطيمه، هو سائد إىل إنكار كل ما

.قيم جديدة، أي إبداع، اإلبداعو

Page 71: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

:الفصل الثاين

هـة عند نيتشـا القيمـولوجيـأنط

.االنبعاثو العدمية أو القيم بني األفول .1

العمق األنطولوجي و إرادة القوة بني األبعاد األكسيولوجية .2

.شرعة القيم اجلديدةو مقولة العود األبدي .3

البناء و اإلنسان األعلى أو القيم بني اهلدم .4

Page 72: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

58

االنبعاثو العدمية أو القيم بني األفول: املبحث األول

لذلك فقد كانت جمال حبث واسع لدى ، القضايا امليتافيزيقية اجلوهرية تعترب العدمية من

ذلك أا ارتبطت كليا مبسألة ، الباحثني الذين اهتموا بدراسة فلسفة نيتشهو جل الفالسفة

.وهي يف حد ذاا العنوان البارز مليتافيزيقا نيتشه، القيمة

، فهي إما أن تتجلى كإرادة نفي، وجند أن العدمية تتحدد حبسب نيتشه يف صورتني، هذا

فاألوىل ارتبطت ، وتصبح حينئذ فاعلة، وإما أن تتجلى كإرادة إثبات، وحينها تكون سالبة

.اإلبداع أما الثانية فهي منبع االنبعاث واخللق أو، بأفول القيم أو غروا

:العدمية النافية -1

تأخذ احلياة قيمة عدم مبقدار ما حيث، بل قيمة عدم أوال، اللاوجود" وهي ال تعين

مبعىن أن منطق العدمية مبا هي ) 1("عندئذ تصبح احلياة كلها ومهية، احلط من قيمتهاو جيري نفيها

الذي ، التأويل املثايل للوجود" وذلك ، وبال معىن، يرتع إىل اعتبار احلياة بال قيمة، إرادة نفي

، أصبح يف احلقيقة تقديرا فاسدا، فوق طبيعيالتجربة باختالق عاملو ينتقص من قيمة الطبيعة

ويذهب هكذا إىل إفقاد )2(" إثبايت و حتركه غريزة حاقدة تتجه حنو إفساد كل ما هو طبيعي

وبالتايل التوق إىل ، لتصبح الدعوة صرحية لالنسحاب الكلي من احلياة، احلياة قيمتها ومعناها

.اآلخر العامل

.189ص ، 2001، 2ط، لبنان، التوزيعو املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر، ترمجة أسامة احلاج، الفلسفةو نيتشه، لجي، دولوز .12 . Sarah. kofman , nietzche et la scène phlosophique, union générale déditions, paris ,1979 , p22.

Page 73: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

59

ـ " وتبعا هلذا ، وى الـيت ـيمن هـي قـوى منفعلـة أو سـلبية فـإذا كانـت الق

، وهـو مـا يبينـه التـاريخ املظلـم لإلنسـان ، فإن اإلرادة تتجه إىل االحنـدار بـالقوة

ذلــك مــا يــوحي أن العــدمي هــو بالضــرورة صــاحب ،)1("أي إحنطــاط الغريــزة

مـن األفضـل ، يغلب عليـه االعتقـاد الراسـخ أن احليـاة كمـا هـي ، نزعة تشاؤمية

أو أـا جمـرد ، وأن احليـاة كمـا ينبغـي أن تكـون ال وجـود هلـا ، عدم وجودهـا

وهـي يف ، املذمومـة ، الضـجرة ، للحيـاة اآلفلـة " جتسـيد باعتبارهـا ، وهم وخـداع

.)")2اية املطاف جتسيد لغريزة االحنطاط

ولعل ذلك ما يعبر عنه ، أو إدانتها معناه الزيف والعبثية، إن مترد اإلنسان على احلياة

وعلى العامل ، الذي حيكم على العامل كما هو بأنه من الواجب أال يوجد" جل اإلنكاري بالر

، إذن، )3(" هي أن الوجود ال معىن له ، والنتيجة تبعا هلذا، كما جيب أن يوجد بأنه غري موجود

اخلالص " وحىت أنه ليصبح ، ال قيمة حينئذ لوجود تكتسحه العدميةو ،فأن حنيا أمر ال معىن له

.147ص ، 2010، 1ط، اجلزائر، منشورات اإلختالف، رجترمجة مجال مف، إرادة القوةو نيتشه، فريدريك، نيتشه .1 .41ص ، 03فقرة ، 1998، 1ط، املغرب، إفريقيا الشرق، حممد الناجيو ترمجة حسان بورقية، أفول األصنام، فريدريك، نيتشه .2 .158ص ، 1975، 5ط، الكويت، وكالة املطبوعات، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .3

Page 74: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

60

هو الغروب عنها ) *(كاووسيتهاو وبالتايل من عبثية اإلرادة، الوجود النهائي من عبثية

.)1("الكلي منها واالنسحاب

فالوجود الذي كان يشع توهجا وامتالء بالغرائز اجلياشة قد صار إىل ، وعلى هذا األساس

من خالل التقوميات شوهت فيما بعد" وتلك احليوية اليت كانت متأل أرجاءه قد ، االنطفاء

وحيث هي كذلك فقد انتهت اإلرادة مبا هي قوة نفي إىل سلب احلياة )2(" التقديرات املزورة و

بل، سحبت من اإلنسان كل القدرة على التغيريو ،كما انتزعت من القيم كل إجيابية، كل قيمة

روب من قرف الوجودليبقى اهل، أنه جرد من إمكانية تقبل احلياة كما هي على األقلو

، وبعد نفي كل شيئ، سلبيةو وبصورة أشد ضعفا" السكون أبدا و اخلالص فقط باجلمودو

متدادا بصورة ما للعدمية ا )*(اإلرتكاسية العدمية تشكل وهكذا، كان البد من االنتفاء

)3(."النافية

احلياة تنتفي فإن هذه، ال معىنو عندما نعترب احلياة بال قيمة" نيتشه " إننا حسب

السعداء يصبحون ضعفاء عندما جيدون أنفسهم يف مواجهة غرائز و األقوياء" تضمحل حىت أن و

املتقدم على وجود العامل مثال ذلك قوله يف اإلصحاح األول من ، وغري احملدود، وهو اخلالء املظلم، العماءأو ) chaos(من الكاوس . *اإلضطراب اليت تكون عليها و كما يشري العماء إىل حالة من الفوضى، "وعلى وجه األرض ظلمة ، كانت األرض خربة وخالية" التكوين

املعجم ، صليبا مجيل:أنظر ( ال منسقا فهو عماء و وعليه فكل ما ليس مرتبا، التنسيقو بالتنظيم عناصر الوجود قبل أن تتناوهلا يد الصانع .)103ص ، املرجع السابق، 2ج، الفلسفي

.57ص ، 1999، 108.109العدد ، بريوت، مركز اإلمناء القومي، جملة الفكر العريب املعاصر، اخلالصو الذات، كمال، البكاري .12. Sarah,kofman,op.cit ,p18. وعلى ذلك يعبر عن ، حيث هي متثل عجز اإلنسان عن الفعل، هي اصطالح فلسفي استخدمه جيل دولوز للداللة على عدمية رد الفعل . *

).110ص ، مرجع سابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز:انظر ( القوى اإلرتكاسية بالقوى املفعول ا .57ص ، بقاملرجع السا، كمال، البكاري .3

Page 75: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

61

وذلك بعد أن تتحول القوى الفاعلة إىل ، )1(" وكثرة العدد ، وجنب الضعفاء، القطيع املنظمة

، االنطفاء التامإىل أن تصل إىل مرحلة ، وبدل الفعل تتحول إىل جمرد رد الفعل، قوى منفعلة

إما أن تلغوا احترامكم " : " العلم املرح " يف كتابه " نيتشه " ولعل هذا ما يوحي به خطاب

ألن ، لكن األوىل، العبارة األخرية هي العدمية !إما أن تلغوا أنفسكم أنتم ، لألشياء املقدسة

" فلم نعد ، انتهينا إليها، القيمةو تلك حالة من غياب املعىن، )2(" ؟تكون هي كذلك العدمية

إننا نستشعر بأن كل شيئ يسري ، نرى اليوم شيئا من األشياء اليت تتيح لنا أن نكون أعظم شأنا

وما العدمية إن مل تكن كناية عن هذا الكلل ، وأن اإلنسان اليوم يصيبنا بالكلل...حنو االحنطاط

.)3(" ؟نفسه

ة ال تعلن عن وجودها مع الضعيف أو املريض أو الفلسفة احلق" وميكن الوصول إىل، هذا

ومن مثة كان التحليل ، )4("املنحطة الصغري أو كل ما ينتسب بصفة قاطعة إىل أعراض احلضارة

ذلك أا كانت الباعث ، ارتكاسيةو قد ارتبط بكوا نافية، النيتشوي النقدي ملقولة العدمية

–حسب نيتشه –واليت كانت ، الغربية احلديثةعلى التدهور واالحنطاط الذي عرفته احلضارة

.املستوياتو النموذج األمثل لإلنسان العدمي على مجيع األصعدة

.156ص ، املرجع السابق، نيتشه وإرادة القوة، فريدريك، نيتشه .1 .209ص ، 364ف ، )ط ت ، د(، الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، حممد الناجي، ترمجة حسان بورقية، العلم املرح، فريدريك، نيتشه .2ف )ت ، د ط(، بريوت، التوزيعو التشرو امعية للدراساتاملؤسسة اجل، ترمجة حسن قبيسي، فصلهاو أصل األخالق، فريدريك، نيتشه .3

.39ص ، 124 . Sara ,kofman ,op.cit ,p22

Page 76: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

62

قد رفض جممل القيم السائدة معتربا إياها أصناما أو أوثانا "نيتشه " وبناء على ذلك جند

اليت تقوم ، لقيمتتساوى يف هذه ا" غروب القيم و قدسها اإلنسان األوريب يف زمن سكون احلياة

وقد وضع األخالق ، واليت تقوم على أساس الهويت كهنويت، على أساس عقلي فلسفي

) 1("وشن عليها حربا ال هوادة فيها، واألخالق املسيحية يف كفة واحدة، األفالطونية

، ياءالعلو وال كان هلا تلك القداسة، كل تلك املكانة إن السلطة الكهنوتية ما كان هلا أن تتبوأ

من خالل التأويل املقلوب –ذوي القابلية لالستعباد -مريديها وعبيدها لوال أا أرهبت

هو حيلة رجل الدين يف إحداث ، باعتباره العداء املوجه إىل الفعل، هذا التأويل" حلقائق األشياء

تنظيم و ،بعكس تراتب القيم، وتزوير ماضي الشعب اليهودي، التحوالت على املفاهيم اإلهلية

حتويل قوة األرستقراطي و منحها سلطة إهلية من أجل تقوية ضعف املرضىو تقييمات الضعفاء

)2("ويف الوقت ذاته احملافظة على التفوق التـراتـيب للطبقة الكهنوتية ، إىل مرض

ومن مث التقوقع على ، اجلمودو إنها التجسيد الفعلي لإلنسان اإلرتكاسي الذي جمد الرتابة

أن " إذ ، غ رفض نيتشه املطلق لكل تصور ينكر احلياة ويعاديهالذلك ميكن فهم مسو، ذاتال

، )3("حياة ختاف من احلياة ، هي إرادة عدمية، اإلرادة اليت تتستر وراء القناع امليتافيزيقي اللامع

كون الرو السكونو يرفض اجلمود" والذي هو من حيث املبدأ ، ولعل هذا ما ثار ضده نيتشه

.190ص، 2007، )دط (بريوت ، التوزيعو النشرو دار التنوير للطباعة، فلسفة األخالق، ابراهيم، يسري .1

2 . Sara,kofman,nietsche et la métaphore,editions payot,1979,editions galillé(s.l),1982,p82. 3 . Ibid.p.105.

Page 77: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

63

وعلى هذا ، )1("األديان السائدة و امليتافيزيقيةو إىل احللول اجلاهزة اليت اقترحتها الفلسفات املثالية

منافقون من أجل اإليقاع و حقائق مرعبة يديرها خمادعون" األساس مل تكن يف نظره سوى

.)2(" وإيهامها بوجود عوامل أخرى أفضل من العامل األرضي ، باإلنسانية

سيكون فعليا يف إذ أنه، األفولو سيدرك اإلنسان ال حمالة عصر اإلحنطاط ،وعندئذ

، اإلنتقامو رجال اخلداعو احلمقىو أنه حمكوم من جانب غري املناسبنيو ،قبضة أسوأ األيدي"

، )3(" الذين يطعنون اإلنسانية و ،هون العاملأولئك الذين يشو، من يسمون أنفسهم بالقديسني

.وبالتايل غسق القيم أو غروا، وحياة آفلة، فلم يكن غري إنسان منحط، ذلك ما أسسوا له

يعزى إذن إىل العبثية اليت أحكمت قبضتها –حسب نيتشه –إن تدهور احلضارة الغربية

فأصبح ، القيمةو خاصة بعد أن فقد اإلنسان املعىن، على كل ما هو جوهري يف تلك احلضارة

، املفهوم ارد هو عدو للحياة" يف حني أن هذا ، و ميتافيزيقي مثايلال يؤمن إال مبا هو جمرد أ

تلك ، )4( "جيعلها شاحبة حزينة و ،يتحول إىل شبح يشوه احلياة، احلال هذهو ،فمفهوم الوجود

وكذا تلك الفلسفات –املسيحية و اليهودية –هي السمة الغالبة على جل التصورات الدينية

، أفالطونو وخاصة منها فلسفة سقراط، اليت كانت امتدادا للفلسفة اليونانية، يةاملثالو العقالنية

.09ص، 2010، 1ط، بريوت، التوزيعو النشرو دار التنوير للطباعة -مناذج نيتشوية–فلسفة القيم ، أمحد عبد احلليم، عطية .1 10ص، املرجع نفسه .2 .163ص ،08ف ) ط ت، د(، بريوت، منشورات اجلمل، ترمجة علي مصباح، هذا اإلنسان، فريدريك، نيتشه .3

4 . Sara, kofman, nietzsche et la métafore,op.cit,p104

Page 78: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

64

حيث تتساوى مجيعها ، )*(اإلكوينية و وحتديدا األوغسطينية، ومن بعدها فلسفة القرون الوسطى

واالحنياز للضعف، والشعور باخلطيئة، مفهوم الوجود على الداللة األخالقية" يف تأسيس

وحطمت كل تراتبية ، النبالء األقوياءو ،اجلبابرة األسياد معاداة مقابل يف، الفشلو االحنطاطو

)1(بواسطة مبدأ تساوي األرواح كلها أمام اهللا

–تعاطي الفلسفة بضربات املطرقة –أما الديانة املسيحية فقد ناهلا من النقد النيتشوي

قم طوال تارخيها سوى بتكريس مبا هي مل ت ذلك، النحل األخرىو ما مل ينل غريها من امللل

فهي تنكر القيم ، )*(ال ديونيزية و املسيحية ليست أبولونية" إذ أن ، اإلحنطاط قيم الضعف

، فهي التجسيد الفعلي للقيم احلاقدة على احلياة، إذن، )2(" وبأعمق معىن هي عدمية ...اجلمالية

ما يريده الكاهن هو " أن وهكذا جند، وبالتايل على اإلنسان، على الغريزة، على األرض

بتنكرها لكل ما هو حيوي ، وإنكارية، حيث جيعل منها انتقامية) 3(" بالضبط إحنطاط البشرية

وأحد كبار ، وهو الهويت وفيلسوف مسيحي) م Aurelius Augustinus) "354-430أوغسطني " األوغسطينية نسبة لـــ . *ر فالسفة القرون الوسطى وهو من كبا)Thomas D’aquin )1225 -1274توما االكويين " أما اإلكوينية فنسبة لـــ، آباء الكنيسة

مرجع ، 1املوسوعة الفلسفية ج، عبد الرمحن، بدوي:أنظر ( يف الفكر املسيحي عامة و ال يزال تأثريه عظيما يف الكنيسة الكاثوليكية، واملسيحية .428-287سابق ص

1 . Fin.Eugen,la philosophie de nietzsche,traduit par H.hilebend et A.l’indenberg,les éditions de minuit ,paris 1965,p175.

نسبة إىل اإلله ، فأعطى هلا اسم احلضارة أو الروح األبولونية، ملا أراد نيتشه أن يسمي احلضارة اليونانية باسم يعبر عن خصائصها العامة . *بل عارضها بتسمية أخرى هي الروح ، ى هذه التسميةإال أنه مل يقتصر عل، من بني مجيع اآلهلة أصدق متثيل، أبولو الذي ميثل الروح اليونانية

وتقوم هذه التفرقة على أساس أن الروح األبولونية هي روح ، كما يسميه الالتينيون" باخوس " أو ، نسبة إىل اإلله ديونيزوس، الديونيزوسيةص ، مرجع سابق، 2املوسوعة الفلسفية ج، نعبد الرمح، بدوي: انظر( الفوضى و بينما الروح الديونيزوسية هي روح اإلختالط، اإلنسجام

164( .81ص ، 01ف، مرجع سابق، هذا اإلنسان، فريديك، نيتشه .2 .81ص ، 08ف، املرجع نفسه .3

Page 79: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

65

وعلى العكس من ذلك حيل ، وجيعلها قوية، وبانتقامها من كل ما من شأنه أن يعلو ا، إثبايت

.وتتغلغل الرتابة يف كل أرجائها، الوهن

عصرا حضارته مهددة كليا بالتدمري من طرف وسائلها " نئذ سنعيش ويبدو أننا حي، هذا

يف طياا بذور فنائها حتمل هي، أخرى وبعبارة، )1(" نفسها

، السحرة، وليس مرد ذلك إال إىل هؤالء الكهنة، آيلة إىل حتفها بذاا، وهي بذلك آيلة للزوال

تبعا ، و)2("يخرجون من العامل عدما، ن العدمالذين عوض أن يخرجوا العامل م" رجال الدين

وعلى ، اخلطيئةو تغمرها روح الشعور بالذنب، إرتكاسية، فلسنا غري أمام حياة منحطة، لذلك

من أشد عوارض ثقافتنا عارضا"وهو يف جوهره ليس إال ، مزيفو الدوام إميان مسيحي كاذب

مؤشرا على اجتاهها حنو ضروب من و أصال هذه الثقافة املزعجة حبد ذاا، األوربية إزعاجا

)3(" !حنو العدمية !حنو بوذية أوربية !البوذية اجلديدة

على ضوء تصوره للعدمية وجتلياا يف و ،من خالل حتليله النقدي" نيتشه " لقد توصل

،احلاسمكان على الدوام العامل –اليهودية و املسيحية –إىل أن الدين ، احلضارة الغربية احلديثة

أخالق الغوغاء اليت حتوي مطلق ، أخالق القطيع، الباعث القوي على خلق قيم تناصر الضعفاءو

ضد اجلسد الذي ، ضد الغريزة، ما جعلها مبثابة انتفاضة ضد احلياة، احلقد الدفنيو الكراهية

ص ، 555ف ، 1998) د ط ( ، الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، ترمجة حممد الناجي، 1ج، إنسان مفرط يف إنسانيته، فريدريك، نيتشه .1

224. .239ص ، 627ف ، املرجع السابق، 1ج، إنسان مفرط يف إنسانيته، فريدريك ،نيتشه .2 .14ص ، 05ف ، مرجع سابق، فصلهاو أصل األخالق، فريدريك، نيتشه .3

Page 80: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

66

،أصبح كل شيئ متهودا" حني ، املسيحيو أصبحت عداوته شبه مقدسة يف العرف الكهنويت

قيم الضعفاء، القيم الغوغائية وتولدت عنه، فقد أصبح احلقد خالقا، وغوغائيا، متمسحا

إىل والوضاعة، العجز إىل طيبة قلبو ،الذين حولوا الضعف إىل شيئ جدير بالتقدير، املنحطنيو

)")1ارب، بل أا تسمى الفضيلة ذاإىل ص التسكعو املساملة، املهانة إىل طاعةو اخلضوع، تواضع

، وبناء على هذا ميكن استنتاج مدى الطابع التشاؤمي الذي اتسمت به تلك الرتعات

فقد كانت ، وحيث هي كذلك –املثالية ، امليتافيزيقية، املسيحية –الفلسفية و الدينية منها

ومل يكن ذلك إال من خالل نبذ ، احلط من شأاو ،غايتها تتجه بكل قوة إىل احتقار احلياة

املتأمل للمرحلة املسيحية جيدها ال تعدو كوا و خاصة، الغرائز األصيلة يف اإلنسانو واطفالع

لكنها ال تطلب ، كثرمو وإن كانت تعبريا عن قوة الضعفاء، شذوذ عن احلقيقة" جمرد

وعملت على اعتبار الدافع اجلنسي شيئا قذرا مع أنه ، بل وأدها، السيطرة على العواطف

وعامل آخر حلم فيه املسيحيون، من فكرة احلياة الثانية" نيتشه" هلذا هزأو ،ذيبهباإلمكان ،

.)2("حيث يقتص فيه الضعيف من القوي

ته املسيحية يف اإلنسانية اليت أصبحت تقدس ي شرعة الوعي املزيف الذي بثه، تلك إذن

تلك آهلة باطلة ، الفلسفة أصنام يف، أصنام يف السياسة، أصنام يف األخالق، عبادة األصنام"

.207. 206ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .1، 2000، العدد األول، القاهرة، عمرانية لألوفستمطبعة ال، جملة أوراق فلسفية، األخالقو نيتشه بني فلسفة التاريخ، علي حسني، اجلابري .2

.56ص

Page 81: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

67

حىت بلغت أقصى ، تتدافعو وأخذت تتخبط، فكان أن ضلت سواء السبيل، اخترعتها مث عبدا

)1(."وكأا كانت تريد منذ البدء الفناء، العدميةو اإلحنطاط دركات

أو هو األفول املزمن للقيم ، كان هو ذاته معول هدم، إن تقديس اإلنسانية لتلك األصنام

ضللت "قد ، ومن مث فاملسيحية بصورا تلك، وتعلي من شأن األرض، احلقيقية اليت تثبت احلياة

وانتقاص قيمة العامل األرضي ، اإلنسان األوريب عندما ساعدته على اختالق عامل آخر مثايل

زمانمما جعله يركز أمله يف العامل اآلخر بدال من أن يسعى إىل حتقيق الكمال يف ال، واحلقيقة

مثريا ، بالنهاية مريضاو ،وما كان هلا بذلك إال أن جعلته أسريا ألفكار مرعبة )2( ، "املكان و

فقد أفسدت ، هذا ما أدركته الكنيسة" ولعل ، كارها جلسده، حاقدا على نفسه، للشفقة

.)3(" لكنها ادعت أنها أصلحته ، أضعفته، اإلنسان

األديان اليت عرفتها البشرية مبا ذلك البوذية ويكون نيتشه قد اعتقد أن جممل، هذا

سامهت بنصيب " و، قد أسست إمجاال للعدمية النافية، املسيحيةو اليهودية، الكونفوشيوسيةو

لقد حافظت على الكثري من ، على نوع اإلنسان يف درجة متدنية، وافر يف احلفاظ على النـوع

الذين استطاعت الكنيسة أن ، اء الواهنونفهم الضعف، )4(" عليهم أن ينقرضوا الذين كان

.163ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .1 .354ص ، 1999، )دط(، السويس، دار املعرفة اجلامعية، حماولة جديدة لقراءة فريدريك نيتشه، صفاء، عبد السالم علي جعفر .2 .59ص ، 02ف ، لسابقاملرجع ا، أفول األصنام، فريدريك، نيتشه .3 .97ص ، 62ف ، )دط ت(، بريوت، دار الفارايب، موسى وهبة، ترمجة، الشرو ما وراء اخلري، فريدريك، نيتشه .4

Page 82: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

68

، تقريبا حيوان قطيعي، مثري للسخرية، نوع مصغر" وجتعل منهم ، وأن تستعبدهم، تسخر منهم

) 1("، قليل الذكاء، أوريب الزمن احلاضرمعتل، كائن وديع

تعظيم كل ما من شأنه أن يؤدي و إىل حد متجيد –القطيع –اتـجه الرعاع ، وهكذا

فلزم عن ، أخالق الشفقة والزهد، املساواةو الرقة، التواضعو كالصرب، ىل التدهور أو الغروبإ

وإىل استبعاد ، لكنه مل يكن غري عامل قيم تتجه بقوة إىل إقصاء اجلسد، ذلك بزوغ عامل جديد

ال وحيث هي كذلك ف، أو انها ال تساوي شيئا، الغرائز احليوية يف اإلنسان بدعوى أنها دنس

وخري له أن يقول إنين ال ، يقول الضعيف فاتر اهلمة أن احلياة ال تساوي شيئا" مناص من أن

وأخذنا مببادئ املساواة، لقد فقدت احلياة قيمتها عندما ختلينا عن أخالق البطولة، أساوي شيئا

.)2(" اليت تكفر بعظماء الرجال ، الدميقراطيةو

مل تسلم -العدمية السياسية –أن مبادئ الدميقراطية ميكن استنتاج ، وانطالقا من هذا

ذلك مبا هي يف جوهرها ليست إال وليدة الفكر ، هي األخرى من ضربات املطرقة النيتشوية

إذ امليل إىل اإلميان بعامل غري أرضي يتبعه على الدوام ، الرهبانو الكنسي الذي زرعــه الكهنة

احلركة " وعليه كانت ، مقنعا من أشكال اإلنتفاء شكال وهو ليس إال، الدميقراطي امليل

، وعلى النقيض من ذلك، تكفر بسيادة األقوياء، )3(" الدميقراطية هي وريث احلركة املسيحية

ومسوها بغري ما هي ، الذين بسوء تقوميهم لألشياء قلبوا القيمو ،فإا تقدس الضعفاء واملنحطني

.99ص ، 62ف ، سابقمرجع ، الشرو ما وراء اخلري، فريدريك، نيتشه .1 .529ص ، املرجع السابق، ول، ديورانت .2 .149ص ، 202ف ، رجع سابقم، رالشو ما وراء اخلري، فريدريك، نيتشه .3

Page 83: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

69

والضعف غري املقصود الذي ، فقون على االكفهرار الالإراديمت" وكأن الكل ، عليه يف الواقع

.)1(" يبدو أنه يهدد أوربا ببوذية جديدة

القيم " وإىل مدى فظاعة أن تسود ، إىل مدى خطورة أن تسيطر قيم القطيع" نيتشه " لقد انتبه

، اوزت األلفي سنةواليت سيطرت على الفكر البشري ملدة طويلة جت، امليتافيزيقية املضادة للحياة

" و" سقراط " هذه السيطرة لقيم العقالنية اليت تعود جذورها إىل عصور سحيقة تبدأ مع

حيث دخل الفكر األوريب يف ، واستثمرا املسيحية يف العصور الوسطى احلديدية، "أفالطون

.)2(" سبات عميق و عقم نظري

وذلك السكون الرهيب ، ة البائدةونتيجة لذلك السبات العميق الذي دخلت فيه تلك احلضار

وبعد أن مت تغييب الوجود الفعلي ، فقد غاب كل ما يرمز للحياة، الذي خيم على كل أرجائها

وكل الغرائز ، الغزو والسيادةو الرجولةو أحاسيس الكربياء "استتبع ذلك إقصاء ، لإلنسان

، ورغبة يف اهلدم، جع ضمريوو، وحتويلها إىل تردد، األكملو اخلاصة بالنوع البشري األعلى

هذا هو الواجب الذي أخذته ، وحتويل ما كان تعلقا باألرض وباألشياء األرضية إىل كراهية

.)3("الكنيسة على عاتقها

.150ص ، 202ف ، رجع سابق، مالشرو ما وراء اخلري، فريدريك، نيتشه .1 . 17ص ، 1999، 21العدد ، الدار البيضاء، دار النشر املغربية، نقدو جملة فكر، عودة ديونيزوسو أزمة احلداثة، حممد، معزوز .2 .98ص ، 62ف ، السابق املرجع، الشرو ماوراء اخلري، فريدريك، نيتشه .3

Page 84: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

70

ذريعة جمموعة من القساوسة أو الكهنة الذين يلمعونو إال حيلة" هذا ومل يكن ذلك يف احلقيقة

)1("إرادة اإلنسان " حمل " ة الرب مملك"يحلون و "باسم الرب "يربزون و

ويبدو أن أبرز ما يثبت ذلك أن املتأمل ألقصى ما كانت تكافح ألجله الكنيسة ال جيد ، هذا

فكانت الروح بذلك ، العظمة يف ذلك االحتقارو وتتوق إىل اد، حتتقر اجلسد" غري أنها

اإلنعتاق من األرض اليت و ا اخلالصمتومهة أنها حينئذ ميكنه، شغوفة جبعل اجلسد ضعيفا ناحال

، قبيحة، لكنها يف احلقيقة ما كانت إال على مثال ما تشتهي جلسدها ناحلة، يدب عليها

.)2("جائعة

فإن ذلك ال يستتبع إال تلك األقنعة الزائفة ، فإذا كانت اإلنسانية قد احندرت كل هذا االحندار

، الشفقة، املثل األعلى الزهدي، كاهللا –أوثان أصنام أو –اليت تتجلى يف اختراع مقوالت

.وغريها من األوهام اليت كبلت اإلنسانية وعمقت جراحها...العامل اآلخر، التواضع، الرمحة

ولعل ذلك هو ، األرضو بني اإلنسان، اجلسدو هوة سحيقة بني اإلنسان لقد لزم عن ذلك خلق

احلال اليت وصلت إليها أوربا يف أواخر القرن التاسع " وهي ، اإلنكار املطلق الذي جيسد العدمية

ال جيدون قيمة يف أي شيء من شؤون احلياةو ،فلم يعد الناس يؤمنون بشيء، عشر

.)3("إنكار احلياة مها الطابع الغالب على تفكريهم ونظرم للوجود و فكان التشاؤم...الوجودو

1 . Nietzsche,friedrich,l’antéchrist,trad,dominique tassel ,union générale dédition ,1985,§ 26.

