االجتهادوالتجديد

فصلية مختصة بقضـــايا االجتهاد والفقــهاإلسالمي

العدد الثالث والعشرون، السـنة السادسة،هـ1433م، 2012صيف

:شروط النشرترحب المجلة بمســاهمات البــاحثين

في مجاالت الفقه اإلسالمي وأصــوله،ــات ــال، ومراجع وعلم الحديث، والرج

الكتب، والمناقشات.يشـــترط في المـــادة المرســـلة أن

ــول البحث العلمي على ــ ــتزم بأص ــ تل مختلـــــــف المســـــــتويات: المنهج،ــة، التوثيــق، وأن ال تكــون قــد المنهجي نشرت أو أرسلت للنشر في كتــاب أو

دورية عربية أخرى.ــة ــادة المرســلة لمراجع تخضــع الم

هيئــة التحريــر، وال تعــاد إلى صــاحبها،نشرت أم لم تنشر.

يحــق لهيئــة التحريــر إعــادة صــياغة النصوص الــتي تــرد إليهــا إذا اقتضــت الضرورة ذلك، شرط أن ال يــؤدي إلى

اإلخالل بمقصود الكاتب.ــواد ــر الم ــادة نش ــق إع ــة ح للمجل

المنشورة منفصلة أو ضمن كتاب.

رئيـس التحـريرحيـدر حب الله

مدير التحريرمحمد عباس دهيني

المدير العام علي باقر الموسى

المدير المسؤولربيع سويدان

)الهيئة االستشارية (أبجديا

اجخرتنضيد وإpapyrus

تصميم الغالفIdea Creation

د. أحمد الريسوني

د. عبدالهادي

الفضلي

د. محمدخير قيرباش

أوغلو

د. محمد سليم

المغرب

السعودي

ة

تركيا

مصر

إيران

:المراســالتباسم رئيس التحرير

25 / 327لبنان ــ بيروت ــ ص. ب: www.nosos.net

info@nosos.netالبريد اإللكتروني

:التنفيذ الطباعي ومركز النشر

مؤسسة دلتا للطباعة والنشر، لبنان ـ بيروت، الحدث، قرب مستشفى السان تريز،

مفرق ملحمة كساب، خلف المركز الثقافي اللبناني،

بناية عبد الكريم وعطية، 009615464520تلفاكس:

deltapress@terra.net.lbالبريد اإللكتروني:

:وكالء التوزيع لبنان ـ شركة الناشرون لتوزيع الصــحف

والمطبوعات: بيروت، المشــرفية، مقابــل

.4وزارة العمل، سنتر فضل الله، ط

:(9611)277007/277088 هاتف+25/184ص. ب:

ــة ــركة العربي ــبريس( الش ــ )س ــرب ـ المغ

ــحافة: ــر والص ــع والنش ــة للتوزي اإلفريقي

زنقة سجلماسة.70الدار البيضاء،

مصر ـ مؤسسة األهرام: القــاهرة، شــارع

.الجالء

:5786100 هاتف683/13ص. ب:

.إيران ـ مكتبة الهاشمي: قم، كذرخان

:(98251)7743543 هاتف+ــاب«، قم، ــات »بوســتان كت ــتر تبليغ ودف

چهار راه شهدا.

:(98251)7742155 هاتف+

البحرين ـ شركة دار الوسط للنشر

.والتوزيع

فصلية مختصة بقضـــايا االجتهاد والفقــه اإلسالميتصدر عن مركز البحوث المعاصرة في بيروت

كلمة التحرير نقد المتن في التجربة اإلمامية

5.......................................................حيدر حب اللهدراسات

أصول الفقه وتطور فكرة العقالنية في المجال اإلسالمي11.....................................................زكي الميالدد.

قوانين الفهم االجتماعي للنص وجدلية صنع المنهج35.....................................أ. د. عبد األمير كاظم زاهد

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية40.......................................د. الشيخ حسن آقا نظري

شــرط اإليمــان المــذهبي في اســتحقاق الخمس والزكــاة، مطالعة فقهية استداللية56............................................الشيخ حيدر حب الله

التعاريف المنطقية ،آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه وتعريف أصول الفقه وموضوعه98..................................الشيخ ضياء الدين المحمودي

،قراءة جديدة للنص القرآنيإرث الزوجة من العقار135...........................................الشيخ خالد الغفوري

مناقشة لمقاالت السردرودي، التحريف في السيرة الحسينية في مجلة )نصوص معاصرة(

155.................................أ. مشتاق بن موسى اللواتي

القسم الثاني/أحكام الشعائر الحسينية 178..............................................الشيخ علي دهيني

قواعد التعامل مع أهــل الكتــاب، جولــة في معطيــات الكتــاب والسنة

220...........د. كاظم قاضي زاده / أ. جالل وهابي همابادي

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي239...........................................الشيخ أحمد عابديني

ــة في ضــوء ،فقه الغنــاء والموســيقى دراســة تأصــيلية تجديدي القسم الثاني/القرآن والسنة والمقاصد

248...............................................د. يحيى رضا جاد

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي287.........إبراهيم زارع أ. / محمد إبراهيم شمس ناتريد.

دراسة فقهية مقارنةسجن المدين ،313.............وشيگـعبدالجبار الزر أ. / د. محمد رضا آيتي

والية الفقيه في الفقه الشيعي333.............................البروفسور عبد العزيز ساشدينا

قراءات

مداخلة نقدية مــع ،والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي الكاتب عمران سميح نزال

345.................................الشيخ صفاء الدين الخزرجي

(**()نقد المتن في التجربة اإلمامية

حيدر حب الله

ــذ القــرون ــامي، ومن شــهد النشــاط الحــديثي الشــيعي اإلمـة ـ ـزت في النصــوص العقدي ـ األولى، حركــة في نقــد المتن، تركـة ــ ــوص الفقهي ــيرا في النصـ ــا كبـ ــهد رواجـ ـة، ولم تشـ ــ والتاريخيــة. وكــانت مدرســة قم القديمــة في القــرنين والشــرعية واألخالقيل أكــثر المــدارس نشــاطا في نقــد الثــالث والرابــع الهجــريين تمث المتن، من حيث تركيزهـــا على رفض نصـــوص الغلـــو، واتخاذهـــا مواقف حادة من الرواة الــذين ينقلــون الروايــات المشــتملة على

الغلو وأمثاله.ـة في ـة اإلمامي يا مع المدرسـة العقلي وظل هذا المشهد متجل النصف الثاني من القرن الرابع الهجري والنصف األول من القرن الخامس، وذلك مــع كــل من: الشــيخ المفيـد؛ والســيد المرتضــى؛ وابن الغضائري؛ وغيرهم. لكن سرعان ما تراجع حضور نقد المتن

هـ( ـ وعصره يمتــد لقــرن ونصــف460بعد عصر الشيخ الطوسي) بعــده ــ، لنشــهد بـدل ذلــك تركــيزا على نقــد الســند، انطالقـا من الكتب الرجالية، وكتب الجرح والتعــديل، الــتي تركهــا العلمــاء في

القرون الخمسة الهجرية األولى. ولم يحـــظ نقـــد المتن بنشـــاط قـــوي وفاعـــل في وســـط المحدثين، لكن الفقهاء واألصوليين كانوا األكثر نشاطا في مجــالــة. فـالتعرف على علم الحــديث عنـد الدرس الحديثي عنـد اإلمامي

خالصة البحث الذي ألقي في مؤتمر )نقد متن الحديث عند )*(*( المذاهب اإلسالمية( الدولي، والذي انعقد في مدينــة إســطنبول

م.2011 ـ 12 ـ 11في تركيا، بتاريخ

اإلمامية في مجــال نقــد المتن قـد يختلــف عنــه عنــد غــيرهم؛ ألن الكثير من الدراسات النقدية السندية والمتنية عندهم ظهــرت في في علم ثنايا كتبهم الفقهية واألصولية، أكثر من تصنيفهم مســتقالــع الحديث. وظل الوضع على هذه الحال حتى بدايات القــرن الرابــة في الحــديث عنــد عشر الهجري، حيث ظهرت االتجاهات النقدي اإلمامية، لتعيد النظر مرة جديدة في كتب الحديث ومرويات هــذه

الطائفة المسلمة. ا ولعــل هنــاك أســبابا عديــدة فرضــت مســيرا خاصــ

لحركة نقد المتن عند اإلمامية، وأهمها ما يلي: مســألة معارضــة الحــديث للقــرآن الكـريم. حيث كــانأوال:

ــه الموقف العام متشددا جدا في نقد الحديث انطالقــا من مخالفت للقرآن؛ ليس ألن اإلمامية يرفضون روايـات عــرض الحــديث على القرآن، بل على العكس، فهي عندهم بحسب رأيهم متــواترة في المعنى، بل ألن معارضة القرآن عندهم البد أن تكون بنحو التباين التام أو التباين الجزئي بالعام من وجــه عنــد بعضــهم، كــأن يقــول. ومن الواضــح أن هــذا ، فيما يقول القرآن: صــل الحديث: ال تصل النــوع من المعارضــة بهــذه الطريقــة والصــراحة يقــل تــوفره في

النصوص الحديثية. إال أننا شهدنا في نصف القرن األخير زحزحة مهمة ـ إماميا ـــات أكــبر في نقــد المتن على هذا الصعيد، تفتح األفق على إمكاني الحديثي انطالقا من مبدأ مخالفة القرآن العزيز، ذهب إليها السيد محمــد بــاقر الصــدر، وشــاركه في الفكــرة أمثــال: الســيد محمــدــؤالء أن ــبر ه حسين فضل الله؛ والسيد علي السيستاني. فقد اعت مخالفة القرآن تعني أيضا مخالفة الروح العامة لــه، ومــا ال يكــون

له شبيه أو نظير فيه.ــة العالمــة محمــد حســين ومن باب المثــال على ذلــك: نظري

فضل الله في صفات األنبياء واألئمة وكماالتهم، هذه القضية التيــر الكالمي ــ ـة في الفك ــ ـ ــالم العقدي ــ ــدة من أهم المع ــ ل واح تمثة. لقــد رفض العالمــة فضــل اللــه اإلسالمي عامة، واإلمامي خاصــ النظريات اإلمامية التي تقول بأن األنبياء واألئمــة من أهــل الــبيت يعلمون الغيب، وأنهم واسطة في الفيض اإللهي، وأن لهم الواليــةــديرون شــؤون الكــون كلــه، وأن ــالم، بحيث ي ــة على الع التكويني اإلمامة جزء من نظام العالم الوجودي، وليس فقط جزءا من بنية الحياة اإلنسانية في إطارها التنظيمي والديني، وأن اإلمامة باطن النبوة، وأنهم تعبير آخــر عن صــورة اإلنســان الكامــل في عرفــان محيى الدين ابن عربي، ذلــك اإلنســان الــذي يحظى بــالوجود فيــوتي تمام النشآت... لقد رفض فضل الله بشدة فكرة البعد الناس والالهوتي في شخصيات األنبيــاء واألئمــة، معتــبرا ذلــك شــكال من

أشكال الغلو، الذي وقعت فيه الشيعة والصوفية على السواء. وال يهمنا هنا تحليل نظرية فضل اللــه، وهــل هي صــحيحة أمــة في مجــال ال؟ بقدر ما يعنينا تحليلها من زاويــة الصــناعة الحديثي النقد المتني. فغالبا ما لم يأت العالمة فضــل اللــه على الروايــات واألحاديث المروية في الكتب اإلمامية في هذا الموضوع ليناقشهاــا على أســاس خذ موقفه النقدي منه من الزاوية السندية، وإنما ات معارضــتها للقــرآن، لكن ال ألن القــرآن الكــريم فيــه آيــة تنفي بصراحة ـ ووفق نظرية التباين الكلي ـ فكــرة اإلنســان الكامــل أو الواسطة في الفيض، بــل ألن الصــورة العامــة الــتي يرســمها لنــا القرآن الكريم في عشــرات من اآليــات عن األنبيــاء واألوليــاء هي صورة اإلنسان البشري الذي يعيش حياة بشرية، وال يعلم أســرار كل شيء، وأنه قد يشرف على الوقوع في المعصية. فالقرآن لم يقدم األنبياء علال تكوينية للوجود بقدر ما قدمهم رجاال من البشر،ــة لالنبعــاث لهدايــة ــة والروحي دفعتهم كمــاالتهم اإلنســانية والخلقي

البشر كلهم. إن هذه الصورة العامــة لألنبيــاء في القــرآن شــكلتــة أهم مستمسك للسيد فضل الله في نقد مجمل الصورة الالهوتي عن األنبياء واألئمة في العقــل الشــيعي الكالمي. وهــذا الموضــوع يرجع بالتحليل إلى تصوراته عن مسألة معارضــة القــرآن الكــريم،

ومديات تفعيل نقد المتن وفق النظرية الجديدة فيها.ــريم إنني أعتقد أن هذا المفهوم الجديد لمعارضة القرآن الك هو األصح، وهــو الــذي يــوفر المجــال لنقــد متن الحــديث بطريقــة

علمية متوازنة، بصرف النظر عن صحة هذا التطبيق أو ذاك. وإلى جــانب مســألة معارضــة القــرآن، كــانت هنــاكثانيــا:

نظرية التقية. حيث ال ينبغي االستهانة بحجم التأثيرات التي تتركها نظرية التقية عند اإلمامية في موضوع نقد المتن؛ إذ يذهب الكثير جدا من الشيعة إلى أن أئمــة أهــل الــبيت النبــوي عاشــوا ظروفــا صعبة في العصرين األموي والعباسي، وأن هذه الظروف فرضتـة امتــدت في التصــور ـ ـة. لكن هــذه التقي ـ عليهم ممارســة التقي اإلمامي إلى أن يصدر أهل البيت في كثير من األحيــان تشــريعاتنوا أحكام الدين بطريقـة غـير صـحيحة، وال مطابقــة للواقـع؛ أو يبي وذلــك بهــدف رفـع التهمــة عنهم، أو حمايـة أنفســهم وجماعـاتهم. وهذا معناه أنه قد يصدر عن أهل البيت ما هو على خالف الواقع ـــة يرونهــا. وهــذا مع علمهم بأنه على خالف الواقع ـ لمصــالح زمنيد مخالفــة الحــديث للواقـع أو العقــل أو غــير ذلــك ال يعني أن مجرــة. األمــر الــذي يسمح بتكذيب الراوي؛ الحتمــال صــدور الخــبر تقي يدفعنا إلى تصحيح صدور الخــبر، وفي نفس الــوقت عــدم العمــل بمضمونه. وهو ما يعيق في بعض األحيان عند اإلمامية بالخصوص ادعاء وضع الحديث؛ ألن الراوي هنا لم يضع الحــديث، بــل اإلمــامــة. قاله حقا، غير أنه لم يكن يريــد مضــمونه، بــل اضــطر إليــه تقيــة في الموضــوعات، كمــا فعــل أهــل وربمــا لهــذا لم يكتب اإلمامي

ــد ــاء الوضــع، رغم أنهم ق ــعب عليهم ادع ــان من الص ــنة، وك الســة ـــ ال ــة، والــتي ـــ أي التقي يردون الرواية بأنها صدرت بنحــو التقي تقف بالمناسبة عند اإلمامية على التقية من السلطان، بل تشــملــة في اختالف التقية من الــرأي العــام أيضــا. ولهــذا ال يجــد اإلماميــرواة، وتضــعيف النصــوص ــدهم ضــرورة لتكــذيب ال الحــديث عن وأســانيدها؛ ألن كثــيرا من أســباب هــذا االختالف عنــدهم ال يعــود لوضع الحــديث، بــل لظــروف صــدور الحــديث. هــذا ولي شخصــياــة الــتي اختارهــا موقــف متحفظ من بعض امتــدادات هــذه النظري

جمهور اإلمامية.ــة في نقــد المتنثالثا: رة عنــد اإلمامي القضية األخرى المؤث

هي مسألة دور األئمة في التشــريع. حيث حصــل انقســام عنــدهم في هذا الموضوع، ففيما أيده جماعة رفضــه آخــرون. وتبعــا لهــذا

،|االنقسام إذا جاء حديث عن أهل البيت، دون أن يسند إلى النبي وكان مضمونه مما يبعد جدا أن يكون قد طرح في العصر النبوي، فإن قلنــا بحــق أهــل الــبيت في التشــريع، ويكــون تشــريعهم هــذاــق كتشريع النبي، لم يعد يمكن نقد هذا الحديث؛ لكن لو رفضنا ح التشريع لهم فإنه إما أن نرد هذا الحديث؛ أو يتم تأويلــه بــافتراضد حكم إداري زمني تدبيري صــدر منهم بوصــفهم مــديرين أنه مجر للجماعة المؤمنة الموالية لهم، تمامــا كبعض األحكــام الســلطانية الزمنية، التي ال تملك بعدا تشريعيا في أصل الدين. وهذا يعني أن الموقــف من حــق التشــريع يــترك تــأثيره الكبــير على فهم جملــةــر وافرة من النصوص التي ال يعقل أن تكون قد صدرت في العص

النبوي. وقد بحثت في موضــوع حــق التشــريع )راجــع كتــابي: حجيــة

ن569 ـ 517السنة في الفكر اإلسالمي، قــراءة وتقــويم: (، وتــبي لي أنه وفق األصول اإلمامية ال يوجد دليــل على حــق أهــل الــبيت

ــة. وقــد وافقت في التشريع المســتقل عن القــرآن والســنة النبوي في ذلك بعض العلمــاء الكبــار، مثــل: الســيد محمــد بــاقر الصــدر؛ــة؛ وغــيرهم. ولعلــه والسيد الكلبايكاني؛ والشيخ محمد جــواد مغني من هنا ذهب بعض علماء الشــيعة المتــأخرين إلى تفســير مســألة الخمس في أرباح المكاسب في الفقه اإلمامي بأنه ليس تشــريعا

كمــا كــان يجــبي| موجــودا في أصــل الــدين، وإال لجبــاه الرســول الزكاة، وإنما هو ضريبة فرضــها األئمــة على مــواليهم؛ ألجــل دعم بعضهم بعضا، بعــد أن كــانت الســلطات الرســمية تســتبعدهم منــواقفهم ــال المســلمين؛ بســبب م ــوات وبيت م ــات والزك األعطي

السياسية، مما يضعهم في وضع معيشي صعب.رة في موضــوع نقــدرابعا: العنصر اآلخر من العناصر المــؤث

ــريم، المتن في منظومة التفكير اإلمامي نظرية بطون القرآن الكهم الشــيعة ــل يت ــاء الشــيعة، ب ــير من علم ــا الكث ــل إليه ــتي يمي الـة بغيـة تمريـر عقائـدهم بعيــدا عن القــوانين بالترويج لهذه النظريــة. وال نريــد أن ننــاقش في هــذا الصارمة لظواهر الدالالت اللفظيــه ليس موضــوع بحثنــا، لكن مــا نريــد التأكيــد عليــه أن االتهام؛ ألن نظرية البطون لعبت دورا نسبيا في تراجــع حركــة نقــد المتن في

التراث اإلمامي، وال سيما في القرون الخمسة األخيرة.ــة أخــرى لعبت ــة كــانت هنــاك نظري وإلى جانب هــذه النظريــيعة، دون ــاريين الش ــد األخب ــا عن ــهدت رواج ــه، وش ــدور نفس ال أصولييهم، ومــا زال لهــا حضــور في العصــر الــراهن، ولــو بشــكل ضعيف، وهي النظرية الــتي تقــول بــأن فهم القــرآن الكــريم أمــرــز، وأن ــاب العزي خاص بأهل البيت، وأنهم الذين خوطبوا بهذا الكتــة أي تفسير للقــرآن البــد أن ينطلــق من نصوصــهم، وأن المرجعي المعرفية في التفسير هي سنة أهل البيت، ال االجتهاد الشخصــي، وال أقل من أن الكثير من ألوان االجتهــاد الشخصــي في التفســير

يغدو محظورا وفقا لهذه النظرية.ــتين، أو كــل واحــدة منهمــا على إذا أخذنا التقاء هاتين النظريــد المتن؛ ــة نق حدة، سنجد لها تأثيرا في تعطيل بعض أشكال حرك ألن نظرية البطون بمعناها السائد تفــرض ــ في أكــثر من تفســير لها ـ وجود منطقة معتمــة من النص ال يصــح التعامــل معهــا وفقــاــا، ومن ثم فــأي نص ــا الظــاهري لمفــردات اللغــة وتراكيبه لفهمن حديثي يقــوم بتفســير نص قــرآني أو بمحاكــاة موضــوعه بطريقــةــه من الممكن أن يكــون قــد المس ــة... ال يمكن رفضــه؛ ألن غريبــة ــة الظاهري بطون القرآن، التي ال دراية لنا بهــا؛ ألن اللغــة العربي ليست هي المعيار النهائي ـ وفقا لنظرية البطــون الســائدة ـــ في

فهم القرآن الكريم.ــة بطــون القــرآن بالنســبة لي شخصــيا فــإنني ال أنفي نظري

ـ365:ــ 3)راجع كتابي: دراسات في الفقــه اإلســالمي المعاصــر ــة، بحيث429 ــني أشــرطها بــأن تمــر عــبر الظــواهر اللفظي (، لكن

ـة يكون هناك تناسب ما بين الظاهر والباطن، أمـا لـو فتحنـا نظري البطون بالطريقة السائدة فإنه لن يمكن التكهن بحــال أي حــديث

أو رفضه بحجة منافاته لظواهر اللغة األولية. واألمر يغدو أوضح لو دخلنا على خط اختصــاص فهم القــرآن

؛ ففي هذه الحال ال يبدو من اليسير االحتكام^الكريم بأهل البيتــروض أن ــديثي؛ ألن المف ــد المتن الح ــرآني في نق إلى النص الق

النص القرآني لم يعد فهمه بأيدينا حتى نحاكم الحديث وفقه.ــ إذا لم ــ البطــون واالختصــاص ـ ــات ـ ــذه النظري ــل ه إن مثــة نقــد ــيرا جــدا إمكاني ــق كث تنضــبط لقواعــد صــارمة ســوف تعي الروايات الكالمية والتاريخية والقصصية والتفســيرية، وســتحد من قدرة الباحث اإلسالمي على االحتكام إلى مرجعية القرآن الكــريم

في ممارسة نقد متني للحديث.

ــة تحتــاج إلى تــأمين إنني أعتقد أن نقد المتن الحــديثي عملي أصول لها، وتوفير مناخ مناسب لنموها، كمرجعية القرآن، وإمكانــة فهمه، وغير ذلك. والجميع مــدعو للنظــر في منظومتــه العقائديــو ــة الج ــذه المنظوم ــوفر ه ــل ت ــيرى ه ـة، ل ـ ـة والفكري ـ والتاريخي المناســب لنشــاط فاعــل في نقــد المتن أم ال؟ وأعتقــد أن هــذه الدعوة ال تقف عند حدود المذهب اإلمـامي، بـل هي تطـال سـائر المذاهب، التي لم نتعرض لهــا في هــذه الوريقــات؛ لخروجهــا عن

محل البحث.

أصول الفقه وتطور فكرة العقالنية في المجال اإلسالمي

*(*()د. زكي الميالد

ـ أصول الفقه والمقوالت العقلية1ــة وردت وتــواترت في أصول الفقــه عنــد المســلمين اإلمامي العديد من المقوالت التي تلفت االنتبــاه بشــدة إلى فكــرة العقــل والعقالنية، ولم تكن هذه المقوالت مجرد مقوالت عادية أو عــابرة أو هامشية، كما لم تكن مجرد مقوالت بسيطة أو ضعيفة أو باهتة من جهة المعنى والمحتوى والمضمون، بل كانت مقــوالت تتصــف

باحث إسالمي بارز، ورئيس تحرير مجلة الكلمة، له العديد )*(*(من الكتابات الفكرية القيمة، من المملكة العربية السعودية.

ــة والتـأثير، رجــع إليهــا، وتوقف ــة والفاعلي بدرجة عاليـة من األهمي عندها، ونظر فيها، كل الذين درسوا وبحثوا وكتبــوا في هــذا الفن،

من علماء األصول، ومن الباحثين والمشتغلين بهذا الحقل.ــاء العقالء أو ــة بن ــتي نقصــدها مقول ومن هــذه المقــوالت الــة والمســتقالت غــير السيرة العقالئية، ومقولة المســتقالت العقلي العقلية، ومقولة ما حكم بــه العقــل حكم بــه الشــرع، ومقولــة أن الشارع سيد العقالء ورئيســهم، إلى مقولــة أن العقــل دليــل رابــع

إلى جانب الكتاب والسنة واإلجماع. والمالحــظ أن هــذه المقــوالت قــد جــرت صــياغتها بطريقــةــة واللســانية، وبشــكل يكســبها تلفت االنتبــاه إلى تراكيبهــا اللغوي مزيدا من العناية واالهتمام، وجاءت متناغمــة مــع طريقــة صــياغةــة صــفت بدرجــة عاليــة من الدق أصــول الفقــه، الصــياغة الــتي ات والضبط واإلحكام. وعدت هذه واحدة من أبرز ســمات هــذا الفن،ــه الذي حافظ على تخصصه وتماسكه، وبقي بعيدا عن الخوض فيــرج ــرف اله ــل االختصــاص، ولم يع ــارج أه ــة وتصــنيفا من خ كتاب

والمرج، أو التطفل والعبث.سم عادة بالتماسك واإلحكــام، لهذا فإن مقوالت هذا الفن تتسمت هذه المقــوالت ومنها تلك المقوالت التي أشرنا إليها. كما ات أيضا بالتراكم والثراء في حقلها الداللي، وظلت تســتقطب النظــرـة، ـ والنقــاش باســتمرار، ومــا زالت تحافــظ على هــذه الدينامي

وستظل تحافظ عليها بحكم طبيعتها ونوعيتها. وأهمية هذه المقوالت وقيمتهــا، ومصــدر حيويتهــا وفعاليتهــا،صلة بجميع أبواب وأقســام أصــول الفقــه، يكمن في أنها جاءت متــاحث ــل، إلى مب ــذا الحق ــاظ في أول أقســام ه ــاحث األلف من مبــة، ومبــاحث التعادل والتراجيح في آخره، مــرورا بالمبــاحث العقلي الحجة، ومباحث األصول العملية، وذلك حســب التقســيم الحــديث

الذي اعتمده الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه الشهير )أصــولالفقه(.

ــة وفي كــل هــذه األبــواب واألقســام كــانت المقــوالت العقليرة بحســب القضــايا والموضــوعات، ومحفزة على ــؤث حاضــرة ومهة إلى العقل دليال تارة، وقاعدة تارة أخرى، النظر والنقاش، ومنب وكاشــفة عن المــدى الواســع لخطــاب العقــل في أصــول الفقــه،

ل البنية األساسية لهذا الفن. الخطاب الذي يكاد يشك فالوسائل الرئيسية الــتي ينبغي لعلم األصــول أن يســتخدمهاــيتين، مردها في نظر السيد محمد باقر الصدر إلى وسيلتين رئيســنة(؛ واإلدراك العقلي. فال ــاب والس ــرعي )الكت ــان الش ــا: البي همــة االســتنباط، تكتسب أي قضية طابع العنصر المشــترك في عمليــة، إال إذا أمكن إثباتهــا بإحــدى هــاتين وال يجوز إسهامها في العملي

.(1)الوسيلتين الرئيستينــائل علم ــيم مس ــري تقس ــى مطه ــيخ مرتض وحين أراد الشمها إلى قســـمين: قســـم األصـــول األصـــول بشـــكل عـــام قســـــده االستنباطية؛ وقسم األصول العملية. واألصول االســتنباطية عن على قســمين: القســم النقلي، ويشــمل كــل المبــاحث المرتبطــةــه بالكتاب والسنة واإلجماع؛ والقسم العقلي، المرتبط حسب قول

.(2)صرفا بالعقل وأوسع من ذلك ما أشار إليه الدكتور عبــد الهــادي الفضــلي، عند بحثه عن مصدر أصول الفقه؛ إذ توصل إلى أن مصدر أصــول الفقه هو العقل، ويراد به هنا ســيرة العقالء، وإلى هــذه الســيرة ـــة الــتي حسب قول الدكتور الفضلي ـ ترجع كل المــدركات العقلي يذكرها األصــوليون في أبــواب األصــول، وإن مــا ورد في نصــوص شرعية )آيات أو روايات( في قضــايا األصــول هــو إقــرار وإمضــاء

.(3)للسيرة العقالئية

والجدير باإلشــارة أن هــذه المقــوالت المــذكورة إنمــا وردتــة، وعــرفت وتــواترت في كتب ودراســات علمــاء األصــول اإلمامي وغابت ولم ترد وتعرف في كتب ودراسات علماء األصول الســنة.عا عادة، وإذا وردت عندهم فالحديث عنها ال يكون إال طارئا ومتفر أو بقصد محاججتها والتشكيك فيها غالبا. ومن هنا جاء التركيز في

هذا الموضوع على المدرسة اإلسالمية اإلمامية.

ـ العقل دليال2 تطور الفكر العلمي األصولي عند علماء اإلمامية إلى مرحلة جــرى فيهــا اعتبــار العقــل دليال رابعــا إلى جــانب الكتــاب والســنةــادر واإلجماع، وهي المصادر التي باتت تعرف عند األصوليين بمص

األدلة، أو مباحث الحجة، أو أدلة األحكام، أو األدلة األربعة.ــوهره، ــة لب علم األصــول وج ــذه المصــادر األربع ل ه وتمثصــل بهــا، جميــع المســائل والقضــايا األصــولية ع عنهــا، وتت وتتفــر

األخرى، في كل أقسام وأبواب أصول الفقه.ــر العلمي ــور الفك ــاريخ تط ــور األهم في ت ــذا التط ــد ه ويعــاييس، ولم األصولي عند اإلمامية، ولم يكن تطورا عاديا بكل المق يكن سهال على اإلطالق، وال ينبغي المرور عليه من دون االلتفــاتــاده إليه، والتوقف عنده مليا، والتمعن فيه عميقا، والتبصر في أبعــة ــة األهمي وخلفياته ونتائجه؛ وذلك ألنه يكشف عن موقف في غاي تجــاه العقــل، يحصــل ألول مــرة بهــذا النمــط في تــاريخ الثقافــة

اإلسالمية. ولشدة أهمية هذا التطور فقــد أصــبح فيمــا بعــد يلفت انتبـاهدها بهذا الموقف، الناظرين إليه من خارج المدرسة اإلمامية؛ لتفرصــل بالعقــل تحديــدا، العقــل الــذي طالمــا كــان ســاحة ولكونــه يتــة في تــاريخ تطــور ــة عنيفــة بين المــدارس الكالمي لمعــارك فكري

الثقافة اإلسالمية. ومن الذين لفتهم هــذا االنتبــاه الكــاتب الفلســطيني الــدكتورــه ــان، الــذي كــان يعمــل في العــراق، وحين أتيحت ل رشــدي عليــة في أصــول الفقــه لفت فرصــة االطالع على عيــون كتب اإلمامي انتباهه بقوة وعنف ـــ حســب قولــه ـــ جعلهم العقــل أحــد مــدارك األحكام الشرعية في مقابل الكتاب والسنة واإلجمــاع، ووجــد في هذه المسألة موضوعا يستحق البحث، فوقع اختياره عليــه ليكــون موضوعا لرسالته في الدكتوراه، ولم يكن بحاجة ـ حســب قولــه ـ لكي يجهد نفسه في البحث عن موضوع آخر، بعد أن وجد ضــالته

.(4)في هذا الموضوع ومضى الدكتور عليان في طريقه، وأنجز هذه الرســالة ســنة

م، وناقشها في كلية الشريعة والقــانون في جامعــة األزهــر1970ــاهرة ســنة ــد1971في الق ــل عن ــل العق ــوان )دلي ــانت بعن م، وك

الشيعة اإلمامية: بحث موضوعي للدليل الرابــع من أدلــة األحكــامــة الشرعية، مقارنا بآراء المذاهب اإلسالمية(، ونال عليهــا من لجن

ــنة م1973التحكيم بعد المناقشة، مرتبة الشرف األولى، وفي سصدرت في كتاب في بغداد، قدم له السيد محمد تقي الحكيم.

ــة في دراســة دليــل وتعد هذه الرسالة أوسع محاولة أكاديمي العقل عند الشيعة اإلمامية، وقد بذل فيها البــاحث جهــدا واضــحا،ــد، مــع علمــه ســلفا أن الموضــوع شــاق، وبحاجــة إلى جهــد جهي وأشفق عليه ـ حسب قوله ـ معظم الذين رجع إليهم في مناقشة

الموضوع من الفريقين.ــة فعلماء اإلمامية الــذين قصــدهم في مدينــة النجــف العراقيــعب على أشفقوا عليه ألن الموضوع من القوة والمتانة بحيث يصــة اإللمــام بكــل جوانبــه، واإلحاطــة من هــو خــارج مدرســة اإلماميــان بجميع أبعاده؛ وأشفق عليه علماء األزهر في القاهرة، الذين ك

في تقديرهم أن الفكرة جميلة جدا، لكن هناك الكثير والكثير جــداز من العقبات والصعاب، ما يمكن أن يحــول دون إخراجهــا إلى حي الوجود، فــزاده هــذا اإلشــفاق من الطــرفين عزمــا على المضــي،ــوب متن ــرارا على ركـ ــك إصـ ــزادني ذلـ ــه: »فـ ــب عبارتـ وحسـ

.(5)الخطر«ـان عمال يســتحق التنويــه ـ وفي النهايــة أنجــز الــدكتور عليل مصــدرا مهمــا في مجالــه، ومــا زال يحتفــظ والتقدير، وبات يمث

بهذه السمة إلى اليوم؛ نتيجة ندرة الكتابات في هذا الشأن. وأما لجنة التحكيم فقد اعتبرت أن موضــوع الرســالة خطــيرــه لم يكتب عنــه أحــد من المحــدثين المعاصــرين كتابــة للغاية، وأن

.(6)مستقلة أو جيدة أو جامعة وهذه اللجنة كــانت مكونــة من ثالثــة أشــخاص، هم: الــدكتور أحمد فهمي أبــو ســنة )مشــرفا(، والــدكتور محمــد علي الســايس

)مناقشا(، والدكتور عبد الغني عبد الخالق )مناقشا أيضا(. والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: كيف حصل هــذا التطــور عند علماء اإلمامية، بالشكل الذي أوصلهم إلى جعــل العقــل دليال رابعا، وليكــون في هــذه المرتبــة المتقدمــة في مجــال االســتنباط

والبحث األصولي، إلى جانب الكتاب والسنة واإلجماع؟ل إلى عنــد النظــر في هــذا الســؤال الجــوهري يمكن التوصــقة، تقترب بصــورة من الصــور من اإلجابــة عنــه. ثالثة أقوال متفر

وهذه األقوال الثالثة هي: أشار إلى هذا القول الشيخ محمد أبو زهــرةالقول األول:

في كتابه )أصــول الفقــه(. فحين تســاءل: هــل للعقــل موضـع من األحكام الشــرعية؟ وهــل المكلف مــأخوذ بمــا يقضــي بــه العقــل، بجوار ما يقضي الشرع؟ أجاب الشيخ أبو زهرة بالقول: »لقد قال الشيعة من علماء المســلمين أن العقــل مصــدر فقهي في مــا لم

فــون الســنة بمعــنى أوســع، يرد بــه كتــاب أو ســنة، على أنهم يعرــة ولكن اعتباره مصدرا من مصــادر الفقــه اإلســالمي عنــد اإلماميــا على أساس من الشرع، فبإذن منه جعل لهم الحق في األخذ بم

.(7)يشير إليه العقل« وفي نظر الشيخ أبــو زهــرة أن أســاس الخالف بين الشــيعةــدم ــل دليال حيث ال نص وع ــار العق ــلمين في اعتب ــور المس وجمه

اعتباره دليال هو الخالف في مسألة التحسين العقلي.ــد ومن هذه الجهة يصل الشيخ أبو زهرة إلى القول الذي نري االلتفات إليه، والتوقف عنده؛ إذ أرجع أبو زهرة اعتبار العقل دليال عند الشيعة اإلمامية إلى تأثير اتباع منهج المعتزلة، وحسب قوله:ــد، ــة في العقائ ــة؛ ألنهم ينهجــون منهج المعتزل »فالشــيعة اإلمامي اعتــبروا العقــل مصــدرا من النصــوص، وجمهــور الفقهــاء؛ حيث ال

.(8)ينهجون منهج المعتزلة، لم يعتبروه أصال«ــول الشــيخ مرتضــىالقــول الثــاني: ــذا الق أشــار إلى ه

مطهــري، الــذي يــرى أن هــذا التطــور الــذي حصــل عنــد الشــيعةــة الســعي اإلمامية في اعتبار العقل دليال رابعا إنما جاء على خلفي نحو إظهار التناغم واالنســجام مــع جماعــة المســلمين. فقــد قــال هؤالء: إن أدلة األحكام الشرعية أربعة، وبتأثير االنســجام مــع هــذا الموقف حاول علماء اإلمامية تربيع أدلة أحكام أيضا، فقالوا بدليل العقــل؛ ليكــون بــدال عن دليــل القيــاس عنــد جمهــور المســلمين

السنة. وحسب قول الشيخ مطهري: »إن علماء الشيعة كانوا دائمــا يســـعون إلى الـــتزام جـــانب الوحـــدة واالتفـــاق في األســـلوب، واالنسجام مع جماعة المسلمين. ومن ذلــك مثال: أن أهــل الســنةلونه منزلة تقرب من القيــاس، من حيث يرون اإلجماع حجة، وينز األصالة والموضوعية؛ والشيعة ال يقبلونه كذلك، بل يقبلونه بشكل

هم في سبيل الوحــدة، واتفـاق األسـلوب، أطلقــوا اسـم آخر، ولكن اإلجمــاع على مــا يقبلونــه. فالشــيعة كــانوا قــد قــالوا: إن األدلــة الشــرعية أربعـة: الكتـاب والســنة واإلجمـاع والعقــل، أي اعتـبروا

.(9)العقل بدال من القياس« أشــار إلى هــذا القــول الشــيخ محمــد رضــاالقول الثالث:

مــا ومهمــا لتطــور مفهــوم ــا قي المظفر، الــذي قــدم شــرحا تاريخيـة. ويفهم من كالمـه أن العقل في الدراسات األصولية عند اإلمامي هذا التطور وتراكمه التاريخي هــو الــذي أســهم في تجليــة وتنقيح دليل العقل، بالشكل الــذي يكــون دليال شــرعيا رابعــا عنــد علمــاء

اإلمامية المتقدمين. وحسب شرحه التاريخي يــرى الشــيخ المظفر أن أقــدم نصــا وجده في اإلشارة إلى دليل العقل في دراسات األصوليين هو م

هــ( في رسـالته األصـولية الــتي نقلهــا413ذكــره الشــيخ المفيـد) الشيخ الكراجكي. في هذه الرسالة لم يذكر الشيخ المفيد الدليل العقلي من جملة أدلة األحكام، وإنما ذكر أن أصول األحكام ثالثة،

، ثم ذكر أن الطــرق^هي: الكتاب؛ والسنة النبوية؛ وأقوال األئمةــة أيضــا، هي: اللســان؛ ــذه األصــول ثالث ــا في ه لة إلى م الموصـــة واألخبار؛ وأولها العقل، وقـال عنـه: هـو سـبيل إلى معرفـة حجي

القرآن ودالئل األخبار.ح بالــدليل العقلي من وأول من وجــده الشــيخ المظفر يصــر

هـــ(، في كتابــه )الســرائر(،598األصوليين هو الشيخ ابن إدريس)ــدت الثالثــة ـــ يعــني الكتــاب والســنة الــذي قــال فيــه: »فــإذا فق

واإلجماع ـ فالمعتمد عند المحققين التمسك بدليل العقل فيها«. وأحسن من رآه الشـيخ المظفر قـد بحث دليـل العقـل بحثـا مفيدا ـ حسب وصــفه ـــ هــو الســيد محســن الكــاظمي في كتابــهــاحب )المحصول(، وكذلك تلميذه الشيخ محمد تقي األصفهاني ص

.(10))الحاشية على المعالم(كــة تكــون إذا نظرنــا إلى هــذه األقــوال الثالثــة بصــورة مفكــة قيمتها المعرفية والتفســيرية أقــل، بينمــا تكــون قيمتهــا المعرفي

بة. والتفسيرية أكبر إذا نظرنا إليها بصورة مرك ومن وجه آخر فإن القول الثالث هو أكثر قيمة وتماســكا من

القولين اآلخرين.ــة، بالصــورة الــتي فالقول األول ليس ثابتا عند علماء اإلماميل سببا تاما في االرتقاء بالعقل أشار إليها الشيخ أبو زهرة، وال يمث

ليكون دليال رابعا. ليس ثابتا عند علماء اإلمامية؛ ألن التقارب في الموقــف بينر الشــيعة بالمعتزلــة، حتى الشيعة والمعتزلة ال يعني بالضرورة تأث لو اشتهر المعتزلة بهذا الموقف. وقد يكون الحاصـل هـو العكس.ــا ــا فرضــية له ــا، لكنه ر فيه ــة والالمفك وهــذه هي الفرضــية الغائب أساس، إذا عرفنــا طبيعــة العالقــة بين رجــاالت المعتزلــة األوائــل

وبعض رجاالت مدرسة أهل البيت في المدينة المنورة.ــه حتى من دونــه كــان من ل سببا تامــا، ألن وهذا القول ال يمث المــرجح أن يحصــل التطــور الــذي حصــل فعال في ارتقــاء العقــل

ليكون دليال رابعا. وأمــا بالنســبة إلى القــول الثــاني، الــذي أشــار إليــه الشــيخــة من مطهري، فهذا القول يلفت النظــر إلى جــانب شــديد األهميــه ــة، وهــو بحاجــة إلى تســليط الضــوء عليــه، ألن جهة قيمته الدالليــدا عن ــان، وبعي ــا عن األذه ــون غائب ــاد يك ــانب يك ــف عن ج يكشــة التداول، ويبرز المنحى التــوافقي والتقــاربي عنــد علمــاء اإلمامي

على مستوى أصول الفقه، وهذا موقف يسجل لهم بال شك.ل ومع ذلك فإن هذا القول، مع ما له من تــأثير نســبي، ال يمث سببا تامــا أيضــا، ألن من دونــه كــان من المــرجح كــذلك أن يأخــذ

العقل طريقه في التطور ليكون دليال رابعا.ــا من ــه أكــثر قرب ــالث أكــثر قيمــة وتماســكا؛ ألن والقــول الث المرام، وأفصح دراية وتفصيال؛ ولكونه اســتند إلى تحليــل تــاريخي كشف عن أن الموقف تجاه العقل عند األصـوليين ظــل في حالــة

تطور وتجدد وتراكم حتى وصل إلى ما وصل إليه.ــة األمر الذي يعني أن هذا التطور لم يحصل فجأة، أو بطريق فورية، أو من دون مقــدمات، أو بعيــدا عن أي ســياق تــاريخي، أو خارج الحراك الفكري واألصولي، وإنمــا هــو تطــور اســتغرق وقتــا ــا ــا فكري ــاريخي متحــرك، وشــهد حراك ــط بســياق ت طــويال، وارتب وأصوليا متجددا ومتراكما، حتى بلغ به إلى هذه النتيجة في اعتبــار

العقل دليال رابعا. را إلى جانب هذه األقوال الثالثة يمكن أن نضــيف عــامال مــؤث في هذا النطاق، وهو العامل الروائي المتعلق بالروايات الشــريفة التي أعطت العقل صفة الحجة، وجعلتـه إلى جــانب حجــة األنبيـاء واألئمـــة، وهي الروايـــات الـــتي عـــرفت وتـــواترت في الكتبــارة إلى ــات يمكن اإلش ــذه الرواي ــولية. ومن ه ــات األص والدراس

روايتين معروفتين: بقوله:×: وردت عن اإلمام جعفر بن محمد الصادقاألولى

»حجة الله على العباد النبي، والحجة في ما بين العبــاد وبين اللــه.(11)العقل«

ــاظموالثانية ــر الك ــى بن جعف ــام موس ،×: وردت عن اإلم مخاطبا هشام بن الحكم: »يا هشام، إن لله على النــاس حجــتين: حجــة ظــاهرة؛ وحجــة باطنــة. فأمــا الظــاهرة فالرســل واألنبيــاء

.(12)واألئمة، وأما الباطنة فالعقول«ر بوضـوح حســب قـول الســيد محمــد وهذا النص الثاني يقــر باقر الصدر ـ وضع العقل إلى صف البيــان الشــرعي أداة رئيســية

.(13)لإلثبات ومن وجه آخر اعتبر الشيخ جعفر السبحاني أن تخصــيص مــا دل على حجية العقل في هــذه الروايــات بالمعــارف والعقائــد هــو

.(14)تخصيص بال وجهــات، ــذه الرواي ــروائي أن ه ــل ال ــذا العام ــأثير ه د ت ــا يؤك وم وبالــذات الروايــة الثانيــة، دائمــا مــا يستشــهد بهــا في الدراســات ــة العقــل، باعتبــاره مصــدرا األصولية عند الحديث عن إثبــات حجي

رابعا من مصادر األحكام الشرعية. ومن الممكن القول: إن إمعان النظر في هذه الروايات عندــدليل العقلي، وزاد في ثقتهم، ــيرا من الـ بهم كثـ ــر ــوليين قـ األصـــة، بمعــنى وألهمهم اطمئنانا في جهتين أساسيتين: في جهة الحجي إعطاء العقل صفة الحجية؛ وفي جهة الرتبية بمعنى إعطاء العقل رتبة إلى جانب الكتاب والسنة، أو البيان الشــرعي حســب وصـف

السيد محمد باقر الصدر. هذا عن األقوال الــتي حــاولت أن تقــدم تفســيرا في اإلجابــة

عن كيف ولماذا أصبح العقل دليال رابعا عند المدرسة اإلمامية؟ وأما عن منزلة وقيمة الدليل العقلي في الدراسات األصولية فمن هذه الجهة يــرى الســيد محمــد تقي الحكيم أن دليــل العقــل بالـــذات يعتـــبر من أهم مـــا عـــني بـــه األصـــوليون على اختالفتة في ثنايــا مدارسهم الفكرية، وأكثرها تركيزا، وأن مســائله مشــتــه ــير مظان ــوث في غ ــها مبح ــولية، وبعض ــير من الكتب األص الكث

.(15)الرئيسية في هذه الكتبــان وعند بحثه حول هذا الموضوع اعتبر الــدكتور رشــدي عليــدليل العقلي على اإلطالق ـــ في مــا يعلم ـ أن أفضل من بحث ال هو الشيخ محمد رضا المظفر في كتابــه )أصــول الفقــه(، الكتــابــان ـــ بدقــة العبــارة، الذي يمتاز بحثه ـــ حســب قــول الــدكتور علي

وجمال العرض، وحسن التنســيق، وقــد بحث الــدليل العقلي بحثــاــه. ــريب عن ده مما ألصق به وأدخل عليه مما هو غ موضوعيا، فجر كما واعتبر الدكتور عليان أن الشيخ المظفر قدم أفضل التعاريف

.(16)وأسدها للدليل العقليــه »كــل وفي تعريفه للــدليل العقلي يــرى الشــيخ المظفر أنــة حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي، أو كــل قضــية عقلي

.(17)يتوصل بها إلى العلم القطعي بالحكم الشرعي«ح ـ كما يقول الشيخ المظفر ـ جماعــة من وبهذا المعنى صر المحققين المتأخرين. وعقب على ذلك بقوله: »وهذا أمر طبيعي؛ــبر ــد أن ال يعت ألنه إذا كان الدليل العقلي مقابال للكتاب والسنة البــح حجة إال إذا كان موجبا للقطع الذي هو حجة بذاته، فلذلك ال يص أن يكــون شــامال للظنــون، ومــا ال يصــلح للقطــع بــالحكم من

.(18)المقدمات العقلية«

ـ بناء العقالء 3 من المقوالت التي استوقفت انتباهي كثـيرا خالل مطالعـاتييت معرفــة ــاء العقالء. وطالمــا تمن في الكتب األصــولية مقولــة بن كيف جرى التوصل إلى هذه المقولة واكتشافها؟ وما هــو الســياق التاريخي والمعرفي لتطورها؟ وكيف نمت وتحددت بالصورة التي

وصلت إليه في الدراسات األصولية؟ وبعبــارة أخــرى: مــا هــو تــاريخ ميالد هــذه المقولــة؟ من أين يبدأ؟ وإلى أين ينتهي؟ وما هي الفترة الزمنية الــتي قطعتهــا هــذهت بها، والسياق المعرفي الذي تفاعل المقولة، والمراحل التي مر

معها؟ وذلك ألن هذا النمــط من المقــوالت ال يظهــر عــادة ويعــرفــة تعــرف بــه، ــة وتاريخي ويتشكل من دون أن تكون له سيرة فكري

وتشهد له، وتدل عليه. وبقدر ما أن هــذه المقولــة تلفت النظــر إلى ذاتهــا بقــدر مــا تلفت النظر أيضا إلى أصـول الفقــه بوصــفه المجــال الــذي تنتمي إليه، وتتحدد بــه، وفي ســاحته عــرفت ونمت وتطــورت، ووصــلت إلى ما وصلت إليه. فأهمية هذه المقولة وقيمتها تلفت النظر إلىــر إلى أهمية أصول الفقه وقيمته، وتخلق هذه المقولة يلفت النظ

تخلق أصول الفقه. ومن وجه آخر فإن هذه المقولة بإمكانها أن تفتح أفقا واسعاصــلة أمام تطور وتقدم أصــول الفقــه، وبالــذات في الميــادين المتخــذت من العقــل بالمعارف والعلوم االجتماعية واإلنسانية، التي ات مرجعا لها في تحليل وتفسير وتأطير السلوك اإلنســاني، والخــبرة

اإلنسانية. وفي المقابل فإن هـذه المقولــة تكشــف عن األفـق الواســعــة، من جهــة انفتاحــه على سم به أصول الفقه عنــد اإلمامي الذي يت ــا ــبرتهم وحكمتهم، ومعترف ــدرا خ ــا هم عقالء، مق ــل العقالء بم ك بــأثرهم وتــأثيرهم، ورافعــا من شــأنهم ومــنزلتهم، وداعيــا إلى

التواصل معهم، واالقتداء بهم، واالستفادة منهم.ل إليهــا، يمكن وعند النظر في هذه المقولــة، وكيفيــة التوصــ

الكشف عن الفرضيات األربع التالية: تتحـــدد هـــذه الفرضـــية في الـــدليل العقلي، فمناألولى:

ــدليل، اكتشــافا وتنقيحــا ــذا ال المحتمــل أن االشــتغال الواســع به وتقعيدا وتفريعا، أوصل إلى هذه المقولة أو االقتراب منهـا؛ وذلـكع منــه. فالعقــل بوصفها مقولــة تنتمي إلى المجــال العقلي وتتفــرع منــه الذي وصل إلى منزلة يكون فيها دليال راجحــا البــد أن تتفــرــدليل، ــذا ال ــا من ه ــوالت تكتســب تماســكها وحجيته قواعــد ومق

وتحمل صفته وعنوانه، وتتزود من أدلته وبراهينه.

تتحدد هــذه الفرضــية في أن مقولــة بنــاء العقالء أوالثانية:عة، ــة جــاءت تفريعــا عن مقولــة ســيرة المتشــر الســيرة العقالئي الســيرة الـتي تعــني ــ حســب قـول الســيد محمــد بـاقر الصــدر ـ

نين في عصر التشريع .(19)السلوك العام للمتديــيرة ل واالشــتغال بس ــإن التوصــ ــذه الفرضــية ف ــب ه وحســا، ل إليه عة، والذي كان من السهل أو من الممكن التوصــ المتشرــتراب هو الذي قاد فيما بعد التوصل إلى مقولة بناء العقالء أو االق منهــا؛ لكونهــا جــاءت تفريعــا عليهــا، وتقســيما لهــا من الجهــتين:

الشرعية؛ والعقلية. ويدل على ذلك اشتراك هــاتين الســيرتين في مبحث واحــد، يطلق عليه في الدراســات األصــولية )مبحث الســيرة(. وفي هــذاعة، كالســيد المبحث هنـاك من قـدم الحـديث عن سـيرة المتشـر محمد باقر الصدر في كتابه )المعــالم الجديــدة لألصــول(، وهنــاكــد رضــا المظفر من قدم الحديث عن سيرة العقالء، كالشيخ محم

في كتابه )أصول الفقه(. ويكشف عن ذلك أيضا نمط العالقة ما بين هاتين الســيرتين، الــذي صــوره الشــيخ المظفر في مفتتح بــاب الســيرة بقولــه: »المقصود من السيرة استمرار عادة الناس وتبانيهم العملي على فعل شيء أو ترك شــيء. والمقصــود بالنــاس: إمــا جميــع العقالء والعــرف العــام من كــل ملــة ونحلــة، فيعم المســلمين وغــيرهم،ــة، والتعبـير الشــايع عنـد وتســمى الســيرة حينئــذ الســيرة العقالئي األصوليين المتأخرين تسميتها ببناء العقالء؛ وإما جميع المســلمينــة ة منهم، كاإلمامي بما هم مسلمون، أو خصوص أهــل نحلــة خاصــعة، أو الســـيرة مثال، وتســـمى الســـيرة حينئـــذ ســـيرة المتشـــر

.(20)الشرعية، أو السيرة اإلسالمية« تتحدد هذه الفرضية في أن مقولة بناء العقالء جرىالثالثة:

التوصل إليها مما يمكن أن نسميه نظرية اتحاد الشارع مع مسلكــة: »فـإن الشــارع العقالء، وبعبارة الشيخ المظفر عن هذه النظريــه منهم، بــل هــو حد المسلك معهم ـ أي العقالء ـــ؛ ألن المقدس مت

.(21)رئيسهم« وبعبــارة أخــرى للشــيخ المظفر نفســه: إن »الشــارع منــد أن يحكم ــل، فالب ــالق العق ــو خ ــهم، وه ــو رئيس ــل ه العقالء، ب

.(22)بحكمهم« وبعبارة ثالثة يقول المظفر: إن »الشارع من العقالء، بل هـوــردع عن ــه ال حد المسلك معهم، فإذا لم يظهر من رئيسهم، فهو مت طريقتهم العملية يثبت على سبيل القطع أنه ليس له مسلك آخــر

.(23)غير مسلكهم، وإال لظهر وبان، ولبلغه الناس« وعبارة »رئيسهم«، الــتي تعــني أن الشــارع المقــدس رئيسرت وتــواترت مــرات عــدة في كتــاب )أصــول الفقــه( العقالء، تكر للشيخ المظفر، وبالذات في الجــزء الثــاني، وكــان الفتــا جــدا من الشيخ المظفر تكرار هذه العبارة في كتاب لم يكتب أساسا بلغــةــة، إنشائية، ولم يكتب أيضا على طريقة التأليفــات العامــة والعاديســم عــادة بالضــبط واإلحكــام، وإنما كتب بلغة أهــل الفن الــتي تترا دراسيا لما قبل المرحلة العليــا، األمــر الــذي يعــني وليكون مقرك أن تكرار هذه العبارة ربما كان مقصودا للتأكيــد عليهــا، والتمســ

بها، ولفت النظر إلى أهميتها وقيمتها، وإلى حقلها الداللي. ونظرية اتحاد الشــارع مــع مســلك العقالء تعــني أن الشــارعــه لم يخــترع لنفســه ــه وتعليمات ــه ومواقف ــدس في مخاطبات المق مسلكا مغايرا أو مخالفا أو مصادما لمســلك العقالء بمـا هم عقالء أصالة، بل إن الشارع جاء أساسا لمخاطبة العقالء، ولتربية الناسمـــون عقـــولهم، ليكونـــوا من صـــنف هـــؤالء العقالء، الـــذين يحكع أو ون قــدر اإلمكــان عــدم الوقــوع في الجهــل أو التســر ويتحــر

الطيش. وال شك أن نظرية بهذا األفق الواسع في النظر إلى العقالء،ل أو ــ ــار لهم، تجعـــل من الممكن التوصـ ــدير واالعتبـ ــذا التقـ وبهـ

االقتراب من مقولة بناء العقالء.ــد منالرابعــة: ــاك العدي ــية في أن هن ــذه الفرض ــدد ه تتح

ــلوك العقالء، ــوليين إلى س هت األص ــتي نب ــولية ال ــائل األص المسبتهم من ثم إلى مقولة بناء العقالء. وقر

فقد ثبت عند هــؤالء األصــوليين أن ســلوك العقالء هــو أوثــقــذه ــددت ه ــد أن تع ــولية، وبع ــائل األص ــات بعض المس ــل إلثب دلي المسائل وامتــدت إلى معظم أبــواب وأقســام أصــول الفقــه، من أوله في مباحث األلفاظ إلى آخره في مباحث التعادل والتراجيح،ــاء العقالء، ــه األصــوليون إلى قاعــدة بن كــان من المــرجح أن يتنبــرف عن األصــوليين من النباهــة والفطنــة ويقــتربوا منهــا؛ لمــا ع والــذكاء، ومن يعــرف أصــول الفقــه يــدرك أن األذكيــاء من طلبــةــذين ــذا الفن، وهم ال ــتربون من ه ــذين يق ــرعي هم ال العلم الش

نون منه. يصبرون عليه، ويدركون قيمته، ويتمكــتي مهدت ــة، الـ ــيات الممكنـ ــذه في نظـــري هي الفرضـ هـ الطريـق للتعــرف على مقولـة بنـاء العقالء، واالقـتراب منهـا عنـد

األصوليين. وعند التوقف أمام مقولة بناء العقالء من جهة المعنى فهي ـ حسب تعريف السيد محمد باقر الصدر ـ عبــارة عن الميــل العــامــيرهم نحــو ســلوك معين، من دون أن ــدينين وغ ــد العقالء المت عن يكون للشرع دور إيجابي في تكوين هذا الميل، كالميل العام لدى

العقالء نحو األخذ بظهور كالم المتكلم. وتختلــف هــذه المقولــة في نظــر الســيد الصــدر عن مقولــةــان ــدة البي عة هي ولي ــر ــيرة المتش عة في أن س ــر ــيرة المتش س

الشرعي، ولهذا تعتبر كاشفة عنه، أما مقولة بنــاء العقالء فمردهــا إلى ميل عام يوجد عند العقالء نحو سلوك معين، ال كنتيجة لبيــانرات األخــرى، الــتي شرعي، بــل نتيجــة لمختلــف العوامــل والمــؤث

فاتهم. تتكيف وفقا لها ميول العقالء وتصر وألجل هذا ـ والكالم للسيد الصــدر ـــ ال يقتصــر الميــل العــامر عنه مقولة بناء العقالء على نطاق المتدينين خاصة؛ ألن الذي تعب

الدين لم يكن من عوامل تكوين هذا الميل.ـة ومن هنا يرى السيد الصدر أن االسـتدالل بالسـيرة العقالئيعة؛ يجب أن ينهج نهجا مختلفا عن نهج االستدالل بســيرة المتشــر وذلك باعتبــار أن الميــل الموجــود عنــد العقالء نحــو ســلوك معين يعتبر قوة دافعــة لهم نحــو ممارســة ذلــك الســلوك. فــإذا ســكتت الشريعة عن ذلــك الميــل، ولم تــردع عن االنســياق معــه، كشــفــريع ــع التش ــجامه م ــلوك، وانس ــذلك الس ــاها ب ــكوتها عن رض س

.(24)اإلسالميد أهمية وقيمة مقولة بناء العقالء، ويكشف عن أثرها وما يؤك وتأثيرها في أصول الفقه عند اإلمامية، هو تطبيقاتها الواســعة فيــايا ــا في بعض القض ــتناد عليه ــذا الفن، واالس ــاحث ه ــف مب مختل كوسيلة إثبــات رئيســية، والنظــر إليهــا في قضــايا أخــرى بوصــفها

ل عمدة األدلة اإلثباتية. تمثع جميــع هــذه التطبيقــات، األمــر الــذي ســع لتتب والمقــام ال يتيقتضي اإلشارة إلى بعضها. وسوف نكتفي بثالثة تطبيقات، هي:

صــلأوال ــة ظــواهر الكالم، والــذي يت : عند الحــديث عن حجيــل ــاءل أه ــنة، تس ــاب والس ــواهر الكالم في الكت ــالبحث عن ظ ب األصول: هل أن ظواهر الكالم حجــة أو ال؟ بمعــنى هــل أن ظــاهر

الكالم يكشف عن مراد المتكلم حقيقة أم ال؟ ــاء العقالء أمام هذه القضية استند األصوليون على قاعــدة بن

ــة ظــواهر الكالم، ــة الظــواهر، ويقصــدون بهــا حجي في إثبات حجي واعتبر الشيخ المظفر أن ال دليل آخــر في إثبــات هــذا األمــر غــير

.(25)بناء العقالء وليس من شك في نظر الشيخ محمد جواد مغنية أن ظــاهر الكالم بيـان ودليـل يـوجب العمـل بـه، ال فـرق في ذلــك بين كالمــنى ــاقالن في أن المع ــف ع ــا، وال يختل ــنة وغيرهم ــاب والس الكت المــدلول عليــه بظــاهر اللفــظ، أي لفــظ، هــو المقصــود والمــراد للمتكلم، وأنه حجة له وعليه، ولــواله مــا انتظم شــيء من الحيــاة

.(26)االجتماعية : عند الحديث عن حجية خبر الواحــد اســتند األصــوليونثانيا

بثقة تامة على قاعدة بناء العقالء. ونلمس هذه الثقة بوضوح كبيرــاء العقالء مفتتحــا عنــد خذ من بن في كالم الشيخ المظفر، الذي اتــه من ــه: »إن ــة خــبر الواحــد، وحســب قول ــل حجي ــه عن دلي حديث المعلوم قطعا ال يعتريه الريب استقرار بناء العقالء طــرا، واتفــاقــذ ــة، على اختالف مشــاربهم وأذواقهم، على األخ ســيرتهم العمليــون إلى صــدقه، ويــأمنون كذبــه، بخــبر من يثقــون بقولــه، ويطمئن وعلى اعتمادهم في تبليغ مقاصدهم على الثقــات. وهــذه الســيرةــامهم العملية جاريــة حتى في األوامــر الصــادرة من ملــوكهم وحك

وذوي األمر منهم. وعلى هذه السيرة العملية قامت معــايش النــاس، وانتظمتــادهم ــاعي، ولس ــامهم االجتم ــل نظ ــا الخت ــر، ولواله ــاة البش حي االضطراب؛ لقلة ما يــوجب العلم القطعي من األخبــار المتعارفــة

سندا ومتنا.ــيرتهم ــرت س ــاس، ج ــائر الن ــوص كس ــلمون بالخص والمس العملية على مثل ذلك، في استفادة األحكام الشرعية من القــديم إلى يوم الناس هــذا؛ ألنهم متحــدو المســلك والطريقــة مــع ســائر

البشر.ــاس، بمــا فيهم المســلمون، وإذا ثبتت ســيرة العقالء من النحــد ــدس مت ــإن الشــارع المق ــة، ف على األخــذ بخــبر الواحــد الثقــه ــه منهم، بــل هــو رئيســهم. فالبــد أن نعلم بأن المسلك معهم؛ ألنخذ لهذه الطريقة العقالئية كسائر الناس ما دام أنه لم يثبت لنا متا مخترعـا منـه غــير طريـق أن له في تبليـغ األحكـام طريقــا خاصــ العقالء. ولو كان له طريق خاص قد اخترعــه غــير مســلك العقالءــلمين نه للناس، ولظهر واشتهر، ولما جرت سيرة المس ألذاعه وبي

.(27)على طبق سيرة باقي البشر« ونقل الشيخ المظفر كالم شيخه محمد حسين النائيني الذي اعتــبر أن بنــاء العقالء هــو عمــدة األدلــة في هــذه القضــية. يقــولــة البــاب، بحيث لــو النائيني: »وأما طريقة العقالء فهي عمــدة أدل فرض أنه كان سبيل إلى المناقشة في بقية األدلــة فال ســبيل إلى المناقشة في الطريقة العقالئية، القائمة على االعتمــاد على خــبر

.(28)الثقة، واالتكال عليه في محاوراتهم« ــاحث األصــولثالثا ــد الحــديث عن االستصــحاب في مب : عن

العملية فإن أول دليل استند عليه الشيخ المظفر في هــذا الشــأن هو بناء العقالء، وافتتح حديثه بالقول: »ال شــك في أن العقالء من النـــاس، على اختالف مشـــاربهم وأذواقهم، جـــرت ســـيرتهم في عملهم، وتبانوا في سلوكهم العملي، على األخذ بالمتيقن الســابق عند الشك الالحــق في بقائــه. وعلى ذلــك قــامت معــايش العبــاد،ــل النظــام االجتمــاعي، ولمــا قــامت لهم ســوق ــك الخت ــوال ذل ولــة وتجارة... فإن بناء العقالء في عملهم مستقر على األخــذ بالحال السابقة عند الشك في بقائها، في جميع أحــوالهم وشــؤونهم، مــع

االلتفات إلى ذلك، والتوجه إليه. وإذا ثبتت هذه المقدمة ننتقل إلى مقدمة أخرى، فنقول: إن

حــد المســلك معهم، فــإذا الشارع من العقالء، بل رئيسهم، فهو مت لم يظهر منه الردع عن طريقتهم العملية يثبت على سبيل القطع أنه ليس له مسلك آخــر غــير مســلكهم، وإال لظهــر وبــان، ولبلغــه

.(29)الناس« ونقل الشيخ محمد جواد مغنية أن جماعة من العلمـاء ذهبــوا إلى أن بنــاء العقالء هــو األصــل والعمــدة في أدلــة االستصــحاب،ــاب ــه على كت ــداني في تعليق ــه رضــا الهم واستشــهد بكالم الفقي )الرسائل(، للشيخ مرتضى األنصاري؛ إذ يرى الهمداني أن العلماء يعتبرون االستصحاب من باب بناء العقالء، وعنده أن »العمدة في

لة عليه، وإمضاء له« .(30)االستصحاب بناء العقالء، واألخبار منزــة، هذه لمحة عن مقولة بنــاء العقالء عنــد األصــوليين اإلمامي

وقيمتها ومنزلتها، وبعض تطبيقاتها.

ـ ما حكم به العقل حكم به الشرع )قانون المالزمة(4ــنى تعد هذه المقولة من أقوى المقوالت األصولية مبنى ومعــا بين العقــل والشــرع. في نفي التباين والتعارض نفيــا تامــا ونهائي وكان يفــترض من هــذه المقولــة أن تضــع حــدا للجــدل والســجال القديم والجديد حول هل أن العقل والشرع يلتقيــان أم ينفصــالن،

يقتربان أم يبتعدان، يتعاضدان أم يتعارضان؟ــوالت ــال المق ــ كح ــا ـ ــة وقيمته ــذه المقول ــة ه وتكمن أهمي الســابقة ـــ في أنهــا عــرفت وتحــددت في ســاحة أصــول الفقــه، الحقــل الــذي يعطي صــفة التــأثير لهــذه المقــوالت، ويجعــل منهــا

رة بصورة دائمة. رة، ومؤث مقوالت مؤث كما أنه الحقل الذي يعطي سمة التماســك لهــذه المقــوالت، ويجعل منهــا مقــوالت متماســكة، وهــذا هــو حــال معظم أو جميــعس في ســاحة أصــول الفقــه؛ بوصــفه المقوالت التي تنشأ وتتأســ

حقال شديد التماسك واإلحكام، وكان بعيدا عن ما يعرف في اللغة بظــواهر اإلنشــاء واإلرســال والتقــول كيفمــا كــان، وعن التســامح

والتساهل في استخدام األلفاظ والعبارات غالبا. وقد أطلق األصــوليون على هــذه المقولــة تســمية المالزمــةــاب ــا في بـ ــرع، ويبحثونهـ ــل وحكم الشـ ـة بين حكم العقـ ــ العقلي ــودا ــذي يتوقف وج المستقالت العقلية، وهي عمدة هذا الباب، وال

وعدما على ثبوتها أو نفيها.ــه ــبر أن وحين توقف الدكتور رشدي عليان عند هذا الباب اعتــة، ومــا قبلــه هي بحــوث ممهدة من أهم بحوث المستقالت العقلي

.(31)له، وما بعده متوقف عليه وقد تحددت هذه المالزمة العقلية عنــد األصــوليين في ضــوءــل ــه: إذا حكم العق ــيخ المظفر بقول ــه الش ــذي طرح ــاؤل ال التس بحسن شيء أو قبحه هل يلزم عقال أن يحكم الشرع على طبقه؟

وهل هذه المالزمة ثابتة أم ال؟ــة عقال، ــد الشــيخ المظفر أن هــذه المالزمــة ثابت والحــق عنـه ـ وحسب رأيه »فإن العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه ـ أي إن إذا تطابقت آراء العقالء جميعــا بمــا هم عقالء على حســن شــيء؛ــه من لما فيه من حفظ النظام، وبقاء النوع، أو على قبحه؛ لما في اإلخالل بذلك، فإن الحكم هذا يكون بادي رأي الجميــع ـــ فالبــد أن يحكم الشارع بحكمهم؛ ألنه منهم، بل رئيسهم، فهو بما هو عاقل، بل خالق العقل، كسائر العقالء، البد أن يحكم بمــا يحكمــون. ولــو فرضنا أنه لم يشاركهم في حكمهم لما كان ذلك الحكم بادي رأي

.(32)الجميع، وهذا خالف الفرض« ولشدة وثوق الشــيخ المظفر بهــذا الــرأي تعجب من موقــف الذين أنكروا هذه المالزمة مع قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين، وكأن في ظنهم ـ حسب قول الشيخ المظفر ـ أن كــل مــا أدركــه

العقل من المصــالح والمفاســد، ولــو بطريــق نظــري، أو من غــيرــار أن ــبيح، واعتب سبب عام، فإنه يدخل في مسألة التحسين والتق

القائلين بالمالزمة يقولون بالمالزمة أيضا في مثل هذه الحاالت. وردا على هؤالء، ويقصد بهم تحديدا صاحب )الفصول(، الذي لم يعرف له موافق ـ حسب قــول الشــيخ المظفر ـــ، الــذي يــرى »أن قضايا التحسين والتقبيح هي القضايا التي تطابقت عليها آراء العقالء كافــة بمــا هم عقالء، وهي بــادي رأي الجميــع، وفي مثلهــا نقــول بالمالزمــة، ال مطلقــا، فليس كــل مــا أدركــه العقــل من أي سبب كان، ولو لم تتطابق عليه اآلراء، أو تطابقت ولكن ال بما هم عقالء، يدخل في هذه المسألة... وعلى هذا فال سبيل للعقــل بمــا هو عقل إلى إدراك جميع مالكــات األحكــام الشــرعية. فــإذا أدرك العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في آخر، ولم يكن إدراكــه مستندا إلى إدراك المصلحة أو المفسدة العامتين اللتين يتســاوى في إدراكهما جميع العقالء، فإنه ـ أعني العقل ـــ ال ســبيل لــه إلى الحكم بأن هذا المدرك يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل؛ إذ يحتمــل أن هنــاك مــا هــو منــاط لحكم الشــارع غــير مــا أدركه العقل، أو أن هناك مانعا يمنع من حكم الشــارع على طبــق

.(33)ما أدركه العقل، وإن كان ما أدركه مقتضيا لحكم الشارع« وألجل هذا يعتبر الشــيخ المظفر أن »ليس كــل مــا حكم بــه الشــرع يجب أن يحكم بــه العقــل. وإلى هــذا يــرمي قــول إمامنــا

ــا نحن×الصادق : »إن دين الله ال يصاب بالعقل«. وألجل هذا أيضــرعية على ــ ـة الش ــ ــان من األدلـ ــ ــاس واالستحس ــ ــبر القي ــ ال نعت

.(34)األحكام« بهذه المناقشة األصولية لهذه المالزمة العقلية يكـون أصـول الفقه أحد أهم الحقول المعرفية في النظر إلى العالقة بين العقل والشرع، وفي ساحته ثبتت المالزمة بين العقل والشرع، وتحددت

ــة واســتداللية، وكشــفت هــذه المالزمــة عن خــبرة بصــورة برهانيأصول الفقه، وهي خبرة عمادها البرهان واالستدالل.

ـ العقل بين اتجاهين متعارضين5 في تاريخ تطوره واجه الفكر األصولي عند اإلمامية تحــدياتــة إلى عنيفــة، كــان من الممكن لهــا أن تقلص فيــه نزعــة العقالنيــة أقصى حد، وتدفع به نحو التراجع والجمــود، وتحجب عنــه إمكاني أن يتطور العقل ليكون دليال رابعا، وأن يصبح لقاعدة بنــاء العقالء كل هذا الــوزن والتــأثير، واعتبــار الشــرع ســيد العقالء ورئيســهم، وتقطع عليه الطريـق في إثبـات المالزمــة بين حكم العقــل وحكم

الشرع. مع ذلك تغلب الفكر األصولي على هــذه التحــديات، وحافــظــج على مساره التطوري، ووصل إلى ما وصل إليه اليوم من النضــة، وتبلــور الــدليل العقلي، وســائر العقلي، ورسوخ النزعة العقالني

المقوالت العقلية األخرى. هذه التحديات التي نقصدها تحددت في اتجاهين متعارضين: اتجاه ينزع نحو تصويب العقل بدرجــة عاليــة من االنفتــاح؛ واتجــاه

مغاير تماما ينزع نحو تعطيل العقل بدرجة عالية من االنغالق.ــاه إلى ولعل السيد محمد باقر الصدر هو أكثر من لفت االنتب هــذين االتجــاهين معــا، وذلــك في ســياق حديثــه عن تــاريخ تطــورــة. وحســب رأيــه فــإن تــاريخ الفكر العلمي األصــولي عنــد اإلمامي التفكــير الفقهي شــهد اتجــاهين متعارضــين نحــو اإلدراك العقلي: اتجاه يدعو إلى العمل بالعقــل في نطاقــه الواســع، الــذي يشــمل اإلدراكــات الناقصــة، وجعلهــا وســيلة رئيســة لإلثبــات في مختلــفده من جعلـه وسـيلة المجاالت؛ واتجاه آخر يشــجب العقــل، ويجـر رئيسة لإلثبات، ويعتبر البيان الشرعي هو الوســيلة الوحيــدة الــتي

يمكن استخدامها في عملية االستنباط. ويرى السيد الصدر أن المعركة مع االتجاه األول هي معركــة ضد استغالل العقل، والمعركة مع االتجــاه الثــاني هي معركــة إلى

.(35)صف العقل وعند النظر في هذين االتجاهين المتعارضــين يمكن تســجيل

الفروق التالية:را في الحــد من مســاحة دورأوال : إن االتجاه األول كان مؤث

ــإخراج بعض ــام الشــريعة، ب العقــل في مجــال الكشــف عن أحك العناوين، مثل: القياس واالستحسان والمصالح المرسلة، بوصــفها تفيد الظن في نظر المدرسة اإلمامية، بينمــا االتجــاه الثــاني كــانرا في توســيع مســاحة دور العقــل، األمــر الــذي أدى إلى أن مــؤثقــة يصبح العقل دليال رابعــا، إلى جــانب التطــورات األخــرى المتعل

بدور العقل ووظائفه. : إن االتجاه األول لم يكن موضــوع خالف أو نــزاع عنــدثانيا

األصوليين اإلمامية منذ األزمنــة القديمــة إلى اليــوم؛ إذ كــانوا ومــا زالوا على موقف واحد صـريح وواضـح من جهــة الــرفض والمنـع،

، وفي^المستند أساسا على الروايات الثابتة عن أئمة أهل البيتفــات ر الحــديث عنهمــا في المؤل ــان تكــر ــان اللت مقــدمتها الروايت

:×األصولية، وهما الروايتان المرويتان عن اإلمام الصادق: »إن دين الله ال يصاب بالعقول«.األولى

»إن السنة إذا قيست محق الدين«.والثانية: بينما االتجــاه الثــاني كــان موضــع خالف ونــزاع شــديدين في ساحة علماء اإلمامية، وبالذات خالل الفترة ما بين القرن الحــادي

عشر والنصف األول من القرن الثالث عشر الهجريين. ل تحــديا للفكــر األصــولي اإلمــاميثالثا : إن االتجاه األول مث

را؛ إذ يرجــع إلى األزمنــة األولى. بينمــا من خارجــه، وظهــر مبك

ل تحــديا للفكــر األصــولي اإلمــامي من داخلــه، االتجــاه الثــاني مثــه وظهر تاليا؛ إذ يرجع إلى أوائل القرن الحادي عشر الهجري، لكن

كان أشد قوة وتأثيرا من االتجاه األول. ــا بينرابعا : إن االتجاه األول أحدث تمايزا واضحا وراسخا م

ــه؛ المدرستين اإلسالميتين السنية والشيعية في مجال أصول الفقــلة في ــالح المرس ــان والمص ــاس واالستحس ــد القي ــة ع فمن جه المدرسة اإلسالمية السنية من جملة األدلة التي يستند عليهــا في إثبات األحكام الشــرعية، بينمــا في المدرســة اإلســالمية الشــيعية

ليس لها هذه الصفة المعتبرة. ومن جهة أخرى عــد دليــل العقــل، وبنــاء العقالء، والمالزمــة بين حكم العقل وحكم الشرع، في المدرســة اإلســالمية الشــيعية من جملة األدلة والقواعــد الــتي يســتند عليهــا في إثبــات األحكــام الشــرعية، بينمــا في المدرســة اإلســالمية الســنية ليس لهــا هــذه

الصفة المعتبرة. في حين أن االتجاه الثاني أحدث تمايزا واضــحا وراســخا مــا بين اتجاهين في داخل المدرسة اإلسالمية الشــيعية، همــا االتجــاه األصــولي، نســبة إلى أصــول الفقــه، وانتصــارا لــه بوصــفه منهجــا ومجاال لالجتهاد، واالتجاه األخباري، نسبة إلى األخبار، وانتصارا لها

د وتحصيل األحكام الشرعية. بوصفها طريقا آمنا للتعبــيرا من حيث ل اتجاها كب وفي وقتها كان االتجاه األخباري يمثــد يحتفــظ الوزن واالمتداد البشري والجغرافي، أمــا اليــوم فلم يعــد بذلك الوزن واالمتداد، فقد تقلص وتراجع بصورة كبــيرة، ولم يعده في له أثر يذكر. واحتفظ االتجاه األصولي بتفوقه وتجذره وتسي

المجتمعات الشيعية كافة.ــذين اعترضــا ــاهين الل ــة بين االتج هــذه بعض الفــروق العام

مسار تطور الفكر األصولي اإلمامي، من جهة عالقته بالعقل.