.06ص ، 03ف ، 1938، )د ط (، االسكندرية، مطبعة جريدة البصري، ترمجة فليكس فارس، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .2 .158ص ، املرجع السابق ،نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .3

Page 85: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

71

اإلنكارية مل و يب الذي اتسم بالنفيلكن مع ذلك جتدر اإلشارة إىل أن اإلنسان األور

أعظم احلكماء يف محل" فقد ، ووريثا ألفكارهم اإلرتكاسية، يكن غري تابع ألوائل العدميني

يف كل مكان و لما يقولونه عنها دائما...إنها عدمية القيمة، كل عصر نفس التصور عن احلياة

ها، سقراط نفسه حلظة مقاومت، اةضجر من احلي، كآبة مبهمة، نربة شك، نفس النــربة

. )1(" ما احلياة سوى مرض عضال :" احتضاره قال

، وتزامن ذلك مع انتصار قيم الضعفاء، إن عدمية اإلنسان األوريب احلديث قد بدت جبالء

مظهرا من مظاهر " خاصة ملا ساد الزهد املسيحي الذي كان ، ومن مث أفول قيم السادة األقوياء

وأن الزاهدين كانوا دوما أصحاب اإلرادة الضعيفة، لدود لكل ما هو حسي غريزيالعداء ال

على و ومن أولئك الذين خيتارون النظام الالتــرايب إلعالن العداء على عواطفهم، املنحلنيو

حني أكد يف نقده للقيم " نيتشه " ومن الواضح أن هذا ما أشار إليه ، )2("كل ما هو أرضي

قد صير العامل ذميما، احلل املسيحي القاضي باعتبار العامل ذميما وقبيحا"ية أن التقليد

باإلذعان املطلق لإلرادة قيم اتمع وقيم الفرد إمنا تقاس " وحينئذ صارت ، )3("قبيحاو

.السكينةو اليت كانت تكرس لروح اجلمود، )4("اإلهلية

.17ص ، 01ف ، املرجع السابق، أفول األصنام، فريدريك، نيتشه .1 .219ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .2 .135ص ، 130ف ، املرجع السابق، العلم املرح، فريدريك، نيتشه .3

4 . Nietzsche,friedrich,l’antéchrist,op.cit,§26

Page 86: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

72

وخنرت الوجود يف عمقه ، تيارااو وهكذا غلبت الرتعات التشاؤمية مبختلف مشارا

مساوي إىل عامل سوى ومل يعد بصره شاخصا، فكان أن نبذ اإلنسان عامله األرضي، اإلنساين

يعدو كونه جمرد أوهام زائفة جعلته شقيـا وتعيسا حني كان هو ال ال حقيقته وهو يف، مثايل

فالسعادة ال ، السبيل األمثل بيد أنه برتعته تلك يكون قد حاد عن، يبحث إال عن السعادة

خنرف عن عامل آخر غري عاملنا " فأن ، ال هي يف السماءو ،تدرك من خالل التعلق بالعامل اآلخر

عامل ظاهر سواء على الطريقة و ،وأن تقسيم العامل إىل عامل حقيقي...مسألة ال معىن هلا

ال ميكن أن ، وى مسيحي مستترالذي ليس يف اية األمر س" كانط " أو على طريقة، املسيحية

.)1(" ال ميكن أن يكون إال عالمة حياة آفلة و ،يصدر إال بإيعاز من االحنطاط

ال يرى ، أعمى البصرية، حينئذ غري كائن متوحش فلم يعد اإلنسان، وعلى هذا األساس

عن عاالمتناو هي سعادة التأمل، سلبية منفعلة" فجاءت سعادته ، الضغائنو إال األحقاد

الشرور اليت و فهي عنده من الرذائل، العلو باحلياةو ،الثراءو ادو وحىت حب الذات، )2("احلياة

ذلك مبا هي سبب الشقاء بزعم كل العدميني ، ينبغي الكفاح من أجل جتنبها أو التخلص منها

–االشتراكية، طيةالدميقرا، أخالق الواجب، العلم، العقالنية، املسيحيني اليهود، رجال الدين –

إم يتوخون ، وقاحة مشتركة، كما يف الالهوتيني، يف كل دعاة األخالق" وعلى هذا جند أن

.)3( "جذريو أنه ال غىن هلم عن عالج أخري صارمو ،إقناع الناس أنهم يف أشد املرض

.32-31ص ، 06ف ، املرجع السابق، ألصنامأفول ا، فريدريك، نيتشه .1 .128ص ، املرجع السابق، العمدة يف فلسفة القيم، عادل، العوا .2 .188ص ، 326ف ، العلم املرح، فريدريك، نيتشه .3

Page 87: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

73

، اوحيث أن احلياة األرضية أصبحت ال تطاق فقد اجتهوا إىل اقتالع الغريزة من جذوره

وما كان ذلك يف جوهره غري جمرد أعراض ، ولكنهم يف الوقت نفسه اقتلعوا احلياة من جذورها

خفت بريق و ،حيث سادت العدمية، التدهور قد تغلغلت يف أناس الزمن احلاضرو للضعف

.فسار العصر حنو أفوله اخلاص، وبدأت النهاية، احلياة

بني بزوغ و يثبت مدى التضايف بينها، إن هذا التحليل النيتشوي للعدمية مبا هي نفي

ومن مث فالسؤال الذي يفرض نفسه اآلن هو ، مشكلة أزمة القيم يف احلضارة الغربية احلديثة

كيف ميكن أن جنعل منها نفسها باعثا ؟أو كيف ميكن التغلب على العدمية ؟كيف ميكن التجاوز

انبعاث و التضايف بني العدميةوحينئذ أليس من املمكن استنتاج مدى ؟على عصر قيمي جديد

القيم من جديد؟

) : الفاعلة ( العدمية اإلجيابية . 2

ويبدو أن هذا ما ، اإلرتكاسيةو إن احلديث عن العدمية ليس على الدوام حديثا عن النفي

لتاريخ العدمية الطويل " الذي بين أن . )Gille Deleuze )1925"جيل دولوز " أشار إليه

وينتقل إىل خدمة ، يبدل النايف نوعيته، يصري فاعال، فقد النفي مقدرته اخلاصة بهحيث ي، ايته

ليبقى اإلثبات ، وتعيد توليد اإلثبات يف آن معا، إنها إرادة القوة اليت حتول النايف، اإلثبات

وتبقى الصريورة الفاعلة كمثال ، ويبقى الفعل كصفة واحدة للقوة، كصفة واحدة إلرادة القوة

.)1(" اإلرادة و ق للمقدرةخال

.253-252ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .1

Page 88: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

74

ليس إال ، القيمةو وانطالقا من هذا يبدو أن احلل النيتشوي للخروج من أزمة غياب املعىن

أو األصنام، املتمثــل يف حتطيم ألواح القيم التقليديةو ،معايشة الوجه اإلجيايب للعدمية

ن أراد أن يكون مبدعا سواء أكان فم" األوثان اليت تأسست عليها ميتافيزيقا األخالق السائدة و

.)1(" وبتحطيمه حتطيما ، فعليه أن يبدأ دم ما سبق تقديره، يف اخلري أم يف الشر

كان مبثابة مقدمة ضرورية للبدء يف عالجها ، إن اهتمام نيتشه بتشخيص العدمية احلديثة

ل املفاهيم والتصورات ض كأنه يقو "لذلك فاإلجتاه السائد يف فكرة العدميو ،بصورة إجيابية

ض العقالنية إذا بين أساسها ويقو، ض األخالق إذا بين أساسها اللاأخالقيفيقو، السابقة

وهي بذلك ، )2( " عن مظاهره بصورة إنسانية ويلغي العامل اآلخر امليتافيزيقي ليعرب، الالعقالين

من النفي إىل و ،إىل الفعل –تكاسية اإلر –ليست إال مرحلة انتقالية نعبر فيها من رد الفعل

وهي تعين السقوط األخري للحضارة ، أمر حتمي" وحيث هي كذلك فحلوهلا ، اإلثبات

) 3(" إلعادة تقومي جديد ، كما أنها متهد الطريق لفجر جديد، املسيحية يف أوربا

، العقلسواء تلك اليت تأسست على قداسة ، لقد رفض نيتشه كل أشكال التقومي السابقة

، ذاته املعيارو ومرد ذلك الرفض إىل وهن األساس، أو تلك اليت اختذت الروح معيارا هلا

فال ميكن أن يكون ، ال يعدو أن يكون عضوا مساعدا ال أكثر" فهو يف حقيقته العقل أمــا

.98ص " اإلنتصار على الذات " ـفـ، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .1 .364ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .2 .364ص ، نفسه املرجع .3

Page 89: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

75

ومن ، )1(" العضوية و الصحيحة هي خدمة الغرائز احليويةو بل مهمته احلقيقية، يف املرتلة األوىل

أن " سيتعين إثبات ، وحيث هو كذلك، سيتخذ التقومي اجلديد طابع اجلسد ال طابع الروح، مثة

ألن ، وبالتايل فاإلميان باجلسد أكثر أمهية من اإلميان بالنفس، الروح أكثر سطحية مما نعتقد

الروح و ،تابعة الثانية منقادةو ،فاألوىل قائدة، النفسو ظواهر اجلسد أكثر غىن من ظواهر الروح

.)2(" يف حني أن الروح هو اهلامش ، وهو املنت، جمرد ضميمة للجسد الذي هو النص األصلي

، لكن هذا القلب النيتشوي ملنطق التقومي اجلديد يستدعي ال حمالة الشروع أوال يف اهلدم

شروعيتها من اليت استمدت م، واألحكام القيمية وامليتافيزيقية، املبادئو أي هدم كل األنساق

، وتلك هي عملية التحطيم اليت تتيح الشروع يف عملية البناء احلقيقي للقيم، جمرد أوهام باطلة

ومنها ، يتطلب حتطيم كل القيم واملقوالت، أجل البدء الوصول إىل نقطة الصفر من "وكأن

)3("ا من جديد الدخول يف عدمية متسح األرض وائيو ،اإلنسان، النظام، احلرية، العقل، الدين

أن ننقذ اإلنسانية من هذا ، فلنحاول إذن" ولذلك ، وكأنه للبناء ال مناص عن اهلدم مسبقا

بأن نبدد أوال كل األوهام اليت قدستها حىت ، الذي تردت فيه –العدمية السالبة –االحنالل

بدأنا نذيع شرعة ، الشاق حىت إذا ما انتهينا من هذا العمل، وأن حنطم األصنام اليت عبدا، اآلن

.)4(" حلياة جديدة تبلغ أعلى درجات السمو واإلرتقاء ، القيم اجلديدة

1 . Nietzsche, Friedrich,La volonté de puissance,tomeI ,traduit par geneviève bianquis ,éditons gallimard, paris,1995,II aph.262,p315. 2 . Ibid,p 311

.57ص ، املرجع السابق، كمال، البكاري .3 .160ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .4

Page 90: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

76

، حني منارس حسنا النقدي"ولعل هذا ما يبدو جليا حني نتأمل تأكيد نيتشه على أننا

ة وغالبا ما يكون هذا على األقل دليال على قوى حي، فليس يف ذلك شيئ تعسفي أو شخصي

جيب أن ننفي بقدر ما يريد شيئ ، جيب أن ننفي، إننا ننفي، فينا تعمل مستعدة لتفجر قشرة ما

، يتوجب عليه أوال أن يبدع، العالء او فمن يبتغي إثبات احلياة، )1(" يثبت نفسه و فينا أن حييا

، انقطاعكذلك من يبتغي اإلبداع يتوجب عليه أن يدمر بال ، أن يكون لديه روحا مبدعا

من حيطم األلواح " وألجل ذلك جند مجيع املؤمنني جبميع املعتقدات حيسبون أن ألد أعدائهم

.)2(" غري أنه هو املبدع ، ذلك هو ارم، ذلك هو اهلدام، اليت حفروا عليها سننهم

وأن ،وانطالقا من هذا يصل نيتشه إىل أن اإلنسان إذا ما أراد التخلص من تلك العدمية

وإذا ما كان عازما حريصا حقا على أن جيعل ، يفتح لنفسه سبيال فسيحا باجتاه مستقبل زاهر

ومن مث ، العالءو كان عليه أن يسمو باحلياة يف سلم التصاعد حنو القداسة، لوجوده قيمة

الكفاح من أجل القضاء على كل و سيكون لزاما عليه اختاذ العدمية نفسها وسيلة للنضال

، وكانت هي علة تعاستها، نام املزيــفة اليت عاشت يف ظلــها اإلنسانية دهورا قاحلةاألص

.وألواح قيم جديدة، لنصل بعد ذلك بالضرورة إىل بعث جديد ألمنوذج جديد

نتيجة حتمية لتلك احلركة النقدية اليت تستلزم الصراع مع قوى ، إن اإلبداع عند نيتشه

فإنه جتسيد جلملة من العالقات بني القوى ، خللق فقط عن قوى فاعلةوحيث ال يعبر ا، النفي

.182ص ، 307ف ، املرجع السابق، العلم املرح، فريدريك، نيتشه .1 .15ص ، 09ف ، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .2

Page 91: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

77

ال ينفصل اإلثبات " لكن مع ذلك ، حينئذ تكون الغلبة لقوى اإلثبات على قوى النفي، املتضادة

لذلك فإن أحد الشروط ، خاصة وأن اإلبداع يقترن بالتدمري الفاعل، عن شرط أويل هو النفي

حترير احلياة من ، التحريرو التدمري مبا حيمالنه من معاين التخليصو ياألساسية لإلثبات هو النف

إن من معاين ، فاعليةو و البحث هلا عن قيم جديدة جتعل من احلياة أكثر خفة...أوزارهاو أثقاهلا

وهي ليست إال أشكاال تثبــت الوجود ، )1(" اإلثبات هو اختراع أشكال جديدة للحياة

بني ما كان علــة و فتتعمـق اهلوة بينه، طموحاو وتغمره فرحا ،اإلنساين على أرضه

.خرافات باطلةو لألحقاد اليت كانت تسكنه جراء ما بثــته فيه الكنيسة من أوهام

، وميكن االنتهاء إىل أن اإلبداع يف املنظور النيتشوي ليس غري خلق عامل جديد، هذا

يف الرغبة امللحة اليت تسكن اإلنسان مبا هو اخلالقال يكون ذلك إال باالستثمار و ،بقيم جديدة

ومن مث ، وإىل قلب القيم السائدة، اليت جتعله يرتع باستمرار إىل جتاوز ذاتهو ،املبدع باستمرارو

، ال ننبذهاو وهو ما جيعلنا نسموا بالغريزة، ال حنتقرهاو هو يعين خلق ما جيعلنا نتعلق باحلياة

ال ينبغي أن ، وبل أرضيا إنسانيا، ق ال ينبغي أن يكون مساويا أو إهلياويلزم عن ذلك منهل اخلل

.بل اجلسد والغريزة، يكون العقل أو الروح

للتغلب على العدمية النافية هو أجنع السبل، إن فلسفة القلب أو التحويل الكلي للقيم

الفيلسوف العدمي -نيتشه مما ال شك فيه أن" ذلك أنه و، اليت خنرت احلضارة الغربية احلديثة

إذ أنه مل يفهم العدمية بوصفها حالة اإلنكار ، قد أدرك املعىن اإلجيايب للعدمية –على األصالة

.61ص ، السابق املرجع، فلسفة القيم، أمحد عبد احلليم، عطية .1

Page 92: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

78

مبفهوم أكثر متاشيا مع و ويف الوقت ذاته، أي بوصفها قهر العدمية، ولكن بوصفها إجيابا، املطلق

حيث تغيب مساء امليتافيزيقا البائدة )1(" قد فهمها بوصفها حقيقة السلطة اآلتية ، سياقه الفلسفي

–بعد أن صار من حق اإلنسان وحده ، أوامرها العبثيةو اليت كانت تفرض على اإلنسان قيمها

فيبدع ما يساعده على تنمية حياته، أن خيلق ويقوم لنفسه بنفسه –الشر و مبعزل عن اخلري

ذلك ما ، ال الروحيو ال الوعي العقلي، الغريزةو وليس ذلك إال للجسد، إثرائهاو تقويتهاو

عودوا ا ، أرجعوا الفضيلة الضالة كما رجعت ا أنا إىل مرتعها يف األرض" يربزه يف خطابه

.)2(" روحا بشرية ، إىل احلياة لتنفــخ يف األرض روحهاو ،إىل اجلسد

مل املقوالت الذي تبناه نيتشه قد أوصله إىل دحض جم )*(إن النقد اجلينيالوجي

، الفلسفيةو الدينية منها، القدمية منها واحلديثة، امليتافيزيقية اليت قامت عليها األنساق املختلفة

وتؤسس لطرحه الثوري ، ولكنه يف الوقت ذاته أبدع مقوالت جديدة تساير رؤيته اجلديدة

ولعل ، وية برمتهافتكون هي الباعث على قلب القيم الذي قامت عليه الفلسفة النيتش، املعاصر

وكيف تؤسس ؟فما جوهر هذه اإلرادة، أبرزها جند مقولة إرادة القوةو أهم تلك املقوالت

؟نتائجهاو وما هي أبعادها ؟انطولوجيا للقيمة يف ميتافيزيقا نيتشه

.82ص ، 2009، )دط(، بريوت، التوزيعو النشرو دار التنوير للطباعة –مارتن هيدجر –املوجود و الوجود، حممد أمحد سليمان، مجال .1 .63ص ، 02ف ، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .2 قيمة األصل –من منظور نيتشوي -وتعين النسابة ، يف أصل أنساب العائالتوهي علم يبحث ، أو النسابة(généalogie) اجلينيالوجيا . *، مرجع سابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز:انظر ( أي تعين العنصر التفاضلي للقيم الذي تنبع منه قيمتها بالذات ، أصل القيم يف الوقت ذاتهو

).07ص

Page 93: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

79

األبعاد األكسيولوجية والعمق األنطولوجي إرادة القوة بني:املبحث الثاين

وعلى ، به ميتافيزيقا نيتشه أنها ارتبطت بالعامل األرضي دون سواه إن أبرز ما تتسـم

وحاول جتاوز التمييز الكالسيكي بني احلقيقة األساسية، ذلك أنكر إمكان وجود حقيقة متعالية

فأفضى به ذلك حتما إىل اإلعتقاد ، العامل الظاهرو أو بني العامل احلقيقي، مظاهرها اخلارجيةو

بكل مظاهره " فالعامل ، الذي ال يتأسس إال على إرادة القوةو ،العامل ذاته بوجود عامل وحيد هو

وكل تاريخ ، وحيثما ينظر إىل قلب األشياء يكتشف هذه اإلرادة، ليس إال جتليا إلرادة القوة

مع بقاء القوة دوما ، لكن، )1(" العامل ليس إال هذه اإلرادة وقد جتلت يف أشكاهلا الكثرية

مبا ، وهذا ما جعله يستبعد أي غاية أو أي هدف، ميزة يف الوقت ذاته لتلك اإلرادةو كمعيار

وعلى العكس من ذلك متاما ، يف ذلك حىت السعادة اليت كانت تنشدها جل التصورات السابقة

،ففي اإلنسان، بل اهلدف هو اإلحساس بالقوة، السعادة ليست اهلدف" جند نيتشه يرى أن

،لأن تـنفق، لأن تتحقق، خمرجو كبرية تبحث عن طريقو توجد قوة هائلة ،اإلنسانية ككلو

اليت ، وذا فقط نستشعر اللذة احلقيقية، فذلك ما يستجيب لطبيعة التقومي اجلديد، )2(" ختلق و

هي بالتحديد إحساس ، اليت نسميها النشوة، وحالة اللذة، اإلحساس بنمو القوة" تتجسد يف

)3( "يد بالقوة متزاو مرتفع

244ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .1

2 . Nietzsche friedriech,la volonté de puissance,op.cit II.1aph.48,p234. 3 . Ibid,II aph.398-438,p p 366-384.

Page 94: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

80

ويلزم عن ذلك أن ميتافيزيقا نيتشه كان عنواا البارز هو احلياة أما عمقها األكثر حيوية

رأى أنه و ،أطلق على كل ما يوجد وجودا حقيقيا اسم احلياة" ذلك أنه ، فهو إرادة القوة

لألفالطونية ليتجلى لنا بوضوح قلب نيتشه )1( "حيثما توجد احلياة توجد أيضا إرادة القوة

استبدال أي، كان نيتشه حيدد مهمة فلسفته على أا قلب لألفالطونية" فإذا ، رأسا على عقب

،اخلريو األعلى هو رمز احلقيقةو ،فبعدما كان العامل املعقول موجودا يف األعلى، مكان العاملني

فسوف يصبح العامل ، الشرو الظاللو األدىن رمز للزيفو ،العامل احملسوس موجودا يف األدىنو

.)2(" األصل و أي هو الذي ميثل احلقيقة، موجودا يف األعلى –بعد عملية القلب –احملسوس

إذ مل يعد ، لـتـنسجم مع الرؤية اجلديدة، وحينئذ ستكون معايري التقومي قد اختلفت

وال وجود ، هو العامل الواقعي فال وجود حلقيقة خارج العامل األرضي، للقيم غري منبع وحيد

ال ، توكيدهو فاجلسد هو ما ينبغي العمل على إثباته، لشيئ ما مل يتجسد داخل هذه احلياة

الروح أو و ضرورة من اإلميان بالنفسو االعتقاد باجلسد أكثر أمهيةو اإلميان" ألن ، الروح

)3("الفكر

فإن كل ، وملا كانت كل حياة تتجلى من خالل اإلرادة، احلياةو اجلسد هو رمز القوة

، )4(" وعن طريقها ميكن تفسري كل مظاهر الوجود " إرادة ليست يف جوهرها إال إرادة القوة

.243ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .1

2 . Martin,Hiedegger,tomeI,traduit par pierre klosswsk i,editions gallimard,N.R.F,p182. 3 . Ibid,p 129

.101ص ، 2000نوفمرب ، العدد األول، جملة أوراق فلسفية، نيتشه فيلسوف العلمانية األكرب، ابعبد الوه، املسريي .4

Page 95: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

81

فتشمل بتجلياا كل ما ، ومن مث يبدو حسب نيتشه أن إرادة القوة تعبر عن حقيقة اإلنسان

فهوم م "إذ هي بذلك، فإن الكون بأسره إرادة قوة، وحيث هي كذلك، كان مفعما باحليوية

ماذا :"ألنه ميثل إجابة نيتشه على التساؤل التايل ، ميتافيزيقي أو باألحرى مفهوم أنطولوجي

؟فكيف تتجلى إذن إرادة القوة يف الوجود اإلنساين )1( " "يوجد

: إرادة القوة سر احلياة -1

ال مبا هو على أا ال ينبغي أن ترتبط إ، عند نيتشه أمهية قصوى )*(يكتسي تصور احلياة

فالقيمة احلقيقية للحياة تكمن يف " ولذلك ، وال أن تستمد قيمتها إال مما هو إنساين، أرضي

الفعل حيدد كل ما هو و ،فاحلياة تعرف من خالل الفعل، أي يف عيشها فعليا، احلياة نفسها

ا بالعودة تعاليم ومن مث فال مناص لإلنسانية أن تؤكد ذا، )2(" وفعل احلياة هو أن حنياها ، حي

ذلك أن ، ولألرض، ، تلك التعاليم اليت جتعل اإلنسان يف اشتياق دائم للجسد، ديونزوس

)3(" مليئة بالوفرة ويئة حياة خصبة، تأكيد احلياة هو الذي ينهض برفعة البشرية"

جلى على اليت تت، وعلى هذا يبدو أن أرقى إرادة للحياة ال تتجسد إال من خالل إرادة القوة

Charles Darwinداروين " وهي بذلك ختتلف عن إرادة، العالءو ،الدوام يف إرادة السيطرة

.269ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1حيث غلب ، وذلك حتديد ما يعيبــه على روح العصر احلديث، باعتبارها ليست موضوعا للمعرفة، رفض نيتشه تقدمي تعريف للحياة . *

ألنه ملا زاد ، ومن مثة جنده يذهب إىل أنه أكثر العصور مرضا، وهذا يف حد ذاته مشكلة حسب نيتشه، عليها الطابع املعريف على الطابع احليايت .)19ص ، املرجع السابق، أمحد عبد احلليم، عطية: انظر( الطابع املعريف زاد مرض العصر

22ص ،املرجع السابق، أمحد عبد احلليم، عطية .2 .294ص ، 2010، )1ط(بريوت ، دار الفارايب، جذور ما بعد احلداثةو نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .3

Page 96: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

82

القوة " إذ، اليت عبرت عن نفسها من خالل التنازع التــعس من أجل البقاء)1882. 1809(

رض ال يعين التملك غري فو ،السيطرةو القهرو اإلستالءو الفاعلة أو الفئة العليا هي التملك

).1(" أشكال عن طريق استغالل الظروف

" جيعلنا ندرك أن احلياة يف جوهرها ستصبح نزوعا ، إن التالزم املطرد بني احلياة وإرادة القوة

ولذلك ال ، اهلدمو االستغاللو فهي يف وظيفتها األساسية تستلزم ضرورة العنف، حنو السيطرة

وهذا التوازن ال ، حلياة نوع من التوازن بني القوىفا، تقبل أن نفكر فيها إال على هذا النحو

، نتحكم يف كل ما هو غريب وضعيفو فأن حنيا معناه أن نسيطر...يتحقق إال بأفعال السيطرة

)2(احلقيقية صورته ونضعــه يف

تنشد " فمن الضروري أن كل حياة سامية ، إذا كانت الغاية هي العالء والسمو باحلياة

فكأن إرادة ، حماصر بالتهديدات، ووجودها حمفوف دائما باألخطار، لح يف طلبهتــو اخلطر

هذا هو نتيجة ، أن جيعل اإلنسان حياته يف خطر، هي يف الوقت نفسه إرادة اخلطر، القوة إذا

ألن كل خطر كبري يستثري حبنا لالستطالع بنسبة ما لدينا من قوة، إرادة فياضة سخية

ألن ، وال للطمأنينة والسلم، السكونو أن تسلم نفسها للدعة نبغي للحياةفال ي، )3(" شجاعة و

وهو يف الوقت ذاته يتعارض وأبرز عالماا املتمثلة يف إرادة ، ذلك من شأنه أن حيط من قيمتها

1 . Nietzsche Friedrich,par de la le bien et le mal,trad,d’henri albert ,librairie génirale francaise (s l ),1991 ,§ 259

.24ص ، املرجع السابق، فلسفة القيم، أمحد عبد احلليم، عطية .2 .282ص ، 1976، 2ط، الكويت، وكالة املطبوعات، األخالق النظرية، عبد الرمحن، بدوي .3

Page 97: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

83

فربما كانت هناك ، طاملا أن األضأل يستسلم لألعظم" املخاطرة وو القوة اليت تأىب إال اازفة

احلياة ، وهكذا يستسلم األعظم أيضا لقوة املخاطرة، قوة على الباقي كلهو جة

.)1(" وكلما عظمت اإلرادة علت املخاطر ...نفسها

حيركه بشكل ، احلضارة ككلو ويؤكد نيتشه على أن مدى التقدم يف احلياة، هذا

د هذه اإلرادة وبافتقا، اليت هي إرادة احلياة، أساسي ذلك الصراع الذي توجهه إرادة القوة

يف ، إرادة القوة تسري يف كل مظاهر احلياة" ذلك أن ، ستتوارى اإلنسانية احلقة عن األنظار

وقد وصف نيتشه .. .يف عظماء التاريخ، ولكنها تتركــز أكثر يف األفراد، الدولةو اتمع

إن على ، و إال بالقوةوليؤكد أن احلياة ال تنم، هذه اإلرادة بالقوة لتمييزها عن اإلرادة الضعيفة

)2(" أي عن إرادة املزيد من احلياة ، املرء أن يتحدث عن إرادة القوة

وهي بذلك ال تبتغي نضاال ، توكيدهاو إن اإلرادة عند نيتشه تقتضي احلفاظ على احلياة

ولكنها تريد باملعىن ، أو من أجل موضوع خارج ذاا، من أجل شيئ ال متتلكه" أو كفاحا

إال مبمارسة تستقيم ال فاحلياة...إن ذلك هو قوا، جتاوزهاو احلفاظ على الذات، وجاملزد

حتقيق الكمال حمكوم و ومن مث فاإلنسان الذي يبتغي العالء، )3(" وهي إرادة قوة ، اإلرادة

حيث يعلو ، باملمارسة الفعلية لإلرادة اليت حتوي يف ذاا ما ميكن اإلنسان من الصمود األبدي

وهي بذلك تبقي اإلنسان حيا فتيا تغمره سعادة الفرح بآماله، ا ال ميكن للدهر أن يبددهم

.89ص ، 2002، )دط(، الس األعلى للثقافة القاهرة، عبد الفتاح إمام، إمام، ترمجة، نيتشه، جني كييت شني، لورانس .1 . 119ص ، 2004، 4ط، القاهرة، مكتبة مدبويل، في املعاصرالفردانية يف الفكر الفلس، حسن، الكحالين .2 .115ص ، املرجع نفسه .3

Page 98: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

84

من حيث أن كل ، إرادة القوة هي اجلوهر األعمق للموجود" ذلك أن ، طموحاته الالائيةو

.)1(" موجود يسعى إىل جماوزة ذاته

فلن جندها غري ، اية للحياةفإنه إذا ما كان يف اإلمكان التسليم بوجود غ، وتبعا هلذا

، مث من درجة إىل أخرى أعلى منها، التــوق الدائم لإلرتقاء من الدركات إىل الدرجات

وحينئذ تكون الغاية من كل درجة من درجات احلياة ، حيث تسمو احلياة بنفسها على نفسها

تلخيص >>نفسها احلياة تعلو على <<وهكذا ففي عبارة " األعلى منها و هي الدرجة األرقى

ذلك أن ، ومنها نستطيع أن نستخلص كل ما قال به من أفكار، تام لكل فلسفة يف الوجود

األول إرادة القوة وهي موجودة هنا يف ، نظريته يف الوجود تقوم على أساسنيو أفكار نيتشه

.)2(" وال وجود غريها ، والثاين أن احلياة هي الوجود احلقيقي كله، العالء

إال الوجود ، وال لوجود، "هنا"إال احلياة اليت حنياها ، هذا األساس فال وجود لحياةوعلى

أو احلديث عن غاية ، أما احلديث عن حياة أخرى وعامل آخر، وتلك هي احلقيقة كلها، "هنا"

تثقل كاهل اإلنسان احلياة فلن يكون سوى حمض أوهام وخرافاتو أخرى خارج الوجود

أن : أن حنيا معناه : " العدمية ذلك ما نستشفه بوضوح يف خطاب نيتشه وتسقطه يف غياهب

أن حنيا معناه أن نكون قساة وبال رمحة بالنسبة ، نلقي باستمرار بعيدا عنا شيئا ما يرتع إىل الفناء

.30ص ، 1998، 1ط، بريوت، دار الطليعة للطباعة والنشر، التأويلو الفلسفة، نبيهة، قادة .1 .224ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .2

Page 99: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

85

أن نكون عدميي : أن حنيا سيعين إذن ، وليس فينا فحسب، لكل ما هو ضعيف وبال فينا

)1(" أن نكون قاتلني باستمرار ، العجزةو تضرين البؤساءالشفقة اجتاه احمل

:اإلبداع اإلنساينو إرادة القوة سر اخللق -2

أما جوهرها فهو يتحدد ، إن مقولة إرادة القوة هي العنوان البارز لفلسفة نيتشه بإطالق

أنه اخللقخاصة إذا علمنا أن التقومي من ش، بكوا متثل املبدأ األساسي لكل تقومي إنساين

العنصر " ذلك أا ، وحيث هي كذلك فقد ارتبطت بالتجسيد الفعلي للعالء، اإلبدعو

لذا جيري تصويرها ، التفاضلي الذي تشتق منه القوى املتواجهة وخاصية كل منها يف مركب

.)2("تعددي ، دائما كعنصر متحرك هوائيا قوى فاعلة اثباتية ال نافية هو وعلى ذلك سيكون األساس الذي حيرك القوى فيجعل منه

النفي مها خاصيتا و اإلثبات" إذ ، وحينئذ ميكن إدراك ازدواجية الفعل فيها، إرادة القوة ذاامبادئ املعىن يف التفسري ومثلما جيد، ارتكاسي مها خاصيتا القوىو مثلما فاعل، إرادة القوة

) 3(" جيد التقومي مبادئ القيم يف إرادة القوة ، القوىاألخرى و ،إحدامها تنفي، وهكذا ميكن أن خنلص إىل أن نيتشه مييز يف إرادة القوة بني إرادتني

ليصل إىل خلق نوع ، فاعلة وأخرى ارتكاسية، ويستتبع ذلك متييزه بني نوعني من القوى، تثبت

بقوى وحياة أخرى صاعدة ليست خليقة إال، من التباين بني حياة منحطة خليقة بقيم وضيعة

.وإن كان اجلوهر الذي يستمد منه هو إرادة القوة، فاعلة

.72ص ، 26ف ، املرجع السابق، العلم املرح، فريدريك، نيتشه .1 .27ص ، 1998، 1ط، بريوت، التوزيعو النشرو املؤسسة اجلامعية للدراسات، تعريب أسامة احلاج، نيتشه، جيل، دولوز .2 .28ص ، نفسهاملرجع .3

Page 100: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

86

:مبا هي إرادة نفي إرادة القوة -1.2

انتهى نيتشه إىل أن إرادة القوة تتخذ شكل النفي متاما مثلما تتخذ شكل اإلثبات وهكذا

األمر ال و !يتغلب النفي ، تنتصر القوى اإلرتكاسية:إزاء الظاهرة األشد غرابة " يضعنا التاريخ

جهها الذي رض، على األقل، على ووتاريخ األ، بل بتاريخ احلياة، يتعلق فقط بتاريخ اإلنسان

تلك اإلرادة اليت تأىب حينئذ إال ، وبذلك يستدرج إىل ما تريده إرادة القوة.)1(" يسكنه اإلنسان

.د الفعل على الفعللرو ،وهي بذلك تنتصر للنفي على اإلثبات" نعم" بدال عن" ال " أن تقول

، ويتجلى النفي كصفة إلرادة القوة من خالل كل ما تستطيعه تلك اإلرادة النافية، هذا

احلياة –معارضة قيم األقوياء و لكن يف اجتاه النفي، حترك الضعفاء حنو خلق القيم" فهي اليت

ولكنها مرغمة ، قواحيث القوة اخلاضعة ال تفقد متاما ، حيث تأكيد قيم اإلحنطاط –املنحطة

، لكنه عامل مظلم، فتفضي بدورها إىل خلق عامل جديد، )2(" على استخدامها بطريقة خمتلفة

ختتزل إىل أشكاهلا ، ناظمةو حىت أن احلياة تصبح متكيفة" أفول و لكنها قيم تدهور، قيم جديدة

لى ذلك الوجه حىت قوى األرض تستنفذ ع، ال نعود نفهم حىت ما يعين الفعل، الثانوية

ال ينتصرون جبمع " لذلك ، حيث خلق الضعفاء عاملهم اخلاص من روح العجز فيهم، )3("املقفر

.28ص ، املرجع السابق، نيتشه، جيل، دولوز .1 .72ص ، املرجع السابق، فلسفة القيم، أمحد عبد احلليم، عطية .2 .28ص ، املرجع السابق، نيتشه، جيل، دولوز .3