ل وما ينبغي اإلشارة إليه هــو أن ظهــور االتجــاه األخبــاري مث أعظم باعث في طريق نهضة وتقدم الفكر العلمي األصولي عنــدلــه من تحــد عــنيف لمــا اإلمامية. ولوال ظهور هــذا االتجــاه ومــا مث وصل أصول الفقــه والفكــر العلمي األصــولي إلى مــا وصــل إليــه

اليوم من تجدد وازدهار.ز بصــورة أساســية في ومن جانب آخر فإن هذا التحــدي تركــة العنيفــة ساحة العقل، وفي هذه الساحة كــانت المعركــة الفكريــاه بين االتجاهين األصولي واألخباري، األمر الذي اقتضى من االتجــه، ــدخل هــذه المعركــة بســالح العقــل، انتصــارا ب األصــولي أن ي

وانتصارا له. وبهذا السالح تغلب االتجــاه األصــولي على االتجــاه األخبــاري وتفــوق عليــه، وكســب المعركــة، واصــطف إلى جانبــه الجمهــور

الشيعي العام.ــا في الكشــف ل باعثا قوي ومن هنا فإن االتجاه األخباري شكــة في أصــول الفقــه، وفي تأصــيلها وتقعيــدها، عن الجوانب العقليع فيها بالطريقة التي جعلت المنحى العقلي يصبح من أبرز والتوس

مالمح الفكر العلمي األصولي عند اإلمامية.

ـ نتائج ومستخلصات 6 بعــد هــذه الجولــة، ومــا تضــمنت من نقاشــات وتــأمالتوتحليالت، بقيت اإلشارة إلى بعض النتائج والمستخلصات، ومنها:

أوال ــا ــا ثري ل منبع : ثبت بشــكل قــاطع أن أصــول الفقــه مثــة في المجــال اإلســالمي، وأســهم في تطــور هــذه لفكرة العقالني الفكرة، وأضاف إليها وإلى حقلها الداللي مضامين وأبعادا شــديدةــة والتــأثير، هــو حقــل األهمية، وفتحها على حقل في غايــة الفاعلي

التشريع اإلسالمي.

ـة ـ وأصــبح من الممكن دراســة العالقــة بين فكــرة العقالنيــول وأصول الفقه من جهة، ودراسة فكرة العقالنية في ساحة أص

الفقه من جهة أخرى. وهذا ما لم يلتفت إليه كثيرا على أهميته وقيمته. فالمثقفون من جهتهم ال يلتفتون إلى هذا األمر؛ نتيجة عدم قربهم من أصـول الفقه وغربته عليهم. واألصــوليون من جهتهم ال يلتفتــون إلى هــذا األمــر كثــيرا؛ نتيجــة انقطــاعهم أو عــدم تواصــلهم مــع المعــارف ــا ـة، واالنشـــغال الحصـــري غالبـ ــ ــانية واالجتماعي والعلـــوم اإلنسـ

بالدراسات الفقهية واألصولية. ــةثانيا : ما جرى الحديث عنه يكشف عن دور علمــاء اإلمامي

ــة في ســاحة الفكــر اإلســالمي، في إحياء وتحريــك فكــرة العقالني انطالقا من علم أصول الفقه، لكنه الجــانب الــذي لم يعتن علمــاء اإلمامية في إبــرازه، وتســليط الضــوء عليــه، والتنبيــه إلى أهميتــههوا وقيمته، وتوجيه نظر اآلخرين إليه، واآلخرون من جهتهم لم يتنب

ههم إليه أحد. إلى هذا الجانب، ولم ينب وهناك تقصير واضح من علماء اإلمامية في هذا الشأن، وقـده إليــه، ومــا زالــوا متــأخرين أيضــا. ويكفي تــأخروا كثــيرا في التنب للداللة على ذلك أنني حين بحثت في هــذا الموضــوع لم أجــد في حدود متابعتي كتابات أو دراسـات أرجـع إليهـا وأسـتند عليهــا غـير

المؤلفات األصولية. وهذا ما يثير الدهشة حقا! : إن من يريد التعرف على النزعة العقالنية عند الشيعةثالثا

اإلمامية فإن عليه الذهاب إلى أصول الفقه، فهو الحقل الذي برعــة واألصــولية، ــة، وتجلت فيــه عبقــريتهم الفكري فيه علمــاء اإلماميــة؛ انتصــارا للعقــل وفي ساحته خاضوا معاركهم النقدية والحجاجي

والموقف العقلي.رة عنــد وقد كشف أصول الفقه عن نزعة عقلية فاعلة ومؤث

ــة المدرسة اإلمامية، بحيث يمكن القول: إنهم أصحاب نزعـة عقليف عليها والتواصل معها فعليه الذهاب إلى حقيقية، ومن يرد التعر

أصول الفقه، قبل الذهاب إلى أي حقل آخر. : إن هذه النزعة العقلية الحقيقية عند الشيعة اإلماميةرابعا

ــد الجــابري، هي أكثر ما يشكك ويخطئ موقف الدكتور محمد عاب الذي صنف المسلمين الشــيعة، وحصــر معــارفهم ومنــاهجهم في زاويـــة العرفـــان أو النظـــام العرفـــاني، وجعلهم في مقابـــل منــان، وهي ــان والبره ــامي البي ــنيفه إلى نظ ــب تص ــبون حس ينتســه: األنظمة الثالثة التي حاول الــدكتور الجــابري دراســتها في كتابي

)تكوين العقل العربي(؛ و)بنية العقل العربي(. في هذين الكتابين قدم الجابري صــورة مشــوهة ومنقوصــة عن الشيعة اإلمامية، وجعلهم أبعد ما يكون عن البرهان والمسلك العقالني، واعتبر أنهم يطلبون المعرفة من غير الطرق والمسالكـة. وبقي على هـذا الموقـف، ولم يـذكر للشــيعة ـة والبرهاني العقليصل بجــانب العقــل والبرهــان، تخفف من وطــأة اإلمامية فضيلة تت الصورة المشوهة والمنقوصة التي أثارت حفيظــة ونقمــة العلمــاء والمثقفين الشيعة، الذين اعترضوا بشدة على هــذا الموقــف غــير

الموضوعي عند الجابري.ــيعة ــد الش ــه عن ــول الفق ــابري لم يلتفت إلى أص ــل الج ولع اإلمامية، وما فيه من نزعة عقلية وبرهانية تكاد تكــون طاغيــة في هذا الحقل. ولهذا فإن تغييب هــذا الحقــل أو غيابــه أبعــد الجــابري

عن تلمس المنحى العقالني عند الشيعة اإلمامية. : من المالحظ أن المقوالت العقلية التي عرفت فيخامسا

أصول الفقه، وكشفت عن المنحى العقالني عند الشيعة اإلمامية، هــذه المقــوالت لم تتحــرك خــارج أصــول الفقــه، وبعيــدا عن هــذاــذات ــرى، وبال ـة األخ ـ ــاالت المعرفي ل إلى المج ــ ــل، ولم تص الحق

ــة، صــل بالمعـارف والعلـوم اإلنســانية واالجتماعي المجاالت التي تت في حين كان من الممكن، بل من الضروري، االستفادة القصــوىــة، ومن هــذا المنحى العقالني في غـير من هــذه المقــوالت الذهبيل نقصا وضعفا بحاجة إلى تدراك، مجال أصول الفقه. وهذا ما يمثــة ولن يجري تداركه إال بعد البحث عن الروابط والصــالت المنهجيـــة بين أصـــول الفقـــه والمعـــارف والعلـــوم اإلســـالمية والمعرفي

واالجتماعية.

الهوامش

قوانين الفهم االجتماعي للنص وجدلية صنع المنهج•

قوانين الفهم االجتماعي للنصوجدلية صنع المنهج

*(*()أ. د. عبد األمير كاظم زاهد

مقدمةــيرون أن علم المنهج ــد الكث ــرفة»يعتق ــة ص ــد عقلي .«قواع

ــه؛ ألن ــدو لي أن هـــذا االعتقـــاد ليس صـــحيحا على إطالقـ ويبـ للمجتمعات في تعاملها مع النصوص المقدسة، أو التخاطبــات بينـــة ثابتـــة، وتعـــد طرفـــا للفهم والتفهم األفـــراد، قـــوانين اجتماعي واإلفهــام. وألن علم أصــول الفقــه ـــ علم منهجي ـــ؛ ألن أهدافــه ومراميه تمكين المجتهد من اكتشاف الحكم الفقهي للواقعــة من األدلة المرجعية، فإن كثيرا من أبحاثة ليس فقط صنيع النص، كما يرد ذلك في المدونات المعروفة والمشــهورة، بــل هنــاك عوامــلــة على مــر األزمــان اجتماعية وعقلية صاغت تلك القواعد المنهجي وصقلتها بالنقد والتقويم، حتى أصبحت قــوانين لالســتنباط. لــذلكر الغزالي أن أشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، وهو يقر

ــة.(36)علم الفقه ر أن أدلــة األحكــام أربع ــر ــزالي يق ــان الغ وإذا كــات )الكتاب والسنة واإلجماع ودليل العقل( فإنه يسلسل المرجعي

إلى ثالثة:

أستاذ جامعي، وباحث في الفقــه اإلســالمي، وعميــد كليــة)*(ــ *(فات فكرية وفقهية متنوعة، العلوم اإلسالمية في كربالء، له مؤل

من العراق. ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

41هـ1433م ـ 2012

أ. د. عبد األمير كاظم زاهد•

أـ مرجعية النص.ب ـ مرجعية التلقي والفهم االجتماعي.

ج ـ مرجعية النتاج العقلي. وفي خضم األبحاث في مرجعية القرآن الكريم نلحظ قضــيةــريكه ــل ش ـة عق ـ ــا إلى مرجعي ــير تمام ــابه، لتش المحكم والمتش )المحكم( تستدعى لتقليب صحيح الحتماالت المتشابه، وتســتعينق التأويــل إلى بالمحكم لضبط االختيار، وكذلك الحــال مــدى تطــرق التخصيص إلى صــيغ عمومــه، ومــدى ظاهر ألفاظه، ومدى تطرق النســخ إلى مقتضــياته. على أن دائــرة النســخ هي دائــرة تطــر النص، فالقرآن ينسخ قرآنا، وينسخ السنة، والسنة تنســخ الســنة. وفي نسخ السنة للقرآن خالف. أما اإلجمـاع والعقـل فال ينســخانر الغــزالي ــة. لــذلك يقــر النص، مما يدل على أولوية تلك المرجعي

ــه ال يجــوز نســخ النص بالقيــاس وال عــبرة لمن ســاوى بين،(37)أن التخصيص والنسخ، وال اعتبار للقول الشائع: إن ما جاز التخصيص

به جاز النسخ به. ــألة تحكيم ــاعي في مسـ ــر الفهم االجتمـ ـا أثـ ــ ــر جلي ويظهـر جمــع من العلمــاء الظواهر، ومنها: حجية الظاهر القرآني؛ إذ يقرــة أن التعامل على وفق الظاهر اللغوي ناتج قهري للســيرة العقلي والبناء العقلي، مقابل من يرى أن للقرآن ظاهرا وباطنا، والباطنــول في ــه، وال يع ون، فال يخــوض غــيرهم في ــه مخــاطبون خاصــ ل

الوصول إلى الحكم الشرعي باالعتماد على الظاهر فقط. ويتوسط الشــيخ األنصــاري في حاشــيته على قــوانين القميــار بالقول: إن من يدعي اإلجماع على حجية ظواهر الكتاب واألخب ال يمكنه االدعاء على جميع الظـواهر؛ ألن هنــاك ظــواهر ثبت أنهـا

هو ديــدن»، بيد أن الفريق األول ال يستدل بأن ذلك (38)غير مرادة

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد42هـ1433م ـ 2012

قوانين الفهم االجتماعي للنص وجدلية صنع المنهج•

العقالء على طـــول التـــاريخ، أي إن قـــوانين الفهم االجتمـــاعي والعــرف البشــري هي المعتمــدة في التعامــل مــع النصــوص، بــل يستدل بأن عدم اعتبار الظاهر إخالل بكونه معجزة ترشــد الخلــق

.«كلهم إلى الحق بيد أن الموقف الصحيح في ما أعتقد أن القــرآن الكــريم لــه ظهور في حد ذاتــه، لكن هنــاك علم إجمــالي بوجــود قــرائن دالــةــرائن على دات والقـ ــات والمقي ــاهر، كالمخصصـ على خالف الظـ

إرادة المجاز، التي تمنع من العمل بظواهره.

الردــة. إن تلك المبينات مجمالت حكما، وإن كانت ظواهر حقيقيــاروا إلى وحين أعوزت المنكرين لحجية الظواهر األدلة العقلية ص مقوالت التحريف )بالنقص(، واألخبار الــتي تنهى عن ادعــاء من ال

ال»يملك األدوات أنه يســتطيع أن يقــدم معرفــة تفســيرية، مثــل: واستدلوا على النفي بمــا يصــلح«،يعرفه إال أهله ومن خوطب به

لإلثبات، فقالوا: إن في القرآن مطالب عالية ال يستطيع كــل أحــد الوصول إليهــا. واســتندوا إلى منــع التوغل في المتشــابه، وقــالوا: الظاهر متشــابه؛ بــدليل اختالف الظهــور، لــذلك قرنــوه بالتفســير

بالرأي.موها وفي مجال الســنة الشــريفة فــإن جمهــور العلمــاء قســمها بعض منهم إلى: المتـــواتر؛ إلى: المتـــواتر؛ واآلحـــاد، وقســـ

والمشهور؛ واآلحاد. وقالوا: إن المتواتر مــا رواه عــدد يــورث االطمئنــان الكامــل بصحة بالصــدور، واجتهــدوا في عــدد رواتــه، واختلفــوا في العــدد؛ فمن قائل: أربعة؛ ألنها أعلى نصاب للشهادة؛ ومن قائــل: أربعين؛

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد43هـ1433م ـ 2012

أ. د. عبد األمير كاظم زاهد•

أخذا من الجمعة؛ واختار قوم السبعين؛ ومــال قــوم إلى أكــثر من ثالثمائة بعدد أهل بدر؛ لكن الغزالي يــذهب إلى أن العــدد يختلــفمــات بحســب الوقــائع واألشــخاص؛ ألنــه يعتقــد أن هــذه كلهــا تحكــه حتى لــو تــوفر عــدد فاسدة باردة ال تناسب الغــرض، ويقــول: إن

كبير جدا، ولم يحصل العلم بصدقهم، فيجب القطع بكذبهم. وفي خضم الخالف في مدى اإلمكــان أن ينتج الخــبر الواحــدــه على ب عليه وجوب العمل، يقول العلمــاء بأن )علما(، بحيث يترت ثالثة أقسام: منها ما ال يفيــد الظن؛ ومنهــا مــا تســاوت احتماالتــه؛ ومنهــا مــا يفيــد الظن. وإن العقــل أدل على الثــالث، دون األدلــة السمعية. وقد استدلوا لألخذ باألخير بــدليل االنســداد، وأن العقــل |هو الدليل على الثالث دون األدلــة الســمعية، وأن ظــروف النــبي

نه من إبالغ أقوالــه للنــاس جميعــا . لــذلك اســتدلوا على(39)لم تمك قبول الخبر الواحد والعمل به بالعقل واإلجماع، فصارت المرجعيةــة هي األصــل في الجعــل المنهجي. ومن ذلــك ــة والعقلي االجتماعي مثال: رؤية الحنفية أن الخبر الواحـد ال يصـلح للتأسـيس لحكم تعمــوى، به البلوى، لذلك فهم لم يقبلوه أصال لحكم واقعة تعم بها البل

لكن الجمهور قبلوه.ــة الفهم االجتمــاعي؛ ــدي أنهمــا معــا ينطقــان من خلفي وعنــة مفادهــا أن مــا احتاجــه فــالقول األول ينطلــق من قاعــدة عقليــانع عقلي الناس في يومياتهم ينبغي أن يشتهر أو يتواتر، فهناك م أن ينقل آحادا، بينما قال الجمهور: متى قبلنا الخبر عن المعصــومفيجب أن نقبله في عظيم األثر وقليله،إال إذا نقل ما تحيله العادة. ولعل اإلجمــاع ينطلــق من قــوانين )الفهم الجمعي للنص( أوـة فحص ـ الواقعــة. فلقــد اســتدلوا لإلجمــاع باآليــات، دون عملي

ــه: هداء﴿المقتضــى المجتمعي، فاســتندوا إلى قول ــوا شــ لتكون

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد44هـ1433م ـ 2012

قوانين الفهم االجتماعي للنص وجدلية صنع المنهج•

ــا يمكن حملهــا على﴾على الناس وعدد آخر من اآليات التي كلهــا غير الداللة المدعاة، لذلك يقول الغزالي: إن اآليات المستدل به

.(40)ليست نافعة في الغرض واستدلوا بقول الرسول: »ال تجتمع أمــتي على خطـأ«. وهــو في الداللة محل نقاش. وهنا أيضا تركــوا المقتضــى العقلي الــذيــثرة الممارســين ــول، أو إلى ك ــدد العق ــة أو تع يســتند إلى واحديــائي ــاس إحص ــو أس ــرفي ه ــاس المع ــد. فاألس ــوع الواح للموض

)عددي(. وشذ المالكية، فجعلــوا األســاس تلقي مجموعــة من النــاســل ــط أه ــوا هم فق ــام ليكون ــبي الســيرة واألحك إســالمهم عن الن اإلجماع فقال المالكية: إن الحجة فقط في إجمــاع أهــل المدينــة؛ ألنهم سمعوا من التابعين، وهؤالء سمعوا ورأوا الصــحابة، وأولئــك

.|سمعوا ورأوا النبي لكن هذا المعيار أو األساس دعا أولئك إلى القــول بـأن مكـةــود ــاع؛ لوج ــدن اإلجم ــذلك م ــة والبصــرة هي ك ــة والكوف والمدين الصحابة والتابعين فيها، فــرد المالكيــة بــأن المدينــة هي الجامعــة

لهم. وينحاز الغزالي في )المستصفى( إلى رؤية الشافعي، فــيرى أن شرع من قبلنا من األصــول الموهومــة. ويــرى أن المجتمعــات تجدد رؤاها، وتجديد الرؤى والحلول دليل على إهدار هــذا األصــل. وكذلك هو قول الصحابي ومذهبه. فهو ليس حجة عنده أبـدا؛ ألنـهــه أجــاز يجوز عليه الغلط والسهو، ولم تثبت عصــمته، وال ســيما أن

. ومنــع الغــزالي العــالم من أن يقلد(41)هو أن يخالفــه المجتهــدون الصحابي، ومنع الغزالي اعتماد أصل االستحســان. من هنــا يظهــر أن الفهم االجتمــاعي للنص حــاكم على األدلــة، فهــو ال يجــد ســببا

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد45هـ1433م ـ 2012

أ. د. عبد األمير كاظم زاهد•

ــا، ولكن ال يمكننــا أن لترجيح فهم الصــحابي، وجعلــه فهمــا مرجعيــوانين الفهم ــاس ق ــان على أس ــزالي لالستحس ر رفض الغ ــ نفس

االجتماعي. واختلــف العلمــاء في اإلجمــاع الســكوتي، ورده جمــع من العلماء؛ باعتبار عدم إمكان اإلفادة من السكوت؛ الحتمال الخوف

أو الجهل أو عدم االعتقاد بضرورة الموافقة على حكم.ــق ــا يطل ولعل منطق التبرير يدخل هنا، فنالحظ أن كثيرا مم عليه األغلبية الصامتة حاليا أريد لها أن تجبر على الرضــا بموقــف، فأجمع )حلفاء السلطات المتعاقبة( على اعتبار اإلجماع السكوتي

أصال من أصول الفقه. ــة، ومــا يســمى أحيانــا أما ما اصطلح عليــه بالســيرة العقالني بإيفاء العقلي، فهي الميل العام عند العقالء من البشر نحو سلوكن، دون أن يكون للشرع دور إيجــابي في تكــوين هــذا الميــل، معي مثل: الظهور. فإذا سكتت الشريعة عن هــذا الميــل، ولم تردعــه،

.اعتبر أصال، والمدار فيه على )العاقل النوعي(

الهوامش

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد46هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

المسؤوليات االقتصادية للدولةاإلسالمية

*(*()د. الشيخ حسن آقا نظري

ـ المصطلحات المتعلقة بنفقات الدولة1ف النفقات أو المصاريف العامــة بالنفقــات الــتي تنفقهــا تعر

(42)الدولة في مجال الواجبات والشؤون العامة ، ومن هنا يلزم أوالتعريف الشأن العام أو الحاجة العامة المرتبطة بذلك.

أـ الشأن العام يطلق الشأن العام على مجموع النشاطات التي تســهم في رفع النواقص وتأمين المتطلبات والمصالح العامــة لألمــة، ويكــون أمر إدارتهــا بيــد الدولــة دون القطـاع الخـاص، ســواء كـانت إدارة الدولــة على نحــو االســتقالل ـــ كمــا في مجــال الــدفاع الوطــني،ــع والقضاء والمحاكم، والبريد واالتصاالت وغيرها ـ أو باالشتراك م سائر األفراد ـ كمجال الصحة والتربية والتعليم ـ، وغرض الحكومة في إدارة هذا المجال بالنحو المذكور هو التوجيه والرعاية، أو كان أمر اإلدارة موكــوال إلى األفــراد بنحــو االســتقالل، وللحكومــة دور الرقابــة واإلشــراف الــدقيق، كمــا في إدارة اشــتراكات المــاء

ــ *( ــة لمركــز)*( أستاذ في الحوزة والجامعة، وعضو الهيئة العلميــالمي، من بحوث الحوزة والجامعة، متخصص في االقتصاد اإلس

إيران. ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

47هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

والكهربــاء واالتصــاالت ونحوهــا ممــا كــان أمــر إدارتــه ســابقا بيــدــة، وكــذا ــة والحرفي األفراد، وكذلك إدارة بعض المؤسســات المهني المؤسســات االقتصــادية المشــتركة بين القطــاع العــام والقطــاع

الخاص.ويتقوم الشأن العام بعنصرين:

ــات العامــة، أواألول ب : وجود شأن اجتماعي يعد من المتطلــه ال يشــترط في يشتمل على نوع من المصلحة العامة، وعليه فإنبات النشاط االجتماعي؛ كي يكون شأنا عاما، أن يكون من المتطل العامة، بــل يكفي فيــه اشــتماله على نــوع من المصــلحة العامــة.بات العامة، فحفظ اآلثار واألبنية القديمة ـ مثال ـ ال يعد من المتطل إال أن المصلحة الوطنية تقتضيه، ولذا تعتبر المصلحة العامة أوسعــور ــير من األم ــمل الكث ــا يش ــة، بم ــات العام ب ــا من المتطل نطاقــة. والمصــلحة العامــة تابعــة لنــوع النظــام والنشــاطات االجتماعي الحاكم من الناحية األيديولوجية، ولذا فإنها تتغير حسب االتجاهات

السياسية واالجتماعية الحاكمة.ــة أوالثاني : أن يكون الشأن االجتماعي تحت إدارة الحكوم

ــإن ــه ف ــاص. وعلي ــاع الخ ــا، وليس تحت إدارة القط تحت نظارته الشأن ال يكون عاما ما لم يكن تحت تصــرف الحكومــة، حتى وإن

بات العامة .(43)اشتمل على مصلحة عامة، أو كان من المتطلوينبغي هنا التمييز بين نوعين من النفقات:

ــقاألول: ــأمين البضــائع والخــدمات عن طري ــون لت ــا يك مالميزانية العامة، وهذا هو التعريف المتعارف للنفقات العامة.

رات الــتيالثاني: بــة على القــوانين والمقــر النفقات المترت تسنها الحكومة ويدفعها القطاع الخاص، كما لــو قــررت الحكومــة قرارا يقضي بلزوم نصب مطافئ الحريق في الفنادق، ممــا يلــزم

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد48هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

على أصــحابها رصــد مبــالغ ونفقــات لــذلك. وقــد اعتــبر بعض االقتصاديين مثل هذه النفقات في جملــة النفقــات العامــة؛ وذلــك

ألنها إنما كانت بسبب قرارات القطاع الحكومي العام.

ب ـ المتطلبات العامةــبر من مصــالح ــا يعت ــل م ــة على ك ــات العام ب ــق المتطل تطل

ــام ــه للصــالح الع ــه، ويكــون تأمين ــد(44)المســلمين، ويحتاجون . وق ســبقت اإلشــارة إلى أن المصــلحة العامــة تابعــة لنــوع الحكم منــية ــات السياسـ ــب االتجاهـ ـر حسـ ــ ـة، وتتغي ــ ــة األيديولوجي الناحيـــة في اإلســالم ـ واالجتماعية. إن اإلنسان ـــ حســب الرؤيــة الكونيــة. ــود والســعادة الحقيقي ــل الخل ــه على ني بحاجــة إلى أمــور تعين وسعادة اإلنسان تكمن في نيــل التكامــل والــرقي الــروحي الــذي يعتبر الهدف من بعثة األنبياء. وعليه فإن المصــالح العامــة تشــملــة، كمــا نص على ذلــك صــاحب الجــواهر، األمور الدنيوية واألخروي حيث قــال: »يفهم من األخبــار، بــل ظـــاهر الكتــاب، أن جميــعـة ـ عت لمصالح الناس وفوائدهم الدنيوي المعامالت وغيرها إنما شر

.(45)واألخروية، مما سمي مصلحة وفائدة عرفا«ــة من ــل خالي ــا العق ــا الشــرع، ويراه ــتي أقره والمصــالح ال المفسدة، هي عبـارة عن: حفــظ الـدين والنفس والعقــل والمـال والنسل. فقد أوجب الشارع حفظ هــذه األمــور وتــرك مــا يــوجب

.(46)فسادهاويمكن تقسيم المصالح إلى قسمين:

ــات الناشــئة من1 بــات العامــة الثابتــة: وهي الحاجي ـــ المتطلر الزمـــان ر بتغي الفطـــرة والـــذات اإلنســـانية، وال يمكن أن تتغير مصــاديقها، كمــا في حاجــة اإلنســان والمكان. نعم يمكن أن تتغي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد49هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

.(47)إلى األمن والرفاه العامين، اللذين يقرهما الشارعرة: وهي الحاجيات الــتي تحصــل2 ـ المتطلبات العامة المتغي

ــة، كــاآلالت العســكرية الحديثــة ــة والمكاني تبعــا للظــروف الزمانيووسائل الرفاه الجديدة.

وتقسم الحاجيات والمصالح المختلفة، بحســب أهميتهــا، فيضوء مقاصد الشرع إلى ثالثة أقسام:

بــات الضــرورية الــتي1 ـ الضروريات: وهي عبارة عن المتطل بها قوام مصالح الدين والدنيا، بحيث يوجب فقدها اختالل النظــام

العام، وظهور الفساد في حياة اإلنسان الدنيوية واألخروية.بات التي يحتاجها اإلنسان، لكن ال2 ـ الحاجيات: وهي المتطل

بات التي تصب في تبلغ الحاجة إليها حد الضرورة، كما في المتطل مجال الرفاه والتوسعة في الحياة، بحيث إذا فقدت كــانت الحيــاة أكثر صعوبة ومشقة، إال أن هذه الصعوبة والمشــقة ال تبلغــان حــد

ب على عدم وجود الضروريات. الفساد المترت3 بات التي لم تبلغ حد الضرورة، إال ـ الكماليات: وهي المتطل

أنها كمالية وثانوية في الحياة، بحيث ال يشكل فقدانها خطرا علىحياة اإلنسان.

ويمكن أخذ هذه األقسام الثالثة للمتطلبات بنظر االعتبار فيــدين، النفس، العقــل، النســل، ــة )ال المصــالح الخمســية المتقدم المال(. ويمكن ترتيب األولويات فيها، فتتقــدم ـــ بشــكل منطقي ـ ضــروريات الــدين على ضــروريات النفس، وهمــا على ضــروريات

العقل، وهكذا يتم هذا الترتيب في الحاجيات والكماليات أيضا.ــبر ــالمية تعت ــة اإلس ــإن الحكوم ــبق ف ــا س ــا على م وتأسيس مسؤولة عن تأمين المصالح العامة، التي يعد من أبــرز مصــاديقها النواميس الخمسة المذكورة. ويأتي على رأس ذلك حفظ النظام

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد50هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

دة ، وبــه تحفـظ بــاقي(48)اإلسالمي، الذي هــو من الواجبـات المؤكالنواميس األخرى.

وفي ما يلي من هذه الدراسة سنستعرض وظائف الحكومــةاإلسالمية، ثم نتعرض بعد ذلك إلى األولويات في هذه الوظائف.

ـ أنواع النفقات العامة2ــه ــا تنفق ــة على م ــات العام ــق النفق ــه تطل ــا ســابقا أن ذكرنــات الحكومة في الشأن والمسؤوليات العامة؛ وذلــك رفعــا للحاجيبات والمصالح العامة. وتنقسم هــذه المســؤوليات ـــ كمــا والمتطلرة. قــال المــيرزا ــة؛ ومتغي ــ إلى: ثابت ــات ـ ب هي المصــالح والمتطل

قــة بتنظيم&النائيني في توضــيح ذلــك: »إن كــل الوظــائف المتعل شؤون البلد والمحافظة عليـه وتـدبير أمــور وشـؤون الشــعب قـدــة المراجعــة ــة متكفلــة ألصــل القــوانين العملي تكــون أحكامــا أوليــة بة على مخالف للوظائف النوعية، أو ثانوية متضمنة عقوبات مترتــة، فهي ال تخــرج عن هــذين القســمين... والقســم األحكــام األولير األمصــار...؛ بينمــا يكـون األول ال يختلف بـاختالف األعصــار، وتغيــاختالف ــف ب القسم الثاني تابعا لمصالح الزمان ومقتضياته، ويختل

.(49)الزمان والمكان« وفي ما يلي استعراض ودراســة للمســؤوليات الملقــاة على

عاتق الحكومة اإلسالمية، وهي:

أـ التربية والتعليم في ضوء مــا تــرمي إليــه الشــريعة من نشــر مكــارم األخالقبة على عاتق والفضيلة في المجتمع فإن أولى المسؤوليات المترت الحكومة اإلسالمية هي مسؤوليات إعداد األرضــية الالزمــة لتنميــة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد51هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

الكرامة اإلنسانية وإصالح اإلنسان.ــول األعظم ــد أولى الرس ـة|وق ـ ــة والتعليم أهمي ــر التربي أم

قصوى، وكان يرصد نفقات ذلك من المــوارد العامــة. فقــد أعتــقــباب ــرة من ش ــه عش ــل تعليم ــدر مقاب ــرى ب ــير من أس ــل أس ك

. (50)األنصار معـاذ بن جبـل لمـا بعثـه إلى اليمن فقـال: »يـا|ولقد أوصى

معاذ، علمهم كتاب الله، وأحســن أدبهم على األخالق الصــالحة...،ــه، ثم بث بع الموعظة، فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الل وات

.(51)فيهم المعلمين«ــة أســماه|وقد خصص النبي ا للتعليم ومحــو األمي خاصــ محال

)دار القراء(. وقد نزل فيه عبــد اللــه بن مكتــوم بعــد رجوعــه من.(52)معركة بدر، وكذا نزله مصعب بن عمير

ــبر اإلمــام أمــير المؤمــنين في عهــده إلى مالــك×وقــد اعت .(53)األشتر إصالح الناس وتهذيبهم من وظائف الحكومة اإلســالمية

: »أيها×كما ورد عنه في مقام بيان حق األمة على الحكومة قوله النـــاس، إن لي عليكم حقـــا، ولكم علي حـــق، فأمـــا حقكم عليــا ــ ــأديبكم كيم ــ ــوا، وت ــ ــيحة لكم...، وتعليمكم كي ال تجهل ــ فالنص

. (54)تعلموا« وعلى هذا األساس فإن على الحكومــة اإلســالمية مســؤولية خطيرة في ترشيد األمــة ومســاعدتها على كســب المعــالي ونيــلــي ــانون األساس ــالث من الق ــل الث ــذا ورد في األص ــعادة. ول الس للجمهورية اإلسالمية: إن على الحكومة اإلســالمية توظيــف جميــع

طاقاتها من أجل األمور التالية:ــة على1 ـــ تهيئــة البيئــة المســاعدة لترشــيد الفضــائل الخلقي

أساس اإليمان والتقوى ومحاربة الفساد واالنحراف.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد52هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

ــع2 ـ رفع المستوى العلمي والثقافي العام للمجتمع في جمي المجــاالت، وذلــك من خالل االســتخدام الصــحيح لوســائل اإلعالم

والصحف وغيرها. ـ تتم التربية والتعليم والتربية الرياضية بشكل مجاني وفي3

المراحل الدراسية كافة، كما يتم تسهيل وتعميم الدراسات العليا.ــع4 ــتراع في جميـ ــة واالخـ ــة روح البحث والدراسـ ــ تقويـ ــ

ــة، وذلــك عن طريــق ــة والديني ــة والثقافي ــة والفني المجاالت العلميتأسيس مراكز البحث وتشجيع الباحثين والمحققين.

وتجدر اإلشارة هنا إلى التنبيه على جملة أمــور تتعلق بشــأنالتربية والتعليم:

ـ كان أمر التعليم في صدر اإلسالم والفترة التي تلت ذلــك1على عاتق الناس أنفسهم غالبا.

ـــ ال شــك أن المســتوى التعليمي الــذي يحتاجــه عمــوم2 المجتمع في صدر اإلسالم قــد اختلــف اليــوم بشــكل كبــير، وعلى هذا األساس فإن مسؤولية الحكومة تتحدد في ضوء درجة الحاجةرات الحاكمــة بات العامة، وكذلك في ضوء المقر واألولوية للمتطل

على النفقات العامة. عنــد أكــثر×ـ إن من أهم موارد الخمس في ســهم اإلمــام3

الفقهاء هو الدراسات الدينية والحوزوية، كما أن من موارد الزكاة عند فقهاء الشيعة مورد في سبيل الله، الذي يشمل أعمال الخير

.(55)وبناء المدارس والمساجد وتعميرها

ب ـ حراسة الدين ومحاربة البدع ال ينحصــر دور الحكومــة اإلســالمية في إطــار إقامــة الحــدود وبث التعاليم اإللهية، بل يتعدى ذلك إلى حراســة الــدين وصــيانته،

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد53هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

ــة. ولــذا يقــول اإلمــام أمــير ومحاربــة البــدع واالنحرافــات الفكري وجهوده الرسالية: »ابتعثــه بــالنور| في بيان دور النبي×المؤمنين

المضيء...، أظهر به الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة،ن به األحكام المفصولة« .(56)وبي

حراســة الــدين من أفضــل العبــادات×كما يعتبر اإلمام عليــتي يقــوم بهــا النظــام اإلســالمي، حيث خــاطب عثمــان قــائال: ال »فاعلم أن أفضل عباد الله عنــد اللــه إمــام عــادل، هــدي وهــدى،

.(57)فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مجهولة« ومن الطبيعي أن حراسة الدين ومحاربة االنحرافات والبــدعــات ــز والمؤسس ــاء المراك ــدر، وإنش ــادر المقت ــداد الك يتطلب إعرات المطلوبة؛ لتكون قادرة على اإلجابة والذب بمــا يناســب التغيــة. وأقــل مــا يتــوجب على النظــام اإلســالمي هــو الــدعم الزماني

والمساندة في هذا المجال.ـ األمن القومي واإلمكانيات الدفاعية ج

إن حفــظ الثغــور واالســتقرار السياســي )أي حفــظ الكيــانــام واألمن اإلسالمي أو البالد اإلسالمية(، وكذلك حفظ النظــام الع الوطني، يعتبر من أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الحكومة

الخــوارج الــذين×اإلسالمية، ولذا خــاطب اإلمــام أمــير المؤمــنين خرجوا على حكومته فقال: »إنه البد للناس من أمير، بر أو فاجر،ــغ اللــه فيهــا يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيهــا الكــافر، ويبل األجــل، ويجمــع بــه الفيء، ويقاتــل بــه العــدو، وتــأمن بــه الســبل،، ويسـتراح من ـر ويؤخــذ بـه للضـعيف من القـوي؛ حتى يســتريح ب

.(58)فاجر« بغزوات كثيرة طيلة حكمه الــذي|لقد بعث الرسول األعظم

( غــزوة،27( أو )26امتد إحدى عشرة سنة، وقد كــانت غزواتــه )

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد54هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

ــالم وكيانه66( إلى )36فيما بعث بـ ) .(59)( سرية للدفاع عن اإلس والمهم هو معرفة كيفية تأمين نفقات هذه الغــزوات والســرايا؛ إذ

يمتلك جيشا نظاميا، وإنما كان المسلمون يجهزون|لم يكن النبيــدو، ــون من الع ــال، ثم يغنم ـة في القت ـ ــدراتهم الذاتي ــهم بق أنفس فيكون ذلك مددا لهم، ثم نزلت آية الخمس بعد معركة بدر، فكان

مها بين المســلمين، أو|النبي ــة ليقســ يعزل خمس الغنــائم الحربييبيع بعضها لشراء السالح للمقاتلين.

ــني|قــال ابن إســحاق: »ثم إن رســول الله م أمــوال ب قســــوم قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأعلم في ذلك الي ســهمان الخيــل وســهمان الرجــال، وأخــرج منهــا الخمس، فكــان للفارس ثالثة أسهم: للفرس سهمان؛ ولفارسه سهم، وللراجــل ـــه ــيء وقعت في ــان أول فـ ــ ســهم...، وك ــرس ـ ــه ف من ليس ل السهمان وأخرج منها الخمس. فعلى سنتها وما مضى من رسـول

ــازي. ثم بعث|الله ــنة في المغـ ــت السـ ــم، ومضـ وقعت المقاسـ سعد بن زيد األنصاري أخــا بـني عبــد األشــهل بســبايا|رسول الله

.(60)من بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيال وسالحا«ـــة لتـــأمين نفقـــات الـــدفاع الشـــرعي ومن المـــوارد المالي

ــك×)الخراج(. وقد وردت اإلشارة لذلك في عهد اإلمام علي لمالــود×األشتر، حيث يشير إلى أهمية الخــراج بقوله : »ال قــوام للجن

إال بمــا يخــرج اللــه لهم من الخــراج، الــذي يقــوون بــه في جهــاد عــدوهم، ويعتمــدون عليــه في مــا يصــلحهم، ويكــون من وراء

.(61)حاجتهم« كما أن من مــوارد نفقــات الــدفاع الشــرعي )الزكــاة(، حيث يوجد في مصارفها عنوان )في ســبيل اللــه(، الــذي يعتــبر الــدفاع

.(62)والجهاد من أبرز مصاديقه بإجماع الفريقين

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد55هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

ومن الشؤون التي اهتم بها اإلسالم، على حد اهتمامه بــدفع العدو الخارجي، مسألة األمن واالستقرار الداخلي، وقــد روي عن

في ما يحتاجه الناس عامة أنه قال: »ثالثة يحتاج×اإلمام الصادق.(63)الناس طرا إليها: األمن؛ والعدل؛ والخصب«

قال: »شــر األوطــان مــا لم يــأمن فيــه×وعن أميرالمؤمنين.(64)القطان«

.(65)وعنه أيضا قال: »شر البالد بلد ال أمن فيه، وال خصب« أول من جعل الشرطة الــذين اختــارهم من×والمعروف أنه

جيشــه وأطلــق عليهم »شــرطة الخميس«، وكلهم من العــدول الثقات الذين تعادل شهادة الواحد منهم شــهادة اثــنين، وكــان من هؤالء الثقة المأمون عبدالله بن يحيى الحضــرمي، الــذي قــال لــه

ــك وأبــاك من شــرطة×أمير المؤمنين : »ابشــر يــا عبــد اللــه، فإن باســمك واســم أبيــك في|الخميس حقا، لقد أخبرني رســول الله

.(66)شرطة الخميس« كما أنه نسب إلى عمر بن الخطاب أنه أول من جعــل نظــام »العسس«، وهي للحراسة في الليل. لكن استبدل ذلك في عهــد

بنظام الشرطة، الــذي كــان يقصــد منــه في أول×أمير المؤمنينهم وإجــراء قــرارات وأحكــام أمره مساعدة القضــاء في إثبــات الت

.(67)الحكومة اإلسالمية ومما يذكر في هذا المجــال أن الــدفاع عن الثغــور وإن كــانــه يجــوز أن يســتأجر المكلف من يقــوم عنــه من الواجبــات، إال أن

، قــال: »إن×، عن أبيــه البــاقر×بذلك، فقد روى اإلمــام الصــادق سئل عن إجعال الغزو، فقال: ال بأس بــه، أن يغــزو الرجــل×عليا

.(68)عن الرجل، ويأخذ منه الجعل«

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد56هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

د ـ محاربة التبعيض والظلم االقتصادي )تطبيق العدالة( إن من أبرز مهام الحكومــة اإلســالمية صـيانة حقــوق النـاسدين على القانون، وإحقاق حقوق المظلــومين، في مواجهة المتمر وبسط العدالة في المجتمع، وإشعار الضعفاء باألمن القضائي في ظل النظام اإلســالمي. وإن من معــايير قداســة المجتمــع تطــبيق

: »لن تقدس أمة حتى يؤخــذ×العدالة فيه، كما قال أميرالمؤمنين.(69)للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع« إقامــة العــدل وإحقــاق×إن من مزايــا حكومــة اإلمــام علي

ــات ــيز واالســتغالل واإلقطاع ــة التمي ــومين ومحارب ــوق المظل حق في اليــوم الثــاني من×واستغالل المنصب. وقد أعلن اإلمام علي

ــه استالمه الحكم عن سياسته في هذا المجــال: »واللــه، لــو وجدت قد تزوج به النساء، وملك به اإلماء، لرددته؛ فإن في العدل سعة،

.(70)ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق« أصــحابه بشــدة من اســتغالل المنصــب،×وقــد حــذر اإلمــام

ة وبطانـــة، فيهم فكتب إلى مالـــك قـــائال: »ثم إن للـــوالي خاصـــ استئثار وتطاول، وقلة إنصاف في معاملــة، فاحســم مــادة أولئــكــك بقطع أسباب تلك األحوال، وال تقطعن ألحد من حاشيتك وحامت قطيعـة، وال يطمعن منـك في اعتقـاد عقــدة، تضـر بمن يليهــا منــدنيا ــك في ال ــه علي ــك، وعيب ــك لهم دون ــأ ذل ــاس، فيكــون مهن الن

.(71)واآلخرة« االســتئثار بــالحكم، كمــا جــاء في قولــه×وقد شجب اإلمــام

.(72)لمالك: »وإياك واالستئثار بما الناس فيه أسوة«ي بــه×إن من يريد التأسي باإلمــام في الحكم فعليــه التأســ

في تعامله مع بيت المال وحقوق الناس فيه، تلك الحقوق التي ال يحول دون استحقاقها فسق الرعية أو نفاقهــا؛ ألن قيمــة اإليمــان

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد57هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

ال يمكن أن تقــاس بالمــادة والمــال. ولــذا نجــد×عند اإلمام علي× واإلمــام علي|للرحمة اإللهية في ســيرة النــبي مفهومــا وســيعا

يــأمر أتباعــه×يشــمل المخلوقــات كافــة، ولــذا كــان اإلمــام عليــة والمحافظــة على حقــوق النــاس في بيت المــال، فنجــده بالدق

قــائال: »وقــد علمتم أن|يخاطب الخوارج ويشرح لهم سنة النــبي رجم الزاني المحصن، ثم صلى عليه، ثم ورثــه أهلــه،|رسول الله

وقتل القاتل، وورث ميراثه أهله، وقطع السارق وجلد الزاني غــير المحصن، ثم قسم عليهما من الفيء ونكحا المســلمات، فأخــذهم

بذنوبهم، وأقام حــق اللــه فيهم، ولم يمنعهم ســهمهم|رسول الله.(73)من اإلسالم، ولم يخرج أسماءهم من بين أهله«

ومن الطبيعي أن التصدي لمثل هذه المســؤوليات الجســيمة يستتبع وجود جهــاز قضــائي كفــوء ومقتــدر، األمــر الــذي يســتلزم تحميل ميزانية النظـام اإلســالمي عبئــا كبــيرا لتــأمين نفقــات هــذا الجهــاز. ويجب على النظــام اإلســـالمي تــأمين نفقـــات الكــادر القضائي ودفع األجور لهم، فإن بيت المال الذي يملك زمامه ولي

.(74)األمر ال يقتصر على تأمين نفقات الفقراء والمساكين فقط في عهــده إلى مالــك إلى ضــرورة×وقد أشــار اإلمــام علي

: »وأفســح×تأمين ما يحتاجه القضاة ماديا ومعنويا، فقد ورد قوله له ]أي القاضي[ في البذل ما يزيل علتـه، وتقــل معـه حاجتـه إلىــه غــيره من ــديك مــا ال يطمــع في ــة ل ــاس، وأعطــه من المنزل الن

.(75)خاصتك؛ ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك«

ـــ التكافــل االجتمــاعي )تــأمين المتطلبــات األساســية هـــللفقراء(

إن مالحظــة رأي اإلســالم في الفقــر ال تبقي أدنى شــك في

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد58هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

.(76)ضــرورة رفــع الفقــر والســعي إليجــاد حالــة الغــنى والرفاهيةــة معــا، هــذا ويشــترك في القيــام بهــذه المهمــة الحكومــة والرعي

مضافا إلى دور األغنياء في رفع المستوى المعيشي للفقراء.ــام ــة للنظ ــوارد المالي ــظ أن أهم الم ــدد يالح ــذا الص وفي ه اإلسالمي في محاربة الفقر هو الخمس والزكاة. ويجوز للحكومــةــة لــبيت المــال لتحقيــق اإلســالمية توظيــف بــاقي المــوارد المالي

لمالــك: »اللـه×الغرض المذكور. وقـد ورد في عهـد اإلمـام علي اللــه في الطبقــة الســفلى من الــذين ال حيلــة لهم من المســاكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمــنى، فــإن في هــذه الطبقــة قانعــا ومعــترا...، واجعــل لهم قســما من بيت مالــك، وقســما من غالت

.(77)صوافي اإلسالم في كل بلد« لقــد أخــذ الحكم العلــوي على رأس مهامــه كفايــة الضــعفاء

لمالــك: »وتعهد أهــل اليتم وذوي الرقــة في×والفقراء؛ إذ يقــول الســن ممن ال حيلــة لــه، وال ينصــب للمســألة نفســه، وذلــك على

.(78)الوالة ثقيل، والحق كله ثقيل« وقد روي أنه مر بشيخ يستعطي الناس، فسأل عنــه، فقيــل:

: »استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتمــوه،×إنه نصراني، فقال.(79)انفقوا عليه من بيت المال«

، حتى بلــغ المســتوى×وهكــذا كــانت ســيرة أمــير المؤمــنين المعيشي للناس أن يقال: »ما أصــبح بالكوفــة أحــد إال ناعمــا، إن أدناهم منزلــة ليأكــل الــبر، ويجلس في الظــل، ويشــرب من مــاء

.(80)الفرات« ويهدف اإلسالم من سياسة التكافل االجتماعي تكــريس روح الكرامة اإلنسانية، وتهيئــة األرضـية للـرقي والتعــالي الــروحي في المجتمع. وعليه فإن أحكام اإلسالم ترفض روح الكســل والفشــل

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد59هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

ع الزكاة إال للفقراء والمساكين ومن عليــه دين والتواني، فال تشر في ذمته. ولذا يشترط في الفقــراء والمســاكين ألخــذ الزكــاة مــا

:(81)يليـ أن ال يملك قوت نفسه وعياله.1 ـ من كــان عنــده ضـيعة أو عقــار أو مواشــي أو نحــو ذلــك،2

تقــوم بكفايتــه وكفايــة عيالــه في طــول الســنة، ال يجــوز لــه أخــذــه الزكاة، وكذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤونته، أو كان لــا من النقد أو الجنس ما يكفيه وعياله وإن كان لسنة واحــدة، وأم

إذا كان أقل من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها.ل3 ـ ال يجوز أخذ الزكاة لمن كانت له صنعة أو كســب يحصــ

منهما مقدار مؤونته. ـــ األحــوط عــدم أخــذ القــادر على االكتســاب إذا لم يفعــل4تكاسال. ـــ إن مصــرف الخمس بيــد الحــاكم اإلســالمي إلنفاقــه في5

ــه يجب صــرفه مصالح المسلمين، إال أن للسادة الفقراء سهما فيعليهم.ـ ال يستحق المدين الذي لم يطالبه الدائن بدينه الزكاة.6

ــبي ــيرة الن ــيما س ــ وال س ــالم ـ ــاليم اإلس ــظ تع |إن من يالح ـ في محاربة الفقر يجد أنهــا عــالجت جــذور ذلــك. ومن^واألئمة

األسس التي اعتمدها اإلسالم لمحاربة الفقر والبؤس هو التشجيع على العمل والتحذير من الدعة والتكاسل والتــواني، والحث علىــاد إعداد وسائل العمل واإلنتاج، فقد ورد في تعاليم اإلسالم: »الك

.(82)على عياله كالمجاهد في سبيل الله«ــة العمــل من خالل ســيرتهم، د أئمــة الــدين على أهمي كما أك

ــه، وقــد×فقــد روي أنــه رؤي اإلمــام الكــاظم يعمــل في أرض ل

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد60هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

عرقت قدماه، فقيل له: أين من يكفيك ذلــك من الرجــال؟ فكــان جوابه أنه قد عمل من هو أفضل مني ومن أبي بأيديهم بالمسحاة

، كــانوا×، وأمــير المؤمــنين|في األرض، وكــان يقصــد رسـول الله يعملـــون بيـــدهم، وهـــو عمـــل األنبيـــاء والرســـل واألوصـــياء

.(83)والصالحين طلب العالء بن كامــل أن يــدعو×ولذا رفض اإلمام الصــادق

له بالرزق في دعة، فقال له: »أدعو لــك! اطلب كمــا أمــرك اللــه.(84)عز وجل«

و ـ اإلعمار والبناء إن مهمــة اإلعمــار والبنــاء في األرض هي مهمــة ســماوية

× في هبــوط آدم×أوكلت إلى اإلنسان، كما يقول أمير المؤمــنين.(85)إلى األرض: »فأهبطه بعد التوبة؛ ليعمر أرضه بنسله«

ــاس ــا من خالل الن ــة المشــار إليه ــق المهم ومن أجــل تحقي الحكومـة بإعمـار األرض، واعتـبر ذلـك×أنفسهم فقد ألزم اإلمام

من واجبات الحاكم اإلسالمي. إن دور الحكومة اإلســالمية في الشــأن االقتصــادي هــو دعم القطاع الخاص، ويتحدد دور الحكومـة اإلسـالمية بحـدود المصـالح

ر أخــذ الخــراج×االجتماعية. ولذا أمر اإلمام علي مالكــا أن ال يــؤث على اإلنتــاج ســلبا، كمــا أوصــاه خــيرا بالتجــار وأصــحاب الصــنائع

.(86)والحرف ، بإنشــاء الســوق،×، وكــذلك أمــير المؤمــنين|وقد قام النبي

يأخــذ×. ولم يكن أمــير المؤمـنين(87)وجعلـه تحت تصـرف التجــارــا ــل يعطيه ــار، ب ــر من التج ــدكاكين األج ــوق وال ــوت الس على بي

×. وقــد كتب(89)، وكان يكــره أخــذ مــال اإلجــارة عليها(88)بالمجان

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد61هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

كتابا إلى قرظة األنصاري عامله يوصيه بمساعدة المــزارعين في : »أما بعد، فــإن قومــا من أهــل×فتح األنهار وحفرها، حيث يقول

ــا ودرس، وأنهم إن ــد عف ــرا ق ــذكروا أن لهم نه ــوني ف ــك أت عمل حفروه واستخرجوه عمرت بالدهم، وقووا على كل خراجهم، وزاد فـيء المسلمين قبلهم، وسألوني الكتــاب إليــك لتأخــذهم بعملــه، وتجمعهم لحفره واإلنفاق عليــه، ولســت أرى أن أجــبر أحــدا على عمل يكرهــه، فــادعهم إليــك، فــإن كــان األمــر في النهــر على مــا وصفوا فمن أحب أن يعمل فمره بالعمل، والنهر لمن عمله، دونــعفوا، ــ ــووا أحب إلي من أن يض ــ ــروا ويق ــ ــه، ولئن يعم ــ من كره

.(90)والسالم«ــداعم وبنظرة فاحصة في هذا الكتاب يظهر دور الحكومــة ال

والرقابي للقطاع الخاص. يجعل ما يستولي عليه المســلمون من|وقد كان رسول الله

ــاتج األرض ــال بعض نـ ــزارعين، في قبـ ــرف المـ أراض تحت تصـيدفعونه إلى الحكومة.

ز ـ تحقيق الرفاهية وزيادة العطاء من واجبات الحكومة اإلسالمية تجاه المجتمع اإلسالمي رفــع المستوى المعاشي للنــاس، وزيــادة عطــائهم من بيت المــال. وال تنحصر مسؤولية الحكومة هنا برفع العوز عن الفقــراء والضــعفاء، بل تمتد إلى محاولة تحقيق الرفاه االجتماعي، فقــد اعتــبر اإلمــام

ــة من حقوقهــا على الحــاكم، فقــال×علي :× زيادة العطــاء للرعي.(91)»فأما حقكم علي فالنصحية لكم، وتوفير فيئكم عليكم«

ح ـ الرقابة على السوق وتنظيمه

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد62هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

رغم محدودية الــدور الـذي تمارسـه الدولــة في التـدخل في الشأن االقتصادي ضمن الظروف العادية، إال أنه يقع على عاتقهــا مسؤولية الرقابة واإلشراف على السوق والوضع االقتصادي. ولذا فإن من أهم الواجبات في نظام الحسبة هو الرقابة على الســوق

واألشغال كافة. يشــرف بنفســه على حركــة الســوق،×وقد كان اإلمام علي

ــة في معــامالتهم، فيأمر أهله برعاية الموازين الشــرعية واألخالقي ثم يشــرف على وضــع األســعار وطريقــة الــبيع والشــراء وحركــة المعامالت، ويحاسب على االحتكار وغالء األســعار. فقــد روي عن

بالكوفة عندكم يغتدي× قال: »كان أمير المؤمنين×اإلمام الباقر كــل يــوم بكــرة من القصــر، فيطــوف في أســواق الكوفــة ســوقا سوقا، ومعه الدرة على عاتقه، وكان لها طرفــان، وكــانت تســمى السبيبة، فيقف على أهل كل سوق فينادي: يا معشر التجار، اتقوا الله عز وجل، فإذا سمعوا صــوته ألقــوا مــا بأيــديهم، وأرعــوا إليــه

كوا×بقلوبهم، وسمعوا بآذانهم، فيقــول : قــدموا االســتخارة، وتــبرنــوا بــالحكم، وتنــاهوا عن بالسهولة، واقــتربوا من المبتــاعين، وتزي اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين،ــاس ــيزان، وال تبخســوا الن ــل والم ــوا الكي ــا، وأوف ــوا الرب وال تقرب

في جميــع×أشــياءهم، وال تعثــوا في األرض مفســدين، فيطــوف. (92)أسواق الكوفة، ثم يرجع للناس«

ــال: »رأيت وروى في فضــائل الصــحابة عن أبي الصــهباء ق.(93)علي بن أبي طالب بشط الكأل يسأل عن األسعار«

ــه كــان يمشــي في×وروى في الدعائم قــال: »وعن علي أنــاش في األسواق، وبيده درة يضرب بها من وجد من مطفف أو غ تجارة المسلمين. قال األصبغ: قلت له يوما: أنا أكفيك هذا يا أمير

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد63هـ1433م ـ 2012

د. الشيخ حسن آقا نظري•

.(94)المؤمنين، واجلس في بيتك، قال: ما نصحتني يا أصبغ« يبعث إلى باقي النــواحي من يــراقب حركــة الســوق×وكان

فيها، فقد كتب إلى واليه على األهواز رفاعة بن شداد بعــزل )ابن.(95)هرمة( عن السوق، وتولية شخص آخر عليه

ــام ــعار×لم يكن اإلمـ ــار بخفض األسـ ــية التجـ يكتفي بتوصـ ، بل كان يراقب وباستمرار وضـع األسـعار، ويحاسـب من(96)فقط

يحاول رفعها أو احتكار السلع. ولذا نجده يكتب إلى مالك: »فامنع|من االحتكار؛ فإن رسول الله منع منــه، وليكن الــبيع بيعــا ســمحا

بموازين عدل، وأســعار ال تجحــف بــالفريقين من البــائع والمبتــاع،ــير ــه في غ ــه، وعاقب ل ب ــاه فنك ــك إي ــد نهي ــارف حكــرة بع فمن ق

.(97)إسراف«

طـ جباية الضرائب وتنظيم بيت المال تقـــوم الحكومـــة اإلســـالمية؛ من أجـــل تـــأمين نفاقاتهـــا

.(98)ومصاريفها، بجباية الضرائب وتنظيم بيت المال على تعــيين الجبــاة× واإلمــام علي|وقد كانت سياسة النبي

لجمع الزكاة والخراج والجزية. وأما سياســتهما في الحــرص علىــه أو ــراف في ــدم اإلس ــه وع ــل مع ــة في التعام ــال والدق بيت الم

اإلجحاف به فهي مشهورة ال نجد حاجة للخوض فيها.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد64هـ1433م ـ 2012

المسؤوليات االقتصادية للدولة اإلسالمية•

الهوامش

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد65هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

شرط اإليمان المذهبي في استحقاقالخمس والزكاةمطالعة فقهية استداللية

الشيخ حيدر حب الله

تمهيدــة رئيســية، وهي: سنت الشريعة اإلسالمية أربع ضرائب مالي الزكاة؛ والخمس؛ والخراج؛ والجزيــة. وقــد جعلت هــذه الضــرائبــة العامــة(، أو بيت عادة من عائدات بيت مــال المسـلمين )الملكي

مال اإلمام )ملكية الدولة(، لتصرف في مصالح المسلمين. وقد تعرضــت النصــوص الشــرعية لمصــارف هــذه الفــرائض المالية، ومن ضمنها: الخمس؛ والزكاة. فخصصــت للزكــاة ثمانيــة مصــارف، هي: الفقــراء؛ والمســـاكين؛ والعـــاملون عليهــا؛ وفيفــة قلــوبهم؛ والغــارمون؛ وابن الرقــاب؛ وفي ســبيل اللــه؛ والمؤل السبيل. أما الخمس فالمعروف إسالميا تقسيمه إلى ستة أســهم،ــامى؛ ــربى؛ واليت ــول؛ وذوي الق ــه؛ والرس ــهم الل ــل من س هي ك والمســاكين؛ وابن الســبيل. وقــد ذهب الفقــه اإلمــامي إلى جعــل الثالثـة األولى سـهم اإلمـام يعطى لــه، فيمـا الثالثـة الثانيـة سـهمــبيلهم، وهم ــاكينهم وابن سـ ــادة ومسـ ــراء السـ ــادة، أي فقـ السـ المنتســبون إلى الــبيت النبــوي الشــريف، على خالف بينهم في

نطاق هذه النسبة.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد66هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ــارف ــاة ومص ــتحقين في الزك ــناف المس ــد أص وعقب تحدي الخمس تعـــرض الفقهـــاء لمـــا أســـموه بأوصـــاف المســـتحقين، فشرطوا فيهم شــروطا، مثــل: أن ال يكــون المســتحق ممن تجب نفقته على المعطي، فال يجــوز لمن يريــد دفــع الزكــاة أن يعطيهــا

لولده الفقير؛ حيث إن ولده ممن تجب عليه نفقته شرعا.ــتحقي الخمس ــة الشـــروط واألوصـــاف في مسـ ومن جملـ والزكاة على مستوى الفقــه اإلمــامي: اإليمــان، بمعــنى أن يكــون المســتحق مســلما شــيعيا اثنــا عشــريا، فال يعطى أبنــاء المــذاهب اإلسالمية األخرى ـ فضال عن الكافر ـ من الخمس والزكــاة شــيئا، إال من سهم المؤلفة قلوبهم )وبعض أصــناف العــاملين عليهــا(، ال من سهم الفقراء والمساكين وغــيرهم، بمعــنى أن ســهم الســادةــة، وال مثال ـ بناء على ثبوتــه ـــ يعطى للســادة الفقــراء من اإلمامي

. وقـــد ادعي(99)يعطى للهاشـــمي الســـني أو الـــدرزي أو غيرهما . نعم، يمكن إعطــاء(100)اإلجمــاع أو نفي الخالف على هــذا الحكم

ــاة، ومن أبناء المذاهب األخرى من سهم المؤلفة قلوبهم في الزكسهم اإلمام في الخمس، حسب المصلحة والمورد في ذلك.

ــة. وســوف والمستند الرئيس في ذلك هــو النصــوص الحديثي ندرس هذا الموضوع في الزكاة والخمس على المستوى القرآني العــام، ثم نعقبــه بدراســة الموضــوع نفســه في الزكــاة والخمس

على الترتيب على مستوى سائر األدلة، إن شاء الله تعالى. والبحث هنا في خصوصية اإلمامية االثني عشرية ال غير، فلو فرضنا أن الــذي نريــد صــرف الزكــاة عليــه كــان فاســقا متجــاهرا بالمعاصــي أو تاركــا للصــالة أو شــاربا للخمــر، وقلنــا بعــدم جــوازــه بعض صف بهذه الصفات، كما ذهب إلي صرف الزكاة على من اتصف بهذه الصــفات، لكن الفقهاء، لم يجز إعطاء غير اإلمامي المت

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد67هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ال من جهة مذهبه هذه المــرة، بـل من جهــة سـائر الصـفات فيـه.فبحثنا في جهة خاصة من الموضوع.

يضاف إلى ذلك أن هذا الموضوع ال وجــود لــه بهــذه الصــيغة في الفقــه غــير اإلمــامي؛ إذ من الواضــح عـدم تعقل أخــذهم قيــد اإليمــان بــالمعنى األخص في مســتحق الخمس والزكــاة. لهــذا

سيكون البحث هنا ـ من حيث سياقه ومصادره ـ إماميا بامتياز.

أوال: شرط اإليمان على المستوى القرآني تعرض القرآن الكريم لمستحقي الزكــاة والخمس في آيــتين منفصلتين فيه. والبد من استعراض هاتين اآليــتين؛ للنظــر فيهمــا،

على الشكل التالي:

ـ في فريضة الزكاة والصدقات1 إنما﴿أما في الزكاة ـ وهي الصدقات ـ فقد ورد قوله تعالى:

ا ــ ــاملين عليهـ اكين والعـ ــ راء والمسـ ــ دقات للفقـ ــ الصـبيل قاب والغارمين وفي ســ والمؤلفة قلوبهم وفي الرة من الله والله عليم حكيم بيل فريضـــ ﴾الله وابن الســـ

ــتحقين، ولم60)التوبة: (. وهذه اآلية القرآنية الكريمة تحدد المس تذكر فيهم أي صفة خاصة، كاإلسالم أو اإليمان أو إقامة الصالة أو ترك شرب الخمر أو غير ذلك، فتكــون مطلقــة من هــذه الناحيــة، بناء على أنها في مقام بيان صفات المستحقين أيضا، ال أصــنافهم

فحسب.ــة على بطالن والــذي يبــدو لي أن هــذه اآليــة ذات داللــة قوي شرط اإليمان بمعناه العام، فضال عن المعنى الخاص، أي اإليمــان بمعنى االعتقاد باإلسالم قلبا واالعتقــاد بالمــذهب اإلمــامي؛ وذلــك

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد68هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ـه ـ أن اآلية لو فصلت عن سياقها ألفادت بيانا عاما قد يقال فيه: إن في مقام بيان أصناف المستحقين، ال أوصافهم. وهذا لــو غضضــنا الطرف عنه، وتركنا التأمل فيه، فــإن الســياق الســابق على اآليــةــة ــذه اآلي ــإن ه ــوع؛ ف ــمة في الموض ــة حاس ــق يعطي دالل والالح الكريمة جاءت في سورة التوبة الــتي خصصــت قســما كبــيرا من آياتها للحــديث مــع المنــافقين وعنهم. ومن جملــة الملفــات الــتي خاضت السورة سجالها مع المنــافقين هــو ملــف الصــدقات. قــال

قل أنفقوا طوعــا أو كرهــا لن يتقبل منكم إنكم﴿تعالى: قين ــ ــا فاسـ ــل منهم*كنتم قومـ ــا منعهم أن تقبـ ومـ

ــأتون وله وال يـ ــ روا بالله وبرسـ ــ أنهم كفـ اتهم إال ــ نفقـ وهم كــارهون ون إال وهم كسالى وال ينفقــ الة إال *الص

فال تعجبك أموالهم وال أوالدهم إنما يريــد الله ليعــذبهمهم وهم كــافرون *بها في الحياة الــدنيا وتزهــق أنفســ

وم ويحلفون بالله إنهم لمنكم ومــا هم منكم ولكنهم قــأ أو مغــارات أو مــدخال لولوا*يفرقون لــو يجــدون ملجــ

دقات*إليــه وهم يجمحــون ومنهم من يلمــزك في الصــا إذا هم ــوا منهــ وا وإن لم يعط ا رضــ ــوا منهــ إن أعط فــ

خطون ــ وله*يس ــاهم الله ورســ وا مــا آت ــو أنهم رضــ ولوله إنا له ورســ يؤتينا الله من فضــ وقالوا حسبنا الله ســ

اكين*إلى الله راغبون راء والمســ دقات للفقــ إنما الصــقـــاب ة قلـــوبهم وفي الر ا والمؤلفـــ والعـــاملين عليهـــة من بيل فريضــ بيل الله وابن الســ والغــارمين وفي ســ

(.60 ـ 53 )التوبة: ﴾الله والله عليم حكيم..ح اآليــات إن هــذا الســياق يعطي أن المنــافقين الــذين تصــر بكفرهم القلبي الواقعي بالله ورسوله قد عابوا عــدم أخــذهم في

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد69هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

بعض األحيان من الصدقات، فرد عليهم القرآن، ثم علل بالقاعـدةرت عدم حصــولهم أحيانــا على الصــدقات، مســتخدما أداة التي بر الحصــر، فكــأن اآليــات تقــول: إنكم تتحــدثون عن العطــاء في الصدقات، وتثيرون الكالم حــول أن الرســول ال يعطيكم في بعض األحيان )ألن اآلية تصرح بأخذهم أحيانا(. وهذا منكم أمر مرفوض، فالصدقات لثمانية أصناف.. وهذا يعني أن مالك عــدم أخــذهم من الصدقات كــان عــدم انــدراجهم في المصــارف الثمانيــة أحيانــا، ال لتمييز شخصي من الرســول ال يخضــع لضــوابط. وإذا عللت اآليــة بهذه الطريقة فهذا دليل واضــح على أن اإليمــان ليس بشــرط؛ إذ لو كان اإليمان شرطا لذكرته اآلية الكريمة، وكان أقــرب للجــواب عليهم. فكان بإمكانها القول ـ وهو أبلغ للجواب ـ: إنمــا الصــدقاتــوا ــاموا للصــالة لم يقوم ــذين إذا ق ــه ورســوله وال ــنين بالل للمؤم كسالى و... واآليات ليست في حرج منهم حتى تراعيهم، بل هــذه الســورة الــتي ســميت بالفاضــحة شــنت أعنــف الهجمــات عليهم،ها وكان كثـير منهم على األقـل معروفـا؛ ألن الحـوادث الـتي تقصـ اآليات واضحة، وليست خفية. فعــدول القــرآن عن هــذا التعليــل ـــة مع إشارته إلى أخذهم أحيانا من الصدقات ـ قرينــة ســياقية جليــير ــ غ ع ـ ــي ــال عن التش ــ فض ــالم ـ ــبي باإلس ــان القل على أن اإليم مشروط، وإال كان أولى بالبيان مما ذكرته اآلية الكريمة، كمــا هــو واضح. فتكون اآلية الكريمة دليال على عدم أخذ مثل هذا الشرط، وكفاية اإلسالم الظاهري، المحفــوظ بــأدنى مراتبــه مــع المنــافق،نا، ما ولو كان هناك عين أو أثر لشرط اإليمان لكان ذكره هنا متعي

لم ندخل في احتماالت غير واقعية.ة من الله﴿بل لعل اإلشارة في آخر اآليــة: راجعــة﴾فريضــ

إلى التقسيم الثماني، ال إلى أصل وجوب الزكاة، كما هو األقرب،

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد70هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

فكأنه يريد أن يقول: إن هذا التقســيم فريضـة من اللـه، فال يحــق لكم أن تعيبوا على الرسول عمله بفــرائض اللــه في صــرفه على هؤالء ممن قد ال تكونون منهم أحيانــا. فيعــزز احتمــال أن اإليمــان ليس بشرط. وعلى أبعد تقدير كان من األنســب باآليــة أن تقــول:

إنما الصدقات للمؤمنين حقا والمؤلفة قلوبهم.لون الحقــا إلى أن الزكــاة تقــعقد يقال: إنكم سوف تتوصــ

أوليا تحت تصرف الحاكم، فالصرف فيها يرجع إليه، ومن ثم فكما يمكن أن يكــون إعطــاء أو عــدم إعطــاء الرســول المنــافقين من الزكاة راجعا لحكم أولي كذلك يمكن أن يكون راجعا لواليتــه على المــال، فال يحــرز من ســياق الحــدث الــذي تحكي عنــه اآليــات أن

اإلعطاء وعدمه شأن تشريعي أولي، بل قد يكون شأنا والئيا. إن ظاهر اآلية الكريمة أنه لو كــان عــدم إعطــاءوالجواب:

ـة، ـات الزمني النبي المنافقين في بعض األحيـان راجعـا إلى األولويــع مع استحقاقهم من حيث األصل، لكان البد من التعليل بأمر راج إلى نظر النبي ومرجعيته الميدانية، وضرورة التسليم لــه، فيكتفىن فيــه لــه باآليــة الســابقة على آيــة مصــارف الزكــاة، ال بــأمر يــبي

مصرف الزكاة بحسب الحكم األولي. إن هذه اآلية ال تفيــدكم هنــا؛ ألن الطــرف اآلخــرقد تقول:

فة، وإنما الكالم في يقبل بإمكان أخذ غير اإلمامي من سهم المؤلــة أخذه من سهم الفقراء والمساكين ونحوهما، وهذا معناه أن اآليفــة قلــوبهم في ــدخل المؤل الكريمــة ببيانهــا المصــارف الثمانيــة ت الحسبان، ومن ثم يكون المنافق داخال بهــذا اللحــاظ، وهــذا يعــنيفــة أن نفي دخولهم أحيانــا راجــع إلى عــدم انطبــاق شــروط المؤل قلوبهم عليهم، ال عدم انطبــاق مــوازين الفقــر، حــتى تكــون اآليــة

دالة على استحقاقهم بغير عنوان المؤلفة قلوبهم. ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

71هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

إنه لو كان هذا صحيحا لم تعد اآلية إجابة مقنعــةوالجواب: للمنافقين؛ إذ سيكون مرجع سؤالهم ال إلى مصــارف الزكــاة، بــلفــة قلــوبهم عليهم في بعض ر عــدم انطبــاق أحكــام المؤل إلى مبر

فيهــا بعــدم إعطــائهم من|األحيان، التي كانوا يطعنون على النبي الزكاة. فال تكون اآليات الكريمة جوابا لهم حينئذ، مــع أن الســياق

يفهمنا أنها وقعت في إطار الجواب لهم في غمزهم وطعنهم.

ـ في فريضة الخمس2 واعلموا أن﴿أما الخمس فقد ورد في مصرفه قوله تعالى:

ــذي ول ول ســ ه وللر أن لله خمســ يء فــ ما غنمتم من شــبيل إن كنتم اكين وابن الســ ــامى والمســ ربى واليت القــــوم ان ي ــوم الفرقــ ــدنا ي ــا على عب آمنتم بالله ومــا أنزلن

(.41 )األنفال: ﴾التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ومن الواضــح أن هــذه اآليــة الكريمــة ســاكتة عن ذكــر قيــد اإليمــان أو اإلســالم في مســتحق الخمس أو مصــرفه. فــإذا قبلنــا بعدم كونها في مقام البيان من جهة األوصــاف، وأنهــا في مقامــه من جهة األصناف، لم تكن فيها أي داللــة على إثبــات أو نفي هــذا الشرط، من ثم فالرجوع إلى نصــوص الســنة الشــريفة لن يكــون أمامه أي عقبة أو معارض؛ وأما إذا قلنــا بكونهــا في مقــام البيــان من جهة األوصاف واألصناف معــا أمكن األخــذ بـإطالق هــذه اآليــةــد هــذا اإلطالق ــه يمكن تقيي ــة األمــر أن لنفي شــرط اإليمــان، غاي

بنصوص السنة حينئذ، وفق القاعدة. وبهذه الطريقة نستنتج الفــرق بين آيــة الزكــاة وآيــة الخمس في المصارف، وهو أن آية الزكاة كانت فيهــا داللــة مباشــرة على نفي شرط اإليمان، بخالف آية الخمس فإنها على أبعد تقدير تفيد

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد72هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ذلك باإلطالق غير اآلبي عن التخصيص.

ثانيا: شرط اإليمان على مستوى نصوص السنة الشريفةــاب إلى ــال من نصــوص الكت ــا باالنتق ــف المشــهد تمام يختل نصــوص الســنة، حيث تجمعت النصــوص على رفض إعطــاء غــيرــل على ــها دلي ــاة، وهي بنفس ــوال الخمس والزك ــامي من أم اإلم استبعاد االستدالل باإلجماع والشــهرة وأمثــال هــذه المفــاهيم منــان ــا، إن لم نقــل باالطمئن ـة إليهم ـ ــال المدركي حيث طــرو احتم

بالمدركية.

ـ في مجال الزكاة والصدقات1ــا. والبد لنا من رصد النصوص الواردة في المقام للنظــر فيهــات من ــدة مجموعـ ــوع عـ ــذا الموضـ ــدناه أن في هـ والـــذي وجـ

النصوص، وهي:

المجموعة األولى: نصوص إعادة الزكاة بعد االستبصارــا وردت بعض الروايات في إعادة المستبصر الزكاة مع دفعه

لغير الشيعي قبل االستبصار. وهذه النصوص هي: قال: سألت أباـ صحيحة بريد بن معاوية العجلي،2و1

عن رجل حج، وهــو ال يعــرف األمــر، ثم من اللــه عليــه×عبد الله بمعرفته والدينونة به، عليه حجة اإلســالم أو قــد قضــى فريضــته؟ فقال: »قد قضى فريضته، ولو حج لكان أحب إلي«، قال: وسألتهــة ناصــب عن رجل حج وهو في بعض هذه األصناف من أهل القبلــالم؟ ن، ثم من الله عليه، فعرف هذا األمر، يقضي حجة اإلس متدي فقال: »يقضي أحب إلي« وقال: »كل عمل عملـه وهـو في حـال

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد73هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ــه يــؤجر عليــه، نصبه وضاللته، ثم من الله عليه وعرفه الوالية، فإن إال الزكاة فإنه يعيدها؛ ألنه وضعها في غــير مواضــعها؛ ألنهــا ألهــل

ــه قضــاء« ــا الصــالة والحج والصــيام فليس علي ــة، وأم .(101)الوالي.(102)ونحوها خبر ابن أذينة

فهذه الرواية واضــحة صــريحة في أن الزكــاة ال تعطى لغــيرر عنه فيها بأهل الوالية. الشيعي، المعب

إن الرواية ظاهرة في الناصب وأعماله، حيث وردال يقال:ــام ــبي من أقس ــير الناص ــمل غ ــب، فال تش ــا بالنص ــريح فيه التص

المخالفين.ــا التصــريح بالناصــب، إال أنفإنه يقــال: ــه وإن ورد فيه إن

محل الشاهد هنا هو التعليل؛ حيث عللت الرواية بأن الزكاة ألهــل الوالية، وأن الناصب وضعها في غير مواضعها. فنحن نتمسك بهذا المقطع العام، وهو واضح الداللــة هنــا، وليس وجــوب إعــادة دفــع الزكاة من باب أنه كان ناصبيا حين الدفع، بــل ألن الموضــع الــذي

صرفها فيه لم يكن موضعها الصحيح. إنه إذا لم تكن هناك مشكلة في فعل الفاعـل هنـاال يقال:

بمالحظة ذاته، وإنمــا كــانت بمالحظــة موضــع الصــرف، فــإن هــذا معناه أنه لو صرف ـــ وهــو مخــالف أو ناصــب ـــ الزكــاة إلى أهــل الوالية لكان يفترض صــحة زكاتــه وعــدم وجــوب إعادتهــا، مــع أن

الرواية لم تشر إلى هذا التفصيل.ــةألنه يقال: ــة. فالرواي إن عدم اإلشارة كان لظاهرة الغلب

تنظر إلى الحالة الغالبة، حيث يدفع السني ـ مثال ـ زكاته إلى أهل مذهبه، وقليال ما يحصــل أن يصــرفها في أهــل مــذهب آخــر. وقــد نظر اإلمام هنا إلى الحالــة الغالبــة. ومن القاعــدة الــتي بينهــا في مكان الصرف يفهم أنه لو دفعها للشيعي لصــحت، فال يصــح ذلــك

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد74هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

نقدا على األخذ بالرواية. ــة، تامــة ســندا ــة واضــحة جلي ــه فهــذه الرواي وعلي وداللة، في هذا المجــال، والمفــروض أن المــراد بأهــل

الوالية هم الشيعة. ـ صحيحة الفضالء ـ زرارة وبكير وفضــيل ومحمــد3

ــد اللهبن مسلم وبريد بن معاوية ـ ــر وأبي عب ’ عن أبي جعفــة أنهمــا قــاال في الرجــل يكــون في بعض هــذه األهــواء، الحروري والمرجئة والعثمانية والقدرية، ثم يتوب ويعرف هذا األمر ويحسن رأيه، أيعيد كل صالة صالها أو صوم أو زكــاة أو حج؟ قــال: »ليســه ــه البــد أن يؤديهــا؛ ألن عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكــاة، فإن

.(103)وضع الزكاة في غير موضعها، وإنما موضعها أهل الوالية« وداللة هذه الروايــة أقــوى من ســابقتها؛ ألنهــا تســتخدم أداة الحصر في مقام التعليل بأنه ليس هناك موضع للزكــاة غــير أهــل

الوالية، مضافا إلى تمامية سندها. وعليه فهذه المجموعة من النصوص فيها التام ســندا وداللــة في إفادة الموضوع، ما لم يطرح شخص أن المــراد بأهــل الواليــة تسليمها إلى الحاكم الذي له الواليـة، وهم أهــل الــبيت، فهم أهــلــليمها إلى ــرفها وتسـ ــل صـ ــلمين، في مقابـ ــة على المسـ الواليـ السلطان. وهذا االحتمال وارد، وإن كان ضعيفا، وال ســيما بقرينــةة على القــول بعــدم وجــوب تســليم سائر النصوص اآلتيــة، وخاصــ

الزكاة إلى اإلمام في غير زمان بسط اليد، لو طالب بذلك.

المجموعة الثانية: نصوص المنــع عن إعطــاء الزكــاة لغــيرالشيعي

ــير ــاة لغ ــاء الزك ــع عن إعط ــوص في المن وردت بعض النص

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد75هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

الشيعة، وهي: ،× عن الرضاـ صحيحة إسماعيل بن سعد األشعري،1

قال: سألته عن الزكاة هل توضع في من ال يعرف؟ قــال: »ال، وال . وذلك أن المراد بمن ال يعرف هو ذاك الذي ال(104)زكاة الفطرة«

على عـدم جــواز يعرف أمــر الواليـة واإلمامـة، فيكـون الخــبر داالإعطاء الزكاة لغير الشيعي.

لكن ثمة احتمال في أن يكون المراد هنا من ال يعرف الدافع حاله، وأنه مستحق للزكـاة أم ال، وإن كـان االحتمـال األقـرب هـو

المعنى األول. عن أبي الحســن موســىـــ صــحيحة علي بن ســويد،2ــا:×الكاظم ـ في أجوبته لمسائل علي بن سويد ـ. ومما جــاء فيه

ــه؛ »... وسألت عن الزكاة فيهم، فما كان من الزكاة فأنتم أحق ب.(105)ألنا قد أحللنا ذلك لكم، من كان منكم وأين كان...«

فالرواية كأنها تصرف عن وضع الزكاة في غير أهــل الواليــة،وتجعلها ألهل الوالية خاصة.

لكن ثمة احتماالت في تفسير هذه الرواية، وهي: أن المراد جــواز الشــراء منهم والتعامــلاالحتمال األول:

معهم وفي أموالهم الزكاة، فيكــون ذلــك بمثابــة نصــوص التحليــلــاب الخمس ــواردة في ب ــة(106)ال ــنى كلم ــون مع ــه يك ــاء علي . وبن

»فيهم« أي الزكــاة الــتي مــا تــزال موجــودة في أمــوالهم. وكــأن اإلمام؛ باعتباره وليا على المال العام يحلل للشيعة هــذه األمــوال الزكوية ضمن مجموع المــال الموجــود في الســوق؛ ألن الشــيعي أحق به من غيره، فأن يصل إليــه هــذا المــال أفضــل من أن يبقى

عند اآلخرين.ــدو لي ــدراني، يب ــه المازن ــذي طرح ــال، ال ــذا االحتم لكن ه

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد76هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ــه ال يصــح التعبــير بكلمــة »فيهم« لإلشــارة إلى المــال ضعيفا؛ فإن الزكوي الموجود بين أموالهم؛ إذ يبدو التعبير ركيكــا لــو أريــد هــذا المعنى. كما أنه ال معــنى لكلمــة »أنتم أحــق بــه«؛ إذ ظاهرهــا أن شيئا ما سيكون الشيعي أحق به من غيره. ولو فرضنا أن الحديثــة؛ عن المال عبر حركة التجارة والمعامالت لم يكن معــنى لألحقي ألن المفروض أنه دفع في مقابله شيئا كما تستدعيه التجارة، فهو ما زال متســاوي النســبة إلى الطـرفين، بـل ظــاهر »أحــق« أنكم أولى به، مع أن الطرف اآلخر قد أخذه وباعــه لكم وأخــذ مقابلــه، فمــا زال هــو المســتفيد األول منــه. اللهم إال إذا قيــل بــأن جملــةــة الشــيعي على غــيره في هــذا »أحق به« إشــارة إلى مبــدأ أولوي المال من حيث األصل؛ فإذا وصـل هـذا المـال إلى الشـيعي، ولــو عــبر التجــارات، جــاز لــه التصــرف بــه؛ لكونــه أحــق بــه من حيث

المبدأ.ــدراني أيضــا، من أناالحتمــال الثــاني: مــا ذكــره المازن

ــا فهــل يجب علينــا إعـادة إخراجهـا المراد أنهم لو أخذوا الزكاة منمرة أخرى أم ال؟

ألنه غير منســجم مــع التعليــلوهذا االحتمال بعيد أيضا؛ بالتحليل الصادر من األئمة؛ فإنه لو أراد عــدم وجــوب إعــادة دفــع الزكاة مرة ثانيــة لكــان من األنســب التعليــل بأننــا أســقطنا عنكم هــذه الفريضــة، وأحللنــا مالهــا لكم، ولم يكن معــنى للحــديث عن أنكم أحق بهــا؛ ألننــا أحللناهــا لكم؛ ألن دفـع الزكــاة ال يجعــل غــير الشــيعي أحــق، حيث كــان يمكن لإلمــام أن يلــزمهم بالــدفع مــرة ثانية، غايته مع صرفه في الشيعة أنفسهم بعد أن أخــذ الســلطان

المال. أن يكون المراد إخراج الزكــاة وصــرفهااالحتمال الثالث:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد77هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

في غير اإلمامي، وهنا يجيب اإلمام بأنكم أحق بذلك منهم، ويعلل هذا األمر بــأن الزكــاة كــان يجب أن تســلموها لنــا؛ ألنهــا لمنصــبــا لكم أخــذها، ال بمعــنى ســقوط وجــوب اإلمامــة، لكن نحن حللن دفعها، بــل بمعــنى جــواز أخــذ الشــيعي المســتحق لهــا، بال حاجــة

لإلمام بعد التحليل. وبنـاء على هــذا االحتمــال يتم االســتدالل بهــذه الروايــة على المطلوب هنا، وال ســيما أن ظــاهر »الجمــع« في صــيغة التحليــل يفيد أن عملية التحليل هذه كأنها أمر صادر عن جملة أهــل الــبيتــذا قبل مجيء مرحلة استالمهم للسلطة، فيدل على استمرارية ها باإلمـام الكـاظم لكـان التحليل، وإال فلو كـان هــذا التحليـل خاصـ

بحاجة إلى إجازة األئمة الالحقين. ويبدو لي االحتمال الثالث أوفر االحتماالت حظا؛ لكنه ال يفيدــدأ في ــيعي من حيث المب ــير الش ــاة بغ ــرف الزك ــاص مص اختص الشريعة؛ إذ المبدأ فيها هو تسليم الزكاة للحاكم والدولة لتصرفهاجهت األمور نحو تخصيص اإلمــامي بالزكــاة؛ في مصارفها، وإنما اتــذا ــيرهم، وه ــيعة دون غ ــة للش ــادر من األئم ــل الص ــل التحلي ألجــة االختصاص بعنوان ثانوي، ال أولي. وثمرته أننا لو قلنا مثال بالوالي العامة للفقيه أو للدولة كان لها في عصر الغيبــة توســعة مصــرف الزكاة إلى الحالة األولى؛ ألن التعليل بأمر عارض ـ وهو التحليل ـ

كاشف عن عدم وجود مانع بالعنوان األولي.ــويد، ــة تنتهي إلى علي بن س ــرق ثالث ــه ط ــديث ل ــذا الح وه واألول منها ضعيف بسهل بن زياد، فيما الثاني ضعيف بحمــزة بن

بزيع، أما الثالث فهو صحيح معتبر. ، قال:× قال: سأل المدائني أبا جعفرـ صحيحة ضريس،3

ــل إنا لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: »في أه

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد78هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

واليتك«، فقال: إني في بالد وليس فيها أحد من أوليائــك؟ فقــال: »ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، وال تدفعها إلى قوم إن دعــوتهم

.(107)غدا إلى أمرك لم يجيبوك، وكان والله الذبح )أربح(« فهــذا الخــبر يفيــد حصــر دفــع الزكــاة في أهــل الواليــة دون غيرهم، حتى لو استلزم ذلــك نقــل الزكــاة من بلــد إلى بلــد آخــر. ويبدو من تعليل اإلمام أن هؤالء لو أحســنت إليهم ودفعت لهم لمــر وال معين. يسعفوك في لحظات الشدة، بل تركوك تذبح بال ناصن دفعهــا إلى أهــل مــذهبك؛ ليعين بعضــكم بعضــا، من هنا فـالمتعيــل أخص من الفرضــية ويشتد عودكم. اللهم إال أن يقال بأن التعلي التي نبحث عنها، فلو تــوفر أهــل مــذهب آخــر يناصــرون الشــيعة، ويقفون معهم في لحظــات الشــدة، فربمــا ال يكــون هنــاك مجــال

لالستناد إلى هذا الخبر. قال: كتبت إليه أســأله: هــل يجــوزـ خبر علي بن بالل،4

أن أدفع زكاة المال والصــدقة إلى محتــاج غــير أصــحابي؟ فكتب:.(108)»ال تعط الصدقة والزكاة إال ألصحابك«

والخبر ظاهر في أن الزكاة ال تعطى إال لألصحاب، وهو تعبيرــة يراد منه أهل المذهب الواحد. والروايــة مضــمرة، فحجيتهــا مبني على حجية المضمرات، ونحن نقول بحجية المضمر لــو كــان أكــثر ما عند الراوي هو عن اإلمام، ال مطلقا، بــل إن طريــق الطوســي إلى محمد بن الحسن الصفار ضــعيف عنــدنا، بكــل من: أحمــد بن

محمد بن الحسن بن الوليد؛ وابن أبي جيد. قــال: ســألته عن الصــدقة علىـ خــبر عمــر بن يزيــد، 5

النصاب وعلى الزيدية؟ قال: »ال تصدق عليهم بشيء، وال تسقهم.(109)من الماء إن استطعت، وقال: الزيدية هم النصاب«

وهي واضحة وصريحة في النهي الشــديد عن مطلــق تقــديم ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

79هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

العون لهم، ولو بقدر شــربة مــاء. وهي تنهى عن مطلــق الصــدقة عليهم بمختلف أشكالها؛ ألن تعبير »ال تســقهم من المــاء« ظــاهر

في مختلف أشكال المعونة. وقد حاول المحقــق األردبيلي تفســير الروايــة بأنهــا تريــد أن

ــة، ال مطلــق الزيدية اب من الزيدي .(110)تتحدث عن خصوص النصــــة في ذلــك ة ببعض الزيدي واحتمــل الشــيخ المنتظــري أنهــا خاصــرا بكــثرة ورود األحــاديث الموســمية ــة، معب العصر، فتكــون تاريخي

(111))التاريخية( في الروايات . ويبــدو لي أنهمــا فعال ذلــك اســتثقاالـة أهـل ـة، وهم المعروفـون بمحب من الحكم بنصـب مطلـق الزيدي

. إال أن ظـــاهر الحـــديث هـــو اإلطالق؛ فإمـــا أن يطــرح^الـــبيتــه يقــوم بممارســة اعتبــار لمخالفته للواقع؛ أو يصار إلى فهمــه بأنـة منزلــة النواصـب. والحمــل الـذي تشريعي بتنزيل مطلـق الزيدي طرحه الشيخ المنتظري يحتاج إلى دليل، أو ال أقل قرينة تاريخية،

ولم نعثر عليها. هــذا، والخــبر مضــمر، مضــافا إلى ورود محمــد بن عمــر في السند، وهو مردد بين عدة أشخاص، وإن كان األقــرب أنــه محمــد بن عمــر بن يزيــد، فيكــون مجهــوال أو بحكم المجهــول. فالروايــةــد بن ــي إلى محم ــق الطوس ــيما أن طري ــند، وال س ــعيفة الس ض

الحسن الصفار غير معتبر عندنا. قــال: قلت ألبي عبــدـ خبر عبد اللــه بن أبي يعفــور،6

: جعلت فداك، ما تقول في الزكاة، لمن هي؟ قــال: فقــال:×الله »هي ألصــحابك«، قــال: قلت: فــإن فضــل عنهم؟ فقــال: »فأعــد عليهم«، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: »فأعد عليهم«، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: »فأعد عليهم«، قــال: قلت: فيعطى الســؤال منهــا شــيئا؟ قــال: فقــال: »ال واللــه، إال الــتراب، إال أن

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد80هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة«، ثم أومــأ بيــده فوضــع إبهامــه.(112)على أصول أصابعه

ــو وهي ظاهرة أيضا في وقف الزكاة على األصــحاب، حتى ل فضل عنهم زيدوا، وال يعطى غـيرهم ولــو كــانوا فقـراء. وقـد فهم المحقق النراقي من مقطعها األخــير أن الســؤال من المخــالفين،

ــتين: ــذلك قرين ــداهماوجعــل ل ــة،إح ــياق الكالم في الرواي : س : كراهة رد غيرهم من السؤال، بمقتضى قولــه تعــالى:وثانيتهما

ائل فال تنهر﴿ ا الس .(113)(10 )الضحى: ﴾وأمــه ال يوجــد مــانع من أن يكــون ويمكن التعليق على كالمه بأن

.×ابن أبي يعفور في صدد توجيه عدد من األسئلة لإلمام الصــادق فكان أولها حول دفع الزكاة للمخــالفين لــه في المــذهب، وثانيهــا حــول دفعهــا للســؤال. فليس المقــام قرينــة على أن المــراد من

السؤال خصوص المخالفين منهم. وأما القرينة الثانية التي ذكرها فهي غير واضحة؛ إذ لو كانت اآليــة الكريمــة مطلقــة فكمــا يمكن أن تخصصــها الروايــة في المخــالفين كــذلك يمكن أن تخصصــها بمطلــق الســائل في مــوردــك الزكاة؛ فإن الزكاة أخص من عنوان اآلية الكريمة، فال يصلح ذل قرينة. هذا مضافا إلى أن اآلية أجنبية عن الموضوع؛ ألنها في نهــر

السائل، وعدم إعطائه ال يساوق نهره مطلقا.ــق ــند؛ بضــعف طري ــة ضــعيفة الس ــال فالرواي ــة ح وعلى أي

الطوسي إلى محمد بن الحسن الصفار. ،× عن العبد الصــالحـ خبر يعقوب بن شعيب الحداد،7

ــا يكـون في أرض منقطعــة كيـف يصــنع قال: قلت لـه: الرجــل منــإن ــه«، فقلت: ف بزكاة ماله؟ قال: »يضعها في إخوانه وأهل واليت لم يحضره منهم فيها أحد؟ قــال: »يبعث بهــا إليهم«، فقلت: فــإن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد81هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ــب«، ــدفعها إلى من ال ينص ــال: »ي ــا إليهم؟ ق ــد من يحمله لم يج.(114)قلت: فغيرهم؟ قال: »ما لغيرهم إال الحجر«

ــاة إلى الشــيعة، حتى في ــع الزك ــرض دف ــة تف ــذه الرواي فه الحاالت الصعبة التي ال يسهل الوصــول فيهــا إلى الشــيعي، لكنهــا تسمح بإعطــاء غــير الشــيعي عنــد فقــدان الشــيعي، شــرط عــدم

النصب. نعم، هذا الحديث يعارض روايات أخر ـ كخبر األوسي القــادم ـ دلت على لزوم حبس الزكاة مع فقــدان الشــيعي، وعــدم جــواز إعطائها لغيره، ولو لم يكن ناصبيا. وعلى أية حال فالسند ضعيف؛ ال أقــل بيعقــوب بن شــعيب الحــداد، فهــو رجــل مهمــل جــدا عنــد الشيعة والسنة، بل يبدو أنه ليست له في مصادر الحديث إال هذه

الرواية. ، قــال: »ســمعت× عن الرضا ـ خبر إبراهيم األوسي،8

أبي يقول: كنت عند أبي يومــا فأتــاه رجــل، فقــال: إني رجــل من أهل الري ولي زكاة، فإلى من أدفعها؟ قــال: إلينــا، قــال: أليســتمة عليكم؟ فقــال: بلى، إذا دفعتهــا إلى شــيعتنا فقــد الصدقة محر دفعتها إلينا، فقال: إني ال أعرف لها أحدا؟ فقــال: انتظــر بهــا إلى سنة، قال: فإن لم أصب لها أحدا؟ قال: فــانتظر بهــا إلى ســنتين،ها ب لهــا أحــدا فصــر حتى بلغ أربع سنين، ثم قــال لــه: إن لم تصــ صــرارا )صــررا( واطرحهــا في البحــر؛ فــإن اللــه عــز وجــل حــرم

.(115)أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا«وقد يتعرض هذا الحديث للنقاش من جهات:

إنه ضعيف السند باإلرسال، مضــافا إلى جهالــة محمــدأوال:بن جمهور، وإبراهيم األوسي، و..

ما ذكره الشيخ مرتضى الحائري، من أن نقــل اإلمــامثانيا:

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد82هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

الرضــا عن والــده عن جــده أمــرا يقــع على خالف التقيــة دون أن يكون ـ كما يظهر من مطلع الرواية ــ قـد سـئل عنـه يبـدو بعيـدا.بين لشاع خبره، وليس وإبراهيم األوسي لو كان من الشيعة المقر

.(116)كذلك فـإن جهلنــا بحــالإال أن هذه المناقشة قابلة للجواب؛

األوسي ال يعني عدم كونه شيعيا خالصا؛ فإمــا أن نقــول بجهالتــه،عه على تقــدير فيضعف السند؛ أو نجعــل الروايــة كاشــفا عن تشــي صدورها، وليس من الضروري أن يشتهر أمــر كــل شــيعي مخلص

،×يمكن اطالعه على مثل هذا الحكم، وال ســيما في عصــر الرضا من مثــل عصــر اإلمــام×الذي كانت األمــور فيــه أكــثر فســحة له

الكاظم. وال معنى لفــرض أن اإلمــام ال يــبين مــا كــان على خالف التقية ابتداء؛ فإنه إذا كان المخاطب ال تقية من طرفه فــأي مــانع

ن اإلمام له مطلبا جديدا لم يسأل عنه؟! أن يبيــوثالثا: ما ذكره الحائري أيضا بوصفه نقدا للمتن، وهو أنه ل

أجابه اإلمام من األول بأن الدفع يكــون لشــيعتنا لكــان أخصــر، بالــو دفعت إليهم حاجة إلى التطويل بأنه لنا، ثم شــرح أن الشــيعة لــور على ــدم العث ــت ع ــة فرض ــا أن الرواي ــا. كم ــد دفعت إلين فق المستحق خالل أربع سنوات، وهو بعيد جدا، وال ســيما مــع إمكــان الصــرف على المســاجد والقنــاطر وســبل الخــير، بــل أي معــنى لجعلها صررا لو أريد إلقاؤها في البحر؟! فلتلق على أية حال، بــل اإللقاء في البحر تبذير للمال، فليصرفه على نفسه أو على أغنيــاءــذا الحــديث، وال المؤمنين. األمر الذي يورث القطع بعدم صدور هــا يعــني سيما مع تحريم أموالهم وأموال الشيعة على عدوهم، مم

.(117)حرمة إعطاء غير الشيعي حتى من غير الخمس والزكاةها معقــول جــدا، مثــل: وهــذه المالحظــات الــتي ذكرهــا بعضــ

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد83هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

د، أو لكي ال تصــل إلى أحــد( أو أصــل جعلهــا صــررا )إال على التعب إلقائها في البحر؛ أما بعضــها اآلخــر فيمكن النقــاش فيـه. فاإلمــام أراد بيــان المبالغــة في أن مــال الشــيعة هــو ألهــل الــبيت، وكــأن االعتداء على مال الشــيعة اعتــداء على أمــوال أهــل الــبيت، وهيــا، وقضــية ــة لتعظيم أمــر أمــوال الشــيعة وحرمته مبالغــة معقول التطويل واالختصــار ليس فيهــا قــانون موحد في اللغــة والعــرف، حتى يكون االختصار مقدما دائما على التطويــل، كمــا هي طريقــة

بعض المتون الفقهية واألصولية.د فـرض، ولم يقـل وأمـا فرضـها السـنوات األربـع فهــو مجـر إبراهيم األوسي أنه قد حصل معه، بقدر مــا يريــد التأكيــد على أنر من واقع الحكم الذي قام التأخير لسنوات طوال لو فرض ال يغي على اإلصرار شيئا. وأما قضية الصرف على المســاجد والمصــالح المدنية العامة فقد يدعي من يريد اإلصرار هنا بأن هذه المســاجدــك والمصالح لو كانت للشيعة وفي مدنهم وقراهم لكان معــنى ذل الوصول إليهم، فالبد من فرض أنه لم تبق من المصالح العامة إال ما ينتفع به غير الشيعة في الغالب، والرواية التي تصر على رمي المال في البحر تنسجم مع اإلصرار على عــدم نفــع غــير الشــيعة من المال مطلقــا، حتى بالصــرف على المصــالح العامــة الراجعــة

إليهم. فالذوق هناك ينسجم مع الذوق هنا. وأمــا مســألة تحــريم أمــوال الشــيعة على عــدوهم فالظــاهر االنصراف إلى األمــوال العامــة، ال المــال الشخصــي، الــذي يحــق للشيعي أن يتصــرف بـه كيـف يشــاء. والســياق يســاعد على هـذا

األمر. فأقوى أوجه النقد المتــني هنــا هــو الحكم برميهــا في البحــرــو بدل صرفها على نفسه ومن يعوله ومن يعرفه من المؤمنين ول

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد84هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

لم يكونوا فقراء، فإن ذلك ينافي الذوق الشــرعي وروح الشــريعة والمقاصد الدينية العليا، بل المنطــق الســليم والعقالئي الصــافي.

دية في المقام. اللهم إال إذا دخلت الذهنيات التعبــهرابعا: ما أجده النقد المتني األفضل، مع مــا تقــدم، هــو أن

هل يعقل أن شخصا من أهــل الــري في عصــر اإلمــام الصــادق الــذ ذلــك يعــرف أحــدا من الشــيعة، واألشــعريون كــانوا في قم من الزمن على ما يبدو؟! فلماذا لم يرشده اإلمــام الصــادق الــذي لــه صالته بالموالين إلى بعض الشيعة هنــا وهنــاك؛ ليصــرفها فيهم، أو يرشده إلى وكالئه لو كانوا، ولماذا لم يطالبه بنقلها إلى بلد آخــر ـ مثل ما فعلت صحيحة ضريس ـ والســؤال، بــل اكتفى باالنتظــار؟ وقد طلب منــه الــرمي في البحــر مــع أن البحــر غـير قــريب على منطقة الري )جنوب طهران حاليا(، األمر الــذي يســتبطن النقــل! ثم لماذا لم يطلب منه إرسالها إليه شخصيا ضمن طريقــة تحفــظ وضعها، والحالة نادرة ال تستدعي كثرة في الحصــول حتى نفــرضــه كــانت تصــله خوف اإلمام من وصول هذه األموال إليه، علمــا أن

أموال الخمس؟ والغريب أن الشيخ المنتظري، بــدل أن يشــكل بمــا ذكرنــاه، جعل الرواية من تعليق المحال على المحال؛ لكثرة وجود الشيعة

ر لــه اإلمــام إلى ســبيل(118)آنذاك . فلــو صــح ذلــك فلمــاذا لم يشــميداني، وذكر له جوابا مبنيا على محاالت.وعليه، فهذه الرواية غير تامة.

عن أبي جعفــر وأبيـ خبر زرارة ومحمـد بن مسـلم،9 ، أنهمــا قــاال: »الزكــاة ألهــل الواليــة، قــد بين اللــه لكم’عبــد الله

.(119)موضعها في كتابه« والرواية واضحة الداللة على تبيين أن الزكــاة ألهــل الواليــة.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد85هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ــه ــة بأن وقد حاول الشيخ النجفي تفسير الجملة األخيرة من الرواي لعل المراد آية النهي عن موادة من حاد الله ورسوله وما شابهها،

ين على شرط اإليمان حينئذ .(120)فيكون الكتاب والسنة دال ولكن هــذا التفســير ال يعطي هــذه النتيجــة؛ ألن المخــالفين للمذهب اإلمامي ليسوا جميعا ممن حــاد اللــه ورســوله، وال حــتىــول |غالبيتهم؛ فإنهم لو نصبوا العداء ينصبونه ألهل البيت، ال للرس

على مــا ذكــره النجفي، اللهم أو لله تعالى، فال يكون القــرآن داال إال بضــرب من الحكومــة في الروايــات نفســها، بــأن تكــون هــذهــا دا، أم ــه تعب الروايات وغيرها قد جعلت غير الموالي ممن حاد الل

حقيقة فهذا غير صحيح. أضف إلى ذلك أننا راجعنا القرآن الكريم فوجدنا أن مصارف الزكاة ال إشارة فيها إلى أهل الوالية، بل رأينــا أن الزكــاة تصــرف

، الذين يعلم معاداتهم لله ورســوله،|حتى لمنافقي عصر الرسولن موضعها في كتابـه؟ اللهم فكيف تشير الرواية إلى أن الله قد بي

إال إذا كانت هذه الرواية من أخبار تحريف القرآن الكريم. من هنا يحتمل تفسير هذه الرواية بأن يكون المــراد بالواليــة البلــد؛ أخــذا لــه من معــنى القــرب، فتريــد الروايــة أن تقــول: إنن الله لــك موضــعها في القــرآن، فال الزكاة ألهل منطقتك، وقد بي يكون بيان الموضع بيانا لكونهــا ألهــل البلــد، بــل تريــد الروايــة أن تقول: إن الله حدد لك مصــارفها، فاصــرفها فيهم من أهــل بلــدكــراد منهــا أهــل ومنطقتك، وال تنفقها على غيرهم، كما يحتمل أن ي

البيت خاصة. وعلى أية حال فسند هذه الروايــة ضــعيف؛ بضــعف الطريــق

إلى علي بن الحسن فيه، وبجهالة علي بن محمد بن الزبير.فالرواية محل نظر سندا ومتنا.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد86هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ــام10 ــاب اإلم ــاذان في كت ــل بن ش ــبر الفض ــ خ ـ ومما جاء فيه: »...وال يجــوز إلى المأمون العباسي،×الرضا

أن يعطي الزكاة غــير أهــل الواليــة المعــروفين...، وزكــاة الفطــر.(121)فريضة...، وال يجوز دفعها إال إلى أهل الوالية...«

وهي صريحة في عدم جواز إعطاء الزكاة لغير أهل الوالية. وعنصــر الغرابــة في هــذه الروايــة أنهــا كتــاب إلى المــأمون العباسي نفسه، وهو غير شــيعي على المعــروف، ومــع ذلــك فــإن اإلمام يقول له بكل وضوح بأن الزكــاة ال تعطى إال ألهــل الواليــة، ومعنى ذلك أنها ال تعطى لمثلك ولبــني العبــاس وألمثــالهم، األمــرــة المتقدمــة وغيرهــا في مثــل عصــر الذي ينــاقض فرضــيات التقيــة اإلمام الرضا، أو يكشف عن ضعفها وبطالنها، ما لم نفسر الواليــة، فتشــمل الســنة المحبين في هذه النصوص كلهــا بمعــنى المحب ألهل البيت، ولو لم يكونوا معتقــدين بإمــامتهم بــالمعنى الموجــود عند الشيعة، أو يكون المراد هــو الحــاكم الشــرعي، فهــو صــاحب

الوالية.ــراد يضاف إلى ذلك ماذا يراد من قيد »المعــروفين«؟ هــل يعهم أنه ال يكفي مطلق أهل الواليــة إال أن يكونــوا معــروفين بتشــي بين الناس، وهــذا يـوجب تقييـد جميـع الروايــات الــواردة في هــذاــه من أهــل الواليــة، الباب؛ أم يراد جعل المعروفية سبيال إلثبات أن

بمعنى لزوم إحراز مصرفها إحرازا تاما؟ــفها ــد وص ــند فق ــا من حيث الس ــة. أم ــذا من حيث الدالل ه

. وهــذا غــير صــحيح، بــل هــو(122)بعضــهم بــأن ســندها ال بــأس بهــبر بن علي ضعيف؛ بابن عبدوس، وجعفر بن نعيم بن شاذان، وقن بن شاذان. على أنني ال أدري كيــف وصــلت نســخة الكتــاب الــذي أرسله الرضا إلى المأمون.. كيف وصلت إلى الفضل بن شــاذان؟

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد87هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

اللهم إال إذا كان هو واسطة النقل، فاستنسخها أو غير ذلك.ــ مــا جــاء في التفســير المنســوب إلى اإلمــام11 ـ

الة وآتـوا﴿ لدى تفسير قوله تعالى: العسكري، وأقيمـوا الصــكــاة ــافرا، )وال﴾الز ــا ك ــتحقها، وال تؤتوه ــاة مس ــوا الزك : »...وآت

: المتصــدق على|منافقا(، وال ناصبا )وال مناصبا(، قال رســول الله.(123)أعدائنا كالسارق في حرم الله«

والخبر ضعيف السند؛ بعــدم ثبــوت نســبة هــذا التفســير إلىــعه ــه في موض ــنا ل ــا تعرض ــكري، كم ــاص(124)العس ـه خ ـ . على أن

ــه بالنواصب، فال يشرط اإليمان، وإنما يجعل النصب مانعا. كمــا أن يمنع إعطاءها للمنافق، فيما رسول الله ـ بصريح القرآن ـ أعطاهاــرد ــة الف ــاكم ووظيف ــة الح ــيز بين وظيف ــاء على التمي ــه، إال بن ل

، وســيأتي تحليلــه إن(125)المزكي، كما ذهب إليه الشيخ المنتظريشاء الله.ــى بن جعفرـ خبر علي بن جعفر،12 ــه موس ،× عن أخي

ن ذلك قال: وسألته عن الزكاة هل هي ألهل الوالية؟ قال: »قد بي.(126)لكم في طائفة من الكتاب«

واإلمام ال يجيب عن السؤال، بل يحيل إلى القــرآن الكــريم؛ فإما يريد بيان جواز صــرفها في غــيرهم، فأحــال على آيــة الزكــاة والخمس وإطالقات الصدقة والنفقة؛ أو يريـد عـدم جـواز صـرفها في غيرهم، فينظر إلى مثل آيــات النهي عن مــودة من حــاد اللــه

ورسوله، كما فهمه المحقق النجفي. ومعه تكون مجملة. والخبر ضعيف الســند؛ بعبــد اللــه بن الحســن؛ فهــو مجهــول

الحال. وبهذا يظهــر أن هنــاك بعض الروايــات الدالــة هنــا،

والتامة سندا، مؤيدة بجملة روايات ضعيفة السند.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد88هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ــرق أو ــاء ف ــع عن إعط ــوص المن ــة: نص ــة الثالث المجموعاتجاهات مذهبية بعينها

وردت بعض الروايات التي تنهى عن إعطاء الزكاة التجاهاتنــة، وهي تجعــل هــذه االتجاهــات مانعــا، ال ــة معي ــة أو فرقي مذهبي

الوالية شرطا، وأهمها: ،× عن الرضاـ خبر عبد الســالم بن صــالح الهــروي،1

قال: »من قال بالجبر فال تعطوه من الزكــاة شــيئا، وال تقبلــوا لــه.(127)شهادة أبدا..«

ة ــق غــير الشــيعي، حيث هي خاصــ وهي غــير شــاملة لمطل بالقائلين بالجبر، فتشمل الشيعي لو قال بــالجبر، بنــاء على بقائــه

ع. بهذا القول على التشي والرواية ضعيفة السند؛ بجهالة أحمد بن علي األنصاري على

األقل.ــاس بن الحــريش2 ــ مرســل الحســن بن العب ، عنـ

ب ـــ يعــني علي بن محمــد ـــ وعن أبي جعفر ، أنهمــا قــاال:×الطي.(128)»من قال بالجسم فال تعطوه من الزكاة، وال تصلوا وراءه«

مة على منــوال الخــبر الســابق. وهــو والخبر خــاص بالمجســضعيف السند؛ باإلرسال.

ــال: قلت ألبيـ خبر عبد الملك بن هشام الحناط،3 قـــن الرضا ــد×الحس ــاما )يقص ــالف هش ــاة من خ : ...فنعطي الزك

.(129)هشام بن سالم(؟ فقال برأسه: »ال« وهي ضــعيفة الســند؛ ال أقــل بجهالــة أشــكيب بن عبــدك

الكسائي )الكيساني( الوارد في سندها.ــال: قلت ألبيـ خبر يونس )يوســف( بن يعقــوب،4 ق

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد89هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

: أعطي هــؤالء الــذين يزعمــون أن أبــاك حي من×الحسن الرضا.(130)الزكاة شيئا؟ قال: »ال تعطهم؛ فإنهم كفار مشركون زنادقة«

والخبر ضــعيف الســند؛ بجبريــل بن أحمــد؛ وســهل بن زيــاد، على األقل. علمــا أن وصــفهم بالمشــركين والكفــار غــريب، فهــل

ــالى؟!×مجرد قولهم بعدم إمامة الرضا يجعلهم مشركين بالله تع اللهم إال إذا أريد توسعة مفهوم الشرك لكل من ال يعتقد باإلمامــة

.^ولو لواحد من أهل البيتة من وبهذا يظهر أن نصوص هـذه المجموعــة خاصــ

جهة، وكلها ضعيفة السند من جهة أخرى.

ــاة ــاء الزك ــع من إعط ــوص المن ــة: نص ــة الرابع المجموعلألقارب غير المؤمنين

وردت بعض النصوص الــتي تمنــع عن إعطــاء اإلنســان زكــاةــة ــأمر الوالي ــارفين ب ــنين ع ــوا مؤم ــه إذا لم يكون ــه إلى أقارب مال

واإلمامة. وهذه النصوص هي:ــا أســمع، قــال:ـ خبر أبي بصير،1 قــال: ســأله رجــل وأن

أعطي قرابتي زكاة مالي وهم ال يعرفون؟ قــال: فقــال: »ال تعــط :×الزكاة إال مسلما، وأعطهم من غير ذلك«، ثم قال أبو عبد الله

ــه في المــال »أترون أن ما في المال الزكاة وحدها؟ ما فرض اللــة والمعــترض من غير الزكاة أكثر، تعطى )مما تعطي( منه القراب لــك ممن يســألك، فتعطيــه مــا لم تعرفــه بالنصــب، فــإذا عرفتــه بالنصب فال تعطه، إال أن تخاف لســانه، فتشــتري دينــك وعرضــك

.(131)منه« والرواية واضحة في المنع من إعطاء الزكــاة لمن ال يعــرف، حتى لو كانوا أقارب، لكنها تفيد إمكانية إعطــاء غــير الزكــاة لغــير

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد90هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

الناصب. لكن في السند المثنى، وهو مردد بين الثقة وغيره. علما أنها توحي بكفر المخالف في المذهب، وهو معارض ألدلة إسالمه

المحققة في محله. : الرجل× قال: قلت ألبي عبد اللهـ صحيحة أبي بصير،2

يكون له الزكاة، وله قرابـة محتـاجون غـير عـارفين، أيعطيهم منــه، ــة لمال ــاة وقاي ــل الزك ــة، ال يجع ــال: »ال، وال كرام ــاة؟ فق الزك

.(132)يعطيهم من غير الزكاة إن أراد«ــير ــانوا غ ــا ك ــة، ولكن لم ــة محتاج ــرض القراب ــديث يف والحــير ها تجيز إعطــاءهم من غ عارفين لم يجز إعطاؤهم الزكاة، ولكن

مال الزكاة. قــال: ســألتـ صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر،3ــون أمــير المؤمــنين×الرضا عن رجل له قرابة وموالي وأتباع يحب

صلوات الله عليه، وليس يعرفون صاحب هذا األمــر، أيعطيهم من.(133)الزكاة؟ قال: »ال«

ــة علي وهي واضحة في المنع عن دفع الزكــاة حتى مــع محبــوا بن أبي طــالب، غايتــه ال يعرفــون إمــام زمــانهم، دون أن يكون

نواصب. وعليه فهذه المجموعة ـ ومنها الصحيح ســندا وداللــة ـــ تفيــدــد بعض ــوالين، وتفي ــير الم ــة غ ــاة للقراب ــاء الزك ــع عن إعط المن

النصوص جواز إعطائهم من غير الزكاة ما لم يكونوا نواصب.

ــال ــاة ألطف ــاء الزك ــوص إعط ــة: نص ــة الخامس المجموعالمؤمنين

ــال ــاة ألطف ــاء الزك ــد إعط ــتي تفي ــوص ال وردت بعض النص المؤمن إلى أن يبلغوا، فإن عرفــوا مــا عــرف أبــوهم أعطــوا، وإال

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد91هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

فال، وهي: : الرجــل× قــال: قلت ألبي عبــد اللهـ خــبر أبي بصــير،1

يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة؟ قال: »نعم، حتى ينشــواــك عنهم«، ويبلغــوا ويســألوا من أين كــانوا يعيشــون إذا قطــع ذل فقلت: إنهم ال يعرفون؟ قــال: »يحفــظ فيهم ميتهم، ويحبب إليهم دين أبيهم، فال يلبثوا أن يهتموا بدين أبيهم، فإذا بلغــوا وعـدلوا إلى

.(134)غيركم فال تعطوهم« وهي تفيد أن إعطاءهم قبــل البلــوغ كــان إلحاقــا لهم بــأبيهم المؤمن، أما بعد البلوغ فيكون إعطاؤهم حفظا لمكانة أبيهم، لكن مــع تعــريفهم والســعي لجــذبهم، فــإن عــدلوا إلى غــير المــذهبــا في ع مانع الشيعي لم يعطوا حينئذ، فيكون االعتقاد بخالف التشي

ع شرط، خالفا لما أفاده الشيخ األنصاري .(135)حقهم، ال أن التشي والروايـــة صـــحيحة الســـند على المشـــهور. وفي الطريـــق

إبراهيم بن هاشم. ، قــال: »ذريــة× عن أبي عبــد اللهـــ خــبر أبي خديجــة،2

الرجل المسلم إذا مات يعطــون من الزكــاة والفطــرة، كمــا كــان يعطى أبوهم حتى يبلغوا، فإذا بلغوا وعرفوا ما كان أبــوهم يعــرف

.(136)أعطوا، وإن نصبوا لم يعطوا«ق على مــورد بحثنــا من خالل وهــذه الروايــة البــد أن تطبع في نصــوص قرينتين: التعبير بـ »عرفوا«، الذي يفهم منه التشــي الحديث الشيعية، ومقابله التعبير بـ »نصبوا«، الظاهر في النصــبـة ع. وإال فـإذا رجـع اإلنسـان إلى الداللـة اللغوي والمعارضـة للتشـي للكلمتين: عرف؛ ونصب، وأخذ مطلع الروايــة بعين االعتبــار، وهــو التعبــير بـــ »المســلم«، دون المــؤمن، فقــد يفهم اإلســالم مقابــل معاداة اإلسالم، فتشترط اإلسالم في مســتحق الزكــاة على أبعــد

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد92هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

تقدير.هذا والرواية ضعيفة السند؛ بجهالة معلى بن محمد.

ــافر ــتي يمكن أن تتضـ ــات الـ ــذه هي المجموعـ هـ لتشكل ـ بصرف النظر عما ســيأتي ـــ اطمئنانــا بصــدورــاعدة ــر المس ــات األخ ــاك بعض الرواي ــذا الحكم. وهن ه أيضا، بل بعض الروايات كأنمــا يستشــف منــه مركوزيــة

عة. هذا الحكم في أذهان المتشر

المجموعــة السادســة: نصــوص إعطــاء غــير الشــيعي فيالجملة

ثمة نصوص تفيد ـ في الجملة ـ إعطاء الزكاة لغير الشــيعي،وهي:

أنهمــا قــاال ألبيـ صحيحة زرارة ومحمــد بن مســلم،1راء﴿: أرأيت قول الله عزوجل: ×عبد الله دقات للفقــ إنما الص

ة قلــوبهم وفي ا والمؤلفـ اكين والعـاملين عليهـ والمســبيل ــ بيل الله وابن السـ ــ ــارمين وفي سـ ــاب والغـ قـ الر

ــال:،﴾فريضة من الله أكل هؤالء يعطى، وإن كان ال يعرف؟ فقــال: »إن اإلمام يعطي هؤالء جميعا؛ ألنهم يقرون له بالطاعــة«، ق قلت: فإن كانوا ال يعرفون؟ فقــال: »يــا زرارة، لوكــان يعطي من يعرف دون من ال يعرف لم يوجد لهــا موضــع، وإنمــا يعطي من ال يعرف ليرغب في الدين، فيثبت عليه، فأمــا اليــوم فال تعطهــا أنت وأصحابك إال من عرف، فمن وجدت من هــؤالء المســلمين عارفـافــة قلــوبهم وســهم فأعطه، دون النــاس«، ثم قــال: »ســهم المؤل الرقاب عام، والباقي خاص«، قال: قلت: فــإن لم يوجــدوا؟ قـال: »ال تكون فريضة فرضها الله عز وجــل ال يوجــد لهــا أهــل«، قــال:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد93هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

قلت: فإن لم تسعهم الصدقات؟ فقال: »إن اللــه فــرض للفقــراءعهم لــزادهم، في مال األغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلــك ال يســــع من منعهم إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله، ولكن أتوا من من حقهم، ال ممــا فــرض اللــه، ولــو أن النــاس أدوا حقــوقهم لكــانوا

.(137)عائشين بخير« هذا الحديث يميز بين حالة وجود الدولة التي يحكمهــا اإلمــام الحــق، وهنــا تعطى الزكــاة للجميــع، وبين حالــة »اليـوم«، أي في عصر اإلمام جعفر الصادق، حيث طلب منهم تخصيصــها بالشــيعة، مما قد يفهم منه أن المنع عن إعطائها لغير الشــيعي كــان حكمــا زمنيا »اليوم«، وإال فالحالة األصــلية في الزكــاة ـــ وهي الفريضــة الكبرى التي تجبى من قبل الدولة اإلسالمية ـــ أن تعطى للجميــع؛

فإن في ذلك الترغيب في الدين.ــة ــذه الرواي ــاني في ه ــوقيت في الحكم الث ــل فهم الت وأصقه على جواز صرف الزكــاة التفت إليه الشيخ المنتظري، لكنه طب دون إرجاعهــا لإلمــام، فيمــا الحكم األولي هــو تســليمها إلمــام

.(138)المسلمينوهناك بعض الوقفات مع هذه الرواية هنا، وهي:

ما ذكره المحدث البحراني، من أن صدر الروايــة يفيــدأوال: إعطاء الجميع من قبــل اإلمــام المبســوط اليـد والممســك بزمــام السلطة؛ ألنهم مقرون له باإلمامة الظاهرية، ولهــذا عاجلــه زرارةــوبهم بالسؤال عن إعطائهم مع عدم كونهم عارفين مصــدقين بقلــا ــو لم يعطهم لم وإنما مقرون ظاهريا له، وهنا أجابه اإلمام بأنه لفة قلــوبهم لن يكــون قــد تم إعطاء جميع األسهم؛ ألن سهم المؤل صرف حينئذ، وهذا ما تشير إليه جملة: »وإنما يعطي من ال يعرف

.(139)ليرغب في الدين«

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد94هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

وهذا الكالم غير ظاهر هنا؛ وذلك: إنه منقوض بـأن تشـريع اإلمـام لهم الـدفع ألصـحابهم فيأـ

فــة؛ إذ لم يشــرح لنــا عصــره يلــزم منــه أيضــا فــوات ســهم المؤل المحدث البحراني أين يذهب هذا الســهم في عصــر اإلمامــة غــيرــام الظاهرة؟ وكيف سيتم صرف هذا السهم، مع أن توجيهات اإلم

أن يصرف الزكاة عليهم؟ إن منهج استدالل المحدث البحــراني يقــوم على الــرأيب ـ

القائل بوجوب صرف الزكاة على األصناف الثمانية. وهو رأي غيرفــة قلــوبهم صحيح بنحو اللزوم في كل زكاة. علما أن ســهم المؤل

يمكن صرفه على غير المسلمين أيضا.ــرادثانيا: ما ذكره البحراني أيضا، من أنه من المحتمل أن ي

، حيث كــان الرســول|من زمن اإلمامة الظاهرة هو زمن الرسولــافقين ــان يعطي المن ــذا ك ــان، وله ــالم، ال اإليم يعطي على اإلس

ــبيت ــا في عصــر أهــل ال ، وحيث صــارت األمــور^والشــكاك، أم واضحة، وارتفع االلتباس، لم يعد هناك معنى إلعطاء هؤالء لتأليف قلوبهم، فصار البـد وأن تعطى للمـؤمن الحقيقي المصـدق، وهـذا

.(140)معنى سقوط التأليف بعد الرسول وهذه المقولة تشابه مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطــابفة. إال أنها لو تمت في عصر هنا في ما ينقل عنه حول سهم المؤلفــة قلــوبهم ربمــا يــزول أو هناك فإنها ال تتم على إطالقهــا، فالمؤلــالم مصداق تأليفهم في زمن ما، لكنه ال يزول بالمطلق؛ ألن اإلس يحتاج إلى هذا الســهم في مواقـع ضـعف الجماعـة المســلمة هنــا وهنــا، وفي هــذا الــزمن أو ذاك، وهــذا معنــاه أن كلمــة »اليــوم«ــل عصــر ــة ال تعــني زمــان األئمــة، أي مــا قاب ــواردة في الرواي الــا، وإنمــا العصــر الخــاص باإلمــام الرسول، حتى تأخــذ بعــدا إطالقي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد95هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ز فرضية أن الحكم الوارد بعد كلمة الصادق وما يحيط به، مما يعز»اليوم« هو حكم مرحلي، ال أساسي.

يضاف إلى ذلك أنه لو كان هذا التمييز صحيحا فلمــاذا جــرى الحديث في المقطع األول من الروايــة عن اإلمــام، وليس النــبي،

. علمــا أن الروايــة|وقد كــان بإمكــان الروايــة الحــديث عن النــبيــدفع لهم عللت هناك بأنهم يدفع لهم ألنهم يقرون له بالطاعــة، في

ليرغبوا في الدين، وهي مسألة عامة. بل يمكن أن نضيف أيضا بأن هــذا المفهــوم ينــاقض مــا جــاءفــة قلــوبهم لم يكونــوا قــط أكــثر في بعض الروايات من أن المؤل

ــاقر ، وفي×منهم اليــوم، كمــا ورد في خــبر زرارة عن اإلمــام البمرسل موسى بن بكر، وغيرهما.

إن ظاهر الحديث أن هناك حالتين:ثالثا: أن تكــون الحكومــة إلمــام الحــق والعــدل،الحالة األولى:

وفي هذه الحــال ســتحول الزكــوات إليــه. ومن الطــبيعي أنهــا لن تكون زكاة أموال الشيعة فقط، بل زكــاة أمــوال المســلمين على

اختالف انتماءاتهم وعقائدهم. وفي هــذه الحــال حكمت الروايــة بــأن اإلمــام يعطي هــؤالءــأنهم ــاء المــذاهب اإلســالمية، وعللت ذلــك ب جميعــا، أي تمــام أبنــذا يقرون له بالطاعة، وغير باغين، وال متمردين على سلطانه. وه معناه أنه كلما قامت الدولة الدينية الشرعية كان الحكم فيهــا هــوــذهبي أو ــيز م ــاس، دون تمي ــع الن ــة لجمي ــوق المالي صــرف الحق

طائفي.ــة ــ ــرحت الرواي ــ ــة األولى ط ــ ــياق الحال ــ وفي س

مفهومين: إنه لو أعطاها اإلمام لخصوص الشــيعة لم يعــثر لهــااألول:

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد96هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

على موضع. وهذا الكالم ليس ألجل أن الشيعة سيكونون أغنيــاء خــارجين عن نطاق مصارف الزكاة، بل ألن فــرض اإلمامــة الظــاهرة هــو ـــ فــرض جلب الزكــوات من جميــع المســلمين، وهــذا ــا ـ كمــا قلن المقدار الضخم من األموال الزكوية لو خصصــناه بالشــيعة لفــاضـة في المجتمـــع ــ ــة أنهم أقلي ــة الغالبـ عن حـــاجتهم، حيث الحالـ

اإلسالمي، لهذا سيبقى مقدار من الزكاة بال موضع. وهنا يأتي هذا اإلشكال، وهو أن سهم سبيل الله بابه مفتوح،باته كثــيرة، حيث يغطي مختلــف أشــكال الخــدمات العامــة ومتطل الــتي تســتوعب كــل زكــوات المســلمين في العــادة، حيث يمكن لإلمام به ـ ولو قديما ـــ شــق الطرقــات وبنــاء القنـاطر والجســورــوات ــ ــافي ودور العلم ودعم الجيش والقـ ــ ــاجد والمشـ ــ والمسـ المسلحة وسد نفقات الدولة وموظفيها ممن يرتزقون من اإلمام، كالقضاة والمؤذنين والمفتين وغيرهم، فلماذا ال يجد لها موضعا لو لم يعطها لغير اإلمامي؟ اللهم إال بنــاء على لــزوم تقســيم الزكــاة إلى مصارفها الثمانية بالتساوي مطلقا. وهو بعيد؛ بمالحظة الحالة

النوعية البن السبيل.ــدين، وهــذاالثاني: ــترغيبهم في ال ــا يعطي ل إن اإلمــام إنم

ــام، المفهوم ال يعني أن هناك حاالت يمكن أن ال يعطيهم فيها اإلم بل المراد أن عدم إعطائهم من الزكاة من طبيعته تنفــيرهم نوعــان ز حينئــذ بين فقــراء مــذهب معي من الدين؛ ألن الدولة سوف تمي دون آخر، وهذا ما سينفر من الدين وسلطته الشــرعية، وال ســيما

إذا فهمنا من الدين خصوص المذهب اإلمامي.ــق في ــد أنهم ليس لهم ح ــع يفي ــذا المقط ــك ه ــع ذل لكن مــه الزكاة، وأنهم إنما يعطيهم اإلمام ألجل الترغيب بعد أن أقــروا ل

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد97هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ــا لهم فال حاجــة لمفهــوم الــترغيب بالطاعة، فلو كانت الزكــاة حقل عنوانـا عارضـا مقارنـة بمفهـوم الفقـر والمســكنة و... الذي يمث وهذا كله يدل على أن الزكاة ليســت للجميــع؛ ألن الحكم الثــانويــاهرة، هو الذي استدعى دفعها لغير الشيعي في زمن اإلمامة الظ ال العكس، ولهذا قال له بعد ذلك بأنه اليوم ـ حيث ال موضوع لهذا

الحكم الثانوي ـ يجب إعطاؤها لخصوص الشيعة. أن ال يكون اإلمام الحق مبسوط اليد، وفيالحالة الثانية:

هذه الحال حكمت الرواية بإعطاء الزكاة لخصــوص الشــيعي، فيإشارة كاشفة عن الحكم األولي، كما ألمحنا قبل قليل.

ــير ــون الروايــة دليال على إعطــاء غ وبهــذه الطريقــة ال تك الشيعي، بل هي على العكس أدل، اللهم إال في الدولـة الشـيعية.ــهمي: د هذا الكالم أنها صرحت بعد ذلك بعمومية خصوص س ويؤكفة، مما يكشف عن أن هذا هو مقتضــى القاعــدة، الرقاب؛ والمؤل

ال العكس.ــه مــارابعا: إن الرواية تشتمل على تناقض؛ فتارة تقــول بأن

ــه لــو لم من فريضة فرضها اللــه إال ولهــا أهــل؛ وأخــرى تقــول بأن يعطها للجميـع في زمن اإلمامــة الظـاهرة لمــا وجــد لهــا موضــعا.ـا أن األقـرب في فكيف يمكن الجمـع بين المفهـومين، بعـد أن بينــالعنوان ــان ب ــاهرة ك ــة الظ ــديث عن زمن اإلمام ــة أن الح الدالل الثانوي؟! اللهم إال أن يقال بأنه في الحالة الثانية لم يفرضها اللــه

فة. إال بالعنوان األولي للمؤل وبهذا ظهر أن االستدالل بهذه الرواية على إعطــاء غـير الشـيعي غـير تـام، إال بمقـدار حالـة قيـام الدولـة

الدينية العادلة، حيث يجب التسليم إلى الجميع. ، قــال: كــان جــدي× عن أبي عبــد اللهـ خــبر الفضــيل،2

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، صيف االجتهاد والتجديد98هـ1433م ـ 2012

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

يعطي فطرتـه الضــعيف ومن ال يجــد ومن ال يتــولى،|رســول الله : هي ألهلهــا، إال أن ال تجــدهم، فــإن لم تجــدهم×قال: وقال أبــوه

فمن ال ينصب، وال تنقل من أرض إلى أرض، وقال: اإلمام )أعلم(.(141)يضعها حيث شاء، ويصنع فيها ما يرى«

فهذه الروايـة تجــيز ــ حيث ال يوجــد شــيعي ــ الصـرف على السني من غير النواصب، وعدم جواز نقــل الزكــاة إلى بلــد آخــر. خــذ وضــعا كما أنهــا واضــحة الداللــة على أن الزكــاة بيـد اإلمــام تت

مختلفا، من حيث إن له وضعها حيث شاء. لكن هذا الحديث خاص ـ كما هو واضح ـ بزكــاة الفطــرة، والــات يصلح تعميمه لغيرها. لكنه مع ذلك، وصالحيته لتخصيص إطالق الروايات المتقدمة، يعارض بعضــها، مثــل: صــحيحة إســماعيل بن سعد األشعري، التي أوردناها في نصوص المجموعة الثانية، حيث صرحت تلك بأنه ال يعطى من الزكاة غــير اإلمــامي، وال من زكــاة

(.10الفطرة. ومثله خبر الفضل بن شاذان )المجموعة الثانية، ح ومــع ذلــك يمكن جعــل هــذه الروايــة هنــا مخصصــة لهــاتين الروايــتين، من حيث إن تلــك مطلقــة لحــال فقــدان الشــيعي في البلد، بخالف هذه، ومعه ترتفع هــذه المعارضــة. يضــاف إلى ذلــكــذيب ضعف سند هذا الحديث؛ بطريق الطوسي في مشيختي الته

واالستبصار إلى ابن فضال. قــال: كتبت إليــه: هــل يجــوز أنـــ خــبر علي بن بالل،3

يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة أخرى يحتاجــرة على من م الفط ــ ــرة أم ال؟ فكتب: »يقس ــه الفط ــدفع ل أن ي

.(142)حضرها، وال يخرج ذلك إلى بلدة أخرى، وإن لم يجد موافقا«ــاة ــها بزك ــابقتها في اختصاص ــال س ــة ح ــذه الرواي ــال ه وح الفطرة، مع فـرض فقــدان الموافـق في البلــد. كمـا أنهــا ضـعيفة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد99هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

السند؛ بطريق الطوسي إلى الصفار. ،× عن أبي الحســن األولـ صــحيحة علي بن يقطين،4

أنه سأله عن زكاة الفطـرة أيصـلح أن يعطي الجــيران والظـؤورةــان ــذلك إذا كـ ــأس بـ ــال: »ال بـ ــب؟ فقـ ــرف وال ينصـ ممن ال يعـ

.(143)محتاجا«ــة على تخصــيص األدلــة ــة الســند، وواضــحة الدالل وهي تام

السابقة في مورد زكاة الفطرة.ــا جعفرـ خبر مالك الجهني،5 عن زكــاة× قال: سألت أب

الفطـــرة؟ قـــال: »تعطيهـــا المســـلمين، فـــإن لم تجـــد مســـلما.(144)فمستضعفا، وأعط ذا قرابتك منها إن شئت«

وهي واضحة ـ مثل صــحيحة ابن يقطين ـــ في جــواز إعطــاءــارض مــا دل مطلق المسلم أو الجار، ولو مع وجود اإلمــامي، فتعــذه دة له على عدم الجواز إال عند فقدان اإلمامي، وتكون تلك مقي

لو قبلت هذه الرواية هنا التقييد. والظاهر العكس. وهذا الخبر ضعيف السند؛ بعدم ثبــوت وثاقــة مالــك بن أعين

الجهني. ،(145)إلى غيرها من الروايــات، مثــل: خــبر إســحاق بن عمــار

وغيره.ــه ال والذي يفهم ـ بضم مجموعات الروايات إلى بعضــها ـــ أن يجوز إعطــاء الزكــاة لغــير الشــيعي، إال زكــاة الفطــرة تعطى في البلد لمن ال ينصب عند فقدان الشيعي. وهذا في غير اإلمام، أمــا اإلمام فله التصرف في الزكوات كيــف يشــاء مطلقــا، بــل األرجح

صرفه لها على جميع المسلمين.

التحليــل اإلجمــالي العــام لمجموعـات النصــوص الحديثيــة

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد100هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

)الرأي الراجح(ــة عن أهــل الــبيت ^وبهذا ظهر وضوح موقف الســنة المروي

في المنع من إعطاء الزكاة لغير الشــيعي. وعلينــا القيــام بتحليــلــذه ــل ه ــير مجم ــول: يمكن تفس ــوص، فنق ــذه النص ــالي له إجم

النصوص بعدة تفسيرات، أبرزها:ــأن األصــل لصــالح النصــوصالتفسير األول: ــتزم ب أن يل

المانعة، وأما ما أجاز ـ كما في حالــة الحــاكم الشــرعي ـــ فيكــون لعنوان ثانوي حكومي؛ إما لرجوع مجمل هذه النصــوص إلى عــدمــدين، إسالم غير الشيعي؛ ألنه منكر لإلمامة التي هي من أصول ال فلهذا لم يعط من الزكوات أبــدا، فال يكــون فيهــا أي شــيء خــارج

؛ أو لرجوعها إلى أن إعطاء الزكاة موادة وإرفــاق(146)عن القاعدةــه ــاد اللـ ـه حـ ــ ــيعي؛ ألن ــير الشـ ــر، فال تعطى لغـ ــالطرف اآلخـ بـ

؛ أو غير ذلك.(147)ورسوله لمــا بحثنــاه فيوهذا الكالم غــير صــحيح؛ وذلــك أوال:

ــة الشــهادتين في تحقق عنــوان اإلســالم وتــرتيب محلــه من كفاي آثاره. وإنكار اإلمامة ليس إنكارا مالزما بالضــرورة لتكــذيب النــبي عندما ال يعرف المنكر هذه المالزمة، وفاقا للسيد الشــهيد الصــدر

.(148)واإلمام الخمينيــه يشــكل جــدا صــدق محــادة اللــه ورســوله علىثانيــا: إن

ــالبهم ــتيقن، حيث غ ــدر الم ــة بالق المســلمين في العصــور الالحق جاهلون قاصرون، ال مقصرون. ولو قصروا في المقدمات فهــذا ال

يعني صدق عنوان المحادة، الذي يستبطن المعاداة والمواجهة.ــا: ــانثالث ــتراط اإليم ـة الحكم باش ـ ــتراض أولي ــل اف إن أص

بالمعنى األخص هنا البد فيه من إبطال تمــام االحتمــاالت األخــرى في تفسير الموقـف هنــا، فــإذا تمت بطــل هــذا التفســير أو بطــل

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد101هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ن، وستأتي. نه، وإال فهو متعي تعيــا بمــا أســلفناالتفسير الثاني: يمكن تفســير المشــهد هن

نقلــه عن الشــيخ المنتظــري، من أن هنــاك حــالتين: حالــة بســط الدولة اإلسالمية سلطتها أو نفوذ سلطان الحاكم الشرعي؛ وحالة عدم ذلك. وبعبارة أخرى: وظيفة الفرد المزكي؛ ووظيفــة الحــاكم في تعامله مع المال الزكوي. ففي الحالة التي يراد تحديد وظيفة الفرد المزكي، وهي حالة عــدم بســط الدولــة اإلســالمية نفوذهــا، ســيكون الحكم األولي عبــارة عن اشــتراط اإليمــان في مســتحق الزكــاة؛ وأمــا في الحالــة الثانيــة فــإن للحــاكم الشــرعي صــالحية التعامل مع المال الزكــوي بصــرفه حيث يريــد، فال يؤخــذ اإليمــان شرطا في المصرف من جهة الحاكم. وبهــذا نجمــع بين النصــوص

المختلفة. وهذه الفرضية في التفسير يفترض أن يسبقها تحديد موقفنا من الوالية على المال الزكوي، فهل هذا المال داخــل في األصــل ضمن والية الحــاكم، وإنمــا أعطيت صــالحية التصــرف فيــه للفــرد المزكي إعطاء والئيا، ال شرعيا، أم أن هذا المال ال واليــة للحــاكم عليه، غاية األمر أنه لو بسط يده لزم تسليمه إليــه، أو لــو أعطــاهــو ــدار المعطى، أو ل أحد هذا المال صارت له والية عليه بهذا المق

رأى مصلحة في المطالبة أمكنه ذلك وكانت له الوالية؟ أعتقد أن المنسجم مع البنية االجتهادية للشيخ المنتظري هور عن نظــام ــه يعتقــد أن الضــرائب اإلســالمية تعب الخيــار األول؛ ألنــار. حكومي ودولة قائمة، فمن المفترض به االنسجام مع هذا الخي وإذا قلنا بأن الزكاة في األصل للحــاكم، وأن أهــل الــبيت رخصــواــل ــيكون الحكم المتص ــا، فس ــرف في إخراجه ــيعة في التص للش بالمزكي حكما ثانويا يفيد التقييد في الوالية التي أعطيت للمزكي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد102هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

من قبــل الحــاكم، ومن ثم يمكن للحــاكم اليـوم إلغـاء هــذا الحكم الوالئي بعد ثبوت واليته على المال الزكوي، وهذا مــا يكشــف عنــه، فال يصــح التفصــيل المــذكور بمالك ــة الحكم وعــدم أوليت ثانوي

الحكم األولي. ـ على ما بحثنــاه في محلــه ـــ أن الزكــاة فريضــةوالصحيح

تسلم إلى الحاكم الشرعي. غاية األمر أنه حيث لم يتســن لألئمــة استالمها، وال سيما منها الثروات الحيوانية والزراعية، كانت غــالبــا النصوص مبنية على إخراج المزكي لها. وفي األخبار المتقدمة م هو صحيح سندا ويفيد أنها لإلمام، بل إن جعل اآليــة الكريمــة أحــد مصارفها العاملين عليها يعطي إيحاء قويا بـأن األصـل فيهــا جبيهــا

للحاكم وأمثال ذلك. ما نــراه التصــور األصــح لهــذه النصــوصالتفسير الثالث:

ورسالتها، وهو ما يمكن فهمه من مجموع عناصر، هي: إن القرآن الكريم ـــ كمــا تقــدم ـــ يــدل في الجملــة علىـ1

إعطاء الزكاة للمسلم باإلسالم الظاهري، حتى لو كان منافقا غيرــة معتقــد باإلســالم أساســا، بــل ســياق اآليــات يــرجح نفي معياريــة العنــاوين الثمانيــة المــأخوذة في أصــناف اإلسالم لصــالح معياري

المستحقين للزكاة. لــو راجعنــا الروايــات الــواردة، مالحظين جمــل التعليــلـــ2

الواردة في بعضها، سنجد ما يلي: ( جــاء:2 في صحيحة علي بن سويد )المجموعة الثانيــة، حأـ

»فما كان من الزكاة فأنتم أحق به؛ ألنا قــد أحللنــا ذلــك لكم، منــة كان منكم وأينما كان...« . وقد قلنا سابقا بأن معنى هذه الرواي أن الزكــاة يجب عليكم تســليمها لنــا؛ كوننــا في منصــب اإلمامــة،ــة عدمــه لكننا أحللنا ذلك لكم، ال بمعنى سقوط الوجوب؛ لمعلومي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد103هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

قطعا، بل بمعنى ســقوط التســليم بالصــرف على بعضــكم بعضــا. وهذا يعني أن هذا النص يفرض الزكاة للحاكم، ويــذكر أن الحــاكم أجاز صرفها بواليته فيما بينهم، دون إصدار إجازة لغيرهم، فيكــون حكمه والئيا بمقتضى واليته على المــال، ال بيانــا لموقــف شــرعي إلهي ثابت. وهــذا يعــني أن من يملــك منصــب اإلمامــة في عصــر الغيبة له تغيير هذا التحليل بمقتضى واليته على المال أيضــا، ممــاــالعنوان األولي. وهــذا يكشف عن أن أصل هذا الحكم ليس إلهيا ب

ما يرفع المعارضة مع النص القرآني.ــة، حب ـــ ( جــاء:3 في صــحيحة ضــريس )المجموعــة الثاني

»...وال تدفعها إلى قــوم إن دعــوتهم غــدا إلى أمــرك لم يجيبــوك،وكان والله الذبح«.

فإن التعليل تعليل بأمر طارئ، فهو يقول له: ال تعــط الزكــاة لمن ال يقف معك في لحظات الشــدة، بــل ادفعوهــا بينكم ليشــتد عــودكم. وهــو تعليــل بــأمر طــارئ، ال بعنــوان أولي، وال أقــل منرا على حدث زمني، وكــأن اإلمــام يريــد احتمال ذلك بوصفه مؤش أن ينظم أمر الجماعة المستضعفة التي ال ينصــرها اآلخــرون، بــلــا، وال تـذهب بمالهــا يسلمونها للذبح، فيطلب منها أن تتعاضــد مالي

إلى من ال يقف معها أو يعينها أو يتعاطف.ــحيحة زرارة وهذا الذي فهمناه من هذين التعليلين تدعمه ص

ــد بن مســـلم )المجموعـــة السادســـة، ح (؛ حيث حكمت1ومحمـ بصرف الحاكم الشــرعي الزكــاة على الجميــع، بخالف حــال عــدم

الحكومة. إن حــال الزكــاة في عصــر صــدور هــذه النصــوص ـــ أيـ3

ــه كــان يجلبهــا الســلطان، القرنين الثــاني والثــالث الهجــريين ـــ أن وتذهب إلى خزانة الدولة، وقد كانت هذه هي الســنة في الزكــاة.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد104هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

وهذا معناه أن السائلين هنا يسألون غالبا عن الزكــاة في غـير مــا يأخــذه الســلطان، مثــل: زكــاة النقــدين؛ ألن الحــاكم في العــادةــة. وهــذا معنــاه أن ــة والزراعي الغالبــة يأخــذ زكــاة الــثروة الحيواني قسما من األموال الزكوية كانت تأخذه السلطة المعارضة لألئمة. ومن الواضح أن أهل البيت قد أسقطوا اإللزام بالزكاة مرة أخرى في ما أخذه السلطان من المالك. وهذا كله يعني أن هذه األسئلة جاءت حول الزكاة التي يريد الشــيعي أن يــدفعها إلى المســتحق، وكانت خارجــة عن ســلطنة الســلطان ونفــوذه. وفي هــذه الحــال يجب فهم صــدور هــذه النصــوص؛ فــإن الســلطان في العــادة لن يوفر للشيعة من الزكاة ـ لو فعلها ـــ إال القليــل، ومن ثم ســيكون فقراء الشيعة في الحالة العامة ال يملكون المـال الشـرعي الـذي يصرف عليهم. من هنا جــاءت هــذه النصــوص لتلــزم ـــ من موقــعــا والية اإلمام على الزكوات ـ بدفع ما تبقى من الزكاة من غــير م أخــذه الســلطان في العــادة إلى الــداخل الشــيعي المهمش؛ ألن ذلك سوف يشكل أولوية أولى بحكم الحاجــة الــتي يعيشــها الجــو الشيعي. ولهــذا وجــدنا بعض الروايــات الصــحيحة الســابقة، مثــل: صــحيحة زرارة ومحمــد بن مســلم، تتحــدث عن أن اإلمــام حــال بســط نفــوذه يعطي الجميــع؛ ألنهم يقــرون لــه، فالمــال إذا كــان لإلمام من جهة، وكانت الســلطة من جهـة أخــرى معاوضـة انقيـاد ومسؤولية كمــا يظهــر من هــذه الروايـة، فهــذا معنــاه أن الــذي ال يتمرد على السلطة تصبح السلطة مسؤولة عن نفقاته العامــة؛ إذل لو لم تكن كذلك لوقعت منافرة بين الشـعب والسـلطة بمـا تمثقــا للشــريعة، وهــذا هــو معــنى ــة، بوصــفها مطب من القيمــة الديني

التعليل بالترغيب في الدين، فهو أمر غالبي، ال طارئ.ــال ــدنا احتم ــير عن ــه حتى اآلن يث ــاه بأجمع ــذي قلن ــذا ال وه

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد105هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

يحتمل أنهم^التاريخية والوالئية، بمعنى أن بعض أئمة أهل البيتــع ــروف، ومن مواق ــ بحكم بعض الظ ــرهم ـ لوا في عص ــ ــد فض قنــة واليتهم على المال الزكوي ـــ أن يوجهــوا صــرفه إلى جهــة معي

تحظى بأولوية استثنائية.ـة؛ ـ ــيرتين: النبوي ــر الس ــدما ننظ ــال عن ــذا االحتم ز ه ــز ويتع

كانــا يصــرفان الزكــاة في’والعلوية؛ إذ لم نسمع في التاريخ أنهما أهل الوالية خاصة. ولــو حصــل شــيء من هــذا القبيــل الســتخدمهــبي روا على الن |خصومهما، كما يظهر من القرآن الكريم، حيث عي

في أمر الصدقات، وأجابهم القرآن بعلــة أخــرى، ال بعلــة من نــوع التعليل الموجود في هذه الروايات، بل لم نلحــظ توجهــا لــديهما ـ ولو عبر نصوص محدودة ألشخاص محدودين ـ بصرف الزكــاة في أهل الوالية خاصة. كيف وقد كان مناسبا مثــل هــذا األمــر، ال أقــل في السنوات األخيرة من العهد المدني، التي تشدد فيها الرســولـه منــع من الصــالة على ميتهم، وهــدم ـ مــع المنــافقين، حتى أن مسجدهم، ونزلت فيهم اآليات الشديدة؟! ففي هــذا الظــرف منز مفهــوم اإليمــان الحقيقي، ــة ترك المناســب صــدور نصــوص نبوي بوصفه شرطا في أخذ األموال العامة، إال إذا قيل بأن عصر بسط اليــد مختلــف، بــل كــان ينبغي على الرســول بيــان الحكم األولي،

حتى لو مارس بنفسه الحكم الثانوي. إن مــا نريــد التأكيــد عليــه هــو أن هــذا الحكم لم يطــرح في العصر اإلسالمي األول؛ إذ لو طرح حقا ألثار تساؤالت واعتراضاتــا ـ داخل المجتمع اإلسالمي في مبدأ التميــيز المــالي ـــ ولــو نظري بين موالي علي وغيرهم. وحيث لم نجد شيئا من هذا القبيل فالبدــة؛ النســداد عصــر ــا زمني ــذه على أنه ــة ه من فهم نصــوص األئم

ــة|التشريع بعد الرســول ــه من كتابنــا »حجي ، كمــا بحثنــاه في محل

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد106هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ــة هــذا(149)السنة« . وهذا ما يضاعف أكثر فــأكثر من احتمــال زمنيالحكم.

ـة على ـ هذا كله يرجح عندي احتمال الخاصية الوالئية والزمنياحتمال تقييد المطلقات وتخصيص العمومات.