Page 101: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

87

، ينتصرون ليس بتركيب مقدرم، يفصلون القوي عما يستطيعه، قواهم بل بطرح قوة اآلخر

.)1( " هذا هو اإلحنطاط، يسببون صريورة إرتكاسية لكل القوى، بل باقتدار عدواهم

ذلك ما ميثل حسب ، حينئذ ستتوارى القوى الفاعلة وتضمحل بأن تصري قوى نافية ارتكاسيةو

، إمنا هو يف األخري نفي احلياة، ما تريده احلياة الضعيفة أو اإلرتكاسية، حلظة التصعيد" نيتشه

ف سو، ينعقد عندئذ احللف املثري للقلق...إرادة القوة لديها هي إرادة عدم كشرط إلنتصارها

هذه القيم الورعة تعارض ، يتم احلكم على احلياة انطالقا من قيم يقال أنها أرقى من احلياة

، )2(" تقودها إىل العدم ، تدينها، احلياة

، إىل مستوى قوة الفعل –على أن رد الفعل مساو للنفي –إن عجزها عن جتاوز رد الفعل

ها ومتيزها إزاء القوى املسيطرة عليها وما ذلكسيؤدي ا ال حمالة إىل العجز عن إثبات اختالف

)3( "إقصاء للتعدد املوجود و ،إلغاء إلمكان حركية احلياة " إال

الذين تتجلى إرادة القوة –قيم القطيع –تلك هي شرعة القيم اليت اخترعها العبيد

فعل الشعور بالذنب حيث تتحول ب، ختلق قيما مضادة هلذه اإلرادة نفسها" لديهم خاصة عندما

.)4(" املنحطني و أي حنو عامل آخر تكون فيه السعادة للضعفاء، إىل هدف غري هدفها

. 29ص ، املرجع السابق، نيتشه، جيل، دولوز .1 .32ص ، املرجع نفسه .2

3. Martin.hiedegger.I,op.cit,p 303 .77ص ، املرجع السابق، فلسفة القيم، أمحد عبد احلليم، عطية .4

Page 102: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

88

واجلسد ، وبعد اقتالع الغريزة من جذورها، وبعد أن مت نفي كل ما هو حيوي، وهكذا

وحيث هي كذلك فالقيم حينئذ ال ، فذلك معناه أن النفي هو عنوان إبداعها اخلاص، من أرضه

" ولعل ذلك من شأنه أن ، ري إبداعها من خالل الفعل بل عن طريق اإلمتناع عن الفعلجي

ومبا أن العنصر النايف هو ، وحيط من قيمة احلياة بأسرها، حيوله إىل ظاهرة مرضيةو يسحق العامل

.)1(" وحىت يف العامل اآلخر ، السائد فإن الناس يبحثون عن اإلثبات يف احلياة

، ا ميكن الوصول إىل أن النفي هو ما يتجلى يف البداية كصفة إلرادة القوةوبناء على هذ

بصورة أعمق ليس النفي غري وجه إلرادة و ،لكن باملعىن الذي يكون فيه رد الفعل صفة للقوة"

، )2(" الوجه الذي نعرفه به مبقدار ما تكون املعرفة حبد ذاا تعبريا عن القوى اإلرتكاسية ، القوة

حتديدا هو ما ذلك سيكون مث ومن، القوى اإلرتكاسية اليت سينقلب النفي ضدهاتلك

مقدرات ، ال يعود غري طريقة وجود، يصري فاعال، النفي مقدرته اخلاصة به" يــفقد

أو مهاجم كممهد إال له قيمة ال تعود، اإلثبات خدمة إىل وينتقل، يبدل النايف نوعيته، اإلثبات

ذلك مبا هي تنتج على الدوام ما ينسجم مع شرعة القيم اجلديدة اليت ، )3(" جمة كعدوانية منس

وال تكون مثبتة إال ، لكنها اآلن ال تكون نافية إال ملا هو ضد احلياة، تنبثق من روح إرادة القوة

.السمو باحلياةو لقيم العلو

.79ص ، املرجع السابق، فلسفة القيم، أمحد عبد احلليم، عطية .1 .252ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .2 .252ص ، املرجع نفسه .3

Page 103: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

89

:إرادة القوة مبا هي إثبات - 2. 2

النيتشوية أن النفي فيها غري منفصل " إرادة القوة " يتافيزيقا إن ما هو واضح من خالل م

على أن القوة املفهومة من اإلرادة النافية ذاا تستحيل إىل إرادة إثبات حيث ، متاما عن اإلثبات

فالنفي ، ينتقل إىل خدمة فائض من احلياة، يربط نفسه باإلثبات، يصبح النايف مقدرة إثبات"

لقد أصبح ، اإلنسان الذي يريد أن جيري جتاوزه، إلنسان الذي يريد اهلالكيغير معناه يف ا

، تـنفى القوى اإلرتكاسية، كصريورة شاملة، يشكل اإلثبات صريورة فاعلة...مقدرة إثبات

.)1(" فاعلة وتصبح كل القوى

لية لكل وهو بذلك علة الوجود الفع، وهكذا فليس اإلثبات إال السمة املميزة إلرادة القوة

أي حىت ، قيم معروفة حىت هذا اليوم، تشتق قيم جديدة" فهو املنبع الذي منه فقط ، إرادة قوة

واإلثبات حمل كل ، حيل اخللق حمل املعرفة بالذاتو ،اللحظة اليت حيل فيها املشترع حمل العامل

يمية اجلديدة فهي جتلي ولعل ذلك ما تتحدد به شرائع األلواح الق، )2("النفـيات املعروفة

شرائع األرض

، شرائع اإلنسان بدل شرائع اإلله، شرائع اجلسد بدل شرائع الروح والعقل، بدل شرائع السماء

، قلب القيم" احلياة اإلنسانية ذلك أن و وهكذا جيري القلب اإلجيايب الذي يعلي من شأن القيم

، إنما هي عمليات تفترض حتويل القيم، لةوإرساء قيم فاع، واحلط من قيمة القيم اإلرتكاسية

.225ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .1 .222ص ، املرجع نفسه .2

Page 104: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

90

سيجري اآلن نفيه بكل ، وعليه فما كان جيري سابقا إثباته وتربيره )1("تغيري النايف إىل إثبات

.العالء بهو فهذا األوان قد حل إلثباته، اقتالعه من على األرضو أما ما كان جيري نفيه، قوة

طاقة خالقة –و السمة األصيلة يف إرادة القوة مبا ه -، وميثل اإلثبات يف جوهره، هذا

األعباء الثقيلة اليت أرهقت و بعد إزالة األمحال، ففيه تتحرر احلياة، اإلنشاءو على اإلبداع

العطاء مبثابة تعبري عن جوهر إرادة و إىل اخللق" وهكذا ينظر نيتشه ، اإلنسانية دهورا من الزمان

وهي صادرة ، تلك هي شرعة القيم اجلديدة...فيضهاو تالئهاالقوة اليت متنح باستمرار لفرط ام

فهي اليت تضيء بنورها الوهاج تلك ، )2(" تقديسها ألنه ال خملص غريها و عن فكرة اإلرادة

لكل ما جيسد اإلرادة مبعناها شامال احلياة معىن وحينئذ سيصبح، األرجاء اليت كانت معتمة

خاصة وأن كل إرادة ، ومبزيد من القوة، حونة بالغرائز احليويةأي تلك اإلرادة املش، أإلثبايت

فهي ال ميكنها أن ختضع إال ، ومبا أا كذلك، تتوق بطبعها ألن تكون األقوى على اإلطالق

ومن مث خنلص إىل أن اإلرادة حبسب نيتشه هي شرط ، االرتقاءو أي ملطلبها يف العالء، لذاا

أي مبا هو يتوق باستمرار ، والسمو على احلياة ذاا، لسمو باحلياةا زع إىلـالكائن مبا هو ين

ووفقا هلذا فألواح القيم اجلديدة اليت أتى ا نيتشه ، إىل إبداع قيم القوة وجتاوز الضعف

:ستتحدد على الشكل التايل

.226ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .1، معهد العلوم اإلجتماعية، إشراف الربيع ميمون، رسالة ماجستري، األلواح اجلديدة فلسفة القيمة أو من األلواح القدمية إىل، مجال، مفرج .2

.)2004، الدار البيضاء، إفريقيا الشرق" نيتشه الفيلسوف الثائر " نشرت حتت عنوان ( ، 1996، جامعة قسنطينة

Page 105: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

91

يف ، والقوة نفسها، وإرادة القوة، اخلري يحدده كل ما يعلو يف اإلنسان بشعور القوة"

وتبعا لذلك فالسعادة تعين أن القوة تنمو، حني أن الشر يتمثل يف كل ما يصدر عن الضعف

ال للطمأنينةو وعليه فال جمال للحديث عن الرضا، )1(" وبأن مقاومة ما قد قضي عليها ، تزيدو

بل، وكل ما هو منحط، وفيها ينبغي إبادة كل ما هو ضعيف، بل هي احلرب الدائمة، السالمو

وعلى هذا األساس يبدو أن ، ب على الضعفاء واملنحطني أنفسهم أن يساعدوا على هذا الفناءجي

حتطيم ألواح القيم ببيان مصدرها " حيث بدأت من خالل ، مهمة نيتشه كانت مزدوجة

، بإعطاء مكانة الصدارة إلرادة القوة، انتهى إىل قلب القيمو ،مبا هو التعب من احلياة، احلقيقي

.)2(" مالئـها و كد احلياة يف تفتحهالكل ما يؤ

وانطالقا من هذا ميكن أن خنلص إىل أن مثة عالقة أساسية بني إرادة القوة وبني احلياة

، وحيث هي كذلك، وال تريد إال جتاوز ذاا بذاا، األرضية مبا هي حياة اإلنسانية اليت تريد

، ودون منتهى، والرتوع الدائم لبلوغ هدفها فال مناص من امتالك ما يؤهلها لتكون أهال للهدم

، ترتع إىل النفي نزوعها حنو اإلثبات، زع حنو اهلدم نزوعها حنو البناءـهي يف صريورة دائمة تن

أنه بإمكاننا أن و ،وهي من إبداعنا حنن، الغلبةو رغبة يف التملك "فاحلياة عند نيتشه ليست إال

لحياة سوى ذلك الذي نضفيه عليها من خالل إرادة وال معىن ل، نعيد إبداعها من جديد

.281ص ، املرجع السابق، األخالق النظرية، عبد الرمحن، بدوي .1 .128ص ، 1987، 1ط، بريوت، النشرو دار الطليعة للطباعة، ترمجة جورج طربيشي، 7ج ، اريخ الفلسفة الغربيةت، اميل، بريهيه .2

Page 106: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

92

وعن طريقهما فقط نعرف ، القوة يكون إدراكنا للوجودو إنه مبقدار شعورنا باحلياة...القوة

.)1(" الصريورة و العقلو اإلرادةو فالوجود تعميم فكرة احلياة، الوجود

، صريورة خلق ذايت وكأنها، ال تستكني" وهلذا فهي ، إن إرادة القوة هي سر الوجود

إا بذلك ال ، )2( "تأخذ جمراها باستمرار يف الوقت نفسه الذي تريد فيه اإلرادة شيئا غريها

ولعل ، إمنا هو عامل أرضي إنساينو ،لكنه ليس عاملا مفارقا أو متعاليا، تريد غري خلق عامل جديد

فهي من جهة ، شه كانت ثنائيةهذا من شأنه أن يكون مسوغا للذهاب يف اعتبار أن دعوة نيت

وهي من جهة ، الشرائعو القيمو النظمو هدم كل ما هو غري إنساين يف املبادئو دعوة لتدمري

وهو ذا ، )3(وتقديس الذات اإلنسانية ، متجيد اإلنسان، واإلرادة احلرةو دعوة إىل القوة، أخرى

وحيث أن إرادة متثل ، م واملبدعيضفي نوعا من القداسة على اإلنسان مبا هو الكائن املقو

إرادة و فدرب القيم اجلديدة حسب نيتشه إنما ينتظمها مبدأ القوة التأكيدية، الفضيلة احلقيقية"

، احلركيةو إرادة املزيد من القوة الفاعلةو ،ومسيطرة غازية اإلرادة طاقة هذه بوصف، القوة

، )4(" بصفتها ملكة مبدعة وملئ الروح

280ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1ص ، 2011، 1ط، اجلزائر، التوزيعو مؤسسة كنوز احلكمة للنشر، إشكالية تأسيس الدازين يف أنطولوجيا مارتن هيدغر، فيصل، لكحل .2

84. .81ص ، املرجع السابق، حسن، الكحالين .3 .36ص ، 2001، 1ط، بريوت، الطباعةو عويدات للنشر، ترمجة عادل العوا، الفكر األخالقي املعاصر، جاكلني، روس .4

Page 107: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

93

أما ، كأن نيتشه قد دخل معركة ضارية هدفها األمسى التغيري اإلجيايبوهكذا يبدو و

،)1("العدول عن احلرب هو رفض لعظمة احلياة " إذ ، الوسيلة فهي احلرب والعدوان

، سالح معركة كهذه هو القدرة اخلالقة لدى اإلنسان" لكن ، ركــون إىل السكون القاتلو

.)2(" هو وحده الذي يكسب أو ميوت ، يقررو مهو وحده الذي حيك، هو وحده على احملك

أي ، ومستقبله، فهو وحده صانع حلاضره، ويلزم عن ذلك أن اإلنسان مبا هو املقوم بإطالق

بيد أن هذه القدرة اخلالقة ليست " ملصريه الذي ال ميكنه إال أن يكون مستمدا من طاقاته ذاته

اقع احلسي الذي يعبر عنه نيتشه بفيض الغرائز احليويةأي الو، )3("شيئا إذا مل تتجسد يف الواقع

وذلك ما جيعل )4("فالسعادة تساوي الغريزة ، تصاعديا منحى تسلك احلياة دامت ما" و

ويف الوقت ذاته جيعله ينفر من كل ما هو ميتافيزيقي ، اإلنسان يتعلق بكل ما هو أرضي إنساين

.أو مساوي

وليس له ذلك إال إذا كان ، إال متجيد للكائن املقوم املبدع إن متجيد نيتشه لإلنسان ليس

عمل يف العامل هو شن أنبل" ذلك أن ، ينشد على الدوام العدوان مدفوعا بغريزة التدمري

فهي إذ تدمر القدمي فليست بذلك إال تؤسس ، املــشيدة يف الوقت ذاتهو املدمرة) 5("احلروب

ولذلك اشترط نيتشه يف اإلنسان الذي يريد العالء بالقيم ، اء قيم جديدةللخطوة املوالية حيث بن

.24ص ، 11ف ، أفول األصنام، فريدريك، نيتشه .1 .65ص ، 1996، 1ط، بريوت، التوزيعو النشرو ؤسسة اجلامعية للدراساتامل، ترمجة أسامة احلاج، نيتشه مفتتـا، بيري، بودو .2 .65ص ، املرجع نفسه .3 . 38ص ، 03ف ، املرجع السابق، أفول األصنام، فريدريك، نيتشه .4 322ص ، 1964) دط(، القاهرة، دار النهضة العربية، ترمجة متري أمني –كيف نفهم –أعالم الفلسفة ، هنري، توماس .5

Page 108: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

94

فاحليوان يقاتل ليتطور إىل ، القسوة هي مبدأ احلياة األول" اجلديدة أن يكون قاسيا باعتبار أن

ال يهدف كل خملوق إال إىل االرتفاع، واإلنسان جياهد ليتطور إىل إنسان أعلىو ،إنسان

، )1(" د إخوانه يف البشرية الصعود فوق أجساو

وإنما من أجل االنتصار مبا هو ، وال من أجل احلياة، ليس من أجل البقاء، إذن الصراع

من الواجب على اإلنسان أن يقوي نفسه ويثبت عزمه حىت ال " ويلزم عن ذلك ، أعلى وأفضل

أفضل وأكثر دائما أن يصبح كما جيب أن يكون هدفه، يصبح ليــنا أو ضعيف اإلرادة

. )2("شرا

وحيث ، املعىنو هو اخلالق الوحيد للقيمة -من منظور نيتشوي-فاإلنسان ، وعلى ذلك

وهو الذي أضفى على الكون كل ما " ، العامل إنسانياو ،فقد صار التاريخ إنسانيا، هو كذلك

ى حتقيق لعمل عل، ولو أدرك عن وعي أنه هو خالق هذا البناء الشامخ من القيم، فيه من معىن

وإذن لتــبع ذلك أن زادت ثقته بنفسه، هذه الغايات اليت يريدها لنفسه حتقيقا واقعيا

.)3(" بقدرته املبدعة و

ولعل يف هذا إشارة غري مباشرة لإلنسان العدمي الذي كان قد علق آماال كبرية على اإلله

كاسي فاقد الثـــقة كان حينها جتسيدا إلنسان إرتو ،الذي نسب إليه كل قيمه املثالية

.طاقاتهو بقدراتهو بالنفس

.322السابق، صاملرجع ، هنري، توماس .1 .323ص ، املرجع نفسه .2 .324-323ص ، 2006، )دط(، القاهرة، التوزيعو النشرو الدار املصرية للطباعة، الفلسفة احلديثة، أمل، مربوك .3

Page 109: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

95

تفيض منه طاقات خالقة ، فهو على العكس من ذلك، أما اإلنسان الذي طمح إليه نيتشه

فيكون الفعل ، تستثـري اإلنسان على الدوام كي ميارس فاعليته على أوسع نطاق ممكن، مبدعة

ما يعبر عن روح القوة اليت على أن مقياس الفعل هنا هو" اإلبداع و هو مقياس اخللق

وأن يالءم تلك النفوس الزاخرة اليت تشعر بأنها هي ماحنة القيم، يستشعرها املرء يف ذاته

إمنا عن و ،فهو ال يصدر عن خوف أو إكراه أو ضغط، فإذا ما صدر عنها اخلري، خالقتهاو

لقوة الفياضة وذلك وملا كانت تلك ا، )1("والقوة الفياضة االمتالءو إحساس قوي بالوفرة

أن حييا البد من " فإن اإلنسان لكي ، وملا كانت احلياة ذاا تقومي، ليس غري احلياة، االمتالء

، ويعطي هلذا الشيئ من القيمة أكثر مما يعطي لآلخر، ويوازنيضع قيما، ومعىن هذا أن يفاضل،

إذن ، ألن كليهما تقومي، الوجود شيئ واحدو فاحلياةهذا التقومي نفسه هو الوجود أيضا، و

) 2("القوة هي مقياس القيم يف احلياة فإرادة

يف الوقت الذي كان فيه هو –وانطالقا من هذا يبدو لنا نوعا من النسقية يف فكر نيتشه

فقد ، وقصد استعادة املكانة لألرض، حيث يكون فهم الوجود على أنه احلياة –ضد النسقية

وألجل هذا كانت ، اإلبداع للقيم اجلديدةو مبا هي جوهر اخللقجعل املقياس هو إرادة القوة

. Eugen Fink )1905حسب أوجني فنك املعادلة الرئيسية اليت تستوعب كل فلسفة نيتشه

على أن املقصود بالقيمة هو فقط تلك اليت من شأا )3(" الوجود يساوي القيمة " هي ) 1975

.325ص ، 2006، )دط(، القاهرة، التوزيعو النشرو الدار املصرية للطباعة، الفلسفة احلديثة، أمل، مربوك .1 .329ص ، املرجع نفسه .2

3 . Fink,eugen,op.cit,p 229.

Page 110: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

96

: " ولعل هذا ما يتجلى بوضوح يف خطاب نيتشه ، يدمن جد أن تبعث احلياة يف األرض امليتة

بل ، علمتين أال أخفي رأسي بعد اآلن يف رمال األشياء السماوية...لقد علمتين ذايت عزة جديدة

) 1(" أرفعها رأسا عزيزة ترابية تبدع معىن األرض

ن معرفتكم لتكو ،لتكن حمبتكم الواهبة، يا إخويت بكل قوى فضائلكم، أخلصوا لألرض"

) 2(" إنين أطلب هذا متوسال ، خادمتني لروح األرض

:شرعة القيم اجلديدة – 2.3

تتأسس شرعة القيم اجلديدة اليت أتى ا نيتشه على إرادة القوة مبا هي جوهر األلواح

ليس اإلنسان الذي يعنيه نيتشه غري من و ،تلك األلواح اليت تعبر عن كل ما هو إنساين، اجلديدة

، وآن هلا أن تصبح خصبة، تلك األرض اليت كانت فيما مضى أرضا مقفرة، قدس معىن األرضي

لكل ما يعبر عن ، التوسع يف اإلشباع لكل ما هو غريزيو وما ذلك إال باالمتالء، وثرية

، اختالل تثبت بكل جالء وجودهاو هذه الذات على ما فيها من تناقض" ذلك أن ، اجلسد

إال ما تطلب هذه الذات يف إخالصهاو تعين قيم األشياءو ا لتضع املقاييستعلن إرادو فتبدع

.)3(" وحتفزه للطريان بأجنحته احملطمة ، اجلسد حىت يف حالة استغراقه يف أحالمه

فإنه ال يكف عن ، وحيث هو كذلك، إن اإلنسان املبدع هو ما كان يريده نيتشه

ويف الوقت ذاته تنتفي ، ما يضفي على القيم طابعها اإلنساينوذلك ، إذ خيلق قيمه بنفسه، اخللق

.23ص ، املأخوذون بالعامل الثاين.فـــ، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .1 .63ص ، الفضيلة الواهبة.فـــ، املرجع نفسه .2 .23ص ، عامل الثايناملأخوذون بال.املرجع السابق فـــ، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .3

Page 111: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

97

، ظواهر بشرية" ومن مث فالقيم ، التغري حملهاو لتحــل النسبية، األبديةو عنها صبغة املطلقية

إم مل يتلقوا ، شرهمو والناس هم الذين أعطوا ألنفسهم كل خريهم...من صنع البشر أنفسهم

، مبا هي صريورة وجود وعلى ذلك فاحلياة، )1( "إليهم من السماء ال هبطو ،ذلك من قوة عليا

، فإا تنعكس مبا هي كذلك على طبيعة القيم اإلنسانية، الفيضو ومبا هي را دائم التدفق

يهدم ما به يضعف و ،يسموو فيخلق ما به يتعاىل، ويكون اإلنسان بذلك يف خلق متجدد

بذلك منبعا للقيم كما تعتقد" اهللا " أن يكون "نيتشه "وعلى هذا األساس نفى ، وينحط

إنما املنبع و ،ينهىو وال أن يكون العقل الذي آمن به الفالسفة كمصدر وحيد يأمر، األديان

وعلى رأس هذه الغرائز مجيعا غريزة السيطرة، الطبيعة اإلنسانية مبا فيها من غرائز" املعني هو

.)2(" إرادة القوة و

فما ذلك إال جمرد وهم ، هناك جمال للحديث عن املوضوعية يف القيموتبعا هلذا فليس

وكذا رجال الدين الذين آمنوا بوجود عامل ، اصطنعه الفالسفة الذين توهموا وجود قيم يف ذاا

تفسري لألفعال "يف حني أنه ال وجود إال لتأويل أو ، آخر قد يكون كمصدر موضوعي للقيم

ما تطمح إليه هذه الطبيعة من حب للسيطرةو ،سب طبيعة الفاعل املقوموتقومي هلا ح، اإلنسانية

.)3(" إرادة القوة و

.48ص ، 1997، بريوت، 1ط، مركز دراسات الوحدة العربية، قضايا يف الفكر املعاصر، حممد عابد، اجلابري .1 .101ص ، 2009، 1ط، اجلزائر، منشورات اإلختالف –تغلغل النيتشوية يف الفكر العريب -التأويلو اإلرادة، مجال، مفرج .2 .101ص ، نفسهاملرجع .3

Page 112: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

98

خاصة ملا أعلن موت اإلله الذي آمن به ، جند نيتشه قد ذهب إىل أقصى مبتغى، ونتيجة لذلك

وعلى العكس من ذلك آمن نيتشه باإلنسان ، اإلنسان سابقا بإعتباره منبعا أوال للقيم كلها

لكنها فقط تلك القيم اليت تزيد يف ، مبا هو من حقه وحده أن يضع القيم لنفسه، بدع القويامل

.املضادة للحياةو رافضا بذلك كل القيم املنافية، إثراءهاو تنمية حياته

إن جاز –وانطالقا من هذا ميكن التمييز يف القيم النيتشوية بني منوذجني أو مرتلتني

فقد كانت جتسيدا فعليا لقيم ، ث أن األوىل عبرت عن قيم القوةوحي، متمايزتني –التعبري

ولذلك فإا ما ، التدهورو أما الثانية فهي تعبري عن قيم الضعف، السادة أو األرستقراطيني

.كانت غري جتسيد لقيم العبيد أو القطيع

الطموح و إىل السمو" جند أن أبرز ما تتسم به قيم السادة أا تتجه ، وعلى هذا األساس

ويبدو أن ، )1(" امتالك القدرة لتحقيق الذات و ،إرادة القوةو إىل إرادة احلياة، إىل ما هو أفضل

مبا هي أعظم كمية من القوة بوسع اإلنسان ، رؤيته للقيمةو هذا ما ينسجم مع املنطلق النيتشوي

ـى ذلك إال للسادة، أن حيققها اليت الكافية املؤهالت ميتلكون أمو خاصة، األقوياء وال يتأتـ

وال يكون ذلك إال خلقا لقيم تعلي من شأن ، اإلبداعو قادرين على اخللق على الدوامو جتعلهم

ويف الوقت ذاته جتعل اإلنسان يتعلق أكثر فأكثر بقيمه األرضية اليت خلقها بنفسه، احلياة

وال جمموع األشياء احملدودة ،الكتلة املادية القائمة" على أن األرض عند نيتشه ليست ، لنفسهو

وتظل هي املركز األساسي ، بل تعين أن املوجود الفرد نابع من األرض ومنبثق منها، مجيعها

.50ص ، املرجع السابق، حممد عابد، ابرياجل .1

Page 113: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

99

كما هي ، ولكنها ليست القرب أو البعد، وهي حاضرة يف كل مكان، لكل موجود حمدود

قا من وانطال...وهي ما كان حاضرا دوما دون أن يكون موضوعا، احلال بالنسبة لألشياء

ومن مث عن املبدأ الكوين الذي يسود ، اإلنسان اخلالق ميكن الكشف عن طبيعة األرض اخلالقة

.)1("مجيعا األشياء

ومبا هي ، وهكذا يبدو أن نيتشه يـشيد بقيم السادة مبا هي متجيد لروح األرض

و حيوي ومن مثة جنده ميقت قيم العبيد مبا هي تعادي كل ما ه، الغريزةو تقديس للجسد

ومن مثة ، الطبائع الضعيفة تعجز بسبب ضعفها عن توكيد احلياة" وما ذلك إال لكون ، وغريزي

فضائل و فتمجد الضعف، تضع أخالقا تسمح هلا باهلروب من عملية اكتساب املزيد من القوة

، )2(" التحرميات اليت تفرضها على األقوياء و النتيجة هي النواهيو ،الشفقة

املنحطني على قيم و ذلك أن الصراع قد انتهى إىل انتصار قيم الضعفاء ويترتب عن

، االشتراكيةو ومذاهب الدميقراطية، املسيحية" فسادت النــواهي ، السادة األرستقراطيني

كما ، الوضيعو وحتاول إلغاء الفروق بني النبيل، حيث تدعي أخالق القطيع أن الناس سواسية

يعبـر ذلك كله عن أشكال إلرادة و ،األرستقراطية دعامة احلضارةحتاول القضاء على الطبقة

جيذم إىل أسفل ، فمن يعجز عن االرتفاع إىل مرتبة من يفوقه يف القوة، القوة غري املباشرة

)3(" باسم اإلخاء

.212ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1 .285ص ، املرجع نفسه .2 .286ص ، نفسهاملرجع .3

Page 114: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

100

وحىت من ادعوا التبشري ، آباء الكنيسةو لعل ذلك هو أخطر ما فعله طيلة القرون املاضية الكهنة

ليسوا يف احلقيقة غري ، االشتراكيو العاملية الذين نظروا للفكر الدميقراطيو املبادئ اإلنسانيةب

وعلى ذلك صار القطيع هو الذي حيكم، مبشرين باألفول املزمن للحياة، مبشرين بالكارثة

عمل على حتقيق املساواة باسم ، الفوارقو وبدل أن يــعمل على توسيع اهلوة، يسودو

.حيث هاوية العدمية، وبالنتيجة كان السقوط إىل القعر، وة اإلنسانيةاألخ

، كما ال يعين عجزهم عن إبداع القيم، لكن هذا ال يعين انتفاء إرادة القوة لدى العبيدوهي ، اإلبداع لديهم مل يكن غري خلق لقيم تدين احلياةو بيد أن اخللق، فهم مبدعون وخالقون

لكنها يف احلقيقة ال تريد إال الطريق الذي ، ن إرادة القوة اليت تريدبذلك مل تكن إال تعبريا عحني يــتغلب كل ما هو مضاد للطبيعة احليوية يف اإلنسانية على ، تسري فيه إىل غاية حتفها

.فطري غريزيو ما هو أصيل فيهاما هو ، القطيع على مستوى القيم اإلنسانيةو ويبدو أن هذا القلب الذي أحدثه الرعاع

بغية بلوغ اهلدف ، رعاعيو جعل نيتشه حيمل لواء احلرب ضد كل ما يرمز ملا هو قطيعي

وفرح غامر ، وهو إعادة الوضع الصحيح للقيم اإلنسانية مبا هي طموح الائي، املنشود عنده

، قوة الغريزة، حيث تسيطر قوة اجلسد، ينم عن تكريس األصل الفعلي للقيم مبا هي قيم القوة

وهكذا يتأسس ، قوة السماء، قوة العقل، ضد تلك األوهام اليت كرست قوة الروح، رضقوة األ

، القلب النيتشوي أللواح القيم على إرادة القوة مبا هي إرادة قوة تتوق إىل الفناء يف اإلمتالء

مسوها تاقت و على أا كلما أدركت مرتلة من منازل عالءها، السيطرة دون هوادةو ،والتوسع

.الدرجة اليت تأيت بعدها يف حركية وحيوية ال تعرف هلا ايةإىل

Page 115: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

101

مقولة العود األبدي كأساس لشرعة القيم اجلديدة : لثاملبحث الثا

إذ جنده ينتهي فيها ، أمهية قصوى يف الفلسفة النيتشوية )*(تكتسي مقولة العود األبدي

إذ أن احلقيقة منحنية ، فهو يكذبكل ما يتصف باالستقامة " حيث ، إىل نتائج غاية يف األمهية

وطريق األبدية له مسار ...االستدارة هي اخلاصية احلقيقية للزمنو ،ليست مستقيمةو الشكل

فهي تعترب عنده من أبرز احللول ، ومن مثة، )1( "حيث يصبح االنتهاء عودة إىل االبتداء...منحين

، متاهااو بالتايل من العدميةو ،القيمةو اليت تـفضي بالنهاية إىل اخلروج من أزمة غياب املعىن

، تقومي متواصل ذلك أا تستجيب مليتافيزيقا نيتشه اليت تأسست كليا على تقديس احلياة مبا هي

ال تلك ، "هنا " هذه احلياة اليت حنياها ، ابداع ملا يؤدي إىل العالء باحلياةو ومبا هي اختراع

.ا اإلنسان العدمي قرونا طويلة قد أشاداحلياة الومهية األخرى اليت كان

تعترب فكرة العود األبدي مبثابة تعميق أساسي لتلك األفكار احليوية اليت جتعل اإلنسان ال يبصر

بكل ما ، بكل ما تعبري عن اجلسد، ذلك العامل املشبع بكل ما هو غريزي، غري عامله األرضي

ي أصال وه، وقال ا هراقليطس، كانت موجودة يف الفكر اهلندي، ألن الفكرة قدمية، العود األبدي فكرة خطرية اكتشفها نيتشه من جديد . *، "بالفناء الكوين " واعتقد فيما امساه ، وظهرت بوادر هذه الفكرة يف فلسفة انكسمندر حني قال بعود ال متناه من العوامل، فكرة هندية بوذية

حيث ، سوازدادت الفكرة وضوحا عند هراقليط، كما عرف نوعا من التعاقب بني أحوال خمتلفة للعامل يقرب مما تقول به نظرية العود األبدي، وقد اقترن ذه الفكرة، وختبو حبساب، تشتعل حبساب، وسوف يكون إىل األبد نارا حية، وهو كائن، ذهب إىل أن هذا العامل كان منذ األزل

السنة الكربى اليت شاعت عند القدماء خاصة الفيثاغورينيو وهي فكرة العود األبدي، فكرة جتدد العامل على فترات كبرية من الزمانفتتكرر كل حوادث العامل مثلما تتكرر فصول السنة بعد أن تتم ، كما سار من قبل، حيث اعتقد الفيثاغوريون أن الزمان يعود، لرواقينياو

يعود " زيوس"ولكن ، أنه سيأيت عليه وقت حيترق فيه ويعود إىل النار األزلية، وفقد ذهبوا إىل أن هذا العامل فان، أما عن الرواقيني، دورا- 384-383 ص، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر: انظر( وهكذا تتواىل الدورات يف عود أبدي ، فيخلق العامل من جديد

385. 1 . Nietzsche,friedrich,ainsi paelait zarathoustra,traduit par henri albert,club géant,mayenne ,1972 ,III le sept sceaux 1,p213.