ويبدو لي أن جميع الروايــات المتقدمــة تقبــل االنســجام مــع هذه الفرضية التي قدمناها للجمع بين النصوص، والقليل منهــا مــا

ال يقبل ذلك، بحيث ال يوجد وثوق بصدوره.ــارض ر بعض أشكال التع كما أن هذه الفرضية هي التي تفس ــا في هذه الروايات، من نوع عدم جواز إعطاء غير اإلمامي مطلق تــارة، وجــواز ذلــك مــع عــدم وجــود اإلمــامي شــرط أن ال ينصــب

أخرى، وهكذا.ز ما نقول أيضا بأن الروايات والفقهاء قبلوا دفع الزكاة ويتعزفة أو للترغيب في الدين، كما في صحيحة محمد بن مســلم للمؤل وزرارة، فلماذا ال نجد في كل هــذه النصــوص إجــازة للشــيعي أن يصرف الزكاة على غير الشيعي من باب تأليف القلوب أو تحبيب الشيعة إليه أو ترغيبــه في المــذهب اإلمــامي؟! فــإذا كــان اإلمــام ــا يدفع لترغيبهم في الدين فإن هذه النكتة والخصوصية تصلح أيضــة ثابتــة لم يكن في غير الحال هذه. فلو كــانت هــذه األحكــام إلهيــذه ــياق ه ــوع في س ــذا الموض ــا له ــارة إطالق ــدم اإلش ــنى لع معز الحالــة االســتثنائية في الحكم، وأن الروايات بأجمعهــا، ممــا يعــز الضرورات كانت تفرض الصرف في الــداخل الشــيعي، وأن زكــاة الفطرة إنما أخــرجت لقلتهــا وعــدم تأثيرهــا الكبــير بالمقارنــة مــع الزكاة العامة. وقد قلنا في محله: إن عدم تداول حكم في العصر النبوي وبعيده، مــع كونــه لــو كــان موجــودا ألثــار ضــجة أو تســاؤال واستفهاما، وظهور النصوص القرآنية والنبوية ـ ولو باإلطالق ـ في

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد107هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ومن بعــده..، أحــد×عكســه، ثم تداولــه في عصــر اإلمــام البــاقرــة على والئيــة هــذا الحكم وتاريخيتــه، مــا لم تــبرز الشــواهد القوي

.|قرينة صارفة؛ نظرا النسداد عصر التشريع بوفاة الرسول لــو حللنــا وأجرينــا مقارنــات ومقاربــات بين مجموعــاتـــ4

النصوص المتقدمة سنجد المعطيات التالية: إن عدد الروايات الدالة إجماال هنا ـ بغض النظر عن بعضأـ

رواية، وأن من بينها ـ بحســب24المالحظات المتنية ـ هو حوالي ما توصلنا إليه ـ ســبع روايــات صــحيحة، وقـد تبلـغ العشــرين عنـد

المشهور. إن بين هذه الروايات الصحيحة رواية تعــارض ــ في مــاب ـ

يبدو لي ـــ تعارضــا مســتقرا عرفــا صــحيحة أخــرى، وهي صــحيحةــة، ح (، الدالــة1إســماعيل بن ســعد األشــعري )المجموعــة الثاني

ــة صراحة على عدم إعطاء زكاة الفطرة لغير الموالي، والمدعوم (، وعلى وجــه خــبر أبي10بخبر ابن شاذان )المجموعة الثانيــة، ح

(. وهــذه الروايــة هي صــحيحة2خديجــة )المجموعــة الخامســة، ح (. ما لم نجعل األخــيرة4علي بن يقطين )المجموعة السادسة، ح

ــك فهي ــالظؤورة والجــيران لخصوصــية فيهمــا. ومــع ذل ة ب خاصــــة، ح ــد )المجموعــة الثاني ــارض خــبر عمــر بن يزي ( اآلبي عن5تع

التخصيص، اللهم إال إذا جعل التعارض بالعموم من وجه.ــات تعارضــا من جــانب آخــر؛ج ـــ إن بين بعض هــذه الرواي

فالكثير منها يطلق المنــع من إعطــاء غــير الشــيعي، وبعضــها دال على إخراجها وإرسالها إلى الشــيعي خــارج البلــد، مثــل: صــحيحة

ــة، ح ــريس )المجموعــة الثاني ــادة على3ض ــها على اإلع (، وبعض الشيعي كلما فضل، وال تعطى لغيره، مثل: خبر عبــد اللــه بن أبي

(، أو توضــع في البحــر، مثــل: خــبر6يعفور )المجموعــة الثانيــة، ح

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد108هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

(. لكن بعض الروايــات8إبــراهيم األوســي )المجموعــة الثانيــة، حاب عنـد العجــز عن بعثهــا، مثــل تفيد جواز صرفها على غـير النصــ

(.7خبر يعقوب بن شعيب )المجموعة الثانية، ح د ـ إن بعض هذه النصوص يمنع عن إعطـاء حتى شــربة مــاءــة المعــروفين بقــربهم من أصــول المــذهب اإلمــامي لمثــل الزيدي وحبهم ألهل البيت النبوي، فيما روايات أخــر تســمح بإعطــاء غــيرــة، الشيعي زكاة الفطرة، بل تسمح بإعطائهم صــدقات غــير زكوي

(.2 و1مثل: خبر أبي بصير، وصحيحته )المجموعة الرابعة، ح والهدف من هذه النقطة الرابعة هو تحديــد درجــة قــوة هــذه

الروايات ومتانتها وعدم ابتالئها بمشاكل. ـ قد أثبتنا في دراسة مفصلة في محله أن المبدأ األســاس5

في العالقات اإلسالمية ـ اإلسالمية هــو مبــدأ األخــوة. واســتخرجناــة جملــة من المبــادئ األساســية في من مقاربة النصــوص القرآنيــة ــدأ الوالي ــالمية، ومب ــوة اإلس ــدأ األخ ــل: مب ــات، مث ــذه العالق ه المتبادلة، ومبدأ التعاون، وغيرها. واعتبرنــا أن القــرآن الكــريم لم يسمح بعالقة سيئة في الداخل اإلسالمي، إال في حالة البغي التي تســـمح بالتقاتـــل لرفـــع الظلم عنـــد العجـــز عن تحقيـــق حالـــة المصالحة. ووفقا لذلك إذا أردنا تطبيق هذا القانون القرآني العام أو مجموعة القوانين هذه على الحالة التي نحن فيها سنجد تنــافراــا؛ ألن ــا أولي مضمونيا لو كان حصر الزكاة بأهل الواليــة حكمــا إلهي معنى ذلك أن المسلم يحــرم أخــاه المســلم من األمــوال العامــة، من الخمس والزكــاة، مــع توفرهــا لديــه، بــل لحن العديــد من النصوص المتقدمة يخالف مبدأ األخــوة اإلســالمية، مــا لم نفهمهــاــد على أنها حالة زمنية ناتجة عن حالة البغي الذي كان يمارس ض الشيعة في العصرين األموي والعباسي، من جانب الســلطة، ومن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد109هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

طــرف كثــير من النــاس، وإال فكيــف يمكن أن يكــون المســلمون إخوة ثم نحرم على بعضهم مساعدة بعضهم بعضا، وإعانتــه بــدفع المال إلى الفقراء والمساكين في سياق أكبر فريضتين ماليتين؟!عيا، وإن ـا ومتشـر إن هــذا قـد ينـاقض مبـدأ األخــوة عرفـا وعقالئي أمكن تجاوز هذه المنافاة بــالنظر التفكيكي الــدقي الــذي ال تبــنى

عليه الفهوم العرفية والعقالئية في باب االجتماع البشري.ــذهـ6 ــو أن ه ثمة تساؤل يواجه فكرة الحكم األولي هنا، وه

النصوص تجعل الزكاة خاصة بأهل الوالية، وهي تلزم غير الشيعي بإعادة دفع زكاتــه مــرة أخــرى للشــيعي لــو استبصــر، على خالف الحج والصــالة. وهــذا يعــني أن الحكم كــامن في أن الســني يجب عليه ـــ بــالعنوان األولي ـــ دفــع زكاتــه لإلمــامي، وبعض النصــوص صريحة وبعضها ظــاهر بـاإلطالق في أن كفايــة اإلمــامي ال تســمح بإعطاء الباقي لغيره، إال في سهم المؤلفة قلوبهم، الذي له بعــده

وحالته الخاصة. وأريد هنا أن أسأل ـ كما سأل الســيد الخميــني من قبــل في ما يتعلق بسهم السادة في الخمس ـ: هل يعقل أن تكــون زكــاة ـــاكينهم بل وخمس ـ جميع المسلمين خاصين بفقراء الشيعة ومس ومناطقهم؟ أليس هذا التشريع غير متناسب، وال ســيما بعــد زوال الرقاب وابن السبيل من حياتنا اليوم؟ أليست هذه المبالغ الماليةــاطق الشــيعة ــير ومن ــامي الفق ــة اإلم ــوق حجم حاج الضــخمة تفرا على المحدودة قياسا بالعــالم اإلســالمي؟ هــذا مــا يعطي مؤشــ زمنية الحكم الصــادر في هــذه الروايــات، إال إذا جعــل بحيث يعلمــيرتفع عه، ف ــد تشــي ــير الشــيعي، إال بع ــل غ ــه من قب عــدم تطبيقــراج اإلشكال. لكنه خالف ظاهر التعليل في مثل روايات إعادة إخ الزكاة للمستبصر، حيث جعــل صــرفه لهــا على غــير اإلمــامي فيعه صــرفا لهــا في غــير موضــعها، ممــا يعــني أن حــال عــدم تشــي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد110هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

عه كان هو اإلمامي. موضعها في حال عدم تشي وعلى أية حال فمن مجموع المالحظــات المتقدمــة نخرج باستنتاج نراه الراجح هنا، وهو أن هــذه النصــوص قد صدرت في جو استثنائي خاص كــان يســتدعي الحث على صـــرف األمـــوال الضـــريبية العامـــة في الـــداخلــد الشيعي، وأن قرار رفع هذا الحكم الطارئ إنما هو بي منصب اإلمامــة أو رئيس الدولــة أو الجماعــة الشــرعي،ــد وأن بإمكان الحاكم الشرعي ـ سواء كان مبســوط اليع أو يضــيق في مصــرف الزكــاة أم غير ذلــك ـــ أن يوســ بمالحظة بعض الطــوارئ. وليس لــدي وثــوق بــأكثر من

هذا المقدار من مجموع نصوص الباب. وقد الحظت أن أستاذنا السيد محمــود الهاشــمي يحتمــل أنــا، في إشــارة ســريعة يكون منع دفع الزكاة للمخــالف حكمــا والئيضــه لشــرط اإليمــان دون أن يبحث هذا الموضوع، وذلك عنــد تعر

. وال أدري هـل أن القـرائن الـتي دفعتـه(150)في مسـتحق الخمســه في الرســالة إلى هذا االحتمال هو ما ذكرناه أم شيء آخر؟ لكن العملية شــرط اإليمــان في مســتحق الزكــاة، واحتــاط وجوبــا في

.(151)اشتراطه في مستحق الخمس بل الذي أفهمه من بعض اإلطالقات أن شــرط اإلســالم غــير مأخوذ أيضا، بل بعض الروايــات المتقدمــة يفيــد أن غــير المســلم أيضــا لــو انقــاد لمســتلزمات المواطنــة ومســؤولياتها في الدولــة اإلسالمية فهو يستحق من هذا المال، والحاكم الشرعي يمكنه أن

يعطيه منه كذلك بحسب ما يراه من منطق األولويات.

ـ في مجال الخمس ومصارفه2

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد111هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ـة الى أن من شــروط ـ ذهب غــير واحــد من فقهــاء اإلمامي المستحقين في الخمس اإليمان بالمعنى الخاص، فال يجوز إعطاء الخمس من سهم السادة إلى غير اإلمــامي االثــني عشــري. وقــد

استدل لذلك بعدة أدلة: إن ذلك مقتضى قاعــدة االشــتغال، حيث ال يحصــل العلمـ1

بفراغ الذمة إال بإعطاء اإلمامي. عن هذا الدليل واضح؛ فإنه بعد وجــود العمومــاتوالجواب

والمطلقـــات في القـــرآن والســـنة يمكن االعتمـــاد على الـــدليل المحرز، بال حاجة إلى الرجوع إلى أصل االشتغال. بــل الشــك من موارد الشك في شرط التكليــف، فتجــري فيــه الــبراءة المتقدمــة

على االشتغال. إن اعطاء الخمس لغير اإلمامي إكرام له، وال كرامة لغيرـ2

المؤمن.ــل على حرمــة إكــرام غــيروالجواب أوال: ــه لم يقم دلي إن

المؤمن الشــيعي في حــد ذاتــه. نعم، يحــرم مــوادة من حــاد اللــهــه عنــوان أخص بكثــير من عنــوان الكفــر أو ورسوله. وقد تقدم أنـة ـ ـة والتاريخي ـ ــوص القرآني ــف والنص ــامي. كي ــير اإلم ــالم غ اإلســة شــاهد على إكــرام غــير المســلم وبــره والقســط إليــه والحديثي والتعامل بـاألخالق الحســنة معــه وزيارتـه وغـير ذلــك من مظـاهر إكرامه؟! بــل إبقــاؤهم في الدولــة اإلســالمية أحيــاء لهم الحقــوق العامة ضرب من اإلكرام، فكيـف يلـتزم بحرمــة اإلكــرام في حــق

غير اإلمامي؟! ما ذكره بعض الفقهاء من الرجــوع إلى إطالق الــدليلثانيا:.(152)أو عمومه

لكنه غير دقيق؛ ألن دليل تحــريم اإلكــرام إن لم يكن مقــدما

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد112هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

فهـــو معـــارض بـــالعموم من وجـــه لـــدليل مصـــرف الخمس، فيتساقطان، فيثبت عــدم اســتحقاق غــير اإلمــامي للخمس، وهــو

مطلوب المستدل هنا. : مــا قيــل من أن المقتضــي للتكــريم موجــود في غــيرثالثا

.(153)، وهو مقتض شامل|الشيعي، وهو انتسابه إلى رسول الله ويناقش بأن كالم المستدل ليس ـ كما يبــدو لي ـــ في عــدم

ثبوت الكرامة لغير الشيعي، بل في ثبوت عدمها.ــات المتقدمــة في بحث الزكــاة تشــتملـــ3 إن بعض الرواي

على تعليل عــام يمكن تســريته إلى الخمس أيضــا، كمــا في خــبرــا إبراهيم األوسي، الذي جاء فيه: »فإن الله عز وجل حــرم أموالن وأموال شيعتنا على عدونا«، وخــبر يوســف بن يعقــوب المتقــدم:ــار مشــركون زنادقــة«، وخــبر يعقــوب بن ــإنهم كف »ال تعطهم؛ ف شــعيب الحــداد المتقــدم: »...مــا لغــيرهم إال الحجــر«. فــإن هــذه

التعليالت تشمل الزكاة وغيرها. : إن هــذه النصــوص بأجمعهــا ضــعيفة الســند، فالوالجواب

يعتمد عليها. وأما القول بــأن تحــريم أمــوالهم على العــدو بمعــنى فهــو خالف الظــاهر.(154)عدم شمول التحليل ـ لو كان ـ للمخالف

بل إن خبر يوسف )يونس( بن يعقــوب غايتــه عــدم جــواز إعطــاء الزكاة لكل كافر، ال عدم جواز إعطــاء غيرهــا للكــافر. هــذا فضــال عن أن الحصر المستفاد من خبر الحداد قد يكون إضافيا، وال أقل

من اإلجمال.ــ4 ــة فيـ ــات المتقدم ــات بعض الرواي ــتناد إلى إطالق االس

الزكاة بدعوى شمولها للخمس، وهي: ما في التفسـير المنسـوب إلى اإلمـام العســكري ــ كمـاأ ـ

تقدم ـ: »المتصدق على أعدائنا كالسارق في حرم الله«. ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

113هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

ــ ــطب ـ ــه: »...ال تع ــاء في ــدم، وج ــبر علي بن بالل المتق خ الصدقة والزكاة إال ألصحابك«، فــإن عنــوان الصــدقة يشــمل غـير

الزكاة أيضا. بضعف السند فيهما معا، كما توصلنا إليه.والجواب أوال:

بمعارضــتهما بجملــة من األخبــار الدالــة على جــوازوثانيـا: إعطاء غير الزكاة لهم، وكذلك إعطاء زكاة الفطرة لهم في بعض

(، وصـحيحة1الموارد، مثل: خبر أبي بصير )المجموعة الرابعـة، ح (، وصــحيحة زرارة ومحمــد بن2أبي بصير )المجموعة الرابعــة، ح (، وخــبر الفضــيل )المجموعــة1مســلم )المجموعــة السادســة، ح

(،3(، وخــبر علي بن بالل )المجموعـة السادســة، ح2السادسة، ح (، وخبر مالك4وصحيحة علي بن يقطين )المجموعة السادسة، ح

(. بل هناك نصوص عديدة عامة5الجهني )المجموعة السادسة، ح في هذا األمر، وأنه لكل كبد حرى أجــر. وهــذه األخبــار وإن كــانت

أخص من تلك، لكن لسان تلك كأنه آب عن التخصيص. وأما ما ذكره أســتاذنا الســيد الهاشــمي، من أن ظــاهر هــذه األحــاديث مــا يصــرف مباشــرة للفقــير، وهــو على خالف الخمس

،(155)الذي يصرف للحاكم، وهو يتصرف به، فينصرف عن الخمسد إذا لم نقــل بــأن الزكــاة أولى في تســليمها إلى الحــاكم، فهو جي

( دالــة1فتكون صحيحة محمد بن مسلم )المجموعة السادســة، حــوص ــون نص ــاة، فال تك ــع في الزك ــاكم يعطي الجمي على أن الحــا على ــاكم حتى يســتدل به ــاة نفســها شــاملة لتصــرف الح الزك الخمس. هــذا كلــه مضــافا إلى الشــك في إرادة غــير الزكــاة من كلمــة الصــدقة هنــا بعــد تعارفهــا فيهــا في لســان النصــوص، ممــا يفرض اإلجمــال المــوجب لألخــذ بالقــدر المــتيقن. والعطــف بهــذا

النوع كثير أيضا في لغة العرب.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد114هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

ــة والمالزمــة بينـ5 ــة والفقهي االســتناد إلى الفحــوى العرفيــو كــانت الزكــاة مصرف الخمس والزكاة في اشتراط اإليمان، فل الموضوعة أساسا للفقــير ال تعطى لــه إذا كــان مخالفــا فبطريــق أولى الخمس الذي هو حق مالي أشرف من الزكاة، كما عبر عنه

في بعض النصوص بالكرامة.ــعوأجيب د استحسان؛ حيث إن هذه األمور تتب بأن هذا مجر

التوازنات االقتصـادية أيضــا، مــع احتمـال أن يكـون االنتسـاب إلى بمثابة العلة التامة لجواز الصرف، ولو كان فاسد المــذهب؛|النبي

.(156)|تكريما للنبيــه مبــني على التميــيز بين الزكــاة وال بأس بهذا الجــواب، لكن والخمس في مسألة التسليم للحاكم وعدمه. كما أنــه مبــني على فكرة حــق الســادة. لهــذا يمكن تقــديم جــواب آخــر، وهــو جــواب مبنائي يقوم على عدم ثبوت حكم عام بعدم إعطاء المخــالف من الزكاة ثبوتا أوليا، فال معنى بعد ذلك للفحوى إال في دائرة الثبــوت

الثانوي للحكم في الزكاة نفسها. كما أن دعوى األشرفية غــير واضــحة، فســهم اإلمــام يســلم

للحاكم أيضا، فكيف جاز لإلمام صرفه حيث شاء؟! االستناد إلى اإلجماع والشهرة العظيمة.ـ6

ـةولكنه لو سلم صغرويا ال تســلم حجيتــه؛ الحتمــال المدركيجدا بعد هذه األدلة كلها.

ــ7 ـة الخمس عن الزكــاة، وأن ـ ـ االســتناد إلى فكــرة بدلي الخمس جاء بدال عن الزكــاة، فيلحــق البــدل حكم المبــدل، فحيث حرم الله الزكــاة على الهاشــمي أبدلــه بــالخمس، فتكــون أحكــام

الزكاة الحقة لسهم السادة.وأهم نصوص البدلية ما يلي:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد115هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

× قال: ســمعت أمــير المؤمــنينأ ـ خبر سليم بن قيس، يقول: »نحن والله الذين عنى الله بذي القربى، الذين قرنهم الله

وله من أهــل﴿، فقــال: |بنفســه ونبيه اء الله على رســ ما أفــربى واليتـــامى ول ولـــذي القـــ ــ سـ القـــرى فلله وللر

، منا خاصة، ولم يجعل لنا سهما في الصدقة، أكرم﴾والمساكينــه وأكرمنــا أن يطعمنــا أوســاخ مــا في أيــدي النــاس« .(157)الله نبي

ونحوه خبر حماد بن عيسى، حيث يستفاد أن بــني هاشــم أبــدلهمالله تعالى عن الزكاة بالخمس.

ــة؛ ــل للمناقش ــبر قاب ــذا الخ تــارة من حيثإال أن هــق الطوســي إلى السند؛ بضعف أبان بن أبي عياش، وضعف طري ابن فضال في المشيخة، حيث يقع في طريق الروايــة إلى حمــاد؛ وأخرى من حيث الداللة؛ إذ ظاهره الحديث عن أهل البيت النبوي

خاصة، ال عن كل الذرية النبوية. والله العالم. هذا وقد جاءت رواية قريبــة من هــذا مســندة إلى ســليم بن

.(158)×قيس أيضـــا في خطبـــة طويلـــة من خطب اإلمـــام عليــة واحتمال اإلرسال قوي فيها، كما ذكره الخوئي؛ لعدم اتحاد طبق

.(159)إبراهيم بن عثمان مع سليمــال:× عن العبد الصالحب ـ مرسل حماد بن عيسى، ، ق

ــاء ــاكين وأبن ــذا الخمس لهم دون المس ــه ه ــل الل ــا جع »...وإنمــه لهم، ــا من الل ــاس، تنزيه ــدقات الن ــا لهم من ص ــبيلهم عوض س

، وكرامـــة من اللـــه لهم عن أوســـاخ|لقـــرابتهم برســـول الله.(160)الناس...«

وهو ضعيف السند؛ باإلرسال. ، قــال: »...والنصــف لليتــامىج ـ مرسل أحمد بن محمد

ــبيل من آل محمد ــاء الس ــاكين وأبن ــل لهم^والمس ــذين ال تح ، ال

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد116هـ1433م ـ 2012صيف

شرط اإليمان المذهبي في استحقاق الخمس والزكاة، مطالعة فقهية •استداللية

.(161)الصدقة وال الزكاة، عوضهم الله مكان ذلك بالخمس...« والحديث مرسل مرفوع، بــل لم يســند إلى معصــوم. ومثــلــة الحــديث معــه، بصــرف النظــر عن هــذا اإلضــمار ال تحــرز حجي

اإلرسال. ـــ في حــديث× عن الرضاد ـ خــبر الريــان بن الصــلت،

طويل بعد حديثه عن جعــل الخمس لهم ـــ قــال: »...فلمــا جــاءتــه، فقــال: ه أهــل بيت ــز ه نفسه ورســوله ون إنما﴿قصة الصدقة نز

دقات للفقراء والمساكين ه نفسه عن﴾الص ، ثم قال: فلما نزه أهــل بيتــه، ال بــل حــرم عليهم؛ ألن ه رســوله ونــز الصــدقة ونــزمــة على محمــد وآلــه، وهي أوســاخ أيــدي النــاس، ال الصدقة محر

.(162)تحل لهم؛ ألنهم طهروا من كل دنس ووسخ« إن الحديث ضعيف السند؛ بكــل من: محمــدويناقش أوال:

بن جعفر بن مسرور، وعلي بن الحسين بن شاذويه، وهمــا شــيخاى ــا من مشــايخه، أو ترضــ ــا وإن كان الصــدوق، ولم تثبت وثاقتهم

عنهما.ــبيت، الثانيــا: إن ظــاهر الحــديث هــو االختصــاص بأهــل ال

ــة الرســول، وال ســيما بقرينــة الحــديث في الشــمول لمطلــق ذريآخره عن التطهير.

وبصــرف النظــر عن مجمــل مــا تقــدم، وحتى لــو تمت هــذه النصوص سندا وداللة ـ ولم يتم منها شيء سندا حسب الظاهر ـ،ــذه وحتى لو تمت البدلية، فإن غاية ما يفيده ذلك بحسب ظاهر ه النصوص أن الله حــرم الصــدقة على الهاشــمي، ثم أبدلــه مكانهـا بالخمس، أما هل أن تمام أحكام الزكاة تجري في الخمس؟ فهذاــه ما ال يفهم من الروايات إطالقا. فهذا تماما كقول القائل: إن الل حذف الركعتين من ظهر الجمعة، وأبدل مكانهما خطبتي الجمعة،

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد117هـ1433م ـ 2012

الشيخ حيدر حب الله•

فهل يدل ذلك على لزوم تحقيق تمام شروط الصــالة في خطبتيالجمعة، إال ما خرج بالدليل؟!

خاتمة ونتيجة وعليـــه فلم يقم أي دليـــل معتـــبر ومقنـــع علىــابت ـ اشتراط اإليمان ـ على مســتوى الحكم األولي الث في مســتحق الزكـاة والخمس، بـل في الخمس أوضــح،

كما صار جليا. وإن النصوص المشترطة الواردة كانت قــد صــدرتــوي ــال الزكـ ــبيت بحكم واليتهم على المـ ــل الـ من أهـــة في ــه الوالي ــة، ومن ثم أمكن لمن ل ــوال العام واألم عصر الغيبة تغيير هذا التعديل الزمــني الــوالئي الصــادر

بما يراه مناسبا.^عنهمــالح ــرف في مص ــوال تص ــذه األم ــحيح أن ه فالصــة، دون أن المسلمين، وعلى فقرائهم ومساكينهم عام يكون هناك مانع من تقديم بعض األولويات الزمنية هنــا وهناك، تبعا لما يراه المتولــون لشــؤون هــذه األمــوال، وربما يطابق نظرهم الزمني النظــر الزمــني المســتكنــف في نصوص المنع من إعطاء غير اإلمامي، وقد يختل

تبعا الختالف الظروف، والله العالم بأحكامه.

الهوامش

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد118هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

آثار المنطق والفلسفة على أصولالفقه

التعاريف المنطقية وتعريف أصول الفقهوموضوعه

*(*()الشيخ ضياء الدين المحمودي

مقدمة انحلت الشــبهات الــتي كــانت تطــرح في علم أصــول الفقــه بواسطة المحاوالت الحثيثة للعلماء، ونقحت أبحاثها لدى الجمهــور منذ أواخر القــرن الخــامس، ووصــلت إلى نهايــة الخــط، ولم يبــقــير ــاج إلى البحث الكث فيهــا بحث مبهم وغــريب غــير منحــل، محت والكالم الطويل والنقاش الساخن لدى الباحثين. ووصل هذا العلمــوا، إلى حالة استقرار وركود، وأصبح التأليف فيه تكرارا، وعمال لغــه من ــارت أبحاث ــاء، وص ــاط العلم ــه في أوس ــنى ب ومهمال ال يعت الواضــحات الــتي يكــون توضــيحها عبثــا ولغــوا، وانتهى زمــان المناقشات الساخنة فيهــا، ومــا كــان فيهــا جديــد وبــديع يســتجلب األنظار. وكـان الوضـع على هـذا المنـوال حتى ألـف ابن الحــاجب كتابه في أصول الفقه، فلم يعتن به المجتمع، وكان ذلك سببا ألن يقوم بتلخيصــه واختصــاره. وإضــافة إلى ذلــك ســلك في مختصــر كتابــه منهجــا جديــدا، باســتعماله بعض الشــيء من المصــطلحات

باحث في الفقه اإلسالمي والحديث، له عدة مصنفات. )*(*( ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

119هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

المنطقية، الــتي لم يكن اســتعمالها مستأنســا في تلــك األعصــار، وكــانت معانيهــا غامضــة، ومحــل مناقشــة وترديــد، وبحث وتأمل.بت اشــتهار كتابــه فيمــا بعــد شــيئا فشــيئا في وهــذه العوامــل ســب أوســاط العلمــاء ومجــالس الــدرس. فــالكتب الدرســية إذا كــانت واضــحة وســهلة فلن يشــعر المراجــع لهــا بضــرورة الحاجــة إلى األستاذ، ولن يكترث بها، ولن يذعن بعظمتها ومناسبتها للتــدريس، ولكنها إذا صارت غامضــة وصــعبة ومقرونــة بــالغرائب فعنــد ذلــكــرورة ــل وض ــعف والجه ــة والنقص والض ــع بالحاج ــعر المراج يش التواضع والرجوع إلى من يعينه، من األستاذ والشروح والحواشــيــا في ــية في مجامعن ــة الكتب الدرس ــذه هي حال ــات. وه والتعليق القرون المتأخرة، حيث حاول أصحابها أن يأتوا بأبحاث وإشــكاالت جديدة فيهــا كثــير من اإلبهــام والغمــوض، وغـير ظــاهرة المعــالم،ــنى، ومن حيث ــ ــا من حيث المع ــ ــافة إلى أن يعقدوا بيانه ــ باإلض اللفظ، من خالل حذف القيود التوضيحية وأجــزاء من الكالم الــتيــة، وحصــول حالــة من اللغــز ــة والمعنوي هي بمثابة القرائن اللفظي والطلسمة فيــه، واللعب بفكــر المراجــع الــذي يريــد فهم المعــنى منه، وإيقاعه في جملــة من اإلبهامــات والمجهــوالت، والحــط منــة، حيث يجب عليــه بــذل جهــود شخصيته وذكائــه وقدراتــه الفكري كثــيرة حتى يتمكن من فهم المقصــود من عبــارة الكتــاب، مــع أن المقصود يكون أمرا سهال وبسيطا، بــل ورديئــا، وليس فيــه حاجــة إلى هذه الكثرة من التكلفات والتعقيدات في البيــان. وبأســلوبهم هذا حبسوا طبقات وأجيـاال من الطالب عن بلـوغ مــراتب الفضــل والكمــال، وأوقعــوهم في مشــكالت وورطــات، حيث تــأخر منــا وعقائــديا؛ بتــأخر أصــحاب الفضــل والنبالء جرائها المجتمــع فكري

فيهم، وانسدت مشارع تقدمهم العلمي جراء هذه العبارات.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد120هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

أســلوب&وفي العصر الحاضــر اقتبس أحــد أســاتذتي النبالء التعقيــد في البيــان، وكتب كتابــا أكــثر إبهامــا وإجمــاال وخفــاء مند بالزعامــة في ـه لم يكن يتفــر الكتب الدرسية المتداولــة. وبمـا أن الحوزة، ولم يكن فيه بعض الشروط األخرى، لم يعتن بعمله أحد، وذهبت جهــوده هبــاء منثــورا، مــع أني اقــترحت أن ينهج في بيانــه أسلوبا آخر فأجابني بأنه كتبه لألســاطين من أهــل الحــوزة، ولكن

مصيره اليوم أنه ال ينظر إليه األساطين وال غير األساطين. وأما حركة علم األصول لــدى أصــحابنا فقــد حــدث فيــه منــذ القرن الحــادي عشــر بعض االهــتزازات الجديــدة الــتي لم يشــاهد مثلها في أصول العامة، الذي هو في حالة اســتقرار نســبي. وفي القرن الثالث عشر شوهد تكثــير األبحــاث والمناقشــات األصــوليةــك ــوزة. وباإلضــافة إلى ذل ــل الح ــا بين فضــالء أه والتســابق فيه شوهدت بعض المحــاوالت الجديــدة في طــرح األبحــاث األصــولية مكتنفة باالصطالحات المنطقية، بل الفلســفية. فبينمــا كــان كثــير من هذه المصطلحات مبهما لدى الفالسفة أنفسهم، ومختلفا فيه،ــاحث األصــولية، فورطــوا ــزم وإصــرار في المب ــل ع ــا بك أدخلوه األصــوليين في مفاهيمهــا، وبــدل أن يقومــوا بحــل المشــكالتــذا العلم ــوارح ه ــدوا ج ــا ش ــة فيه ــائل العالق ــولية أو المس األص بمشكالت جديدة، وهي مشــكالت العلــوم التصــورية، ليتوقف عن التقدم. وربما تحقق بلوغ قمة هذا السير على يــد المــولى محمــدــه ــول(، في كتاب ــاحب )الفص ــروف بص ــفهاني، المع ــين اإلص حسدا بزعامــة الحــوزويين، ــه لم يكن متفــر )الفصول الغروية(. وبما أنر غـالب الحـوزويين على خطـاه، إلى أن وكـان لــه رقبـاء، لم يسـ وصل الزمان إلى صــاحب )الكفايــة(، حيث انتهت الزعامــة العليــا للحــوزة إليــه، فســار على منهج صــاحب )الفصــول(، فكــثرت في

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد121هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

أبحاثه األصولية المصطلحات المنطقية والفلسفية. وباإلضافة إلى ذلــك أورد الكثــير من الشــبهات واالختالفــات واألبحــاث الغامضــة وغير المحلولة المرتبطة بالمنطق، الــتي نقلت من قبلــه في كتب األصول، ونقلها صاحب األسفار من أمثــال: جالل الــدين الــدواني، والسيد الشــريف الجرجــاني، إلى األبحــاث األصــولية، بحيث صــارـــة والفلســـفية. األصـــول مســـرحا لالختالف والمشـــاكل المنطقيــة(. وسارت الحوزة إلى عصرنا الحاضر على منهج صاحب )الكفاي وكــان لــه أيضــا منهج آخــر، وهــو بيــان المطــالب باختصــار مخــل، وحـــذف لقـــرائن معرفــة المـــراد من الكالم عمـــدا، حيث أوجبــه وإن لم يحــدث في التعقيــد واإلبهــام وعــدم اتضــاح المــرام. وإن األصول تحقيقات هامــة، ولكن حــاول أن يعرضــها عمومــا بشــكل تعجيزي ومغلق ومكتنف باإلبهام، بحيث يصعب على المراجع فهم

،&مراده بسهولة. وقد عرض بأسلوبه بعض تالمذة الشيخ النائينيــة. ــا باللغــة الهندي وقــال: إن كتابــه دورة في علم األصــول، ولكنه وكانت هذه المشكالت سببا في ركــود علم األصــول وجمــوده في العصر الحاضر. وقال بعض أهل النظر، الذي راجــع إحــدى النســخــة كــانت ــة لبعض الكتب الدرســية: إن بعض عباراتهــا األولي الخطي أوضح من عبارة النسخة المطبوعة، ولكن المؤلف شــطب عمــدا بخطه على بعض الكلمات، لتزداد غموضا وإبهاما، وحــذف قــرائن فهم الكالم في بعض العبارات فصارت مبهمة وغير واضــحة؛ لكي

يصعب فهمها وحلها. وبهذا الشكل تزداد أهمية!

األصول: تاريخه، واالختالف في تعريفه إن علمي الكالم واألصــول من العلــوم الــتي حــدثت تــدريجا على ضــوء المســائل واألبحــاث الــتي كــانت تعــرض في المجتمــع الخاضــع لســـيطرة األمـــراء. وكـــان النــاس على مـــذاهب وآراء

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد122هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ك بالكتــاب ومقاالت واتجاهات مختلفــة. فاتجــاه يــدعو إلى التمســــة والسنة ونبذ البدعة، وأن كل حكم يوجد فيهما، وعلمه عند األئم

ــول ــومين من آل الرس ــاس|المعص ــرأي والقي ــة إلى ال ، وال حاج والظن واالجتهــاد العقلي واالستحســانات بــدل الشــرع الســتخراج األحكام، وأنه ما من شيء إال وحكمه موجود في الكتاب والســنة؛ واتجاهات تابعة لألمراء من المرجئة وأهل الرأي ومتكلمي العامــةــام، ومحدثيهم. وتطورت هذه االتجاهات وتكــاملت على مــرور األي وتولد منها تشعبات وأفكار واتجاهات ومدارس جديــدة أخــرى في الكالم واالســتدالل والفقــه والحــديث وغيرهــا. وعلى ضــوء هــذهرات ظهــرت عنــدهم كتب وأســفار مختلفــة. ففي األصــول المتغي ظهــرت رســالة الشــافعي، وكتــاب العمــد والمغــني للقاضــي

عبدالجبار المعتزلي، وغيرها. ويوجد في كــل علم أســماء واصــطالحات تــداول اســتعمالها فيها. فمن المهم قبل كل شيء معرفة مداليلها ومعانيها، خصوصاــة متعــددة، ووجــوه الكلمات التي يحتمل أن يكون لهــا معــان لغوي اصطالحية متفاوتة. فيجب على من يريــد أن يقــرأ في ذلــك العلم

أن يكون عارفا بها. واالختالف في تعريف علم األصول وبيان موضوعه ومحمولهــل وغايته ومسائله من األمور التي وقع فيها الجدال كثيرا. فاألفضــة، ــة دراســة أبحاثهــا من جــذورها التاريخي في المســائل االختالفي وعلى أساس عمدة النظريات التي جاءت حولها من أوائل أمرها؛ فإنه بعد مضي أكثر من ألف عــام، وبــرغم مــا صــرفه مهــرة هــذا الفن من طاقات وجهود جبارة وأوقات كثــيرة في ســبيل تنقيحهــا ورفع اإلشــكاالت عنهــا، ال زال االختالف في صــياغتها كثــير. وهــذا يدل على وجوب عدم اغترار اإلنسان بقــدرة عقلــه وفكــره مهمــا

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد123هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

بلــغ من العلم وذاع صــيته في المجتمــع. فال يمكن االعتمــاد دائمــاــا على ذهن اإلنسان لفهم جميع الجزئيات والحقائق كمــا هي مهم

بالغ في جهوده وكان له من قوة.ــور ــوانب األم ــع ج ــة بجمي ــة التام نعم، إذا تمكن من المعرف

يستطيع ذلك، ولكن الكالم في تحقق ذلك. وعليه يظهر أن التعريف الحدي المنطقي ال يمكن أن يتحقق إال من قبل أولئك الذين عرفوا كنـه خصوصـيات المـورد المعـرف بشكل تام ومناسب. وأما دعوى معرفة ذلــك لغــيره فهــو بحســب الظاهر، ال بحسب الواقع. والــدليل على ذلــك االختالف المســتمر للعلماء في التعاريف العلمية، التي لبعضها تاريخ يتجاوز ألف عام. وهــذا دليــل على أن مــا يســمونه بــالتعريف المنطقي الحــديـة، وأن كالمهم ـ لمطالب طال االختالف فيها لم تكن حقيقة منطقي بذلك مجــرد ادعــاء، وإن كــان أصــحابها في مقــام ذكــر التعــاريف الحقيقية، وكانوا يجهدون بكل إصرار على ذكر خصوصيات بهــدف أن يصــير تعــريفهم جامعــا ومانعــا، ولكنهــا في الغــالب لم تتجــاوز

كونها شرحا لالسم. فإذا أردنــا التعريــف بعلم األصــول، اســتلهاما من التعريفــات المنطقية السابقة، واإليرادات التي أوردت عليهــا، فلن نصــل إلى مبتغانا، كما لم يصل الماضون إلى غرضهم ومبتغاهم بأخــذ نتيجــة ثابتة فيـه لم تتعـرض لإلشـكال واإليـراد من جــانب كبـار العلمــاء. فكــل تعريــف عرضــوه في هــذا البــاب، ومهمــا صــرف حولــه منــل اآلخــرين الجهــود، وتحمل مؤسســوه من العنــاء، خولــف من قبــاجزون عن واعترض عليه، حتى أذعن بعض أرباب الكتب بأنهم عــالي وكلي، إعطاء تعريف جامع مانع. فاألفضل تعريفه بشكل إجمــه. ورفع اليد عن تعريفه بشكل حدي دقيق ال يمكن االعتراض علي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد124هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ـ مع مهارته في علم المنطــق ـــ ملتفتــا إلى&وكان أحد أساتذتي هذه النكتة، ولم يعقب كثيرا في حاشيته على كتاب الكفايــة على التعريفــات، كمــا يفعــل الكثــيرون، من خالل التوقف فيهــا، وبــذل الوقت الكثير لها، والخــروج عن البحث األصــولي، والحــرص على حلهـــا بمـــا أوتـــوا من قـــوة، بشـــرحها وتوضـــيحها واإلجابـــة عن االعتراضات الــواردة عليهــا. وألجــل اإليـرادات الــواردة على هــذهــة، بــل هي ــة حقيقي التعاريف كان يعتقد أنهــا ليســت تعــاريف حديــرف إلى ــنى المع ــريب المع ــا تق ــود منه ــم، والمقص ــرح لالس ش األذهــان، ولــذا لم يكن يلح على حلهــا، وال ينبغي للــبيب اللــوذعيــذه ــه إلى ه ــز وقت ــه وعزي ــرف نفيس لب ــذكي األلمعي أن يص وال

الظواهر والقشور، كما يفعله القاصرون الغافلون.ــاء ــاريف أن علم ــذه التع ــية على ه ــرادات األساس ومن اإليــون األصول كانوا منذ الحقبة األولى يعترضون على صحتها ويحكم بضعفها وخطئها وبطالنها، ويوردون اإلشكاالت الكثيرة عليها. فمــاــه بالشــكل ــير علي كــان هــذا نتيجتــه ال ينبغي صــرف الــوقت الكث

المتداول في عصرنا. ومن اإليــرادات األخــرى أن التعريــف يجب أن يكــون أوضــحف، فيجب أن ال يكون متساويا معه في الظهــور وأجلى من المعر والخفاء، أو أخفى منه، وأن األلفاظ المستعملة في التعريف يجب أن تكون ظاهرة وناصعة، ال إبهام فيها، فال يصح استعمال األلفاظ الوحشية والغريبة والغامضة، أو المجملة والمشــتركة، أو األلفــاظــذه المجازية من دون ذكر قرينة في التعريف. والحال أن عمدة ه التعاريف على عكس هذه األوصاف، فإنها لم تقرب المعــرف إلى الذهن، فضال عن تعريفه، بــل كــانت موجبــة البتعــاده عن الــذهن،

وحدوث الشك واإلبهام في ما كان واضحا. ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

125هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

وذكر أن تمــايز العلــوم ينتج من تمــايز موضــوعاتها وغاياتهــا. فمثال: علم الصرف موضــوعه اشــتقاقات الكلمــة. وموضــوع علم النحو هو الكلمة والكالم، وغايته ونتيجته صون اللسان عن الخطــأ في الكالم، ومحمولــه أحكــام الكلمــة والكالم المختلفــة من حيثــذا، ــه ك البناء واإلعراب. أو ما يقال حول موضوع علم المنطق: إن ونتيجته صون الذهن عن الخطأ في الفكر. وذكر أن موضــوع علمــة الفقــه، ومحمولــه حجيتهــا، وغايتـه والهـدف منــه األصول هو أدل معرفة أحوال األدلة الفقهية التي وقع البحث حول حجيتهــا؛ ألجــل

االستفادة منها عند مظانها في الفقه.

تعريف أصول الفقه، مراجعة تاريخية فالمقصود من أبحاثــه الــتي يجــري البحث حولهــا في الكتب األصولية هي المسائل التي وقـع فيهـا الخالف والكالم. لـذا يقـولــه: وأخص ــول أبحاث ــة( ح ــة )الذريع ــى في مقدم ــيد المرتض الس مسائل الخالف باالستيفاء واالستقصاء، فإن مســائل الوفـاق تقـل

.(163)الحاجة فيها إلى ذلك وقال أيضا: وقد كنا قديما أمللنــا قطعــة من مســائل الخالف

ق عنا ــه ]على الطالب[، وعل ــول الفق ــاب(164)في أص ــير كت من غ ، وعلــق(165)يقرؤه المعلق علينا على غاية االستيفاء دفعات كثــيرة

.(166)عنا كتاب العمد مرارا ال تحصى!! حول تعريفــه ألصــول الفقــه: اعلم&ويقول السيد المرتضى

أن الكالم في أصول الفقــه إنمـا هــو على الحقيقــة كالم في أدلــة الفقــه، وال يلــزم على مــا ذكرنــاه أن تكــون األدلــة والطــرق إلىــه؛ ألن أحكام فروع الفقه الموجودة في كتب الفقهاء أصــوال للفق الكالم في أصول الفقه إنما هو كالم في كيفية داللــة مــا يــدل من

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد126هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

هــذه األصــول على األحكــام على طريــق الجملــة دون التفصــيل، وأدلة الفقهاء إنما هي على تعــيين المســائل، والكالم في الجملــة غير الكالم في التفصيل، وإذا كــان مــدار الكالم في أصــول الفقــه

.(167)إنما هو على الخطاب وجب أن نبدأ بذكر أحكام الخطابــه وقريب من هذا التعريف تعريــف الشــيخ في العــدة ـــ وكأن مأخوذ من مجالس أمــالي المرتضــى في أبحــاث األصــول ـــ حيث يقــول: أصــول الفقــه هي أدلــة الفقــه، وليس يلــزم على ذلــك أن تكون األدلة الموصلة إلى فروع الفقه الكالم فيها كالما في أصولــيين المســائل، والكالم في ــة على تع ــة أدل الفقــه؛ ألن هــذه األدل

.(168)الجملة غير الكالم في التفصيل ويمكن القــول: إن اصــطالح »األصــول« اســم جنس ال علمــد على األبحاث األصلية المرتبطة بأساس األدلة، سواء أدلة العقائ والدين أو أدلــة الفقــه. فأبحــاث أصــول الفقــه هي أبحــاث ترتبــط بإثبات أو عدم إثبات صحة بعض األدلة المستعملة في الفقه التي بعد ثبوتها تقع في طريــق إثبــات الحكم الفقهي. فعلم األصــول أو البحث األصولي أو المسائل األصولية هي اسم جنس ينطبق على

أنواع أبحاث هذا العلم ومسائله.ــة ــالبوه على علم ومعرف ــون ط ــل علم أن يك والمهم في كــا، حتى تكــون أحكــامهم ــل حــدوثها وتاريخه ــة مســائله وعل بكيفي واستنتاجاتهم حول مطالبــه تصــدر عن علم وبصــيرة، ال عن عمى

وتقليد.ــوي والمنهج ــ ــف بين المنهج اللغ ــ ــاهج التعري ــ ــف من ــ وتختلــرح ــه بش ر عن ــا يعب ــوي، وربم ــناعي والمنطقي والمنهج اللغ الص االسم أفضل من غــيره، وآنس في لســان البشــر في التعبــير عنــة المســلمة ــه يتكــل على الحقــائق الخارجي مقاصده وأفكــاره؛ ألن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد127هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ة ــة الخاصــ والواضحة، دون المفاهيم المبهمة واالصطالحات الخفي والمصطنعة من قبل العديد من أهل الفن، التي وقــع الخالف في صحة الكثير منها مفهوما ومصــداقا، وكمــا وكيفــا، ودون االختالف

في األلفاظ والتعبيرات. ويمكن التعبير عنه بالطريقة العرفية العقالئية؛ ألنه هو سيرة عموم العقالء في تعريفــاتهم وإفهــامهم للحقــائق واألســماء، دونــات وتصــورات ــة، الــتي تعتمــد على ذهني التعاريف الحدية المنطقي البعض، التي يكون احتمال االشتباه والخطــأ والضــعف فيــه أكــثر.ــة، الــتي كــان يعتقــد بأنهــا ــة والحدي فالكثير من التعاريف المنطقيــا مخالفــة عقلية وقطعية وبرهانية، ظهر بعد فترة من الزمــان أنهــا، وحتى في زمــان للواقع، وأنهــا واهيــة، ومــا كــانت إال جهال مركب ظهورهــا عورضــت من جــانب بعض رجــال الفن، وحكمــوا عليهــاــالبطالن. فاألفضــل في التعــاريف والشــروح هــو االعتمــاد على بفق عليهــا عنــد أبنــاء البشــر، الــتي األمور الثابتة والمستقرة والمتكانت أساس االعتماد عنده في مفاهماته ومحاوراته واستعماالته.ــة ومختلفــة لعلم األصــول بتفــاوت ــاك تعريفــات متفاوت وهن الكتب المختلفة واألعصار المتفاوتة، وال يهم التعرض لجميعها، وال يمكن. وكل منها تطرقت إلى تعريفه من وجهة نظــر صــاحبها. والــا. وال هي كلمــات صــدرت عن ــاظ واألنظــار فيه ــة األلف يهم كيفي الوحي والمعصوم حتى يجب االلتفات إليها، والتقيد بذكرها جميعا. والمهم هــو إعطــاء صــورة مطابقــة وصــحيحة عن علم األصــول ورؤوس مطالبه أو قريبة عنها لمن يريــد فهمهــا ومراجعتهــا. ومــاــا، والخــروج كان المقصود من هذه التعاريف الوقوف الطويل فيهــات ــور في المناقش ــك العلم، والغ ــلية من ذل ــاحث األص عن المببات ــة والمشــاحنات النفســية والتعصــ ــة والجــداالت الكالمي اللفظي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد128هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

والنزاعات وتصريف األعمار، وتضييع األوقات، والعبث بالكلمــات، بل هو المعرفة اإلجمالية والكلية والتمهيدية؛ لكي تتحقق المعرفة التفصيلية واألصلية بعد قراءة مواد العلم. فـالغرض من التعـاريفــون ــادة البحث أن يك ــوم لم ــداء العل ــذكر في ابت ــتي ت ــة ال العام المراجع على علم إجمالي لما يقــرؤه، والمقصــود منــه هــو الفهم األنسب واألسهل للمقصود، ال التعقيــد اللفظي والمعنــوي وإيجــاد الغموض واإلبهام في المراد، وإيجاد جداالت وصراعات في ماهية

المعنى المقصود.ــول وقيل: واألصل في اللغة ما يبتني عليه الشيء. فعلم أص الفقه هو ما يبتني على أبحاثه معرفة األدلة الــتي تقــع في طريــق إثبات الحكم الفقهي واستنباطه، فأبحاثه في الحقيقة هي أبحــاثــا عن دليلية األدلة الفقهية وطريقيتها في إثبات الحكم الفقهي ومــا ــان معانيه ــا وبي ــات حجيته ــا، وإثب ــتدالل به ـة االس ـ ــط بكيفي يرتبن، فــإن وشروطها ومقــدماتها، من دون نظــر إلى حكم فقهي معي

. (169)محل ذلك في الفقه فاألصل هو األساس والقاعدة والجذر، وهو في مقابل الفرع والجزء. ويطلق على المسائل األولية والعامــة والقواعــد األصــلية )المسائل األصولية(. وكان المقصــود من المســائل األصــولية في الصدر األول المسائل التي ترتبــط باالعتقــاد، ووقــع حولهــا الكالمــا المتقــدمون بمســائل الكالم وعلم الكالم. ــر عنه والنقــاش، وعب وكانت المسائل المرتبطــة باالعتقــادات الــتي جــرى حولهــا الكالم والخالف كثيرة، ومختلفة ومتفرقة، ولكن حددت بعد ذلك بمسائل خاصة، وفصل عنهــا المســائل والشــبهات المرتبطــة بأدلــة الفقــه والحديث، وسميت بـ )أصــول الفقــه(، وبقي اصــطالح علم الكالمــة الــتي على البــاقي كمــا كــان، والمقصــود منــه المســائل الخالفي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد129هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ترتبط باالعتقادات، وحصــروها في الغــالب بالمســائل األهم الــتي تعرف اليوم بمسائل أصول الدين، وهي: التوحيد والنبـوة والمعــادــادات ــ ــات في اعتق ــ ــدل اإللهي، وبعض االختالف ــ ــة والع ــ واإلمامرون عن مسائلها ومســائل أصــول المذاهب. وكان المتقدمون يعب الفقــه بالمســائل األصــولية. وكــانت مبــاحث اختالفــات المــذاهب اإلسالمية تعد من المباحث الكالمية، حيث كانت أطياف مهمة من المتقدمين يتعرضون لها عبر األخبار والنصــوص؛ ألنهــا هي األصــل في إثبات أحكام اإلسالم، ولكن بمــا أن بعض األطيــاف لم يكونــواــذاهبهم ــرة م ــة، لنص ــا مقنع ــبرة، ونصوص ــارا معت ــون أخب يمتلك وأفكارهم، وكانوا صفر اليدين منها، أو أن أخبارها وطرقهــا كــانتــان ــا، وك ــة إلى ذكره ــلمة، ولم تكن حاج ــة ومس ــيرة ومعروف كث االختالف منحصرا على معانيها، فقــد توجهــوا إلى الكالم والجــدل،ك باألخبــار المعتــبرة والنصــوص إلثبــات معتقــداتهم. بــدل التمســــع، في حين أن ــذا األســلوب شــيئا فشــيئا في المجتم واشــتهر ه البحث النصي مقــدم على الكالمي إال عنــد من ليس لــه حــظ من النصوص، أو النصــوص ليســت لصــالح أفكــاره ومذهبــه، كمــا هــو

الحال عند علماء األمراء. فأصول الفقه بمعنى القواعد األصلية ألدلة الفقه، والمسائلــه أو األصولية هي المسائل األصلية، سواء في العقائد أو في الفق

في غيرها. ويمكن تعريفه بالعلم الذي يتوصل بأبحاثه إلى صحة أو عدم صحة دليلية األدلة الفقهية ـ التي وقع حولها النزاع والخالف ـ وما

يرتبط بذلك من األبحاث.ــف ــة التعري ــوي، فيجب محاول ــف اللغ ــو التعري ــل ه واألفض

اللغوي، وترك التعاريف المنطقية والصناعية.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد130هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

وقد اعــترض المتــأخرون على تعــاريف علم األصــول بحــزم، ووضــع الكثــير منهم تعــاريف أخــرى لــه، وادعــوا أن تعــريفهم هــو

:(170)التعريف األفضل. وأهم هذه التعاريف ما يليــاماألول ــتنباط األحكـ ــدة السـ ــد الممهـ ــو علم بالقواعـ : هـ

.(171)الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية : »إنه صناعة يعرف بها القواعــد الــتي يمكن أن تقــعالثاني

في طريــق اســتنباط األحكــام، أو الــتي ينتهي إليهــا في مقــام.(172)العمل«

: »إنه علم بالكبريات التي لو انضمت إليها صــغرياتهاالثالث.(173)يستنتج منها حكم فرعي«

ــتي يمكن أن تقــع في كــبرىالرابع ــة ال : هــو القواعــد اآللي.(174)استنتاج األحكام الكلية الفرعية اإللهية أو الوظيفة العملية

وأنت تــرى أن هــذه التعــاريف ليســت واضــحة، وال صــريحة،ن المتأمل من أن يصل إلى معرفــة صــحيحة وســريعة بحيث يتمك وواضحة من كل واحد منها لعلم األصول، وإال ما كانت تختلــف والــذكر تعــاريف أخــرى ر. ولو كان كــل منهــا صــحيحا مــا كــانت ت تتغي

مغايرة لكل واحد منها. فالمراجع يستطيع أن يأخذ الذي يعجبه منها، أيا كــان األصــحـا وواجبـا. ولم تكن هـذه بنظره، وليس أخذ واحد منها أمـرا إلزامي التعريفــات قواعــد أصــولية، وال دليال أصــوليا، وإنمــا هي تصــورات ذهنية ألصحابها، فإن تمكنت من مطابقتها للواقع فنعم المطلوب،ــة ــالمهم في األصــول معرف ــا. ف ــالفت فال يضــرنا مخالفته وإن خ المسائل التي وقع حولها النزاع من جهات فنون الكالم، ومقتضى صناعة العلوم واالستدالل، وأن الوجه الصحيح والمذهب الصــحيح

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد131هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ما هـو؛ إلعمـال الـرأي عنـد محــل الحاجـة في الفقــه، وإن كــانتـة رؤوس مسائلها واضحة ومعروفة، ولنا في عمدة األحكام الفقهي نصــوص معتــبرة وواضــحة، وصــلت إلينــا عن طريــق الثقــات عن

، وال تحتــاج إلى هــذه األبحــاث^األئمة المعصومين من أهل البيتوالنزاعات.

نعم، من يريد أن يكون جامعا في الفقه، وقادرا على اإلجابة عن الشبهات التي تعــترض على بعض األدلــة من المخــالفين لهــا، يجب أن يكون ذهنه منفتحا في هــذه القضــايا عنــد مواجهتــه لهــا؛

ليتمكن من الجواب عنها.المعرفة قبل التعريف

يجب قبل تعريف علم األصول المعرفــة الصــحيحة بمســائله وكيفية وعلل وتاريخ نشوئها. ومن دون المعرفة التامة والصحيحة الجامعة ال يصح وال يمكن التعريف الصحيح. فالمحاوالت للتعريــفد تصــورات ناقصــة ال نهايــة لهــا تــوجب العنــاء الــدائم تكــون مجــر لألشخاص، وتشديد االختالفـات، وتضـييع الغــالي من األوقـات. فال يمكن الدخول في التعاريف الذهنية والدقائق العقلية قبل حصــول المعرفة الصحيحة بالموضوع؛ ألنه ليس فقط ال يحل مشــكال، بــلــد يزيد الغموض واإلبهام واإلشكال واالختالف والجــدال. فيجب عن االختالف في التعــاريف المشــي على التعريــف العــرفي واألمــورــة الواضــحة، ــة الخارجي ــة الظــاهرة، والمصــاديق واألمثل المعروفــة ف بقدر اإلمكان إلى األذهان، بدل التعاريف الحدي لتعريف المعر التي ال يمكن بها التعريف الجامع الشــامل للمعــرف. ومثــال ذلــك التعاريف التي صاغها الفقهاء لمفهــوم الطهــارة، من زمن الشــيخ

إلى اليوم، وكانوا دائما مشغولين بتكميلــه وتصــحيحه؛&الطوسينوا بغرض تقديم تعريف جامع كامل له، ولكنهم إلى اليوم لم يتمك

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد132هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

حــد يوافــق عليــه األكــثر، من الوصول إلى ذلك، وتقديم تعريف مت مع كل ما بذلوه من الطاقــات بواســطة أقــوى األذهــان واألفكــار. وإن فهم مفهوم الطهارة بواسطة هــذه التعــاريف ليس ميســورا، بل إنها زادت التعقيد والغموض واإلبهــام في ســبيل فهمــه. ففهم المعنى المصدري واللغوي للطهــارة يكـون أســهل بكثــير من فهم

معناه عبر هذه التعاريف.ــأخرون تعــاريف علم األصــول، وقــد نــاقش األصــوليون المت ــا وحاولوا حثيثا ـ ومن دون فائدة ـــ أن يصــوغوا لــه تعريفــا منطقي وحديا جديدا ال يمكن االعتراض عليــه، ولكنهم لم يســتطيعوا حتى هذه اللحظة صوغ تعريف موحد يرضــيهم جميعــا، ولم يتفقــوا إلى اليوم على تعريف جــامع، مــع أن االختالف في هــذه المســألة لــه تاريخ طويل يمتد ألكثر من ألف عــام، وهم من أربــاب هــذا الفن، ومن أصــحاب العلــوم الصــناعية، واالهتمــام الــذي كــان يبــذل في األصول في العصور المتأخرة ربما لم يبــذل للعلــوم األخــرى، ولم تكن مسألة علم األصول لهم أمرا غريبا وغير معروف، وبعيدا عن أذهانهم، بل كان توجههم إليه وأنســهم بـه مســألة ليـل ونهـار. إذاـة ضـعيفة فما هــو السـبب في ذلـك؟ وهـل أن التعـاريف المنطقيــوب، أو وناقصة، ولم تلب الحاجات العلمية ولم تكن بالنحو المطل أنهم لم يتمكنوا من فهم صحيح لمكانة مطالبه وأبحاثه، وهو الذينهم من تعريف جامع مانع له، أو أمــر آخــر؟ نــترك ب عدم تمك سب

الجواب لآلخرين.ــه شــبهات وإشــكاالت صــعب ــانت مســائل أصــول الفق فكــة عالجها. واختالف األنظار فيها مرتبــط بكيفيــة أدلــة الفقــه وكيفي صحة االستنباط عند علماء العصور اإلسالمية األولى، من دون أنة، ولم ينشــأ بعضــها تكــون بين أكــثر هــذه المســائل عالقــة خاصــ

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد133هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

بالنظر إلى البعض اآلخر في وقت واحد أو زمان قــريب، ولم يكن هــدف واضــعيها إنشــاء علم باســم أصــول الفقــه، حتى يلتقطــوابوها بالنظر إلى ذلك العلم بشكل فني، بل حدث كل مسائلها ويرتة، وفي محــل منفصــل عن اآلخــر، وذلــك منهــا في ظــروف خاصــــا زين. واستمر البحث والنظــر حوله بواسطة أفراد مختلفين وممي إلى أن اشتهر، ورأوا أن يدونوه ضمن المسائل الــتي وقــع حولهــا النزاع والكالم. ولكن الطبقات التي تأخرت عن عصر المؤسسينــون أنهــا أمــور منظمــة مرتبطــة ببعضــها، وأنهــا لعلم األصـول يظن بت على أسس فنية واحــدة. لــذا أرادوا أن يصــوغوا لهــا تعريفــا رت موحدا ومطابقا، فصاغوا ـ ومن دون فائدة ـــ عشــرات التعــاريف،ــوا من ذكــر ــة في كتب األصــول، ولم يتمكن ــوم مثبت ــتي هي الي ال تعريف جامع لها، ال يرد عليه إشكال، رغم ما تحملوه من خســارة لألوقات التي هي أفضل رأس مال لإلنسان. وال شك أن الوصــول إلى تعريف عقلي لعلم األصول إذا أمكن بيسر يكون راجحا، وأمــا في صورة عدمه فهل يجب ـ في العصر الحاضر، كما كان الوضــع في العصــور الســابقة ـــ على جميــع المشــتغلين العبث بأوقــاتهم،ــراد ــه إي ـرد علي ـ ــف ال ي ــل تنقيح تعري ــارا، ألج ــتغال ليال ونه واالش صناعي، بالرغم من اإلحباطــات الــتي تحملهــا الطالب في ســبيله في الماضي، وصـرفهم الماليين من الســاعات من أجلـه من دونــا، حاصــل؟! ليس الوصــول إلى التعريــف الصــناعي أمــرا جوهريــا، ــه حرامـ ــه، وليس تركـ ــن إهالك النفس من أجلـ ــا، يحسـ واجبـ

محذورا. فالمعرفة اإلجمالية كافية بحكم العقل.ــه علم يتكلم عن شــبهات ونزاعــات ويمكن تعريفه إجماال بأنقة حول األدلــة المســتعملة في الفقــه، وصــلت إلينــا وأسئلة متفرــة ثابتــة غالبا من العصور األولى، والتي عناوينهــا األصــلية والفرعي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد134هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

في كتب هذا العلم.ــة المتنــازع فيهــا، وبتعبير آخر: هو علم يبحث عن صــحة األدلــة، وتنقيح التي يدعى وقوعها في طريق اســتنباط األحكــام الفقهيــة ظــواهر كيفية العمل بها، وما يرتبط بهــا من أحكــام، مثــل: حجيــة اللســان وظــاهر األلفــاظ، من أوامرهــا ونواهيهــا، اآليــات، وحجيــدها، وحقيقتهــا ومجازهــا، وصــحة وخاصها وعامها، ومطلقهــا ومقي التمسك بعمل العقالء وبنــائهم في المشــكوكات. واعتبــار األخبــار

ــا^المسندة من طريق الثقات إلى األئمة األطهار ، وعدم حجية م يقصد بأخبار اآلحاد، وغيرها من المسائل الثابتة عناوينهــا في كتب

األصول. وعرف أيضا بأنه علم يتكفل البحث عن األدلة الــتي لــو ثبتت

دليليتها تقع كبرى إلثبات األحكام الفقهية الفرعية. وعرفوا علم الفقه بالعلم الذي يبحث عن األحكام الشــرعية

الفرعية عبر أدلتها الخاصة.ــة ــرعي، وكيفي ــة الحكم الف ــو الوصــول إلى معرف ــه ه وغايت

العمل به.ــة فهــو الــذي يبحث فيــه عن األدلــة وأما علم القواعد الفقهيــوالت ــات والمجه ن أحكــام المظنون ــبي ــتي ت ة ال الشــرعية الخاصــــا، ــع الشــك فيه ــتي وق ة ال والمشــكوكات في المصــاديق الخاصــ كقاعدة الطهارة عند الشك في الطهارة، وهكــذا قاعــدة الصــحة، والملكية، والتجاوز، واالستصحاب، والــبراءة، واالحتيــاط، وغيرهــا، فتكون حاكمة على األحكام الفقهية، ومستثناة لها عن إجرائها فيــة مواردها. فالقواعد الفقهية هي التي يســتنبط منهــا أحكــام فقهيــة. ووجــه تشــابه كلية، يمكن تطبيقها على جزئيات األحكام الفقهي قواعد الفقه وأصوله أنهما يتكلمان على العمــوم، وليس نظرهمــا

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد135هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

إلى مورد جزئي خاص.

المحطة األخيرة في تعريف علم األصولــذة من األبحــاث ــداء في الكالم بنب ــذا الغــرض االبت ويجب له اللفظية واللغوية؛ لتبيين المقصود من أصول الفقــه، كمــا تعــرضــه اســم جنس للعلم له بعض المتأخرين، فأقول: لفظ أصول الفق الخـــاص، فهـــو مـــركب من جـــزءين. وقـــد وقـــع الخالف في أن المقصود منه في المقام هو المعنى االصطالحي أو معناه اللغوي.ب واألظهــر أن معنــاه االصــطالحي يرجــع إلى اللغــوي، فهــو مــركب الوصفي ـــ مثــل: أن نقــول: »الفكــر إضافي. ويعتبر هو والمركبات الناقصة، التي ال يتم الديني« و»اإلنسان المؤمن« ـ من المرك الكالم بهــا، حيث تكــون في حكم المفــرد، مثــل: لفــظ عبــد اللــه،

وكتاب زيد. وأما تعريفه التركيبي اإلضــافي: فاألصــول جمــع أصــل، وهــو في اللغــة مــا يبتــني عليــه الشــيء، وفي اصــطالح بعض العلــوم،ــة، وهي: الظــاهر، كالفقه واألصول، يطلق عموما على معان أربعــنى ــو المع والدليل، والقاعدة، واالستصحاب. والمقصود منه هنا هــف بالحــد اللغــوي، أو شــرح االســم، ال غيرهمــا. فال يصــح التعريــتي ال يمكن لإلنســان الوصــول إلى والرســم لألمــور الغامضــة ال كنهها، وحقيقتها، وماهيتها، وذاتياتها المنطقية. لذا فإن حمــل هـذه التعـــاريف غـــير الظـــاهرة على الحـــد والرســـم والمناقشـــة في

جامعيتها ومانعيتها في غير محله.

ــاريف ــ ــتعمال التع ــ ــاني على اس ــ ــتراض الخراس ــ اعالمنطقية

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد136هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

إن السؤال عن المطلوب المجهول الذي يراد تعريفه يتحقق بكلمة »ما«. ومن هنا قسم المنطقيون المطالب التي يســأل بهــا

إلى ثالثة أقسام: األول ــا : يســأل بــه عن مفهــوم اللفــظ، فيكــون ســؤاال لغوي

ــه األســد. فيكــون صــرفا، فيســأل: مــا هــو الغضــنفر؟ فيجــاب: إنالجواب تعريفا لفظيا.

: يسأل بها عن تصور المعنى، فتسمى »مــا« هــذه بـالثاني »ما الشارحة«؛ ألنه بهــا يســأل عن شــرح المعــنى بشــكل لفظي

وعرفي. : يسأل بها عن تفصيل ماهية ما تصــور؛ وانطبــق فيالثالث

ــة«. فيجب أن يكــون الذهن، وخصوصياته، فتسمى بـ »ما الحقيقيجوابه التعريف بالحد والرسم المنطقي.

أمــا الســبزواري فأخــذ القســم األول والثــاني قســما واحــدا، وتبعه اآلخوند صاحب )الكفايــة( على ذلــك. وال يكــون عملهم هــذا

دهم مستحسنا. وتفر قــال اآلخونــد في )الكفايــة(، في تعريــف الوجــوب المطلــق والمشروط: وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود تختلــف بحســب ما أخذ فيها من القيود، وربمــا أطيـل الكالم بـالنقض واإلبـرام في النقض على الطــرد والعكس، مــع أنهــا كمــا ال يخفى تعريفــات لفظية لشرح االسم، وليست بالحد وال بالرسم. والظاهر أنه ليس لهم اصطالح جديد في لفظ المطلق والمشروط، بــل يطلــق كــل

. وقــريب منــه في أول مبحث(175)منهما بما له من معناه العــرفي . وقــال في أول بحث االجتهــاد والتقليــد: إن(176)المطلــق والمقيد

اختالف عباراتهم في بيان معناه اصطالحا ليس من جهة االختالف في حقيقته وماهيته؛ لوضوح أنهم ليســوا في مقــام بيــان حــده أو

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد137هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

رسمه، بل إنما كانوا في مقام شرح اسمه، واإلشــارة إليــه بلفــظ آخر، وإن لم يكن مساويا له بحسب مفهومــه، كــاللغوي في بيــان معاني األلفاظ بتبديل لفظ بلفظ آخر، ولو كان أخص منه مفهومــاــه ال وقــع لإليــراد على تعريفاتــه بعــدم أو أعم، ومن هنــا انقــدح أن االنعكاس أو االطراد، كما هو الحال في تعريف جــل األشــياء لــوالها الموجبــة الكــل، ضــرورة عــدم اإلحاطــة بهــا بكنههــا أو بخواصــ

.(177)المتيازها عما عداها لغير عالم الغيوب وغرضه أنه ال وقــع للنقــوض المــذكورة في الكتب األصــوليةــد على تعريفــات الــواجب المطلــق والمشــروط والمطلــق والمقي واالجتهاد وأمثالها من الموارد التي تم تعريفهــا، وتطويـل األبحــاث والمشـــاجرات حولهـــا؛ ألن هـــذه التعريفـــات ال ينبغي أن تكـــون تعريفات حدية ورسمية، حتى يصح أن نورد عليها طــردا وعكســا، وإنما هم في مقام التعريف اللفظي أو بيــان شــرح االســم. وهــذاـة ـ اعتراف من اآلخوند بوجوب عدم الخلط بين االستدالالت العلمي

خاصا. واألبحاث المنطقية، فإن لكل شيء محالــة بالحــد والرســم ال يمكن أن ــاريف المنطقي ــر أن التع فظهفات الغامضة والمجهولة الحقيقة؛ ألنه ربمــا ال يمكن تتحقق للمعر ألحد أن يعرف كنه حقيقتها بشكل يمنــع من االشــتباه في تطــبيقــة ــة المنطقي التعاريف الحقيقية الكاملة عليها. فالتعــاريف الحقيقيــة القريبــة من الجنس ــة الذهني التي تتحقق بــذكر أجزائهــا التحليلي والفصل والعرض الخاص محــل اســتعمالها في األمــور الواضــحة،ــات أما المفاهيم الغامضة الــتي ال يمكن الوقــوف على جميــع ذاتي مفهوم المعــرف بشــكل مطمئن ال محــل لــذكرها فيهــا. فال يمكنــا ن ذاتيات المعرف، ونتوقع منه صياغة تعاريف حقيقية منطقية تبي أن تكــون جامعــة ومانعــة. فاألفضــل في تعريــف غــير الواضــحات

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد138هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــة ــاريف المنطقي االقتصار على التعاريف اللفظية واللغوية، أو التع الناقصة التي تأتي في جواب السؤال بـ »ما الشــارحة«، وتســمىــة بشرح االسم والتعريف االسمي، ألنه يسأل بهــا عن شــرح ماهيــات المعــرف، بــل دة بذكر جميع ذاتي االسم، فهي تعاريف غير مقيد ذكر بعضها وذكر المفهــوم بشــكل كلي وإجمــالي، من دون التقيــة؛ لتبــيين ــة الذهني باإلتيان بجميع ذاتياتــه الالزمــة وأجزائــه التحليلي حقيقته وكنهه، بل تعريف ما هو الخفي بمــا هــو األجلى واألظهــر.ــة الجامعــة فــالتعريف بشــرح االســم ليس من التعــاريف المنطقيد توضــيح كلي لمفهومــه، ألفراده، والمانعة ألغيــاره، بــل هــو مجــر ومقرب له إلى الــذهن. فمحاولــة األشــخاص التثبت من مطابقتــه مــع الحــد والرســم في غــير محلــه؛ ألن الفــرض هــو أن ال يكــون

تعريفا منطقيا كامال حتى نتوقع ذلك. واالختالف في تعريف العلــوم قــد يكــون الختالف األغــراض، واختالف األنظار في ما هو األهم فيه، أو ألجل االختالف في اآلثـار والتبعـات واللـوازم والنتـائج الحاصـلة منـه. وفي التعريـف مجـال واسع لالختالف والتســامح وعــدم الدقــة، فال يقتضــي لنــا الجمــود

على ظاهر التعريفات.ــا حــول مــداليل فظهــر أن البحث األصــولي ليس بحثــا نظريــة، الــتي يمكن تصــورها حــول أبحاثهــا، بعض االصــطالحات الذهنيــون عنهــا بــالرؤوس الثمانيــة من مبــادئ العلم ر المنطقي والتي عبــا ــه والبحث عنه ــه ومنافع ــه وأغراض ــوعه وغايات ــائله وموض ومس بشكل االصطالحات المنطقية والوقــوع في الخالفــات والجــداالتــة لإلنســان الطويلة التي ال حد وال نهاية لها؛ ألن التصورات الفكري ال نهاية لها، وهي قابلــة للزيــادة واالســتمرار، بحيث يمكن لهــا أن تأخــذ جــل أوقــات اإلنســان، الــتي يمكن أن يصــرفها في العلــوم

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد139هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

والمجاالت االجتماعية والتربوية. أما مع ما ذكرناه فيجب ـ استحسانا ـ وبقدر اليسر واإلمكانــة؛ لكي تتجلى حقيقتــه ــات المعــرف وخصوصــياته الذاتي ذكــر ذاتي وماهيتـه بشـكل أوضـح وأفضـل. فـإن ظهـر من التعريـف ذاتياتـهــف ــذكر التعري ــتطاع أن ي ــا إذا اس ــوب، كم ــلية فنعم المطل األص بالفصل القريب، فيسمى بالحد؛ وإذا اقترن معــه الجنس القــريبــريب أو أصــل ــه الجنس الق ــترن مع ــا إذا لم يق ــا؛ وأم مي تام ســــه ال يشــتمل على ثــاني ذاتييــه القريــبين؛ الجنس سمي ناقصا؛ ألن وأما إذا اشتمل على العرض الخاص فيسمى بالرســم؛ فــإذا كــان معه الجنس القريب فهو الرسم التــام؛ فــإذا لم يكن معــه الجنس

القريب أو كان من دون الجنس فيسمى بالرسم الناقص. والفقه في اللغة هو الفهم. والمقصود منــه هنــا هــو المعــنىــة عن أدلتهــا االصــطالحي، وهــو العلم باألحكــام الشــرعية الفرعيــذ من ــا من شــأنه أن يؤخ ــو م ــراد بالشــرعية ه التفصــيلية. والم الشارع، كوجــوب الصــالة والصــوم وكيفيتهمــا، فخــرج بــه غيرهــا، مثل: األحكام العقلية المحضة، التي ليس من شــأنها ذلــك، كبيــانــة مــا أن الكل أعظم من الجزء، والنقيضان ال يجتمعــان، وبالفرعي يتعلق بالعمل بال واسطة، فخرج بهــا غيرهــا، كاألصــولية، وهــو مــا

يتعلق بالعمل مع الواسطة أو الوسائط. ووقــع الخالف في أن أســماء العلــو أعالم جنســية أو أســماء

جنسية ـ أي إنها لفظا تعتبر من المعارف أو النكرات ـ؟ واألظهر األول؛ ألنه يتعامل معها معاملة األعالم، وأمــا إطالق العلم على مسائل العلم فليس لشخص خاص وكتاب خــاص منــه، بل هو لمطلق جنسه، فهو علم الجنس اإلضافي؛ إذ المقصود من المسائل أشخاص غير مخصوصــة، فيطلــق هــذا العلم على جنس

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد140هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

مســائل هــذا العلم؛ ألن حكمــه من حيث المعــنى ال يخص واحــداــه، وإن كــان يوجــد في أفــراد ذلــك الجنس ومصــاديقه بعض بعين االختالف والتغيير في الكم والكيف والزيادة والنقصــان من كتــاب إلى كتاب. وحكمه اللفظي كعلم الشخص، فيمنع من الصرف، وال

.(178)تدخل عليه األلف والالم ويمكن تعريف علم األصــول بــأن نقــول: هــو علم يبحث عن القواعد والمســائل الــتي وضــعت عمومــا في طريــق االســتدالل؛

إلثبات أو عدم إثبات األحكام الشرعية الفرعية العملية. وقولنا: »عموما« إلمكان االســتفادة من بعض هــذه القواعــدــول؛ أيضا للعلوم األخرى، وال تنحصر االستفادة منها في علم األص وألن مبادئهــا التصــديقية، وهي الكتــاب والســنة واللغــة والعــرفــة، مشــتركة، فيمكن االســتفادة منهــا في علم والمالزمــات العقلي الكالم واألخالق والتاريخ والمعــارف األخــرى. فال يكــون المقصــود من هذا التعريف أن يكون تعريفا منطقيا حقيقيا مانعا لألغيار؛ ألنه لم يــذكر فيــه الفصــل حتى يكــون حــدا، أو العــرض الخــاص حتىــة وعـدم قـدرتها لم يتمكن يكون رسما. ولضعف القواعد المنطقي األصوليون من صياغة تعريف منطقي جامع ومانع يحظى بــالقبولــير على لدى الجمهور. فهذا دليل على عدم إمكان عقد األمل الكث

مثل هذه القواعد.ــدة ــتنادا إلى القاعـ ــرعي اسـ ــيل الحكم الشـ ــل تحصـ وألجـــع ــداهما تق ــاس، ففي إح ــدمتا القي ــولية يجب أن تتحقق مق األص القاعدة األصولية كبرى للمسألة الشرعية، واألخــرى تقــع صــغرىــة أو ومصداقا للكبرى ـ وهي القاعدة األصولية ـــ، فينتج منهــا حجي عدم حجية تلك الصغرى، بصــفة أنهــا حكم شــرعي، مثــل: الحكم بأن كل ما حكم الفقيه الموثوق مــع تــوفر الشــرائط األخــرى في

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد141هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ــك ــه ذل ــتى ب ــا أف ــذا الحكم مم ــاع، وأن ه ــو واجب االتب الحكم فهالفقيه، فينتج منه أن هذا الحكم واجب االتباع.

وقيل: إن موضوع علم األصـول هــو نفس موضـوع مســائله، والفرق بين موضوع العلم وموضوع مسائله هو التفاوت الموجــود بين الكلي ومصاديقه. فالقاعدة هي القضية والمسألة الكلية التيــة، مثــل: قاعــدة »كــل فاعــل يستفاد منها حكم المصــاديق الجزئيــة مصــاديق الفاعــل في ــه بواســطته يعــرف مرفوعي مرفوع«، فإن

الجمالت الخاصة والجزئية، مثل: ذهب زيد، وقام عمرو. فظهر أن موضوع علم األصول هو عبارة عن كل قاعدة تقــعــرعي. وتصــور البعض أن ــق اســتفادة الحكم الكلي الش في طري

المقصود منه المقابل للمحمول. وقد نقل عن بعض قــدماء الفالســفة والمنطقيين التكلم عنــالرؤوس ــتهرت ب ــتي اش ــة كتبهم، وال ــائل في مقدم ــاني مس ثم

ــة، وهي: ــ تعريــف العلم؛ 1الثماني ــه؛ 2ـ ــة من ــ الغــرض والغاي ـ3ـــه؛ 4موضــوعه؛ ــ فائدت ــاب؛ 5ـ ــواب الكت ــاوين أب ــ فهــرس عن ـ6ـ

ـ األنحاء التعليمية8ـ بيان مقام العلم ورتبته؛ 7التعريف بالمؤلف؛ .(179))التقسيم، والتحليل والتحديد(

ولكن أجيــال الفالســفة الــذين خلفــوهم اقتصــروا على بيــان ثالثة منها على أنها هي األجزاء األصلية للعلــوم، وهي: الموضــوع؛

والمسائل؛ والمبادئ.

االختالف في موضوع علم األصولــان ــر في اإلنس ــاز الفك ــالى جه ــبحانه وتع ــالق س ــدد الخ حــائق ــير من الحق ــا فهم الكث ــتطيع معه ــيرة، ال يس ــدوديات كث بمح، إال بعــد أن والعلل التي ليس من شأنه أن يعرفها ابتداء ومستقال

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد142هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــاج إلى يأخذ تلك الحقائق واألسرار من جهات خارجة عنه. لذا احت الوحي والشريعة. ولكن كــأن هــذا األمــر خفي على البعض، حيث خذوا جهاز التصور والخيال والتصــديق واإلدراك مصــدرا مســتقال ات في وجوده في معرفة جميع األشياء، غنيا بذاته عن غــيره، أصــيال، صمدا، وأطلقوا كلمات ساخنة وشـعارات براقـة في ســبيل ذلــك، وزعموا أن ما يتصوره في كل شيء هــو الواقــع مطلقــا، من دونمــا كــل من ــة وشــروط، وأنهم دعــاة العقــل، ونســبوا تحك محدوديــتدالل، خالفهم ولم ير لرأيهم دليال مقنعا إلى مخالفة العقل واالس ومواكبة الجهــل والباطــل، واحتكــروا العقــل والــدليل العقلي لهمــه من بكل اعتساف. فالعقل عندهم هو رأيهم ومعتقدهم وما يرون تصورات. والفريق المقابل لهم مخــالف للعقــل. وكــل حــزب بمــار بكالمهم كثير ممن ال اطالع له. ومن العجيب لديهم فرحون. وتأث أن بعضا من أرباب العلوم التصورية؛ لقصور رؤيته وحسن نظــره وابتهاجه وإعجابه بها، تحــول إلى أداة فاقــدة للقــدرة على التأمل والنظر والتشــخيص، فصــار حالــه في متابعــة أبحاثهــا حــال التــابع

المقلد. وإني وإن كنت محبا لكل من يبذل جهــده في ســبيل العلــوم والمعارف والفكر، ولكن مع ذلك يجب أن ال يمنع ذلك من البحثــتي هي والنقاش في صحة بعض المناهج والتصورات واألفكــار، الــرض لالشــتباه ــل من صــنع اإلنســان المتع ــوحي، ب ليســت من الـة ـ والزالت والعثرات. فيجب أن ال يوجب لنا التعصب لهم والعبوديه األعمى، ــاع المتول ــدافع عنهم دفـ ــارهم أن نـ ــهم وأفكـ ألشخاصـر عنهم، وغمض العين عن اختبار صحة أفكارهم والدفاع غير المبر

وآرائهم.ــه بعــد قـرون وأما التعريف بموضـوع العلم فيجب القــول: إن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد143هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

طويلة من الزمن التي مضت على هذا التعريف، وبالرغم من تلكــول، ال زال الخالف بينهم الجهود والمساعي التي بذلها أهل المعقنوا من موجودا وشديدا حول تعريف موضوع العلم، فإنهم لم يتمكحد وواضح ال خالف بينهم في تفسيره. ومــع هــذه تقديم تعريف مت الوضعية نرى أن المتعلمين في العلوم العقلية نقلوا هذا التعريــفنوا من حله إلى علم األصول، وأوقعوا البــاحثين فيــه الذي لم يتمك

ها في العلوم التصورية. في المشاكل التي لم يستطيعوا حل وأما تعريف موضوع علم األصــول فهــو من أبســط األشــياء،ف وإني لم أوضحه بأكثر من هــذا؛ لكي ال ينتهــزه المنكــر المتعســفــوا موضــوع القليل اإلنصاف، والمنحرف عن جادة الصــواب. فعرــه ــذي يبحث عن عوارض ــو ال ــوع العلم ه ــالوا: إن موض العلم وق

الذاتية، أي بال واسطة في العروض. والبـــد لنـــا هنـــا من اإلشـــارة إلى أن أربـــاب األصـــول وفن المعقول في هذا المقام احتاروا وارتبكوا وعجزوا عن تفسير هذه العبارة، وذهبوا يمينا وشماال، مــع أنهم يعــدون من أســاطين هــذه العلوم، ومهرة هذه الفنون، فكيف بالضــعفاء وقليلي البضــاعة؟!. ولم أجــد أحــدا من الكبــار الــذين يــدعون الفهم في الفلســفةفــق معــه والمنطق فسر هذا االصطالح بشكل مقبول ومتــوازن يت اآلخـــرون من أهـــل الفهم في هـــذين العلمين. وهـــذا يـــدل علىــير من ــتفراغها عن كث ــفيتها واس ــفة وتص ــة الفلس ــرورة غربل ض الفضــوالت الــتي ليس لهــا وزن علمي، وإخــراج أبحاثهــا ممــا هــو موجب للتغرير. فمــا هــو الســبب في الوقــوف على هــذه الجملــةــة لتفســيرها ــا، والمحاول ــا وشــماال لحله ــذهاب يمين المبهمــة، وال بالشكل المطلوب مهمــا كلف الثمن؟! وهــل هــذه الجملــة تكــوند بهــا بــأي شــكل من د بهــا واتباعهــا والتعب ا شــرعيا يجب التقي نصــــوع العلم أو ــف موضـ ــة لتعريـ ــاوالت الحثيثـ ــكال؟! فالمحـ األشـ

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد144هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

مصطلحات العلوم التصورية وأبحاثها في علم األصـول، واإلصـرارــه نفس ــ ــذي لم يتمكن من ــ ــا الالزم، ال ــ ــحيحها وتنقيحه ــ على تص الفالسفة والمنطقيون، وإخراجها من اإلبهام الــذي عاشــته طــوال القرون، ال ارتباط له باألصولي، وال ببحثــه، حتى يتحمل مســؤولية ــا. ومــا كــان مستحســنا اإلبهامــات واالختالفــات واإلشــكاالت فيه الخلط بينها وبين مسائل األصول، فكلما مألنا أوقــات المشــتغلينــاهم من االشــتغال ــد والشــواذ نكــون قــد حرمن وفرصــهم بالزوائــة المرتبطــة بالمســائل األولى والمســائل األصــلية والعلــوم اإللهي بالكتـــاب والســـنة، كعلم التأويـــل والتنزيـــل، وأبحـــاث التفســـيرــوخ، والمحكم ــ ــخ والمنس ــ ــرآن، والناس ــ ــع الق ــ ــراءة، وجم ــ والق والمتشابه، والمجمــل والمــبين، ومعــارف النــبي وآلــه من أســرارــات، والســلوكيات، الــوحي والــدين المختلفــة، والعقائــد، واألخالقيــرى ــائق األخ ــاتهم وفضــائلهم، والحق ــاريخ المعصــومين ومقام وت

المرتبطة بالشريعة. وهذه جملة من كلمات أهــل الفن في تفســير هــذه الجملــة،

لتقف على واقع األمر فيها.

اضطراب الفالسفة في تفسير العرض الذاتي ، وهو صــدر الفالســفة وزعيمهم،&هذا صدر الدين الشيرازي

ينسب الحيرة واالضطراب والضعف والتــوهم إلى كبــار الفالســفة في تفسير معنى العرض الذاتي، ويقــول: واقض العجب من قــوم اضطرب كالمهم في تفسير األمــور العامــة الــتي يبحث عنهــا في

روا في موضوعات العلوم .(180)إحدى الفلسفتين اإللهيتين، بل تحيرت أن أقسام الحكمة اإللهية ما يبحث فيها عن وأنت إذا تذكــة للموجــود المطلــق بمــا هــو موجــود مطلــق، أي العوارض الذاتي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد145هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ــا العوارض التي ال يتوقف عروضها للموجود على أن يصــير تعليمي أو طبيعيا، الســتغنيت عن هــذه التكلفــات وأشــباهها؛ إذ بمالحظــةــة، هذه الحيثية في األمر العام، مع تقييده بكونه من النعــوت الكليــل ــالما عن الخل ــف س ــذوات، ويتم التعري ــرج البحث عن ال ال يخر واالضــطراب وقــع لهم في موضــوعات والفساد. ومثل هذا التحي

سائر العلوم.ر ـــ مــا يبحث فيــه بيان ذلك: إن موضوع كل علم ـ كمــا تقــرروا العــرض الــذاتي بالخــارج ـة. وقــد فســ ـ عن عوارضــه الذاتي المحمول الذي يلحق الشيء لذاته، أو ألمر يساويه، فأشكل األمرة ببعض ــه قــد يبحث فيــه عن األحــوال المختصــ عليهم، لما رأوا أن أنواع موضوعه، فاضطروا تارة إلى إسناد المســامحة إلى رؤســاء العلم في أقوالهم بــأن المــراد من العــرض الــذاتي الموضــوع في ــا لــه أو لنوعــه، أو عرضــا كالمهم هو أعم من أن يكون عرضا ذاتي عاما لنوعه بشرط عــدم تجــاوزه في العمــوم عن أصــل موضــوع العلم، أو عرضا ذاتيا لنوع من العرض الذاتي ألصل الموضــوع، أو عرضا عاما له بالشرط المــذكور، وتــارة إلى الفــرق بين محمــولــول العلم ومحمول المسألة، كما فرقوا بين موضوعيهما بأن محم العلم ما ينحل إليه محموالت المســائل على طريــق الترديــد، إلىــوا غير ذلك من الهوسات التي ينبو عنها الطبع السليم. ولم يتفطنــذات ــرض ل ــا يع ــوع ربم ــواع الموض ــوع من أن ــا يختص بن ــأن م ب الموضوع بما هو هو، وأخصية الشيء من شيء ال ينافي عروضــه لذلك الشيء من حيث هو هو، وذلك كالفصول المنوعة لألجناس،ــه فإن الفصل المقسم عارض لذات الجنس من حيث ذاته، مــع أن أخص منها، والعوارض الذاتية أو الغريبة لألنواع قد تكـون أعراضـا أولية ذاتية للجنس، وقد ال تكــون كــذلك، وإن كــانت ممــا يقــع بــه

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد146هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــة قــد يكــون القسمة المستوفاة األولية. فاستيعاب القسمة األولي بغير أعراض أولية، وقد تتحقق أعراض أولية وال تقع بهــا القســمة

المستوعبة. نعم، كل ما يلحــق الشــيء ألمــر أخص، وكــان ذلــك الشــيءــا لقبولــه، ليس مفتقــرا في لحوقــه لــه إلى أن يصــير نوعــا متهيئح بــه في كتب ــا، بــل عــرض غــريب على مــا هــو مصــر عرضا ذاتي

الشيخ وغيره. ــا ــا أو طبيعي كما أن مــا يلحــق الموجــود بعــد أن يصــير تعليمي

ليس البحث عنه من العلم اإللهي في شيء. ومــا أظهــر لــك أن تتفطن إلى أن لحــوق الفصــول لطبيعــة ــا الجنس، كاالستقامة واالنحناء للخط مثال، ليس بعد أن يصير نوع متخصص االستعداد، بل التخصص إنمــا يحصــل بهــا ال قبلهــا، فهيــة لــه. ومن عــدم مع كونها أخص من طبيعــة الجنس أعــراض أولي التفطن بمــا ذكرنـاه استصـعب عليهم األمــر، حتى حكمـوا بوقـوع التدافع في كالم الشيخ وغــيره من الراســخين في الحكمــة، حيثحوا بــأن الالحــق لشــيء ألمــر أخص، إذا كــان ذلــك الشــيء صــرــا، بــل محتاجا في لحوقه له إلى أن يصــير نوعــا، ليس عرضــا ذاتيلــوا العــرض الــذاتي الشــامل على ســبيل عرضا غريبا، مع أنهم مث التقابل باالســتقامة واالنحنــاء المنــوعين للخــط، ولســت أدري أي تناقض في ذلك، سوى أنهم لما توهمــوا أن األخص من الشــيء الــا لــه حكمــوا بــأن مثــل االســتقامة واالســتدارة ال يكون عرضا أولي يكون عرضا أوليا للخط، بل العرض األولي له هو المفهوم المردد

.(181)بينهمار العوارض الذاتية بما يعرض لذات الشيء من دون وقد فس واسطة، مثل: العرضيات التي تعرض على ذات اإلنســان بمــا هــو

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد147هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

حيوان ناطق؛ أو مع الواسطة لجزء ذاته التي تعرض للفصــل بمــا هو ناطق، أو الخارج عن الذات المساوي له، مثل: األعراض التي تعرض على العرض المختص باإلنســان المســاوي لــه، كالضـاحك،ــتي فحكموا عليها بأنها في حكم عدم الواسطة، دون العــوارض ال

تعرض لذاتيات الشيء مع الواسطة األعم أو األخص. ــا وفسر صاحب الهداية العرض الذاتي فقال: ما يكون عارض للشيء لنفس ذاته من غير واسطة في العــروض، أو ألمــر مســاوــه ــا نص علي ــذات أو خارجــا، كم ــان داخال في ال ــذات، ســواء ك لل

.(182)جماعة من محققي المتأخرين وكذلك ذكــر الشــيخ في منطــق اإلشــارات أن المقصــود منــاب ــو ذاتي بـ ــوع العلم هـ ــذاتي الـــذي يكـــون موضـ ــرض الـ العـ

.(183)البرهان وقال الشوكاني: المراد بالعرض هنا المحمــول على الشــيءــه يلحــق الشــيء الخارج عنه، وإنما يقال لــه: العــرض الــذاتي؛ ألنــاإلدراك لإلنســان، أو بواســطة أمــر يســاويه، كالضــحك ــه، ك لذاتبــه، أو بواســطة أمــر أعم منــه داخــل فيــه، لإلنسان بواســطة تعج

.(184)كالتحرك لإلنسان بواسطة كونه حيوانا وفسر بعض آخر العرض الذاتي فقال: هو الذي يعــرض علىــا أو موضوعه بدون واسطة في العروض، سواء كان العارض أعم

.(185)أخصا أو مساوياـة في ـ ـة في المــوارد الــتي لم تكن بديهي ـ فــاألعراض الذاتي عروضها للموضوع تحتاج إلى واسطة، وإن وساطة تلك الواسطةــات. ــاطة في اإلثبـ ــا وسـ ــروض، وإنمـ ــوت والعـ ــت في الثبـ ليســـة الــتي هي بحاجــة إلى واســطة في اإلثبــات إذا فــاألعراض الذاتي كانت الواسطة واضحة تعتبر من الفطريات، وإن قياســاتها معهــا،

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد148هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــة لألربعــة هــو ــة األربعــة؛ ألن واســطة إثبــات الزوجي مثــل: زوجي انقسام األربعة إلى أمرين متساويين، حيث يمكن تشكيل القياس المنطقي التالي منه، فيقال: إن عــدد األربعــة ينقســم إلى أمــرين متســاويين، فكــل عــدد انقســم إلى أمــرين متســاويين فهــو زوج،

.(186)فينتج من هاتين المقدمتين والقضيتين: إن األربعة زوج وأتى اصطالح العارض في فن المنطــق مغــايرا لمــا هــو فيــاء ــا على العلم ــدماء، واختلطت معانيه ــدى الق ــات ل علم الطبيعيم وتشابهت. فالعــارض للموضــوع في العلم الطــبيعي هــو المقســ إلى النوع والجنس والفصل، ويسمى في المنطق بالذاتيات، حيثــا من ــعة منهـ ــر، تسـ ــوالت العشـ ــبيعيون إلى المقـ مه الطـ ــ قسـ العرضـــيات في العلم الطـــبيعي، وواحـــد في مقابلهـــا، فيســـمى

.(187)بالجوهر والمراد من العارض في تعريف موضوع العلم بخالفــه، وهــو

.(188)العارض المنطقي، كما صرح به شارح المطالع وغيرهــون في كتــاب إيســاغوجي، أي وهو ما اصطلح عليه المنطقي باب الكليات الخمس، وقسموه إلى الخاصة والعرض العــام، وهــوحــد الخارج المحمول، أي الكلي الخــارج عن الشــيء مفهومــا المت معه وجودا، وهو الكلي الصــادق على الشــيء ال في مرتبــة ذاتــه، بــل يكــون خارجــا عنــه ومحمــوال عليــه باعتبــار اتحــاده معــه فيــذاتي ]ال الخارج، مثل: عنوان الماشي لإلنسان، الذي هو مقابل لل

العارض في العلم الطبيعي الذي هو من الذاتيات في المنطق[. فــالمراد من الــذاتي في هــذا التعريــف هــو المحمــول الــذي تتقوم ذات الموضوع به، غير الخــارج عنهــا، كــالحيوان أو النــاطقــول ــو المحم ــرض ه ــراد من الع ــان. والم ــوالن على اإلنس المحم الخارجي عن ذات الموضوع، الحقا به بعــد تقومــه بجميـع ذاتياتـه،

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد149هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

.(189)كالضاحك الالحق لإلنسان، والماشي الالحق للحيوان وبعبارة أخرى: العرض في اصطالحهم عبارة عن كل مفهومحــد معــه في الوجــود الخــارجي، بحيث متغاير مع مفهوم آخــر، مت يصلح باعتبار ذاك االتحاد حملــه عليــه، ال العــرض المصــطلح عنــد الطبيعي، الذي يكون عبارة عن الذاتي في باب الكليات، وهــو مــا ال يوجــد إال في الموضــوع، في مقابــل الجــوهر الــذي يوجــد غــير

محتاج إلى موضوع في مرتبة الوجود أصال. والدليل على ما ادعيناه من الظهور هو أن عــادة المنطقيين كانت مســتقرة على تعريــف موضــوع العلم في فن المنطــق بمــاــدهم، فيحمــل ــدا خــروجهم عن المصــطلح عن ــد ج ــاه. وبعي فن عر

كالمهم على مصطلحهم، ما لم تكن قرينة على الخالف. والظاهر أن المراد من الذاتية في المقــام هــو أن الموضــوع بنفسه مستحق لحمل العرض الفالني عليــه، من غــير احتيــاج إلى حيثية تقييدية أخرى، غير نفس حيثية الموضوع، وإن كــان محتاجــا

إلى حيثية تعليلية. إذا عرفت ذلك فاعلم أن موضوع كل علم عبارة عما يكــونــورة في الفن ــات المنظـ ــه، من الجهـ ــدد بيانـ ــل الفن في صـ أهـ والحيثية المقصودة. مثال: أهــل فن النحــو إنمــا يكونــون في صــدد بيان حيثية اإلعراب والبناء من الكلمة والكالم، فتكون تلك الحيثية موضوعا لعلم النحو. وأهل فن األصول إنما يكونون في صدد بيان الحجة، وأنه ماذا يكون حجة في الفقه، فيكــون موضــوع األصــولــة خــبر مفهــوم الحجــة في الفقــه، فتكــون مصــاديقها، مثــل: حجيــة عليهــا، وإن كــان ــاب مثال، محمول ــة ظــاهر الكت الواحــد أو حجي المحمول في المسائل موضوعا، والموضوع محموال، فإنه ال ضــير في ذلك. ومقصود القوم من جعل األدلة موضــوعا لهــذا الفن هــو

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد150هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــاه من موضــوع الفن. فال ــا، فينطبــق على مــا ذكرن ــة حجيته حيثي من خــروج جــل المســائل(190)مجال لما أورده عليهم بعض األجلة

األصولية، كاألصول العملية؛ لعدم دليليتها، فإن الحجة عبــارة عمــا يكون شامال لمثل األصــل العملي، فإنهــا عبــارة عمــا يكــون عــذرا للمكلف، وهــو موجــود في األصــل العملي، كمــا تكــون في بعض

المقامات منجزة للتكليف.فــه وعلى ما ذكرناه من التحقيــق فنحن في فســحة عمــا تكل المصنف، من جعل موضوع علم األصول هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله، وإن لم يكن معنونـا بعنــوان خــاص، ومســمىر عنــه بكــل مــا دل عليــه، مثــل: باســم مخصــوص، فيصــح أن يعب مفهوم أحدها؛ فرارا عما يكون عنده محكمــا من اإلشــكال الــوارد

على جعل موضوع العلم عبارة عن األدلة. ومن جعل تمايز العلوم بتمــايز األغــراض، ال الموضــوعات أو المحموالت، خالفا لطريقة القوم، ومــا هـو الحـق من كـون تمــايز العلوم بتمايز الموضوعات؛ فرارا عما يرد عليه من اإلشكال على جعل الموضوع مفهوم أحدها، فإن هذا المفهوم موجود في ســائرالعلوم، فال يمتاز ذاك العلم عن سائر العلوم بالموضوع الكذائي.

وبالجملة إن موضوع كــل علم عبــارة عمــا يكــون أهــل الفنناه آنفــا هــو تعــيين في صدد بيانه. والبحث عن عوارضه على ما بيــير ــه من غ ــة على نفس ذات ــه الطارئ ــان محموالت ــاديقه، وبي مص واسطة حيثية أخرى. مثال: موضوع علم األصول عبارة عن عنــوان »الحجــة في الفقــه«، والبحث عن عوارضــه هــو البحث في نفس مصاديقها. أال تــرى أن األصـولي يبحث في أن ظــاهر الكتـاب مثال

حجة أم ال؟ وبهذا التقرير تندفع جميــع اإلشــكاالت، ســوى خــروج أبــواب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد151هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ــة، ــة والحكمي األلفاظ عن ذلك. وال ضير؛ ألنهــا من المبــادئ اللغويــع ــا أوق ــوع في التكلف، كم ــاب النفس والوق ــير إتع ــك من غ وذل

.(191) نفسه في ذلك&المصنف حول تعريف موضــوع العلم:&وقال األستاذ الشهيد مطهري

ضــنا ألبحاثــه موضــوع علم لم يحــدد الشــيخ ابن ســينا في مــا تعرر عنه بــالعلم اإللهي، باســتثناء مــا أشــار إليــه الفلسفة، والذي يعب

.(192)إشارة عابرة في مبحث البرهان من المنطقــه ال يمكن أن يبحث عن مبحث ــا ســبب أن ــال أيضــا: وأم وقــتي يبحث فيهــا عن ــة ال ــوم الجزئي واجب الوجــود في ضــمن العل جنس أو نوع خــاص من الموجــودات فهــو أن ذات واجب الوجــود مبدأ لجميع الموجــودات والمعلــوالت، ومن ضــمنها موضــوع ذلــك العلم. لذا ال يمكن البحث عن واجب الوجود في ضمن علم جزئيــتي تبحث في ذلــك العلم عن أحــد ــه أحــد المســائل ال بعنــوان أن

عوارضه الذاتية. وأما سبب عــدم إمكــان أن يكــون البحث عن واجب الوجــود موضـوعا لعلم خــاص جــزئي، بمعــنى أن نجعــل علم معرفـة اللـهــذلك العلم، ، ونجعل ذات الباري الموضوع الفرضي ل علما مستقال فإنما هــو ألجــل أن ذاتــه تعــالى تســتوجب كــل موجــود، وال يوجــد موضوع ال نسبة له معه. كمــا أن ذات الــواجب ال يمكن أن يصــيرــه موضوعا لمطلق العلم، وكلي العلم؛ ألنه ليس بعام وكلي. وعلي

.(193)فإن العلم به يكون جزءا من العلم بالمسائل الكلية فمبحث واجب الوجــــــود يجب أن يبحث في علم يكــــــون موضـــــــوعه أعم الموضـــــــوعات، وال يمكن أن يبحث في علم

موضوعه جزئي.ــو مســألة علم ــالبحث عن واجب الوجــود في الفلســفة ه ف

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد152هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

الفلسفة، وفي التصوف والعرفان هو موضوع العلم؛ ألن العرفان يبحث عن الوجود بشكل مطلق، وهــو وحــدة الوجـود عنـده، وهــو أســاس العرفــان، وموضــوع علمــه هــو الوجــود المطلــق لمقــامــاره. ولكن ــل يبحث عن آث ــه، ب ــرى حاجــة إلى إثبات ــة، وال ي الجالل الفلسفة ترى ضرورة إثباته؛ ألنه يعتبر من مسائل الفلسفة، فهيمها إلى: الــواجب، والممكن؛ تبحث عن الوجود والموجــود، وتقســــديم؛ ــادث، والقـ ــير؛ والحـ ــد، والكثـ ــول؛ والواحـ ــة، والمعلـ والعلـ

والنفسي، والرابطي.ــل في وقالوا: إن موضوع كل علم لم يثبت في ذلك العلم، ب

.(194)علم آخر وأما موضوع العلم الطبيعي فهو الجسم من حيث إنه جسم،

.(195)ال من حيث إنه موجود أو جوهر وأما موضوع المنطــق فهي المعقــوالت الثانيــة، الــتي تعتمــد

، والتي ال تعتمد على شيء آخر.(196)على المعقوالت األولية

أقسام الذاتيات التي تحمل على الموضوعــاتاألول : الــذاتي المســتعمل في المنطــق في بــاب الكلي

الخمس )إيســاغوجي(، وهــو الجنس والفصــل. وهــو عرضــي فيالعلم الطبيعي، حيث قسمها الطبيعيون إلى المقوالت العشر...

: الذاتي المستعمل في باب البرهان ـــ وهــو عرضــيالثاني طبق باب الكليات الخمس ـ، وهو المحمول العرضي الخــارج عنصــف ذات الموضــوع، والمنــتزع عنــه، حيث يكــون من لوازمــه وتت الذات به، وال يكون له محل إال الذهن، فيمكن انتزاعه من صــميمــذات الذات، وحمله عليه، من غير لزوم تصور واسطة غير حاق ال في العروض، والثبوت له، فيكون لزومه بينا، ويسمى هذا القســم

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد153هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

من الذاتي بالعرض الذاتي. واألعراض الذاتية هي أوصافه الذاتية.فموضوع العلم هو الذي يبحث عن أوصافه الذاتية.

مثل: قولنا: النار حارة؛ أو اإلنسان ممكن؛ أو األربعة زوج؛ أو المثلث له زوايا، وكذلك بقية األوصاف الهندسية والحسابية، الــتي يمكن انتزاعها من صميم األشكال الهندســية والمقــادير. والفــرق بين الذاتي في باب البرهان والذاتي في باب الكليات الخمس هوــتزع عن الــذاتي، ومعلــول لــه، فرتبتــه أن ذاتي بــاب البرهــان منــذات، متأخرة عن الذات، أما ذاتي باب الكليات فهو علة لماهية ال

ومقومة له، فرتبته متقدمة على الذات.ــات فالــذاتي في بــاب البرهــان هــو العرضــي في بــاب الكلي الخمس، أي من المقــوالت التســع العرضـية، وهــو على قسـمين: فإما أن يكون من لوازم الموضــوع غــير منفــك عنــه، فهــو عــرض

الزم للماهية؛ أو منفك عنه، فيقال له: العرض المفارق.وحمل األعراض على الموضوعات على أقسام:

ـ حملها من دون واسطة للحمل، والعرض على الموضوع ـ1 والذي يقال لها: واســطة العــروض أو الثبــوت ـــ مباشــرة، فيقــال لمثل هذه العرضيات: الالزم األول أو األولي، مثل: حمل اإلمكــان والوجود على اإلنسان، والزوجية على األربعة وسائر أعداد الزوج،

وحمل قبول االنقسام للمقادير.ــة المســاوية2 ـ حملها على الموضــوع مــع الواســطة الداخلي

لها، مثــل: حمــل التعجب على اإلنســان بواســطة النــاطق، أو مــعــل الضــاحك على اإلنســان ــة المســاوية، كحم الواســطة الخارجي بواسطة التعجب، وهو خــارج عن حقيقــة اإلنســان، فيقــال لهــذين

القسمين من العرضي: العرض الذاتي أو األعراض الذاتية. ـ حملها على الموضوع مع الواسطة المباينــة، أو الواســطة3

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد154هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــة األخص من الموضــوع، فيقــال لهــذه الخارجية األعم، أو الخارجي األقسام من العرضي: العرض الغــريب، وهــو في مقابــل العــرض

الذاتي.ــة على ــل الحرك ــة: حم ـة المباين ـ ــطة الخارجي ــال الواس ومث اإلنســان بواســطة الســفينة، أو عــروض الحــرارة للمــاء بواســطة

النار. ومثال الواسطة الخارجية األعم: حمل عـوارض الجنس على

ز على الناطق. الفصل، كحمل التحي ومثال العارض الخارجي األخص: حمل عوارض الفصــل على

الجنس، على عكس األعم، كحمل إدراك الكليات على الحيوان. واختلف في العرض مع الواسطة الداخلية األعم مثل: حمــل عوارض الحيوان على اإلنسان بواسطة الجــزء األعم الــذي يكــون هو الحيوان، كحمل الماشي على اإلنسان، أنه من العرض الــذاتي

أو من العرض الغريب؟ واألول ال يخلو من قوة. والواسطة في العروض إما واســطة في الثبــوت أو واســطة في اإلثبات. فإذا كان العرضي ال يحتــاج إلى واســطة في اإلثبــات نــا، يعــني ثبــوت المحمــول للموضــوع يكــون بــديهيا كــان الزمــا بي وواضحا ال يحتاج إلى برهــان وحــد وســط وحجــة، وبمجــرد تصــورن الموضوع والمحمول نجزم بالمالزمة بينهما. وهو من قســم الــبير على العالم، فحمله عليه يكون من خالل األعم، مثل: حمل التغي انتزاعه وفهمه من مفهــوم العــالم الــذي هــو الموضــوع، من دون حاجة إلى واسطة أخـرى، فهـو مقتضــى ذات العـالم. وأمــا الالزمد تصور الموضوع، فيمكن حينئذ ن األخص فهو يحصل من مجر البي

تصور المحمول.ن فظهورها بحاجــة إلى تصــور الموضــوع وأما الالزم غير البي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد155هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

والمحمول وواســطة الثبــوت والعــروض، اللــتين همــا هنــا بمعــنى واحد، وتــارة يحصــل العلم بثبــوت المحمــول للموضــوع بواســطة الممارسة واألنس والحدس والتخمين وأمثالها، فيكون ظهورها بالن. حاجة إلى تأمل ودليل. ففي هذه الحالة ال يقال لها: الالزم البي

تقسيم آخر للعرضي : المحمـــول العرضـــي الخـــارج عن ذات الموضـــوع،األول

والمنتزع من صميم الموضــوع وذاتــه، كحمــل الموجــود واإلمكــان للشــيء، والزوجيــة لألربعــة، والفرديــة للثالثــة. كقولنــا: اإلنســان موجود، وممكن، واألربعة زوج. فيكفي ذات الموضوع في انتزاعه وحملــه عليــه، من دون حاجــة إلى واســطة أخــرى في العــروض.ــتزع عن وهذا القسم يسمى أيضا بالذاتي في باب البرهان؛ ألنه ينــمى ــات، ويس ــاب الكلي ــه، ال ذاتي ب ــل علي ذات الموضــوع، ويحم

العرض الذاتي. : المحمول العرضي الخــارج عن ذات الموضــوع، فالالثاني

ــه: ــال ل ــل، ويق ــوع من الجنس والفص ــذاتيات الموض ــه ب ــط ل ربــاألبيض واألســود في األجســام، والعــالم المحمــول بالضــميمة، ك والفهيم لألشخاص. فالظاهر أن هذا هــو العرضــي مــع الواســطة،

والذي يسمى بالعرض الغريب أيضا.ــيئين في ــاد بين الش ــنى االتح ــو بمع ــل ه وال يخفى أن الحم المفهوم أو الوجــود في الحمــل الــذاتي، كقولنــا: اإلنســان حيــوان نــاطق، أو اإلنســان حيــوان، أي من حيث وجــودات أفــراده، وأمــا حمل العرض على الذات فغير ممكن بأن نقــول: اإلنســان بيــاض، بل يجب تقدير كلمة ذو فيه، أو كلمة ذات، ونصــفه بالعرضــي، ثم نحمله على الذات، فنقــول: اإلنســان ذو بيــاض، أو أبيض، أي ذات

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد156هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــه ال يمكن حمــل العــرض على الــذات، بــل ل أن له البياض. فتحصــالعرضي يحمل على الذات.

في منظومته إلى المطالب التي أشــرنا&ويشير السبزواريإليها، ويقول:

ذاتي شيء لم يكن معلال وكان ما يسبقه تعقال

ن الثبوت له وعرضيه أعرفن مقابلهوكان أيضا بي

ليس هو الذاتي فيكذلك الذاتي بذا المكانالبرهان

من الحق لشيء من حيثهي

ط لغير ذاته بال توس

ال الذاتي اإليساغوجي بلفمثل اإلمكان هو ذاتيثاني

ــوعات وقال المنطقيون: إن موضوع كل علم هو نفس موضــاديقه، ــاير الكلي ومص ــا، تغ ــا مفهوم ــان يغايره مســائله، وإن ك

والطبيعي وأفراده. والمسائل هي المطالب التي يستدل عليها فيها، وهي عبارةتة، جمعهــا اشــتراكها في الــدخل في عن جملــة من قضــايا متشــتــداخل بعض ــد يت ــذا ق ــذا العلم، ول ــه دون ه ــذي ألجل ــرض ال الغ

المسائل في عدة من العلوم؛ إلمكان استعمالها ألغراضها. وذكر أن تمايز العلوم إنما هو باختالف األغراض الداعيــة إلى التــدوين، ال اختالف الموضــوعات، وال المحمــوالت، وإال كــان كــل مســألة وبــاب من كــل علم علمــا على حــدة؛ الختالف الموضــوع

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد157هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

والمحمول فيها، كما ال تكون وحدتهما سببا للوحدة. ورؤوس العلم التي يبحث عنهــا في كــل علم عنــد المنطقي

هي ثالثة: موضوعه، مسائله، مبادئه. وأما مهمـة علم األصـول فهي القيـام بإثبـات أو عـدم إثبـات محمــول المســائل لموضــوعاتها، مثــل: قاعــدة ظهــور األمــر في الوجــوب، فــالبحث عن إثبــات هــذه المســألة هــو من شــأن علم األصول. فإن حقيقة كل علم في الواقع هو حقيقة مســائله، وهيــوبة إلى ــوالت المنس ــائل هي المحم ــا. فالمس ــة عنه ــير خارج غ الموضوعات، كما قاله الدواني. فإن القاعدة األصولية هي حقيقةــة من الموضــوع والمحمــول. وأي شــيء غــير بســيطة، بــل مركبــان من ــواء ك ــائله، س ــزء من مس ــو ج ــول ه يبحث في علم األصــة. ومقصــود العلم في الدرجــة األولى المسائل األصلية أو الفرعي

البحث عن المسائل األصلية. والمبادئ جمع مبــدأ، وهــو مصــدر ميمي يصــلح للداللــة علىــل ــذكر قب الزمان، والمكان، والحدث، ويسمى بالمقدمات، حيث ي

الشروع في المقصود من العلم؛ لتوقف معرفته عليه. وفي االصــطالح هي مقــدمات يتوقف التصــديق واالســتداللــادئ ــانت مب ــديقات ك ــانت تص ــإن ك ــا؛ ف ــائل الفن عليه في مس تصـــديقية؛ وإن كـــانت تصـــورات، من تصـــور حـــدود الموضـــوعــادئ والمحمول وأجزائهما وجزئياتهما وأعراضهما الذاتية، كانت مب

تصورية. وأشكل على عــد المبــادئ التصــورية والتصــديقية من أجــزاء العلوم؛ إذ يلزم حينئذ جعل كثـير من مســائل ســائر العلــوم جــزءا من العلم الـــذي يتوقف عليهـــا. ولـــذا خص بعضـــهم المبـــادئ بالتصديقية. ولكن يمكن الجواب عنه بأن هــذه هي مبــادئ عامــة،

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد158هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ولذا يمكن أن يشترك فيها عدة من العلوم. فالمبادئ التصديقية هي القضايا الــتي تتــألف منهــا قياســاتــرفي ــا، والفهم العـ ــنة، ودليليتهمـ ــاب والسـ ـة الكتـ ــ العلم، كحجي ــة، وإال ن والعقالئي واللغوي، وتسمى القضايا المتعارفة إن كانت بي إن كان تسليمها مع مسامحة وحسن ظن بالمعلم فتسمى أصــوال

موضوعة، وإن كانت مع استنكار وتشكيك تسمى مصادرات. وهناك معنى آخر للمبادئ ذكره ابن الحاجب، وهو بمعنى مــا يبتدئ به قبل الشروع في المقصود، وهو بمعــنى المقدمــة. وهــذا

.(197)هو المعنى اللغوي الذي تقدم إيراده

كالم المال عبد اللهقال: كل علم من العلوم المدونة البد فيه من أمور ثالثة:

: ما يبحث فيه عن خصائصه واآلثار المطلوبة منه، أياألول يرجع جميــع أبحــاث العلم إليــه، وهــو الموضــوع. وتلــك اآلثــار هي

األعراض الذاتية.ــة فيالثــاني ــتي تكــون نظري : المســائل. وهي القضــايا ال

األغلب، وقد تكون بديهية محتاجة إلى تنبيه. : ما يبنى عليه المسائل، مما يفيد تصورات أطرافهــاالثالث

ومفردات في اللغة، وهي المبادئ التصــورية، أو تصــديق القضــاياالمأخوذة في إثباتها، وهي المبادئ التصديقية.

وهــا هنــا إشــكال مشــهور، وهــو: إن من عــد الموضــوع منــه، أو ــه نفس الموضــوع، أو تعريف ــد ب ــا أن يري ــوم إم ــزاء العل أج التصديق بوجوده، أو بموضــوعيته. واألول منــدرج في موضــوعات المسائل التي هي أجزاء المسائل، والثاني من المبادئ التصورية، والثــالث من المبــادئ التصــديقية، والرابــع من مقــدمات الشــروع

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد159هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ومبادئه، فال يكون جزءا على حدة. والجواب عن األول أن يقال: إن نفس الموضــوع وإن انــدرج في المسائل، لكن لشدة االعتنــاء بــه، من حيث إن المقصــود من

العلم معرفة أحواله والبحث عنها، عد جزءا على حدة. أو يقــال: إن المســائل ليســت هي مجمــوع الموضــوعات والمحموالت والنسب بانفراد كل منها، بل المحمــوالت المنســوبة

إلى الموضوعات، كما نقل عن الدواني في حاشية المطالع. وفيه نظر؛ ألنه ال يالئمــه قــول المنطقيين: إن المســائل هي قضــايا تطلب في العلم، وموضــوعاتها إمــا موضــوع العلم أو نــوع

منه، ومحموالتها لها كذا من صفات. وأما عن الثاني فيقال: إن تعريف الموضوع وإن كان مندرجا في المبادئ التصورية، لكن عده جــزءا على حــدة لمزيــد االعتنــاء

به، كما سبق. وأما عن الثالث فيقال بمثل ما مر. أو يقال: إن عد التصديق بوجود الموضوع من المبادئ التصديقية ـــ كمــا نقــل عن الشــيخ ـ تســامح؛ فـإن المبـادئ التصــديقية هي القضــايا الــتي تتــألف منهــاــات، قياســات العلم، كمــا نص على ذلــك العالمــة في شــرح الكلي

ده بكالم الشيخ أيضا. وأي وأما عن الرابع فيقال: إن التصــديق بالموضــوعية لمــا توقفــة في معرفــة عليه الشــروع على بصــيرة، وكــان لــه مزيــد مدخليــا ليس منـــه، عـــد جـــزءا من العلم زهـــا عمـ مبـــاحث العلم وتمي

.(198)مسامحة. وهذا أبعد المحتمالت

تعليــق على اســتعمال مصــطلحات العلــوم التصــوريةفي علم األصول

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد160هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــة ليســت إن مصــطلحات أبحــاث العلــوم التصــورية والعقليد بها واإلصـرار والتفــاني من أجــل دية يجب التقي أمورا توقيفية تعب تبيين ما أبهم أو اختلــط من معانيهــا، بــل هي من صــنيعة البشــر،ــير سواء قلنا بأنه صنعها بشكل صحيح أو قلنا بأنه صنعها بشكل غــدم ــة، وع ــطلحات الغامض ــتعمال المص ــدم اس ــحيح. فيجب ع ص التوقف والجدال من أجل الوصــول إلى معانيهــا، والتنــازع في أن معانيها األصلية عند واضعيها وأهل صــناعتها مــا هي؛ ألنهــا ليســتد بهــا والتنــازع والتهالــك أمورا مقدسة نزلت بـالوحي، فيجب التعب

من أجلها. ومع األسف فإن األشخاص الذين كــانوا يعتــبرون عنــد عــوامــا عصرهم وخواصهم من كبار الفالسفة؛ الشتغالهم بتدريس متونهــل ــا وح ــع عن فهم مبهماته ــاجزين بشــكل فظي ــراهم ع ــا، ن العلي مشكالتها. وأبحــاثهم لحلهــا هي مجموعــة من المســائل الغامضــة والمبهمة، بــل هي مجموعــة من األغالط واالشــتباهات. فســيطرة أساليب الجهــل على العلــوم، واســتعمال المصــطلحات الغامضــة والمبهمة في الفنون، ربطت بحبالها نفوســا كثــيرة، وحرمتهــا منــروح والراحــة ــدنيا، وســلبت عنهم ال ــدين وال ــات ال غ لمهم ــر التف والســكينة في حيــاتهم، إلى أن اســتقرت أبــدانهم في اللحــود،

وذهبت أرواحهم إلى الملكوت.د مـــا فعلـــه البعض من تقييـــد األبحـــاث ولم يكن من الجيــول ــل علم األص ــطلحات، وجع ــابهات من المص ــولية بالمتش األصة ببعض العلــوم. عرضــة الصــطالحات مجعولــة ومصــطنعة مختصــــورد ــتي هي م ــة، ال ــة العرفي ــان من األفضــل لهم التكلم باللغ وك تفاهم العقالء، ال باالصــطالحات الغريبــة والمتشــابهة الــتي يلتبس أمـــر فهمهـــا ودركهـــا حتى على األذكيـــاء من أصـــحاب تلـــك

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد161هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

المصــطلحات، وتوقــع المــراجعين والمــزاولين لتلــك األبحــاث فيفيــه أن اإلحراجات. وكــان يجب على مدرســي علم األصــول ومؤلــوم األخــرى، ــة للعل ــا بالمصــطلحات الغريب ــترزوا عن اختالطه يح كالمنطق والفلسفة، والتي كــانت مبهمــة في تلــك العلــوم أيضــا،ــك ولدى أصحابها، حيث وقع الكالم والخالف حولها عند أصحاب تل العلوم، واحتاروا في تفسيرها ومعناها، فكيف بــاآلخرين. ولكن لم يتحقق هذا األمر، وجرى األمر على خالفه. وكانت الطامة الكبرىــة أصــحابها ــريب لزعام ــلوك الغ ــذا الس ــتي نهجت ه أن الكتب ال أصــبحت كتبــا درســية مــورد تــداول واســتعمال الطالب، فــوقعت

المشكالت العظام والمعضالت الجسام. فمسائل العلوم التصورية التي لم تكن متسالمة لدى العقالء ال يمكن قبولهــا إال مــع أدلــة مقبولــة. ولــذا ال يمكن االعتمــاد على المســائل الــتي تطــرح في هــذه العلــوم، واإلصــرار على تنقيحهــا ورفع إبهاماتها واختالفاتها، وذلك في علوم غــير علومهــا. وليســت هي وحيا منزال حتى نتوقــف عن الفكــر والبحث في تلــك العلــوم،ــاث ــذه األبحـ ــدم تنقيح هـ ــل عـ ــا؛ ألجـ ــارى في نتائجهـ ونبقى حيـ واالصطالحات. فــإن أمكن تبيينهــا بشــكل واضــح بعيــد عن الشــك بأقل جهد فهو، وإال فال حاجة إلى سلوك مسالك العلوم التصورية المصــطنعة من جــانب اإلنســان الضــعيف المتعــرض لألخطــاء والزالت، والــذي ال يســتلزم كــل مــا يقولــه علمــا وال عمال، وتــركــة المتســالم المسالك البديهية العقلية والطرق المعروفــة الطبيعي عليها عند العقالء التي وهبها الله لهم. فال يجب في أبحاث العلومــة، كــالمنطق الــتي لم تســتند إلى متســالمات لي التصــورية والتخي الشرع والعقالء، اإلصرار والتكلف، بل التهالك والتفاني، من أجــلــانت من ــا إذا ك ــا؛ فإنه ــبهاتها، واختالفاته ــاتها، وش ــر غموض تحري

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد162هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

الحقائق الناصعة فال يمكن أن تخفيهــا الســحاب، فتظهــر من عنـد أنفسها، وإذا كانت من المكتومات التي كتمها الخالق سبحانه عنــتي هي اإلنسان فال يمكن حلها بهذه الجهود القاصرة والحقيرة، ال

مستقلة عن الخالق سبحانه وتعالى ووحيه وشريعته. وقد وصل التقليد للعلوم التصورية عند المتأخرين إلى درجةســين والشخصــيات كبــيرة، حتى شــوهد أن بعض الكتب والمدر يســتعمل اصــطالحاتها في كالمــه وحواراتـه وكتاباتـه؛ ليحصــل لــهن. فمثال: يتكلم أو يكتب في كتابــه طبقــا ألشــكال القيــاس التمــر األربعة، أو يقول: هذه القضية ممتنعة، أو هــذا باإلمكــان العــام، أو هذان األمران من قبيل المثلين، أو من قبيل المتخالفين، وغيرهــا،ــذا ويقصد معانيها التي ذكرت في العلوم التصورية، ويتصور أنه به

ر والتعقل والعلم. األسلوب يمكن أن يصل إلى قمة التفكــة والفلســفية في والحقيقة أن دخول االصــطالحات المنطقي األبحاث األصولية أو العلوم األخرى لم تخـدمها، بـل ولدت الخلـط وااللتبــاس في أبحاثهــا، وزادت في مشــاكلها، ولم تحــدث تطــورا وتحوال في العلوم، ســواء دخلت في علم الكالم أو علم األصــول. وما كان المفروض أن تفعل شــيئا؛ ألنهــا اصــطالحات وتقســيمات ومفاهيم في سبيل االستدالل، ال غيره، وهي ما جاءت لتحل محل مسائل العلوم وقواعدها، بل لتيسير االستدالل فيها. والسبب فيــك تهم وحظهم من ذل ــ ـة حص ــاحثين وقلـ ــا إفالس بعض الب مجيئه العلم، باإلضافة إلى الدعايات البراقة للعلوم التصــورية وأصــحابها

ودعاتها، وما ترفع هذه العلوم من شعارات. ومع وجود هذه النواقص في البين ينبغي أن يصــرف جماعــة من ذوي البصــائر واأللبــاب، من الــذين لهم اســتقالل في الفكــر،ــدال في المشــي، شــطرا من أعمــارهم ــات في النفس، واعت وثب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد163هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

لدراســة أبحاثهــا وشــبهاتها على الكفايــة، وبعيــدا عن التقليــد، ليتمكنوا من إبطال بعض االدعــاءات الكبــيرة والمبــالغ فيهــا الــتي تدعيها بعض هذه العلوم، والتي يمكن أن تكون محل افتتان بعض بسطاء النفوس، ومن ليس له معرفة مسبقة، وفرغ ضــميره منــتي يمكن كل علم، ولسد الشبهات التي يمكن أن تحصل منهــا، ال

أن تهدد الفكر واالعتقاد في المجتمعات اإلسالمية. وفي حدود القرن السادس الهجري ظهرت حالة علمية لدىــة اإلخفــاء واإلضــمار فين وأصــحاب الفكــر، وهي حال بعض المــؤل للمعــاني في الكتابــة، وتعميــة معــاني الكالم، واســتعمال أســلوبــل: إن اللغز في الجمل والعبارات. وكان سبب ذلك عدة أمور، مث الكاتب بما أنه يعرض فكره ورأيه وبضــاعته أمــام المجتمــع، وهــو محل منافسة وتسابق بين الرقباء، وفيهم من ال يضمر لــه الخــير، ويبطن الحسد، وال يحب أن يرى ألحــد تقــدما وثقال في المجتمــع، وأن يظهر بمظهر العلم والكمال، لذا كان الكاتب؛ لكي يسد علىــا؛ لكي ال ــه ويجمله ــارات كالم ــداخل اإلشــكال، يبهم عب نفســه م يستطيع أحــد أن يعــترض على مرامــه بســهولة، ويستشــكل على كالمه. وبهذا الشكل كان يغلق على نفسه باب اعــتراض النفــوسخــذ من أســلوب قة، والــتي ال تريــد لــه الخــير والصــالح، ويت الضــي اإلجمال واإلبهام مانعا وعائقا وترسا لحفظ الكــاتب من األخطــار؛ث بهــذه ـه كــان يحب أن ال يســتهان بعملــه، فكــان يتشــب ـ أو أن الطريقــة؛ لكي ال يتمكن المراجــع أن يفهم مطالبــه بيســر، وأن الــاني تحتقر مكانتها ووزنها، بل تتعاظم؛ أو كان يرى الكــاتب أن مع الكالم إذا كانت بين الوضوح والخفاء والظهور واإلجمال كان ذلــك أوقع في النفوس، وأحسن في الحفظ، ويقع بشكل أفضــل محــل

عناية واهتمام.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد164هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

وهــذه المــوارد الصــحيحة وأمثالهــا كــانت من عوامــل هــذه الحركة. والكالم هو في ازدياد هذا األسلوب وطغيانــه، الــذي كــان عامال لهدر الطاقات والنفوس واألجيال، وتضييع أهــل الفضــل منــاء الجهــل والظالم في المجتمــع. الناشــئين، وانعــدام العلم، وإحيــا أن نســتبدل العلم بمســائل صــغيرة وتافهــة إلى فهــل يجــدر لنــا عــراك ونــزاع ال مسائل غريبة وغامضة للغاية، يقع من أجل حله نهاية له، ويستلزم حلها ـ لو أمكن ـ صــرف أوقــات كثــيرة، وهــدر فرص جسيمة، بل ال يرجى لحلها النور، وتترك على ما كانت عليه

من اإلبهام في ليلها المظلم الديجور. فظهر أن من مشــاكل العلــوم التصــورية لــدى أصــحابها هــوــور ــع أم ــتي هي في الواق ــطالحات، ال ــود على االص د والجم التقي توافقية مرتبطــة ببعض األصــناف واألزمــان، بــل األشــخاص، وهي تختلــف معنــا من صــنف إلى صــنف، ومن زمــان إلى زمــان، ومنـر البــاحثون، وربمــا يشــتبهون في ـ شــخص إلى شـــخص، فيتحي المقصود والغرض منـه، ويصـعب عليهم تحديـد المقصـود من بين المحتمالت الكثيرة، والمعاني المتصــورة لهــا، فتتفــاوت الكلمــات وتتهافت، ويسخن النزاع والنقاش، وتكثر اآلراء والكلمــات، بحيثــه، من أن موضــوع علم ــا نحن في ــا في م ــد وال تحصــى، كم ال تع

األصول هو الذي يبحث عن أعراضه الذاتية.ــا ــول لهم: أيتهـ ــترض، ويقـ ــترض عليهم المعـ ويمكن أن يعـ الجماعات المتنافرة، والفرق المتنازعــة المتنــاحرة، أنتم مــا زلتمــتعمال الكالم ــ ـة اس ــ ـ ــاجزين في كيفي ــ رين وع ــوقفين ومتحي ــ مت واأللفـــاظ، فكيـــف تريـــدون الوصـــول إلى حـــل المعـــاني وفهمــاظ أن ــتعمال األلف ــن التكلم واس المــرام؟! فينبغي لمن ال يحس يتعلم ذلك أوال، ثم لو قـدر على ذلــك وأثبت مهارتــه أن يتكلم عن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد165هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

المعاني واألسرار. إن اصطالحات العلوم التصورية صارت كاألغالل والسالسل،ــتفادت من ــتي اس ــوم ال ــورية والعل ــوم التص ــاث العل دت أبح فقي اصطالحاتها، ومنعتها من التقدم والكمال، وكانت سببا في تأخرها وعنائها، ومعاناة المراجعين لها. فكثــير من الــذين اسـتعملوا هــذهــا، ولم يقفــوا حقيقــة على مفاهيمهــا االصطالحات لم يفهموها حق التي شابها الغموض، فكان استعمالهم لها لتكرير النظــر وإعمــال الفكــر فيهــا، أو إلحــراج اآلخــرين وتعجــيزهم، أو للتظــاهر بمظهــر العلم والقدرة والفهم، وإجبار المراجــع على االعــتراف بالعظمــة،

ولتسويق بضاعتهم واالزدياد في ثمنها، أو تماشيا مع الوضع.ــف عــدة ــة أو تعري ــو اســتعملت في جمل ــاقم الوضــع ل ويتف مصطلحات أو عبارات ذات معان متعددة ومختلفة، وذلــك بشــكلحة ومعينـة للمقصـود منهــا، مـوجز، ومن دون نصـب قرينـة موضـ لالحتمــاالت حيث كان يتعمى المعنى، ويصير لغزا وطلســما، محال

المختلفة والمعاني المتفاوتة.

الهوامش

إرث الزوجة من العقارقراءة جديدة للنص القرآني

*(*()الشيخ خالد الغفوري

ــة فقــه أهــل)*(*( أستاذ في الحوزة العلمية، ورئيس تحرير مجل ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد166

هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

مقدمةوهي تشتمل على أمرين:

األمــر األول: بيــان االتجاهــات واألقــوال في المســألةومسارها التاريخي

ــائلإن ـ 1 ــار من المس ــة من العق ــألة حكم إرث الزوج مس التي اختلفت فيها وجهات النظر بين المدرسة اإلمامية والمدرسة

السنية اختالفا شديدا، وصل إلى حد النفي واإلثبات.ق بين الـزوج والمعروف تاريخيا أن المدرسـة الســنية ال تفـر والزوجة في أنهما يرثــان بعضــهما البعض من جميــع مــا تــرك، بال

فرق بين العقار وغيره.ـة عــدم التســوية بينهمــا. ـ في حين اختــار مشــهور اإلمامي ويتلخص موقفهم إجماال بأن الزوجة ال ترث من األرضين بــالمرة،

وسوف يأتي مزيـدال عينا وال قيمة، وترث من البناء قيمة، ال عينا.تحقيق لهذه النقطة الحقا.

ـ ثمة تباين في وجهات النظر بين فقهاء اإلمامية في بعض2 ل والحــاالت، بــل في أصــل الحكم أيضــا. واآلراءيالقيــود والتفاصــ

التي طرحت من قبل اإلمامية هي: عــدم حرمــان الزوجــة من إرث العقــار، والالقول األول:

.(199)فرق بينها وبين الزوج في ذلك. واختاره ابن الجنيد اإلسكافيــاني: ــول الث حرمــان الزوجـــة من إرث أرض الـــدورالق

والمساكن عينا وقيمة، وتوريثهــا من قيمــة األبنيــة، وأمــا في غــير ذلك فترث من أعيانها، حتى البساتين والضــياع. وهــذا مــا اختــاره

. (200)الشيخ المفيد في )المقنعة(

، من العراق.^البيت ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

167هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ــة من إرث العين، دونالقـــول الثـــالث: ــان الزوجـ حرمـ ،(202)، وأبــو الصــالح الحلــبي(201)القيمة. واختــاره الســيد المرتضى

.(203)وربما يستفاد من الشيخ الصدوق أيضا الزوجــة من إرث اختصاص الحكم بحرمــان القول الرابع:

العقار عينا وقيمة، ومن البناء عينــا، ال قيمــة، بالزوجــة الــتي ليس وأما ذات الولد فال تحرم من شيء من التركة.لها ولد من الزوج،

.(205) وهو المشهور بعده،(204)خ الطوسييواختاره الش الزوجــة من إرث العقــار الحكم بحرمــان القول الخامس:

عينا وقيمة، ومن البناء عينا، ال قيمة، مطلقــا، ومن دون تخصــيصــزوج. ــد من الـ ــا ولـ ــتي ليس لهـ ــة الـ ــبالزوجـ ــاره الشـ خي واختـ

.(207)، وهو األشهر بين متأخري المتأخرين(206)الطوسي التفصــيل بين ذات الولــد فــترث منالقــول الســادس:

العين، وغـير ذات الولـد فـترث من القيمـة. ويمكن اسـتفادته من .(208)الشيخ الصدوق أيضا

ــة حــول هــذه3 ـ وأخيرا ثــار الجــدل داخــل المدرســة اإلماميــانون ــر الق ــرة التشــكيك على أث ــد، ودخلت دائ المســألة من جدي الجديد الذي تم تصويبه في مجلس الشورى اإلسالمي في إيران، وأحيي البحث فيها مــرة أخــرى، وبــدأ الحــوار يــدور في األوســاطــزوج ــالفرق بين ال ــل ب ــرأي القائ ــة ال ــدى وجاه ــول م ــة ح العلمي

والزوجة في اإلرث، وحرمان الزوجة من العقار. ـ لقــد كــان القــانون المــدني اإليـراني تابعــا لــرأي مشــهور4

فقهاء اإلمامية، الذي يــذهب إلى عــدم ثبــوت تــوريث الزوجــة منــه قــد تم أخــيرا تصــويب القــانون التــالي جميــع تركــة زوجهــا، لكن من الــزوجين يــرث من جميــع أمــوال ــة ســاحقة: »إن كال وبأكثري اآلخر، وفي حالة عدم وجــود وارث آخــر ســوى الــزوج أو الزوجــة

يرث كل منهما جميع ما ترك اآلخر«. ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد168

هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــة ولم تحســم بعــد، والدراســات ثم إن المسألة ال تزال طري الحديثة قليلة جدا. وتــأتي دراســتنا هــذه في إطــار تفعيــل الحــوار النظري؛ من أجل الوصول إلى بلــورة الموقــف بإحكــام، لكن من

خالل التركيز على النص القرآني الشريف.

األمر الثاني: البيان اإلجمالي للنص القرآني لم يرد في هذا الخصوص نص قرآني صريح، نفيا أو إثباتا، إالع فيـه أصـل إرث ر ـه يمكننـا أن نعـود إلى النص األول الـذي شـ أن

األزواج، فنفيد منه كمحور ومرتكز في معالجة هذه المسألة. ولكم نصف مــا﴿ والنص القرآني المحوري هو قوله تعالى:

ــان لهن ولــد إن ك تــرك أزواجكم إن لم يكن لهن ولــد فــا أو دين ــ ا تركن من بعد وصية يوصين به بع مم فلكم الرإن كــان ــد فــ ــركتم إن لم يكن لكم ول ا ت ــع مم ب ولهن الرون ية توصــ ا تركتم من بعد وصــ لكم ولد فلهن الثمن مم

.(12)النساء: ﴾ بها أو دين... حـول النص المزبـور،ومن المناسب أن نشرع ببيان إجمالي

وذكر بعض المعلومات العامة قبل الخوض في صلب البحث:ــة الشــتاء1 ــة بآي ــ لقــد ســميت هــذه اآلي لنـــزولها في؛(209)ـ

هــذه؛أحــدهماالشتاء، حيث نزلت في بيان حكم الكاللــة آيتــان: ميت، (210) في آخر سورة النساءوالثانية نزلت في الصــيف، فســ

.(211)بآية الصيف : تنــاولاألولوهــذه اآليــة تشــتمل على مقطعين رئيســين:

: تناول أحكام كاللة األم.والثانيأحكام األزواج؛ لهــذه (212)ـ بعدما ذكر سبحانه وتعالى ــ في اآليـة الســابقة2

ن ما يتعلق اآلية ـ الموجب األول لإلرث، وهو النسب والقرابة، وبي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد169هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ــام، ــدين وبعض األحك ــهام األوالد والوال ــو س ــة األولى، وه بالطبقن عز وجل في هذه اآلية المباركــة موجبــا آخــر، كحجب اإلخوة، بي وهو السبب؛ فذكر قسما منه، وهي الزوجية، واآليــة تنص على أن كل واحد من الزوجين يرث من اآلخــر في جميــع الحــاالت، ولكــل منهمــا نصــيبان: أعلى؛ وأدنى، فللــزوج النصــف والربــع، وللزوجــةــ وهــو النصــف ــع والثمن، وال يحجبهمــا عن النصــيب األعلى ـ الرب

للزوج والربع للزوجة ـ إال الولد.نتهــا هــذه فيتحصل أن مجموع صور إرث الــزوجين أربعــة، بي

اآلية مفصال، لكل واحد منهما صورتان. ــ والــزوج إنمــا يـرث من زوجتـه في الصــورتين بعــد وفـاء3

الدين وإخراج الوصية التي توصي بها الزوجة، فإذا فضل بعد ذلكشيء يخرج منه السهام، ومنها سهم الزوج.

وكذا الزوجة إنما تـرث في الصــورتين من تركـة زوجهـا بعـد.(213)وفاء الدين وإخراج الوصية التي أوصى بها الزوج

ـ كما ذكرت اآلية في باقي مقاطعهــا بعض األحكــام، وهي:4 أحكام الطبقة الثانية، وهم اإلخوة واألجداد، والمراد في هذه اآلية بيان حكم اإلخوة واألخوات من األم، أي كاللة األم. كما ذكرت أنر ــر ــة لتض ــة على اإلرث إذا لم تكن موجب ــذة ومقدم ــية ناف الوص الورثة. كما يحتمل شمول هذا القيد للــدين أيضــا، ولســائر مــوارد

اإلرث.ـ وتجدر اإلشارة إلى أمرين:5

إن هذه اآلية قد ختمت بياناتها بالتأكيد على ما جاءأولهما: فيها من األحكام، فإنها شرعت من قبل الله العليم بمصالح العباد

والمطلع على عباده ويعلم نياتهم.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد170هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

لقد تال هذه اآليــة جملــة من اآليــات المرتبطــة بهــاثانيهما: ارتباطا كامال، والتي حث فيها على امتثــال أحكــام اللــه وحــدوده،

وحذر فيها من المخالفة والعصيان.

تفصيل البحث إن ظــاهر اآليـة ثبـوت الربـع والثمن للزوجــة من كـل شـيء تركه زوجها، كالنصف والربع له مما تركت زوجته، من دون فــرق

بين نوع المال المتروك. وهو موضع اتفاق بالنسبة إلى الزوج؛ فإنه يــرث من كــل مــاــل تركت زوجته، وأما بالنسبة إلى الزوجة فإن األمر كذلك عند أه السنة، فالزوجة عنــدهم تــرث من جميــع تركــة الــزوج. وهــذا هــو

المعروف بينهم.د ــا يؤك إال أنه ورد في بعض النقول التاريخية غير المتداولة م ذهــاب بعض أهــل الســنة إلى خالف ذلــك، وموافقــة الموقــف المعروف لدى اإلمامية. فقد نقل ابن أبي الحديد المعــتزلي خــبراــليمان، يدل على أنه ذهب إلى ذلك عبد الملك بن مروان وابنه س

دخــل عمــر بن عبــد العزيــز على ســليمان بن عبــد الملــك»قال: وعنده أيوب ابنه ـ وهو يومئذ ولي عهــده قـد عقــد لــه من بعــده ـ فجاء إنسان يطلب ميراثه من بعض نساء الخلفاء، فقال سليمان: ما أخال النساء يرثن من العقار شيئا، فقال عمر بن عبــد العزيــز: سـبحان اللـه، وأين كتــاب اللـه؟! فقــال ســليمان: يـا غالم، اذهبــك فاتني بسجل عبد الملك الذي كتب في ذلك، فقــال عمــر: لكأن

فقال أيوب بن ســليمان: واللــه، ليوشــكن أرسلت إلى المصحف. الرجل يتكلم مثل هذا عند أمير المؤمــنين فال يشــعر حتى يفارقــه رأسه، فقــال عمــر: إذا أفضــى األمــر إليــك وإلى أمثالــك كــان مــا

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد171هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

يدخل اإلسالم أشــد ممــا يخشــى عليكم من هــذا القــول، ثم قــام.(214)«فخرج

واستنتج بعض المحققين من هذا الخــبر وجــود القــول بعــدمــابعين، حيث علق على توريث الزوجة من العقار بين الصحابة والت

ومن الجــدير بالــذكر أن اختصــاص عبــد الملــك»هذا الخبر بقوله: وابنه ســليمان بهــذا الحكم، دون أن يشــاركهما أحــد من الصــحابة والتابعين، بعيد جدا، فقد كاد يوجب اليقين بوجود هــذا القــول بين عدة من الصحابة والتابعين، ولكنهم انقرضوا؛ فإن عبــد الملــك لم

؛ للمقاطعة الموجودة بين^يستفد هذا الحكم من أئمة أهل البيت بني هاشم وبني أمية. وذهب جمهور أهل السنة إلى عدم حرمــانــة الزوجة، وأنها ترث من جميع تركــة زوجهــا، ووافقهم من اإلمامي

.(215)«ابن الجنيد اإلسكافي، ومال إليه بعض أعاظم العصر

تعليق إن تبدل الرأي الفقهي للفقيه الواحد أو للمدرسة كافة ليس باألمر المستحيل عقال، بل هو ممكن وواقع في بعض الحاالت، إال أنه من المستبعد جدا أن ينقــرض الــرأي بــالمرة، بحيث ال ينســبــه ــدة، وال في رأي فقهي. وعلي ــة واح ــحابة، وال في رواي إلى الصــا ال نقطـع بعــدم فيصعب التعويــل على هــذا الخــبر حينئــذ، وإن كن

صحته.ــار من ــة من العق ــان الزوج ــدم حرم ــد ذهب إلى ع ــذا وق ه

ـ القاضى المغربي(216)اإلمامية ـ مضافا إلى ابن الجنيد اإلسكافي . وســكت بعض(217)في )الدعائم(، الــذي ادعى إجمــاع األمــة عليه

ــا، كعلي آخر عن التعرض لهذا الحكم، فلم يذكروه، ال نفيا وال إثبات

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد172هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

بن بابويه، وابن أبي عقيل العمــاني، وســالر، والمحقــق الطوســيفي )الفرائض النصيرية(، وغيرهم.

ــة شــهرة ومهمــا يكن من أمــر فــإن المشــهور لــدى اإلمامي هو حرمان الزوجــة من العقــار،ظيمة ـ بل ادعي عليه اإلجماع ـ ع

وتخصيص آية األزواج أو تقييدها بالنسبة إلى الزوجــة بمــا ورد في الدالــة على حرمــان الزوجــة من(218)السنة بطــرقهم من األخبــار

ــا قيمــة، ال األرض والدور عينا وقيمة، دون البناء وآالته، فترث منه ولهم في ذلك تفصيالت وقيــود وتفريعــات كثــيرة. وبــات.(219)عينا

.(220)ذلك موقفا معروفا لإلمامية ومن متفرداتهم ومن هنا انفتح البحث في كيفية تخــريجهم هــذه الفتــوى في

ضوء القرآن والسنة.ــة األزواج ـ ــ كآي ويقال عادة في هذا الشأن: إن آيات اإلرث ـ دالة على توريث الزوجة من جميع التركة؛ وذلك لإلطالق، بيــد أنــده ببعض ــذ من تقيي ــانع حينئ ــد، فال م ــل للتقيي ــذه اإلطالق قاب ه

، والــتي دلت على حرمــان^الروايات الواردة عن أئمة أهل البيتدات والمخصصات للكتاب الزوجة من بعض التركة، وما أكثر المقي

من السنة. ــا ومن أجل تقويم هذا االستدالل البد من مراجعة األدلة، كتاب

وسنة، وتحليلها بدقة.ــا ــ ــا، وإنم ــ ــل وعمومه ــ ــات اإلرث، ب ــ وال بحث في إطالق آيــة على حرمــان اإلشــكالية المهمــة هــو ورود بعض الروايــات الدالــل وفي بعضــها ــ ب الزوجــة من بعض اإلرث، كالعقــار واألراضــي ـ السالح والدواب ــ، على اختالف في ألســنتها وفي اشــتمالها على بعض البيانات اإلضافية، كــذكر تعليــل الحكم وبيــان وجــه الحكمــة

فيه، من قبيل: ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

173هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

،×ـ ما رواه ميسر بياع الزطي، عن أبي عبد اللــه الصــادق1 قال: سألته عن النســاء مــا لهن من المــيراث؟ قــال: »لهن قيمــة الطــوب والبنــاء والخشــب والقصــب، فأمــا األرض والعقــارات فال

.(221)ميراث لهن فيه...« قـال: »النسـاء ال يـرثن، ×ـ ما روي عن أبي جعفـر البـاقر2

.(222)من األرض، وال من العقار شيئا« : »تــرث×ـ ما رواه محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله3

قــال: قلت: كيــف وال ترث من الرباع شــيئا«.،(223)المرأة الطوب »ليس لهــا منــهترث من الفرع، وال ترث من الرباع شيئا؟ فقــال:

ــرث نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم، فترث من الفرع، وال ت.(224)من األصل، وال يدخل عليهم داخل بسببها«

ــان علــةأقول: لقد اشتملت هذه الرواية في آخرها على بيــه، وهي: لكي الحكم بعدم توريث الزوجة من العقار أو بيان حكمتتها من العقــار مــع ال تتزوج الزوجة بــزوج آخــر، وتســكن في حصــ سائر الورثة من أقارب الزوج، وهو أمر يثقل على أهل الزوج، وال

سيما في البيئة العربية آنذاك.المناقشة

ـ إن هذه الطائفــة من الروايــات معارضــة بطائفــة أخــرى،1 وهي الروايات الدالة على إرثها من جميع تركة الزوج بـاإلطالق أو الصــراحة ـــ وفي بعضــها التفصــيل بين ذات الولــد وغيرهــا ــ، من

قبيل:ــاس قــاال: قلنــا1 ـ معتــبرة عبيــد بن زرارة والفضــل أبي العب

ــد×ألبي عبد الله : ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وق فرض الصداق؟ قال: »لها نصف الصــداق، وترثـه من كــل شــيء،

.(225)وإن ماتت فهو كذلك«

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد174هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ـ موثقة الفضــل بن عبــد الملــك وابن أبي يعفــور، عن أبي2 ، قـال: ســألته عن الرجــل هــل يـرث من دار امرأتـه أو×عبد الله

أرضها من التربة شيئا أو يكون في ذلك بمنزلــة المــرأة، فال يـرث من ذلـــك شـــيئا؟ فقـــال: »يرثهـــا وترثـــه من كـــل شـــيء تـــرك

.(226)وتركت«ــد أعطين منـ عن ابن أذينة: 3 »في النساء إذا كــان لهن ول.(227)الرباع« ـ واألهم من ذلك كله هو معارضتها مع الكتاب في مواضع،2وهي:

ــل البحث: 1 ــة مح ــالى في اآلي ا﴿ـ قوله تع بع مم ولهن الرــد فلهن ـان لكم ول إن كـ ــ ــد ف ــركتم إن لم يكن لكم ول ت

ا تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين .﴾الثمن مما تــرك الوالــدان﴿ ـــ قولــه تعــالى:2 يب مم جال نصــ للر

ا ترك الوالدان واألقربون واألقربون وللنساء نصيب مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا .(7 )النساء: ﴾مم

ا ترك الوالدان﴿ ـ قوله تعالى:3 ولكل جعلنا موالي مميبهم ــ آتوهم نص دت أيمــانكم فــ ــون والذين عقــ ﴾واألقرب

ويتم االستدالل بالفقرة األولى أو بــالفقرة األخــيرة.(33)النساء: بناء على بعض الوجوه في تفسيرها فتكون اآلية شاملة لألزواج.

الموقف األصولي من إشكالية المعارضة مع الكتابــوم ــيص عم ــلمين في تخص ـه ال خالف بين المس ـ ــ اعلم أن أـ الكتاب بالخبر المتواتر؛ نظرا لكون أحد مجاالت السنة هو تصديها لشرح وبيان الكتاب وتفصيل مــا جــاء بــه من تشــريعات وأحكــام.ص وليس هناك ما يمنع من تخصــيص الكتــاب بهــا مــا دام المخصــ

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد175هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ــه بهــذا بمنزلة القرينة الكاشفة عن المراد من العــام. والظــاهر أن المقـــدار موضـــع اتفـــاق المســـلمين. ولـــذلك أرســـلوا إرســـال

المسلمات إمكان تخصيص الكتاب بما تواتر من السنة.ــد. ــبر الواح ــتي تثبت بخ ولكن موضــع الخالف في الســنة ال

والمعروف أن هناك ثالثة آراء: عدم جـواز ذلــك مطلقـا، مهمـا كـانت درجــةالرأي األول:

الصحة في الخبر؛ ألن الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني.صالرأي الثاني: جواز ذلك مطلقا، وأن خبر الواحــد يخصــ

.(228)عام الكتاب كما يخصصه المتواتر. وهذا ما عليه الجمهور بين أن يكــون العــام الكتــابي قــد التفصــيل الرأي الثالث:

ــا، فيجــوز خصص من قبل بقطعي، حتى صار بذلك التخصيص ظنيص فال يصــح. وهــذا مــا تخصيصه بخــبر الواحــد، وبين مــا لم يخصــ

.(229)اختاره الحنفيةــار اآلحــاد ــد بأخب ــال عن التقيي ــال عن التخصــيص يق ومــا يق

لمطلقات الكتاب. والحديث فيهما واحد.ضح الموقف تجاه األحاديث النافيــة إلرث الزوجــة ومن هنا ات

من العقار: فبنــاء على الــرأي األول ال يصــح أن تكــون مخصصــة آليــات

.اإلرث؛ لعدم كونها قطعية الصدور فال يمكن الجمع بينها وبين آيات اإلرث. ويقع التعارضوعليه

حينئذ، ويكون التقديم للكتاب؛ لكونه قطعيا، على تلــك األحــاديث؛لكونها ظنية.

وأما بناء على الرأي الثالث ـ وهو مختار الحنفية ـــ فحيث إنص من قبــل بقطعي فكــذلك ال يصــح أن العــام الكتــابي لم يخصــ

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد176هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

تكون تلك األحــاديث مخصصــة آليــات اإلرث، بــل ســيأتي بيــان أنلسان آيات اإلرث لسان حاسم وقاطع.

وأما بناء على الرأي الثاني فقد يقال بأنه يمكن قبول دعــوىالتخصيص.