Page 116: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

102

وعلى ذلك أراد نيتشه أن يعلم ، اة اليت حنياهاإثبات هلذه احليو إبراز إلرادة القوة مبا هي إبداع

هذا النـــهر الذي ال يتوقف عن العودة إىل أصله، افتداء النــهر األبدي" اإلنسانية قيمة

فال مناص ، وحيث هي كذلك، تلك احلركية اليت متيز صريورة الوجود )1( "السيالن يف ذاته و

دون أن ، سريتقي أعلى الدرجات، ك النزول ذاتهعلى أن يف ذل، لإلنسان عن نزول ذلك النهر

.يفارق عامله األرضي

هذا ويبدو أن من أبرز ما تشري إليه فكرة العود األبدي حسب نيتشه تلك العودة

حىت ، مرات ال اية هلاو ،شيئ يف هذه احلياة بالتفصيل الدقيق مرة بعد مرة" الضرورية لكل

كما ستعود كل ، الرمادو النارو ،احلربو احلديدو ات الدمستعود أملانيا ذو ،نيتشه سيعود

لكن و ،إن أشكال احلقيقة حمدودة...زرادشت جهود العقل البشري منذ بدأ يف أزمنة اجلهل إىل

املادة يوما ما على صورة سبق هلما أن و والبد أن جتتمع احلياة، الزمان ال ائي غري حمدود

.)2("وينتهي كما انتهى، وسيبدأ كما بدأ، ثانية مرة نفسه التاريخ وهكذا سيعيد، اجتمعا ا

إذ يترتب ، يبدو جليا مدى قداسة فكرة احلياة كأساس لالنطولوجيا النيتشوية ومن خالل ذلك

متعلقا بكل حيثياا ، عن التسليم بفكرة العود السرمدي أن يظل اإلنسان متمسكا بكل ما فيها

إذا بدأت يف كل ، ما تـريده رده حبيث تريد عودته الدائمة" ه ذلك ما أكده نيتش، وتفاصيلها

، هل من املؤكد أني أريد أن أفعله عددا ال متناهيا من املرات: ما تريد فعله تسأل نفسك

1 . Martin,hiedegger I ,op.cit ,p.p316.317

ص ص ، 1988، 6ط ، بريوت، مكتبة املعارف، ترمجة فتح اهللا حممد املشعشع، قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي، ول، ديورانت .2522. 523.

Page 117: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

103

، إن فكر العودة الدائمة هو الذي ينتقي...سيكون ذلك بالنسبة إليك مركز الثقل األكثر صالبة

إن فكر العودة الدائمة يــزيل من اإلرادة كل ما يسقط ، كامال جيعل من اإلرادة شيئا ما

)1(" إبداع = إرادة : حيقق املعادلة ، جيعل من اإلرادة إبداعا، خارج العودة الدائمة

اإلبداع القيمي اليت اختص ا و ميكن الوصول إىل أن لعملية اخللق، وانطالقا من هذا

، ذلك أن اإلنسان الذي خيلق قيمه بنفسه، األبدياإلنسان ما يسوغها حسب نظرية العود

فإذا ما كان يعلم أنه ال حمالة يعود إىل نفس الفعل ، ال يفعل إال وهو يريد، ويبدع ما يعلوا عليه

اخللق مبا هو صريورة و كان ذلك مبثابة احلافز أو الدافع له على مزيد من اإلبداع، بنفس الفاعلية

اإلنسان الذي مل يرض ، قبوال للعاملو ن األكثر مجوحا وحيويةمثال اإلنسا" وعود أبدي ذلك

بل الذي يريد أن يعود كل شيئ ، حسبو مل يتعلم التكيف معهو ،مبا هوو وحسب مبا كان

.)2("أعد من جديد، فيظل يصرخ وال يرتوي...وإىل أبد اآلبدين، كما هوو كما كان

وهي ما يطبع التصور ، األمل كبرية كما وأن فسحة، زعة التفاؤلية تبدو جبالءـإن الن

فعلينا أن نفكر يف كل حني خبيــر ما ، وهبت لنا احلياة" وحيث أنه قد ، النيتشوي للوجود

وهو من ، العطاء هو من أجل احلياةو على أن هذا البذل، )3(" ميكننا أن نبذل لقاء هذه احلياة

" جديدة على ألواح جديدة وهكذا وهو يف جوهره ليس إال حفرا لسنن، روح احلياة ذاا

، وكل شيئ يعود، كل شيئ ميوت، وعجلة الكون تدور إىل األبد، الكل يرجعو ،الكل يذهب

. 89.90ص ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .1 .89ص ، 56ف ، املرجع السابق، شرالو ماوراء اخلري، فريدريك، نيتشه .2 .169ص ، الوصايا اجلديدةو الوصايا القدمية. 05ف ، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .3

Page 118: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

104

فتلتئم لتجديد بناء ، تتبدد مث تعود، تتحطم األشياء...دوائر الوجود ال انتهاء هلاو فتـنور أزهاره

.)1(" قة الكون أمينة لذاا إىل األبد فحل، فإذا بعده تسليم، يتفرق الشمل على وداع، الوجود

وعلى هذا األساس تتحدد العالقة الوثيقة بني مقولة العود األبدي وبني ما مييزها

التحول مبا هي أبرز ما يبدو عليه العود و ونعين بذلك الصريورة، كصفات ال تتحدد إال ا

هو أنه أكسب ، حول العود األبدي يلفت النظر يف نظرية نيتشه" ولعله مما ، األبدي لكل شيئ

حبيث مل يعد يقول بتحول دائم يسري دون أن تكون له أية هوية مع ، التحول صفة الوجود

بصبغة مراحله كل تصطبغ خالد حتول فهو، بل أصبح التغير يرجع إىل ذاته على الدوام، ذاته

.)2("األبدية

حداث الكونية مل تكن كنظرة تلك لدورة األ إن نظرة نيتشه لذلك التكرار اللاحمدود

اعترب ، مثال )Arthur Schopenhauer )1788. 1860فــ شوبنهور ، الرتعات التشاؤمية

ومن مث فرتعته التشاؤمية اليت طبعها ، اهللعو فكرة العود مبثابة هاجس يثري على الدوام الذعر

أىب أن يعيشها مرة أخرى على القرف من احلياة دفعته لالعتقاد أن اإلنسان اجلزع من احلياة ي

مث ال يقبل ، يستشعر أوال هذا القرف" جند نيتشه ، على النقيض من ذلكو ،لكن، نفس املنوال

أفليس العود األبدي هو اخلالص من عبودية ، جيعلها أسطورتهو بل يتبناها، األسطورة فحسب

أخريا إخضاع و ،ا اإلثبات عينهوالفرح لوجود ال يربره سوى هذ، اإلثبات الالمتناهي، الغايات

.186ص ، النقاهة.02.ف، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .1 .119ص ، 1986، 2ط، بريوت، ر مكتبة اهلاللمنشورات دا، سر الوجودو أصل اإلنسان، يامسينة، كيال .2

Page 119: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

105

العود األبدي هو أمنوذج قلب ...حمدود هو التعبري عن القوة بالذات؟و الوجود لشكل حمدد

.)1(" " ال " اليت تنتصب يف قبالة الـ " نعم " الـ، القيم

توكيد ما و حيث يتم إثبات، وهكذا جيري قلب األفالطونية الذي كان يشيد به نيتشه

حيث ال حياة إال اليت حيياها " هنا "جيري إثبات حياة اإلنسان ، إنكارهو قا نفيهكان جيري ساب

مبا هو الكائن املقوم ، أن يعلي من قيمة اإلنسان نفسه وذلك من شأنه حسب نيتشه، على أرضه

وهو فوق ذلك ، يبدع على الدوام، فإنه يأىب إال أن خيلق باستمرار، حيث هو كذلكو ،بإطالق

.ألنه سيعود إىل نفس احلياة، دعحيب ما يب

عما قليل و ،أتوارىو هاأنذا أموت: " خطاب زرادشت ذلك ما عبر عنه نيتشه يف

غري أن شبكة العلل الدائرة يب ستعود يوما ، فإن األرواح تفىن كما تفىن اجلسوم، أصبح عدما

)2(فما أنا إال جزء من علل العودة األبدية لكل شيئ ، فتخلقين جمددا

سأعود بعودة هذه " وهكذا يزداد تعلقه بالوجود األرضي ويصرح بذلك يف قوله

وال حلياة ، سأعود ال حلياة جديدة، ومعي هذا النسر وهذا األفعوان، وهذه األرض، الشمس

.)3("تفصيالو بل إنين سأعود أبد إىل هذه احلياة بعينها إمجاال، ال حلياة مشاةو ،أفضل

بل داخل احلياة ، لكن ال إىل عامل آخر، ن اإلنسان أن يعلو بقيم احلياةإن نيتشه يريد م

وكيف ال أضطرم شوقا إىل ؟كيف ال أحن إىل األبدية" ولذلك يطرح التساؤل مستنكرا ، ذاا

.132.133ص ص ، املرجع السابق، 7ج، تاريخ الفلسفة، إميل، بريهييه .1 .188ص ، النقاهة.02.ف، املرجع سابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .2

3. Nietzsche, friedrich , ainsi parlait zarathoustra , op.cit, III. le covalescent.2 p204.

Page 120: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

106

وهذا بدوره جيعل ، )1("إىل دائرة الدوائر حيث يصبح االنتهاء عودة إىل االبتداء ؟خامت الزواج

وما عليه إال أن يسري ، مبا هو ليس غري ما يبدعه بنفسه لنفسه، قدرهو ا ملصريهاإلنسان شغوفا حمب

التاريخ يعيد " فال حمالة أن ، وألا حتما ستعود، تأكيده يف دورة الوجود األبديةو حنو تثبيته

أن هناك عودا مستمرا لألشياء حيث و ،أن ما حيدث يف عصر حيث يف كل العصورو ،نفسه

، وكأن األشياء كانت على حالتها هذه منذ األزل، الزمانو بتة بني اخللوديوجد عالقة ثا

وعلى نفس ، )2(" املواقف و الظواهر تكرار لنا ما يفسر وهذا، األبد إىل كذلك وستكون

فكل ابتداء يسري حنو االنتهاء الذي يكون يف ذاته عودة إىل ، الشاكلة تدور يف عجلة الزمان

.ابتداء

كصاعقة "ث أو تأمل فلسفي عميق، بل هبطت ود األبدي وليدة حبمل تكن فكرة الع

يبدو أن هبوط الفكرة قد حدث و ،أو التجلي الرائع، قوية أو كحالة من حاالت الوحي العنيفة

هاجا يضيئ من و وكانت نورا ساطعا، فاستولت على كل فكره، بدون إعداد سابقو بغتة

هذا ما يعبر بوضوح عن نوع من التناسق يف ويف، )3(" يعطي للحياة قيما جديدة و ،جديد

ومن مث يكمل ، إذ هو يفترض إرادة القوة كمعيار للتقومي يف احلياة، األكسيولوجيا النيتشوية

املنبع املعني الذي تصدر عنه القيم حيث تصبح إرادة القوة، تصوره القيمي بنظرية العود األبدي

.195ص ، األختام السبعة.02.ف، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .1 .327ص، 1990، 4ط، بريوت، التوزيعو النشرو املؤسسة اجلامعية للدراسات، يف الفكر الغريب املعاصر، حسن، حنفي .2 .382ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .3

Page 121: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

107

وحينئذ سيكون هلا أن تعود من ، مبا جيري خلقه فيهااجلديدة اليت جتعل احلياة تسمو وتعلو

.سيكون لإلنسان أن حيب ما يريد أن يعودو ،جديد

، تالشي البعد الزماين للوجود، ويتضح من خالل فكر العود األبدي لدى نيتشه، هذا

وهو حاضر أكثر جذرية من التوايل، احلضور الالزماين للحاضر" وهو ال يتالشى إال ليثبت

، ما مل يتم بعدو والذي يلتقي عربه ما مت، إنه احلاضر الذي ينطوي عليه اسم الوجود، لوداخلو

املاضيو إن احلاضر، أو باألحرى يستجيب أحدمها لآلخر بكيفية ختالف ما نعنيه ملادة بالتوايل

فهي تتعاصر خارج بعضها البعض يف ، عوضا أن يتلو أحدها اآلخر إن هذه األمناط، املستقبلو

عامل ال يكون فيه احلاضر هو اآلن الذي مير بل إنه ميتد بعيدا حىت يبلغ املستقبل الذي يستجيب

، )1(" للماضي

وال هو حضور اآلن الذي يأيت ، إن الزمان يف نظرية العود األبدي ليس تقطعات متتالية

كما ، ن كحاضريفترض اكتمال الزما" إنه ، وال اآلن الذي يسبق املستقبل، بعد اآلن املاضي

املاضي و حبيث أن العود األبدي عندما يثبت املستقبل، يفترض يف هذا االكتمال تصدع الزمان

وعندما حيرر املستقبل من ، وحدمها كنمطني زمانيني يتطابقان من غري أن يرتبطا فيما بينهما

فإنه ميزق الفكر إىل حد أن يذهب إىل التأكيد بأنه يف ، واملاضي من كل حضور، كل حاضر

.36ص ، 1991، 1ط، املغرب، دار توبقال للنشر، أسس الفكر الفلسفي املعاصر، عبد السالم، العايل بنعبد .1

Page 122: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

108

مثلما أنه يف ، املستقبل لن ينفك عن الرجوع ذاك الذي مل حيضر قط بأي شكل من األشكال

.)1(" املاضي مل ينفك عن العودة ذاك الذي مل ينـتم إىل أي حاضر

وهي تلك احلياة املفعمة ، وذا تتحدد املعامل الكربى لزمان احلياة اليت يريدها نيتشه

على احلياة " وحينئذ ال يكون قد حكم ، املرح األبديو واليت متثل عامل اللعب، بالغرائز احليوية

، )2(" يف هذه اللحظةو ،بل إجيابيا على أا خيار اآلن، كما تفعل املسيحية" ايتها " عن طريق

، مستقبال يف آن واحدو حاضرا، ماضياو علينا فهمها على أا حاضرا تلك اللحظة اليت يتوجب

ويف هذا إشارة إىل ، كمستقبلو وحينئذ سنكون بصدد احلاضر الذي يتعايش مع ذاته كماض

يلتقيان عند ، الثاين يسري من املستقبلو ،األول يسري من املاضي" إذ ، ثنائية املسلك أو الطريق

فألنه يريدها كما ، سان يعيش هذه احلياةوعليه فإذا كان اإلن، )3(" البوابة اليت أقف عندها اآلن

، )")4ا عادت من جديد مرة ومرة أخرىأال يكون بذلك سعيدا لو أ" ، حياة طيبة، هي

ولعله من املمكن أن خنلص إىل أن تأكيد نيتشه على اخليار احلاضر قد أفضى به إىل توكيد ، هذا

من املبشرين األوائل باملذهب –يد إىل حد بع –وهي فكرة أساسية تكاد جتعله ، قيمة الوجود

إذ اجته إىل ما هو ، مل يكتف بالقول بأن الطبيعة البشرية تتغير مع الزمان" خاصة أنه، الوجودي

" ومسى زرادشت اإلنسان ، العاملو وقال أن اإلنسان عنده القدرة على صنع نفسه، أعمق

.37ص ، السابقاملرجع ، عبد السالم، بنعبد العايل .1 .161ص ، 2001، )دط(، مصر، اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية، عبد الفتاح إمام، إمام، ترمجة، أقدم لك الفلسفة، روبنسون، دي .2 .92ص ، املرجع السابق، كييت شني، لورانس جني .3 .91ص ، املرجع نفسه .4

Page 123: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

109

لن و على ر الصريورة...اطئ أبعدبأنه سهم يتطلع لالنطالق إىل شو "ليس الغاية و باملعرب

ويف خضم هذا االختالف يربز التنوع ) 1(" التحول إىل شيئ خمتلف و يتوقف النهر عن اجلريان

كما تربز معه فكرة مدى نسبية ، اخلالق الذي يغشى ألواح القيم اجلديدة اليت يتبناها اإلنسان

.القيمة يف التصور النيتشوي

ذلك مبا هي حمض إبداع إنساين يسري ، يقة اليت انتهى إليها نيتشهإن نسبية القيمة هي احلق

إذ العامل ، إلا وتعاود الكرة بالبدء من جديد وصريورة الوجود وحركيته اليت ما إن تصل منتهى

ليس وهو، ومل يكف أبدا عن املرور، ولكنه مل يبدأ يوما بالتحرك، ميرو موجود وهو يتحرك"

)2("هو ميضي وسيكون إمنا، ا سيكونشيئ وال، مضى ما شيئا

بل ، القوى اإلرتكاسية اليت تكتفي برد الفعلو ،وال يعين العود األبدي عودة النايف، هذا

، يتجاوز نيتشه هذا املأزق بالذهاب إىل أن يف العودة الدائمة تأليف تكون إرادة القوة مبدأه

، ما ال يكون يف إمكاا أن تعودك، وحينئذ فـلن يكون يف إمكان القوى اإلرتكاسية أن تبقى

جتعل النايف ينتقل ، جتعل من الثقيل شيئا ما خفيفا، النايف حتول العودة الدائمة، وال قوة النفي"

.)3("جتعل من النفي قوة إثباتو ثبات،إىل جهة اإل

ص ، 1996، 1ط، بريوت، النشرو دار الفكر العريب للطباعة، احلضارةو جدلية العالقة بني اإلنسان –اإلنسان و الفلسفة، فيصل، عباس .1

264. 2 . Nietzsche Friedrich,les œuvres philosophique complets,tome XIV,trad,Hennry N.R.F, Gallimard ,1977,p 149.

.111ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .3

Page 124: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

110

وحيث ، بني تشخيصه للعدميةو ،تبدو العالقة وثيقة بني رؤية نيتشه لنظرية العود األبدي

العدمية اليت أسقطت فيها و فالعود األبدي يكون احلل األمثل لتجاوز العبثية، كذلك هي

لن تعود القوى ، تكن الصريورة اإلرتكاسية للقوى عميقة" وهكذا فمهما ، اإلنسانية

، فيهاو وبواسطة العودة الدائمة، اإلرتكاسي، احلقري، لن يعود اإلنسان الصغري، اإلرتكاسية

، يصري مقدرة إثبات، يصري إثباتا للنفي حبد ذاته، ية إلرادة القوة إىل إثباتيتحول النفي كنوع

.)1(" كسر ديونيسيوس أيضا و ،هذا ما يقدمه نيتشه كشفاء لزرادشت، مقدرة إثباتية

بل أنه سيتعذر ، ال هو عودة للمثيلو ،فالعود األبدي ليس عودة ملا يهدد احلياة، إذن

ليست العودة الدائمة دميومة ، عها بصورة ما بالتعارض مع التماثلال نض" فهم الفكرة طاملا

العودة الدائمة ليس الشيئ ذاته أو ويف، وال هي بقاء املماثل، يف حالة التوازن، الشيئ يف ذاته

الذي و بل العودة هي حبد ذاا الواحد الذي يقال فقط عن املتنوع، الواحد مها اللذان يعودان

هذا يف جوهره إمنا يشري إىل مدى تضايف فكرة العود األبدي مع فكرة لكن ، )2(" خيتلف

وحيث أن اإلثبات هو ، إثباتاو اصطفاء ملا من شأنه أن يكون إبداعاو احلياة مبا هي انتقاء

أن " وإنما تعين ، فالعودة الدائمة ال تعين عودة للنايف، اختراع دائم ألشكال جديدة للحياة

لكن إعادة توليد الصريورة هي أيضا توليد صريورة ، دة توليد الصريورةهي إعا، الوجود انتقاء

.92ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .1 .62ص ، املرجع نفسه .2

Page 125: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

111

ففي العودة الدائمة يقول الوجود عن نفسه ، طفل ديونيسوس وأريان، اإلنسان األمسى، فاعلة

، )1("لكن وجود الصريورة يقول إنه من الصريورة الفاعلة فقط، إنه من الصريورة

ويف القول أن لكل شيئ عود أبدي إشارة ، يصريال تعين سوى وجود ما ، العودة إذن

مشكلة الوجود تستوعبها مشكلة " وملا كانت ، عامل الوجودو بني عامل الصريورة إىل التقريب

مبا ، متجددةو متغيرة، كان يف اإلمكان إدراك سر تصور نيتشه للقيم على أا نسبية )2(" القيمة

وذا ، الصريورة األبديةو ا رأينا على ر التحوليساير تصوره األنطولوجي الذي تأسس كم

أقصى حد يقترب فيه عامل الصريورة من عامل الدوام من حيث " مثـلت فكرة العود األبدي

...بل يكتسب قيمة غري متناهية، ال يــعترب حلظة عابرة، أن اآلن الذي يتحدد إىل ما ال اية

) 3(" إا متلؤنا شرفا ومحاسة

ورغم تعمق نيتشه يف تاريخ الفلسفة اليونانية إال أنه يذهب إىل االعتقاد بأن فكرة ، هذا

الكون " فمؤداه أن ، أما من حيث الفحوى امليتافيزيقي للفكرة، العود األبدي جديدة كل اجلدة

رة السابقة بكل تفاصيلها حتتوي كل دورة منها على حوادث الدو، مير بدورات متعاقبة

بل ذهب إىل تربيرها أو تأسيسها ، ومل يكتف نيتشه بالفكرة كفكرة فلسفية حمضة، )4("الدقيقة

:علميا على القواعد التالية

.242ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .1 .293ص ، املرجع السابق، جذور ما بعد احلداثةو نيتشه، احلليمأمحد عبد ، عطية .2 .390ص ، )دط ت(، مصر، دار املعارف، تاريخ الفلسفة احلديثة، يوسف، كرم .3 .191ص ، 1993، 1ط، بريوت، دار اجليل، أعالم الفكر الفلسفي املعاصر، فؤاد، كامل .4

Page 126: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

112

مدى القوة الكونية " املنطلق األول حملاولة التأسيس العلمي لنظرية العود األبدي أن - 1

إن و ،ود بدورهتركيباا حمدو تغيرااو ومعىن ذلك أن عدد مواقع هذه القوى، متناه حمدود

.)1("فال تستطيع أن تستمر يف خلق حاالت إىل ما ال اية ، يكن هائال

فإما أن يكون هذا : " وبناء على هذا فالتصور العلمي النيتشوي يقوم على ثالثة فروض

أو يكون هذا ، إما أن يكون هذا اموع ينقصو ،يزيد –جمموع القوى الكونية –اموع

ألنه إذا كان " فإذا تأملنا الفرض األول ملسنا مدى استحالة التسليم به ، )2(" اموع ثابتا

أما الفرض ، ليس هناك من وجود غري هذا الوجودو ،اموع يتزايد فمن أين جتيئه هذه الزيادة

فالبد أن تكون قوى الكون ، ألنه إذا كان اموع يتناقص، متهافتو الثاين فهو اآلخر باطل

ألنه مر قبل هذا اآلن الذي حنن فيه ما ال اية له من الزمان ، فــني الكونو ذتكلها قد نف

ع يصل نيتشه إىل تأكيد الفرض األخري الذي ينص على أن جممو، وعلى هذا األساس، )3("

.القوى الكونية حمدود ومتناه

ارس فعلها بال أي أن تظل هذه القوة مت" املنطلق الثاين يستند إىل ال ائية الزمان -2

فالبد أن تستنفذ اإلمكانيات اليت تتاح هلذه القوة ، فإذا توافرت الالائية للزمان، انقطاع

.191ص ، السابقاملرجع ، فؤاد، كامل .1 . 251ص ، املرجع السابق، نيتشه، الرمحن عبد، بدوي .2 .251ص ، نفسهاملرجع .3

Page 127: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

113

وعندئذ تتلوها كل ، وذا تأيت حالة متاثل متاما حالة أخرى تكررت من قبل...احملدودة

.)1("احلوادث كما وقعت من قبل متاما

، من قبل على نفس الشاكلة اليت وجدت ا أما آلية عودة التركيبات اليت سبق وجودها

ارتباط و باملعىن العلمي اخلاص هو تسلسل احلوادث –فقد ذهب نيتشه إىل تصور قانون العلية

يقضي بأن جير هذا التركيب " مبا هو –تتابعها يف احلدوث و الظواهر الواحدة منها باألخرى

فإن جمموع الظواهر...وهكذا، ا هي تابعة هلاهذه بدورها جتر مو ،وراءه التراكيب املرتبطة به

املقدار الذي وجد فيه يف الدورة السابقة و الطريقةو بنفس النظام، األحداث سيتكرر من جديدو

ما دام ، وتأيت دائما دورات جديدة ال ائية، وهكذا تستمر احلال، على هذه الدورة الثانية

.)2(" الزمان غري متناه

مفادها أنه مكون يف طبيعته من دورات ، يت تطبع الزمان يف فكرة العودإن الالائية ال

بالتايل فكل دورة مماثلة للدورة األخرى و ،فلكل دورة زماا احملدود، وملا كان كذلك، متتالية

.أيما مماثلة

وآثار عميقة يف الفلسفة النيتشوية مبا هي فلسفة ، إن لنظرية العود األبدي أبعاد متعددة

إذ يستطيع عن طريق نظرية العود " ذلك أن من شأا أن تشحذ همة اإلنسان ، ياة بامتيازاحل

ألن يف هذا ، ليس هناك من حل ملشكلة الزمان أعظم من هذا احللو ،األبدي أن حييا كل حلظة

.191ص ، املرجع السابق، فؤاد، كامل .1 .252ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .2

Page 128: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

114

إن كان و ،وهو أقصى ما تطمح فلسفة الزمان إىل الوصول إليه، التكرار معىن اخللود اإلنساين

وجتعل ، ألن هذه النظرية متزج اجلميع، مستقبالو حاضراو إلغاء ملعىن الزمان بوصفه ماضيا فيه

.)1(" منها جتربة روحية حيياها اإلنسان يف نفسه

إمكان التعارض بني فكرة –وهكذا يكون نيتشه قد تفادى الوقوع يف اللبس احملتمل

خاصة إذا –طيلها لعملية اإلبداع اإلنساين مع إمكان تع، بني فكرة االختيار احلرو العود األبدي

، أن على اإلنسان أن يعمل أو يبدع أفضل ما عنده يف اللحظة" كان جوهر الفكرة هو التأكيد

ومن مث فالبد أن هذا من شأنه جيعل اإلنسان ، )2("وذلك ألنه على وعي بأا ستعود إليه ثانية

باعتبار أن ما كان أبديا ، جة يف اإلمكان بلوغهاحييا ويعمل بكد سعيا منه للوصول إىل أعلى در

تؤكــد الفكرة على عنصر املسؤولية امللقاة على عاتق" ومن جهة أخرى ، يعود من جديد

ورمبا كان من ، )3(" اليت سترتد إليه ثانيا يف دورة تالية اللحظة وإبداعه يف، أفعاله إزاء اإلنسان

املستوى السيكولوجي للفعل اإلبداعي سنكون بصدد أنه وعلى ، مزايا فكرة العود األبدي

وكان ، مىت آمن املرء ذه النظرية، إىل أقصى حد" الشغف ا و تضاعف الشعور حبب احلياة

وهي حافلة ، كما أن اخلوف من املوت يزول ائيا مادامت احلياة نفسها، فردا ممتازا حقا

.272ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .1 .212ص ، )د ط ت(، مصر، اجلالل للطباعةشركة ، احلصاد الفلسفي للقرن العشرين، عطيات، أبو السعود .2 .212ص ، نفسهاملرجع .3

Page 129: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

115

أهذه هي :" ول للحياة كما قال زرادشت فهو يق...ستعود من جديد، بالنسبة للفرد املمتاز

. )1(""إذا هاا مرة أخرى ؟احلياة

وعلى ضوء هذا ميكن استنتاج مدى امتزاج اجلانب األنطولوجي يف اجلانب

وعلى ذلك ينطبع ، حيث أنه ال يرى يف الوجود غري الصريورة، األكسيولوجي من فلسفة نيتشه

، شرا الو ومبا أن الصريورة يف حد ذاا ليست خريا "التغير و كل شيئ يف نظره بطابع احلركية

–أي على حركاا العشوائية –فنحن نستطيع إذن أن نفرض عليها ، ليست حسنة وال سيئة

ومن مثة تكون احلياة ، )الكاوس(وهلذا فإن اإلبداع ال ميكن متييزه عن العماء ، ما نريد من القيم

القيمة إبداع و ألن املعىن، أي أا يف ذاا بال قيمة، مرادفة للعماء –يف اعتقاد نيتشه -

ليس غري ، ويلزم عن هذا أن أمسى ما سعى إليه نيتشه من وراء مقولة العود األبدي، )2("إنساين

يف ذلك تفعيل لقيم اجلسد على أن يكون، القيمة وإضفاءه على الوجود اإلنساينو إعادة املعىن

.م العامل األرضيأو التجسيد الفعلي لقي، الغريزةو

وانطالقا من هذه القيم الراسخة سيكون التمهيد الفعلي لألرض كي ينبثق منها أو يولد

أصنامها اليت و وتتحطم على يديه أوثاا، عليها اإلنسان األمسى الذي تتجلى به عظمة اإلنسانية

فلسفته يتشه يفوكيف أسس هلا ن ؟فما جوهر هذه الفكرة يا ترى، كبلتها زمانا طويال

العملية؟و آثارها النظرية منهاو ؟وما جتليااالقيمية

.272.273ص ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .1 .213ص ، املرجع السابق، عطيات، أبو السعود .2

Page 130: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

116

.البناءو اإلنسان األعلى أو ألواح القيم بني اهلدم: املبحث الرابع

خاصة فيما ارتبط ، لقد انتهينا فيما سبق إىل مدى االنسجام الذي طبع فكر نيتشه

أسستا لتصور فيلسوف احلياة ذلك مبا مها قد، بتصوره ملقوليت إرادة القوة والعود األبدي

وعلى ما ، آالمهاو لذاا، أفراحها وأحزاا، وقدس كل ما فيها، حيث آمن باحلياة، بإطالق

ولعل هذا ما أدى به إىل تصور اإلنسان األعلى مبا هو ، السموو فقد كان هلا العالء، هي عليه

.الوسيلة يف الوقت ذاتهو الغاية

ملحة ضرورة ور اإلنسان األمسى من األمهية ما جيعل منهوعلى هذا األساس يبدو لتص

كما هو يف اآلن نفسه املنتهى والغاية لكل ميتافيزيقا تدور يف ، لكل بداية يف الفلسفة النيتشوية

، التقومي على أساس خمتلفو ،اإلنسان األمسى، اإلجيابية مزدوجة" ذلك أن مهمته ، فلك نيتشه

فإذا كان األكثرون يسألون كيف ميكن حفظ ...؟وز اإلنسانهو إنسان؟ بل من يتجاليس من

كيف ميكن جتاوز : األول الذي يطرح السؤال التايل و فإن زرادشت هو الوحيد؟اإلنسان

باعتباره –ومن مثة يبدو أن نيتشه يريد بتصوره هذا أن يتجاوز كل ما هو سائد ، )1("؟اإلنسان

حيث العالء ، أعلىو للتطلع إىل ما هو أمسى – جمرد أصنام أو أوثان، ومهما كانت قداسته

على أن هذا ال يكون إال ، على احلياة ذااو وحيث العالء باحلياة، لإلنسان على اإلنسان ذاته

.أو بأقل تقدير هي أهل لوالدته يف أحضاا، يف خضم حياة آهلة باإلنسان األعلى

.209ص ، املرجع السابق، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .1

Page 131: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

117

اإلنسان األعلى وفكرة األلوهية:

حسب املنظور النيتشوي على نبذ فكرة ) السوبرمان (نسان األعلى تتأسس فكرة اإل

ذلك مبا هي حبسبه املظهر األكثر جالء للعدمية اليت انطبعت ا اإلنسانية يف ، حتطيمهاو اإلله

فإذا ما سألنا نيتشه حلساب من يــلغي فكرة " وهكذا ، تدهوراو عصورها األكثر احنطاطا

ذكر أن ؟ما هو البديل هلذه الفكرة الذي يتجه إىل إثباتهو ،رسوخو بكل ما هلا من قوة األلوهية

وما حنن ، أي اإلنسان األعلى، اآلهلة مجيعا جيب أن متوت ليحل حملها إله واحد هو السوبرمان

فإن علينا أن ، فإذا مل نكن عظماء...إال مقدمات ضرورية هلذا اإلنسان الذي هو قمة الكمال

) 1(" على تقريب يوم ظهوره فنعمل، خندم العظيم

، وعلى هذا يبدو أنه ال جمال للحديث عن اإلنسان األعلى ما مل تتحطم أوال فكرة اإلله

وقد كان عليكم ، أيـها الرجال الراقون، يف هذا الزمان )*(ولكن اإلله قد مات !أمام اهللا "

يف هذا الزمان تعود الظهرية إىل ، ولوال اندراجه يف حلده ملا كنتم أنتم تـبعثون، اخلطر األعظم

وحيث يتوجب على اإلنسانية أن ختلق من ذاا ، )2("ويصبح اإلنسان املتفوق سيدا ، ذر أنوارها

.عليها ال حمالة أن تبدأ بتدمري كل ما يتعارض وهذا املبتغى األمسى فإنه يتوجب، ما يفوقها

.144ص ، )د ط ت(، القاهرة، دار املطبوعات الدولية –نقدية رؤية –أعالم الفلسفة احلديثة ، رفقي، زاهر .1وقيل أا تعين انتهاء ، وقيل موت اإلله على الصليب، فقد قيل أا ترمز إىل موت احلضارة الغربية، هناك تفسريات كثرية لفكرة موت اإلله . *

)59ص ، املرجع السابق، جني كييت شني، أنظر لورانس( املسيحية .240ص ، اإلنسان الراقي.ف، القسم الثاين، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .2

Page 132: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

118

تتصادم وفكرة ، الصانع لكل شيئو قهو اخلال، وملا كانت فكرة اإلميان بإله متعايل، هذا

فعندئذ ، فإن نيتشه يذهب إىل أقصى نقطة يف اإلحلاد بإعالن موت اإلله، اإلنسان املبدع اخللاق

" بعبارة " اإلله قد مات "ومنه ميكن استبدال عبارة ، املثالية املتعالية قد بلغت ايتها" تكون

على أن ذلك اإلعالن وإن ) 1( "ر يف جوهر املعىن دون الوقوع يف خطأ أو تغي "املثالية قد ماتت

أما رعبه فمصدره أننا ، كان مرعبا إال أنه حبسب نيتشه حيمل يف الوقت ذاته جة عارمة

وأما البهجة فتنبثق من شعورنا املفاجئ أن عاملنا ، سنشعر أن اخلالق السابق قد هجرنا إىل األبد

، فأي شيئ اآلن ومن مثة، نفتح أمامنا إىل ما ال ايةقد ا –الذي كان قد ضاق علينا سابقا –

فلم يعد لنا من أمل إال ظهور اإلنسان ، مجيع اآلهلة "ومع موت ، وهكذا، ميكن أن نتخيله

فهو الذي تتطهر األرض على يديه من األوهام واألوثان اليت علقت ا من جراء ، )2(" املتفوق

لذلك ، احلياةو أصلها تقع ضد كل ما هو إعالء لالرض التسليم بفكرة اإلله اليت هي يف

:يــعلنها نيتشه صرخة مدوية يف مساء ملؤها قيم جديدة

، فما اإلنسان العادي إال كائن جيب أن نفوقه، إنين آت إليكم بنبأ اإلنسان املتفوق"

؟فما أعددمت للتفوق عليه

إرادتكم إىل فلتتجه، املعىن من املبىنإنه من األرض ك، لقد أتيتكم بنبأ اإلنسان املتفوق

.جعل اإلنسان املتفوق معىن هلذه األرض وروحا هلا

1 . Fink,eugen,op.cit,p p 26.105.176

.65ص، الفضيلة الواهبة، القسم الثالث، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .2

Page 133: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

119

فال تصدقوا من يمنونكم ، بأن حتتفظوا لألرض بإخالصكم، أتوسل إليكم أيها اإلخوة

.)1(" بآمال تتعاىل فوقها

ا فقط يبدع قيمه وعليه، ال وطن له إال األرض اليت يولد منها، وهكذا فاإلنسان األعلى

ومن مثة جند أن نيتشه يقدم فكرة اإلنسان األعلى كما لو كان يف ، اليت متثل حقيقة األرض

مثلما قدم من قبل فكرته عن العود األبدي كبديل عن تلك ، جوهره بديال عن اإلله املسيحي

أن هذا ال يعين أنه على، السماوية) *(احلياة األبدية األخروية اليت بشرت ا خمتلف الديانات

ومعىن ذلك ، حيث يقر نيتشه بإنسانية اإلنسان األعلى، وإنما على العكس من ذلك متاما، إله

ويتخلص متاما من ، هو نفس هذا اإلنسان الذي نعرفه عندما يعلو على ذاته "أنه بالضرورة

تدية بشمس العود وتبدع فيها مه، تـقبل على احلياة، فيصبح إرادة قوية خالقة، نقائصها

.)2(" األبدي

.06ص ، القسم الثالث، قاملرجع الساب، هكذا تكلم زرادشت، فريدريك، نيتشه .1، فنجده مثال يصف اليهودية أحيانا بعبارات اإلحترام، موقف نيتشه من الديانات غري الوثنية اليونانية هو موقف متذبذب وواسع جدا . *التذبذب جنده يف ونفس ، ولكنه جيعلها أحيانا أخرى مسؤولة عن خلق تصور اإلله املقدس املتعايل، مصدر العظماء" العهد القدمي " جيعلو

وتارة أخرى جيعل اإلسالم يف ، املسيحيةو "بولس" مثله مثل، متسلطا كهنوتيا) سلم و صلى اهللا عليه(فتارة جيعل حممد ، موقفه من اإلسالمفاحلالة ، الديانة اهلندية وعلى رأسها، أما موقفه من الديانات غري التوحيدية، ويسميه بالسامية املوجبة، طابعه الرجويل مناقضا للمسيحية األنثوية

احنطاط وانصراف عن و ويعتربمها ديانة عدمية، املسيحيةو فنجده تارة مياثل ويطابق بني البوذية، اإلسالمو ال ختتلف كثريا عما قاله عن اليهوديةألا قامت على مبدأ التراتبية ، رةكجزء من الديانة اهلندية أحسن من املسيحية مئة م" مانو"ولكنه يف مناسبات أخرى جيعل قوانني ، احلياة

.252ص ، 2010، 1ط، اجلزائر، منشورات اإلختالف، إشكالية أصل الفلسفة، اإلغريقو نيتشه، عبد الكرمي، عينات: أنظر( اإلجتماعية .295ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .2

Page 134: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

120

صفات اإلنسان األعلى :

وللغاية ، ميتاز اإلنسان األعلى بصفات متنوعة جتعله مؤهال للوظيفة اليت أنيطت به

إنسانا " فليس اإلنسان األعلى ، االمتالءو احليويةو ولعل أبرزها الفيض، النهائية اليت يصبوا إهلا

بل هو إنسان ، جتنب الشرو ،وحياول حتقيق اخلري، عترف اطيــبا خيضع للقيم السائدة امل

وهكذا فال ينبغي فهم فكرة اإلنسان األعلى إال يف ، يسعى إىل املزيد من احليوية يف كل شيئ

ذلك أنه ومبجيئ ، )1(" أي السعي إىل النهوض باحلياة ، حدود املبدأ العام يف فلسفة نيتشه

بل وضدها ، السكونو ال للحياة اآلفلة اليت تركن إىل الدعةمل يعد هناك جم، اإلنسان األعلى

.العالء باحلياة هو أبرز مظاهر الوجودو متاما يصبح التــوق إىل التسامي

األكثر توهجا " ذلك ما جعله ، إن اإلرتباط وثيق بني اإلنسان األعلى والغرائز األرضية

، مبا كان الذي مل يتعلم من احلياة فقط أن يقبلو ،تقبال لهو األكثر إقباال على الكون، باحلياة

وكما هي من ، فهو يطمح إىل رؤية األشياء كما كانت، بل أكثر من ذلك، ومبا هو كائن

بأعراضها كل املشاهد، أن يرى كل األشياء" إنه يرنو إىل ، إىل اللاايةو جديد آالف املرات

ألفق هو الرجل املتفوق التواق إىل احلياة كما هذا اإلنسان الذي يراه نيتشه يف ا...كينونتهاو

والذي مل ، )2("البوذيو الشوبنهاوري لإلنسان متاما املناقض، هو اإلنسان املليئ باحلياة، هي

.330ص ، املرجع السابق، أمل، مربوك .1 .55ص ، سابقاملرجع ال، كمال، البكاري .2

Page 135: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

121

وما على ، يكن حبسب نيتشه غري إنسان عدمي مـوغل يف الدعوة لالنسحاب من احلياة

.اإلنسان األعلى حينئذ إىل جتاوزه والعالء عليه

ومع ، يزال رهن املستقبل اآليت وهو ما، أن هذا اإلنسان األعلى مل حين أوانه بعد بيد

من صلب املتوحدين ، جييئ من البعيد، لكن على مهل، املنتظر اآليت قادم ال حمالة" ذلك فهذا

ممهدين بذلك األرض ، تطهروا من عفن القيمو بأن اختاروا أنفسهم، الذين انتخبتهم إرادة القوة

على أن تكون مهمة استقدامه موكولة إلرادة القوة يف ...يت عليها سيرتل هذا اإلنسان املتفوقال

كما يوجه ، اختارمو فإرادة اخللق احملتدمة هي اليت توجه من انتدبتهم من الناس، صريورا

وعلى هذا تتجلى لنا مسة أخرى، )1(" الساعد القوي مطرقته إىل الصخور الصلبة لتهشيمها

الذي جيعل من ، التدمريو وهي صفة اهلدم، تكاد تكون القاعدة األساسية لقدوم اإلنسان األعلى

وتلك هي شرعة القيم اليت سيأيت ، التحطيمو أي عملية بناء البد هلا أن تنطلق بداية من التدمري

ا أن تتبددآن هل اليت هي عنده جمرد أصنامو ،ا اإلنسان األعلى كبديل لأللواح القيمية القدمية

.على يديه فقطو

تتمثل تلك األصنام اليت على يفترض حتطيمها متهيدا لألرضية اليت يولد عليها اإلنسان

وليس الغرض من تدمريها إال االنطالق يف عملية ، الدينو األخالقو يف أصنام الفلسفة، األعلى

. إبداع أللواح القيم اجلديدةو البناء اليت هي يف األصل خلق

.56ص ، املرجع السابق، كمال، البكاري .1

Page 136: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

122

العقل الذي آمن الناس مبقدرته على اكتشاف احلقيقة" ا صنم الفلسفة األكرب فهو أم

ووضعوه ، وفصلوه عن احلياة، قوانينه اليت هي قوانني الوجود، ونصبوه حاكما مطلقا، الوجودو

وهكذا جعلوا منه اإلله ذا سلطة ، فوق الوجود ال جزءا منه يعبر عن ناحية من نواحيه العديدة

ومن مث يتوجب حتطيم هذا الصنم األكرب حىت يكون يف اإلمكان حتطيم ، )1( "وهر إهلي جو إهلية

وانطالقا من هذا جند أن ، وليدته ونتيجة حتمية له واليت هي يف حقيقتها، األصنام األخرى

، غري إنساين" إمنا قامت على إرجاع القيم إىل منبع ، أصنام األخالق اليت طاملا هامجها نيتشه

، )2(" ويردها آخرون إىل العقل ، ويردها البعض اآلخر إىل عامل املثل، يردها إىل اهللا فالبعض

" و "احلق يف ذاته " و "اخلري يف ذاته " ومن مثة كان هذا ما ولد أوهاما جديدة عرفت بــ

ولعلها حتديدا ما شكل القاعدة اليت تأسست عليها معامل احلضارة األوربية" اجلمال يف ذاته

.اآليلة للزوال

خاصة ملا يشكله من أخطار ، فهو صنم الدين، أما الصنم األخري الذي يشترط هدمه

، اهللا الذي يغطي نقائصنا عند من يؤمنون به" ويعبر نيتشه عنه بفكرة ، على اإلنسانية مجعاء

عن تكشففاإلميان به فكرة سهلة ، ميدنا بالتفسريات عندما تعوزنا األدلةو ويسد احتياجاتنا

وعلى هذا األساس يبدو من الضروري الشروع يف ، )3(" خوفنا من احلياة و ،ضعفناو تكاسلنا

.326ص ، املرجع السابق، أمل، مربوك .1 .327ص ، املرجع نفسه .2 . 328ص ، املرجع نفسه .3

Page 137: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

123

اليت ينشدها -قلب القيم –ألن من شأن ذلك أن يسرع عملية القلب ، حتطيم هذه األصنام

.وهو ليس غري اإلنسان األمسى، واليت تتضمن يف طياا خلق اإلنسان املبدع اخلالق، نيتشه

إن قدوم اإلنسان األمسى مشروط ال حمالة بتطهري األرض من آثار العدمية النافية

اإلنسان و اإلنسان إال حبل منصوب بني احليوان" فما ، ومن آثار اإلنسان العادي، اإلرتكاسيةو

ملا أهليتهو ومن مثة فما عليه إال أن يثبت جدارته، )1(" فهو احلبل املشدود فوق اهلاوية ، املتفوق

ما يستحب فيه هو أنه سبيلو ،ليس هدفاو عظمة اإلنسان قائمة على أنه معرب" ألن ، سيأيت

ومعىن هذا أن اإلنسان املوجود ليس له قيمة إال من حيث كونه وسيلة أو ، )2(" أفق غروب و

وحيث مل يكن يف احلقيقة ، األعلىو أو هو وسط بني األدىن، مرحلة لبلوغ اإلنسان األعلى

يف صورة تتزايد على الدوام ، فلن يكون اإلنسان األعلى غري صريورة وتطور دائم، اية يتجلى

.العالء حدو هلذا السمو الو ،دون أن يكون هلذا التزايد اية، تسمو يف تغيرااو قواها الذاتية

القةاخل ليس إال تلك القوى والطاقات، هذا وجند أن اإلنسان األعلى الذي ينشده نيتشه

حىت لو قدمنا كل التضحيات من أجل ، ما علينا إال إخراجهاو ،فينا" املبدعة الكامنة و

وانطالقا من هذا سيكون اإلنسان األعلى هو ، )3("فذلك أفضل من بقائها كامنة فينا ، إخراجها

ويف الوقت ذاته يضفي ، وذلك ما يكسبه صفة اخللق واإلبداع، ومبدعها بإطالق، خالق قيمه

الرتعة و املليئة باحليوية" ولعل هذا ما يشري إىل تلك القيم ، األرضيو لى القيم طابعها اإلنساينع

.08ص ، القسم الرابع، املرجع السابق، هكذا تكلم زرادشت، نيتشه فريدريك .1 .املرجع نفسه واملكان .2 .123ص ، السابقاملرجع ، حسن، الكحالين .3

Page 138: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

124

املغامرةو الشهوانيةو الغضبو ،الثأرو وتأليه العاطفة، وغرائز حب الغزو، احليوانية الرائعة

على من قيم على أن هذه الغرائز الفطرية هي األصل يف كل ما يبدعه اإلنسان األ، )1(" املعرفة و

وها هي اآلن تتفجر وجودا بالفعل لتعطي أشكاال جديدة ، كانت يف األصل وجودا بالقوة

.تنم عن تلك القوة اخلالقة اليت امتاز ا اإلنسان األعلى، للحياة

فاإلنسان األعلى النيتشوي إمنا يشري إىل مدى ما يتمتع به اإلنسان من ، وانطالقا من هذا

أصبح سيد و ،اإلنسان الذي حترر من املثل امليتافيزيقية" أي إىل ، التجاوزقدرة على و حرية

، إمكانية وضع قيم جديدة واضحة املقصد، اكتسب بعدما اتـضح له أنه خالق قيمهو ،نفسه

وإىل تصور طبيعة اإلنسان مبثابة فكر خالق مل يعد حيده ...واالنتقال إىل مشروع قيمي جديد

ويف هذا ما ، )2(" إىل خلق القيم " القيم يف ذاا " بل ينصرف عن ، عليه ظله ومل يعد خييم، اهللا

مبا هو أصبح ، يعبر عن الروح اجلديدة اليت أضفتها فلسفة اإلنسان األعلى على الوجود اإلنساين

وفسح اال على مصراعيه أمام ، حيث انفتح األفق، يكتسي طابعا بطوليا حىت مع موت اإلله

وحينئذ مل يبق له مسوغ مقبول حيجزه عن عملية ، قوة مبا هي ملكة اإلنسان األعلىإرادة ال

.اإلبداعو اخللق

إمنا هي خلق اإلنسان –حسب نيتشه –إن الغاية األمسى اليت تسعى إليها اإلنسانية

النضال يف سبيل و البطولة" األعلى ولذلك كان من الضروري أن يتصف هذا اإلنسان بصفة

.401ص ، 1977، )دط(، مصر، مطابع اهليئة املصرية العامة للكتاب، ترمجة حممد فتحي الشنيطي، تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند، رسل .1 .170ص ، املرجع السابق، فلسفة القيمة، مجال، مفرج .2

Page 139: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

125

وليس ، واحلرب عنده أقدس شيئ، كان أبغض شيئ إليه السالم وهلذا، لى باستمرارمستوى أع

وهو قاس كل ...وال بد أن يعيش دائما يف خطر، يسودو لديه سوى غرض واحد هو أن ينتصر

ومن مثة كان ، ذلك أن أشرف األعمال هي بالتحديد أخطرها على اإلطالق، )1(" القسوة

يفيض حيوية وقسوة حىت يدرك ما يصبو ، السلمو يأىب الدعة، طراإلنسان األعلى مولعا باملخا

.عالءو إليه من جتاوز

اإلنسان األعلى وألواح القيم اجلديدة:

فألنه املعيار الثمني الذي تتحدد به عملية ، املبتغىو إذا كان اإلنسان األعلى هو الغاية

كما هو الذي محل ، يف تاريخ اإلنسانيةفهو الذي تناط به تلك العملية احلامسة ، القلب النيتشوية

، قدسته اإلنسانية عرب تارخيها الطويلو التدمري الذي مشل كل ما اعتنقتهو من قبل معاول اهلدم

إىل شرعة ، وعلى إثر ذلك جيري على يدي اإلنسان األعلى االستحالة من شرعة األلواح القدمية

، حيث تكتنفها خماطر كربىو ،قصوىوحيث تكتسي تلك العملية أمهية ، األلواح اجلديدة

مبا هو اخلالق، فلذلك كان اإلنسان األعلى هو الكائن الوحيد األقدر على هذه املهمة النبيلة

.املوجد بإطالقو

إنساين وعلى هذا األساس يكون نيتشه قد حدد ألواح القيم اجلديدة مبا هي إبداع

ويلزم عن ذلك بزوغ ، إنساينفال ينبغي أن يكون هلا مصدر غري، وحيث هي كذلك، حمض

وليس يف ذلك إال إشارة إىل عالء قيم القوة، فجر قيم جديدة تعلو قيما أخرى أفل جنمها

.283ص ، املرجع السابق، األخالق النظرية، عبد الرمحن، بدوي .1

Page 140: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

126

فمن ، وعليه، وإعالء لقيم اجلسد على قيم الروح، االحنطاطو إرادة القوة على قيم الضعفو

سم يطلق على جزء من وما الروح إال ا، أنا كلي جسد" حتتــم عليه القول ، أراد العالء

هيــنة يستعملها و وما العقل الصغري سوى أداة صغرية، فاجلسد هو العقل الكبري...اجلسد

)1( "العقل الصغري ما هو إال لعبة صغرية للعقل الكبري ، اجلسد

تلك القيم اليت تتيح لإلنسان العالء ، العالءو أما اإلنسان األعلى فهو مبدع قيم القوة

وحينئذ سيكون الصراع ال من أجل البقاء، العبيدو كما تتيح له أن يقهر قيم القطيع، على نفسه

بل من أجل االرتقاء ذه احلياة إىل أقصى درجة يف سلم العالء، ال من أجل حياة أفضلو

من " اجليد " فهو يسمي " وانطالقا من هذا تبدو مالمح شرعة القيم اليت يصبو إليها ، السموو

من هو أحط منه " الرديء " يسمى و ،الكمالو مساويه يف القوةو من هو قرينهبني الناس

اد، كل القيم األخالقية تقع على األفرو الشرو ومن هنا فإن أحكام اخلري، من خيضع لهو مكانة

املطلقية اليت و ومن شأن هذا أن ينتزع عن القيم صفة املوضوعية، )2("ال على األفعال اليت يأتوا

ولتكتسي القيم طابعها النسيب الذي ، ليها الشرائع العدمية اليت آلت إىل األفولأضفتها ع

على أن تلك الطبيعة ليست غري ، اإلبداعو يستجيب لطبيعة اإلنسان اليت حتكمها صريورة اخللق

، حيتقر الرمحة، قاس على نفسه وعلى اآلخرين، معتــز بقوته، حمب للغزو" طبيعة إنسان

، وال يتسامح، ملقو وأبغض شيء لديه الكذب وحنوه من نفاق، عف والضعةويشمئز من الض

1 . Nietzsche, friedrich,op.cit,I.des contempteurs du corps , p 30.

.174-173ص ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .2

Page 141: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

أنطولوجيا القيمة عند نيتشه ثاين الفصل ال

127

ال ألنه حيب ، مييل إىل العفو عن اآلخرين...املداهنةو املساومةو وال يعرف أنصاف احللول

ومع هذا فإنه ال يقبل مطلقا ، فتراها تفيض بنفسها على اآلخرين، لكن ألن قوته غزيرة، العطف

.)1(" يأخذ ما له دون أن ينتظر حىت يتفضل به عليه اآلخرون ألنه، من اآلخرين العفو

وإن كان قد تبنى ، فإن نيتشه، على الرغم من السحر الذي متتاز به فكرة اإلنسان األعلىو ،هذا

حيث ، إال أنه ومع ذلك يبقي على وفاءه دوما ملبادئه الراسخة، دافع عنها بكل قوةو الفكرة

ومن مث أثقلهما بأمحال ، ، اجلسدو األرض احتفظ بقدميه موغلتني يف

وبذلك يكون قد محى نفسه وحصنها من الوقوع يف براثـن ، فكرة العود األبدي

.الواقعو ليبقى هكذا على وفاءه لقيم األرض، املثاليةو العقالنية

خيلقها اإلنسان األعلى يف جوهرها فستكون ألواح القيم اجلديدة اليت ، وعلى ضوء هذا

حيث تكون فيه ، لو كانت تكملة ملشروع أعلن عنه من خالل تسلسل وتناسق عجيبكما

فقد كانت البداية من تشخيص املتكامل ، كل اية مشروع لبداية جديدة مكملة ملا سبق

للعدمية مبا هي العنوان األبرز أللواح القيم القدمية وصوال إىل إرادة القوة مبا هي مركز الثقل

على حفر القيم -دون أن يعين ذلك األسبقية الزمنية –الذي يليه ، إلبداعاو لعملية اخللق

وانتهاء بفكرة اإلنسان األعلى مبا هو التجاوز املكتمل ، األلواح اجلديدة يف دائرة الوجود األبدية

.وحيث اإلنبعاث اجلديد أللواح القيم اجلديدة، ألزمة األفول

.174ص ، املرجع السابق، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .1

Page 142: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

:الفصل الثالث

فاق املستقبليةالرؤية النقدية واآل

.تأثري نيتشه يف الفكر اإلنساين -1

.تغلغل النيتشوية يف الفكر العريب -2

.نيتشه من منظور نقدي - 3

Page 143: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

129

تأثري نيتشه يف الفكر اإلنساين : املبحث األول

والفلسفة الغربية ، تكتسي فلسفة نيتشه أمهية قصوى يف تاريخ الفكر الفلسفي عامة

كانت دائما وما زالت مثار اهتمام املفكرين وموضوع اختالف "ذلك أا ، املعاصرة خاصة

وعلى ، جاذبيتها اليت عرفت ا حىت اليومو واستطاعت هذه الفلسفة أن حتتفظ بسحرها، بينهم

الرغم مما وجه من نقد إىل فلسفة نيتشه بصفة عامة إال أن ذلك النقد مل يكن ليقلل من أمهيته يف

إىل أن قليال من املفكرين يف كل عصر هم " كوفمان"لقد ذهب حىت، تاريخ الفكر اإلنساين

.)1("الذين يستطيعون أن يؤثروا يف الفكر مثلما يؤثر نيتشه

شعارا لثورته الفلسفية اليت قلبت كل شيئ " اإلبداع و اخللق"إن نيتشه الذي اتـخذ من

" وأنه ، شأنا عظيما قد تنبأ هو ذاته بأنه سوف يكون لفلسفته يوما ما، رأسا على عقب

، "هكذا تكلم زرادشت "كراس جامعية خاصة من أجل دراسة كتابه - يف يوم ما - ستنشأ

من " زرادشت"ففي أوائل القرن العشرين كان ، وهي النبوءة اليت حتققت ضد مجيع التوقعات

ظرا ألن ون...ف األشهر يف أملانيا وكانت شعبيته وعدد طبعاته يف ازدياد متصلدون ريب املؤل

فقد احتفظت بشهرة الفلسفة النقدية املستقلة اليت تسمو فوق ، النيتشوية ليست عقيدة رمسية

) 2(."السياسيةو األيديولوجيةو زعات النظريةـغرور الن

.301ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .1 .08-07ص ص ، املرجع السابق، داثةجذور ما بعد احلو نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .2

Page 144: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

130

حول العقالنية" لقد استقطبت فلسفته جممل اجلدل الذي جرى بني الفالسفة املعاصرين

مارست تأثريها، وفلسفة موت اإلنسانو الرتعة اإلنسانية، داثةما بعد احلو احلداثة، اللاعقالنيةو

الكبري على من تشغل كتابام الصدارة يف عامل الفلسفة اليوم من الفالسفة الفرنسيني أمثال

التنويرو العقالنيةو وفالسفة فرانكفورت ودعاة احلداثة، دريدا من جانبو دولوزو فوكو

وهي بذلك كانت مثار اهتمام منقطع النظري بني ، )1(" التقدم من جانب آخر و اإلنسانيةو

خاصة مع بزوغ فجر الفلسفة الوجودية اليت كان نيتشه مصدر إهلام للكثري من ، النقادو املؤيدين

Albert Camusكامو، سارتر، هيدجر، ) Karl Jaspers )1883 .1969فالسفتها أمثال ياسربس

)1913.1960 (

من خالل الكتابات ، املذاهب اليت جاءت بعدهو على املدارسيتشه نيبدو مدى تأثري

اإلشكاليات اليت و ومن مثة انشغاهلا باملسائل، حول نيتشه املدارسو الكثرية لرواد تلك املذاهب

كامو " و، "جيداندريه " و، "توماس مان"كتب " فقد ، دار حوهلا الفكر النيتشوي ذاته

عن حياة نيتشه يف " مالرو" وتكلم، عنه يف صحيفتهكثريا " جيد"تكلم و قاالت عن نيتشهم"

على نيتشه عند استالمه جائزة نوبل وأكد أنه يدين "يوجني أونيل"وأثىن ، "الدكتور فاوست"

ولكنهم مع ، مهتمني أساسا بالفلسفة، ومل يكن هؤالء املفكرين باستثناء سارتر، له بأعظم دين

)2("سية أفضل مما فهمها معظم الفالسفة ذلك قد فهموا الكثري من أفكار نيتشه األسا

03، 02ص ص ، املرجع السابق، جملة أوراق فلسفية، القيم عند نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .1 .301ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .2

Page 145: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

131

، تلك األمهية هي السر الذي جعلها تكتسي كل، لعل احلدة اليت كان يكتب ا نيتشه

استطاعت أن تبعث يف اإلنسانية روحا ، خاصة مع كل ما محلته يف طياا من أفكار جديدة

الذي يفضي إىل ، اإلبداعو خلقوق للالتو حيدوها األمل، القوة الفياضةو جديدة مفعمة باحليوية

وما كان ، وعلى فلسفته القيمية خاصة، القلب الذي غلب على فلسفة نيتشه عامةو االستحالة

، فحاول أن يعريهما من أقنعتهما الزائفة، حضارتهو بزمانه" ذلك إال نتيجة ملرض نيتشه

العدمية اليت خنرا و االحناللو الفسادو يكشف عن العفنو واستطاع بالفعل أن يعري حضارته

رسالته تكشف ، وفهو آخر العدميني، وبذلك مثل نيتشه صدعا يف تاريخ البشرية...يف العمق

وإىل تغيري ألواح قيمه اليت فقدت ، تعرية وعيه الكاذب بأسرهو عن تصدع عصره البورجوازي

.)1(" قيمتها بعد أن تداعى عامود النظام امليتافيزيقي الذي كان يستند عليه

الفكرين بفيلسوف احلياة و فال نعجب من شدة تأثر جل الفالسفة، وعلى هذا األساس

تلك الطاقات اليت ، وطاقاته الكامنة، فيلسوف آمن بالقدرة اخلالقة اليت ميتلكها اإلنسان، نيتشه

وبذلك يكون نيتشه قد ، لكن بقيم جديدة تقوم على ركام القيم القدمية، تفتح له آفاقا رحبة

من ميتافيزيقا الوجود ، حيث قلب امليتافيزيقا الغربية، رك فعليا يف عملية القلب امليتافيزيقيشا

حتويل الفكر احلديث من " وهو بذلك قد أسهم من جهة أخرى يف ، إىل ميتافيزيقا القيمة

كما أشرنا –فأثر ، الدوافعو اإلرادةو ميتافيزيقا العقل بعد موت هيجل إىل ميتافيزيقا اجلسد

الوجود إىل علم النفس الوجودي إىل فلسفة من فلسفة احلياة إىل، على تيارات عديدة –سابقا

.07املرجع السابق ص ، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1

Page 146: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

132

ه فيما زوهذا ما سنحاول إبرا.)1("االنثربولوجيا الفلسفية إىل مدارس التحليل النفسي املختلفة

:يلي

:تأثري نيتشه يف الفلسفة الوجودية -1

شه يعد بالفعل واحد من كبار آباء الفكر الفالسفة أن نيتو يرى الكثري من املفكرين

ومبا هو قد أتاح ، ذلك مبا هو من رواد ومؤسسي الرتعة الفردية يف الفكر الفلسفي، الوجودي

أي زاوية الكائن الذي حيوي ، للفالسفة الوجوديني بعده أن يبصروا الوجود من زاوية إنسانية

ى التوق املستدمي إلكمال ذاته باعتباره وهو ما من شأنه أن حيمله عل، يف باطنه كل كماالته

، العالء او القدرة إلثبات ذاتهو وما عليه إال التسلح مبزيد من الطاقة، مشروع وجود حييا ذاتيا

.لعل هذه النقطة واحدة من أبرز األفكار النيتشوية اليت انطلق منها الفكر الوجوديو

سليم رواد هذا األخري باملنطلقات اليت يعـزى تغلغل النيتشوية يف الفكر الوجودي إىل ت

فإذا كان نيتشه ، ذيوعها فيما بعد أكثر دارسيه أو مؤوليهو عمل على انتشارهاو آمن ا نيتشه

وكانت هذه األخرية ال تستجيب إال ، قد محل لواء العالء للحياة األرضية –كما رأينا سابقا -

يقترب من الوجودية اليت تبنت ، هذا لإلنسان وهو بفهمه، لإلنسان الذي يؤمن بقدراته اخلالقة

على و الذين، حوله الفالسفة الوجوديون وقد اتفق أو يكاد يتفق، إىل حد بعيد املنطلق ذاته

ظهر يتفقون إىل حد ما يف الفكرة اليت "األفكار فإنهم الرغم من اختالفهم حول الكثري من

وعلى ، ا أسبقية وجود اإلنسان على ماهيتة ونعين، "جان بول سارتر " بريقها من جديد مع

.08ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1

Page 147: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

133

وليست له أي ماهية ، فمن خالل وجود اإلنسان تتحقق ماهيته، ن ماهيتهذلك فهو الذي يكو

، إرادة ال حدود هلاو وعليه فاإلنسان يوجد أوال مث يوجد ماهيته حبرية، )1(ثابتة تتحدد مقدما

وحيث ، لنفسهو أن خيلق ماهيته بنفسه، مريدو وحينئذ سيكون يف إمكان اإلنسان مبا هو حر