إال أن ذلك ال يصح؛ وذلك لكون دعوى التخصيص إنمــا تكــون مقبولة فيما لو كانت داللة الدليل العام القرآني من باب الظهور،ا في الحكم. ففي مثــل ال فيما إذا كانت داللة الدليل القــرآني نصــ

العموم الكتابي مما ال يقبل التخصيص ـهذه الحالة ال شك في أن ــ، ــه ـ ل قرينــة علي لكونه نصا في مدلوله ال يحتمل الخالف وال يتقبن القول بإسقاط الخبر وتكذيبــه؛ الســتحالة صــدور التنــاقض فيتعي من الشارع، وحيث إن الكتاب مقطوع الصــدور ومقطــوع الداللــة

ن لذلك طرحه. فالبد أن يكون الكذب منسوبا إلى الخبر، ويتعي

بيان وجه المعارضةويمكن توضيح وجه المعارضة بعدة بيانات، أهمها:

البيان األول إن هــذه المعارضــة بين الروايــات النافيــة إلرث الزوجــة من العقار وبين آية األزواج ـ اآلية األولى ـ ليست بمستوى التخصــيصــه ال محــذور فيــه؛ إذ يمكن تقييــد أو تخصــيص والتقييــد، ليقــال بأن عمومــات الكتــاب الكــريم بــالخبر الصــحيح، كيــف ومجمــوع هــذه األخبار قد يبلغ حد االستفاضة؟! بل إن هــذه المعارضــة بمســتوىــرث من المخالفة لظهور قوي كالصريح؛ ألن الزوجة إذا كانت ال تــع والثمن ــل ســهمها عن الرب ــة ســوف يق ــار شــيئا فال محال العق للتركة، وتقييد ذلك بالربع والثمن مما ترث منه من التركة، ال كــل

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد177هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

التركة، وإن كــان يحفــظ عنــوان الربــع والثمن، إال أن هــذا عندئــذ يكون خالف مقام التحديد وتعيين السهام بالنســب والفــروض، أي يوجب اختالل الميزان للفــرائض والســهام، ويكــون أشــبه باأللغــاز

والتعمية حينئذ، وليس بابه باب التقييد والتخصيص.ــبين في«أكــرم العــالم»فكم فرق بين أن يقول أحــد: ، ثم ي

دليــل منفصــل أن مقصــوده غــير الفاســق من العلمــاء، وبين أن ، ثم«اجعلوا أموالي نصفين: نصفها لزيد؛ ونصــفها لعمــرو»يقول:

ــبين في دليــل منفصــل أن مقصــوده من نصــف«نصــفها لزيد»ي مالي المنقول فقط، ال كل أموالي؛ فإن هذا يوجب إلغــاء التحديــد

ن أوال عرفا، ال التقييد والتخصيص .(230)بالتنصيف البي ويتصــاعد دخــان المخالفــة للكتــاب العزيــز فيمــا لــوأقول:

شكل العقار نسبة عالية من التركة، أو فيما لــو انحصــرت التركــةبه فقط.

البيان الثاني ـ إن المعارضة بين تلك الروايات وبين اآلية الثانية معارضة1

مستقرة؛ لكون اآلية صريحة في اســتحقاق النســاء للتركــة، وقــدــة للنظــر، وقــد ــدات الملفت ــة على جملــة من التأكي اشــتملت اآلي

توزعت هذه التأكيدات على الفقرات األربعة من اآلية: أـ أما الفقرة األولى فإنها تكــرار للثانيــة، فــإن الجملــة الــتيرت في حــق بينت إرث الرجال بعينها، بتركيبها وألفاظها، قــد تكــر النساء، ممــا يــدل على أن التــوريث يثبت للرجــال والنســاء بنحــو

ــالى: ــال تع ــد، ق ــدان﴿واح ــرك الوال ا ت يب مم ــ ال نص جــ للرــدان ــ ــرك الوال ــ ا ت يب مم ــ ــ اء نص ــ ــ ــون وللنس ــ واألقرب

.﴾واألقربون

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد178هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

إن»فمن يعطي قرصـــا من الخـــبز ألوالده، فتـــارة يقـــول: للكبير نصيب،»، وأخرى يقول: «لجميع ولدي حقا في هذا القرص

؛ فــإن في هــذين التعبــيرين«ولألوســط نصــيب، وللصــغير نصــيبــو اســتحقاقهم ــا ه ــالمعنى المشــترك بينهم ــا، ف اشــتراكا واختالف للقرص، وأما االختالف بينهما فهو كون داللة التعبير األول مطلقــة من حيث بيــان وحــدة االســتحقاق كمــا وكيفــا، في حين أن داللــةــا، ــدة االســتحقاق كم ــان وح ــة من حيث بي ــاني مطلق ــير الث التعب وصريحة في وحدة االستحقاق كيفا. وهذا الشق األخير هو السبب

في استحكام المعارضة.ــان ــة في بي ــدل على المبالغ ــة فت ــرة الثالث ــا الفق ــ وأم ب ـ

ــالى: ــه﴿استحقاق التوريث من جميع التركة، قال تع ا قل من ممــر ــتحقاق﴾أو كث ــان االس ــة لبي ــانت كافي ــارة األولى ك ، إذ إن العب

للرجال والنساء، لكن مع ذلك نرى أن القــرآن لم يكتــف بالعبــارة المتقدمة، فأتبعها بعبارة أخرى، ومــا ذلــك إال لبيــان أن اســتحقاقــو ــا، وليس ه ــزء منه ــزء ج ــل ج ــة في ك ــال للترك ــاء كالرج النس استحقاق في الجملة، بل هو استحقاق للتركة بالجملة، فال مجــال

للتقييد والتخصيص جزما.ــة هــذا ج ـ وأما الفقرة الرابعة فهي ختم اآلية وإقفالها بحتمي القانون وحديته؛ فإن أنصبة اإلرث أنصــبة ثابتـة قـد تم تعيينهــا من

﴿قبل الله جل وعال، فال تقبل التغيير والتبديل، قال تعالى: يبا ــ نص. وسيأتي لهذه النكتة مزيد بيان، فانتظر.﴾مفروضا

ــاب، ال إرثال يقــــال: ــ ــة واردة في إرث األنسـ ــ إن اآليـاألسباب، فال تشمل األزواج، سواء أكانوا رجاال أم نساء.

ــرد على النظــرةفإنه يقال: ــة جــاءت في صــدد ال إن اآلي السائدة في المجتمع الجاهلي من التمييز بين الذكور واإلنــاث في

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد179هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

اإلنسانية، وفي الحقوق كافة، كما هو واضح تمام الوضــوح. وهــذاب، ولم يعتبروهــا ســ ــة الن ما فهمه المفسرون، فإنهم أهملــوا حيثي قيدا في داللــة اآليــة على المســاواة بين مطلــق الــذكور ومطلــق اإلنـــاث من الورثــة في اســـتحقاق التركـــة، ال خصـــوص الورثـــة

النسبيين.

البيان الثالثــة إلرث الزوجــة إن المعارضة مستحكمة بين الروايات النافي من العقار وبين اآلية الثالثة، بنـاء على االسـتدالل بـالفقرة الثانيـة

ــالى: ــه تع والذين عقدت﴿ من اآلية وشــموله لألزواج، وهــو قول ؛ حيث إن األمــر ورد بــدفع النصــيب﴾أيمانكم فآتوهم نصيبهم

لصاحبه كمال دون نقص، فمن اقــترض عشــرة دنــانير من شــخصــه إذا أدى إليه تسعة دنانير وثالثــة أربــاع الــدينار ال يصــدق عليــه أن أدى مـــا عليـــه من قـــرض. فـــاألداء ناقصـــا ليس أداء على نحـــو

الحقيقة، نعم، هو أداء مجازا.

المناقشة إنه يرد على هذا البيان عدم تمامية أصل دعوى شمول قوله

يبهم﴿ تعالى: آتوهم نصــ لألزواج.﴾والذين عقدت أيمانكم فــوتوضيح ذلك موكول إلى محله.

البيان الرابع ما تقدم هو بيان المعارضــة مــع بعض الفقــرات الــواردة في

ــان نقــول بأنه ــات اإلرث، لكن في هــذا البي في خصــوص بعض آي المقام ليست المعارضة بين حديث وآية حتى تحــل المشــكلة من

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد180هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

أو قاعــدة تقييــد المطلــق، خالل اللجوء إلى قاعدة تخصيص العام جــدا، بل المعارضة هنا مع عدة آيــات تشــتمل على أحكــام كثــيرة

مضافا إلى المعارضة مع السنة. فــإذا دار األمــر بين التخصــيص لجميــع األدلــة وبين عــدمــاني، وعــدم ــديم الث ــذ من تق ــا فال ريب حينئ تخصــيص شــيء منه

ارتكاب التخصيص بالمرة.ــة من وما نحن فيه من هذا القبيل، حيث إن نفي إرث الزوج ــة اإلرث، كتابــا العقار يســتلزم ارتكــاب التخصــيص للعديــد من أدل

وسنة، وإثباته ال يستلزم ارتكاب التخصيص لدليل واحد.

البيان الخامس إن البيانات المتقدمة لتقريب المعارضة اعتمدت على إثبـاتة تناف بين الدالالت الخاصة لتلك األحــاديث وبين الــدالالت الخاصــ لبعض آيات اإلرث. لكن سنحاول هنا اإلفادة من إثبات التنافي مع الداللة المجموعية المستفادة من مجموع آيات اإلرث، وليس منــة الداللــة خالل أخذها آية آية. ولقــد تنــوعت آيــات اإلرث في كيفي

على ما تضمنته من أحكام. وإليك هذه اآليات:ــه ــل: قول ــوم، من قبي ــة العم ــها دل على الحكم بدالل فبعض

ــالى: ــ ا تـــرك الوالـــدان﴿تع ولكـــل جعلنـــا مـــوالي مم (؛ فــإن )كــل( من أدوات العمــوم؛33 )النســاء: ﴾واألقربــون...

ــدان﴿ وقولـــه تعـــالى: ــرك الوالـ ا تـ م ــيب م ال نصـ ــ جـ للرــدان ــ ــرك الوال ــ ا ت م يب م ــ ــ اء نص ــ ــ ــون وللنس ــ واألقرب

؛ فــإن المعــروف أن الجمــع المحلى(7 )النســاء: ﴾واألقربون...ام﴿باأللف والالم يدل على العموم؛ وكذلك قولــه: وأولــو األرحــ

ــؤمنين ــ ــاب الله من الم ــ هم أولى ببعض في كت ــ ــ بعض ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

181هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

اجرين ــ ــزاب: ﴾ والمهـ ــ ــه: (؛6)األح ــ ــوا﴿ وقول إن الذين آمنـبيل الله هم في ســ ــأموالهم وأنفســ وهاجروا وجاهدوا بهم أوليــاء بعض والذين والذين آووا ونصروا أولئك بعضــيء حتى اجروا مــا لكم من واليتهم من شــ آمنوا ولم يهــ

والذين كفروا بعضهم أولياء بعض... وأولو*يهاجروا... 72 )األنفـــال: ﴾األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله

(.75ـ ــل: ــة اإلطالق، من قبيـ ــات دل على الحكم بداللـ وبعض اآليـ

ــل حــظ﴿ قوله تعــالى: يوصيكم الله في أوالدكم للــذكر مثــاء: ﴾األنثيين... ــه: 11 )النس ــرك﴿(، وقول ــا ت ف م ــ ولكم نص

ل ــ ـان رج ــركتم... وإن كـ ا ت ــع مم ب أزواجكم... ولهن الرــه أخ أو أخت... ــة أو امــرأة ول ــورث كالل (،12 )النســاء: ﴾ي

يستفتونك قل الله يفتيكم في الكاللــة إن امــرؤ﴿وقوله: ــرك )النســاء:﴾هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ت

176.) إن لسان بعض آيات االرث ـــ بــل كلهــا ـــ ليس فقــط لســانــا بيان للحكم الشرعي، بل ورد فيه بعض الخصوصيات التي تجعلن

ل االستثناءات أو التخصيصات بسرعة، ومنها: ال نتقبــه1 ـ البيان التام للحكم من خالل التصريح به والتنصيص علي

ال، وعــدم االكتفــاء بالتعويــل على ظهــور اللفــظ، من وذكره مفصــــالى: ــه تع ــل: قول ــدان﴿قبي ــرك الوال ا ت م ال نصــيب م جــ للر

ا ترك الوالدان واألقربون م واألقربون وللنساء نصيب مفروضا ا قل منه أو كثر نصيبا م (.7 )النساء: ﴾مم

ففي هذه اآلية نــرى أن القــرآن الكــريم لم يكتــف ببيــان أنن حكم ل وبي ــل فصــ لكل من الرجال والنساء نصيب من التركة، ب

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد182هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ــال: على حدة، وهم الرجال والنساء، فق كل من صنفي الورثة كالجال نصيب... وللنساء نصيب﴿ .أوال. هذا ﴾للر

إن المراد من ذكر الرجال والنساء الــذكور واإلنــاث،وثانيا: ــه قــانون للتــوريث يعم فيكــون تشــريع اإلرث شــامال للجميــع، وأن

ــة، كقولــه تعــالى: ا تــرك﴿الورثة كاف ولكل جعلنــا مــوالي ممــون ــدان واألقرب . والفـــرق بينهمـــا هـــو(33 )النســـاء: ﴾الوال

باإلجمال والتفصيل. ومن أجل قطع دابر الشك لم يقتصر الشارععلى البيان العام، فأردفه بهذا التفصيل.

ر ذكر المورث والمــوروث، ولم يكتــف ببيانــه فيوثالثا: كرــال: ــدان﴿الجملة األولى، فأعاد فقرة مرتين، فق ا ترك الوال م م

ا ترك الوالدان واألقربون م .﴾واألقربون... مــالورابعا: أتبع ذاك البيان بالتصريح بشمول الحكم لكــل م

ا قل منه أو كثر﴿متروك، سواء أكان قليال أم كثيرا: .﴾مموخامسا: ــا ن التأكيد على أن لكل وارث من هؤالء نصيبا معي

ال يمكن التالعب فيه. ومن الواضــح أن هــذا التعــيين هــو من قبــل﴿الله تعالى: فروضا .﴾نصيبا م

وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر اآليات؛ فإن كل واحــدة منهــا اشتملت على بعض الخصائص البيانية الــتي تنم عن ثبــات أحكــام اإلرث، وكونها من األحكام المهمة جــدا بنظــر الشــارع، وأنهــا من

األحكام الشاملة للجميع دون استثناء. ـ االعتناء بشأن أحكام اإلرث من حيث عدم االكتفاء ببيانهــا2

ن مقــادير الســهام على اإلجمال، بل ذكرها بصــورة تفصــيلية، فــبي وأصحابها وحاالتهم المختلفة: كحاالت األب مع الولد، ومــع عدمـه، وحاالت األم مــع الولــد، ومــع عدمــه، ومــع اإلخــوة، ومــع عـدمهم، وحاالت اإلخوة من كونهم لألب، أو لألم، وحاالت الورثة من ناحيــة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد183هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ـرد في أي االنفراد والتعدد، إلى غير ذلك من التفاصـيل الـتي لم تــات ــتبعاد التخصيص ــدعو إلى اس ــا ي ــوى اإلرث، مم ــر س حكم آخــام ــير اإلرث من األحك ــدا، بخالف غ ــدوديتها ج ــدات أو مح والتقيي الحافلة بورودها عليها، بــل لوالهــا لمــا أمكن االكتفــاء بالعمومــات والمطلقات، كما هو الحال بالنسبة إلى الصالة أو الزكاة، التي لم

يفصل القرآن في بيان أحكامهما.عة3 ـ تصدي القرآن لبيان أحكام اإلرث والتصريح بأنها مشــر

من قبل الله سبحانه. فعلى الرغم من أن جميع األحكام الشرعيةنة في الكتــاب العزيــز أو الســنة هي أحكام إلهية، سواء أكانت مبي الشريفة، إال أننا نجد في هذه اآليــة التأكيــد على أن أحكــام اإلرثنة من قبل الله تعالى، وأنها مثبتة عند اللــه، كمــا هذه صادرة ومبي

ــة: ــابير التالي ﴿نرى ذلك في التع فروضــا (،7 )النســاء: ﴾نصيبا من اللــه إن اللــه﴿و ة م يوصيكم الله في أوالدكم... فريضــ

ـان ذلـك في الكتـاب﴿و(،ــ 11 )النساء: ﴾كان عليما حكيما ك طورا ــاء: ﴾مســ ــل﴿(، و6 )النس ــه بك ــه إن الل ــاب الل في كت

يء عليم ــ ــاء: ﴾شـ ــ ــرك﴿(، و75 )النس ــا تـ ف مـ ــ ولكم نصـــه عليم حليم ــه والل ن الل ية م ــ ــاء:﴾أزواجكم... وص )النس

12.) يستفتونك قــل الله يفتيكم في﴿ بل تأمل قوله تعالى:

يء لوا والله بكـــل شـــ الكاللـــة... يبين الله لكم أن تضـــ إال أن، |(، حيث كــان الســؤال موجهــا للنــبي176 )النساء: ﴾عليم

الحق جل وعال تصدى لإلجابة، ولم يكتف بذلك، بل صرح بأن اللهن ذلك بأقصى درجــات البيــان والتوضــيح؛ كي ال يبتلى هو الذي يبي

ط. المكلفون بأي غموض وتخب

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد184هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ـــ التأكيــد على تطــبيق أحكــام اإلرث والــترغيب في ذلــك،4 تلك﴿والتحذير والتهديــد من عــدم إجرائهــا، الحــظ قولــه تعــالى:

ــه جنات تجــري وله يدخل ــه ورســ حدود الله ومن يطع اللوز العظيم ا وذلـك الفـ ار خالـدين فيهـ *من تحتها األنهـ

ــدا ــارا خال ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نهين ــذاب م ــه ع ا ول ــ ...﴿(، وقولـــه: 14 ـ 13 )النســاء: ﴾فيه

هيدا يء شــ ــه كــان على كــل شــ ﴾فآتوهم نصيبهم إن الل(.33)النساء:

ــة، وأنعمت النظــر فيهــا، فــأنت إذا الحظت هــذه اآليــات بدقــة بوضــوح، من خالل تعابيرهــا المختلفــة، على أن هــذه تجــدها دال األحكام ثابتة في كتاب الله، ال تتغير بنســخ أو تخصــيص أو تقييــد؛ حيث إن وصف أحكام اإلرث بأنها في كتاب الله، وأنهــا مســطورةــة، وتهديــد فيه، وأنها فريضة من الله، وترغيب الممتثــل لهــا بالجن المخالف لها بالعذاب، كل ذلك يدل على ثبات أحكام اإلرث وعدم

رها بأي نحو من أنحاء التغيير. تغي

إشكال إن هذه الدعوى تتنافى مع ما ورد من بعض التقييدات آليات اإلرث، من قبيل: ما دل على موانع اإلرث، وهي: الكفــر؛ والقتــل؛

والرق.

الجوابــر يختلــف حالــه عن محــل البحث؛ وذلــك ألن1 ـــ إن مــا ذك

ـة، بـل بين جميـع المـذاهب فتـوى الموانع محل وفـاق بين اإلمامي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد185هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

قــد تصــدى لبيــان هــذا الحكم. في|ورواية. مضــافا إلى أن النــبي.(231)حين ال نجد ذلك في مسألة حرمان الزوجة من العقار

ـة اإلرث ليســـت هي2 ــ ـة الموانـــع الى أدل ــ ــــ إن نســـبة أدل التخصيص أو التقييد، بل هي من باب الورود؛ فإن الممنوع خــارج تخصصا، كما هو واضح. وليس كذلك أدلة حرمان الزوجة لــو تمت

في نفسها. وحال أدلــة الموانــع حــال أدلــة اســتثناء الــدين والوصــية من

التركة؛ فإنها ليست من باب التخصيص، كما توهمه بعض.

محاولة لحل هذا التعارضــرفي بين األحــاديث ــه بعــد إثبــات عــدم إمكــان الجمــع الع إن النافية إلرث الزوجــة من العقــار وبين آيــات اإلرث بالتخصــيص أو التقييد البــد من التفكــير في حــل فني للخــروج من هــذا المــأزق، والمحاولة المقترحة هنا هي مــا أبــداه الســيد المرتضــى، وعمقــه

السيد محمود الهاشمي. وحاصلها هو حمل الروايات النافية إلرث الزوجــة من العقــار على عدم اإلرث من العين، وإنما تــرث من القيمــة. وال يلــزم من ذلــك المحــذور المتقــدم، وهــو اختالل الســهام والفــرائض، وإنمــاد مخالفــة ظهــور الخطــاب ـــ في يوجب هذا النحو من الجمع مجر آية األزواج ـ في كون السهم بنحــو اإلشــاعة من العين. فهــو على حد التقييد. ولعلــه من هنــا صــعب على الســيد المرتضــى القبــول بمخالفــة القــرآن الكــريم بالمســتوى األول، رغم إقــراره بصــدور الروايات، بــل وإجمــاع الطائفــة، على ثبــوت حرمــان الزوجــة من العقار إجماال، فجمع بين الروايات وإجماع الطائفة وظاهر اآليــات

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد186هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ين بما ذكر، واعتـبره عمال بهمــا معــا، وجمعــا بين الـدليلين القطعيسندا.

وبعبارة أخرى: إن روايات حرمان المرأة من العقار صــريحة في عدم إرثهـا من عين األرض، أمـا عـدم إرثهـا من قيمتهـا أيضـا فهي ظاهرة في ذلك، وليست صــريحة فيــه. والتعبــير بقولــه: »ال ترث من األرض شيئا« أيضا قابــل للحمــل على عــدم إرث شــيء من أعيان األرض وتربتها، فال ينافي إرثها من قيمتها إذا كان هناك ظهور أقوى يقتضي ذلك، وهــو صـراحة الربـع والثمن ممــا تـركتم في اآليــة الشــريفة، فــيرفع اليــد عن ظهــور كــل من داللتي اآليــة

والروايات بصراحة اآلخر.ــيص أوودعــوى ـة في تخص ـ ــك بين العين والمالي أن التفكي

ــة تحتهــا، تقييد الكتاب وأدلة التوريث، بــإخراج العين وإبقــاء الماليــوق.مدفوعةأمر غير عرفي بأنه عرفـي في باب األموال والحق

ويشهد له نفس روايات الحرمــان في البنــاء والطــوب والخشــب،حيث فصلت بين العين والمالية في إرث الزوجة منها.

أن تصــريح روايــات الحرمــان بإعطائهــا من قيمــةودعـوى البناء، وعــدم إعطائهــا من األرض، يجعلهــا كالصــريح في حرمانهــا

يــدفعهامن قيمة األرض أيضا، وإال لكان يذكرها مع قيمة البنــاء، أن ذكر إعطائها من قيمة البناء في الروايات ليس في قبال عــدم إعطائها من قيمة األرض، بل في قبــال عــدم إعطائهــا من أعيــانــك أصول العقار والدور، فيمكن إعطاؤها من قيمتها. ولهذا جاء ذل بلسان االستثناء عن عــدم إعطائهــا من العقــار. فليســت روايــات التفصيل صريحة في عدم إعطائها قيمة العقــار؛ لكي يقــال بعــدملة فيهــا صـحة هــذا الجمــع، بـل ســوف يـأتي أن الروايـات المفصــ

قرائن تدل على عدم حرمانها من قيمة العقار. ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

187هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

وهذا أسلوب من أساليب الجمع العرفـي، وهو حمل الظاهر على الصريح أو األظهر عند التعارض. وال ينافي هــذا الجمــع كــونــوص األرض ــا واردة في خصـ ــوعا؛ لكونهـ ــات أخص موضـ الروايـ والعقــار من التركــة. فيكــون مقتضــى الصــناعة التخصــيص، ال التصرف في ظهور حكم الخاص؛ فإن هذا إنمــا يصــح إذا لم يلــزم من تقديم الخاص سوى التقييد والتخصيص للعام، ال إلغــاء عنــوان الربع والثمن والخلل فيه، والذي تكون مخالفته شديدة جدا عرفا،

وإال كان العكس هو األوفق بقواعد الجمع العرفـي. ومما قد يشهد على صحة هــذا الجمــع مــا ورد في الروايــاتــدخل الزوجــة على الورثــة من المانعة مـن التـعليل بأن ذلك لئال ت يفسد عليهم مواريثهم؛ فإن ظاهر هذا التعليل أن مــواريثهم نفســا من ــل ميراثه ــواريثهم ويق ــزداد م ــه ت ــواريث والنســب، ال أن المــا ــا، وأنه ــا الحــق فيه ــول: ليس له ــان ينبغي أن يق ــة، وإال ك الترك

ميراثهم، ال ميراثها. فالمقصود حفظ نفس مواريثهم المفروضة لهم من اســتئثار الزوج الجديد بها، ســواء في ذلــك البنــاء أو األرض. وهــذا يناســب حرمانها من العين فقط، وإرثها من القيمة في البناء واألرض معا. فهذا النحو من الجمع الذي صنعه السيد المرتضى متين ومتناسب

مع التعليل الوارد في أكثر هذه الروايات.ــيد المرتضى ــذهب الس ــة من&فيثبت م ــان الزوج من حرم

عين العقــار، دون القيمــة، إمــا مطلقــا أو في خصــوص غــير ذات الولد، بناء على العمــل بصــحيح ابن أذينــة القــادم بحثــه، كمــا هــو

.(232)المشهور

مناقشة

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد188هـ1433م ـ 2012صيف

التعاريف المنطقية وتعريف أصول آثار المنطق والفلسفة على أصول الفقه،•الفقه وموضوعه

ويالحظ على هذه المحاولة: إن هذه المحاولة منطلقــة على أساس البيان األول المتقدم في تقريب وجه المعارضة، وهو كون اآلية ظاهرة في اإلرث من العين. وليس في هــذا الجمــع محــذور سوى مخالفة هذا الظاهر. وهذه ليســت مشــكلة مستعصــية، بــل

يمكن تجاوزها، وال تشكل عقبة كؤودا أمامنا. في حين أنه لو تم لحاظ البيانات األربعــة األخــرى، من كــون المعارضة مــع اآليــات والمخالفــة معهــا ليســت بمســتوى مخالفــةــع ــة م ــا بمســتوى المخالف ــل إنه ــا، ب ــور حتى يمكن تجاوزه الظهــة تمنــع من صراحة اآليات، بل إن اآليات محفوفــة بتحصــينات قويــخا، ــدا أو نس ــا أو تقيي ــان، تخصيص ــوان ك ــا تحت أي عن المس به فعندئـذ ال يبقى أي مجــال للقبـول بهـذه المحاولــة قطعــا؛ بســبب

استحكام التعارض واستقراره.ــاء على تلــك التقريبــات الــتيأقــول: ــه بن ويظهــر أيضــا أن

ذكرناها عدم قبول آيات اإلرث للنسخ، حتى بالكتاب نفسه، فضــالعن النسخ بالسنة.

ــل الله ــين فض ــد حس ــيد محم ــر الس ــد ذك ــذا وق بعض&ه المبعدات للحكم بحرمان الزوجة من إرث العقار، فقــال: »ثم إن المسألة محل ابتالء كل مسلم، والمفروض أن مثلها البد أن تكون

ن حكمهــا بوضــوح زمن الرســول . فقــد كــان المســلمون|مما يــبي يملكــون دورا وعقــارات وأراضــي، والواضــح من القــرآن أن حكم هذه الممتلكــات حكم غيرهــا من ممتلكــات الميت، تــدخل جميعــا في التركة، ويستحقها الورثة على وزان استحقاق غيرها. فلو كان لها حكم مغاير لحكم غيرها لكان حكما على خالف ظاهر القــرآن،

بيانه، وإال كان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة،|ولوجب على النبي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد189هـ1433م ـ 2012

الشيخ ضياء الدين المحمودي•

ــاس في الحــرام، بإعطــاء الزوجــة مــا ال وهــو يقتضــي إيقــاع الن.(233)تستحق من تركة زوجها، وحرمان غيرها من حقهم فيها«

نتيجة البحث

ــة بين الروايــات إنه بعــد انســداد كــل طــرق المصــالحة الفني النافيــة إلرث الزوجــة من العقــار وبين آيــات اإلرث ال محيص منــة أســانيدها، اإلغضاء عن هذه الروايات، وال سيما مــع عــدم قطعي

وابتالئها بمعارضة أخبار أخرى.ــد أو ــد أو التأيي ــر النق ـة، تنتظ ـ ـة، ال فتوائي ـ ــة بحثي وهي نتيج التكميل والتطوير، وإن كان يثقــل على النفس القبــول بهــا بــدوا؛

بسبب حداثتها ومخالفتها للشهرة القوية. نعم، نقل عن بعض من قارب عصــرنا القــول بعــدم حرمــان الزوجة من العقــار أصــال، ال عينــا وال قيمــة؛ عمال بصــحيح ابن أبي

ــاب ــ ــا للكت ــ ــه موافق ــ ــور؛ لكون ــ ــاره بعض .(234)يعف ــ ــا اخت ــ وأيض.(235)المعاصرين

الهوامش

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد190هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

التحريف في السيرة الحسينية مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة )نصوص

معاصرة(

*(*()أ. مشتاق بن موسى اللواتي

تمهيدـــة كبـــيرة يحتــل البحث التحليلي النقـــدي في التـــاريخ أهمي للوصول إلى الحقــائق أو مــا هــو قــريب منهــا، أو على األقــل إلىــاريخ. زها الشواهد والقرائن، وتتفق مع منطــق الت النتائج التي تعزــة، أو ــة مــع األعمــال التوثيقي وقد تترافق البحوث التحليلية والنقدي تـأتي في مرحلـة تاليـة لهــا، على اعتبــار أن العمــل التـوثيقي هـوــة المنتســبة إلى أصــحابها حســب ــائق التاريخي ــع الوث ــة جم بمثاب تسلسلها الزمني، والذي يتطلب في مرحلة تاليــة بحث محتوياتهــا ودراســة مضــامينها وبيــان أبعادهــا وتقــديم تفســير منطقي لبعضــة حوادثها. وعليه فإن عملية التحليل النقدي تعتبر ضرورية ومكمل لألعمال التوثيقية. فمع تعرض الروايات التاريخية للوضــع والــدســة والسياســية، لصــالح هــذا ــل أهــل األهــواء الديني والتقــول من قب الفريق وضد ذاك، كان البد من فحص الروايــات وتعريضــها للنقــد الداخلي والخارجي. فكثيرا مــا يالحــظ الــدارس في مصــدر واحــدســقة مـع بعضــها وحادثـة واحــدة ورود روايــات متضـاربة وغـير مت

. باحث في الفكر العربي اإلسالمي، من سلطنة عمان)*(*( ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

191هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

فق مع طبائع األمور، وقد البعض، كما يصادف وجود منقوالت ال تت يجد مبالغات لم يرد عليها دليــل تــاريخي، من قبيــل: مــا قيــل في أحد المقاتل المتأخرة عن يوم الطف بأنه كان يوما غــير طــبيعي،

ــوي؛ (236)حيث امتد إلى أكثر من سبعين ساعة! أو أن الجيش األم أو أن اإلمــام؛ (237)كان يتكون من أكثر من مليون ونصــف مقاتــل!

بــل؛ (238) قتــل أكــثر من عشــرة آالف فــارس وراجــل!×الحســين.(239)نسب إلى )أسرار الشهادة( أنه قتل ثالثمائة ألف رجل!

ــوائلي في ــيخ ال ــل الش ــيني الراح ــد الخطيب الحس ــد نق وق تجاربه ذلك، وذكر بأن ذبح عشرة آالف دجاجة من قبل ذابح ماهر تستغرق حوالي خمسين ســاعة، إذا افترضــنا أن ذبح كــل دجاجــة

.(240)يحتاج إلى ربع دقيقة!ــروي أن ــاريخ ت ــادر الت ــد أن بعض مص ــرى نج ــة أخ ومن جه

ــين ــد بن×الحس ــذهب إلى يزي ــعد أن ي ــر بن س ــرض على عم ع ، وفي نفس الــوقت تــروي عن(241)معاويــة، فيضــع يــده في يــده!

.(242)عقبة بن سمعان، وهو أحد الناجين من القتل، ما يكذب ذلك وضع أمام يزيد، وكان ينكت ثغره×وتروي أن رأس الحسين

وفي نفس الــوقت تـروي بـأن يزيـد بن معاويـة لمـا،(243)بقضـيبــه وضع رأس الحسين بين يديه كان يبكي، وقال: لو كان بينــه وبين

،(244)رحم ما فعل هذا، يعــني بــذلك واليــه على الكوفــة ابن زيــاد! وأنه كان يلعن ابن زياد، ويقــول: كنت أرضـى من طــاعتكم بــدون

.(245)قتل الحسين، ويترحم على الحسينــد من ــا هي، فالب ــا كم ــات ال يمكن قبوله ــذه الرواي ــل ه ومثــع ــع الوض ــجم م ــا ينس ــير له ــديم تفس ــا، وتق ــها وغربلته تمحيص

االجتماعي والسياسي آنذاك.خ في مرحلــة تاليــة بإيجــازه وقد يقوم راوي الخــبر أو المــؤر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد192هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

إلى درجة مخلة بمضمونه، وقد يتم تقطيع أوصاله وبتره وتوزيعــه على أكثر من مشهد وموقف، مما يتطلب بحثــا واســتقراء واســعا

في مختلف المصادر؛ الستكمال حلقاته. ــد من تمحيص الروايــات بالمقارنــة والموازنــة بينهــا، كمــا البــة العامــة، وعرضها على السياقات االجتماعية والسياسية والثقافي

ومالحظة مدى اتساقها معها. بعة في عرض السيرة أضف إلى ذلك أن بعض األساليب المت الحسينية من قبل بعض القراء تؤدي مع الزمن دورا شبيها بإنتــاجــوص ــا كالنص ــا تمام ــل معه ــدة، يتم التعام ـة جدي ـ ــوص تاريخي نصــدرج في بعض األصلية، من كثير من المتلقين، ومع مرور الزمن ت كتب المقاتل والسير الــتي تتســامح في النقــل. ويحــدث هــذا في الغالب عبر التفسيرات الــتي يعرضــها بعض القــراء في إطــار مــا يعرف بـ »لسان الحال«، ومن خاللــه تتســلل إلى بعض الكتابــاتــا المتساهلة. كما أن االستيحاءات األدبية والمبالغات الشعرية، ومــة، لي يرافقها من األساليب المجازية والمشاهد الفنية والصور التخي وال سيما في الشعر الشعبي، والتي يعرضها بعض القــراء كوقــائع وحوادث، توحي للمستمع والمتلقي أنها معلومات تاريخية. وهو ما يؤدي إلى تضخم الوقائع، وتعارضها، وعدم اتساقها، وافتقادها إلى

التماسك المنطقي، ويقود في النهاية إلى إرباك الذاكرة حيالها. وإن البحث في التاريخ اإلسالمي ليس مجــرد بحث من أجــل البحث، بل يستهدف التوصل إلى النتائج السليمة المرضــية، الــتي تساعد على استنتاج العظات والعبر منها، حتى تنير الطريق أمــامر واإلفــادة من تجــارب الماضــين، واالقتــداء بســير األجيــال للتبصــ

واألوصياء واألولياء الصالحين.×األنبياء وكما أسلفنا فإن واقعة كربالء ليســت بــدعا من الوقــائع من

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد193هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

ــة الــتي تحتلهــا في قلــوب المســلمين هــذه الناحيــة، ثم إن األهمي تجعلها موضع عناية دائمة ومستمرة؛ للوصول إلى معرفة حقائقها

وتفاصيلها. ولهــذه األســباب وغيرهــا يغــدو البحث التحليلي النقــدي في غاية األهمية؛ إذ ال يمكن التسليم باألخبار المتضاربة، كمــا ال يمكن

فق مع السنن وطبائع األشياء. الركون إلى التعليالت التي ال تتــا، بحيث يقــوم والتحليل النقدي ليس عمال اعتباطيا أو مزاجيـة البـاحث بإسـقاط آرائـه الشخصـية أو فـرض استحسـاناته الذاتيفــق مــع على البحث، فيقرر صــوابية مــا يــروق لــه، ويبعد مــا ال يت اتجاهاتــه وميولــه، وإال لم يفــترق الحــال بينــه وبين أولئــك الــذين تالعبوا بالروايات واألخبار في مراحل الروايــة الشــفوية والتــدوين التـــاريخي األول. إنمـــا البـــد من اتبـــاع المنهج العلمي، وتحكيم القواعد المستخدمة في البحث التاريخي، والتي ســبقت اإلشــارةــائج إلى بعضها. وليس معنى ذلك أن تنتهي جميع التحليالت إلى نت موحدة، بل ربما تتقارب أحيانا، أو تتفــاوت وتتباعــد أحيانــا أخــرى، كما هو شأن البحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية والفلســفية،

وكذلك الدينية.

بحوث تحليلية ونقدية حول واقعة كربالء ــة ــة النقدي فت مجموعــة من الكتب والبحــوث التحليلي لقــد أل

، وال سيما في عصرنا الحالي.×حول حركة اإلمام الحسين ومن الكتب التي يمكن اإلشارة إليها في هذا المضمار كتــابــة، ونتائجهــا اإلنســانية(، للشــيخ )ثورة الحسين: ظروفها االجتماعي محمد مهدي شمس الدين. وهو كتاب تحليلي اجتماعي وسياسي،

ر عنه عنوانه بالفعل. كما يعب

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد194هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

وله أيضا كتاب )أنصار الحسين(. ومنها: كتاب )الشهيد والثورة(، للسيد هادي المدرسي، الذي

مزج فيه الكاتب بين أسلوب التحليل وسالسة العرض ووضوحه. و)الملحمة الحسينية(، للشيخ مرتضـى مطهري، وهي عبـارة عن محاضـــرات وكلمـــات ألقاهـــا في حياتـــه، وقـــد جمعت بعـــد استشهاده، وطبعت في كتاب ترجم إلى العربية بعنوان )الملحمةــة الحسينية(. وقــد أثــار ضــجة وجــدال حــول بعض مضــامينه النقدي

الصادمة.ــاملي مجموعــة من ــر مرتضــى الع ــد طــرح الســيد جعف وق التساؤالت والشكوك حول مدى صحة نسبة جميع ما ورد فيه إلى

مطهري، وذلك في كتابه )عاشوراء فوق الشبهات(. وللسيد محمــد الصــدر كتــاب )أضــواء على ثــورة الحســين(،ــة ــرح على الواقع ــتي تط ــئلة ال ــير من األس ــه إلى كث ق في ــر تطــا ق فيه إلى بعض الحكايات التي يطرحه وطبيعتها وأهدافها، وتطر

الخطباء، كما قدم مجموعة من التوجيهات للخطباء والقراء. وللشيخ محمد مهدي اآلصفي كتاب من خمسة أجزاء بعنوانــل ــرد والتحلي ــه بين الس ــزج في ــو يم ــوراء(، وه ــاب عاش )في رحــة ــ ــالية من حرك ــ ـة والرس ــ ـ ــتيحاء القيم التربوي ــ ــاريخي واس ــ الت

.×الحسينــدت ــذكورة أعاله اعتم ــأن بعض الكتب الم ــظ ب ومن المالح

على بعض األخبار الواردة في بعض المراجع المتأخرة. كمــا نشــرت )مجلــة نصــوص معاصــرة( في عــدديها الثــامن

ــنة ــع، س ــردرودي:1428والتاس ــد الس ــيخ محم ــ، بحثين، للش هـ بعنــوان )التحريــف في الســيرة الحســينية، دراســة فيأحــدهما

ــانيالمظــاهر واألشــكال(؛ بعنــوان )الســيرة الحســينية،والث ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

195هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

ــد ـة(. وق ـ ــتندات التاريخي ــة في المس ــع، دراس ــادر والمراج المصــة للبــاحث حيــال اشــتمل البحثــان على مجموعــة من اآلراء النقدي

عدد من الوقائع التي يطرحها الخطباء في العادة.

و قفة مع بعض آراء الشيخ السردرودي يظهـــر من خالل متابعـــة ســـيرة البـــاحث المـــذكور، وبعض أعمالـــه، باإلضـــافة إلى البحثين المـــذكورين، أن المؤلف بـــاحثع، وله أكثر من دراسة وتحقيق حول واقعة الطــف ونصوصــها متتب وأخبارها ومصادرها. ويبدو من النظر في بعض بحوثه السالفة أنه من المهتمين بتنقية الســيرة الحســينية من الشــوائب والزيــادات، ومن المنــافحين عن القضــية الحســينية. ولعــل من نافــل القــولـة للتــاريخ والســيرة ـ ـة العلمي ـ التنويــه إلى أن الدراســات النقديــة ــة؛ إلســهامها في غربلــة المــادة التاريخي مطلوبة، وتحظى بأهميـة. ـ وتنقيتها من الشوائب والزيادات، ونقلها إلى األجيال صافية نقي وإن الجهود البحثية التي بذلها الباحث الســردرودي مقــدرة، ولكن يالحظ من متابعة األمثلــة الــتي أوردهــا من الكتب المتــأخرة على أنها نماذج من التحريف ـ حسب تعبــيره ـــ في الســيرة الحســينيةفـة أو ن لنا في أكثرها مســتنده أو تعليلـه العتبارهــا محر أنه لم يبي موضوعة، كما لم يوضح مــا هــو معيــار الوضــع عنــده، بــل أرســل أحكامــه عليهــا إرســال المســلمات. ثم مــاذا يقصــد من التحريــف فيها؟ هل زيد فيهــا ونقص أم أنهــا مختلقــة من األصــل؟ وهــل أن

ذلك في بعضها أو جلها؟ وما الذي يجعله يعتقد بذلك؟ ومن جهــة أخــرى يالحــظ أن الكــاتب اســتخدم تعبــيراتــا، وأوصافا متعددة ذات مدلوالت متفاوتة على النماذج التي ذكره وأصدر أحكاما بالجملــة، وبشــكل ال يخلــو من تســامح، من قبيــل:

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد196هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

ــعيف ــذا الضـ ــطورة، وكـ ــتزوير واألسـ ــتزييف والـ ــف والـ التحريـــد ــب القواع ــه حس ز في أحكام ــوع. فلم يمي ــذوب والموض والمك العلمية المعروفة في علوم الحديث ـ على األقــل ـــ بين الضــعيف

والموضوع والمكذوب. ومن ناحية ثالثة يظهــر أن بعض النمــاذج، وليس كلهــا، الــتي أوردها الكاتب على التحريف والــتزوير، محمال مســؤولية تحريفهــاــادر وتزويرها لبعض الكتب المتأخرة، مذكورة في جملة من المص المتقدمة على هذه الكتب، وال نعرف سبب إغفــال الكــاتب ذلــك،

ع. مع أنه باحث ومتتبفين موثــوقين ال قد يقال: إن ورودها في كتب متقدمة لمــؤل يعني وثاقة الكتب وصحة كل ما فيها. وهــذا مبــدأ صــحيح ومســلمــك ــا أوردت تل ــع أنه ــا، م ــال ذكره ــوغ إغف ــذا ال يس ــه. ولكن ه ب الحوادث، بل األمانة العلمية تقتضي اإلشارة إليهــا، بـدل التصــريح

ر بأنها من تحريف وتزييف ووضع الكتب المتأخرة. المتكرــف ــعيد آخــر فــإن تحشــيد الشــواهد على التحري وعلى صــة ــ بهــذه الطريق ــ حســب وصــف الكــاتب ـ ــتزييف والكــذب ـ وال المتسامحة قد يوحي للقارئ بأن جل ما يطرح على المنابر وكتب السيرة ال أصل له، وال سند، وال مصدر. مع أن األمر ليس كــذلك، وال سيما أن الكاتب ما برح يردد عبارات توصل إلى هذه النتيجــة،د الشك في معظم حوادث واقعــة كــربالء لــدى الكثــيرين، مما يول

وال سيما الذين ال يتاح لهم البحث والتمحيص فيها.

أسس مقترحة لمناقشة بعض اآلراء النقدية وقبل الشروع في هذه الوقفات مع بعض اآلراء التي نشرتــة وضــع بعض في الفــترة األخــيرة من المهم من الناحيــة المنهجي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد197هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

األسس المعيارية، الــتي يمكن باالســتناد عليهــا مناقشــة البحــوثــو ــك على النح ــذه الموضــوعات، وذل ــل ه ــة في مث واآلراء النقدي

التالي: ـ االستناد في نقل الوقــائع على مصــادر الحــديث والتــاريخ1

والسيرة والتراجم المعروفة المعتمدة، مع إمكانية إخضاعها للنقدوالتمحيص.

ــأخرة2 ـ التوقف أو التدقيق في ما انفردت بنقله الكتب المت من دون إحالة إلى أي من المصــادر المتقدمــة، إال إذا كــانت على

نحو التأييد. ^ـ رد كل ما يتعـارض من األخبـار مــع عصـمة أهـل الـبيت3

وقدسيتهم وكرامتهم. ـ عدم قبول ما يتعارض مع المعقول والسنن الطبيعية، في4

غير دائرة الخوارق اإلعجازية الثابتة. ــرد5 ــذ وال ــة لألخ ـة قابل ـ ـة والتحليلي ـ ــائج االجتهادي ــ إن النت ـ

واالختالف.

نظرة في بعض النماذج التي ذكرها الباحث سردرودي يمكن تصنيف أمثلة الكاتب في هذا المضمار إلى قسمين:

األول: ما لم يرد في مصدر تاريخي ه إليهــا، عين والمــدققين أن نب وقد سبق لبعض العلماء المتتب من قبيل: حضور السيدة ليلى أم علي األكــبر واقعــة كــربالء، ومــاــاء المحققين، ــة من العلم ــإن جمل ــات. ف ــا من حكاي ــب إليه ينسم والشــيخ كالشيخ النــوري والشــيخ عبــاس القمي والســيد المقــرــك مطهري، سبقوا إلى التنبيه إلى ذلك؛ استنادا إلى عدم ورود ذل في أي مصدر تاريخي يمكن التعويل عليه. وال يقال هنا بــأن عــدم

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد198هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

الوجدان ال يدل على عدم الوجود؛ ألننا لسنا في صدد بحث قضاياــور ــاع من منظ ــان واالمتن ــايا اإلمك دة، أو بحث قض ــر ـة مج ـ نظريــاريخي الفعلي، والتحقق من ــمار البحث الت ــا في مض د. إنن ــر مج الحدث التاريخي من جهـة الوقـوع، اسـتنادا إلى الوثـائق واألخبـارــر والروايات الواردة في أمهات كتب التاريخ. وإن كان السيد جعف العاملي في كتابــه )كــربالء فــوق الشــبهات( قــد حــاول جاهــدا أن

فــإن الشــيخ(246)يســتنتج من بعض القــرائن أنهــا حضــرت الواقعة القمي حسم الموقف في هذه القضــية، بقولــه في كتابــه )منتهى

ــال(: ــد في الكتب»اآلم ــاك، ولم أج ــورها هن ــدم حض ــاهر ع الظــاء إلى أم علي×المعتبرة شيئا، وأما ما اشتهر من أن الحسين ج

ــومي وادعي ــا: قـ ــال لهـ ــدان، وقـ ــه إلى الميـ ــد ذهابـ ــبر بعـ األكـــه إلى آخــره، كمــا قالــه ــه كــذب محض من أول لولــدك...إلخ، فإن

.(247)«شيخنا النوري . وهـذه المســألة×ومنها: مسألة عـرس القاسـم بن الحسن

دوا على عــدم صــحتها. قــال القمي ق إليها بعض العلماء، وأك تطر ال يخفى عليكم عدم صحة قصة عرس القاســم،»في )المنتهى(:

ــه تـزوج فاطمـة بنت الحســين في كـربالء؛ لعـدم وجودهــا في وأنم في )المقتل(: . (248)«الكتب المعتبرة ــذكر»وقال المقر كل مــا ي

ــرد ــزواج، ولم ي في عرس القاسم غير صحيح؛ لعدم بلوغه سن الخين . (249)«به نص صحيح من المؤر

ــيدة زينب ــألة أن الس ــا: مس ــدم÷ومنه ــا بمق نطحت جبينه المحمـــل. وقـــد ذكرهـــا القمي في )نفس المهمـــوم(، نقال عن

ويالحظ أن الكتاب.(250))البحار(، عن أحد الكتب المعتبرة، مرسالف بــالمعتبر. وجــاء في إحــدى المذكور مجهول المؤلف، وإن وصــ

.(251)مقدمات )المجالس السنية( أنها من انتحال بعض الجهال ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

199هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

ويذكر السردرودي أن الشيخ القمي استدرك في )المنتهى(،اص،»وقال: ال يوجد ذكــر المحمــل إال في في خــبر مســلم الجصــ

وهذا الخبر وإن نقله العالمــة المجلسـي، لكن مسـتنده هـو كتـاب )منتخب الطريحي( وكتاب )نور العين(. وال يخفى على أهل الخبر والفن في علم الحديث حال الكتابين المذكورين، ونستبعد القــول

.(252)«بأن زينب نطحت جبينهــا بمقــدم المحمــل حتى ســال الــدمــارة بعــد البحث في ويلزم التنويه إلى أني لم أعثر على هــذه العبــاب )منتهى عدد من الفصول المناسبة في النسخة العربية من كت اآلمال(، للقمي، بترجمة وتحقيق: السيد هاشم الميالني، وتقــديم:

السيد جعفر العاملي، الطبعة األولى، دار الجوادين!

فة الثاني: نماذج لم يتضح لنا سبب اعتبارها محر ذكر الكاتب تسعة كتب كنماذج لتكريس التحريــف والــتزييفــل هـــذه الكتب كتبت في العصـــور ــينية. وجـ ــيرة الحسـ في السـ المتأخرة، وال تعتبر من المصادر األولية، بل ربما صــنفت كمراجــعقت إلى الواقعــة. ولســنا هنــا في صــدد ــة كتب تطــر ــة أو كأي ثانوي تقييمها أو تبرير ما أوردته، فهذا خارج عن غرض هذه المقالة. بل إن بعض العلماء وجه نقودا قوية إلى بعضها؛ نظــرا لتســاهلها في النقل. وقد أشار الكــاتب إلى آراء بعضــهم. ويبــدو أنهــا من الكتبــل: المنتخب الرائجة، والتي يعتمدها كثير من الخطباء والقراء، مث المعروف بالفخري، وأسرار الشهادة، والدمعة الســاكبة، ومعــالي الســبطين، وروضــة الشــهداء، وغيرهــا. ونظــرا العتمــاد كثــير من خطباء المنابر عليها فقد غدت مرجعا يتلقى منه الجمهــور المــادةز جهــده عليهــا، التاريخية الكربالئية. ولعل هذا ما جعل الكاتب يرك

ويوجه نقده إليها.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد200هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

غير أن ما نود أن نلفت النظر إليــه هنــا هــو أن الكــاتب أوردــا ضــمن قائمــة ــا ســبب إدراجه ضــح لن ــتي لم يت بعض النمــاذج ال التحريف والتزييف. وفي ما يلي نـذكر بعضـها على ســبيل المثـال

فقط:

أـ اختالق شهيد نســـب في القســـم الثـــاني من بحثـــه حـــول المصـــادر

( جملـــة من األخبـــار÷والمســـتندات إلى كتـــاب )تظلم الزهـــراءفة، منها: اختالق شــهيد باســم وهب بن عبــد اللــه بن حبــاب المزيــوعة ــفها بالموض ــتي وص ــار ال ــبي. وســاق جملــة من األخب الكل واألحاديث الضعيفة من كتاب )معالي السبطين(، منهــا مــا يتعلــقــق وهب، واعتــبره من المختلقــات والموضــوعات بالشــهيد المختل

الواقــع أن جملــة من المصــادرو .(253)في كتــاب )ناســخ التــواريخ( الحديثية والتاريخية المعتبرة ذكرت وهب في عداد الشهداء، منها:

واللهـــوف البن، (255) ومقتـــل الخـــوارزمي،(254)أمـــالي الصـــدوق كما أن بعض العلماء المدققين، ممن أشــاد الكــاتب.(256)طاووس

بحق بجهودهم اإلصالحية في هذا المجال، كالسيد محســن األمين قــد ذكــروا وهب الكلــبي بين أبطــال ،(257)والشــيخ عبــاس القمي

ــواعج ــربالء المستشــهدين. نعم، اســتظهر الســيد األمين في )ل كة وهب الكلــبي وعبــد خين بين قصــ األحزان( وقوع خلط من المؤر

بينما رجح الشيخ شمس الدين، (258)الله الكلبي قاتل يسار وسالم في )أنصار الحسين( بأنه ابن ألم وهب زوجة عبــد اللــه بن عمــير

. (259)الكلبي، وأن المرأة التي قتلت يوم كربالء هي أم وهبة إلى التحريــف واالختالق بهــذه وعليه ال معنى لنســبة القصــــار الســابقين، الطريقة، وإن كان هناك ثمة اختالق فمن أهل األخب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد201هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

وليس الكتب المذكورة.

ب ـ هل من ناصر ينصرني قال في بحث التحريـف في الســيرة الحســينية: إن القــراء؛ لكي يدروا الدمعة، اختلقوا هذا النص، وال نجد مثله، وال قريبا منه،

وفي القسم الثاني نسبه. (260)في المصادر المعتمدة المعترف بهاــريحي ــ ــات منتخب الط ــ ــة من. (261)إلى تحريف ــ في حين أن جمل

.×المصادر المعتمدة روت هذا المضمون عن اإلمام الحسين وذكـــره ابن،(262)ففي مقتـــل الخـــوارزمي عن أبي مخنف

طاووس مختصرا، واللفظ لألول: إن الحسين لمــا قتــل مــا يــنيف على خمسين رجال من أصــحابه، ضــرب بيــده على لحيتــه، وقــال: اشتد غضب الله على اليهود والنصارى؛ إذ جعلوا له ولدا... واشتدــبيهم، فقت آراؤهم على قتــل ابن بنت ن غضــب اللــه على قــوم ات والله، ال أجيبهم إلى شيء مما يريدونــه أبــدا حتى ألقى اللــه وأنــا

ــه تعــالى؟»مخضب بدمي، ثم صاح: أما من مغيث يغيثنا لوجه الل أما من ذاب يذب عن حــرم رســول اللــه؟ فلمــا ســمع الحــر هــذا

ــرى. (263)«الكالم اضطرب قلبه... كما ذكر الخوارزمي استغاثة أخ للحســين، وهي: لمــا قتــل الجميــع، ولم يبــق غــيره واإلمــام زين

هل من ذاب يــذب عن حــرم رســول اللــه؟ هــل»العابدين، نادى: من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجــو اللــه في إغاثتنــا؟

وذكــر مثلــه. (264)«هل من معين يرجــو مــا عنــد اللــه في إعانتنــا؟ ونقــل مثلــه القرشــي عن.(265)السيد األمين في )لواعج األحزان(

)درر األفكــــار في وصــــف الصــــفوة األخيــــار(، ألبي الفتح بن ونقل عن )الحدائق الوردية(، لليمــاني، بأنــه إثــر ذلــك.(266)صدقة

مال األنصاريان من معسكر األمويين إلى معسكر الحسين، وقاتال

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد202هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

وقد ذكــر بعض العلمــاء، كصــاحب )الخصــائص(، أن.(267)حتى قتالم عليهــا الحسين كانت له عــدة اســتغاثات. وأطلــق الســيد المقــر

.(268)«استغاثة وهداية»عنوان

ج ـ اسقوني شربة من الماء ذكر هذه العبارة في القسم الثاني من بحثــه حــول المصــادر والمستندات بين تحريفات كتــاب )المنتخب(، وموضــوعات كتــاب )ناسخ التواريخ(. واعتبرها مالئمة للشريحة التي تقرأ كــل الوقـائعــا. وعلل رفضــه د أن العبارة مختلقة ال سند له للحزن والبكاء. وأكر عن موقف ذليل ال يتالءم مع الــروح الحســينية الــتي لها بأنها تعب

ع و.(269)عرف بها سيد أباة الضيم وإمام العــزة وأبــو األحــرار توســ في بحثه الخاص بالتحريف في السيرة، فأورد مسوغاته الــتي فيــا لم ضوئها اعتبرها من المختلقات على سيد الشهداء، ومنهــا: أنه ترد في أي كتــاب معتــبر أو شــبه معتــبر، ووردت في بعض الكتب الطافحة بالكذب، والتي تهيمن عليها مسألة إبكاء السامعين؛ وأنــه ال ينســجم مــع أبي األحــرار النص نفســه شــاهد على جعلــه؛ وأن

، أن يترجى من القتلة أن«هيهات منا الذلة»وسيدهم، الذي قال: يسقوه بحق جده! وذكر عدة أمثلــة ضــمن ســياقات تضــع اإلمــام الحسين في موضع الملتمس والمترجي المستعطف، قــائال لعمــرــة، ــع إلى المدين ــني أرج رك في ثالث خصــال: تترك بن ســعد: أخي فرفض، قـال: اسـقوني شـربة من المـاء فقــد نشـفت كبـدي من الظمــأ، فـرفض، فقــال: ليــبرز إلي رجــل رجـل، فوافـق! وأحالهــا الكاتب في الهامش على )المنتخب(، و)أسرارالشهادة(، و)روضة

الشهداء(، وغيرها. ـه كلمـا بحث في واستشهد الكاتب بـرأي الشـيخ مطهري بأن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد203هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

ــام الحســين. نعم، المقاتل لم يجد هذه الجملة المنسوبة إلى اإلم هناك موضع واحد ذكر فيه بأنه كان يطلب الماء، والقــرائن تشــير بأن المقصود منــه توجهــه نحــو الفــرات بحثــا عن المــاء، ال طلبــه

.(270)منهمفــق مــع الكـاتب بـأن مثــل هــذه المشــاهد ال والواقع أنني أت

فق مع سائر مواقف اإلمام الحسين وكلماته . ولم أعــثر عليهــا×تتـة، ـ ـة والتاريخي ـ أثنــاء بحــثي في مجموعــة من المصــادر الحديثي باإلضافة إلى عدد من المقاتل المعتمدة. ويحسن هنا التنويــه إلىـاس القمي ضــمن نصــائحه ـ د عليــه الشــيخ عب المبــدأ الــذي أك العشــرين الــتي وجههــا إلى الخطبــاء في )نفثــة المصــدور(، حيث

ــة أبي عبــد اللــه الحســين وأهــل»قال: أن ال يقول مــا يشــعر بذل ؛ فإنه كان سيد أهل اإلباء والحمية، الذي علم الناس الموت^بيته

.(271)«تحت ظالل السيوف اختيارا له على الدنية ولكن يبــدو أن واقعــة استســقاء الحســين المــاء واقعــة لهــا أصل في بعض المصادر، وقد تم تحويرها بالشكل المــذكور، ربمــا انسياقا مع األغراض العاطفية التي نوه إليها الكاتب. فقد ورد في )اللهــوف(، ومثلـه عن )مثــير األحــزان(، البن نمــا، كمـا نقــل عنـه

م ــر ــ ــيد المق ــ ــواعج(، (272)الس ــ ــيد األمين في )الل ــ ــره الس ــ وذك وحسب اللهــوف: عن هالل بن نــافع، قــال: إني.(273)و)المجالس(

لواقــف مــع أصــحاب عمــر بن ســعد إذ صــرخ صــارخ: أبشــر أيهــا األمير، فهذا شمر قد قتل الحسين، قــال: فخــرجت بين الصــفين، فوقفت عليه، فإنه ليجود بنفسه، فواللــه، مــا رأيت قــتيال مضــمخا بدمه أحسن منه، وال أنور وجها، ولقد شــغلني نــور وجهــه وجمــالــاء، ــال م ــك الح ــقى في تل ــه، فاستس ــر في قتل ــه عن الفك هيئتــرد الحاميــة فسمعت رجال يقول لــه: واللــه، ال تــذوق المــاء حتى ت

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد204هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

فتشرب من حميمهــا، فــرد عليــه الحســين قــائال: ال، بــل أرد على ، وأســكن معــه في داره في مقعــد صــدق عنــد|جدي رســول الله

مليك مقتدر، وأشرب من ماء غير آسن، وأشــكو إليــه مــا ارتكبتمــه استســقى في. (274)مني وفعلتم بي فالروايــة هنــا تشــير إلى أن

تلك الحال ماء، أي طلب أن يسقوه ماء، وهو في موقف ال يقــوى فيه على القتال. وهذا الموقف مختلف عن الموقــف الــذي ذكــره مطهري، والذي كان أثناء القتال. وقد رواه الخوارزمي في مقتلــه

أن يكفــوا عن التعــرض×بالفعل، عنــدما دعــاهم اإلمــام الحســين فقصده القوم بالحرب من كل جانب،»لحرمه، ويقاتلوه هو، قال:

فجعل يحمـل عليهم ويحملـون عليـه، وهــو في ذلــك يطلب المـاء ليشــرب منــه شــربة، فكلمــا حمــل بفرســه على الفــرات حملــوا

وروى مثلـه الطـبري بـاختالف يســير، حيث ذكـر أن. (275)«عليه... حسينا حين غلب على عسكره ركب المسناة يريد الفـرات، قـال:ــه وبين المــاء، فقال رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم، حولوا بين

ــه شــيعته... ــام إلي ــال:. (276)ال تت ــابر الجعفي ق ــة عن ج وفي رواي عطش الحسين حتى اشتد بــه العطش، فـدنا ليشــرب من المـاء، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقـع في فمــه، فجعــل يتلقى الــدم من فمه، ويرمي بــه إلى الســماء، ثم حمــد اللــه وأثــنى عليــه، ثم

. (277)جمع يديه، ودعا عليهم وأيا كان فإن منع الجيش األموي الماء عن معسكر الحســينوعياله وأطفاله كان يشكل فصال مهما من فصول واقعة كربالء.

ــة تــذكر مواقــف ونســتنتج ممــا ســبق أن الروايــات التاريخي ملحمية قتالية من معسكر اإلمام الحسين؛ من أجل الوصــول إلىــادر، كـ ــذكر بعض المصـ ــا تـ ــل. كمـ ــف المراحـ ــاء في مختلـ المـ

×)اللهوف(، أن اإلمام الحسين استسقى الماء عندما كان صــريعا ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

205هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

يجود بنفسه. والواقع أن استسقاء اإلمــام الحســين المــاء في تلــك الحــال ليس من الضعف أو الذلة في شيء، بل إن هذا الموقـف يكشــف عن حقيقة القوم، وأنهم لم يراعــوا حرمــة، وال قيمــة إنســانية، إال انتهكوها، وهو مشهد صارخ من مشاهد الظالمة الــتي وقعت على

، بحيث ال يختلــف اثنــان عــبر التــاريخ على بشــاعتها^أهــل الــبيت وشناعتها. وتجدر اإلشارة إلى أن الناقــد الســردرودي أثــنى كثــيرا

مــة الهامة وهــو.(278)على كتاب )اللهوف(، واعتبره من الكتب القيـه فـوق بحق مرجع مهم في هذا الحقل، وإن كــان هـذا ال يعـني أن

.(279)النقد، كما ألمح الكاتب أيضا

د ـ طلب األسرى المرور بالقتلى عند مغادرة كربالء فة التي عرضها النجف آبادي ذكر الكاتب ضمن الوقائع المزي أن طلب األسرى المــرور على أجســاد الشــهداء أمــر ال سـند لـه.

.(280)وقد ورد في كتاب )أسرار الشهادة(، الــذي كــثر فيــه الكــذبــوف(، عن ــا في )الله ــاووس أورده ــيد ابن ط ــد أن الس ــا نج بينم النسوة، قلن: بحق الله إال مــا مــررتم بنــا على مصــرع الحســين،

وقـد. (281)فلما نظر النســوة إلى القتلى صـحن وضـربن وجــوههنده مــا رواه الطــبري.(282)ذكــره الســيد األمين في )اللــواعج( ويؤي

عن قرة بن قيس: نظــرت إلى تلــك النســوة لمــا مــررن بحســين وأهله وولده صحن ولطمن وجــوههن. وال أنســى قــول زينب ابنــة فاطمـــة، حين مـــرت بأخيهـــا صـــريعا، وهي تقـــول: يامحمـــداه، يامحمــداه، صــلى عليــك مالئكــة الســماء، هــذا الحســين بــالعراء، مرمل بالدماء، مقطع األعضاء، يامحمداه، وبناتــك ســبايا، وذريتــك

لة، تسفي عليها الصــبا...إلخ وذكــر مثلــه الخــوارزمي في.(283)مقت

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد206هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

ــذة ابن. (284)مقتله ــد تالم ــا رواه أح ــارات(، مم ــل الزي وفي )كام قولويه، وأدرجه في الكتاب عن اإلمام السجاد، في رواية طويلــة،

ــراد بنــا الكوفــة،»ومنها: وحملت حرمــه ونســاؤه على األقتــاب، ي فجعلت أنظـــــــر إليهم صـــــــرعى، ولم يـــــــواروا، فيعظم في

.(285)«صدري...إلخ

لألجساد ×هـ ـ دفن اإلمام علي بن الحسين ذكر في القســم الثــاني ضــمن نمــاذج الــتزوير الــتي كشــفها

ــة إلى×الســيد األمين قضــية مجيء اإلمــام الســجاد من الكوف. (286)كربالء؛ لدفن جسد أبيه مع بني أسد

والواقع أن هذه القضية نــاقش فيهــا بعض العلمــاء، كالســيدــكالت ــبر في )مش ــيد ش ــه الس ــائله(، وخالف ــى في )رس المرتض

ــا؛(287)األخبار(. وبالفعل فقد نفى السيد األمين ذلك استنادا إلى مــ )اإلرشــاد( و)اللهــوف(، من أن، (288)جــاء في بعض المصــادر، كـ

ولكن قـال الشــيخ.(289)قومــا من بـني أسـد صـلوا عليهــا ودفنوها عباس القمي في )نفس المهموم(: إنه قــد ثبت أن اإلمــام ال يلي

له إال اإلمام. وورد عن اإلمام الرضا ــه×أمره إال اإلمام، وال يغس أنــا عن احتج على أقطاب الواقفة، كالبطائني، حين قال له: إنا روينــه اإلمــام ــه، فــرد علي ــك أن اإلمــام ال يلي أمــره إال إمــام مثل آبائ

: فأخبرني عن الحسين كان إماما أو غير إمام؟ قال: كان×الرضا إماما، قال: فمن ولي أمره؟ قــال: علي بن الحســين، قــال: وأين كان علي بن الحسين؟ قال: كــان محبوســا في يــد عبيــد اللــه بنــره، زياد في الكوفة، قال: خرج وهم كانوا ال يعلمون حتى ولي أم ثم انصرف، فقال له اإلمام الرضا: إن من أمكن علي بن الحسين أن يأتي كربالء فيلي أمر أبيه فهو أمكن صاحب هذا األمر أن يأتي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد207هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

،(290 )بغداد فيلي أمر أبيه، ثم ينصرف، وليس في حبس وال أسارةكما ورد في رجال الكشي.

كما أن السيد مرتضى العسكري نقــل عن )إثبــات الوصــية(:م لــدفن» أقبل زين العابــدين في اليــوم الثــالث عشــر من المحــر

.(291)«أبيهــه ليس نعم، أشار الشيخ القمي في )نفس المهمــوم( إلى أنــه ــ ــل مع ــ ــين ومن قت ــ ـة دفن الحس ــ ـ ــبرة كيفي ــ في الكتب المعت

ال...إلخ ضـــح أن الخالف في المســـألة ديـــني. (292)مفصـــ ومنـــه يتوتاريخي.

و ـ مجيء العائلة إلى كربالء، ولقاء جابر األنصاري أشار في القسم الثاني من بحث المصادر والمراجــع إلى أنس لهــا كتــاب )نـور العين(، وهــو لمؤلف من التحريفات الــتي أســ مجهول على التحقيق، أن عيال الحســين لمــا بلغــوا العــراق قــالو للدليل: مر بنــا على طريــق كــربالء...إلخ، وأدرجــه ضــمن األخبــارــه من موضــوعات )ناســخ ــراء(، وأن ــاب )تظلم الزه ــة لكت ف المزي التواريخ(، وذكره ضمن الروايــات المختلقــة الــتي فضــحها الشــيخــيخ مطهري في ــفها الشـ ــتي كشـ ــات الـ ــوري، ومن التحريفـ النـ )الملحمة الحسينية(؛ وذلك أن طريــق الشــام ال يمــر عــبر كــربالء مطلقا. وأن السيد ابن طــاووس ذكــره في )اللهــوف(، واســتبعده

.(293)في )اإلقبال(، وكــذلك اســتبعده الشــيخ القمي في )المنتهى(على أني لم أجد رأيه في الطبعة المترجمة المشار إليها.

والواقع أنه تعددت األخبار واآلراء في هــذه القضــية، غــير أنأهمها ما يلي:

: ذكر السيد ابن طاووس في )اللهوف( أنه روي أنهاألول

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد208هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

وعياله من الشام، وبلغوا العــراق، قــالوا×لما رجع نساء الحسين للدليل: مر بنا على طريق كربالء، فوصــلوا إلى موضــع المصــرع، فوجدوا جابر بن عبد الله األنصاري وجماعة من بني هاشم ورجاال

.(294)...إلخ×من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين وقريب منــه ورد في )مثــير األحــزان(، البن نمــا الحلي، كمــام في )مقتله(، والشيخ عبــاس القمي في )نفس ذكر السيد المقر

.(295)المهموم( كما أن الشيخ الصدوق روى عن فاطمة بنت علي أن اإلمــامــدين خــرج بالنســوة من الشــام، ورد علي بن الحســين زين العاب

.(296)رأس الحسين إلى كربالء ــا ن ــا معي ــدد تاريخ ــالفة ال تح ــادر الس ــا أن المص ــظ هن ويالح

لوصولهم إلى كربالء. ــام ــاة اإلم ــمونه في حي ــي مض ــاقر القرش ــيخ ب ــل الش ونق

.(297)الحسين، عن تفسير المطالب والحدائق الوردية، لليماني أما السيد محسن األمين فقد نقل في )اللواعج(، عن بشارة المصطفى وغيره، وكذا في )رحاب أهل البيت(، قصة مفصلة عنــة العــوفي، واغتســاله من الفــرات، وزيارتــه ورود جــابر مــع عطي للحسين، وطلوع ســواد من جهــة الشــام معهم زين العابــدين مــع

عماته وأخواته...إلخ..(298)ويظهر أنه دمج القصتين تماما بنفس أسلوب الخطباء

وتجــدر اإلشــارة إلى أن واقعــة ورود جــابر األنصــاري ذكرهــا جملة من العلماء، كالمفيد في )المســار(، والشــيخ الطوســي فيلة كــل من أبي جعفــر الطــبري من )المصــباح(. كمــا رواهــا مفصــــو علماء اإلمامية في القرن الخامس في )بشارة المصطفى(، وأب الموفق الخـــوارزمي في )مقتلـــه(، بســـنديهما عن األعمش، عن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد209هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

. (299)عطية العوفيـة ــ خين، من اإلمامي د ذلـــك أن بعض العلمـــاء والمـــؤر ويؤي

وا على أن رأس الحســين أعيــد إلى جســده بعــد×وغــيرهم، نصــم في )مقتــل الحســين( إلى أربعين يوما. فقد أشار الســيد المقــر

خ أبا الريحان البــيروني) هـــ( في )اآلثــار440أن الفيلسوف والمؤر الباقية( ذكــر بأنــه في العشــرين من صــفر رد رأس الحســين إلى

م مثله عن ســبط. (300)جثته، حتى دفن مع جثته ونقل السيد المقرــا بن محمــد األنصــاري ابن الجوزي في )تذكرتــه(، وكــذا عن زكري

ــد682القزويني ) ــذا عن عب هـ(، صاحب )عجائب المخلوقات(، وكــاف بحب ــه )اإلتح ــد الشــبراوي الشــافعي في كتاب ــه بن محم اللـــة، كالمرتضـــى د جملـــة من علمـــاء اإلمامي األشـــراف(. كمـــا أك والطوســي وابن شهرآشــوب والطبرســي وغــيرهم، أن رأســهــاه الشريف أعيد إلى بدنه في كربالء. وهذا الرأي هو السائد، ويتبند السيد ابن طاووس خطباء المنبر الحسيني. ومن جهة أخرى يؤك

بــل﴿على رجوع الرأس إلى الجسد؛ باالســتناد إلى قولــه تعــالى: د في نفس الـــوقت على﴾أحياء عند ربهم يرزقون ه يؤك ، ولكن

. (301)عدم ورود تفاصيل حول كيفية ذلك وتوقيته : مــا ذكــره الشــيخ المفيــد في )المســار(، والشــيخالثــاني

وفي العشــرين منــه ـ»الطوسي في )المصــباح(، واللفــظ لألول: من صفر ـ كان رجوع حرم سيدنا وموالنا أبي عبــد اللــه الحســين من الشام إلى مدينة الرسول، وهو اليوم الذي ورد جــابر بن عبــد

ــه الحــرام األنصــاري ــة إلى| صــاحب رســول اللهالل من المدين ، فكـان أول من زاره×كربالء؛ لزيارة قبر أبي عبــد اللــه الحســين

.(302)«×من المسلمين، ويستحب زيارته وأشــار الســيد ابن طــاووس في )اإلقبــال( إلى كال الــرأيين،

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد210هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

وذكر أنه وجدهما في بعض المصادر، ولكنه استبعدهما معا، سواء من جهة إمكانية وصولهم إلى المدينة أو كربالء في العشــرين من صفر، وأسس استبعاده على عامل الزمن؛ حيث يالحظ أن السيد ابن طــاووس اســتبعد وصــولهم إلى كــربالء بنــاء على أن الــوقت الذي احتاجه ابن زياد حتى يحصل على اإلذن من يزيد ليحمل إليهــه روي أنهم أقــاموا في السبايا هــو عشــرون يومــا. مضــافا إلى أنــاء ــربالء أثن ــيئهم إلى ك ــل مج ــف أص ه لم ين ــهرا. ولكن ــام ش الش رجوعهم، وقــال في ذلــك: أمــا جــوازهم في عــودهم على كــربالء فيمكن ذلــك، ولكن مــا يكــون وصــولهم إليهــا يــوم العشــرين من صفر؛ ألنهم اجتمعوا على مــا روى جــابر بن عبــد اللــه األنصــاري، فإن كان جابر وصل زائرا من الحجاز فيحتــاج وصــول الخــبر إليــهــير ومجيئه أكثر من أربعين يوما، وعلى أن يكون جابر وصل من غ

.(303)الحجاز من الكوفة أو غيرهاــا دقيقــا في بــع منهجــا علمي والواقع أن السيد ابن طاووس ات تحليله لهذه الواقعة. ولكن يالحظ أن تحليله ونتيجته يستندان إلى معطيين قابلين للمناقشة، وهما: أن عبيد الله بن زياد انتظــر أمــرــه يزيد حتى يبعث اليه بالرؤوس والعائلة المسبية. ولكن يحتمل أن كانت لديه تعليمات مسبقة حولها، أو أنه قاس األمر على سوابقهخين ذكــر ذلــك، بعد مقتل مسلم بن عقيل. ورغم أن بعض المــؤر ولكن من الصعوبة التسليم به. فإذا افترض أنه كتب إلى يزيد يومم فإن جوابه ســوف يصــله في العاشر أو الحادي عشر من المحرم. ومن ثم فإنه يعني أن العائلة المســبية مكثت نهاية شهر المحرم، وعليــه يكــون وصــول الســبايا في الكوفة إلى نهاية شهر المحر إلى الشـام في الفـترة بين العاشــر والعشــرين من صـفر حســب الــوقت الــذي يســتغرقه المســير، وليس في األول من صــفر، وال

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد211هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

يكون رجوعهم منهــا هــو في العشــرين منــه، كمــا هــو المعــروف. وهذا ينسجم مــع مــا نقلــه الكــاتب ضــمن الحــوادث الــتي وصــفها بالموضوعة أو المكذوبة في كتاب )ناسخ التواريخ(. وهــذه النتــائج ال دليل عليها من التاريخ. كما لم يثبت تاريخيا أن العائلة المســبية مكثت بالشام شهرا كامال أو أكثر، كما نقل عن القاضي النعمــان،د بقاءهم كل هذه بل لعل الوقائع التاريخية التي حدثت هناك ال تؤي الفترة. وعلى أية حال فإن الســيد ابن طــاووس لم ينـف مجــيئهم

إلى كربالء من األصل. ^ومن ناحية أخرى إذا كـان وصـول السـبايا من أهــل الـبيت

إلى الشام في أول صفر، كما نقلــه القمي في )نفس المهمــوم(،عن )مصباح الكفعمي(، وحكـاه عن البـيروني في )اآلثـار الباقيـة(

، وافترض أنهم بقــوا هنــاك حــوالي عشــرة أيــام، فــإن األيــام(304) المتبقيــة ربمــا تكفي لقطــع الطريــق والمــرور بكــربالء، كمــا نصــيرهم وقت ــأن س ــل ب ــرهم. إال إذا قي ــف ذك خين اآلن ــؤر بعض الم الرجوع كان أبطأ، وأنهم كانوا يسيرون في النهار دون الليل، ممــاــه ال ينفي مجــيئهم إلى قد يحتــاج إلى وقت أطــول. ومــع ذلــك فإن

كربالء، ولكن يكون وصولهم إليها في نهاية شهر صفر. أما ما ذكره الشيخ مطهري بــأن طريــق الشــام ال يمــر عــبرة، ــه ال ينفي كــل القصــ كربالء مطلقا فإن هذا إن صح بالفعــل، فإن ــرا فيحتمل أنهم طلبوا من مسؤول الركب النعمــان بن بشــير مبك أن يمر بهم صوب كربالء. ثم إن هذه الدعوى تحتاج إلى مزيد من الدراسة؛ للتحقق منها في األطالس التاريخية، أو في كتب قدامى

الجغرافيين المسلمين. ــرد ال وأيا كان األمر فبما أن الواقعة قابلة للنقاش واألخذ والخين فة ومكذوبة، وال سيما أن هنــاك من المــؤر يصح اعتبارها محر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد212هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

زها. ومن جهة أخرى والمحدثين من أشار إليها، وهناك شواهد تعز فإنه ليس بالضرورة ربط واقعــة مــرورهم بكــربالء ـــ إذا صــحت ـن. كمــا ليس من الموضــوعية أو الحيــاد العلمي اتخــاذ بتــاريخ معي أحد اآلراء الخالفية حجة، والتعامل معه وكأنه مقيــاس مســلم بــه؛فــة والمكذوبـة ومــا فـة والمزي لدحض بقية اآلراء، ووصــفها بالمحر

إلى ذلك.