.غايتهو عن إدراك مراده فإنه لن يتوقف يف سعيه احلثيث، غايته املنشودة االكتمال

، بلوغ الكمال وإذا كان، إذا كان اإلنسان حبسب هذا التصور مشروع وجود حييا ذاتيا

حني يصرح بأن اإلنسان يف ، ة ذااالفكر" نيتشه يعبر عن فإننا نكاد جند ، ويئة األرضية له

ومن هنا عرف ...ال يقف عند حدو فهو ال يرضى بشيئ، االستقرارحماولة دائمة ال تعرف

هو ما يربز إىل أي مدى تأثرت ، )2(" >>خالق ذاته <<اإلنسان يف كتاب زرادشت بأنه

مكانته يف ، رقى الكائناتالتيارات الوجودية بالرتعة النيتشوية اليت أعادت لإلنسان مبا هو أ

لذلك كان اإلنسان ، ليصبح معيارا وحيدا للتقييم يف كل جماالته، واحلياة جبعله املنبع املعني للقيم

فعندئذ ترتل احلقيقة، أي احلياة اإلنسانية، نظور النيتشوي هو القيمة العليا يف هذه احلياةيف امل

الصعيد النفسي املنطقية لتتخذ مكاا يفو وبط من مسائها امليتافيزيقية" عن عليائها

بل ، املكانو مع املطلق املتحرر من عبودية الزمان تطابقا للفكر فلم تعد احلقيقة، األخالقيو

التاريخ و فالعامل إنساين...اختيارا شخصيا يعيشه اإلنسان، واالعتقاد صور أصبحت صورة من

ه فلم تعد مثة حقيقة إال حقيقة اإلنسان وعلي، هو ليس سوى إنسان، واإلنسان موجود، وإنساين

.305ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .1 .املكانو املرجع نفسه .2

Page 148: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

134

ولعل هذا ما نلمسه يف عمق )1(" إمنا هو يف حال صريورة و الذي ال يوجد وجودا ائيا

أعلنوا نوالذي، الذي تأثروا بالفكر النيتشوي الوجودينياألعمال الفلسفية لدى كبار الفالسفة

سنحاول يف هذا املقام إبراز ، وفلسفيةأو ضمنيا من خالل ما خلفوه من كتابات ، ذلك صراحة

:مدى احلضور النيتشوي يف الراهن الوجودي الذي يتضح من خالل املواقف التالية

:من الفلسفة النيتشوية موقف ياسربز. 1-1

من انشغل بدراسة ياسربس حىت فلسفته تبدو جلية لو ر ياسربز بفكر نيتشهإن شدة تأث

كبريا من جهده على فترات متباعدة " اسربس قد خصص جزءا ي ذلك أن، ولو مل يدرس نيتشه

أو على األقل ، ال خيلو مؤلف من مؤلفاته من إشارة إليه بالتأكيدو بل، من حياته لدراسة نيتشه

) 2( معرفته مبكانته يف الفكر املعاصرو تدل على تقدير ياسربس له

–تشوي الذي أسيئ فهمه لقد أخذ ياسربس على عاتقه مهمة الذود عن الفكر الني

إال أن من ميعن النظر ، فاعترب عدوا للمسيحية مثال، ومت تأويله تأويال خاطئا -حسب ياسربس

وبالتايل فما ، دوافع مسيحية أصيلة كان يتبع يف فلسفته" إذ أن نيتشه ، يدرك غري ذلك متاما

.)3(" املخلصني ظنه الناس ألد أعداء املسيحية هو يف احلقيقة أحد أبنائها

ياسربس إعادة نيتشه إىل حضن املسيحية اليت طاملا أعلن نيتشه نفسه معاداالقد حاول

أن نيتشه مل يكن يهاجم يف املسيحية ومن خالهلا اليهودية، ليتبين لنا بالتايل، احلرب عليهاو

.51ص ، املرجع السابق، رجييس، جوليفي .1 .113ص ، املرجع السابق، حسن، حنفي .2 .233ص ، املرجع السابق، جذور ما بعد احلداثةو نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .3

Page 149: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

135

وعليه يكون ياسربس ، اوليس املسيحية ذا، إال الوجه املظلم القامت، غريها من األديانو البوذيةو

هو نيتشه و شتات نيتشه املبعثر حىت يعطينا تفسريه النهائي من وجهة نظر أمشل" قد أراد أن يلم

.)1(" إعالن ملوت اهللا و املؤمن بالرغم مما يصف به نيتشه نفسه من إحلاد

، الثوريمل يكن يعبر إال عن شدة تأثره بفكر هذا الفيلسوف نيتشه إن دفاع ياسربس عن

بدليل أنه مل ، ولذلك كان احلضور النيتشوي بارزا يف كل معامل الفكر الوجودي لدى ياسربس

ولذلك استبسل يف الذود عن أفكاره ، النبوغ الفلسفيو يبصر فيه غري كل ما يوحي باجلدارة

ن اهللا أ" " اليت توحي بالجدة ولعل أبرز تلك األفكار، اليت اعتقد أا أتت بكل ما هو جديد

مل يقل ، اآلن الذي مل يفهمه األوربيون حىتو أتى به نيتشه وهذا هو اجلديد الذي" مات قد

تتعلق بالوجود ال مبجرد حكم ألا قضية" ال أعتقد يف وجود اهللا " أو " ال يوجد إله " نيتشه

. نفسي

قضت يف اإلنسان املسيحية اليت ال تعزى إال إىل ، إن فكرة موت اإلله اليت تبناها نيتشه

تلك ، )2(" تراجيديا احلياة اليت عرفها الطبيعيون األوائل على سقراط ، على أهم مكاسبه األوىل

ويتضح اآلن أنه جيعلها كما لو كانت هي العامل ، هي املسيحية ذاا اليت هامجها نيتشه

، علي احلياةاملثل احلقيقية اليت تو األساسي الذي أدى مع مرور الزمان إىل موت كل القيم

، وانطالقا من هذا، وبالتايل فقد تالزم موت القيم احلقيقية تلك مع إعالن موت اإلله املسيحي

.233ص ،املرجع السابق، ما بعد احلداثةجذور و نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .1 .322ص ، املرجع السابق، حنفي حسن .2

Page 150: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

136

وعلى العكس من ذلك فهو ، فال ينبغي أن نظن أن موقفه حيال الدين موقف سليب حمض"

) القطعية( أي تصورا للخالص يقوم على حطام األديان الدومجاطيقية ، يتوقع جميئ دين جديد

يف حني تأسست ، وما ذلك إال لكوا كانت يف جوهرها تعادي احلياة، )1("وخاصة املسيحية

حيكم على احلياة عن " وهكذا يتميز الفكر النيتشوي بكونه ال ، ميتافيزيقا نيتشه على احلياة

وفكرة ، ويف هذه اللحظة، على أا خيار اآلن، بل إجيابيا، كما تفعل املسيحية" ايتها "طريق

.)2(" نيتشه عن اخليار احلاضر الذي يؤكد قيمة الوجود جعلته من املبشرين بالوجودية

النيتشوية من خالل تلك املقارنة و هذا ويؤكد ياسربس مدى التقارب بني الوجودية

بني نيتشه >>الوجود اإلنساين و العقل<<يف كتابه " الطويلة اليت أجراها ياسربس

واليت كشفت عن تشابه واضح بني فلسفة ) Soren Kierkggard )1813 .1855كريكجوردو

الفلسفة الوجودية و وثيقة بني فلسفة نيتشه وأكدت وجود عالقة، فلسفة كريكجوردو نيتشه

وبني ، وإذا كان التقارب شديد بني األب الروحي األول للفلسفة الوجودية، )3(" بصفة عامة

واليت ، الروح الوجودية اليت اتسمت ا النيتشوية بدايةفليس معىن هذا إال دليال على ، نيتشه

.أسسها الفكريةو كانت فيما بعد املنهل الذي أخذت عنه جل األقطاب الوجودية مبادئها

ولعل ما يعبر جبالء عن شدة تعلق ياسربس بالفلسفة النيتشوية ميكن تبينــه من خالل

والواقع ، ع أن جند يف أي مكان عنده حقيقة ثابتةال نستطي" تأكيد ياسربس على أننا مع نيتشه

.54ص ، املرجع السابق، رجييس، جوليفي .1 .161ص ، املرجع السابق، ديف، روبنسون .2 .305ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .3

Page 151: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

137

بل هو ال يتركنا ، وال يضعنا على أرض صلبة، وال يعلمنا اعتقادا ما، أنه ال يهدينا إىل الطريق

وهو ميزق كل ، وهو يطردنا من كل مأوى نلجأ إليه، وال يكل عن تعذيبنا، نستريح قط

وهدم ، على إزالة األقنعة، تتوقف بداية، ناءوما ذلك إال ألن أساس أي عملية ب، )1("قناع

.األوهام اليت ترتبت عنها

يدعي ذا أنه ، حني جيعلنا نستقر يف العدم" وعلى هذا األساس يؤكد ياسربس أنه

ـئ لنا مكانا فسيحا والذي يدعي ، وأنه يعطينا الوسيلة إلدراك األساس الصميم اخلاص بنا، يهي

ما ، ووما ميكن أن نعرفه، ما ال نعرفه، ويقودنا إىل أن نكتشف ما نعرفهإنه ، أن نبدأ منه البناء

وهكذا ، )2(" ذلك أن ما ينبثق من أعمالنا اخلاصة هو وحده الشيئ احلقيقي ، ال ميكن أن نعرفه

. نتبين إىل أي حد أخذ ياسربس بسحر الفلسفة النتشوية

:سارتر واحلضور النيتشوي . 1-2

مدى احلضور النيتشوي يف أشهر أعمال ، تغلوا على فلسفة سارتريؤكد الكثري ممن اش

، خاصة ما تعلق منها بالشق الذي امتزجت فيه روح سارتر األدبية مع روحه الفلسفية، سارتر

وهي ، ونعين بذلك حتديدا حضور نيتشه الواضح يف ثنايا أشهر املسرحيات اليت كتبها سارتر

تعبر عن شدة تعلق أو مدى تأثر ، إشارات واضحةاليت تضمنت >>الذباب <<مسرحية

إنه ، هناك طريق آخر:" ففي املشهد الرابع من الفصل الثاين يقول " ، سارتر بالفلسفة النيتشوية

.57ص ، املرجع السابق، رجييس، جوليفي .1 .املكان و املرجع نفسه .2

Page 152: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

138

وهنا جند صدى فقرات ..."أتفهمين؟ جيب علي أن أهبط بينكم، جيب علي أن أهبط...طريقي

طريقك؟ هكذا أسأل أولئك الذين يسألوين عن فأين ، هذا هو طريقي" خمتلفة عند نيتشه ومنها

جيب علي أن أهبط إىل األعماق كما :" ويف أخرى يقول "الطريق ألنه ال يوجد طريق للجميع

) 1(." .فعلت أنت يف املساء حني ذهبت وراء البحر حامال نورك للعامل السفلي

الروح من جديد أو أنه أراد أن يعيد، سارتر وكأنه اقتبس روحا نيتشوية يبدوهكذا و

فكان أن برز ، نيتشه، هي البيئة الفرنسية اليت طاملا أشاد ا، لفكر نيتشوي أملاين يف بيئة جديدة

.ذلك من خالل مسرحية الذباب

املشهد " دوما إذا تتبعنا " الذباب " وجند ما يشري إىل مدى التأثري النيتشوي يف ، هذا

ال و ال شرو ال خري، مل يعد يوجد شيئ يف السماء :"الثاين من الفصل الثالث والذي ورد فيه

مبعزل عن " أن حضور نيتشه من خالل كتاب وهنا نتبني على الفور، "أحد ليعطيين أوامره

تأكيده على و اخلطأو ونتذكر تأكيده على أن اإلنسان يعطي نفسه الصواب" " الشر و اخلري

ومن ، )2(" قيمهم اليت أعطاها هلم اإلله و الناسالعزلة اليت يلجأ إليها أولئك الذين يتركون عامة

من خالل رفض ساتر لكل ما هو ، مثة يكون حضور الرفض النيتشوي لكل ما هو علوي إهلي

والقيم األخالقية ، ليتبني لنا مدى إتفاقهما حول الطبيعة اإلنسانية للقيم عامة، مساوي أو إهلي

.)3(" أخالق نيتشوية >> ذبابال <<أخالق " ذلك ميكن القول أن وعلى، خاصة

.302ص ، املرجع السابق، ابرهيم، يسري .1 .304. 303ص ص، نفسهاملرجع .2 .304ص ، نفسه املرجع .3

Page 153: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

139

ــفيد حينما كتب الذباب مل يكن يعرف " اإلشارة إىل أن سارتر ولعل هذا ما ي

وهو يعرض الصور، ورمبا كان إهلامه غري مدرك يف أحد جوانبه، بصورة كاملة ما يقوم به

هم اجلحيم اآلخرون" ومن املؤكد أن، اإلنطباعات اليت تلقاها حينما عكف على قراءة نيتشهو

هي صدى غري مدرك لقول ، ربما يف كتابات سارتر بكاملهاو "ال مفر " وهي أشهر فقرة يف "

)1(" " مل أعد أعرف غثيانا آخر غري اآلخرين " نيتشه

: هيدجر وقراءته للنيتشوية . 1-3

نيتشه يعتقد الكثري من الباحثني الذين اشتغلوا على امليتافيزيقا الغربية املعاصرة أن لـ

لكن يف الوقت ذاته كان لــ هيدغر أيضا ، الفضل الكبري يف صقل الرؤية اهليدغرية للوجود

فــ هيدغر باعتباره واحدا من كبار ، الفضل يف إعادة بعث الفلسفة النيتشوية من جديد

واستلهامها وتقدمي قراءات متنوعة ، الفالسفة الوجوديني الذي استفاضوا يف دراسة فلسفة نيتشه

ل الذي حل، وأساس فلسفات ما بعد احلداثة" خاصة إذا علمنا أن قراءة هيدغر تعد ، هلاحو

فلسفة نيتشه يف دراسات متعددة

>>املتاهات << واليت نشرت يف كتاب، 1944 >>كلمة نيتشه عن موت اهللا <<أوهلا

شه وكتابه عن نيت، 1954مقاالت و يف حماضرات >>من هو زرادشت نيتشه <<، و1950

آخر " أما اهتمام هيدغر بقراءة نيتشه فقد أفضى به إىل إعتباره .)2(" 1961يف جزئني

.1993، 1ط ، بريوت، النشرو املؤسسة العربية للدراسات، ترمجة كانل يوسف حسني، الفلسفةو التراجيديا، والتر، كوفمان .1 .280ص ، املرجع السابق، جذور ما بعد احلداثةو نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية. 2

Page 154: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

140

، وإن كان نيتشه نفسه قد سعى جاهدا إىل تقويض أركان امليتافيزيقا، )1(" امليتافيزيقيني العظام

أى ولذلك ر، وعمل على اجلينيالوجيا مبا هي املنهج األصيل ملن يروم بلوغ احلقيقة احلقيقية

ظل يف الوقت نفسه ، جماوزاو الذي سعى إىل تقويض امليتافيزيقا" هيدغر أن نيتشه

.مستظال حتت مساءها، وحيث ظل يردد نفس مقوالا، )2("ميتافيزيقيا

هذا ويتضح مدى التأثري النيتشوي على ميتافيزيقا هيدغر من خالل عمل هذا األخري على

لكن دون أن يتوصل إىل ، مل على متجاوزة املتافيزيقاالذي ع، إكمال ما بدأه سلفه نيتشه

يقترح هيدغر جتاوزا ، وخالفا لنيتشه الذي اجته حنو العامل احملسوس، انتزاع نفسه منها

.)3(للميتافيزيقا على املستوى األنطولوجي

نقده لألزمنة " جند الفهم الفلسفي لـ هيدجر ال حيدد إال من خالل وانطالقا من هذا

عن االنسالخو الثقافةو الفنو التكنولوجياو العلم: الذي حددها يف مخسة مظاهر هي ، ثةاحلدي

متأثرا ، وقد بدأ بنقد العقل بناء على تاريخ امليتافيزيقا، إمجاال نقد مظاهر احلداثة، واملقدس

عقل فإذا كان نيتشه قد نظر إىل ال، )4(" الذي يعترب املرجع األساس لفلسفته ، نيتشه بـفلسفة

فكان أن كبلهم مبقوالته اليت صنعوها ، مبا هو الصنم األكرب الذي آمن به فالسفة القرون اخلالية

يف القرن العشرين زمنا " فإن هيدغر ينحو نفس منحى أستاذه حيث رأى ، ألنفسهم بأنفسهم

.275ص ، املرجع السابق، جذور ما بعد احلداثةو نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .1 .املكانو املرجع نفسه .2 .280ص ، املرجع نفسه .3 .338ص ، 2012، 1ط ، بريوت، دار الساقي، ما بعد احلداثةو النقد بني احلداثة، ابرهيم، احليدري .4

Page 155: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

141

وذلك بسبب اجلدل السليب، وثقافة مصنعة، يهدم فيه العقل نفسه ليضيع يف وعي تكنوقراطي

كما ، اخلروج من الطريق املسدود الذي صنعه بنفسهو لعصر التنوير الذي عجز عن جتاوز حمنته

التقنية و أن جتاوزه لقدرة العقل قاده إىل تفكري ثان يكون قادرا على جماة العقالنية األداتية

.)1(" ها يف فلسفته األنطولوجية جلالسلبية اليت عا

نظر لشدة تأثر أنطولوجيا ، "اهليدغرية " ستدمي يفم ويبدو أن احلضور النيتشوي، هذا

خامتة مطاف " هي –ميتافيزيقا نيتشه –ذلك أن هذه األخرية ، هيدغر مبيتافيزيقا نيتشه

املوجود وال شيئ ، قد جعلت املوجود هو كل الوجود، ميتافيزيقا املوجود، امليتافيزيقا الغربية

املوجود وال ، املوجود وال شيئ وراءه، شيئ أمامه املوجود وال، املوجود وال شيئ بعده، قبله

املوجود مبا هو " هذا حبسب نيتشه أن وقد ترتب عن، )2(املوجود هو كل شيئ ، شيئ فوقه

وال يستحق أن ، هو ما ميكن أن نفكر فيه وكل ما عداه ال شيئ...وهذا املوجود، كذلك يوجد

ر إىل أي مدى كانت أنطولوجيا مارتن هيدغر اليت ومن مثة يتبني لنا على الفو، )3(" نلتفت إليه

مأخوذة جباذبية وسحر ميتافيزيقا نيتشه اليت جمدت ، تأسس على مقولة الدازاين أو الوجود هنا

.ومن هنا يكون اإلستلهام اهليدغري للطرح النيتشوي، وأعلت الفردانية، هي األخرى الذاتية

حيث يرى أن ، "التفكيكية " يف )piere.v.zima(زميا .ف.بيري"إن هذا التقارب يؤكده

من املمكن ، حضور فلسفة نيتشه يف أعمال مارتن هيدغر ميكن أن يشكل مادة كتاب ضخم"

.337ص ، السابقاملرجع ،ابرهيم، احليدري .1 .80، املرجع السابق، سليمان، مجال حممد أمحد .2 .80ص ، نفسهاملرجع .3

Page 156: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

142

على األكثر يف اية فصل من الفصول مالمسة املشكالت الفلسفية اليت تربط نيتشه بــ

ذلك النقد الذي وجهاه إىل ميكن أن تكون ، على أن أبرز مسة تالحظ لدى كليهما، )1(هيدغر

الذين هم ، ووهو النقد الذي سوف يستأنفه فيما بعد فالسفة ما بعد احلداثة، امليتافيزيقا الغربية

.مبادئهم عن نيتشهو بدورهم قد استلهموا الكثري من أفكارهم

:نيتشه وجذور ما بعد احلداثة -2

نظر إىل املهمة اليت أناط ا لبا ذلكو، يعترب نيتشه واحدا من كبار آباء ما بعد احلداثة

وحيث هو ، تأسست عليه احلداثة حيث محل على عاتقه مسؤولية النقد اجلذري لكل ما، نفسه

ليكون بذلك هو ، الفالسفة األوائل الذين عملوا على نقد العقل من" فقد كان ، كذلك

مشاريعها و أي نقد عصور األنوار من حيث عقالنيتها، مؤسس خطاب ما بعد احلداثة

يتطابق مع ، أفالطونو وبالتايل فإن نقده للعقالنية كما أسسها سقراط، ووعودها الطموحة

بعد احلداثة الذي يفتح متجيده للفن يتطابق كذلك مع مشروع ما، ونقده للحداثة الفلسفية

بعد تلك اآلفاق هي ما مثل فيما ، )2(" تفوقهو آفاقا جديدة كان العقل قد أغفلها باسم قدرته

ويف ظلها ولد خطاب فلسفي ، الرحب الذي انبثقت فيه مدارس فكرية جديدةو الفضاء اجلديد

.املطلقية الومهيةو ثار ضد كل ما يرمز للحداثة وعصرها الذي غمرته العقالنية اجلوفاء، جديد

، 1996، 1ط، بريوت، التوزيعو النشرو املؤسسة اجلامعية للدراسات، تعريب أسامة احلاج –دراسة نقدية –التفكيكية ، زميا، ف، بيري .1

.45ص .303ص ، 2010، 1ط، اجلزائر، منشورات اإلختالف –إشكالية أصل الفلسفة -ق اإلغريو نيتشه، عبد الكرمي، عينات .2

Page 157: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

143

جعلت فلسفته كـثورة فكرية عاصفة أتت على مكامن ، إن روح النقد اليت ميزت نيتشه

اليت جسدت ، لذلك كانت فلسفة لإلرادة الفردية الصارمة، اإلحنالل من اجلذورو الضعف

إذ جند نيتشه يف معظم مؤلفاته يرشدنا ، البذور األوىل ملا بعد احلداثة من خالل توكيد الذات

ومن مث يدعو إىل ، إىل ضرورة البحث عن ذواتنا اليت فقدناها من جراء أوهام الفكر احلداثي

لذلك مع نتشه مبا هو ، عدم حموها حبا يف الروح العامةو التمسك او توكيدهاالعمل على

االرتقاءونصل معه إىل قمة ، تتضح الفردانية يف أجلى صورها" املؤسس خلطاب ما بعد احلداثة

.)1("اإلنساين

كان وليد عصره ، تشهين، وروح النقد اجلذري الذي متلك، إن نزعة الشك الراديكالية

فاحتقرت الفردية، واتسمت بالطابع الكلي، سادت فيه املذاهب اليت تشدقت باملطلقيةالذي

ومبا هو قد غلبت عليه نزعة الشك، احلال هذهو وهلذا فــ نيتشه، وألهت املطلق، الذاتيةو

أن تكون هناك حقائق أخالقية أو قواعد كلية تقوم " فإنه ما كان ليقبل ، الريبة يف كل ما سبقو

وعلى هذا فكل معرفة تصورية تقوم على التعميمات حتددها أنظمة ، اس العقلعلى أس

ومعظم مزاعم ، التفردو ال مندوحة هلا عن أن متحو الفردية، التصنيفاتو األيديولوجيات

.)2(" تقدم و احلقائق األزلية ليست أكثر من معتقدات مفيدة مؤقتا تتغير كلما سار التاريخ

.78ص ، املرجع السابق، حسن، الكحالين .1 .90ص ، املرجع السابق، دي، روبنسون .2

Page 158: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

144

فاألخالق نسبية، ىل اإلميان بأن النسبية حتكم قبضتها على كل شيئوهكذا ينتهي نيتشه إ

ولذلك جنده يتسائل مستنكرا إمكان ، إمنا هناك تأويالت، وبل ليس مثة حقائق، احلقيقة نسبيةو

ماهي حقائق اإلنسان على حنو مطلق ؟ إا فحسب أخطاؤه اليت ال ميكن :احلديث عن املطلق

ما هو ببساطة >>معرفة <<ما حنسبه " س يذهب نيتشه إىل أن وعلى هذا األسا، )1(.دحضها

علينا أن حنترس من القصص اخليالية اخلطرة اليت ، إال األقوى املفروض على كل شخص آخر

>>العقل اخلالص <<بشراك املفاهيم املتناقضة مثل ، وبال زمان، وتضع معرفة ذاتية بال أمل

>>املعرفة يف ذاا <<و )2(.

فهو ، يتنبأ مبا بعد احلداثة" ميكن القول أن نيتشه قد كان له فعال أن ، من هذا وانطالقا

Jaquesدريدا ، و)Ludwig Wittgenstein )1889 .1951يتنبأ بفالسفة من أمثال فتجنشتاين

Derrida )1930 .2004( ، ل من عمد إىل تفكيك املعتقدات بوصفهاه كان أومن حيث أن

–فنحن لن نتخلص أبدا من فكرة اهللا ما مل نتخلص من النحو –فخاخا لغوية و شراكا

عن املعرفة مدينة على حنو هائل ألفكار )Michel Foucault )1929 .1984ونظريات فوكو

ومن مثة ميكن القول أن بذور نزعة الشك ملا بعد ، )3(" إرادة القوة و نيتشه عن السالالت

" إال أنه ومع ذلك سيبقى ر يف تاريخ الفلسفة الغربيةإن كانت هلا إرهاصاا باستمراو احلداثة

فقد أصر على أن اللغة ال ميكن إال أن ، األشد وضوحا ملا بعد احلداثةو نيتشه هو األب املعاصر

.161ص ، السابقاملرجع ، دي، روبنسون .1 .نفسه واملكانملرجع ا .2 .90ص ، املرجع نفسه .3

Page 159: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

145

االستعاراتجيش خفيف متحرك من " ومع نيتشه ستصبح احلقيقة حينئذ ، )1("تكون جمازية

إا عمالت معدنية طمس ، أوهام ينسى املرء أا أوهامأما احلقائق ف...التجسيماتو الكناياتو

ولعل هذا ما نلمس صداه فيما ، )2(" وإمنا معدن ، مل يعد هلا قيمة باعتبارها عمالتو وجهها

.وكذا مدرسة فرنكفورت، لدى فالسفة التفكيكية، بعد

بعد إن خيبة أمل نيتشه من شروط احلداثة اليت أعادت نفسها يف كتابات فالسفة ما

خاصة إذا ، جعلت منه يف احلقيقة أول من قدم حججا نقدية ضدها، بشكل أو بآخر، احلداثة

مثلما ، العقالنيةو التقدمو ضد أفكار عصر التنويرو فكرة الذات علمنا أنه ركز يف هجومه على

، )3(ابواسطة إرادة القوة املسخرة أنثربولوجيا ال سوسيولوجي االنفعاالتدعا إىل التحكم يف

.األكثر تطرفاو ومن مثة يكون نيتشه الفيلسوف األكثر عداء للحداثة

هو أفكار ، بل األول، مل يكن هو األول، )*(إن بيان ما بعد احلداثة الذي صدر عن فوكو

بقدر ما هناك ، ليس هناك حقائق <<وعليه كانت مقولة نيتشه ، نقده لقيم احلداثةو نيتشه

، >>هذا هو بيان ما بعد احلداثة ...ه كحقيقة إمنا هو لغو بدون معىنوما ميكن تأكيد، تفسريات

. 161ص ، ابقالساملرجع ، دي، روبنسون .1 .232ص ، 1989، )د ط(، الرياض، دار املريخ للنشر، ترمجة صربي حممد حسن، التفكيكية، كريستوفر، نوريس .2 .335ص ، املرجع السابق، ابرهيم، احليدري .3النسبة إيل الفيلسوف يعترب هيدغر ب: حيث يقول ، يؤكد فوكو أن التعرف إىل نيتشه وهيدغر كان أكرب جتربة فلسفية عاشها يف حياته . *

ولكنين أعترف بأن نيتشه هو الذي تغلب يف اية املطاف على ، وقد حتددت معامل مساري الفلسفي كلها من خالل قراءيت له، األساسيأنظر نيتشه " (وماركس ، فرويد، نيتشه" و "التاريخ و نيتشه اجلينيالوجيا: "ولذلك كتب فوكو عن نيتشه عدة دراسات هي ، توجهي الفلسفي

)276وجذور ما بعد احلداثة ص

Page 160: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

146

فوكو ورواد ما بعد احلداثة لتأسيس خطاب يكون نيتشه مرجعه و الذي اقتفى أثره هيدغر

.)1(األساسي

ويبدو لنا أن فلسفة نيتشه قد استقطبت فعليا جممل اجلدل الذي جرى بني الفالسفة ، هذا

احلداثة، الالعقالنيةو كالعقالنية، ببحث مجلة من اإلشكاليات الكربى والذي عين، املعاصرين

اليت تظهر جبالء من –إن جاز لنا هذا التعبري –ومن مثة كانت سلطة نيتشه ، ما بعد احلداثةو

أو انطلقت منه ، الدراسات اليت دارت حول فكره أحياناو خالل كل ذلك الزخم من الكتابات

ودولوز، ونعين بذلك جل تيارات ما بعد احلداثة أمثال فوكو، أساسا يف أحيان أخرى

.إخل...دريداو

أسس أفكارها األوىل و فيمكن القول أا استلهمت مبادئ، أما ما تعلق بالتفكيكية

حيث أن ، ولعل ذلك ما يبدو من خالل استلهامها لروح التـفكيك ذاته، انطالقا من النيتشوية

وهو ما ، إىل تفكيك كل ما كان كليا مشوليا اوائل الذين عمدونيتشه هو من الفالسفة األ

، )2(" نيتشه هو أول من قام بتفكيك تاريخ امليتافيزيقا " حيث يرى أن ، يؤكده صراحة دولوز

حيث يقر جيل ، أقطاب التفكيكيةو ولذلك يالحظ مدى الصلة الوثيقة اليت مجعت بني نيتشه

ويستدل على ، نظرة نيتشه اليت كانت هي األصلو نظرة فوكو بأن هناك توافقا بني )*(دولوز

.هناك ثالثة لقاءات مجعت بني فوكو ونيتشه" ذلك من خالل تأكيده أن

.335ص ، املرجع السابق، احليدري ابرهيم .1 .159ص ، املرجع السابق، كريستوفر، نوريس .2 ..)276أنظر نيتشه وجذور ما بعد احلداثة ص " الفلسفة و نيتشه" و "نيتشه "كتب عنه كتابني مها و وهو من الذين استوعبوا نيتشه . *

Page 161: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

147

ال ختتزل ، فالسلطة عند فوكو كالقوة عند نيتشه، يتعلق مبفهوم القوةفاللقاء األول أما

عين موت شكل حمدد تواليت ، نسانفيتعلق بأطروحة موت اإل، أما اللقاء الثاين، يف عالقة عنف

اختذ صورته القصوى يف الرتعة اإلنسانية كإرث ميتافيزيقي لتجربة ، من تصورات اإلنسان

اخللق وجعلها و أما اللقاء الثالث فقد حتدد يف عالقة احلياة باإلبداع، فكر األنوارو احلداثة

التطور األخري لفلسفة فوكو ما حييل إىل" ولعل هذه النقطة األخرية هي ، )1("موضوعا للفن

انفتاح ذايت و كعملية خلقو املتداولة املعرفةو املرادف لبعد الذاتية كعملية مقاومة للسلطةو

للتعبري عن إرادة القوة بابتكار إمكانات جديدة للحياة وهو ما مساه نيتشه، مستشرف للممكن

.)2("كإرادة الفن

وحيث أنه من غري ، كيكية بفلسفة نيتشهيتبني لنا مدى تأثر التف، وعلى هذا األساس

املشروع إطالقا اعتبار ممثلي التفكيكية كرومانطيقيني أو خلفاء للهيغليني الشباب من دون "

ورثة فيلسوف ، نيتشه فإنه ميكن متاما أن نتعرف فيهم إىل ورثة، اإلفراط يف تبسيط األمور

رض منهجيا على لوغو كان أول من اعت، (anti systématique)مناهض للمنهجية

ومن مثة كان جميئ التفكيكية كما لو كان ، )3(" روحها اجلدية و مركزية امليتافيزيقا األوربية

لكنها بقيت وفية دوما لألصل الذي انطلقت ، بروح جديدة، وإعادة بعث للنيتشوية من جديد

.أال وهو نيتشه، منه

.277ص ، املرجع السابق، نيتشه وجذور ما بعد احلداثة، د عبد احلليمأمح، عطية .1 .277ص ، نفسهاملرجع .2 .44ص ، املرجع السابق، زميا. ف.بري .3

Page 162: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

148

فإنه من الواضح للوهلة ، نيتشه أما ما تعلق مبدرسة فرنكفورت ومدى تأثرها بفلسفة

هي ، البارزة اليت جتمع بينهما االلتقاءخاصة إذا علمنا أن نقطة ، األوىل أا نيتشوية املنبع

يف حني جاءت، اتفاقهما حول املشروع النقدي الذي يبدو أن نيتشه هو واضع لبناته األوىل

.مدرسة فرنكفورت لتكمل ما بدأه نيتشه

هو القيام بتحليل ، اد مدرسة فرنكفورت يف مشروعهم النقديإن أول ما بدأ به رو

نكوص عصر التنوير و العوامل اجلوهرية اليت يفترض أا قد أدت إىل إخفاق الثورات يف أوروبا

ميكن أن نستشعر روح نيتشه وهو يبدأ ، من هذا املنطلق، و)1(عن حتقيق األهداف اليت دعا إليها

حماوال يف الوقت ذاته إجياد ، مية اليت آل إليها اإلنسان األورويبالعدو بتشخيص عوامل اإلحنطاط

.خمرج لتلك احلالة من األفول املزمن

هذا وميكن استيضاح مدى التأثري النيتشوي على مدرسة فرنكفورت من خالل وجهة نظر

الذي تتبع جل التطورات الفكرية اليت سارت )jurgen Habermas .)1929 "هابرماس"

وتوصل إىل عكس ما اعتقده الكثري من املعلقني على التاثريات املاركسية يف ، درسةعربها امل

وتأثريه يفوق تأثري ، هو الشخصية املؤثرة "من حيث تأثري نيتشه مدى إذ انتهى إىل، املدرسة

وكريكغارد يف أدورنو )Max.Horkheimer )1973 .1895هوركهامير شوبنهاور يف

.337ص ، املرجع السابق، ابرهيم، احليدري .1

Page 163: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

149

Théodor.Adorno )1969.1903(هايدغر يف ماركيوز، و

Marcuse.Herbert )1981 .1898 ()1(.

أما التحديد الفعلي ألبعاد التأثري النيتشوي على مدرسة فرنكفورت فيمكن أن نرقبها

الثاين نقد العقل الذي االجتاه، والتنويرو األول نقد احلداثة االجتاه:" اجتاهاتتسري يف ثالثة

خاصة لدى ، الثالث هو التحول حنو الفن االجتاه، والعقل األدايت يتحول لدى املدرسة إىل نقد

امليل حنو صياغة نظرية يف اإلستطيقا تكون بديالو بيال للخالصسباعتباره ، أدورنوو ماركيوز

تظهر التأثري ...هذه اخلصائص الثالث، النظرية النقدية الذي ختلت عنه املدرسة ملشروع

.يف اإلمكان استبعاد التأثري املاركسي على املدرسة كما جتعل، )2("النيتشوي بوضوح

:احلضور النيتشوي يف علم النفس -3

مدرسة فرنكفورت و إن تأثري نيتشه يف علم النفس ال يقل عن تأثريه على التفكيكية

حيث يبدو أن الكثري من علماء النفس قد استلهموا من نيتشه أكثر أساسيات البحث ، وغريمها

، ه يف اإلمكان تبيان ذلك من خالل إعتراف كبار علماء النفس بفضل نيتشهولعل، النفسي

مدى تبيان ، أو إىل حد ما، الذي سنحاول تبيان مدى تأثره بالرتعة النيتشوية، ومنهم فرويد

.الصلة بينه وبني نيتشه

.278ص ، املرجع السابق، نيتشه وجذور ما بعد احلداثة، أمحد عبد احلليم، عطية .1 .279ص ، نفسهملرجع ا .2

Page 164: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

150

:من النيتشوية ) Sigmund.freud )1939 .1856 موقف فرويد -

قد جعلت ، فرويدو نظر للناحية النفسية لإلنسان بني نيتشهإن التقارب يف وجهات ال

ذلك ما ميكن أن نتبينه من ، قوة تأثريه يف أكثر من موضعو هذا األخري يعترف بفضل نيتشه

إنه :"ومن ذلك قوله عنه، ببصريته الثاقبةو حيث جنده يشيد به، موقف فرويد عامة من نيتشه

كما ، )1(" أو من احملتمل أن يعيش ، نسان آخر عاشإ أكثر من أي، يعرف نفسه معرفة ثاقبة

ممكن مع النتائج حملاته الثاقبة تتفق على أعجب حنو، وتنبؤات نيتشه" صدق الحظ فرويد مدى

، وهذا ما يعين أن قوة اإلدراك النفسي، )2(" اليت وصل إليها التحليل النفسي بعد كثري من العناء

لبلوغ نتائج علمية متاثل ، قد أهلته يف كثري من األحيان، نيتشه النظرة احلدسية اليت متتع او

.يتوصل إليها علم النفس التجرييب إال بعد عناء تلك اليت مل

فرويد من خالل النظر إىل وحدة الرؤيةو وميكن أن نلمس شدة التوافق بني نيتشه، هذا

إذ جندمها جيمعان على ، الطريقة املتبعةو وإن كانا قد اختلفا يف املنهج، النتائج اليت توصال إليهاو

:مايلي

ومقادير ، التصور الدينامي للنفس مع التصورات األخرى املرتبطة به كالطاقة النفسية" -

)3(" .وحتويل الطاقة من دافع إىل دافع آخر، الطاقة الكامنة أو املعوقة

.192ص ، املرجع السابق، فؤاد، كامل .1 .192ص ، نفسهاملرجع .2 .54ص ، املرجع السابق، جذور ما بعد احلداثةو نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .3

Page 165: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

151

تتصارع أو تندمجو تصور أن النفس نظام أو نسق من الدوافع اليت ميكن أن تتصادم" -

تذوب يف بعضها و

األهم كما فعل فرويد قبل أن و وإن مل جيعله الدافع األول، تقدير أمهية الدافع اجلنسي -

)1(العدم و إذ يأيت عنده بعد دوافع العدوان، يتكلم عن غريزة املوت يف كتاباته املتأخرة

، التعويضو اإلعالء صة عمليةخباو "آليات دفاعية " فهم العمليات اليت مساها فرويد -

واجتاه الدوافع وجهة مضادة للذات –الذي يسميه فرويد الكبت و –التعجيل أو التعويق و

.)2("نفسها

القول بالرتعة النيتشوية للتحليل النفسي الذي ذاع صيته -إىل حد ما -ميكن ، وهكذا

النتائج اليت توصل إليها و األفكار وإن كان لنيتشه األسبقية يف الوصول إىل الكثري من، مع فرويد

ومدركا ، بواطن النفس البشريةو وهو ما يعين يف الوقت نفسه أن نيتشه كان عاملا خببايا، فرويد

لعله لوال ذلك ما أمكنه الوصول إىل ما وصل إليه على الصعيدين ، وقدراا اخلالقةو لطاقاا

.الفلسفيو -علم النفس -العلمي

.55ص ، املرجع السابق، نيتشه وجذور ما بعد احلداثة، أمحد عبد احلليم، عطية .1 .واملكان املرجع نفسه .2

Page 166: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

152

تغلغل النيتشوية يف الفكر العريب : املبحث الثاين

قد اتفقوا إىل حد بعيد –أن أشرنا و كما سبق–إذا كان الكثري من فالسفة الغرب

فما ذلك إال ، على األمهية القصوى اليت حظيت ا فلسفة نيتشه يف تاريخ الفلسفة الغربية عامة

، الفالسفة الذين أتوا بعدهو فكرينبالنظر للتأثري الفعال الذي مارسته النيتشوية على جل امل

يكون مرد من ناحية أخرى ميكن أن، وهذا من ناحية، وخاصة منهم الذين اشتغلوا بفلسفته

بعد أن وجدت هلا الصدى العميق يف أوروبا ، ذلك إىل نزول فلسفة نيتشه إىل أرض الواقع

أنا على –دون بعد املمات الرجال الذين سيول" متاما كما تنبأ بذلك نيتشه ، القرن املعاصر

ولنقلها ، لكنه سيستمع إليهم أفضل، سيسوء فهمهم أكثر من املطابقني لعصرهم –سبيل املثال

)1(" من هنا تكون سلطتنا ، لن يكتب لنا أن نفهم البتة، بأكثر صرامة

-فالتساؤل الذي يفرض نفسه ، تاريخ الفلسفة الغربيةو بالنسبة لنيتشه، أما واحلال هذه

إىل أي مدى ميكن للفكر العريب أن :هو –حنن بصدد حبث تغلغل النيتشوية يف الفكر العريب و

تجيب لطموحات فلسفة نيتشه ؟وهل ميكن لفلسفة نيتشه أن تتوافق والفكر العريب ؟وهل سي

ميكن فعال لفلسفة نيتشه أن جتد هلا صدى يف الفكر العريب ؟

احلرب ضد الفكر ية اليت جعلت نيتشه حيمل لواءإن من ميعن النظر يف البواعث األساس

فيما يرى نيتشه –ليجد أن تلك األخطار اليت كانت دد احلضارة األوربية ، األورويب إمجاال

، 2010، 1ط، بريوت، منشورات اجلمل، ترمجة علي مصباح، أو كيف نتعاطى الفلسفة قرعا باملطرقة –غسق األوثان ، دريكفري، نيتشه .1

.14ص ، 01الفقرة

Page 167: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

153

وعلى هذا األساس ميكن أن ندرك ، اإلحنطاطو هي ما محله على الثورة ضد مكامن الضعف –

إال –التخلف و لعربية ترزخ حتت الضعفاألمة او –كان على الفكر العريب فورا أنه ما

ومبا هي دعوة ، االحنطاطو مبا هي ثورة ضد كل ما يشري إىل األفول، للنيتشوية االستجابة

.العالءو السري حنو السيطرةو صرحية المتالك القوة

، وانطالقا من هذا نستشعر مدى حاجتنا حنن يف الوطن العريب ألن نضع قيم القوة

ندعو إىل و فنحن نشجب القوة" األفول و خاصة وأن حالنا اآلن ميجد الضعف، ومنارس فعلها

علينا أن نبحث ، ندعو األقوياء أن يتخلوا عن جربوم ليكونوا ضعفاء مثلنا، االستسالمو السلم

وهذا ما حنن يف أمس احلاجة ، هذا ما يدعو إليه نيتشه، )1(" وعن ممارسة إرادة القوة ، عن القوة

.وج من أزمتنا املعاصرةإليه للخر

حلمنا بالسالم " إن من أبرز عوامل األفول املزمن الذي أصاب مفاصل أمتنا العربية هو

، ونطلب منهم التنازل عن قوم، إذ نستجدي منهم السالم، ودعوتنا للمساواة مع أعدائنا

، د الصراعومنج، إذ يفترض أن نسعى إلمتالك القوة، وغري واقعي، وهذا التفكري غري منطقي

–التنافس و بالصراع –وبالوسيلة نفسها ، نأخذ حقوقنا كما أخذت منا، وونسعى للتفوق

.)2(" كما قال هرياقليطس فالصراع أبو األشياء مجيعا

.82ص ، املرجع السابق، حسن، الكحالين .1 .110ص ، املرجع نفسه .2

Page 168: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

154

علينا ، االنتصارو يئة األرضية للتفوق، وفال مناص لنا عن أخذ األسباب، وعلى هذا األساس

قوي اإلرادة " اليت كان من نتائجها أن أصبحنا نحارب اميةاالزأن نقهر يف أنفسنا الروح

أما قوي اإلرادة الذي ، جبناءو ألننا نريد حكاما ضعفاء، الدكتاتوريةو ونتهمه بالتسلط، فينا

حىت ...رموزهاو خناف القوة، ألننا ضعفاء، فنحاربه، وميهد حلضارة جديدة، يود بناء دولة قوية

بدال من ، فكانت وسيلة لقهر األفراد اددين لروح احلضارة، خدامهاالدميقراطية أسأنا است

والذي بدوره كان هو األساس الذي انطلق منه غرينا ، )1(" االستثناءجعلها وسيلة لتنمية هذا

نأمل أو نتوق لبلوغه دون –بكل حسرة –فوصلوا منذ عهود إىل ما حنن اآلن - الغرب –

.جدوى

إذا كان من ، والتفوقو د على قيمة الفردانية كمعيار للتميزإذا كان نيتشه قد أك

توكيد " فإنه يتوجب علينا حنن العرب ، جتارب غريناو الضروري علينا أن نستفيد من خربات

أسالفنا كانوا أشد عزميةو بل، مع أن تراثنا، الذات اليت فقدناها نتيجة للفهم اخلاطئ للتراث

.زازا بذوام الفرديةأكثر اعت، وأمضى إرادة، وقوةو

مثلت القوة بكل ...بعدهو قد شيد العرب حضارات ضاربة اجلذور قبل اإلسالمل

وبقدرات شعبنا العريب ، وعدم الثقة بأنفسنا، غري أننا جبلنا على على إنكار الذات، عناصرها

.)2(بأفراده املتميزين األشداء ، والواحد

.124ص ، املرجع السابق، حسن، الكحالين .1 .123ص ، املرجع نفسه .2

Page 169: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

155

ذلك أن الغري مل يتفوق علينا إال ، وإرادة القوة، شديدة المتالك القوة، إن حاجتنا إذن

لقد تقدم علينا الشرق، وأعالها على كل شيئ، اهتم بذاته" أي عندما ، بالعامل نفسه

ولو أن السمة العامة –أتاحوا له حرية العمل ، وعندما آمنوا بقدرة الفرد على اإلبداع، الغربو

عية إال أن معظم دول الشرق أدركت ذلك اخلطأ للفكر الشرقي هي اإلعالء من الروح اجلما

، )1("ومتجيد الذات ، أما الغرب فقد أخذ منذ بداية نشأته مبصادر القوة –فتجاوزته وتقدمت

، فإذا انتهينا إىل هذه النتيجة، التميز الذي عرفته احلضارة الغربيةو فكان ذلك هو سر التفوق

اإلحنطاط اليت ال زلنا نرزخ حتتها و رة ضد قيم الضعفأمل حين بعد أوان الثو:حق لنا التساؤل

قيمتها؟و حنن ندرك سرهاو ؟و أمل حين بعد أوان األخذ مبكامن القوة

ومن مثة يتوجب على األجيال ، )2(صادق بعزميته ، إن العقل العريب عقل قوي بنشأته

تضيع و ة حىت ال تتشوه رسالتهاالصرامو املعاصرة أن تعتنق األفكار احليوية املشحونة مبعاين القوة

ليس عليها إال أن تشدد ، ليس عليها إال أن تؤمن بقدراا اخلالقة، كما ضاعت من قبل، معاملها

على أن الدعوة ، الذاتية باعتبارها منابع التقدم ومبا هي القوى الفاعلة يف التاريخو على الفردانية

أفراد اتمع ليكونوا قوى حتررا شامال لكل تعين بل، لتحرر الفرد ال تعين جتاهل اتمع"

.وهكذا سيكون الفرد احلر املريد هو أس احلضارة وعنوان رقيها، )3(" فاعلة

.124ص ، املرجع السابق، حسن، ينالكحال .1 .املكانو املرجع نفسه .2 .املكانو املرجع نفسه .3

Page 170: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

156

قد وجدت هلا صدى عميقا لدى الكثري ، إن هذه األفكار املستلهمة من الروح النيتشوية

عبد ، )*(ن امن أمثال فرح أنطو الفالسفة الذين كانوا من رواد الفكر العريبو من املفكرين

إال ، وغريهم كثري، )***(ندمي البيطار ، و)**(ومرقص فرج بشارة ، وسالمة موسى، الرمحن بدوي

وعبد ، ندمي البيطار، املبحث على األثر الذي تركته النيتشوية يف كل منهذا أننا سنقتصر يف

.تشه يف كتابات هؤالء األثر الكبريإذ يبدو لنا أنه قد كان لني، نافرح أنطو، والرمحن بدوي

فتتأكد نزعته النيتشوية من خالل استلهامه للكثري من أفكاره القومية ، أما ندمي البيطار

أكثريتهم يف و مجهرة من الناس" حيث يبدو ذلك جبالء من خالل تأكيده على أن ، عن نيتشه

تكتفي بإتباع العادات ، ةوغري خالق، هلي كائنات جامدة كالدمى، كل جمتمع من اتمعات

، ما يتوافر هلا من نظمو تجاري ما جتده، فهي ذات نفسية تقليدية، التقاليد السائدة، واجلارية

وتقود، جتابه أزمات التاريخ، اإلبداع فهما دائما من عمل فئات وأقليات ضئيلةو أما اخللق

.)1(" اتمعات يف أحوج األزمات

بني واحد من رواد فكرة و مدى التوافق يف الرؤى بني نيتشه يتبين لناهذا من انطالقا و

عمل إبداعي من شأنه أن الطابع الفردي ألي" ندمي البيطار " خاصة مع تأكيد ، القومية العربية

، نيتشه وجذورما بعد احلداثة، أمحد عبد احلليم، ةعطي: أنظر ( 1907هو مفكر عريب يرجع إليه الفضل يف تقدمي نيتشه إىل العربية عام . *

)09ص ، مرجع سابقصدر لدى دار ، صفحة من القطع املتوسط 28ألف كتيبا عن نيتشه يف و يف بداية احلرب العاملية األوىل هو مفكر عريب اهتم بــ نيتشه . **

) 84ص ، مرجع سابق، التأويلو اإلرادة، مجال مفرج:أنظر ، السالم يف اإلسكندرية )91ص ، مرجع سابق، حسن، الكحالين رأنظ –األيديولوجية الثورية –من مؤلفاته ، من رواد فكرة القومية العربيةو مفكر عريب . ***

.91ص ، املرجع السابق، حسن، الكحالين .1

Page 171: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

157

مرحلة انتقالية تولد عددا حمددا من األنفس " وعليه فكل ، يكون نرباسا تقتدي به اجلماهري

فتجند قواها ، التجديدو متنح والئها الكلي إلمكانات التحول الكبرية اخلالقة تستطيع أن

، )1(الدم و ترعى منوها بالدمع، البذورو تضعها يف خدمة اإلمكاناتو الوجدانيةو الفكرية

وحينئذ يظهر لنا بوضوح إىل أي حد تغلغلت الروح النيتشوية يف فكر البيطار الذي مل يعد

.عيار لقيام احلضارة العربية من جديدالتجديد كمو يؤمن إال بالفردانية

ويظهر مدى ، فكان من أوائل املفكرين الذين اهتموا بفلسفة نيتشه" ن افرح أنطو" أما

فيلسوف ال : " 1904تأثره بالنيتشوية من خالل أحد العناوين الفرعية ملقال له عن نيتشه سنة

سفته يف كل شيئ حوهلم يف كل فلو ولكنهم رأوا آثار مبادئه، يعرف امسه قراء اللغة العربية

كمسوغ ، إرادة القوةو ه يريد ذا أن استثمار الغرب ألفكار نيتشه الداعية للقوةولعل، )2("مكان

.على الشرق العريب املستضعف –آنذاك –هلا يف هجمتها الشرسة

ضرورة على نيتشويته من خالل دعوته ألبناء أمته إىل "أنطوان فرح "هذا ويؤكد

إن ما حيدث يف أوروبا مشابه ملا حيدث يف الشرق الذي : " حيث يقول ، األخذ بأفكار نيتشه

يوم شرعنا ألول ، مازلنا نعتقد مبا جهرنا به من سنتني" يضيف و "حيتاج أبناؤه إىل أفكار نيتشه

وهو أن مبادئ هذا الرجل حتتوي على كثري من احلقائق ، مرة يف تلخيص فلسفة نيتشه

.)3(" على أبناء الشرق أن يطلعوا عليها ليشددوا نفوسهم ا و للحياة الضرورية

.91ص ، املرجع السابق، حسن، الكحالين .1 .83ص ، املرجع السابق، التأويلو اإلرادة، مجال، مفرج .2 .10ص ، املرجع السابق، نيتشه وجذور ما بعد احلداثة، أمحد عبد احلليم، عطية .3

Page 172: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

158

يكون قد نظر ويكاد، إىل حد بعيد من القراءة النيتشوية" فرح أنطوان "تقترب قراءة

يف –للواقع العريب اآليل لألفول من نفس املنظار الذي نظر منه نيتشه للواقع الغريب الذي كان

ونفس ، ن قد اجته إىل نفس الرؤية العالجيةاليتبين لنا هكذا أن فرح أنطو ،آيال لألفول –نظره

.آليات التجاوز اليت سلكها نيتشه

خالصة الفكر "يف سلسلة ، فقد خصص لـ نيتشه كتابا كامال، أما عبد الرمحن بدوي

بالروح" بدوي "ولعله يف اإلمكان توضيح مدى تأثر ، "نيتشه " كان عنوانه " األورويب

كانت احلرب املاضية قد هيأت " إذا ، النيتشوية من خالل تقدميه الذي يؤكد فيه على أنه

فلعل هذه احلرب احلاضرة أن تكون فرصة تدفعه ، الفرصة هلذا الوطن كي يثور ثورته السياسية

فليس من شك يف أن هذا الوطن يف أشد احلاجة إىل ثورة روحية على ما ، للقيام بثورته الروحية

النظرة أشد احلاجة إىل أن يطرح هذه يف، لف من قيم وما اصطلح عليه حىت اآلن من أوضاعأ

وفيها ، كلها قوة، كلها خصب، كي يضع مكاا نظرة أخرى، يف احلياةو القدمية يف الوجود

ندرك فورا مدى تغلغل النيتشوية يف ، وعلى هذا، )1(" إميان بإمكان خلق جيل من أبنائه عظيم

"قيم " حيث أن كلمات ، حىت مصطلحاتهو وذلك من خالل عمق أفكاره" ي بدو"فكر

مستلهمة بصورة أو بأخرى من أفكار نيتشه عن " بدوي "لدى " خلق جيل عظيم " و "قوة "و

."خلق ألواح قيم جديدة " و "إرادة القوة " و "القيمة " و "احلياة "

.86ص ، املرجع السابق، التأويلو اإلرادة، مجال، مفرج .1

Page 173: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

159

" عبري الدكتور فؤاد زكريا يف كتابه قد عبر عنها أصدق ت، التأثري هذهويبدو أن شدة

هو أنه فتح أمامنا سبل التجديد يف فهمنا ، وفلنذكر له دائما هذا الفضل: " قوله " نيتشه

أزاح كل ، واإلبداعو وذلك حني جمد قدراتنا اإلنسانية على اخللق، وسلوكنا فيه العقلي للعامل

)1(" ما كان يقف أمام فاعلية اإلنسان من عقبات

.193-192ص ص ، املرجع السابق، فؤاد، كامل .1

Page 174: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

160

نيتشه من منظور نقدي : املبحث الثالث

كل " الدارسني الذين اشتغلوا على فلسفة نيتشه أن و لقد تبني لدى الكثري من املفكرين

سيتأثر ، مفكر درس فكر نيتشهو حيث ال حمالة أن كل فيلسوف، نيتشوي إنقلب على نيتشه

، )1( "سرعان ما يتحول إىل سهم اخلروج لكن هذا الدوران، يدور يف فلكهو بالضرورة مبواقفه

وهي اخلالصة اليت توصل ، قواو ومعىن ذلك االنقالب على نيتشه بعد اإلفتتان بسحر أفكاره

" نيتشه" أعلن يف كتابه " حيث ، مؤويل فلسفة نيتشهو الذي يعد من كبار قراء" ياسربس "إليها

ولذا جيب ، يدل على معارضته بصورة دائمةو بأن التفلسف مع نيتشه يؤدي:متهيد لفلسفته

لقد كان املفكرون السابقون " نقد مواقفه على أساس القاعدة القائلة و العمل على جتاوز نيتشه

وأرى أبعد مما ، أما أنا وإن كنت جمرد عصفور فإنين أحط على رأس العمالق، عمالقة حبق

االهتمامبقدر ما ناهلا من اإلشادة أو ، النقدوهكذا جند أن فلسفة نيتشه قد ناهلا من ،)2("رآه

.مشارم الفكريةو الذي حظيت به لدى الفالسفة على اختالف تيارام

يبدو أنه من الضروري حتديد املعيار الذي ، وبغرض الولوج إىل عمق الدراسة، هذا

، مر يف غاية الصعوبةمع العلم أن هذا األ، إليه يف الدراسة النقدية لفلسفة نيتشه االستناديفترض

ومن ، املفكرونو القواعد اليت تعارف عليها الفالسفةو بالنظر إىل رفض نيتشه ذاته كل املعايري

التناقضات يف أفكار فيلسوف يؤمن هو ذاته أن سعة ىيتعذر إعمال املعيار املنطقي عل، مثة

.287ص ، املرجع السابق، عبد الكرمي، عينات .1 .288. 287ص ص ، املرجع نفسه .2

Page 175: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

161

لى فكر طاملا كما ال ميكن تطبيق قواعد املنطق الصوري ع، عن عظمته داخل فكر تكشف

، إىل املوضوعية التارخيية االحتكاموال ميكن أيضا ، التحرر منهاو عمل على جتاوز تلك القواعد

ارتباط احلقيقة مبا –حسبه –أن نيتشه كان كثري السخرية من املؤرخني الذي توهموا و خاصة

.هو موضوعي

ءة التأملية الفاحصة لفكر فيلسوف ما متر عرب القرا وملا كانت أي دراسة نقدية، هذا

هذه ، إذا كانت املؤلفات هي لــ نيتشه، فإن هذا األمر ليس من السهل مبكان، ملؤلفاته

أن مؤلفاته ال ميكن فهمها إذا ما قرأت " األخرية اليت تتقنع بأقنعة جعلت نيتشه نفسه يؤكد

، يف قراءة ما يكتب كما ناشد قراءه يف مقدمات مؤلفاته بوجوب اإلحتراس، عجلةو بسرعة

بذخرية ، بعدو إمنا بعني ترقب ما يأيت قبل، وليس فقط بعناية، قرءوهفعليهم أن يعيدوا ما

وهكذا ندرك مدى ، )1("وأعني نافذة البصرية، بأصابع رقيقة، بأبواب تركت مفتوحة، وعقلية

.موضوعا للنقد، صعوبة أن يكون الفيلسوف الذي اشتغل نفسه بالنقد

حيث جند ، املفكرين من حتمل مسؤولية نقد فيلسوف النقدو مينع الفالسفة لكن هذا مل

إال أنه ، وعلى الفلسفة عامة، وطاملا اعترف بفضله عليه، هيدغر الذي طاملا أشاد بــ نيتشه

يعترب : اإلدعاءات النيتشوية اليت تعلن األصالة يف األفكار قائال " مع ذلك يذهب إىل رفض

لكن جاكوب بريكهارت، الديونيزيةو أعد التعاكس بني األبولونيةو ن أسسنيتشه نفسه أول م

نيتشه حضرها وقد، "بال"يف جامعة حماضرتهو ندوته يف التعاكس كان قد حدد قبله هذا

.191ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1

Page 176: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

162

وهذا ما يبدو منه أن هيدغر يشري إىل أن نيتشه يكون قد استقى أفكاره اخلاصة عن ، )1("نفسه

.اإلبداعو عنه فكرة األصالة مما ينفي، غريه وتبناها

، ميكن القول بأن نيتشه قد بالغ يف محاسته وتبنيه لفكرة الصريورة، وعلى نفس األساس

وعليه فإذا كان ، وهو ذاته استقاها من الواقع اإلغريقي، ذلك أن الفكرة قد قال ا هرياقليطس

إن قلت كالمه ستكون فإنك ، وحىت لو كان زرادشت على صواب ألف مرة :" "نيتشه يقول

لو كان هرياقليطس و حىت "وعليه ووفقا هلذا املنظور النيتشوي ميكن القول ، "دائما على خطأ

ومن مثة يكون ، )2(" فإن نيتشه ملا قال كالمه فهو دوما على خطأ ، على صواب ألف مرة

.كرة إغريقيةبتبنيه لفكرة الصريورة اليت هي يف األصل ف نيتشه قد حكم على فكره باخلطأ

أال ، املفكرين قبلهو أما إذا نظرنا إىل املهمة اليت اعتقد نيتشه أنه قد انفرد ا عن الفالسفة

فهي ذات املهمة اليت ، فهي ليست باملهمة اجلديدة كذلك" وهي مهمة قلب األفالطونية

ن اعتباره عمال منه فإن عمل نيتشه النقدي ال ميك، وأفالطون ذاته اضطلع ا أرسطو يف حياة

.)3(" جديدا أصيال

فقد هاجم ، اعتاد على مهامجة من يدين هلم بفلسفته" هذا ويبدو كما لو أن نيتشه قد

هي السياسيةو األخالقية فلسفة نيتشه الواقع أن، وأفالطون الذي استمد منه الكثري من أفكاره

.290ص ، املرجع السابق، عبد الكرمي، عينات .1 .291ص ، ملرجع نفسها .2 .292ص ، املرجع نفسه .3

Page 177: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

163

على أن استلهام ، )1(" ليونانية ينفذ بعمق إىل الروح ا متاما يف أن فشل وقد أفالطون فلسفة

هي ، املقوالت اجلوهرية يف فلسفتهو األفكار حىتو بل، نيتشه ألفكاره غريه ال يتوقف على هذا

فلم يكن نيتشه أول من جاء خبطاب العدمية، األخرى هلا ما مياثلها لدى الفالسفة قبله

رمبا و –إذ سبقه ، أس فلسفته ال هو أول من حتدث عن فكرة اإلرادة اليت اعتربها، ونتائجهاو

كما، الذي هو نفسه يعترف بفضله عليه، إىل احلديث عنه شوبنهور –يكون قد أخذها عنه

هي األخرى ال أصالة له ، املخرج ألزمة العدميةو أن فكرة العود األبدي اليت اعتربها احللو

.هندية، هي يف األصل فكرة بوذية –كرنا سابقا ذكما –ألا ، فيها

مؤرخي الفلسفة إىل إسقاط صفةو وعلى هذا األساس يذهب الكثري من الدارسني

، هناك، وبل مجع من هنا، أصيلةو إذ مل يتوصل إىل أفكار مبتكرة، اإلبداع عن نيتشهو األصالة

.)2(حمتوى الفكرو صورة التعبري أكثر مما كان يف املضمونو وبالتايل فتجديده كان يف الشكل

خاصة وحنن بصدد الدراسة ، أن نتطرق إىل مسألة يف غاية األمهية، الذكروجدير ب، هذا

ونعين بذلك أن فلسفة نيتشه قد كانت إىل حد بعيد مصدر استلهام لكثري من ، النقدية للنيتشوية

اإلنسان األعلى هي اليت فتحت الطريق إىل تأليه الزعيم الذي " إذ أن مقولة ، احلركات التعسفية

وجدت فقد وبذلك، )3(" جمدها حتقيق إىل لألمة قيادته ي يصيب دائما يفالذ، وال خيطئ

.549ص ، املرجع السابق، ول، ديورانت .1 .294ص ، املرجع السابق، عبد الكرمي، عينات .2 .98ص ، املرجع السابق، الربيع، ميمون .3

Page 178: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

164

إجرام و النازية يف نيتشه مسوغا هلا تستند إليه يف جل ما تقوم به من اضطهادو الفاشية احلركات

.ومربرا للعنف الذي ترتب عن سياساا العدائية إزاء اآلخر، يف حق الضعفاء

مبثابة ، عبيدو أيدولوجية التقسيم الطبقي للناس إىل سادةه لكان تبني، وعلى هذا األساس

أجناس و اليت قامت على التمييز بني أجناس سامية) هتلر (املوجه الذي دعم العنصرية اهلتلرية

تسخريها لنفسها بالقهرو ومن مثة كان لألجناس السامية احلق يف استعباد األجناس الدنيئة، دنيئة

.القسوةو

فإن ذلك مل يكن سوى دعوة ، إرادة القوةو شه قد استبسل دفاعا عن القوةإذا كان نيت

خمربا تستمد الطاقة و تقديس للحرب اليت كان يعتربها مدرسة تسمو فيها الروحو لإلمربيالية"

نظرا لكوا وجدت يف فلسفته ، خمتلفة )*(ولذلك تبنت األفكار النيتشوية حركات سياسية، منه

.)1(" ما تدعم به آراءها

مل يكن أخالقيا ما ال تكون مقبولة، فإرادة القوة اليت اعتربها نيتشه سر الوجود، وهكذا

أما إذا كانت تعين القوة العمياء احملمومة اليت تتغذى من متجيدها ، القصد منها قوة الروح

احملافظون يرون يف فلسفته ، وامهدو فالفوضويون الذين يدافعون عن العنف ويقدسون الفرد يوافقون على كل ما يف فلسفته من مدمر . *

أما املاركسيون فإم يشيدون مبهامجته لألخالق التقليدية الفاشلة ، ضد املساواة الدميقراطية، واألرستقراطية، ومحاية السلطةو الدعوة إىل النظام وتشجيعا له على اإلستسالم، حلياة احلقةبني او حاجزا بينهو كما يشيدون مبحاربته للدين الذي كان يف نظره إستبعادا للشعب، يف نظره