ز ـ حول عدد القتلى من الجيش األموي ــربالء، ة ك ذكر الكاتب أمثلة من المبالغات التاريخية في قصــــدد القتلى من ــبطين( في ع ــالي الس ــاب )مع ــة كت ــا: مبالغ ومنه الجيش األمــوي، حيث أوصــلهم إلى مائــة وخمســين ألــف قتيــل! وذكر الكاتب أن المصــادر أجمعت على أن عـدد القتلى في جيش

فــق مــع الكــاتب(305) شخصا فقط!88عمر بن سعد بلغ . وإنني ات على وجود مبالغات وزيادات في بعض الكتب المتأخرة، وقد سبقز عليهـا في التنويه إليها في البداية. وكان األحرى بالكـاتب أن يركنا نستغرب قبــول الكــاتب لمــا ذكــره بحثه، ويكشفها للقارئ. ولكنخين، كــالطبري ومن تابعــه كــابن األثـير وغـيره، حــول بعض المؤرر بــأن عدد القتلى في الجيش األموي. واألغرب منه أن الكاتب قرــذه ــافا إلى أن ه ــك! مض خين على ذل ــؤر ــا بين الم ــاك إجماع هنــادة ــهد الق ــد أن ش ــري، بع ــا في نظ ــتدعي نقاش ــألة ال تس المس

ــين ــكر الحس ــالة معس ـون ببس ـ ــاتلون األموي ــد روى×والمق . فقخــون، كــالطبري والمفيــد وغيرهمــا، عن عمــرو بن الحجــاج المؤر الزبيدي، مخاطبا الجيش األمــوي: أتــدرون من تقــاتلون؟ تقــاتلونــإنهم فرسان المصر، وقوما مستميتين، ال يبرزن لهم منكم أحد، فــارة ــوهم إال بالحجـ ــو لم ترمـ ــه، لـ ــون، واللـ ــا يبقـ ــل، وقلمـ قليـ

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد213هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

ــاتلون(306)لقتلتمــوهم ــا تق ــال: إنم ــه ق ــل الخــوارزي أن . وفي مقت فرسان المصر وأهــل البصــائر وقومــا مســتميتين، ال يـبرزن منكمــارة ــ ــوهم إال بالحج ــ ــو لم ترم ــ تهم، ول ــوه على قل ــ ــد إال قتل ــ أح

. ووصفهم أحد المقــاتلين مــع عمــر بن ســعد، كمــا(307)لقتلتموهم نقله ابن أبي الحديد في )شرح النهج(: ثارت علينــا عصــابة أيــديها في مقــابض ســيوفها، كاألســود الضــارية، تحطم الفرســان يمينــا وشماال، وتلقي أنفسها على الموت، ال تقبل األمان، وال ترغب في المال، وال يحــول بينهــا حائــل وبين الــورود على حيــاض المنيــة أو االســتيالء على الملــك، فلــو كففنــا عنهــا رويــدا ألتت على نفــوس

. وقال عبــد اللــه بن عمــار بن عبــد يغــوث،(308)العسكر بحذافيرها وهو يصف الحسين، كما عن الطبري: ما رأيت مكسورا قــط، قــد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه، أربــط جأشــا، وال أمضــى جنانــا، وال أجــرأ مقــدما منــه، وإن كــانت الرجــال لتشــد عليــه فيشــد عليهــا بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها

ــه(309)الذئب . وإن قائلها ـ حسب المفيد ـ هو حميد بن مســلم، وأنــمون ــع مض ــاقا م ــثر اتس ــو أك ــط، وه ــورا ق ــا رأيت مكث ــال: م ق

.(310)الخبر مقــاتال،89 ثم إنه لــو قلنـا: إن عـدد من كــان مــع الحســين

ــال على أقل التقديرات التي رجحها الكاتب، واستثنينا منهم األطف والرضع، وكان نصيب كــل واحــد منهم قــتيلين، لكــان عــدد القتلىره الكاتب! فكيف والروايات تشير من الجيش األموي يفوق ما قر

136أنهم ـ حسب الســيد األمين ــ كـانوا حــوالي . وإذا(311) مقـاتال أخذنا برأي الشيخ شمس الدين فإنهم يقاربون المئــة أو يبلغونهــا،

. وعليــه إذا قلنــا: إن كــل واحــد منهم قتــل(312)وربمــا زادوا عليهاــا شخصا واحدا من الجيش األموي فإن عدد قتالهم سيزيد على م

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد214هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

ذكره الكاتب! على أن كتب المقاتل، كـ )اللهــوف(، و)مقتــل الخــوارزمي(، وغيرهما، تنسب إلى كثير من أبطال كربالء أنهم قتلوا مجموعــات

من الجيش المقابل، وهو أمر غير مستبعد بطبيعة األحوال.

ح ـ استشهاد طفلي مسلم بن عقيل ذكر الكاتب في معرض عرضه لآلراء النقدية للشــيخ عبــاسـة ـ ـه اســتبعد استشــهادهما بتلــك الكيفي ـ القمي في )المنتهى( أن

ــه يبــدو من كالمــه المــذكور تحفظــه على(313)والتفصــيل . على أنر إلى سـبب التحفظ ومـوارده. بعض التفاصـيل، وإن كـان لم يشـ ولكن مــا نـود اإلشــارة إليــه هنـا أن القصــة منقولــة في أكــثر من مصـــدر، مـــع بعض الفـــروق. فقـــد نقلهـــا الشـــيخ الصـــدوق في

ــه(314))مجالسه( ــه(، ولكن ، كما رواها الخوارزمي بسنده في )مقتلــار ، كمــا أن(315)ذكر بأنهمــا كانــا طفلين لعبــد اللــه بن جعفــر الطي

البالذري في )أنسابه( ذكر بأن ابنين لعبد اللــه بن جعفــر لجــآ إلى .(316)رجل من طي، فضرب أعناقهما، وأتى برأسيهما إلى ابن زياد

وهذا يعني أن الواقعة لها أصل وسند، وربما حورت مع الزمن، أوأضيفت إليها بعض التفاصيل الجزئية؛ لبعض األغراض العاطفية.

×ط ـ الجراحات في جسم اإلمام الحسين أشــار الكــاتب إلى المبالغــات الــتي وقعت في بعض الكتب

. فقـد×المتأخرة حول عدد الجروح التي أصـابت اإلمـام الحسـين ، وصــوال إلى320، ثم إلى 120 إلى 63ذكر بأنه ازداد عددها من

. (317)أعداد أكبر بكثيرــه ورد عن اإلمــام محمــد البــاقر ×وما أود اإلشارة إليه هنا أن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد215هـ1433م ـ 2012

أ. مشتاق بن موسى اللواتي•

، ووجد به ثالثمائة وبضــعة×في ما رواه الصدوق: أصيب الحسين . وروي(318)وعشرين طعنة برمح أو ضربة بســيف أو رميــة بســهم

ــه كــان ال يـولي. وورد عن اإلمـام جعفـر أنها كانت في مقدمه؛ ألن .(319): وجد فيه ثالث وثالثون طعنة، وأربع وثالثون ضربة×الصادق

ــه ال تعــارض بينهمــا؛ ألن مــا وعلق السيد األمين في )اللواعج( بأنن فيهــا قــدر الرميــات . ولعــل عبــارة(320)جــاء عن الصــادق لم يعي

ــوف(، الشيخ المفيد في )اإلرشاد(، والسيد ابن طاووس في )الله على قصرها، تقدم وصفا دقيقـا لحالـة اإلمـام الحسـين من جـراءــالجراح صــار الضــرب والطعن ورمي الســهام، وهي: لمــا أثخن ب

. ويلزم أن ال نغفل عن أن عدد الجيش األموي(321)جسمه كالقنفذ كان على أقـل الروايـات ــ وحسـب بعض المصـادر الــتي حـاولت تبسيط األمور ـ أربعة آالف أو ســتة آالف رجــل ـــ. وتـذكر مصــادر أخــرى، كمــا عن المفيــد، وهــو المــروي عن اإلمــام الصــادق، أن

. وفي جميع األحوال فالمعركة من هذه(322)عددهم كان ثالثين ألفا الناحية كانت غير متكافئة. وقد نقــل عن منــاقب ابن شهرآشــوب

ــه في بعض حمالت اإلمــام الحســين أتتــه أربعــة آالف نبلة .(323)أن ويجب أن ال نغفــل عن أن من أغــراض ضــخامة العــدد والعــدة والعتــاد واســتخدام مختلــف فنــون الحــرب وأشــكال الســالح هــوــابهم، ــوبهم، وإره ــرعب في قل ــاء ال ــوار، وإلق ــة الث ــة إخاف محاولــاتهم. وربمــا قصــد منهــا إرســال رســائل ردع إلى وإضــعاف معنوي غيرهم من المعارضــين، أو لمواجهــة احتمــاالت مجيء إمــداد لهم من بعض القرى المجــاورة. إلى جــانب أن الســلطات في العــادة تعتمد على القوة الباطشة الغاشــمة. ومن ثم ليس من الضــرورة أن تلحق كل السهام والنبــال أجســاد المقــاتلين. ولعــل هــذا كــانــاب المتــأخرين في هــذه منشــأ الخلــط عنــد بعض الخطبــاء والكت

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد216هـ1433م ـ 2012صيف

التحريف في السيرة الحسينية، مناقشة لمقاالت السردرودي في مجلة •)نصوص معاصرة(

القضية. وإذا أخذنا في االعتبار دوافع هذا الجيش وأخالقياتــه فإنــه خين من أخبــار قــد تبــدو مبالغــا يغدو مفهوما ما يورده بعض المؤرر مســألة حرمــان ــة. وإال فكيــف نفســ فيهــا في الظــروف الطبيعي األطفال والنساء من الماء؟ وكيف نفسر مســألة ســلب األطفــال والنســاء بعــد مقتــل الرجــال؟ كيــف نفهم مســألة وطء األجســام بالخيول بعد القتل؟ وســلب األجســاد؟ وقطــع الــرؤوس؟ وحملهــا

وســلبهن، وغــير ذلــك؟ وكــل|على الرماح؟ وسبي بنات الرســول بعــد نصــف قــرن من|ذلك حدث مع أهــل بيت النــبي المصــطفى

عن دار الدنيا. |رحيله أكتفي بهـــذه النمـــاذج ممـــا أورده الكـــاتب في مقاالتـــه،

مستشهدا بها على تحريف السيرة الحسينية. والبد من التنويه إلى أن الكاتب أشار أيضا إلى مجموعة منبت عبر بعض الحكايات والقصص والمبالغات والزيادات التي تسر الكتب المتأخرة إلى المنبر الحسيني؛ وذلــك نتيجــة العتمــاد كثــيرر التأكيـد على أن هنــاك من الخطبــاء والقــراء عليهــا. وأخــيرا أكـرــة تتــولى التميــيز بين الوقــائع حاجة ملحة إلى بحوث علمية تحليلي المروية في أمهــات الكتب والمصــادر المعتمــدة من جهــة، وبينهــاــات ـة والمبالغ ـ ــتيحاءات األدبي ـة واالس ـ ــتنتاجات التحليلي وبين االس الشعرية من جهة أخرى، وبينهما وبين الحكايــات والزيــادات الــتي

أضيفت إليها ألغراض إثارة العاطفة والحماس وما شابه ذلك.

الهوامش

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد217هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

أحكام الشعائر الحسينيةـ القسم الثاني ـ

*(*()الشيخ علي دهيني

الشعيرة الثالثة: لبس السوادوفيها مطالب:

ــا،1 ــالة، أو مطلق ــود في الص ــة لبس األس ــة كراه ــ أدل ـومناقشتها

يمكن تقســيم األخبــار الــتي تعرضــت إلى لبس الســواد إلىطائفتين:

وهي ما دل على كراهة لبس السواد في الصالة أواألولى: التكفين به، وفيها:

ــره، عن أبي عبــد الله1 ×ـ رواية محسن بن أحمــد، عمن ذك قال: قلت له: أصلي في القلنسوة السوداء؟ فقال: ال تصل فيهــا؛

.(324)فإنها لباس أهل النار وقد وقع نقاش في ســند الروايــة؛ بلحــاظ أنهــا مرســلة أوال، وعدم توثيق محسن بن أحمد ثانيا، والجدل الواسع حول سهل بن زياد ثالثــا، فقــد قــال النجاشــي: أبــو ســعيد اآلدمي الــرازي، كــان ضعيفا في الحديث، غير معتمد عليه فيــه، وكــان أحمــد بن محمــدــري. بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وأخرجه من قم إلى ال

باحث وأستاذ في الحوزة العلمية، من لبنان.)*(*( ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد218

هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

وقال في الفهرست: ضعيف. وقال الطوسي في االستبصــار: هــو ــان ضــعيفا ضعيف جدا، عند نقاد األخبار... وقال ابن الغضائري: ك جدا، فاسد الرواية والمــذهب. وهنــاك اتجــاه آخــر يقــول بوثاقتــه؛

.(325)بلحاظ كثرة رواياته، ورواية األجالء عنه، وكونه شيخ إجازة وأنا فيه إلى اآلن من المتوقفين، حيث لم يتســن لي طرحــه على بساط البحث، على أمل التعــرض إلى شخصــيته في فرصــة

قريبة إن شاء الله تعالى.وعلى أية حال ال مجال العتمادها؛ بسبب اإلرسال.

ـ رواية الكليني: وروي: ال تصل في أســود، فأمــا الخــف أو2.(326)الكساء أو العمامة فال بأس

إال أن الحديث موقوف ال يركن إلى االستدالل به. ×ـ رواية محمد بن ســليمان، عن رجــل، عن أبي عبــد الله3

قال: قلت له: أصلي في القلنسوة السوداء؟ قــال: ال تصــل فيهــا؛.(327)فإنها لباس أهل النار

ــاد، وفي الحديث عدة مشاكل في سنده؛ بلحاظ سهل بن زيــالغلو؛ ــه ضــعيف جــدا، وقــد رمي ب ومحمــد بن ســليمان؛ حيث إن

إضافة إلى إرساله. قــال: ال×ـ روايــة الحســين بن المختــار، عن أبي عبــد الله4

.(328)يكفن الميت في السوادوال يركن إلى هذا الحديث؛ ألنه مرسل.

:×ـ روايــة الحســين بن المختــار قــال: قلت ألبي عبــد الله5ــوب األســود، يحرم الرجل في ثوب السواد؟ قال: ال يحرم في الث

.(329)وال يكفن بهوهذا حديث صحيح.

ــار للحكم بكراهــة ــا إلى هــذه األخب هــذا وقــد اســتند علماؤناللباس األسود في الصالة، أو التكفين واإلحرام به أيضا.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد219هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ــا.الثانية: وهي التي استفيد منها كراهة لبس السواد مطلقوفيها:

قــال:×ـ رواية أحمــد بن محمــد، رفعــه، عن أبي عبــد الله1.(330)يكره السواد إال في ثالثة: الخف، والعمامة، والكساء

إال أنه حديث مرفوع.ــير2 ــال أم ــال: ق ــد بن علي بن الحســين ق ــة محم ــ رواي ـ

ــه لبــاس×المؤمنين في مــا علم أصــحابه: ال تلبســوا الســواد؛ فإن.(331)فرعون

ولهذا الحديث طريقان:ــهاألول: ال، إال أن ما ذكره الشيخ الصدوق في الفقيــه مرســ

ق ــوم أن البعض يوث ــال(، ال )روي(. ومن المعلـ ــو )قـ ــره بنحـ ذكـ مراسيل الصدوق إذا كانت بنحو )قال(، إال أن الصحيح أن ال دليــل

على هذا االتجاه. ففيه نقاش أيضا بين االعتماد وعدمه.الطريق الثانيوأما

×ـ رواية محمد بن علي بن الحسين قال: روي أن جبرئيل3 في قباء أسود، ومنطقة فيها خنجر، فقال:|هبط على رسول الله

ــاس. يــا محمــد، ويــل يا جبرئيل ما هذا؟ فقال زي ولــد عمــك العب.(332)لولدك من ولد عمك العباس

ولهذا الحديث طريقان، وكالهما ضعيف. ـ رواية محمد بن علي بن الحسين بإســناده عن حذيفــة بن4

ــد الله ــد أبي عب ــه قــال: كنت عن ــاه رســول أبي×منصــور أن ، فأت العباس الخليفة يدعوه، فــدعا بممطــر أحــد وجهيــه أســود واآلخــر

ــاس أهــل×أبيض، فلبسه، ثم قال : أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لب.(333)النار

ولهذا الحديث طرق ثالثة، أحدها ضعيف.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد220هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

ـ روايـة داوود الــرقي قـال: كـانت الشــيعة تســأل أبـا عبــد5ــة ســوداء،×الله عن لبس السواد؟ قال: فوجدناه قاعدا عليــه جب

وقلنسوة سوداء، وخف أسـود مبطن بسـواد، ثم فتـق ناحيـة منـه وقال: أما إن قطنه أسود، وأخرج منه قطنا أســود، ثم قــال: بيض

قلبك والبس ما شئت.همـا عنـد ـه كـان مت ـة؛ ألن ـه تقي قـال الصـدوق: فعـل ذلـك كلــه، قي بأجهد ما يمكن األعداء بأنه ال يرى لبس السواد، فأحب أن يت

فصبغ القطن بالسواد.ــة أقول: ويمكن حمله على إرادة الجواز ونفي التحريم بقرين

.(334)أخرى والمتحصل أن األحـاديث الثالثـة األولى وإن لم تكن معتـبرة، بناء على مالك حجية خبر الثقة على بعض المباني فيها، إال أنه قدــة هــذا المبــنى في يقال: إنها تفيد الوثوق بالصدور، بناء على حجي قبول الروايات. وعليه يمكن الحكم بكراهة لبس الســواد مطلقــا، إال ما استثني في النصوص. ولكن نحن مع قبولنا للكبرى ال يمكننا

إحراز صغرى االطمئنان في المقام بصدور هذه الروايات.

ـ هل الحكم بكراهة لبس السواد مطلق أو ال؟2ــات ــذكورة إلثب ــاديث الم ــذه األح ك به ــل يمكن التمســ أي ه اإلطالق األحوالي في الحكم بكراهة لبس السواد، أي سواء لبسهــير ـا لغ ـ ــا عرفي ــان زي ــواء ك ــور أم ال، وس ــالطين الج ــداء وس األع المؤمنين أم ال، أم يقال بأن هذه المجموعة إنما حكمت بالكراهــةــاس. وألجــل أن ال ـا لبــني العب من باب أن اللباس األسـود كــان زي يكون المؤمنون متزيين بزي سلطان الجــور وأتباعــه حكم اإلمــام بالكراهــة، فحيث ال يكــون هــذا الــزي شــعارا لألعــداء فال كراهــة.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد221هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ــذكرها وعليه تكون القاعدة التي نتمسك بها رواية أخرى ســوف نــة ــا بدالل ــلمنا واعترفن ــو س ــول: ل ــه نق ــذا المطلب؟ وعلي في ه الروايات على كراهة لبس السواد مطلقــا، إال مــا اســتثني، يقــال:ــاس. إن هذا الحكم إنما صدر من باب عدم التزيي بــزي بــني العب

والقرائن التي تدل على هذا األمر هي: في أن هــذا الــزي هــو لولــد|أـــ حــديث جبرئيــل مــع النــبي

العباس. وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند، إال أننا نتعامل معــهكوثيقة تاريخية إلثبات أن اللباس األسود كان لباسهم.

ــ حــديث مجيء رســول الخليفــة إلى اإلمــام الصــادق ×ب ـيدعوه، مما دعا اإلمام إلى لبس ممطر أحد وجهيه أسود.

ج ـ حديث »ال تلبسوا السواد؛ فإنه لبــاس فرعــون«، بلحــاظد في زمن كون فرعـون إشــارة إلى الحــاكم الظـالم، وهــو يتجســ اإلمام ببني العباس. وكذا حين يقــول: ال تصــل فيهــا؛ فإنهــا لبــاس

أهل النار، أي الحكام الظالمين وأتباعهم، وال مكان لهم إال النار.د توجيــه تحليلي يحتــاج البت فيــه إلى إال أن هــذا يبقى مجــر

مزيد من البحث.

وقفة أخيرة في حرمة ارتداء لباس أعداء الدينــلم، عن ــ ــماعيل بن مس ــ ــناده عن إس ــ ــدوق بإس ــ روى الص

ــه أوحى اللــه إلى نــبي من أنبيائــه: قــل للمؤمــنين ال×الصادق ، أن تلبسوا لباس أعــدائي، وال تطعمــوا مطــاعم أعــدائي، وال تســلكوا

.(335)مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي ولهذا الحديث طرق ثالثة، صح منهــا اثنــان، دون مــا ذكرنـاه. وعليه فإذا ثبت اختصاص لباس مــا بأعــداء الــدين يحــرم من هــذا اللحاظ، بغض النظر عن لونه، كما هي القبعة التي يختص بلبســها

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد222هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

اليهود. وهذا يختلف من زمان آلخر، تبعا للبــاس األعــداء. ويصــدق ا هذا الحديث في زماننا هذا فيما لو فرضنا أن لباسا ما كان خاصــ

.(336)باالتجاهات الدينية األخرى

ـ ما هو المراد من النهي التنزيهي في العبادات؟3 وقــع البحث بين علمــاء األصــول في أن النهي في العبــادات

هل يستلزم الحكم بفسادها أم ال؟ ومن تفريعات هذا البحث ذكــروا النهي التــنزيهي؛ وهــو تــارةة، وهنـا يكـون ة خاصـ يتعلق بتطبيق طبيعة المـأمور بـه على حصــرا عن مرجوحية امتثــال األمــر بالطبيعــة بواســطة تلــك النهي معب الحصة، ولكن هذه المرجوحية إنما هي باإلضافة إلى سائر حصصــة في ــالة الفريض ــه: النهي عن ص ــا. ومثال ــأمور به ــة الم الطبيع الحمام، أو النهي عن الصــالة باللبــاس األســود؛ وقــد يكــون النهيقا بذات فعل ليس مأمورا به من أول األمر، كالنهي التنزيهي متعل

عن التخلي في مواطن اللعن. هذا وقد ذكر علماء األصول أن النحو األول من النهي ال يدل على فساد العبادة أصال. وهذا مــا ذكــره الســيد الخــوئي، والســيد

الشهيد الصدر، والشيخ التبريزي)رحمهم الله(. فقد قال الخوئي: إن النهي التــنزيهي المتعلق بالعبــادة تــارةة ــ ينشأ من حزازة ومنقصة في تطبيق الطبيعي الواجب على حصــذا ة، ول خاصة منه، من دون حزازة ومنقصة في نفس تلك الحصــ يكون حالها حال سائر حصصه وأفراده في الوفاء بالغرض، وذلــكـــة، كالصـــالة في الحمـــام مثال، كـــالنهي المتعلق بالعبـــادة الفعليــك... إن النهي ــاكل ذلـ ــا شـ ــة، ومـ ــع التهمـ ــالة في مواضـ والصـ

.(337)التنزيهي... ال يدل على الفساد، بل هو يدل على الصحة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد223هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

وقال الصدر: أمــا لــو كــان النهي الكراهــتي ناشــئا من نقص محبوبية هذا الفرد من العبــادة، ال من مبغوضــيته، فال إشــكال فيــة بنكتــة قلــة ــه ال يقتضــي البطالن، ســواء كــان نقص المحبوبي أن المصلحة فيه أو بنكتة أن المصلحة فيــه مزاحمــة بمفســدة أخــف وأضعف منها، بنحو تبقى المحبوبية، ولكن بنحو ضعيف، فإنه على أية حال مثــل هــذا النهي ال يقتضــي البطالن؛ ألنــه ال يعانــد األمــر، حتى لــو افترضــنا عــدم إمكــان اجتمــاع األمــر والنهي، فــإن النهي الذي ال يمكن أن يجتمع مع األمر هو النهي الناشــئ من البغض، الـة الحب، فهـذا الفـرد المنهي عنـه يمكن أن النهي الناشــئ من قل يشمله األمر، ومع شمول األمر له ال إشــكال في الصــحة وإمكــان

.(338)التقرب؛ فإنه ال يكون مبعدا وال مبغوضا للشارعر في علم األصـول أن األمـر إذا تعلق وقال التبريزي: قد قـر بـالطبيعي، ثم تعلق نهي تـنزيهي ببعض أفـراد ذلـك الطـبيعي، فال يراد من هذا النهي المعنى المصطلح، يعني الكراهــة المصــطلحة، بمعنى ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله، بل هو إرشاد إلىر عنــه في لســان وجــود منقصــة في هــذا الفــرد بخصوصــه، ويعب العلماء باإلرشاد إلى كونه أقـل األفـراد ثوابـا، وال فـرق في األمـر

المتعلق بالطبيعي بين كونه إلزاميا أو استحبابيا.ضــح هــذا... فــإن الكراهــة بمعــنى رجحــان الــترك غــير إذا اتــاع ــدم اجتم ــا؛ لع ــتحيلة فيه ــل هي مس ــادات، ب ــة في العب معقولــالمعنى ــروه ب ــد... والمك ــيء واح ــة في ش بي ــية والمقر المبغوض المصطلح ال يصلح للتقرب به؛ لعــدم المصــلحة فيــه. وعليــه فــإذا قيــل مثال: إن الصــالة في اللبــاس األســود مكروهــة فليس صــالة المصلي فيه باطلة، بل هي صحيحة ومجزيــة، فــالنهي عن لباســه في الصالة إرشاد إلى أنها فيه أقل ثوابا، وأدنى مالكا، من الصــالة

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد224هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

.(339)في غيره ونحن وإن اكتفينا في المقام بــذكر كلمــات هــؤالء األعالم إال أن هــذا التحليــل معــروف في علم األصــول، حتى كــاد أن يكــونــواهي ــواهي، وهي النـ ــر من النـ ــم آخـ ــاك قسـ ــديهيا. نعم، هنـ بـ اإلرشادية، المتعلقة بالعبادات والمعامالت، كالتي تدل على مانعيةــة مثال، أو كــالنهي عن شــيء لهمــا، كــالنهي عن المعاملــة الغرريـه ال إشــكال وال خالف في داللــة الصالة في ما ال يؤكل لحمــه، فإن هذه النواهي على الفساد؛ ألنه إن أخــذ عــدم شـيء في عبـادة أوــا معاملة فسوف تقع فاسدة إن اقترنت بذلك الشيء؛ لغــرض أنهة. توجب تقييد إطالق أدلة العبادات والمعــامالت بغــير هــذه الحصــ

ولعل هذا ال خالف فيه أيضا.

ــين من4 ـ كيف يكون لبس السواد حزنا على اإلمام الحسضمن الشعائر، وبالتالي مستحبا؟

في مقام الجواب نذكر أوال بعض كلمات العلمــاء، ثم نحــاولثانيا بيان الوجه الفني لذلك.

لعل أول من تعرض لهذا األمر هو الشيخ البحراني فيأوال: )الحدائق(، فإنه بعــد أن ذكــر كراهــة الصــالة في اللبــاس األســود

×قال: ثم أقول: ال يبعد استثناء لبس الســواد في مــأتم الحســين من هذه األخبار؛ لما استفاضت به األخبار من األمر بإظهار شعائرده مــا رواه شــيخنا المجلســي عن الــبرقي في كتابــه الحزن. ويؤي

ــه قــال: »لمــا×)المحاسن( أنه روى عن عمر بن زين العابدين أن قتل جدي الحسين المظلوم الشــهيد لبس نســاء بــني هاشــم فيرنها في حر أو برد، وكــان اإلمــام زين مأتمه ثياب السواد، ولم يغي

.(340) يصنع لهن الطعام في المأتم«×العابدين وقــال الســيد الســبزواري في )المهــذب(: أقــول: في بعض

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد225هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

التواريخ أن لبس السواد كان حدادا لقتـل آل محمـد من الحسـين ، وزيد، ويحيى، بل يظهر من بعضها أن الشيعة في تلك×بن علي

األزمنة كانوا كذلك. وعلى هذا يمكن القول بأن ما ورد من كراهةــل ورد لبعض ــواقعي، ب ــه ال ــان حكم الل ــرد لبي لبس الســواد لم ي المصالح، كبيــان أن لبس الســواد بين بــني هاشــم والشــيعة ليس ألهل البيت عالقة بــه، حتى يصــير ذلــك منشــأ للظلم والجــور من

.(341)األعداء عليهم وقـــال المـــيرزا التـــبريزي: بقي أمـــر تعـــرض لـــه صـــاحب الحدائق... ولم يبين الوجه في عدم شمول هذه الروايــات لــذلك.ــاب ــنين الثي ــو أن في لبس المؤم ــمول ه ــدم الش ــه في ع والوج

م الحــرام^السوداء في وفيات األئمة ، وبالخصوص في أيام محــر ، فيحزنــون^وشــهر صــفر، إظهــارا لمــودتهم وحبهم ألهــل الــبيت

،^لحزنهم، وإن هذا العمل من المؤمنين إحيــاء ألمــر أهــل الــبيت.(342)وقد روي عنهم: رحم الله من أحيا أمرنا...

إن األحاديث التي اســتند إليهــا إلثبــات أن بــني هاشــمثانيا:ة على^وآل البيت ــام الحــزن، وخاصــ كانوا يلبسون السواد في أي

سيد الشهداء، كثيرة، ونذكر منها: ـ رواية هشــام بن ســعد، عن المشــيخة، قــال: أخــبرني أن1

× وأخبره بقتل الحسين بن علي|الملك الذي جاء إلى رسول الله كان ملك البحار، وذلك أن ملكــا من مالئكــة الفــردوس نــزل على البحر فنشر أجنحته عليها، ثم صاح صيحة، وقال: يــا أهــل البحــار،

مــذبوح، ثم حمــل من|البسوا أثواب الحزن، فإن فرخ رسول الله تربته في أجنحته إلى الســماوات، فلم يبــق ملــك فيهــا إال شــمها،

.(343)وصار عنده لها أثر، ولعن قتلته وأشياعهم وأتباعهم ـ رواية عمر بن علي بن الحسين قــال: لمــا قتــل الحســين2

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد226هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

لبس نســـاء بـــني هاشـــم الســـواد والمســـوح، وكن ال×بن علي يعمــل لهن×يشــتكين من حــر وال بــرد، وكــان علي بن الحســين

.(344)الطعام للمأتم ، فنظر×ـ رواية كامل بن إبراهيم أنه دخل على أبي محمد3

إلى ثياب بياض ناعمة، قال: فقلت في نفســي: ولي اللــه وحجتــه يلبس الناعم من الثياب، ويأمرنــا نحن بمواســاة اإلخــوان، وينهانــاــه، فــإذا عن لبس مثله، فقال مبتسما: يا كامل، وحســر عن ذراعي

.(345)مسح أسود خشن على جلده، فقال: هذا لله، وهذا لكم وهذه األحاديث وإن كانت ضــعيفة الســند، إال أن جمعهــا مــعد االطمئنـــان بالصـــدور، وهي تـــدل بحســـب الجـــامع غيرهـــا يول

قــد لبســوا الســواد؛ حزنــا على^المشــترك بينهــا أن أهــل الــبيتالحسين وأهل بيته.

ــد الســند بعها الشيخ محم وهذه الطريقة في االستدالل قد ات في كتابــه »الشــعائر الحســينية«؛ إلثبــات أن لبس الســواد من

الشعائر. كما يضاف إليه جملة األحاديث التي تحث على إحياء أمرهم. فقــد جــاء في األمــالي، للشــيخ الطوســي، في خــبر مســند قــال:

يقول ألصحابه، وأنا حاضــر:×سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمدقــوا اللــه، وكونــوا إخــوة بــررة، متحــابين في اللــه، متواصــلين، ات

.(346)متراحمين. تزاوروا، وتالقوا، وتذاكروا، وأحيوا أمرنا وكذلك جاء في خبر مسمع بن عبد الملك قال: قــال لي أبــو

× ـ في حديث ـ: أما تذكر ما صنع بــه، يعــني بالحســين×عبد الله قلت: بلى، قــال: أتجــزع؟ قلت: إي واللــه، وأســتعبر بــذلك، حــتى، فأمتنع من الطعــام، حــتى يســتبين ذلــك يرى أهلي أثر ذلك علي في وجهي، فقال: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدون من

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد227هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

.(347)أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا وكذلك جاء في البحار: عن الخصال: إن اللــه تبــارك وتعــالى اطلع على األرض فاختارنا، واختار لنا شــيعة ينصــروننا، ويفرحــون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفســهم فينــا، أولئــك

.(348)منا وإليناب على هذه األحاديث أنه ينبغي للشيعة إظهــار الحــزن ويترت لمصائب أهل البيت. وهذا أمر عرفي يختلف من زمــان إلى آخــر،ــة الممتــدة في وخاصة مع كون لبس الســواد من الشــعائر العرفي عمود الزمــان، من زمن أهــل الــبيت إلى يومنــا هــذا، إضــافة إلى جملة األحاديث التي ذكــرت، ويمكن إحصــاء العديــد غيرهــا. وإنهــاد االطمئنــان بالصــدور، ولــو ها تول وإن كانت ضعيفة األسانيد، إال أن على مستوى الجامع المشــترك بينهـا، وهــو كــاف إلثبـات أن أهــل

البيت كانوا يلبسون السواد في أيام الحزن والحداد.ــا على ــو: ســواء بنين ــام ه إال أن الجــواب الشــافي في المقــه على الثــاني كراهــة اللبــاس األســود مطلقــا أو لم نبن عليــه فإنــام الحــزن، من دون ــا في أي يكفي أن يكــون الســواد لباســا عرفي

استنكاره وشجبه من قبل العرف، ليدخل في عداد الشعائر.ــتي أفــادت كراهــة اللبــاس ــة ال وعلى األول نقــول: إن األدل األسود إنما تقصد ـ وهذا ما يفهم منها أيضا ـــ أن الكراهــة منصــبةخـذ اللبـاس األسـود شــعارا إلظهـار على كونـه لباســا. ولكن إذا ات الحزن فال كراهة. وهذا على غرار ما أفتى بــه الفقهــاء من حرمــةــالعكس، إال أن هــذا ال يكــون أن يلبس الرجــل لبــاس النســاء، وبــا ما في حاالت التمثيل التلفزيوني والمسرحي؛ ألن األدلة إنم محرــة خــذه اإلنســان لباســا في الحال ــدما يت ــاس عن ــذا اللب حــرمت ه

االعتيادية والطبيعية في حياته، دون غيرها.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد228هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

×الشعيرة الرابعة: زيارة اإلمام الحسينوفيها مطالب:

×ـ المصنفات الحديثية التي ذكرت زيارة الحسين1 أـ ذكــر ابن قولويــه القمي في »كامــل الزيــارات« عشــرات

.84 إلى بــاب 38األبواب التي ترتبط بزيــارة الحســين، من بــاب وفيها عناوين كثيرة، نحو: زيارة األنبياء والمالئكة للحســين؛ زيــارة الحسين فرض على كل مؤمن ومؤمنــة؛ ثــواب من زار الحســين. والعديد من العناوين ترتبــط ببيــان أجــر زائــر الحســين في الــدنيا

واآلخرة.ــرات من ــائل« العش ــاملي في »الوس ــر الع ــر الح ــ ذك ب ـ

ة بزيــارة الحســين تحت عنـاوين متعــددة، نحــو:×األبــواب الخاصــ استحباب زيارة الحسين ووجوبها كفاية؛ استحباب تكـرار الزيـارة، والزيــارة ولــو من بعيــد، واالســتنابة فيهــا؛ اســتحباب الزيــارة في

أوقات مخصوصة؛ وعناوين أخرى كثيرة. ولعل مجموع األحاديث المذكورة في هذا الكتاب فقط تصل

160إلى ) .(349)( حديثا ج ـ ذكر العالمة النوري في »المستدرك« أيضا عشــرين بابـا

.(350)60 إلى باب 26، من باب ×ترتبط بزيارة اإلمام الحسين

ـ حكم الزيارة2وفيه نقاط:

ـ نظرية الوجوب، األدلة والمستندات1ـ2

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد229هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

وهنا أمران: ع وجدنا العديد من العلماء قــد ذهبــوااألمر األول: بعد التتب

ــة ــا لم نقم بعملي إلى القــول بــالوجوب العيــني، مــع اعترافنــا بأنن اســتقراء واســعة، ولـو فعلنــا لظهـر لنـا المزيـد أيضـا، وإن كـانتــا عن ــد غــير من تتب ــرأي عن ــوحي بوجــود هــذا ال كلمــات بعضــهم ت

كلماتهم:ــر أـ ذهب المجلسي األول إلى الوجوب العيني. وهذا ما يظهقين(، حيث قــال: وأمــا أخبــار ثــواب من كلماتــه في )روضــة المت

×زيارة الحسين ــا إال فأكثر من أن تحصى، ولشهرتها لم يذكر منهــه×قليل، بل يظهر من األخبار الكثيرة وجوب زيارته . ولهذا قال ب

جماعة من أصحابنا، بل ذهب طائفة إلى وجوب زيــارة كــل واحــد ولو مرة في جميع العمر؛ لمــا تقــدم في الصــحيح أن^من األئمة

.(351)لكل إمام عهدا في عنق أوليائه ب ـ وقال المجلسـي الثـاني: ثم اعلم أن ظـاهر أكـثر أخبـار

، بـل×هذا الباب، وكثـير من أخبـار األبـواب اآلتيـة، وجــوب زيارته كونهــا من أعظم الفــرائض وآكــدها. وال يبعــد القــول بوجوبهــا في العمر مرة مع القدرة. وإليـه كـان يميـل الوالـد العالمــة نـور اللـه

.(352)ضريحه... وال يبعد القول به أيضا ج ـ وقال الشيخ البحراني في )الحدائق(: واألخبار في فضل

مستفيضة. والظاهر في كثير منها الوجــوب. وإليــه يميــل×زيارته كالم بعض أصحابنا. وليس بذلك البعيد. فمنهـا: مـا يـدل على أنهـا فرض على كل مؤمن، وأن من تركها ترك حقا لله ورســوله، وأن

.(353)...|تركها عقوق لرسول اللهــني ــالوجوب العي د ـ قد سمعنا من بعض المعاصرين القول ب أيضا على كل مؤمن في العمــر مــرة. واســتند في ذلــك إلى خــبر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد230هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

محمد بن مسلم الذي سيأتي ذكره عند بيان أدلة هذه النظرية. وهو في بيان أدلة هذه النظرية، ومناقشتها.األمر الثاني:

وقبل البدء بعرض األدلة نقول: إن النقــاش في الداللــة علىــه غــير الوجوب ينحصــر بالــدليل الــروائي. فال مجــال لإلجمــاع؛ ألن حاصل في المقــام. وبالتــالي فنحن لم نـذكر في األمــر األول كــلن كل األحاديث التي ضوا لها؛ ألننا نحاول هنا أن نبي األدلة التي تعر

يحتمل داللتها، أو أنهم تمسكوا بها إلثبات نظريتهم، فنقول: : لــو×ـ رواية عبد الرحمن بن كثير، قال: قال أبو عبــد الله1

×أن أحدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين بن علي لكان تاركا حقا ؛ ألن حق الحسين فريضـة من اللــه تعـالى|من حقوق رسول الله.(354)واجبة على كل مسلم

إال أن هــذا الحــديث ضــعيف الســند؛ بكــل من: الحســين بن محمد بن عالن؛ محمد بن يزيد؛ علي بن الحسن؛ عبد الرحمن بن

كثير. : ســألته عمن×ـ رواية هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله2

من غير علة؟ فقــال: هـذا رجــل×ترك الزيارة زيارة قبر الحسين.(355)من أهل النار

إال أن الحديث مرسل ال يعتمد عليه. يقــول:×ـ رواية علي بن ميمون، قال: سمعت أبا عبد الله3

×لو أن أحدكم حج ألــف حجــة ثم لم يــأت قــبر الحســين بن علي . وسئل عن ذلك، فقال:|لكان قد ترك حقا من حقوق رسول الله

.(356) مفروض على كل مسلم×حق الحسينوهو حديث مرسل.

ـــ في حــديث×ـ رواية هشام بن ســالم، عن أبي عبــد الله4ــا لمن طويل ـ أنه أتاه رجل فقال: هل يزار والدك؟ قال: نعم، فم

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد231هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

زاره؟ قال: الجنة إن كان يأتم به، قال: فما لمن تركه رغبة عنــه؟.(357)قال: الحسرة يوم الحسرة

قوا إال أنه ضعيف؛ بعبد الله األصم. والثالثة الذين قبله لم يوثفي كتب الرجال.

ــو عبد5 :×الله ـ رواية أم سعيد األحمسية، قالت: قال لي أب ؟ قالت: قلت: نعم، قال: يـا أم×يا أم سعيد، تزورين قبر الحسين

سعيد، زوريه؛ فإن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء.ق. وهو ضعيف؛ ألن أم سعيد لم توث

ــام×ـ رواية الوشاء، قال: سمعت الرضا6 يقول: إن لكل إمــارة ــد زي عهدا في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعه

.(358)قبورهم ولهذا الحديث طرق ثالثة، كلها ضعيفة السند؛ بعبيــد اللــه بن

ق. موسى، فإنه لم يوث : لــو×ـ رواية عبد الرحمن بن كثير، قال: قال أبو عبــد الله7

لكــان تاركــا حقــا من×أن أحدكم حج دهــره ثم لم يــزر الحســين فريضــة من اللــه واجبــة|؛ ألن حق رسول الله|حقوق رسول الله

.(359)على كل مسلم إال أن هذا الحديث ضعيف؛ بعلي بن حســان، وعبــد الــرحمنــعيف، فاســد االعتقــاد؛ وعن بن كثــير، حيث قيــل عن األول: ض

الثاني: ضعيف، وضاع للحديث. ــــ روايـــة محمـــد بن محمـــد المفيـــد في )اإلرشـــاد(، عن8ــر× قال: زيارة الحسين بن علي×الصادق واجبة على كل من يق

.(360)للحسين باإلمامة من الله عز وجلوهذا حديث ضعيف.

وبهذا يظهر أن األحاديث الثمانية المتقدمة ضعيفة السند.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد232هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

قال: حق على الغني×ـ رواية ابن رئاب، عن أبي عبد الله9ــبر الحســين بن علي ــأتي ق ــرتين؛ وحــق على’أن ي في الســنة م

.(361)الفقير أن يأتيه في السنة مرة وهذا الحديث صحيح السند، بناء على حجية مراسيل ابن أبي عمير. وهذا بحث كبروي في علم الرجال قد تعرضنا له في بعض

أبحاثنا الرجالية، وانتهينا إلى كون مراسيله ـ كمسانيده ـ حجة. ، قــال: مــروا×ـ روايــة محمــد بن مســلم، عن أبي جعفر10

، فإن إتيانه مفترض على كــل مــؤمن×شيعتنا بزيارة قبر الحسين.(362)يقر للحسين باإلمامة من الله عز وجل

ق. وهذا حديث موث قــال: مــروا×ـــ روايــة محمــد بن مســلم، عن أبي جعفر11

؛ فــإن إتيانــه يزيــد في الــرزق، ويمــد×شيعتنا بزيارة قبر الحسينــل مــؤمن في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفروض على ك

.(363)يقر للحسين باإلمامة من اللهولهذا الحديث طرق ثالثة، كلها صحيحة.

وفي مقام المناقشة الداللية لهــذه األحــاديث نقــول: ســوفنتعرض أوال إلى األحاديث الصحيحة.

قال: حق على الغني أن يأتي قبر الحســين مــرتين؛فاألولــدل على ــان ال ي ــذا اللس ــرة. وه ــه م ــير أن يأتي ــق على الفق وحــة على ــامع الطلب، من دون دالل الوجوب؛ ألن كلمة الحق تفيد ج الوجوب أو االستحباب، بل هناك إجمــاع على عــدم الوجــوب على الغني في السنة مرتين. فهذا اللسان؛ بقرينة غيره من األحاديث،

د. يدل على االستحباب المؤك فــإن لســانه وإن كــان لســان الوجــوب، إال أننــاالثانيوأما

سوف نذكر القرائن التي تجعلنا نتخلى عن هذا الظهــور لمصــلحة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد233هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

د. وكذلك الثالث.االستحباب المؤك وأما األحاديث المتقدمة، والتي قلنا فيها: إنها ضعيفة الســند، فأغلبها ال يحمل لسانا أقوى من لسان األحاديث الصحيحة. إضافة إلى عدم إمكان االستدالل بالصيغة اللسانية في كل نص، بل البد، حتى بناء على نظرية الوثوق بالصدور، ال نظرية وثاقة الرواة، من االطمئنان إلى الجــامع بينهــا، وهــو ال يعــدو أكــثر من الحث األكيــد على الزيارة، دون الداللــة على الوجــوب؛ ألن أغلبهــا ال يــدل على

ذلك.د، دون ــول باالســتحباب المؤك ــا نق ــتي تجعلن ــرائن ال ــا الق وأم

الوجوب، فهي: : جعلت×: علي بن مهزيـــار، قـــال: قلت ألبي جعفراألولى

؟× أفضـل أم زيـارة أبي عبـد اللـه الحسـين×فداك، زيارة الرضا يزوره كل الناس،×الله فقال: زيارة أبي أفضل؛ وذلك أن أبا عبد

.(364)وأبي ال يزوره إال الخواص من الشيعة ولهذا الحــديث طــرق أربعــة، كلهــا صــحيحة الســند. وداللتهــال زيــارة أبيــه على زيــارة اإلمــام واضحة؛ ألن اإلمــام عنــدما يفضــ

الحسين فإن هذا يكشف عن عدم وجوب زيارته. قــال:×: رواية عنبسة بن مصعب، عن أبي عبــد اللهالثانية

ــبر الحســين ــأت ق ــان،×من لم ي ــان منتقص اإليم حتى يمــوت ك.(365)منتقص الدين، إن أدخل الجنة كان دون المؤمنين فيها

ق. وداللته على عــدم الوجــوب واضــحة؛ ألن وهذا حديث موث الزيارة لو كانت واجبة لكان المفــروض أن يكــون التــارك لهــا في النــار، ال في الجنــة دون المؤمــنين. فهــذا اللســان هــو لســان

االستحباب األكيد. قـال: من×: روايــة داوود الحمــار، عن أبي عبــد اللهالثالثة

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد234هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

فقــد حــرم خــيرا كثــيرا، ونقص من عمــره×لم يزر قبر الحســين.(366)سنة

دة؛ ــه مرســل. ولكن داللتــه جي والحــديث ضــعيف الســند؛ ألنبلحاظ أن حرمان الخير عالمة االستحباب، ال الوجوب.

وهناك عــدد كبــير جــدا من األحــاديث يـدل على االســتحباب، دون الوجــوب. وال نــرى حاجــة لســردها كاملــة، وإنمــا نشــير إلى

ألسنتها، وهي:أـ ال ينبغي التخلف عنه أكثر من أربع سنين.

ب ـ من لم يأته كان منتقص اإليمان.ج ـ من لم يأته فليس من شيعتنا وإن كان من أهل الجنة.

د ـ من لم يكن للحسين زوارا كان ناقص اإليمان.هـ ـ إنك لمحروم من الخير.

ــدعىالرابعة : عــدم إفتــاء المتقــدمين بــالوجوب، بــل قــد ياإلجماع على االستحباب.

ـة في زمن األئمةالخامسة ــ ؛ ألن هـــذا^: الســـيرة العمليــو كــان على نحــو الوجــوب لظهــر وشــاع أمــره، ولكــان الحكم لـة قرينـة أو إشـارة تـدل على واضحا، على غرار الحج، وال توجد أي

هذا. هذا تمام الكالم في النظرية األولى. وقد ظهر لنا عدم صحةــرى من م. وال ن ــو المحك الحكم بالوجوب العيني، بل االستحباب ه

داع للبحث حول نظرية االستحباب، فتبقى النظرية الثالثة.

ـ نظرية الوجوب الكفائي2ـ2ــة وجــدنا رأيــا يقــول بــالوجوب ع في المصادر الفقهي بعد التتب الكفائي. إال أننا لم نعثر على كالم واضح ألحد العلمــاء يــذهب إلى هذا القول، سوى ما ذكره الحر العاملي في بعض عناوين األبواب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد235هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

من كتــاب المــزار هــذا37 من »الوسائل«، فقــد ذكــر في البــابد اســتحباب زيــارة الحســين بن علي ، ووجوبهــا’العنوان: بــاب تأك

كفاية. من هــذا الكتــاب، فقــال: بــاب44وكــذلك فعــل في البــاب

على شيعتهم كفايــة. والــذي يفهم^وجوب زيارة الحسين واألئمة من كالمه هــو القــول بوجــوب زيــارة اإلمــام الحســين، بــل ســائر

، على نحــو الكفايــة. ولعــل مقصــوده أن ال يخلــو المقــام^األئمةــات األئمة ــائر مقام ــدس، أو س ــا^المق ــترددون إليه ، من زوار ي

بشكل مستمر. والذي يجعلنا نصنف الشيخ الحر في عــداد القــائلين بــالوجوبـه إذا الكفائي هو أنه إنما يذكر عنـاوين األبـواب تبعـا الجتهـاده. ثم إن أردنا البحث في كال البابين لمعرفـة هـذه األحـاديث الـتي تـدل على

الوجوب الكفائي فيمكن لنا استعراض ما يلي: قال: مروا شــيعتنا×ـ خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر1

؛ فــإن إتيانــه مفــترض على كــل مــؤمن يقــر×بزيارة قبر الحسين. للحسين باإلمامة من الله عز وجل

ق. إال أننا إذا أردنا حمل وقد ذكرنا سابقا أن هذا الحديث موث الحديث على الوجوب فهو يدل على الوجوب العيني، ال الكفــائي؛

بقرينة ذيله. : لو أن×ـ خبر عبد الرحمن بن كثير قال: قال أبو عبد الله2

لكان تاركا حقا من حقــوق×أحدكم حج دهره ثم لم يزر الحسينــل|رسول الله ، ألن حق رسول الله فريضة من الله واجبة على ك

مسلم.ــه إذا أراد وقــد ذكرنــا أن هــذا الحــديث ضــعيف الســند، إال أن البعض أن يستفيد منــه الوجــوب فهــو دال على الوجــوب العيــني؛

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد236هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

بقرينة الذيل. يقــول: إن لكــل إمــام×ـ خبر الوشاء قال: ســمعت الرضا3

ــارة ــد زي عهدا في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهقبورهم.

ــه ضــعيف الســند. نعم، من الممكن أن وقــد ذكرنــا ســابقا أن على الوجــوب الكفــائي؛ بلحــاظ أن العهــد يكون هذا الحــديث داال إنما كان على الشيعة، فيكون الوجوب متعلقا بهم. إال أنه ال مجال

العتماده؛ لضعفه السندي. قال: مروا شــيعتنا×ـ خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر4

؛ فــإن إتيانــه يزيــد في الــرزق، ويمــد في×بزيــارة قــبر الحســين العمر، ويدفع مــدافع الســوء، وإتيانــه مفــروض على كــل من يقــر

للحسين باإلمامة من الله. وقد ذكرنا أنه صــحيح الســند. وناقشــنا داللتــه على الوجــوب في ما سبق. وهو ال يدل على الوجوب الكفائي؛ ألن الغــرض إنمــا كان في لسان الرواية على كل مؤمن يقر للحسين باإلمامة، فإنــا ذكرنــا ســابقا أن دل على الوجوب فهو العيني، ال الكفــائي، إال أنــال القرائن العديدة قامت على عدم الوجوب العيني. وعلى أية ح

فال داللة فيه على الكفائي. قــال: زيــارة×ـــ خــبر المفيــد في )اإلرشــاد(، عن الصــادق5

واجبة على كل من يقــر للحســين باإلمامــة من’الحسين بن عليالله عز وجل.

وهــو ضــعيف الســند. وإن دل على الوجــوب فهــو العيــني، الالكفائي. وقد تقدم نقاشه في ما سبق.

يقــول:×ـ خبر إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبـد الله6 ليس شيء في السماوات إال وهم يسألون اللــه أن يــأذن لهم في

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد237هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

.(367)، ففوج ينزل، وفوج يعرج×زيارة الحسينــدل ه إن دل على شيء فهو ي وهذا الخبر صحيح السند، إال أن

على االستحباب. كما أنه يدل على عدم خلو المقام من الزوار.ــا على ـدعى داللته ـ ــد ي ــتي ق ــاديث ال ــل األح ــذه هي مجم ه الوجوب الكفائي. وقد تحصل معنا أن ال داللــة في النصــوص على

هذه النظرية. وقد قال السبزواري في )مهذب األحكام(: وأما منشأ القول

قــال:×بالوجوب الكفائي، كخبر محمد بن مســلم، عن أبي جعفر ؛ فــإن إتيانــه يزيــد في الــرزق،×مروا شيعتنا بزيارة قبر الحســين

ويمد في العمر، ويدفع مــدافع الســوء، وإتيانــه مفــترض على كــلد مؤمن يقر له باإلمامة من الله، ففيه: إنه البد من حمله على تأك

الندب؛ بقرينة صدره وسائر األخبار. ×وأما األخبار الدالة على أن ترك زيارتــه من الجفــاء، كقوله

أيضا: زوروه وال تجفوه؛ فإنه سـيد الشــهداء...، ففيهــا: إن الجفـاء بمعنى البعد وعدم الخير. والبعد له مــراتب. وتــرك المنــدوب مــعن منه نحو بعد عن الشرع؛ إذ ليس كل بعد يوجب استحقاق التمك العقاب. وفي الحديث: إن االســتنجاء بــاليمين من الجفــاء. فــترك

كل أدب شرعي جفاء. ، قال: ســألته×وأما خبر هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله

ــل× من غير علة؟ فقال×عمن ترك زيارة قبر الحسين ــذا رج : هــه يصــلح للوجــوب لــوال قصــور ســنده، ــار، ففيــه: إن من أهــل النــني لمن ــه، مــع أن ظــاهره الوجــوب العي وإعــراض المشــهور عنــة. ن، وال قائل بــه. نعم، قــد تجب كفايــة؛ ألجــل جهــات خارجي تمك

.(368). وال إشكال فيه^وكذا زيارة سائر األئمةويمكن التعليق على ما أفاده بما يلي:

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد238هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

: قــد ذكرنــا بعض الــذين قــالوا بــالوجوب، وليس منأوالالصحيح القول بأنه ال قائل بالوجوب العيني.

ــا ــتي تصــرف بعضثاني ــرائن ال ــد من الق ــا العدي ــد ذكرن : ق األحاديث المتقدمة من الداللة على الوجوب العيني، وليس المانع

فقط قصور السند وإعراض المشهور. ــا ــه: ثالث ــات خارجية»: إن قول ــة ألجــل جه ــد تجب كفاي «ق

ـة األخــرى، كصــدق عنـوان صحيح. ولكن هذا يكـون من بـاب األدل االستخفاف باإلمام مع عــدم الزيــارة، وغــيره من العنــاوين، الــتيــا في ــان إلى آخــر، ومن عــرف إلى آخــر. وكالمن ــف من زم تختل

المقام هو بلحاظ األدلة األولية، بعيدا عن العناوين الطارئة. والمتحصل عدم صحة االتجاه القائل بالوجوب، ال العيني، وال

الكفائي. والصحيح هو القول باالستحباب األكيد.

مشيا×ـ زيارة الحسين3 في أبــواب المــزار41ذكــر »صــاحب الوســائل« في البــاب

عهــا الســندي وجــدنا أنهــا بأجمعهــا ضــعيفة ستة أحــاديث. وبعــد تتبــائل: ــا في الوس ــا لترتيبه ــالي، تبع ــكل الت ــند، وهي على الش الس

ضعيف؛ بالحسن بن علي بن أبي عثمان، وجهالةالحديث األول ضــعيف؛ ببشــيروالثـانيعبد الجبار النهاوندي، وأبي إســماعيل.

ضعيف؛ بأبي الصامت، وجــابروالثالثالدهان، وصالح بن عقبة. ضــعيف؛والخــامس مرسل ال يعتمــد عليــه. والرابعالمكفوف.

والســادسبالحسين بن الحكم الصيرفي، وأبي حماد األعــرابي. ضعيف؛ بأحمد بن بشير، وأبي سعيد القاضي.

وعليه فمن يعتمد على مبنى حجية خبر الثقة ال يمكنه الحكم باالســتحباب. نعم، على مبــنى الوثــوق بالصــدور قــد تكــون هــذه الروايات تفيد وثوقا بالصدور. وعلى كل المباني يمكن األخذ بهذه

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد239هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

األخبار من باب االلتزام بقاعدة التسامح في أدلة السنن. كما تبقى اإلشارة إلى أنه قد نقل إلينا عن بعض المعاصرين قوله: إنه ال يوجد عندنا أحاديث في اســتحباب المشـي إلى زيـارة

؛ فإن قصد عدم اعتبار الموجود سندا فهذا صحيح؛ وإن×الحسينقصد عدم الوجود الواقعي فهو اشتباه في قضية بديهية.

×ـ تكرار زيارة الحسين4 ذكر الحر العاملي في »الوسائل« خمســة أحــاديث في هــذا

( من أبــواب المــزار، وهي، حســب ترتيبــه:40الباب، وهــو بــاب ) في غاية الضــعف؛ بســبب ضــعفوالثاني: صحيح السند. األول

ــةوالثالثعدد من رجاله، ومجهولية عدد آخر. ضــعيف؛ بمجهوليــه. ــة من رجال صــحيح الســند، ودال على اســتحبابوالرابعثالث

ضعيف؛ بمحمد بن علي، ومجهولية محمد بنوالخامسالتكرار. ناجية.

.×والمتحصل استحباب تكرار زيارة الحسين

ـ استحباب زيارته في أوقات مخصوصة5 حتى49ذكر الحــر العــاملي األوقــات المخصوصــة من بــاب

من أبواب المزار. وعليه فــإن ثبتت هــذه المجموعــة من57باب ا، وإال األحاديث فيكـون للزيـارة في هـذه األوقـات اسـتحبابا خاصـــد من البحث في فهي تبقى تحت االستحباب العام. وال نريد المزي

هذه النقطة.ــام ــارة اإلم ــول زي ــه ح ــديث في ــا الح ــا أردن ــل م ــذا مجم ه

، وإال فهنـاك العديـد من العنـاوين يمكن بحثهــا في هـذا×الحسينــو البحث في أصــل ــا ألن هــدفنا ه ــا طرحه ــد تركن الموضــوع، وق

استحباب الزيارة. وقد ثبت أنها من الشعائر الحسينية.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد240هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

الشعيرة الخامسة: الرواية في واقعة عاشوراء وما يتعلق

بها من أحداث والمقصود من هذا العنــوان بيــان الضــابطة الــتي تســمح لنــا

أو بعــد×بذكر األحداث والوقائع التي جــرت مــع اإلمــام الحســينشهادته مما يتعلق بواقعة كربالء.

وهذه مسألة مهمة فإنها داخلــة حتمــا تحت عنــوان الشــعائر الحسينية؛ ألن األحاديث التي مــرت معنــا حــول الحث على إحيــاء

تشمل رواية األحداث والوقائع التي جرت معهم؛^أمر أهل البيت إما بداللة مطابقية؛ أو بانطباق العنــوان العــام المــذكور على هــذا

العمل.ــه كيــف يمكن ولكن النقطة المركزية في هــذا البحث هي أنــدا عن ــداث الصــحيحة، بعي ــبرة واألح ــات المعت ــد الرواي ــا تحدي لنز ــة؟ أو كيــف نمي المزايدات والتضخيمات لبعض األحداث الكربالئي األحداث لمعرفة كونها تدخل حقيقة في تــاريخ كــربالء أو أنهــا من

المدسوسات التي لم يذكرها أي مصدر تاريخي؟ ولعله من الواضح أنه مــع تــوالي األزمنــة حــدثت العديــد من عمليات التضــخيم في بعض األحــداث العاشــورائية، تحت عنــاوين وخلفيــات متعــددة. ولــذا نحن في هــذا الــزمن في أمس الحاجــةـــات التبـــديل ــا أصـــابه من عملي لتنقيـــة الـــتراث الكـــربالئي ممـ والتحريف. ولهذا وضعنا هذا العنــوان لمعرفــة األحــداث الصــحيحة التي يمكن لنا نسبتها إلى التاريخ الحســيني، وبالتــالي نعــذر أمــام

الله تعالى في ما نقول. وقبل بيان الضابطة في الروايات الحســينية نقــول: إن لكــل علم من العلوم ميزانا في طريقة االعتماد على الروايات والوقائع

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد241هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

التاريخية. ولهذا سوف نعمد ـ باختصار ـ إلى بيــان هــذه الضــوابطوالموازين في عدة علوم، وهي:

ـــ ضــابطة االعتمــاد على الروايــات في مجــال األحكــام1الشرعية.

ـ ضابطة االعتماد على الروايات في مجال العقائد.2ـ ضابطة االعتماد على الروايات في مجال التاريخ.3 ـــ ضــابطة االعتمــاد على الروايــات في الجــانب القصصــي4

والتمثيلي.وهنا مطالب:

ـــ ضــابطة االعتمــاد على الروايــات في مجــال األحكــام1الشرعية

وبحثنا في هذا المطلب يرتكز على بيان األقوال واالتجاهــاتــات التقــييم والمناقشــة في ــدخول في عملي القائمــة، من دون ال

صحة بعضها أو سقمه.واألقوال ـ في حدود ما اطلعنا عليه ـ هي:

: إن الحجة هو الخبر المتواتر، دون خبر الواحــد. وقــداألول ذهب إليه العديد من المتقــدمين، نحــو: الســيد المرتضــى، القائـلـا إذا كنـا قـد دللنـا على أن خـبر الواحــد غـير في الذريعة: اعلم أن مقبول في األحكام الشرعية فال وجه لكالمنا في فروع هذا األصل الذي دللنا على بطالنه؛ ألن الفرع تــابع ألصــله، فال حاجــة بنــا إلى الكالم عن أن المراسيل مقبولة أو مردودة، وال على وجــه تــرجيحــرد في ــبر أو ال ي ــه الخ ــرد ل ــا ي ــار على بعض، وفي م بعض األخب تعارض األخبار، فذلك كله شــغل قـد سـقط عنـا؛ بإبطالنـا مــا هــو

.(369)أصل لهذه الفروع

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد242هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

كما أن ابن إدريس الحلي قد شن حملة عنيفة على االعتماد على خبر الواحد، فقال: فعلى األدلـة المتقدمـة أعمـل، وبهـا آخـذ وأفتي وأدين الله تعالى، وال ألتفت إلى سواد سطور، وقول بعيــد عن الحق مهجور، وال أقلد إال الدليل الواضح، والبرهــان الالئح، وال

.(370)أعرج إلى أخبار اآلحاد، فهل هدم اإلسالم إال هي؟! ونحن لسنا في مقام استعراض كافة العلماء والقــائلين بهــذا

الرأي، وكلماتهم، بل هدفنا مجرد اإلشارة ال أكثر. كما قد ذهب إلى هذا ابن الــبراج، والطبرســي، وابن زهــرة، وابن شهرآشوب. ويمكن مراجعة كتاب »نظرية الســنة«، للشــيخ

.(371)حيدر حب الله، لالطالع الوافي في هذا المجال : إن الحجة هو الخــبر الموثــوق الصــدور، ســواء كــانالثاني

ــد ــه الشــيخ األعظم في )فرائ خــبر ثقــة أم ال. وهــذا مــا ذهب إلي.(372)األصول(

كما يظهــر من كتــاب »الشــعائر الحســينية«، للشــيخ محمــدالسند، اعتماده على هذا المبنى.

: إن الحجة هــو خصــوص خــبر العــدل اإلمــامي. وقــدالثالث . كمــا(373)ذهب إليه الشيخ حسن نجل الشهيد الثــاني في المعــالم

نســب إلى صــاحب المــدارك القــول بــه أيضــا. ولكن بعــد البحث والتحقيق وجدنا أنه من المتشددين لمصــلحة هــذا القــول. ويمكنــدارك ــه )م ــة كتاب ــع مراجع ــذا الموضــوع م ــد في ه االطالع الزائ

األحكام في شرح شرائع اإلسالم(. : إن الحجة هو خبر الثقة، سواء عمل به المشــهور أوالرابع

.(374)أعرض عنه. وهذا ما ذهب إليه السيد الخوئي : ما ذهب إليـه الســيد الشــهيد الصـدر وغـيره، منالخامس

القول بحجية خبر الثقة المفيد للوثوق، بحيث إذا أعرض المشهور

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد243هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ر عن خبر ثقة ال يبقى مجال لالعتمــاد عليـه. وهـذا مـا ذكـره مقـربحثه في مباحث الدليل اللفظي.

ــه ال حاجــة ويمكن أن تكون هنــاك آراء وأقــوال أخــرى، إال أن لذكرها بعد كون ما ذكر هو المشهور المعروف على مستوى تعدد

اآلراء وتشعبها.

ـ ضابطة االعتماد على الرواية في مجال علم العقائد2ويوجد في المقام عدة أقوال أيضا:

: هو الرأي القائل بعدم حجية الظن مطلقــا، بمــا فيــهاألول خــبر الواحــد في بــاب العقائــد. هــذا وقــد ذهب الكثــير من علمــاء الطائفة إلى اشتراط العلم في العقائد، ورفض الظن. ولعل أقدم من ذهب إلى هــذا االتجــاه هــو الســيد المرتضــى، حيث يقــول: أال

من التوحيد ترى أن هؤالء بأعيانهم قد يحتجون في أصول الدين ـ والعدل والنبوة واإلمامة ـ بأخبار اآلحــاد. ومعلــوم عنــد كــل عاقــل

.(375)أنها ليست بحجة في ذلكــالوا إلى وقد بحث علماء أصول الفقه في هذا الموضوع، ومفات كــل من: الخراســاني في هــذا القــول. ويمكن مراجعــة مصــن )الكفايــة(؛ والعــراقي في )نهايــة األفكــار(؛ والنــائيني في )فوائــد

األصول(، وغيرهم كثيرون أيضا. : هو القائل بإمكان االعتماد على الظن وأخبار اآلحــادالثاني

ــول ــه »األص ــاني في كتاب ــال الفيض الكاش ــد ق ــد. فق في العقائ األصلية«: ال يجوز التعويل على الظن في االعتقــادات إال مــا صــح

.(376)^عن أهل البيتــل ــان(: ب وقال المقدس األردبيلي في )مجمع الفائدة والبره ظني أنه يكفي في األصــول الوصــول إلى المطلــوب كيــف كــان،

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد244هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

.(377)بدليل ضعيف باطل، وتقليد كذلك هــذا وقــد تبنى بعض المعاصــرين في مجلس درســه هــذا القول، قائال: إذا قام خبر معتبر على عــدد األئمــة، أو على كــونهم منصوصـا عليهم، أو على بعض صـفاتهم، نحـو: العصـمة، وواليتهم التكوينية، أو علمهم بالغيبيات، فهــل يكــون الخــبر حجــة في هــذه

الموارد أم ال؟ أمــا الظن الخــاص، وهــو الخــبر المعتــبر، فحجــة؛ وذلــك ألنــة، ــام الحج ــع قي ــمونها م ــد القلب على مض ــا عق ــوب فيه المطلــة. ومــا والمفــروض قيامهــا تبعــا لكــل المبــاني في تفســير الحجي اشتهر على ألسنة بعض المتعلمين، من أن خبر الثقــة ليس حجــةــة لــه في األمور العقائدية، غير تام. وأما الظن االنسدادي فال حجي في المقام؛ ألن حجيته فــرع عــدم إمكــان االحتيــاط، وهــو ممكن، وذلك بأن يعقد المكلف قلبــه على مـا هــو الواقـع، وإن لم يعــرف

الواقع بعينه. : هو القائل بالتفصيل بين ما يجب معرفته عقال وبينالثالث

ما يجب عقد القلب عليه والتسليم لــه. فــالظن حجــة في الثــاني، دون األول. وقد ذهب إلى هــذا القــول الســيد الخــوئي في أبحاثــه األصولية. ولو فحصنا لربما عثرنا على غيره أيضا ممن يذهب إلى هذا القول. وقد قال السيد الخوئي بالنسبة إلى القسم األول: إنه ال ينبغي الشك في عدم جواز االكتفاء بالظن في ما يجب معرفته عقال، كمعرفة الباري، أو شرعا، كالمعاد الجســماني؛ إذ ال يصــدق عليه المعرفة. وأما الثاني فإن كان دليله من الظنون الخاصة فهود الشرعي؛ وإن حجة، أي يمكن عقد القلب عليه؛ فإنه ثابت بالتعب

.(378)كان من الظنون المطلقة ـ بناء على االنسداد ـ فليس بحجة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد245هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ـ ضابطة االعتماد على الروايات في مجال التاريخ3 من الواضح أن علم التاريخ بما يحتوي من تاريخ اإلسالم من مكة إلى المدينة، إلى تاريخ ما بعد وفاة النـبي، وصــوال إلى تـاريخ

، قد دخلت عليه العديــد من عوامــل#الغيبة إلمام الزمان المهدي التحريف والتزييف؛ ألغراض متعددة. ولهذا كان لزاما علينا البحث لتعــيين ضــوابط عامــة في مجــال البحث التــاريخي. وليس لزامــا توفر كافة هذه الضوابط مع كل مفردة تاريخية، بــل المقصــود أن تكــون هــذه المعــايير هي اإلطــار العــام الــذي يحكم ســير البحث التاريخي، تبعا للحاجة في الموارد الجزئية لبعض هذه الشروط أو

عدم الحاجة إليها.ــره بعض المحققين في ــا ذك ــب م ــ بحس ــوابط ـ ــذه الض وه

التاريخ اإلسالمي، مع بعض التنقيح والتوضيح من جانبنا ـ هي:د من ســـالمته من1 ــــ دراســـة شخصـــيات الســـند؛ للتأك

الوضاعين، وأصحاب األهواء السياسية أو المذهبية.ــ التركــيز على المصــادر األصــلية في التــاريخ اإلســالمي،2 ـ

ــد في تقــييم ــار الوحي ــون هي المعي ولكن ال على أســاس أن تكـة أكــبر وأرجح من المصــادر ـ األحــداث، بــل إن قيمتهــا المعرفي

المتأخرة. ـ عدم مخالفة البديهيات. وهذا ما نحتاج إليــه في الروايـات3

العقائدية. فعندما يقــوم الــدليل القطعي على عــدم جســمية اللــهــة تعالى ال يمكن تصديق الروايــات الــتي تنســب إلى الــذات اإللهي

اليد، والرجل، والساق، وما شاكل.4 ـ اإلمكانية التاريخية. فإن الخبر المنقول عن عائشة ـــ مثال

ــا قــالت: مــا فقــدت جســد رســول اللــه في ليلــة اإلســراء ـــ أنه بعد|والمعراج ال يمكن تصديقه؛ ألن عائشة انتقلت إلى بيت النبي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد246هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

الهجرة، وإن حادثة المعراج قد وقعت قبل الهجرة.ـ عدم مخالفة الحقائق الثابتة باألدلة القطعية.5 ـ االنسجام مع األجــواء والمناخــات والظــروف الــتي كــانت6سائدة.ــه في7 ـ معيار العرض على كتاب الله تعالى. وهذا نحتاج إلي

ــبي واألئمة ،^مجال التدقيق في األحاديث الواردة على لســان الن بــل وتحديــد معــالم شخصــية النــبي؛ فــإن االعتمــاد على الصــورةــير من ــريم، ال على كث ــرآن الك ــالم في الق ــبي اإلس ــاطعة لن الس الخرافات واألكاذيب التي دست في تاريخه من أجل اإلساءة إليه،

ال يمكن|حتى يمكن القول: إن بعضا مما ينســب إلى رســول اللهلمؤمن عادي في بالد المسلمين أن يفعله.

ع8 ـ عدم اعتماد الجانب السندي فقــط، بــل البــد من التوســد من عــدم الجعــل في البحث لجمــع الشــواهد والقــرائن؛ للتأك

والتحريف. ـ أن ال يكون المصنف يحدث بمــا يجــر منفعــة إلى مذهبــه،9

وإال فسوف تخف نسبة التصديق به.ـة10 ــ ــوانين الطبيعي ــة عن القـ ــداثا غريبـ ــ أن ال ينقـــل أحـ ــ

ــو ــا ل ــة، أو هي في حقيقته ــداثا قريب ــون أح ــة، بحيث تك المتعارفــتهرت صحت، من المعاجز. فإن هذه األحداث لو صح وقوعها الش بين الناس؛ بلحاظ كونها أمرا عجيبا وغريبا. وهذا مــا ينطبــق على

.×بعض األحداث التي ذكر أنها جرت بعد شـهادة اإلمــام الحســيند عليه العالمة الطباطبائي، فيقول: ال يكفي في ثبوت وهذا ما يؤك

.(379)األمر الخارق للعادة خبر الواحد هذا تمام الكالم في مــا يتعلق بالضــوابط العامــة للبحث في علم التاريخ، ولكن هناك فرق بين البحث التــاريخي، ولــو أدى إلى

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد247هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ترجيح معطيات على أخرى، وبين جواز اإلخبار به. وقـد قــال الســيد الخــوئي في المقــام: إن الظن المطلــق ال حجية له في جواز اإلخبار بالمتعلق، وأما الظن الخــاص فالبــد منــه على مســلكنا يكــون التفصيل بين مسلكنا ومسلك اآلخونــد؛ فإند، وعليــه ــة للظن الخــاص اعتبــاره علمــا بالتعب معــنى جعــل الحجي فيجوز اإلخبار بمتعلقه؛ ألن جــواز اإلخبــار منــوط بــالعلم بــه، وقــد

د الشرعي. حصل لنا العلم من خالل التعبــة لشــيء ال وهــذا بخالف مســلك اآلخونــد، فــإن جعــل الحجي يعقل إال إذا كان لمؤداه أثــر شــرعي، وهــو منتــف في المقــام؛ إذــة، ــة والتاريخي ب على القضــايا الخارجي ليس من أثر شــرعي يــترت وأما جــواز اإلخبــار عن شــيء فهــو من آثــار العلم بــه، ال من آثــار المعلوم بوجوده الواقعي. ولذا ال يجوز اإلخبار عن شيء مع عــدم

العلم به، ولو كان ثابتا في الواقع. ويظهر الفرق بين المسلكين أيضا أنه على مسلك اآلخوند ال يجوز اإلخبار البتي بما في الروايات من الثواب على المســتحبات

،^أو الواجبات، بل البد من نصب قرينة دالة على أنه مروي عنهم.(380)بأن نقول: روي أنه من صام في شعبان له كذا...