ولذلك يعتربه الكثريون مسؤوال عن أزمة القيم اليت عرفها ، حجتهمو فهو مرجع هؤالء كلهم، وإن مل يكن يف صاحله، الرضى بكل شيئو .)98-97ص ص ، املرجع السابق، الربيع ميمون: أنظر ( ال يزال يعرفها و عصرنا

.98ص ، السابقاملرجع ، الربيع، ميمون .1

Page 179: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

165

ن تكون إذ الدينامية ال ميكن أ، فإا ستصبح مذمومة، وال تطلب هلا غاية سوى ذاا، لنفسها

) 1( جتعل منها قوة يف خدمة اخلريو إنه جيب أن تكون هلا غاية ذا، أخالقية بذاا

لكنها قد تؤول كذلك ، قد تؤول خلدمة اخلري فعال، إن إرادة القوة كما هي لدى نيتشه

ويتجاوز مستوى النظام ، ومن مثة يتوجب على اإلنسان أن يسمو إىل درجة الروح، خلدمة الشر

قوة اإلرادة اليت تنقاد للتوجيه السليم " وعليه فاملطلوب هو ، ئ الذي تغمره القوة احليوانيةالدني

.احليوانية العمياءو اليت تفضي إىل قيم العنف) 2(" ال إرادة القوة

ولكن قيمتها ترتد دوما إىل ، ليس هلا بذاا قيمة، ووهكذا فالقوة ليست بذاا غاية

فإذا كان املوضوع هو الالئق باإلنسان مبا هو ، الغرض الذي ختدمهقيمة املوضوع أو و طبيعة

كان معارضا ملاهية أما إذا، ممدوحةو كانت القوة املبذولة يف سبيل حتقيقه خيرة، إنسان

.مذمومةو كانت القوة شرا، قيمه اإلنسانيةو أو يتصادم، اإلنسان

ذ لو أنه أمعن يف حتليله ألدرك مجال إ، فتبدو غري مقبولة، دعوته للتحويل لكلي للقيم اأم

اإلنسان طبيعة، العاقلة اإلنسان لطبيعة تلك القيم اليت تستجيب كليا، الوداعةو التسامحو احللم

فتلك القيم العليا ال ، بل ألدرك عكس ما ذهب إليه متاما، كماهلاإىل دوما تتوق اليت الروحية

كظم الغيظ، واألناةو لعل قوة احللم، وعظمتهو هبقدر ما توحي بقوت، تنم عن ضعف من يأتيها

.العنف والقسوةو تفوق بكثري القوة اليت تبذل يف الغضب، العفوو

.98ص ، املرجع السابق، الربيع، ميمون .1 .املكانو املرجع نفسه .2

Page 180: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

166

.غري ، كره الضعفاءو األنانيةو الكربياءو بعد هذا لتمجيده القسوة غاوهكذا فال جند مسو

وال " نية اإلنسان ميكن أن نستنتج أن ما كان يدعوه القيم ليس غري غايات ال تشرف إنسا هأن

ونراه ينتمي إىل ، وهلذا فهو يهدم أكثر مما يبين حني يدعو إليها، ميجدها غري جمنون أو جمرم

هو يف النهاية ال يلغي ، والكفر بكل شيئ وحىت باحلياة اليت جعل منها أساس إميانه الفلسفي

لكن دون أن يكون يف ، )1(" الشر خريا، وفيعترب اخلري شرا، لكنه يغير عالماا فقط، والقيم

فكرا -ذلك أنه ليس يف إمكان اإلنسان الذي خلق ليتمثل القيم ، استطاعته أن يلغي القيم متاما

وليس له ، الشرو مبعزل عن اخلري، أو كما عبر نيتشه نفسه، أن يرتفع مبعزل عن القيم - واقعاو

.الشرو صل وجوده ثنائية اخلريبالتايل أن يتحرر كليا من عامله الذي وجد فكان يف أ

يفترض إدراك أن ، وحيث هو كذلك، وأنه مفكر، لقد غفل نيتشه عن حقيقة أنه إنسان

للغريزة احليوانية " االنقيادالغضب ليس يف جوهرها إال تعبريا عن و العنفو القوةو القسوة

وهذا هو ، نتقاماالأن الصفح أصعب من ، وعلى حني أن كظم الغيظ أصعب من إعالنه، اجلاحمة

بني مذهب ال يرى يف اإلنسان سوى أنه حيوان راق فيأخذ ، العقليةو اخلالف الدائم بني احلسية

، وبني مذهب يلحظ روحانية اإلنسان قبل حيوانيته...بأخالق الوثنية القائمة على اعتبار القوة

.)2(" احملبة و فريسم له أخالق العدالة

.99ص ، املرجع السابق، الربيع، ميمون .1 .391ص ، املرجع السابق، يوسف، كرم .2

Page 181: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

167

فال هو يقوم على معيار مقبول ، جمرد متييز عنصري، األقوياءو فاءكان متييز نيتشه بني الضعلقد

ذلك أن ، وال هو حياكي البصرية الثاقبة اليت طاملا أملح يف كتاباته بامتالكها، للسمو احلقيقي

بل الواقع يثبت أن الضعيف يف ، كما أن القوي ليس قويا مطلقا، الضعيف ليس ضعيفا مطلقا

كما أن القوي يف ميدان ما قد يكون ضعيفا يف ميدان ، جمال آخرجمال ما قد يكون قويا يف

األقوياء ؟و فكيف أمكن إذن لــ نيتشه التمييز بني الضعفاء، آخر

أما عن مقولة العود األبدي اليت اعترب نيتشه أنه أعاد اكتشافها من جديد ليثقل ا أرض

ا هي األخرى قد مل تسلم من النقد فيبدو أ، اإلنسان األعلى الذي خيلق ألواح القيم اجلديدة

" العلم املرح " ففي ، موقف نيتشه نفسه كان متناقضا حياهلا" ذلك أن ، الفلسفيو العلمي

ومن ناحية أخرى حتدث ، وعن كيفية حتملها، األمحال حتدث عن هذه الفكرة على أا أثقل

الذي حتققه هذه الفكرة ملنوعن الشعور املرح ، عن العود األبدي على أنه الفكرة املنتصرة

)1("يتحملوا

التراث الفلسفي الذي عجز" مدى على الفكرة يدل عن التعبري عن نيتشه عجز إن

، مرتبطا بوسائلها، ومع ذلك مل يزل مقيدا ا، فهو يريد أن يهدم امليتافيزيقا، يقف على أرضه

، دوما دون جدوىو لكن، مي هلاوألجل ذلك جند يذهب إىل حماولة اإلثبات العل، ومقوالا

الرغم من أن نيتشه قد حاول العثور على برهان علمي لفكرة العود " حيث يؤكد ياسربس أنه

فإذا قمنا ، إال أن الداللة العميقة للفكرة تكمن يف جانبها امليتافيزيقي وليس يف جانبها العلمي

.381ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1

Page 182: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

168

العلمي، ليس مصريها سوى اجلدل بتحليل الفكرة يف جانبها الفيزيقي وجدناها صورة من صور

.)1("اإلخفاء

إن ما ينبغي اإلشارة إليه بعد هذه احملاولة املتواضعة اليت استهدفت الوقوف على ما ميكن

ال حمالة أا تعزى ، ه من الفلسفة النيتشوية أن الثـغرات الفلسفية اليت خلفها نيتشهليالوقوف ع

ذلك أنه محل على عاتقه القيام مبهام جسام يتعذر على ، تشهاتساع احلقبة الزمنية اليت مسحها ني

، فقد كان نيتشه ضد أفالطون الذي وضع العامل املعقول املستقل" فيلسوف مبفرده القيام ا

ست للذات املفكرة وضدا للكانطية، الديكارتية اليت أسا ...كما كان مضادمضاد

نيتشه يف هذه سوف تعترب عمال كبريا خاصة ووضعيةوكل هذه املهام بالنسبة لفيل...للهيجلية

املعروف أن مآل هذه ، واحلالة تشبه وضعية احملارب على جبهات كثرية وقوية يف نفس الوقت

)2(" اجلنون و االزاماحلرب هو

، بعد فلم يأفل جنمها، م من كل النقد الذي وجـــه لفلسفة نيتشهغوعلى الر، لكن

إلشكاليات فلسفية عميقة حتتاج ملزيد من بارزة عناوين تشكل موضوعاا ال زالت إىل اليومو

لو اكم، ت حول نيتشهصرة اليت انصباوهكذا نلمس يف تنوع الدراسات املع، الدراسةو البحث

كما ، التوظيفو االستخداموسوء ، كانت إسهاما يف مراجعة فكر فيلسوف تعرض لسوء الفهم

.391ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .1 .300ص ، املرجع السابق، عبد الكرمي، عينات .2

Page 183: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الرؤية النقدية واآلفاق املستقبلية ثالثالفصل ال

169

ظلما ألفكارو إخضاع فلسفته قسرا، وإذ مت التجني عليه، بلمل يتعرض له فكر فيلسوف من ق

) 1(ربطت امسه بأكرب كارثة يف التاريخ احلديث –الفاشية و كالنازية –نظم سياسية و

فقد كانت أبعد ما تكون عن تلك التأويالت األيديولوجية ، أما حقيقة فلسفة نيتشه

وق إىل ـالتو أا فلسفة حب احلياة، شهإن أعمق ما ميكن أن نصف به فلسفة نيت، اخلاطئة

حب املصري " أعلى هلا " تتخذ مثال ، وتعلي من قيمة احلياة، فهي فلسفة نامية مع احلياة، مفاتنها

اإلنسان األخري أو القطيع أو العامل و وليست احلروب اليت أشعلها نيتشه على املسيحية، "

نيتشه أن وعلى هذا األساس كان لـ، )2(" مة احلياة يخفي من وراءه العلو بقي إال قناعا، اآلخر

املنطق( باللوغوس فحوهلا من اإلميان، حيدث انقالبا جذريا يف لوحة القيم الفكرية اإلنسانية

فكان ذلك هو العنوان األبرز ، )املزيد من احلياة إرادةو احلياة( إىل البيوس ) اجلدل العقلي و

.لفيلسوف احلياة بامتياز

.193ص ، املرجع السابق، عطيات، أبو السعود .1 .449ص ، املرجع السابق، صفاء، عبد السالم علي جعفر .2

Page 184: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

اخلـامتـة

Page 185: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

اخلـــامتـــة

171

، القيمة يف الفلسفة الغربية املعاصرةو بعد هذا التحليل املتواضع إلشكالية األنطولوجيا

لنا مجلة من النتائج اليت حنسب إىل حد ما أا ميزت تبين، اليت كان نيتشه حمور البحث فيهاو

املفكرين الكبار و سفةفكر فيلسوف اتخذ من النقد وسيلة لطرق مامل جيرؤ الكثري من الفال

من سرب أغوار فكان أن متكن به، ومن اجلينيالوجيا منهجا وأسلوبا يف التفكري جديد، طرقه

وما ، هذه األخرية اليت ناهلا من النقد مامل ينل غريها، امليتافيزيقيةو أعمق املشكالت الفلسفية

األسس و ها من املبادئشأا يف ذلك شأن غري، حتطيمهاو كان قصده إال تقويض أركاا

لتأيت النيتشوية ، مطلقيتهاو املفكرون بثبااو الفلسفية اليت طاملا آمن الفالسفةو الفكرية

تنفخ فيه روحا ، ولتوقظه من سباته العميق، كالصاعقة اليت ز أركان العقل البشري برمته

.فتغمره نشوة اإلرتقاء إىل أمسى درجة ميكن لإلنسانية بلوغها، جديدة

فإذا أردنا أن نلخص النيتشوية وجدنا أا فلسفة توحي بصورة فيلسوف كانت ، هكذا

ما أراد ، فكان أن عرضها على أا رسالة ووحي، جتربته مؤملة، ووثقافته رومانتيقية، نفسه قلقة

طاقاا اخلالقة و وكيف تؤمن بقدراا، من خالله إال أن يعلم اإلنسانية كيف تستكشف ذاا

لذلك راح نيتشه إىل إبداع مقولة إرادة القوة اليت هي حبسبه جوهر ، اإلنشاءو اإلبداععلى

، سره الذي تتفجر منه تلك الطاقات اإلنسانية اليت تؤهل اإلنسان إىل املهمة اخلالدةو الوجود

يشمل التدمري الذي يفترض أنو حيث تبدأ بعملية اهلدم، تلك املهمة اليت رأى نيتشه أا ثنائية

هو يف حقيقته ليس غري ، فكل ما اعتقدت البشرية أنه مقدس، آمن به اإلنسان قبال كل ما

Page 186: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

اخلـــامتـــة

172

أخريا صار أسريا ، وصدقهاو مث ما لبث أن آمن ا، صنعها العقل البشري، مصنوعات ومهية

؟السموو و أنى له العالء؟أن يثبت ذاته ه حينئذفأنى ل، هلا

حيث أنه وملا ، اخللقو وهي البناء، إىل املهمة التالية يذهب نيتشه، وعلى هذا األساس

كان اإلنسان قد أى عملية اهلدم فإنه سيشرع يف الوقت ذاته يف عملية البناء اليت تستهدف

تلك األلواح اليت تستجيب لوجود اإلنسان مبا هو الكائن املقوم ، خلق ألواح القيم اجلديدة

أما وقد مت ، باحلياة األرضية اليت كان ينفر منها فيما مضى ومبا هو كذلك فإنه سيتعلق، بإطالق

فما عاد لإلنسان غري وجود واحد ، يئ األرضية أللواح القيم اجلديدة اليت أصبحت متأل أرضه

ما عاد لقيمه اليت خلقها بنفسه غري مساء واحدة هي مساء اإلنسان ، وهو وجوده الذي حيياه

.اخلالق املبدع

اليت كان من نتائجها قلب ما كان يعتقد أنه ، وعملية القلب النيتشويوذا حتددت

نعين بذلك أن قلب القيم الذي جاء ، وكان أدىن هو األعلى ليصري ما، أعلى ليصبح هو األدىن

هي القيم العليا اليت تتيح لإلنسان أن يعلو ، اجلسدية، الغريزية، به نيتشه قد صير القيم األرضية

فال مكانة هلا يف النيتشوية إال من حيث ، املثلو الروحو أما قيم العقل، ن ذاتهحىت على اإلنسا

.ال تؤدي إال إىل السقوط يف العدمية هام كوا جمرد أو

كان فعال فيلسوف القيمة ، إن اخلالصة اليت ميكن إدراكها انطالقا مما سبق أن نيتشه

لو و واليت ميكن أن تعطي، ميكن الوصول إليهاأما املعادلة اليت، فيلسوف احلياة بامتياز، بإطالق

Page 187: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

اخلـــامتـــة

173

أن الوجود يساوي إجابة نسبية عن جوهر اإلشكالية اليت حاولنا حتليلها فتكمن يف اعتقاده

.القيمة

Page 188: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

174

:املراجع و قائمة املصادر

القرآن الكرمي

:قائمة املصادر. 1

):باللغة العربية .( 1 .1

، املغرب، إفريقيا الشرق، حممد الناجيو ان بورقيةترمجة حس، أفول االصنام، فريدريك، نيتشه .1

.1998، 1ط

الدار ، إفريقيا الشرق، حممد الناجيو ترمجة حسان بورقية، العلم املرحـــــــ، .2

).د ط ت ( ، البيضاء

.)د ط ت(، بريوت، منشورات اجلمل، ترمجة علي مصباح، هذا اإلنسان، ـــــــ .3

الدار ، إفريقيا الشرق، ترمجة حممد الناجي، 1ج، إنسان مفرط يف إنسانيته، ـــــــ .4

.1998) دط ( ، البيضاء

.)تد ط ( ، بريوت، دار الفارايب، ترمجة موسى وهبة، الشرو ما وراء اخلري، ـــــــ .5

، مطبعة جريدة البصري، ترمجة فليكس فارس، هكذا تكلم زرادشت، ـــــــ .6

.1938، )دط(، اإلسكندرية

، ترمجة علي مصباح، كيف نتعاطى الفلسفة قرعا باملطرقة غسق األوثان أو، ـــــــ .7

.2010، 1ط ، بريوت، منشورات اجلمل

Page 189: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

175

، اجلزائر، منشورات اإلختالف، ترمجة مجال مفرج، إرادة القوةو نيتشه، ـــــــ .8

.2010، 1ط

:باللغة الفرنسية .2. 1

1. Friedrich.Nietzche,Ainsi parlait zarathoustra ,traduit par henri

albert ,club géant ,mayenne ,1972.

2. Friedrich. Nietzsche, la volonté de puissance, tome I,traduit

par geneviève bianquis, éditions gallimard ,paris ,1995.

3. Friedrich. Nietzsche, les œuvre philosophique complets,

tome,XIV,trad,hennery N.R.F,Galimarf ,1977.

4. Friedrich. Nietzsche, par de la le bien et le mal, trad.d’henri

albert ,librairie générale françaises , (s.l ) 1991.

5. Friedrich.Nietzche ,L’antécrist , trad. dominique tassel, union

générale dédition ,1985.

Page 190: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

176

:قائمة املراجع . 2

:باللغة العربية . 1. 2

دط (، مصر، شركة اجلالل للطباعة، احلصاد الفلسفي للقرن العشرين، عطيات، سعودال أبو .1

).ت

.2012، 1ط، بريوت، دار الساقي، ما بعد احلداثةو النقد بني احلداثة، ابرهيم، احليدري .2

، النشرو دار الوفاء لدنيا الطباعة، األخالقو األحكام التقوميية يف اجلمال، رمضان، الصباغ .3

.1998، 1ط ، االسكندرية

، 1ط، اجلزائر، منشورات اإلختالف، أنطولوجيا اللغة عند مارتن هيدغر، أمحد، ابرهيم .4

2008.

.1984، 3ط، بريوت، الوطن العريب، تاريخ الوجودية يف الفكر البشري، سعيد، العشماوي .5

، 1ط، دمشق، النشرو الترمجةو دار طالس للدراسات، العمدة يف فلسفة القيم، عادل، العوا .6

1986.

، 1ط، بريوت، مركز دراسات الوحدة العربية، قضايا يف الفكر املعاصر، حممد عابد، اجلابري .7

1997.

.2004، 4ط، القاهرة، مكتبة مدبويل، الفردانية يف الفكر الفلسفي املعاصر، حسن، الكحالين .8

.1975، 5ط ، الكويت، وكالة املطبوعات، نيتشه، عبد الرمحن، بدوي .9

.1976، 2ط، الكويت، وكالة املطبوعات، األخالق النظرية ،عبد الرمحن، بدوي .10

Page 191: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

177

.1975، 1ط، الكويت، وكالة املطبوعات، مدخل جديد إىل الفلسفة، عبد الرمحن، بدوي .11

، النشرو دار الطليعة للطباعة، ترمجة جورج طربيشي، 7، 3تاريخ الفلسفة ج ، إميل، بريهييه .12

.1987، 1ط، بريوت

، التوزيعو النشرو املؤسسة اجلامعية للدراسات، ترمجة أسامة احلاج ،نيتشه مفتتا، بيري، بودو .13

.1996، 1ط ، بريوت

، 1ط، املغرب، دار توبقال للنشر، أسس الفكر الفلسفي املعاصر، عبد السالم، بنعبد العايل .14

1991.

املؤسسة اجلامعية للدراسات، تعريب أسامة احلاج –دراسة نقدية –التفكيكية ، زميا.ف.بيري .15

.1996، 1ط، بريوت، التوزيعو لنشراو

دار الثقافة للنشر، املوضوعيةو القيم يف اإلسالم بني الذاتية، صالح الدين، بيوين رسالن .16

.1990، )دط(، القاهرة، التوزيعو

، دار النهضة العربية، ترمجة متري أمني –كيف نفهم –أعالم الفلسفة ، هنري، توماس .17

.1964، )دط( ، القاهرة

مكتبة النهضة ، حممد عبد اهلادي أبو ريدة، ترمجة، تاريخ الفلسفة يف اإلسالم، دي مور.ج.ت .18

.)د ت (، 5ط، القاهرة، املصرية

النشرو دار التنوير للطباعة –مارتن هايدغر –املوجود و الوجود، سليمان، مجال حممد أمحد .19

.2009، )دط( بريوت ، التوزيعو

Page 192: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

178

ترمجة فؤاد ، وجورد إىل جون بول سارتراملذاهب الوجودية من كريك، رجييس، جوليفي .20

.1988، 1ط، بريوت، دار اآلداب، كامل

، التوزيعو النشرو املؤسسة اجلامعية للدراسات، يف الفكر الغريب املعاصر، حسن، حنفي .21

.4ط ، بريوت

.1980، 1ط، بريوت، النشرو دار الطليعة للطباعة، القيمةو الوجود، سامي، خرطبيل .22

النشرو املؤسسة اجلامعية للدراسات، ترمجة أسامة احلاج، الفلسفةو نيتشه، جيل، دولوز .23

.2001، 2ط، لبنان، التوزيعو

، التوزيعو النشرو املؤسسة اجلامعية للدراسات، تعريب أسامة احلاج، نيتشه، جيل، دولوز .24

.1998، 1ط ، بريوت

، املشعشع ترمجة فتح اهللا حممد، قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي، ول، ديورانت .25

.1988، 6ط ، بريوت، مكتبة املعارف

، الطباعةو عويدات للنشر، ترمجة عادل العوا، الفكر األخالقي املعاصر، جاكلني، روس .26

.2001، 1ط ، بريوت

اهليئة العامة لشؤون املطابع ، ترمجة إمام عبد الفتاح إمام، أقدم لك الفلسفة، دي، روبنسون .27

.2001) دط(، مصر، األمريية

دط ( القاهرة ، دار املطبوعات الدولية –رؤية نقدية –أعالم الفلسفة احلديثة ، زاهر ،رفقي .28

.)ت

Page 193: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

179

مطابع اهليئة املصرية العامة ، ترمجة حممد فتحي الشنيطي، تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند، رسل .29

.1977، )دط(، مصر، للكتاب

، القاهرة، النشرو الترمجةو مطبعة جلنة التأليف، قصة الفلسفة احلديثة، حممود، زكي جنيب .30

.1936، )دط(

، بريوت، النشرو دار التنوير للطباعة –مناذج نيتشوية –فلسفة القيم ، أمحد عبد احلليم، عطية .31

.2010، 1ط

.2010، 1ط، بريوت، دار الفارايب، جذور ما بعد احلداثةو نيتشه، أمحد عبد احلليم، عطية .32

دار الفكر العريب ، احلضارةو لعالقة بني اإلنسانجدلية ا –اإلنسان و الفلسفة، فيصل، عباس .33

.1996، 1ط، بريوت، النشرو للطباعة

.2010، 1ط ، اجلزائر، منشورات اإلختالف، اإلغريقو نيتشه، عبد الكرمي، عينات .34

، 1ط ، القاهرة، مكتبة النهضة املصرية، التأييدو امليتافيزيقا بني الرفض، سامية، عبد الرمحن .35

1993.

دار املعرفة ، الفلسفة يف الفكر اإلسالميو الصلة بني علم الكالم، سليمان، حسنعباس حممد .36

.1998، )دط(، بريوت، اجلامعية

، دار املعرفة اجلامعية، حماولة جديدة لقراءة فريدريك نيتشه، صفاء، عبد السالم علي جعفر .37

.1999، )دط(، السويس

.1998، 1ط، بريوت، النشرو ةدار الطليعة للطباع، التأويلو الفلسفة، نبيهة، قادة .38

Page 194: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

180

، )دط(، القاهرة، التوزيعو دار الثقافة للنشر، نظرية القيمة يف الفكر املعاصر، صالح، قنصوة .39

1987.

.2001، 1ط، بريوت، دار النهضة العربية، مدخل إىل الفلسفة، حممد، قاسم حممد .40

، 2ط، بريوت ،منشورات دار مكتبة اهلالل، سر الوجودو أصل اإلنسان، يامسينة، كيال .41

1986.

.1993، 1ط، بريوت، دار اجليل، أعالم الفكر الفلسفي املعاصر، فؤاد، كامل .42

)دط ت ( ، مصر، دار املعارف، تاريخ الفلسفة احلديثة، يوسف، كرم .43

املؤسسة العربية للدراسات، كامل يوسف حسني، ترمجة، الفلسفةو التراجيديا، ولتر، كوفمان .44

.1993، 1ط، بريوت، النشرو

، بريوت، املكتبة الشرقية، ترمجة جورج كتورة، أطلس الفلسفة، وآخرون، بيتر، كونزمان .45

.2007، 2ط

، القاهرة، الس األعلى للثقافة، ترمجة إمام عبد الفتاح إمام، نيتشه، جني كييت شني، لورانس .46

.2002، )دط(

ة كنوز احلكمة مؤسس، إشكالية تأسيس الدازاين يف أنطولوجيا مارتن هايدغر، فيصل، لكحل .47

.2011، 1ط، اجلزائر، التوزيعو للنشر

، )دط( ، القاهرة، التوزيعو النشرو الدار املصرية للطباعة، الفلسفة احلديثة، أمل، مربوك .48

2006.

Page 195: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

181

، منشورات اإلختالف –تغلغل النيتشوية يف الفكر العريب –التأويل و اإلرادة، مجال، مفرج .49

.2009، 1ط، اجلزائر

الفنونو الس الوطين للثقافة، ترمجة إمام عبد الفتاح إمام، وجوديةال، جون، ماكوري .50

.1982، )دط(، الكويت، اآلدابو

الشركة الوطنية للنشر، - املطلقية و بني النسبية–نظرية القيم يف الفكر املعاصر ، الربيع، ميمون .51

.1980، )دط(، اجلزائر، التوزيعو

–و آفاق التواصل األنطولوجي ...بواكري النشأة –مقدمات يف فلسفة القيم ، عبد اهللا، موسى .52

.2004، )دط(، وهران، التوزيعو دار الغرب للنشر

، )دط(، الرياض، دار املريخ للنشر، ترمجة صربي حممد حسن، التفكيكية، كريستوفر، نوريس .53

1989.

، )دط(، بريوت، التوزيعو النشرو دار التنوير للطباعة، فلسفة األخالق، ابرهيم، يسري .54

2007.

Page 196: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

182

:باللغة الفرنسية .2.2

1. Fink.Eugen,La philosophie de nietzsche ,traduit ,par

H.hilenbend et A.l’indenberg ,les éditions ,de minuit ,paris

1965.

2. Martin.hiedegger, tomeI, traduit par piere klosswski ,editions

gallimard.N.R.F.

3. Sara.kofman ,nietzsche et la scène philosophique , union

générale déditions ,paris , 1979.

:املوسوعات و املعاجم. 3

:املعاجم. 1. 3

:باللغة العربية .1.1. 3

، التوزيعو النشرو دار الفكر للطباعة، 5ج، لسان العرب، مجال الدين حممد، ابن منظور .1

.2008، 1ط، بريوت

، لبنان، مكتبة لبنان ناشرون، 2العلوم جو لحات الفنونكشاف مصط، حممد علي، التهانوي .2

.1996، 1ط

.1990، )دط(، بريوت، الدار الشرقية، املعجم الفلسفي، عبد املنعم، احلنفي .3

Page 197: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

183

.1980، )دط(، بريوت، دار الكتاب اللبناين، 1.2ج ، املعجم الفلسفي، مجيل، صليبا .4

.2009، 1ط، عمان، توزيعالو دار أسامة للنشر، املعجم الفلسفي، حسيبة، مصطفى .5

اهليئة العامة لشؤون املطابع ، تصدير ابرهيم مذكور، املعجم الفلسفي، جممع اللغة العربية .6

.1983، )دط(، مصر، األمريية

، )دط(، القاهرة، التوزيعو النشرو دار قباء احلديثة للطباعة، املعجم الفلسفي، مراد، وهبة .7

2007.

.1998، 2ط، اجلزائر، التوزيعو يزان للنشرامل، معجم الفلسفة، حممود، يعقويب .8

:باللغة الفرنسية . 2. 1. 3

1. Jaqueline.russ.Dictionnaire de philosophie , les concepts.le

philosophie.1850.citation.bordas.paris.1991.

2.

:املوسوعات . 2. 3

، بريوت، النشرو اساتاملؤسسة العربية للدر، 2. 1ج ، موسوعة الفلسفة، عبد الرمحن، بدوي .1

.1984، 1ط

منشورات ، تعريب خليل أمحد خليل.3. 2. 1ج ، موسوعة الالند الفلسفية، أندريه، الالند .2

.2001، 2ط، بريوت، عويدات

Page 198: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

184

:الرسائل اجلامعية . 4

، رسالة ماجستري، فلسفة القيمة أو من األلواح القدمية إىل األلواح اجلديدة، مجال، مفرج .1

نشرت حتت عنوان .( 1996، جامعة قسنطينة، معهد العلوم اإلجتماعية، ونإشراف الربيع ميم

.)2004، الدار البيضاء، دار إفريقيا الشرق" نيتشه الفيلسوف الثائر "

5 .الدوريات و التـا:

، بريوت، مركز اإلمناء القومي، جملة الفكر العريب املعاصر، اخلالصو الذات، كمال، البكاري .1

.1999، .109. 108العدد

مطبعة العمرانية ، جملة أوراق فلسفية، األخالقو نيتشه بني فلسفة التاريخ، علي حسني، اجلابري .2

.2000، العدد األول، القاهرة، لألوفست

، العدد األول، جملة أوراق فلسفية، نيتشه فيلسوف العلمانية األكرب، عبد الوهاب، املسريي .3

2000.

الدار ، دار النشر املغربية، جملة فكر ونقد، ديونيزوسعودة و أزمة احلداثة، حممد، معزوز .4

.1999، 21العدد ، البيضاء

Page 199: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

185

:رســهـالف

الصفحـة املـوضـوع

ط -أ .........................................................................املقدمة

56 -1 .....األنطولوجية الفصل األول الوجود و القيمة بني السؤال اجلينيالوجي والداللة

26 -2 .....................املبحث األول تارخيية الوجود أو األصل اجلينيالوجي للمفهوم

47 – 27 ........................املبحث الثاين تارخيية القيمة أو األصل اجلينيالوجي للمفهوم

56 – 48 ......................................املبحث الثالث القيمة و الداللة األنطولوجية

127 – 57 ....................................... الفصل الثاين أنطولوجيا القيمة عند نيتشه

78 – 58 .............................املبحث األول العدمية أو القيم بني األفول و اإلنبعاث

100 – 79 ...........األكسيولوجية و العمق األنطولوجي املبحث الثاين إرادة القوة بني األبعاد

115 – 101 ...............................املبحث الثالث العود األبدي أو شرعة القيم اجلديدة

127 – 116 .....................املبحث الرابع اإلنسان األعلى أو ألواح القيم بني اهلدم و البناء

169 – 128 ................................. الرؤية النقدية واآلفاق املستقبليةالفصل الثالث

151 – 129 ......................................املبحث األول تأثري نيتشه يف الفكر اإلنساين

159 – 152 ....................................املبحث الثاين تغلغل النيتشوية يف الفكر العريب

169 – 160 ...........................................املبحث الثالث نيتشه من منظور نقدي

173 – 170 ............................................................... اخلـاتـمــة

Page 200: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

186

184 – 174 .........................................................قائمة املصادر و املراجع

186 - 185 .......................................................................الفهرس

Page 201: ﺓﺮﺻﺎﻌﳌﺍ ﺔﻴﺑﺮﻐﻟﺍ ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﰲ … · ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ أ:ﺔـﻣﺪـﻘـﳌﺍ ﺔﻟﺄﺴﻣ ﰿﺎﻌﺗ ﱂ ﺎ ﺃ ﻙﺭﺪﻴﺳ

الملخص

إن المتأمل لفلسفة نتشھ یجد أنھا توحي بصورة فیلسوف كانت نفسھ قلقة وثقافتھ رومنطقیة وتجربتھ مؤلمة فما كان منھ إال أن عرضھا على أنھا رسالة ووحي،

، وكیف یؤمن ذاتھیستكشف كیف اإلنسانإال أن یعلم وما أراد من خاللھواالنشاء وانطالقا من ھدا كان رفضھ بقدراتھ وطاقاتھ الخالقة على االبداع

لمجمل التصورات الفلسفیة السابقة ، راجع لكن نفسھ كانت تتوق لرؤیة جدیدة للوجود وھو ما حاولنا الوقوف علیھ من خالل بحثنا إلشكالیة العالقة بین

.الوجود والقیمة

: الكلمات المفتاحیة

.ولوجیا؛ القیمة؛ العدمیة؛ العلو؛ نتشھالوجود؛ االبداع؛ الخلق؛ االرادة؛ القوة؛ االنط

2013نوفمبر 07نوقشت یوم