ــار وبهذا تبين لنا أنه على مسلك السيد الخوئي ال يجوز اإلخب بمتعلق الخبر إال إذا ثبت بطريق معتبر. وهذا يشمل كل ما يتعلــق

وأهــل بيتــه. نعم،×بأحــداث عاشــوراء ومصــائب اإلمــام الحســينفات. يمكن النقل على سبيل الحكاية عن الكتب والمصن

سئل السيد الخوئي: ما هو حكم قــول روايــة ضــعيفة الســندفي حالة الصيام، مع العلم بذلك؟

فأجاب: ال يجوز، إال منسوبة إلى من أو ما يرويها عنه.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد248هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

المبطل^ واألئمة|وسئل أيضا: ما المراد بالكذب على النبيللصوم؟

ــا على فأجاب: الكذب المفطر هو الكذب في األحكام وغيره.(381) واألئمة بصورة الجزم في اإلسناد إليهم|النبي

وهــذا الكالم يـدل بوضــوح على الشــمول لواقعــة عاشــوراء؛ فإنه عمم الكذب المفطر لما يتعلق باألحكــام وغيرهــا على النــبي

. وهذا أمر واضح في فتاوى الفقهاء.^واألئمةع المزيد من الكلمات لفقهاء الطائفــة في هــذا كما يمكن تتب المجال. وليراجع ـ على سبيل المثال ـ كتـاب أجوبـة االسـتفتاءات

ـة للشـــيخ جـــواد(382)لإلمـــام علي الخـــامنئي ــ ؛ واألنـــوار اإللهي.(383)التبريزي

ــذه ــدقيق له ــاه ال ــه من الضــروري لقــراء العــزاء االنتب وعلي الفتاوى، وعدم قــراءة أخبــار المصــائب بنحــو الجــزم، إال إذا كــان الخــبر قـد ثبت بطريـق معتــبر، كمــا هــو حــال الروايــة في مجــالــبر يمكن ــق معت ــا ثبت بطري ــير م األحكــام الشــرعية. نعم، في غفات أو األشــخاص، مــع القراءة بنحــو الحكايــة والنقــل عن المصــن تنبيه السامعين إلى ذلك؛ كي ال تلتبس األفكــار في أذهــانهم، كمــا

هو حاصل حاليا.

ـ ضابطة الرواية في الجانب القصصي والتمثيلي4 إن الجانب القصصي والشــعري والتمــثيلي يرتكــز في أغلبة، وإن األحيان على جهة المبالغة أو الخيــال، فــإن من يســرد قصــــدل في بعض ــد يع كانت تتحدث عن أمر خارجي تاريخي، إال أنه ق فقراتها؛ لسبب وآخــر. وهكــذا في الجــانب الشــعري المبـني على عنصــر المبالغــة في وصــف األحــداث وبيانهــا. وكــذلك األمــر في

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد249هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ــير بعض الجــوانب التفصــيلية في الجانب التمثيلي القائم على تغي األحداث لمصلحة اإلخراج وما شاكل. وعليه ما هي الضوابط التي

ينبغي اعتمادها في هذه المجاالت؟ل في مقام اإلخبار1 ـ أن ال يكون القاص أو الشاعر أو الممث

عن حدث يتعلق بواقع التــاريخ، حتى ال يلــزم منــه انطبــاق عنــوانالكذب والتدليس.

ـ ضرورة إبــراز قرينــة واضــحة من هــؤالء تــدل على ذلــك،2ه النــاس إلى فــالخطيب حين يتحــدث بلســان الحــال ينبغي أن ينب

ذلك، حتى ال تختلط المفاهيم الواقعية مع الجوانب الخيالية. وال أجد محذورا في القول: إن عنوان تعظيم الشعائر الدينيةع في كلمــات لمنطبق في المقام طبقا لهذه الضوابط. ولعــل التتب

يمكن أن×الشعراء مع أئمة أهل الــبيت في إحيــاء ذكــر الحســينيكشف نحوا من اإلقرار بما نقول.

الشعيرة السادسة: التطبير )ضرب الرأس(ويوجد هنا عدة مطالب:

ـ تاريخية التطبير1 هنــاك آراء متعــددة حــول منشــأ هــذا العمــل، إال أن الجميــع

، أو في زمن^يــــؤمن بعــــدم كونــــه موجــــودا في زمن األئمةــه قــد راج بين المتــأخرين، حيث لم المتقدمين من علمائنا، بــل إن

تمر قرون خمسة على والدة هذه الظاهرة. يؤمن الدكتور شريعتي بأن ملوك الصفويين قد أخــذوها ومــا شــابهها من التقاليــد من الطقــوس المســيحية، الــتي تقــام باســم مصـائب وآالم المســيح في ذكـراه. ولعـل هـذه التقاليـد مــا زالت موجودة إلى يومنا هذا في بعض مناطق أتباع المسيحية، وتعــرض

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد250هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

ــرب صورهم على شاشات التلفزة. وهناك اتجاه آخر يعتقد أن العــراك أدخلوها على المآتم. وتقول جماعة ثالثة: إنها انتقلت من األت إلى الفــرس والعــرب. ويعتقــد البعض من أنصــار هــذا االتجــاه أن المؤسس األصلي لها هو الفاضل الدربندي، وهو الذي عرف عنــه التضخيم والمزايدة في بعض األحداث العاشورائية. وكتابــه شــاهد

.(384)على هذا

ـ نظرية الجواز، بل االستحباب2 لقد تمسك أصحاب هذه النظرية بعدة أدلــة؛ إلثبـات الجــواز، بل االستحباب، لهذا العمل، واعتبروه من جملة الشعائر الحسينية

التي البد من إقامتها. وهذه األدلة هي:

ك بأصالة اإلباحةالدليل األول : التمس وتعــني أن كــل مــا لم يقم دليــل على حرمتــه فهــو محكــوم باإلباحة. ويدعى في المقام عدم وجود دليل على حرمة التطبــير.

وقد استندوا في هذا األصل إلى العديد من الروايات، ومنها:قة مسعدة بن صــدقة ـــ بنــاء على وثاقتــه ـــ، عن أبي1 ـ موث

قال: سمعته يقول: كل شــيء هــو لــك حالل حتى تعلم×عبد الله أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، وذلــك مثــل الثــوب يكــون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختـك أو رضـيعتك. واألشياء كلها على هــذا حتى يســتبين لــك غــير ذلــك، أو تقــوم بــه

.(385)البينة عن×ـ صحيحة عبد الله بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر2

الجبن...؟ فقال: سأخبرك عن الجبن وغيره، كل ما كان فيه حالل.(386)وحرام فهو لك حالل حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد251هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

وهناك الكثير من الروايات أيضا إلثبات هــذا األصــل، ومحلهــاونقاشها في علم األصول.

هذا وقد اعتمد على هذا األصل في المقام عدد من العلمـاء. فقد قال الشيخ عبد الحســين صــادق العــاملي في كتابــه )ســيماء الصلحاء(: وهب أنه ال دليــل على النــدب، فال دليــل على الحرمــة، فيبقى العمل مباحا؛ لحكم األصل العملي. وفاعــل المبــاح لم يكنــذلك ــد ب ــه ال يعتق ــارح نفس ــيعي الج ــع أن الش ــا، م ــاعال قبيح ف

.(387)الضرر كما ذكر الســيد الفيروزآبــادي في جــواب لــه حــول الشــعائر الحسينية ما لفظه: مضافا إلى أن التطبير على الشــرط المــذكور

.(388))عدم الضرر( ال دليل على حرمته، ولو شك فاألصل حليتهــرد دليــل على المنــع ــه لم ي وقال السيد الهاشــمي: وحيث إن فالتطبير جائز، وال نحتاج إلى رواية إلثبات الجواز، ويكون مــا ذكــر

دا للجواز الثابت باألصل .(389)مؤك ومن الواضح جدا أن االعتماد على هــذا األصــل يثبت الجــواز

واإلباحة، ال االستحباب، فيما لو لم يكن هناك دليل على الحرمة.

×: فعل المعصومالدليل الثاني ــا ل هذا الدليل بالفقرات التالية، وتشكل كل واحدة بيان ويتمث إلثبات فعل للمعصوم يدل على جواز التطبير، ولو بقياس مستقال

األولوية. : وهي ما ورد في زيارة الناحيــة المنســوبةالفقرة األولى

، حيث جاء فيهــا: ... وألبكين عليــك بــدل الــدموع×لإلمام المهديرا على مــا دهــاك، وتلهفــا، حــتى فا وتحس دما، حسرة عليك، وتأس

.(390)أموت بلوعة المصاب، وغصة االكتياب...

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد252هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

وهي قد دلت على أن اإلمــام قــد يمــوت حزنــا على مصــابــرر×اإلمام الحسين . وعليه فهي تدل على أن الفعل المالزم للض

الذي ال يوصل إلى حد الموت جائز؛ بقياس األولوية. ولكن من الواضح أنه ال يمكن االحتجاج بزيارة الناحيــة؛ حيث

إنها لم تثبت سندا. : خــبر إبــراهيم بن أبي محمــود قــال: قــالالفقرة الثانية

مون فيه القتال،×الرضا م شهر كان أهل الجاهلية يحر : إن المحر فاستحلت فيــه دماؤنــا، وهتكت فيــه حرمتنــا، وســبي فيــه ذرارينــا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرســول اللــه حرمــة في أمرنــا. إن يــوم الحســين أقــرح

.(391)جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبالء... جرح جفــون أهــل×وهذا الحديث يدل على أن يوم الحسين

، وأنزل دموعهم. وأين هــذا من جــواز الجــرح والتطبــير؟!^البيت فهــو يــدل على جــرح الجفن من خالل البكــاء ال أكــثر. على أن

الحديث ال يحتج به؛ لضعف سنده. : ما جــاء في )كامــل الزيــارات( عن اإلمــامالفقرة الثالثة

قال: بكى علي بن الحسين على أبيه الحســين بن علي×الصادق عشرين سنة أو أربعين ســنة، ومــا وضــع بين يديــه طعــام إال بكى على الحسين، حتى قال له مولى له: جعلت فــداك يــا بن رســول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثيــر ــون، إني لم أذك ــا ال تعلم ــه م ــه، وأعلم من الل ــزني إلى الل وح

.(392)مصرع بني فاطمة إال خنقتني العبرة لذلك وهو ـ مع ضعف سنده ـ ال يدل على أكثر من البكاء الشديد، الذي امتد لفترة طويلة من الزمن. أما خوف الهالك فقد جــاء في

.×كالم مواله، ال في كالم اإلمام

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد253هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

: ما جاء في )كامــل الزيــارات( من حــديثالفقرة الرابعة ، وقتل من كــان معــه×، حيث يقول: ...وقتل أبي×اإلمام السجاد

من ولــده وإخوتــه وســائر أهلــه، وحملت حرمــه ونســاؤه علىــواروا، األقتاب، يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صــرعى ولم يــادت ــا أرى منهم قلقي، فك ــتد لم ــدري، واش ــك في ص فعظم ذل

نت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي ...×نفسي تخرج، وتبي(393).

وهو يــدل على أن الحــزن الشــديد كــاد أن يخــرج روحــه من بدنه. وهو أمر آخر يختلف عن جواز جرح وضرب الرأس بالسيف، حيث إن الحزن واأللم حالة تعــتري اإلنســان بشــكل ال إرادي، من شدة التفاعل مع الحدث، وهي تختلــف عن حالــة اإلقــدام بكامــل الوعي على جرح الــرأس، ومــا شــاكل. على أن الحــديث ضــعيف

السند؛ لعدم توثيق بعض رجاله، نحو: سعيد بن محمد. والمتحصل من هذه الروايات الضــعيفة الســند عــدم الداللــة على جواز ضرب الــرأس، فــإن مــدلولها شــيء آخــر. مضــافا إلى عدم صحة االحتجاج بها. كمــا يضــاف إلى كــل مــا ســبق أن فعــل

المعصوم دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن.

: تقرير المعصومالدليل الثالث وهذا الدليل يتمثل برواية ضرب السيدة زينب لجبينها بمقدم المحمــل. وقــد جــاء في البحــار: أقــول: رأيت في بعض الكتباص، قــال: ...ثم إن أم المعتــبرة: روي مرســال عن مســلم الجصــ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء، فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قــد ارتفعت، فــإذا هم أتــوا

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد254هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

، وهو رأس زهري قمري أشبه×بالرؤوس، يقدمهم رأس الحسينــق برســول الله ــا|الخل ــد انتصــل منه بج ق ــه كســواد الســ ، ولحيت

الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، والرمح تلعب بها يمينا وشــماال،ــدم ــا بمقـ ــا، فنطحت جبينهـ ــرأت رأس أخيهـ ــالتفتت زينب، فـ فـ المحمـل، حتى رأينـا الـدم يخــرج من تحت قناعهــا، وأومــأت إليـه

بحرقة، وجعلت تقول: غاله خسفه فأبدىيا هالال لما استتم كماال

(394)غروبا

ويقرب االستدالل بهذه الرواية أن هذا العمل تم في محضــره×اإلمام السجاد ، ولم يمنــع أو يــردع عنــه، وبهــذا يكـون قــد أقــر

ده. ومن المعروف أصوليا أن تقرير المعصوم حجة يصح التعبد وأيبه. وعليه فالتطبير جائز بال إشكال.

والنقاش في هذا الدليل له مجال واســع، ســوف يــأتي فيمــا بعد، إال أنه يمكن القــول هنــا: إن الروايــة ضــعيفة الســند ال يمكن االحتجاج بها. وكون المصــدر معتــبرا في نظــر العالمــة المجلســيــه ليس دليال على اعتبارهــا ليس دليال على اعتبار الروايــة، كمــا أن

في نظرنا لو كانت معتبرة في نظره.

: الروايات الخاصةالدليل الرابع ذكر أنصار التطبير رواية ذكرها الشيخ الطوسي في تهــذيب األحكام، وهي: خــبر خالــد بن ســدير أخي حنــان بن ســدير، قــال:

عن رجل شق ثوبه على أبيــه أو على أمــه أو×سألت أبا عبد الله على أخيه أو على قريب لــه؟ فقــال: ال بــأس بشــق الجيــوب، قــد شق موسى بن عمران على أخيــه هــارون. وال يشــق الوالــد على ولده، وال زوج على امرأته، وتشق المــرأة على زوجهــا. وإذا شــق

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد255هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ــه حنث يمين، وال ــده، فكفارت ــد على ول ــه، أو وال زوج على امرأت صالة لهما حتى يكفرا ويتوبا من ذلك. وإذا خدشت المرأة وجههــا، أو جزت شعرها، أو نتفتـه، ففي جــز الشــعر عتــق رقبـة أو صـيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وفي الخدش إذا دميت، وفي النتف، كفارة حنث يمين. وال شــيء في اللطم على الخــدود ســوى االســتغفار والتوبــة. وقــد شــققن الجيــوب ولطمن الخــدود

ــات على الحســين بن علي ــه تلطم الخــدود×الفاطمي ، وعلى مثل.(395)وتشق الجيوب

ــرد على هــذا االســتدالل: إن هــذا الحــديث ضــعيفأوال:ويق في كتب الرجال. ولــذا نجــد سندا؛ بخالد بن سدير، حيث لم يوث الشهيد الثاني يشير إلى ضعف الروايــة في المســالك. كمــا فعــل

. (396)نحوه المحقق النجفي في الجواهر نجـــد أن بعض العلمـــاء قـــد زاد عبـــارة على نصوثانيــا:

الحديث، مع عدم وجودها في المصدر األصلي، وهو تهذيب الشيخم الطوسي، فقال: شق الجيوب على الفقيد وخمش الوجوه محــر

يقــول في حــديث وثيــق:^في األشهر، ولكن صــادق أهــل الــبيت على مثــل الحســين فلتشــق الجيــوب، ولتخمش الوجــوه، ولتلطم

.(397)الخدودــد حســين كاشــف ــدناه في كالم الشــيخ محم ــا وج ــذا م وه

الغطاء. وال أدري من أين جاء كاشف الغطاء بهذه الفقرة؟! إذا كان الخــدش جــائزا فهــو مشــروط بعــدم خــروجوثالثا:

الدم، كما في الرواية؛ ولــو لم يكن مشــروطا فهــو األثــر البســيطمن الجرح، وال يصدق على إدماء الرأس، كما في التطبير.

: الروايات العامةالدليل الخامس

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد256هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

ــه قــال× جاء في رواية بكر بن محمد، عن أبي عبــد الله ، أن للفضـــيل: تجلســـون وتتحـــدثون؟ فقـــال: نعم، فقـــال: إن تلـــكهــا، فــأحيوا أمرنــا، فــرحم اللــه من أحيــا أمرنــا. يــا المجــالس أحب فضيل، من ذكرنا أو ذكرنـا عنــده ففاضــت عينـاه ولــو مثـل جنــاح

.(398)الذباب غفر الله ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحرــع ــان جمي ــواز ورجح ــذا النص ج ــتفاد البعض من ه ــد اس وق الشـــعائر الحســـينية، إال مـــا أوجب قتـــل النفس، أو تلفـــا لبعضمان في الشريعة. أما الضرر القليل الــذي ال األعضاء، فإنهما محرر الحكم. وأمــا االســتهزاء يؤدي إلى القتل أو التلف فال يــوجب تغي من قبل اآلخرين ببعض الشعائر فال يوجب رفــع اليــد عن األحكــامــة ــات التعميم لكاف ــديث؛ إلثب ــذا الح ــتدل به ــد اس ــرعية. وق الش

.(399)الشعائر، السيد الشيرازي في بعض أجوبته لكن الجواب عن هذا االستدالل واضح، من أنه ال خالف على

. وإنمــا يــدور النقــاش حــول^الكبرى، وهي إحياء أمر أهل الــبيتــه كون هذه المفردة من األفعال مصداقا لعنوان اإلحيــاء أو ال؟ فإن ال يمكن ألي أحــد أن يبتــدع عمال مــا ـــ مهمــا كــانت طبيعتــه ـــ ثم يقول: إنه من الشعائر الحســينية، بــل البــد أن يصــدق عليــه ذلــك

عرفا. إضافة إلى عدم استلزامه أي محذور.

: قاعدة لزوم تعظيم الشعائر الدينيةالدليل السادسا من تقــوى﴿قال تعالى: ومن يعظم شعائر الله فإنهــ

(.32)الحج: ﴾القلوب وهناك العديد من اآليات األخرى التي استدل بها إلثبات هــذهــات القاعدة تقدمت في ما سبق من هذا البحث. وعليه فهــذه اآلي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد257هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

من×تفيد رجحان تعظيم الشعائر الدينية. وشعائر اإلمام الحسينأبرز مصاديق شعائر اإلسالم. والتطبير من جملة هذه الشعائر.

ولكن الجــواب عن هــذا االســتدالل هــو نفســه مــا تقــدم فيــه البــد من إثبــات كونهــا شــعيرة لينطبــق الدليل الخــامس، من أن

عليها الحكم بلزوم أو استحباب إقامتها وإحيائها. ــة التطبــير؛ ــة الــتي أقامهــا أنصــار نظري هذه هي مجمل األدل

إلثبات جوازها أو شرعيتها.قنا على كل دليل، إال أنه البد من إضافة ونحن وإن كنا قد عل

العديد من التعليقات العامة على النظرية بكاملها، فنقول: : صــحيح أن األصــل في األشــياء اإلباحــة، إال أن هــذا الأوال

يثبت لنــا اســتحباب هــذا الفعــل، بــل جــوازه. وفــرق شاســع بيناألمرين.

: إذا كان هذا الفعل يلحق ضررا ببعض األشخاص فهــذاثانيا ليس دليال على حرمته مطلقا، بــل إن تطــبيق قاعــدة الضــرر فيب الضــرر، ب الحكم بالحرمة على مصداق تـرت المقام يستلزم ترت دون غيره. وعليه فاالستناد إلى دليل الضرر إلثبات الحرمة مطلقا

غير صحيح. دليل لبي يقتصر فيــه على القــدر×: إن فعل المعصومثالثا

المتيقن، وهو مالحظة كل العناصر الدخيلة في شرعية الفعل. : إن رواية النطح غير موجودة في المصــادر المعروفــةرابعا

والمشــهورة للحــديث، بــل هي روايــة مرســلة، كمــا ذكــر العالمــة المجلســي نفسـه. ومعـه ال يمكن االعتمـاد عليهـا إلثبـات شــرعية

فعل أو نفيه. ــهخامسا : لو فرضنا صحة خبر ضرب الــرأس بالمحمــل فإن

ر الشــديد فعل يقتصر فيــه على القــدر المتيقن، وقــد يكــون للتــأث

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد258هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

دخالة فيه. وهذا أمر فردي ال يسري ليكون ظاهرة عامة. : ال كالم لنا في ضــرورة االلــتزام بالروايــات العامــةسادسا

ــبيت ــاء أمــر أهــل ال ت على إحي ــتي حث ــزوم^ال ، أو في قاعــدة ل تعظيم الشعائر، إال أن النقاش هو في كون فعــل مــا ممــا ينطبــقد تبــاني شــخص أو مجموعــة من عليه عنوان الشعيرة، وإال فمجرره ن من الشــعائر العاشــورائية ال يصــي الناس على كون فعــل معيــه ال ــه من مظــاهر الحــزن، فإن كذلك، ما لم يصدق عليــه عرفــا أنــه في مقــام إظهــار الحــزن من خالل فعــل يمكن ألحــد االدعــاء أن

السكوت مثال، فإن هذا ليس من مظاهر الحزن وعالماته. والمتحصل مما تقــدم عــدم نهــوض دليــل يثبت شــرعية هــذا

العمل، بحيث يعد من الشعائر الحسينية.

ـ نظرية التحريم3 وجدنا عددا من العلماء قد قالوا بحرمة هــذا العمــل، ومــالواــا، كالســيد محســن األمين، كمــا في إليه، ودافعوا عنــه دفاعــا قويــه يســتلزم رســالة التنزيــه، حيث قـال بحرمتــه بعنوانـه األولي؛ ألن الضرر. في مقابل قسم آخر من العلمــاء قــالوا بحرمتــه من بــاب

ثانوي، وهو استلزامه لهتك المذهب.

: استلزام التطبير للضررالدليل األولــة في الشــريعة ــبراه معلوم ــل واضــح، حيث إن ك ــذا دلي وه المقدسة، من حرمة إضرار النفس، وصغراه موجودة في المقام، فإن هذا الفعل يؤدي إلى الضــرر بالبــدن. وطبقــا لمــا ذكــر يكــون

ما. محر

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد259هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

وقــد اســتند إلى هــذا الــدليل الســيد األمين في »رســالة التنزيه«، حيث قال في مقام تعــداد المنكــرات الــتي أدخلت على الشــعائر الحســينية: ومنهــا: إيــذاء النفس وإدخــال الضــرر عليهــا بضــرب الــرؤوس وجرحهــا بالمــدى والســيوف حتى يســيل دمهــا، وكثيرا ما يؤدي ذلك إلى اإلغماء بنزف الدم الكثير، وإلى المرض، أو الموت، وطول برء الجــرح، بضــرب الظهــور بسالســل الحديــد،

.(400)وغير ذلك. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل إال أن أنصار التطبير قاموا بدفع هذا الدليل، فإنه بعد وضــوح

حرمة الضرر في الشريعة اختلف فيه من جهتين:م فياألولى ــل أي ضــرر محــر ــه. فه : حجم الضــرر ودائرت

اإلسالم، ولو كان قليال، أم يختص التحريم بالضرر المعتد به، الذي يستقبح العقالء فعله من العبد، كالضرر المفضــي إلى المــوت، أو المرض، أو إلى بتر عضو، وما شــاكل؟ المعــروف والمشــهور بين العلماء هو الثاني، دون األول. وهذا ما قــامت عليــه األدلــة. وبنــاءــتر ــوت، أو ب ــؤدي إلى الم ــرأس ي ــرح ال ــك لم يثبت أن ج على ذلــه عــاش لعشــرات األعضاء، أو المرض، بــل ذكــر بعض العلمــاء أن السنين وهو يشاهد الذين يجرحون رؤوسهم، إال أن أحدا منهم لم يمت، ولم يصب بمرض. وعليــه فمــا ادعي من لــزوم الضــرر من

هذا الفعل غير دقيق، وغير صحيح.

: وهن المذهب وهتكهالدليل الثاني وقد استند إليه السيد األمين في رسالته أيضا، فقال: ومنهـا:ــف كل ما يوجب الهتك والشنعة مما ال يدخل تحت الحصــر، ويختل

.(401)الحال فيه بالنسبة إلى األقطار واألصقاع، إلى غير ذلك وقــال في موضــع آخــر: بــل إن من فجــائع الــدهور، وفظــائع

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد260هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

األمــور، وقاصــمات الظهــور، ومــوغرات الصــدور، اتخــاذ الطبــول والزمور، وشق الرؤوس على الوجه المشهور، وإبراز شــيعة أهــلــا ال البيت وأتباعهم بمظهر الوحشية والسخرية أمام الجمهور، مم

.(402)يرضى به عاقل غيور كما استند إلى هذا الـدليل اإلمـام علي الخـامنئي في أجوبـة االســتفتاءات، فقــال: مــا يــوجب ضــررا على اإلنســان من األمــور المذكورة، أو يوجب وهن الدين والمذهب، فهــو حــرام، يجب علىــك ــير من تلـ ــه. وال يخفى مـــا في كثـ ــاب عنـ المؤمـــنين االجتنـ المذكورات من سوء السمعة والتوهين عند النــاس لمــذهب أهــل

.(403)، وهذا من أكبر الضرر، وأعظم الخسارة^البيتد؛ حيث ال يمكن ادعاء كون عمل ما من شعائر وهذا دليل جي

مــع كونــه مفضــيا إلى هتــك المــذهب، وإســاءة×اإلمام الحســينــا قــد السمعة، وإعطاء صورة مغلوطــة عن الــدين والمــذهب. وكنــك اشترطنا في كون فعل ما من الشعائر عدم كونه مؤديا إلى هت

المذهب والدين. هذا على مستوى الكبرى؛ وأما صغرويا فمن الواضح أن هــذا

، مــع^الفعــل يعكس صــورة ســيئة عن المــذهب وأئمتــه األطهــار كوننا مكلفين بإعطاء الصورة الناصعة والحقة عنهم، فــإنهم هكــذا

أمرونا، وهكذا ينبغي أن نكون.

: عدم انطباق عنوان الشعيرة عليهالدليل الثالثويبتني هذا الدليل على مقدمتين:

ن يتطلب كــون أـ إن انطباق عنوان الشــعيرة على فعــل معي هذا الفعل من مصاديق األسى والحزن عرفا، وأمــا مجــرد القيــام بفعل بادعاء أنه من مظاهر الحزن، مع عدم كونه كذلك عرفا، فال

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد261هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

يتم بحــال. فــإن من يــدعي إظهــار الحــزن من خالل الصــوم عنالكالم يقال له: إن فعلك ليس من مظاهر الحزن العرفية.

ــة آلــة ب ـ إن عمل ضرب الــرؤوس وجرحهــا بالســيف أو بأيــة، ال في زماننــا، كمــا هــو حــادة ليس من مظــاهر الحــزن العرفي

ــابقة في^واضح، وال في زمن أئمتنا د هذا أنه ليس له س . وما يؤيا،^عصر األئمة ، ولم ينص أحد من المعصومين عليه، ال نصا خاصــ

وال عاما.ــة الــتي عثرنــا عليهــا في كلمــات بعض هذه هي مجمــل األدل العلماء الذين ذهبوا إلى حرمة هذا الفعل، أو على األقل إلى عدم كونه من مصاديق الشعائر الحسينية. هذا وقــد ســبق الجميــع إلى حرمتـــه الســـيد أبـــو الحســـن األصـــفهاني، حيث أصـــدر فتـــواه المشهورة: إن استعمال السيوف والسالســل والطبــول واألبــواقــوم عاشــوراء وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء في ي

م وغير شرعي .(404)باسم الحزن على الحسين إنما هو محرولنا في المقام عدة مالحظات:

ـ لقد ثبت ـــ طبقــا لمــا مــر ـــ عــدم صــحة االســتدالل على1ــه من الواضــح أن حرمة التطبـير بــدليل لــزوم الضــرر مطلقــا؛ ألنــوارد ــق الم ــرر، دون مطل ــل الض ــا تثبت حيث يحص ــة إنم الحرم والحاالت. مضافا إلى إمكــان االدعــاء بــأن هــذا الفعــل ال يســتلزم الضرر، كما هو مشاهد بحسب التجربة، حيث لم نجد إنسانا مــات من هذا العمل، أو مرض، أو بترت أعضاؤه. وهــذا مــا ذكــره بعض المدافعين عن التطبير بحماسة، كما ذكرنا سابقا. والحــق أن هــذا

اإلشكال صحيح واقع في محله. نعم، بناء على بعض المباني الفقهية غير المشهورة، كمبــنى القائلين بحرمة مطلق الضــرر واإلضـرار، ولــو كــان بســيطا وغــير

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد262هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

معتــد بــه عرفــا، يمكن الحكم بحرمــة التطبــير حينئــذ. إال أن هــذاالمبنى مهجور تقريبا بين الفقهاء، مع عدم قيام األدلة عليه.

ـ إن الخطأ الذي وقع فيه بعض القائلين بحرمة التطبير هو2 أنهم استندوا إلى دليل لزوم الضــرر منــه، مــع أن الصــحيح تركــيز البحث في محل آخر. وإن كان البد من اإلشارة إلى دليــل الضــررــة، ومعهــا الحرمــة فإنه ـ كمــا هــو واضـح ــ ال يثبت الموجبــة الكلي المطلقة. ومركز البحث هو في شعيرية هذا الفعــل وعدمــه، وفي استلزامه الوهن للمــذهب، وإســاءة الســمعة، وتحقــير قيم الــدين

وشعائره. ـ إننــا مــع مراجعتنــا لكالم الســيد الخــوئي وجــدنا لــه بعض3

األجوبة عن استفتاءات وجهت إليه. وهذا بعضها:لم يرد نص بشعاريته، فال طريق إلى الحكم باستحبابه.

وقال عن ضرب الرأس: ال يجوز فيما إذا أوجب ضررا معتـدابه، أو استلزم الهتك والتوهين.

وسئل ثالثا: ســألناكم عن جــواز ضــرب السالســل والتطبــير فأجبتم بأنه ال يجــوز فيمــا إذا أوجب ضــررا معتــدا بــه، أو اســتلزم

الهتك والتوهين، فما معنى جوابكم تفصيال؟ فأجاب: الضرر المعتد به هو الــذي ال يتســامح بــالوقوع فيــه، كهالك النفس، أو المــرض المشــابه لمثلــه، ومــا يــوجب الــذل

.(405)والهوان للمذهب في نظر العرف السائد والمطلوب من هذا السرد هو القول: إن ميزان الهتك هو ما يؤدي إلى إعطاء صورة سيئة عن الدين والمــذهب أمــام اآلخــرين من غير المنتحلين لملة اإلسالم، أو من غــير أهــل المــذهب مهمــا د تحقق عنوان الهتــك ـــ تبعــا كانت عقيدتهم وأعرافهم، فإنه بمجر

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد263هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

للعرف السائد، مهما كانت طبيعة هــذا العــرف ـــ يتحقق التحــريملهذه األعمال. وهذا هو الحاصل في زماننا.

وهـــذا بعكس بعض اآلراء الـــتي حـــاولت تقســـيم الهتـــكواالستهزاء إلى ثالثة أقسام، وهي:

أـ االستهزاء باطال.ب ـ االستهزاء نتيجة اختالف العادات واألعراف.

ج ـ االستهزاء لجهات واقعية. وهذا ما يلزم منه الهتــك، دون . إال أنه ال(406)األولين. وهذا ما ذكره الشيخ محمد السند في كتابه

ــرفي يقــاس يمكن المصــير إليــه؛ ألن الهتــك والتــوهين عنــوان ع بنظرة اآلخرين، ال بنظرة أتبــاع المــذهب، بــل إن الهتــك ال يتحقق أصال في أمثال هذه األعمال إال أمام اآلخرين، فــإن لكــل مصــداق من الهتك تفصيله. فالمؤمن قد يهتك نفسه أمام اآلخــرين، ســواءــوان الهتــك من أتباع مذهبه أم ال، ولكن الطائفة ال يتحقق منها عن إال أمام اآلخرين، فهل يمكن أن تهتك الطائفة نفسها أمــام ذاتهــا؟ وعليه فعنوان الهتك يتحقق تبعــا لنظــرة اآلخــرين، ال لنظــرة أهــل

المذهب. وأعتقد أن هذا ما قصده السيد الخوئي. ـ إن االعتماد على دليــل الــوهن واالســتهزاء إلثبــات حرمــة4

د الحرمـــة بمـــا إذا وقعت أمـــام أعين اآلخـــرين هـــذا العمـــل يقي ومالحظتهم، دون مــا إذا حصــلت في مكــان ال يعلم بــه اآلخــرون،ــاز، أو ــديمهم على شاشــات التلف بحيث ال مجــال لتصــويرهم وتق الرؤية المباشرة، أو مواقع اإلنترنت، ومــا شــاكل، فــإن من يقــومــه، ال مجــال للحكم بالتطبير في بيته مثال، مع عدم رؤية اآلخرين ل بحرمة فعله من باب لزوم التوهين؛ ألنه من الواضــح عــدم تحقق

هذا العنوان في المقام.ــول5 ــل ال يســتلزم الق ــذا العم ــل نفي شــعيرية ه ــ إن دلي ـ

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد264هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

بالتحريم، بــل أقصــى مــا يثبت نفي القــول باالســتحباب وانطبــاق عنوان الشعيرة عليه. وهــذا كــاف لــرد الــذين يحــاولون المزايــدة

على غــيرهم، من خالل الــدفاع المســتميت^بالوالء ألهــل الــبيتعن هذا العمل.

ومــا يهمنــا في بحث هــذا العمــل هــو إثبــات عــدم كونــه منالشعائر الحسينية أوال، ولزوم وهن وهتك المذهب منه ثانيا.

ـ حاول البعض القول: إن وظيفــة الفقيــه هي أن يخـبر عن6 الحكم الشرعي على سبيل االشــتراط والتعليــق، أي إن لــزم من هذا الفعل توهين المذهب فهو حــرام، والمكلف هــو الــذي يتــولىــد ــة بتحدي ــه عالق ــورده، وليس للفقي ــذا الحكم على م ــبيق ه تط

المصاديق للمكلفين، وال إلزام اآلخرين بتشخيصه.ــه من ــة؛ فإن وهــذا الكالم صــحيح في دائــرة الحــاالت الفرديــد الواضح في علم الفقه أنه ليس من وظيفة المرجع الديني تحدي وتشخيص المصــاديق، بــل لــو شــخص مصــداقا فال يجب على منــه يجب على المكلف تقليــد الفقيــه يقلده االلــتزام بتشخيصــه، فإن في وسائل إثبات الهالل، إال أنه ال يجب عليه تقليد المرجع في أنه

هل ثبت الهالل فعال أو ال؟ وهذا شيء واضح في علم الفقه. ولكن هناك بعض الحــاالت ال يمكن للفقيــه الســكوت عليهــا،ــة تســند إلى ن إلى ظــاهرة اجتماعي وهي عنـدما يتحــول فعــل معي الدين والمذهب، مع كونها تعطي صورة موهنة في نظــر اآلخــرين عن المذهب، فهنــا ينبغي على العلمــاء، بــل يجب، من بــاب عــدم السماح باإلساءة إلى الدين وهتكــه، التصــدي وتحــريم المصــاديقــوى الخارجية. بل وهذا ما حصل مع فقهائنا، ويحصل دائمــا في فت حرمة شراء البضائع اإلسرائيلية، وغيرها. وهــذا تــدخل من الفقيــه

في تشخيص بعض المصاديق.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد265هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ـ لقــد وجــدنا في كلمــات بعض الفقهــاء مــا يــدل على نفي7ع بالدم من شعائر اإلمام الحسين . والسؤال هو: هــل×كون التبر

ع بالدم في عزاء سيد الشهداء داخل في عنوان العزاء؟×التبرع بالــدم في عــزاء ســيد الشــهداء ×الجواب: ال يرتبــط التــبر

.(407)والجزع على مصائبه والسؤال هو: كيف يمكن القول: إن ضرب الــرأس بالســيف

ع بالدم منها؟! وغيره من مصاديق الشعائر، مع عدم كون التبر

إضاءة: في ملحقات التطبيرال؛األمر األول : لقد ذكرنا هــذا الفعــل، وبحثنــا حولــه مفصــ

بلحاظ كونه من األعمــال الــتي اعتــاد بعض الشــبان من المــذهب اإلمــامي فعلــه، مــع قيــام بعض األعــداء باســتغالل هــذا الحــدث؛ لمحاولة تشويه الدين والمــذهب، وإال فهنــاك العديــد من األعمــالــف إلى ــو: الزح ــا، نح ــير أيض ــا حكم التطب ــتي يلحقه ــرى ال األخ

ــاد ثقب^المقامات المقدسة ألئمتنا ، أو المشي على النار، أو إيج في لحم البدن، وتعليق شيء فيه، فإن كــل هــذه األعمــال يجــري فيها النقاش ذاته، من جريان حكم الحرمــة عليهــا؛ لكونهــا مضــرة بالبدن، ومؤدية إلى تشويه صورة المذهب، وعدم انطبــاق عنــوان

الشعيرة عليها بحسب الموازين العرفية للعزاء والحزن. : إن الحكم بحرمــة التطبــير قــد علم ممــا مــراألمر الثاني

ــة ال يمكن تســرية هــذا الحكم لنــا وقلنــا بالحلي سابقا، إال أنه لو تنز إلى ضرب رؤوس األطفال، الذين ال يفهمون أي معــنى لمصــاديق العزاء وإحياء الشعائر، بل ينطبق على هذا عنوان اإلضرار بـالغير، فإن الوالد غير مسلط على ولده في هذه المجاالت، بحيث يسمح لنفسه بجرح وضرب رأس ولده الطفل بعنوان العزاء على اإلمام

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد266هـ1433م ـ 2012صيف

أحكام الشعائر الحسينية / القسم الثاني•

م، بــل قــد يكــون من الكبــائر. ومن الواضــح×الحسين ، وهو محر الفــرق بين اإلضــرار بالبــدن واإلضــرار بــاآلخرين؛ فــإن األول قــدم منـه، أمــا الثــاني يناقش في حجمه ودائرتـه، والمســتوى المحــر

فهو حرام مطلقا، ولو كان بسيطا وقليال.ــرأس،األمر الثالث : إن استعمال بعض اآلالت في جــرح ال

مع كــون بعض النــاس من أصــحاب األمــراض الخطــيرة المعديــة، كمرض اإليدز وما شاكل، ثم إعطاءها لآلخرين الستعمالها، هو منمــات، وينطبـق عليـه تعمد نقــل المــرض إلى اآلخــرين، مــع المحر

سائر مستلزماته من الضمان وغيره.

نتيجة البحث نــة أو فعــل مــا لكونــهأوال : إن تحديد مصــداقية ظــاهرة معي

شعيرة أو ال يرجع فيه إلى العرف، وليس أمرا موقوفا على تدخلن الشارع بعض المصاديق والعناوين، فتدخل من الشارع، إال إذا بي

عندها في عداد الشعائر. ــا ــينثاني ــام الحس ــائب اإلم ــاء على مص ــائر×: إن البك وس

ــاني ــاظ اإلطالق األزمـ ــا، أي بلحـ ــتحب مطلقـ ــومين مسـ المعصـــتي واألحوالي، طبقا للثواب المــذكور في النصــوص، خالفــا لنظري

العالمة البهبودي والسيد الحسني. ــا ــبر. نعم،ثالث ــدليل معت ــاكي لم يثبت ب ــتحباب التب : إن اس

يمكن اعتماده من باب التسامح في أدلة السنن فيما لو تم إجراءالقاعدة في المقام، مع القول بتمامها كبرويا.

: لم يقم الدليل على كراهة لبس الســواد في الصــالة،رابعاــار ــة إلظه ــه فلبس الســواد من الشــعائر العرفي ــا. وعلي أو مطلق

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد267هـ1433م ـ 2012

الشيخ علي دهيني•

ــل ســائر×الحــزن على اإلمــام الحســين وســائر المعصــومين، بالناس.

: لم يقم الـدليل على الوجــوب العيـني، أو الكفـائي،خامساــين ــام الحس ــام اإلم ــارة مق ــارة من×لزي ــحيح أن الزي ــل الص ، ب

المستحبات األكيدة. ن على قراء السيرة الحسينية نســبة الروايــاتسادسا : يتعي

فات، على سبيل الحكاية، دون البت والجزم، إلى الرواة أو المصنإال إذا ثبتت الرواية بطريق معتبر.

: لم يقم الدليل على حرمة التطبير من بــاب الضــرر،سابعا بل قام الدليل على حرمته من باب لزوم توهين المذهب من هــذا

الفعل. : ليس التطبــير من الشــعائر الحســينية؛ لعــدم صــدقثامنــا

ــوان الشــعيرة عليــه؛ بلحــاظ عــدم كونــه من مظــاهر الحــزن عنالعرفية.

الهوامش

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد268هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

قواعد التعامل مع أهل الكتاب جولة في معطيات الكتاب والسنة

*(*()أ. جالل وهابي همابادي

*(*()*د. كاظم قاضي زاده

ترجمة: نظيرة غالب

مقدمةــة شــاملة، خــاطب بهــا اللــه البشــرية اإلســالم رســالة عالمي جمعاء دون أي استثناء إلى يوم الدين. في إطاعة تعاليمــه يصــعد اإلنسان درجات الرشد، وينقل نظرته من األرض عالم المادة إلى السماء عــالم الجــواهر والعقــول، فيبلــغ مقامــات الكمــال، وينــال

السعادة الحقيقية. وقد شمل القرآن الناطق باألحكام والتعاليم اإللهية ما يفسرل في العديـد من اآليـات. فقــد تكلم عالمية اإلسالم بشــكل مفصــــاء ــه من األنبي ــإبراهيم ومن قبل ــابقة، ف ــان الس ــرآن عن األدي القــا، ورســالتهم صــدق، والرسل ومن بعده هم مبعوثون من الله حق واعتبر اإليمــان بهم واجبــا شــرعيا ال يكتمــل إســالم الفــرد إال بــه،

قولـوا آمنا بالله ومـا أنــزل إلينـا ومــا أنـزل إلى﴿فقــال: باط ومــا وب واألســ حاق ويعقــ ماعيل وإســ إبراهيم وإســ

ــ *( ــوم القــرآن)*( ــدكتوراه، في قســم عل ــة ال طــالب في مرحلوالحديث، في جامعة آزاد اإلسالمية في طهران.

أستاذ مســاعد في قســم العلــوم والدراســات في جامعــة)**(*(آزاد اإلسالمية في طهران.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد269هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

ــا أوتي النبيون من ربهم ال ى وم ــ ى وعيس ــ أوتي موسلمون ق بين أحد منهم ونحن له مســ ــرة: ﴾نفر (.136 )البق

ودعا القــرآن جميــع المؤمــنين بالرســاالت الســماوية الســابقة أن يلتحقوا باإلسالم، ويكملوا إيمانهم باتباع خاتم األنبياء والمرســلين،

﴿فقال: دقا ــ لنا مص يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نز (، وقال أيضــا في دعــوتهم إلى اإلســالم:47 )النساء: ﴾لما معكم

ومن يبتــغ﴿(،ــ 19 )آل عمران: ﴾إن الدين عند الله اإلسالم﴿رة من غير اإلسالم دينــا فلن يقبــل منــه وهــو في اآلخــ

(. ولم تكن دعـوة أهـل الكتـاب إلى85 )آل عمران: ﴾الخاسرين اإلسالم منحصرة في القرآن وحده، بل لقد دعا األنبياء الســابقون

×، فقــد قــال عيسى|أتباعهم إلى اإليمان بــالنبي الخــاتم مخاطبــارائيل إني﴿قومه: ى ابن مــريم يــا بني إســ وإذ قال عيســ

دقا لمـــا بين يـــدي من التوراة ول الله إليكم مصـــ رســـرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد (.6 )الصف: ﴾ومبش

ــان وبين الكتب الســماوية، فهم ــة بين األدي ــاك قطيع وليســت هن جميعا من عند اللــه، وقــد جعــل اللــه القــرآن مهيمنــا على الكتب السماوية الــتي ســبقته، وجعلــه آخــر العهــد، بــه اكتملت رســاالت

وأنزلنا إليك الكتاب بالحق﴿السماء إلى األرض، وبه اختتمت: ــدة:﴾مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه )المائـ

(، بل لقد مدح وأشاد بإيمان أهل الكتاب الــذين آمنــوا بــه؛ ألن48ــه الحــق: رتهم بــه، وآمنــوا بــه ألن الذين يتبعون﴿كتبهم قــد بشــ

ــدهم في ــه مكتوبــا عن سول النبي األمي الذي يجدون الر فآمنوا بالله ورسوله﴿(ـ، 157 )األعراف: ﴾التوراة واإلنجيل

ــوه لعلكم ــه واتبع ــؤمن بالله وكلمات النبي األمي الذي ي(. 158 )األعراف: ﴾تهتدون

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد270هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

ورغم تعدد اآليات القرآنية التي دعا فيها الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب إلى اإليمان بــدين اإلســالم واتبــاع تعاليمــه فــإن هــذه الدعوة لم تخرج عن نطاق الخطاب والحوار، بحيث كانت الدعوة إلى اإلسالم دعوة سلمية، ليس فيها أي نوع من الجــبر واإلكــراه؛ــة، وليســت من جنس األفعــال ألن االعتقــاد واإليمــان مســألة قلبي المادية، لذا فإن االختيار الذي جعلــه اللــه لإلنســان قاطبــة يتجلى

ــالى: ــال تع ــد ق ولو﴿أكثر في مساحة حرية اإليمان واالعتقاد، فقاء ــ ل من يشـ ــ دة ولكن يضـ ــ ة واحـ اء الله لجعلكم أم ــ شـ

اء (. فاإليمــان ال يكــون بــاإلكراه93 )النحــل: ﴾ويهــدي من يشــد من﴿واستعمال القوة: شــ ال إكراه في الدين قــد تبين الر

(. وقــد ذكــر العالمــة الطبرســي في تفســير256 )البقرة: ﴾الغي هذه اآلية أن اختيار اإليمان أو الكفــر مســألة تعــود للفــرد نفســه، حيث قال: »إن المراد بيانه من خالل هذه اآليــة أن اللــه لم يكــره عباده على الدين، وإنما ترك لهم االختيار؛ ألن اإليمــان من أفعــال

. وهـو نفس(408)القلب، وال يعتد بمـا كـان تحت اإلكـراه واإلجبـار« رأي الســيد الطباطبــائي حيث قــال في المــيزان: »وهــذه إحــدىــة على أن اإلســالم لم يبتن على الســيف والــدم، ولم اآليات الدالــاحثين من يفت باإلكراه والعنوة، على خالف ما زعمه عدة من الب المنتحلين وغـــيرهم، أن اإلســـالم دين الســـيف. اســـتدلوا عليـــه

بالجهاد، الذي هو أحد أركان هذا الدين. وقد تقدم الجواب عنــه في ضــمن البحث عن آيــات القتــال، وذكرنا هناك أن القتال الذي ندب إليه اإلســالم ليس لغايــة إحــراز التقدم وبسط الدين بالقوة واإلكراه، بل إلحياء الحق والدفاع عن

. (409)أنفس متاع للفطرة، وهو التوحيد« من خالل هذه المقدمة، ونظرا ألهمية هذا الموضوع بالنسبة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد271هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

إلى طبقــة من المجتمــع، والــتي تشــكل من خالل معتقــدها أهــلم البحث إلى ثالثــة أقســام. وقــد كــان الكتاب، فقد ارتأينا أن نقســة وحــدود التعامــل مــع عنصر خصوصيات تعاليم اإلســالم في كيفيــة ــة بالخصوصــيات االجتماعي أهل الكتاب، والتي تجــد نفســها معني لإلسالم من منطلــق كونــه دينــا شــامال ولكــل البشــر، ومــا أصــبحــتي يطرحه على طرف النقيض من أفكار واعتقادات منحرفة، وال ابتعدت نظريا وعمليا عن الــدين الحقيقي، وكــذا مــا يروجــه جمــع من المستشرقين من شبهات وأفكار تحريضية، كل هذه العوامــل

فرضت أن تكون األقسام بالشكل التالي: ــلماألول : يعرض للمبادئ األساسية التي تحكم عالقة المس

بغيره من أهل الكتــاب واألديــان الســماوية الســابقة، انطالقــا منالقرآن والسيرة النبوية الشريفة.

: أهل الكتاب في العـرف اللغـوي واالصـطالحي، مــعالثانيذكر مصاديق لهذه الفئة.

ــاقش الجــانب الفقهي والحقــوقي فيالثالث واألخــير : ينشأن التعامل مع أهل الكتاب، وذلك من خالل اآليات القرآنية.

سماحة وعدل اإلسالم تجاه األديان األخرى

ب آليــات القــرآن إن نظرة متفحصة وبعيــدة عن روح التعصــ واألئمة من أهــل بيتــه في منابعهــا األصــيلة|ولسيرة النبي األكرم

ن أن الــدين حمــل االطمئنــان الــروحي والفعلي في والصحيحة تبيك ــل من أحســن التمســ ــة في اآلخــرة، لك ــدنيا، وحســن العاقب الــير ــمل حتى غ ــاض ليش ــيره ف ــه وخ ــل إن رحمت ــه، ب ــان ب واإليم المسلمين، من أهل الكتاب وأصــحاب الــديانات األخــرى، فضــمنن للمجتمع اإلسالمي قوانين في التعامل اإلنساني لهم حقوقا، وقن

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد272هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

والشرعي مع هذه الفئة. فاإلسالم، ســواء نعت بكونــه دينــا أو فكــرا أو مــذهبا أو حتىز أيديولوجيا، هو الوحيــد الــذي نظــر إلى اإلنســان بعيــدا عن التحي العرقي أو القومي، فخطابه موجه لكــل اإلنســان النــوع بــدعوتهمــا في إلى اإليمــان، إلى العــدل والمســاواة، دعــوة تتلخص مبادئه كونه كتاب هداية ورحمة. وقد تجسدت نظريته في حسن التعامل مــع غــير المســلمين في ســلوك الــذين آمنــوا بــه واعتقــدوه دينــاخون، واعــترفوا بــه في ومنهجا، وهو السلوك الذي أذعن له المؤرــة ـ ــني أمي كتاباتهم. فهذا ويل دورنت يقول معترفا: »خالل حكم ب ورغم انحرافهم القوي عن الدين ـ لوحظ مدى التسامح والرحمــة الـــتي ســـادت عالقـــة المســـلمين بغـــيرهم من المســـيحيين والزردشتيين واليهــود والصــابئة وغــيرهم من أهــل الذمــة، والــذي كــان من بين أركانــه وجــود مجموعــة من التشــريعات والقــوانينــديانات ــراد وأصـــحاب الـ ــؤالء األفـ ــل هـ ة بكـ ــ والحقـــوق الخاصـ

. وكتب البطريـق عيثويابـه قـائال: »إن العــرب الـذين(410)األخرى«ــانوا أعطــاهم اإلســالم القــدرة على التســلط على كــل العــالم ك يتعاملون معنا من منطلق أنهم ال يرون أنفسهم قاهرين، أو أعداء للمسيحيين، فقد كانوا يحــترمون ديننــا، وكــان ســلوكهم وأخالقهمــدءا بالقساوســة ــا، ب ــات دينن ــل مكون ــع ك ــة م ــا ورحم ــا لطف كله

. (411)والرهبان، ومدوا يد العون لكل الكنائس واألديار« فكثرة الشواهد التاريخية واختالفها باختالف ظــروف الحــربــن والسلم وتنوع األزمنة واألمكنة توضح أن مسألة التسامح وحس المعاملة ليست مسألة عارضة اقتضتها الظروف واألمكنــة، لكنهــاــك ألن ر؛ وذل ــابت ال يتغي ــرآني ث ــدين، وتشــريع ق ــذا ال ركن في ه

:األولاإلسالم كدين له نظرة كونية شــاملة يقــوم على مبــدأين: : حرية االعتقاد.والثانيحفظ كرامة اإلنسان النوع؛

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد273هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

كرامة اإلنسان وحرية المعتقد ركنان في اإلسالم

حفظ كرامة اإلنسان وإنسانيته لقد تعددت اآليات القرآنية التي تحدثت عن تساوي البشــرية في الخلقة والمكانة. فقد فضل الله اإلنسان على كثير مما خلق، وســخر لــه الكــون في خدمتــه. وقــد تســاوى في هــذا الحــق كــل النــاس، أعم من المســلم وغــيره. قــال تعــالى مخاطبــا البشــرية

ــا بني آدم﴿جمعـــاء بكـــل أطيافهـــا وأديانهـــا: منـ د كر ــ ولقـــات ــاهم من الطيب ر ورزقن ــ ــر والبح ــاهم في الب وحملن

ن خلقنا تفضيال لناهم على كثير مم ــراء: ﴾وفض (.71 )اإلس بل األعظم واألجل أن الله نفخ في اإلنسان من روحــه المقدســة،بين الــذين ال يعصــون مــا أمــرهم ولهــذا أمــر اللــه مالئكتــه المقــر ويفعلون ما أمروا بأن يسجدوا آلدم أبو البشــرية جمعــاء؛ تعظيمــا

جدوا آلدم﴿لـــه وإقـــرارا بمكانتـــه: ــة اســ ــا للمالئك وإذ قلن إبليس أبى... (. 34 )البقرة: ﴾فسجدوا إال

ولم يكن هذا التعظيم والقدر مقتصرا على الجــانب النظــريــا في والكالمي، بل لقد تحقق في أن الله سبحانه وتعالى سخر مــيرة: ــه نعمــا كث ــذا اإلنســان، ووهب الســماوات ومــا في األرض له

موات وما في األرض جميعا منه﴿ ر لكم ما في الس وسخ(. 13 )الجاثية: ﴾إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون

فكانت كرامة اإلنسان منشــأ االحــترام والتقــدير، وال يالحــظــذا ــة. له ــة أو المعنوي ــارات المادي ــون أو االعتب ــا الجنس أو الل فيه اختلف اإلسالم عن باقي األيديولوجيات واألفكـار الــتي سـعت فيــة أو ــة أو قومي قوانينها إلى ضمان حق فئــة؛ إمــا العتبــارات عرقيــة. وكــان تأكيــد اإلســالم على وحــدة المنشــأ ــة أو حتى مذهبي ديني بالنسبة إلى كل البشرية. لذا ال يوجد ســبب ذاتي في تقــديم فــرد

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد274هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

على آخر، وتفضيل إنسان على آخر، وحــدها التقــوى هي المــيزان ــا الذي يفضل به إنسان على آخر، التقــوى باعتبارهــا فضــاء أخالقيــال ــو الكم ج نح ــدر ــراد في الت ــه األف ــافس في ظل ــلوكيا يتن وس

يــا أيهــا الناس إنا﴿اإلنســـاني، والقـــرب الحقيقي من اللـــه: عوبا وقبائل ــ ــاكم شـ ــر وأنثى وجعلنـ ــاكم من ذكـ خلقنـاكم إن الله عليم لتعـــارفوا إن أكـــرمكم عنـــد الله أتقـــ

(. 13 )الحجرات: ﴾خبير هذا المبدأ في خطبته المشهورة بخطبـة حجـة|وفصل النبي

للمســلمين بــأن ال يكــذبوا مــا عنــد أهــل|الوداع. وكان أمر النــبي :|الكتاب من الكتاب، سواء التــوراة أو اإلنجيــل، وكــان يقــول لهم

ــزل ــا أن »ال تصدقوا أهل الكتاب وال تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وم.(412)إلينا«

التأكيد على حرية االعتقاد إن حرية االعتقــاد مســألة ضــمنها القــرآن لكــل النــاس، فلم

اء ربك آلمن﴿يحصرها في فئة دون أخرى. قال تعالى: ولــو شــــره الناس حتى أنت تك ــ من في األرض كلهم جميعــا أف

ن أن اإليمــان99 )يــونس: ﴾يكونــوا مــؤمنين (. وهــذه اآليــة تــبيد مسألة اختيارية، وال يمكن أن تكــون باإلجبــار، لكن مفهومهــا يفن قول المشركين الذين قالوا بــأنهم أجــبروا على الشــرك، وليســواس على اختيـار يملكون من أمرهم شـيئا، فاإليمـان والكفـر مؤســـة اإلنسان نفسه، والله سبحانه وتعالى أراد أن تكون لإلنسان حري اختيار معتقده وانتخابه بنفسه، فلم يستعمل قدرته القاهرة ليجبر

ن هــذه الحقيقــة،(413)الناس على اإليمان أبدا . وهذه اآلية إنمــا تــبي فــالنبي األكــرم؛ ومن منطلــق الرحمــة وحب الخــير، كــان يطمــع

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد275هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

ويجتهد في أن يؤمن كل الناس، لكن الله ســبحانه وتعــالى أجــابــا بأن اإليمان الذي نريده منهم هو ما كان عن حسن االختيار، ال م كان عن إكراه وإجبار. كذلك جاء التأكيد على حرية اختيار المعتقد

د﴿من خالل قوله تعالى: شــ ال إكراه في الدين قــد تبين الر (. فهــذه اآليـة تنفي الــدين الـذي يكـون256 )البقرة: ﴾من الغي

عن طريق اإلجبار؛ ألن الدين في حقيقتــه سلســلة من المعــارف،ــة. وبمــا أن الــدين في عــالم ــة وعملي وتحتــاج إلى مقــدمات علمي التكوين مسألة قلبية فهــو يحتــاج إلى علــل وأســباب حتى يحصــل التصديق، وبالتالي يحصل االعتقــاد. فاآليــة تنهى عن الحمــل علىــه االعتقاد، وتترك األمر للفرد نفسه كي يختار بحسب ما حصــل لــة، من اليقين، هذا اليقين الذي يقوم على البراهين واألدلــة العقلي وقد يحتاج إلى أدلة حسية، كــالمعجزات، ولهــذا بعث اللــه األنبيــاءــق الصــحيح؛ ألنهم مرشــدون ــل الحجب عن الطري والرســل ليزيــوا وهداة. لذلك يقول القرآن للكفار حين وقفوا ضــد الــدين، وادع

ادقين﴿الصدق: ــرة:﴾قل هــاتوا برهــانكم إن كنتم صــ )البقــول111 ــاس على قبـ ــإكراه النـ ــول بـ ــف يمكن القـ ــ »كيـ (، فــ

. وقال أدوين كالغري، وهــو أمــريكي، في خصــوص(414)اإلسالم؟« : »في القــرآن آيــة تنم عن الحكمــة﴾ال إكراه في الدين﴿اآلية:

واالستقامة، كل المسلمين يعرفونها، ويجب على غــير المســلمينفوا عليها، ويؤمنــوا بحقانيتهــا« . وقــال الواحــدي(415)جميعا أن يتعر

في كتابه )أسباب النزول(: كان لرجل من األنصار من بـني سـالم ، ثم قدما المدينة في|بن عوف ابنان، فتنصرا قبل أن يبعث النبي

نفــر من النصــارى يحملــون الطعــام، فأتاهمــا أبوهمــا، فلزمهمــا، وقال: والله، ال أدعكمــا حتى تســلما، فأبيـا أن يســلما، فاختصــموا

، فقال: يا رسول اللــه، أيــدخل بعضــي النــار وأنــا|إلى رسول الله

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد276هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

ــه عــز وجــل: ال إكراه في الــدين قــد تبين﴿أنظر؟ فأنزل اللشد من الغي . (416)، فخلى سبيله...﴾الر

ــالى: ــه تع ــال الل اء﴿ق وقــل الحــق من ربكم فمن شــر إنا أعتــدنا للظالمين نــارا... ﴾فليؤمن ومن شاء فليكفــ

(. فهذا الركن األساسي في الدعوة إلى اإلســالم هــو29)الكهف: ما جعل المسلمين عبر التــاريخ في تعــاملهم مــع اآلخــر يســلكون مسلك الدعوة في تبليغهم لهــذا الــدين، بعيــدا عن أجــواء اإلكــراه

والجبر. ــاد من خالل ـة االعتقـ ــ ــنى الحقيقي لحري ويمكن إدراك المعـ

في تعاملــه مــع بــاقي الــذين لم|الســلوك العملي للنــبي األكــرمــه اســتخدم القــوة واإلكــراه إلرغــام يقبلــوا اإلســالم، فلم يثبت أن الناس على قبول دعوته، وهي الحقيقــة الــتي شــهد بهــا القاصــير المسيحي غوســتاف لوبــون يقــر هــذه الحقيقــة والداني، فالمفكــار ــامال في انتشـ ــة عـ ــتعمال الغلبـ ــوة واسـ ــائال: »لم تكن القـ قـ اإلسالم... والحق يقال: إنه لم توجد أمة فاتحة أرحم وأكــثر عفــوا

. وأما تومــاس كاريــل فهــو يعتقــد(417)وتسامحا من المسلمين...« »أن اتهام نبي اإلسالم بأنه أرغم الناس بقبول اإلسالم تحت قــوة

. (418)السيف كالم سخيف وال دليل له«هم اإلسالم وخالصة القول: إن ما يدعى له اليوم من أفكار تتــات ـة في المجتمع ـ ـات الديني ـ ــوق األقلي ــاك حق ــلمين بانته والمس المسلمة هي دعوات في حقيقتهــا إمــا ناتجــة عن الجهــل بحقيقــة مبادئ هــذا الــدين الــتي تحكم العالقــات بين المســلمين ببعضــهم البعض أو تحكم عالقات المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب، وهــو جهــــل ال يحتــــاج إال إلى قليــــل من البحث العلمي والتحقيــــق

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد277هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

ب، أو ربمــا كــان من وراء الموضوعي البعيد عن إرهاصات التعصــ هذه الدعوات الباطلة حكومــات وأفــراد براغمــاتيون همهم حفــظ مصالحهم الفردية أو القومية، فسعوا جاهدين لتغطية حقيقة هــذا الدين، بإظهاره في مظهر اإلرهاب والتسلط والمتعطش للــدماء، حتى يزرعوا الرعب منه في قلوب الشعوب، وبالتــالي تبقى هــذه األخيرة بعيــدة عنــه، وإال فليس هنــاك أي تفســير آخــر لكــل هــذه الحمالت المغرضة والدعوات العنصرية التي تحاك ضد هذا الدين.

ــال: ــرآن حين ق ــدق الق ــر﴿وص ــدين القيم ولكن أكث ــك ال ذل(.30 )الروم: ﴾الناس ال يعلمون

لغة واصطالحا «أهل الكتاب»تعريف إن المعـــنى الحقيقي لهـــذه المـــادة هـــو تحقق األنس مـــع

ــوب إليه ــيء المنس ــق بالش ــاص والتعل ــا ازداد(419)االختص . فكلم التعلق اشتدت األهلية، وأهل الرجل خاصته من أهله، وأهل البيت

أصحابه. أما لفــظ الكتــاب فــالمراد بهم على األعم الكتب الســماوية، التوراة واإلنجيل، ليصبح معنى لفظ أهل الكتاب المتعلقين بالكتب

السماوية والمؤمنين بها. ــماوية أما في اصطالح القرآن فالمراد بها أتباع الديانات الســراد بــه في القــرآن اليهــود السابقة على اإلسالم، وهو لفظ عام ي

والنصارى. ــل الكتب ــل أه ــا ك ــالمراد به ــطالح الفقهي ف ــا في االص أم السماوية، أعم من اليهود والنصارى من مجوس وصابئة وغــيرهمــة ــال عن البوذيـ ــا يقـ ــماوية، كمـ ــا سـ ــل أن لهم كتبـ ممن يحتمـ

. (420)وغيرها ورغم كون القرآن كتابا ســماويا فــإن إطالق أهــل الكتــاب ال

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد278هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

يشــمل المســلمين. وقـد اسـتعمل هــذا المصــطلح ألول مــرة فيــع(421)القرآن ن أن الكتاب هو القسط المشــترك بين جمي حتى يبي

ــة وغيرهــا من األديــان الســماوية، مغلقــا بــذلك البــاب أمــام الوثنياألديان الوضعية.

االستعمال االصطالحي ألهل الكتاب في القرآن الكريم

لقد استعمل مصطلح »أهل الكتاب« واحدا وثالثين مرة، في واحدة وثالثين آية، وذلك في تسع سور من القرآن. وكان أكثر مــا

. (422)استعمل في سورة آل عمران إال أن أهــل الكتــاب لم يكن االســتعمال الوحيــد في القــرآن، فهناك استعماالت أخــرى منهــا: »الــذين أوتــوا الكتــاب«، »الــذينــود ــاب«، »اليه ــوا نصــيبا من الكت ــذين أوت ــاب«، »ال ــاهم الكت آتين ــراد بــه اليهــود والنصــارى، إال والنصارى«. وأهل الذمة، وإن كان يـه اصــطالح فقهي يطلــق فــيراد بــه المعاهــدون من اليهــود ـ أنة في دار والنصارى، الذين يقيمون وفق معاهــدة أو شــروط خاصــ

. (423)اإلسالمت اآليــات الــتي ورد فيهــا لفــظ »أهــل الكتــاب« وقــد اختصــ بخطابهم أو الحديث عنهم دون غيرهم. وقد يكون المراد في اآلية النصــارى أو اليهــود أو همــا معــا. وقــد يشــار إليهم بــالكفر؛ نظــرا

، أو لتلطيخ|إلنكـارهم رسـالة اإلسـالم ونبـوة النـبي الخـاتم محمدــود﴿الديانة األصيلة بمعتقدات الشرك، كما في قوله تعالى: مــا ي

ركين ــرة:﴾...الذين كفروا من أهل الكتاب وال المشــ )البقروا من أهــل﴿(، وكذلك قوله تعــالى: 105 لم يكن الذين كفــ

ــة ــة:﴾الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البين )البين (. مع اإلشــارة إلى أن القــول بكفــر أو شــرك أهــل الكتــاب قــد1

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد279هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

جرى فيــه نقــاش عــريض طويــل. ويطلــق لفــظ »المشــرك« في القرآن فيراد به الوثنيين، إال أن بعض المفسرين يرون أن الشرك يشمل كذلك اليهود والنصارى والمجوس؛ ألن كل واحد من هؤالء قــد ابتــدع في الــدين مــا ليس منــه، كــالقول بــالتثليث، والتثنيــة،هــا شــرك في األلوهيــة، والشــرك والقول بأن عزيرا ابن الله، وكل كفــر. إال أن اســتعمال القــرآن للشــرك أتى منفصــال عن أهــل

إن الذين﴿الكتاب، وخص به الوثنيون دون غــيرهم، قــال تعــالى: ارى والمجــوس ابئين والنصــ ــوا والذين هــادوا والصــ آمنل بينهم يـــوم القيامـــة ركوا إن الله يفصـــ ﴾والذين أشـــ

(. ولعل62(، و)البقرة: 69(، وكذلك جاء في )المائدة: 17)الحج: ــة عن النــبي األكــرم يــأمرهم بتنقيــة|ما يثبت هــذا الروايــة المروي

ــة والمدينــة( من المشــركين. فهــذه الروايــة ــة )مك الجزيرة العربين أن اليهـــود والنصـــارى لم يكونـــوا مشـــركين في العـــرف تـــبيــة، وفي ــات ديني ــة كأقلي اإلسالمي، لذلك بقــوا في الجزيــرة العربي

.(424)ظل الحكومة اإلسالمية، وطبق قانون الجزية

مصاديق أهل الكتاب اســـتعمل لفـــظ »أهـــل الكتــاب« في قبالــة »األمي« حين دعوتهم جميعا إلى دين التوحيد، فقد كان كالهمــا ســاكنا الجزيــرةل كــل واحــد منهــا ــة الشــريفة، وشــك العربية أثناء البعثــة المحمديــة: مجموعة وتجمعا خاصا. فقد قال تعالى مشيرا إلى هذه التركيب

لمتم...﴿ ــ يين أأس ــاب واألم ــوا الكت ــل للذين أوت )آل﴾وق(. 20عمران:

وقد عرف أهل الكتاب في الجزيرة العربية قبل البعثة بأنهمبعون الكتاب، التوراة واإلنجيل؛ نظــرا لــذلك. وهي إشــارة الذين يت

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد280هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

إلى معرفتهم بتعاليم الدين، وضمنا هي دليــل على اطالعهم على فن الكتابة والقراءة، وامتالكهم لنــوع خــاص من الثقافــة، الشــيءــل ــة أعلى ومقــام أشــرف في مقاب عــون بمرتب ــذي جعلهم يتمت ال األميين. ويعتـــبر هـــذا ضـــمنا ســـببا وجيهـــا في قبـــول الوثـــنيين لمرجعيتهم وإقــرارهم بمقــامهم العلمي. ومراجعــة أســباب نــزولن أن اليهــود والنصــارى بعض اآليــات المتعلقــة بأهــل الكتــاب تــبي أصحاب التوراة واإلنجيل كانا المصداق الواقعي ألهل الكتاب دون

ون في﴿غيرهم. فمثال: قال تعالى: اج ــاب لم تحــ يا أهــل الكت من بعــده أفال إبراهيم ومــا أنــزلت التوراة واإلنجيــل إال

ــود65 )آل عمران: ﴾تعقلون ــدل اليه (. وهذه اآلية تتحدث عن ج ، ومحاولة كل منهمــا إثبــات أن إبــراهيم×والنصارى حول إبراهيم

كان واحــدا من اليهــود أو واحــدا من النصــارى، بينمــا كتاباهمــا لم. ×ينزال إال بعد إبراهيم

والدليل اآلخر على أن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصــارىتم على﴿ما جــاء في قولــه تعــالى: قل يــا أهــل الكتـاب لســ

شيء حتى تقيموا التوراة واإلنجيل وما أنزل إليكم من (. فنسـبة التـوراة واإلنجيـل إلى أهــل الكتـاب6 )المائـدة: ﴾ربكم

إشارة بــالملزم على الملــزم، فــالملتزمين بــالتوراة واإلنجيــل هم . وإلى جانب(425)اليهود والنصارى، فخرج بذلك الصابئة والمجوس

اليهــود والنصــارى هنــاك من الفقهــاء من ألحــق المجــوس بأهــلــوق ــاب في الحق ــل الكت ــام أه ــاب، وجعلهم مشــمولين بأحك الكت

د ورود اســم المجــوس والصــابئة إلى(426)والمعــامالت . لكن مجــر جــانب اليهــود والنصــارى ليس دليال قاطعــا على أنهم من أهــل

ــالى: ــه تعـ ــاب، فقولـ إن الذين آمنـــوا والذين هـــادوا﴿الكتـابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله والص

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد281هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

ــا يتحــدث﴾يفصل بينهم يوم القيامــة ، كمــا ذهب البعض، إنم عن أن الله سيحكم بينهم كل واحد لوحده يــوم القيامــة، وليســتــارى، وأنهم ــاليهود والنص ــوس ب ــابئة والمج ــاق الص دليال على إلح

. (427)معنيون بإطالق أهل الكتاب تاريخ ظهور المجوسية والصــابئة ومــا كــانت عليــه عقائــدهم مسألة ال يعرف عنها شيء؛ النعدام األدلة التاريخية الكافية، اللهمقة، وبعض الروايات التي إال من بعض المستندات التاريخية المتفر يحاول الفهم منها إلحاق المجــوس والصــابئة بأهــل الكتــاب. ففي

أنه سئل: هــل كــان للمجــوس كتــاب؟×رواية عن اإلمام الصادق قـال ألهــل مكــة: إمــا أن|فأجاب: ألم يصل إليكم أن رســول الله

ــة أن تسلموا وإما أن تدفعوا الجزية مكرهين، فطلب منه أهل مك قــال لهم:|يأخذ منهم الجزية ويــتركهم على دينهم، لكن الرســول

إن الجزية إنما تؤخذ من أهل الكتــاب، فســألوه: لمــاذا أخــذها منهم قتلــوه،|المجوس؟ فأجابهم النبي : إنه كــان للمجــوس نــبي لكن

.(428)وكان لهم كتاب أحرقوه بالنار، وكان كتابهم على جلد البقر

األحكام الفقهية والحقوقية الخاصة بأهل الكتاب ة بالتعامــل مــع لم تقتصر األحكام الفقهية والحقوقية الخاصــ أهل الكتاب باليهود والنصارى الذين يقيمون في دار اإلســالم، بــلســعت رقعتهــا لتشــمل الــذين يقيمــون خــارج دائــرة الحكم ات اإلسالمي؛ نظــرا التســاع مســاحة التعامــل التجــاري وغــيره. وهــوــار ــل انتشـ ــا في ظـ ــوم، وخصوصـ ــادة اليـ ـة جـ ــ بحث على أهميــة ووســائل االرتباطــات المتعــددة الــتي كفلتهــا الثــورة التكنولوجيـة ـ االتصال. فقد أصبح العلماء في الحوزات الدينية والدوائر العلميــة والحقــوق في كــل أبعــاد ملــزمين بتحديــد هــذه األحكــام الفقهي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد282هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

ــاد، ــاب في االقتص ــل الكت ــلمين بأه ــع المس ــتي تجم ــل ال التعام والسياسة، والثقافة، وتبادل المعرفة. ومن البحــوث الــتي ترتبــط بالموضوع، وطرحت بشكل علمي من طــرف علمــاء المســلمين،

والشيعة بالخصوص:

ـ أهل الكتاب بين الطهارة والنجاسة 1ع مواضـيع في ــة نظـرا لتفــر أدرج هذا المبحث ضـمن األولوي الفقه عليه، وقيام مباحث في التعامل مع أهل الكتاب على أثرها. لكننــا نجــد القــرآن قــد أجــاب عن هــذه المســألة بصــورة الــإن حكم منعهم من تحتمل ترددا، فقال بنجاسة الكفار. وبالتالي ف دخول المسجد ينشأ عنه أحكام أخرى شخصها الفقهــاء في كتبهم

ركون﴿ورسائلهم. قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما المشــــذا ــامهم ه ــد ع رام بع ــ جد الح ــ ــوا المس ﴾نجس فال يقرب

(. 28)التوبة: ــق في من إال أن التعامل العلمي مع هذه اآلية يفرض التحقيــد ــاب أح ــل الكت ــل أه ــركين؟ ه ــف المش ــودون بوص هم المقص مصاديقه، ليكون كل أهل الكتاب مشــركين على اإلطالق، أو أنهم

ال يشملهم هذا الوصف، وبالتالي ليسوا معنيين بالحكم؟المسألة الثانية: ما هو المراد بالنجاسة هنا؟

أما في ما يخص المسألة األولى فإن الحكم بالنجاسة يشمل أهل الكتاب قطعا؛ بلحاظ قولهم بالتثليث، وبــأن عزيــرا ابن اللــه.ــة، بحيث إن هــذا لكن هذا الحكم قائم على سبيل الموجبـة الجزئي الحكم خاص بالمشركين منهم. وقد نظر اإلسالم إلى أهل الكتاب

: كونهم أتباع كتاب ســماوي، فهم يشــتركوناألولىمن زاويتين: هم يشــتركونومن زاوية أخــرىوالمسلمين في هذا الوصف؛

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد283هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

مع المشركين في قــولهم بالشــريك في األلوهيــة. لــذا فقــد خص أهل الكتاب بأحكام تراعي نقطة االشــتراك، وتأخــذ بعين االعتبــار نقطة االنفصال. لذا فقـد فصـلهم القـرآن عن المشــركين بقولـه:

ركين أن﴿ ــ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب وال المشــر من ربكم ل عليكم من خي (. ومن جهــة105 )البقــرة: ﴾ينز

ــة، وحطمت آخــر أخــرى حين انتشــر اإلســالم في الجزيــرة العربيــع ــق م ــود والمواثي ــل العه ــع ك ــرآن بقط ــر الق ــة، أم قالع الوثني المشركين، وإلغاء كل اتفاقات السالم التي أبــرمت معهم ـــ وقــد

في كل حين ـ، وإعالن الحرب|كانوا ينقضون أيمانهم مع الرسول عليهم، لكن لم يكن هــذا ســلوكه مــع أهــل الكتــاب، فهــو لم يجــز قتلهم، وقــد أجــاز قتــل المشــركين الــذين يتصــدون لإلســالم، و»يسمح بالعيش مع أهل الكتــاب في صــورة مــا لــو احــترم أهــل الكتــاب اإلســالم، ولم يتــآمروا ضــده، أو يكــون لهم إعالن مضــاد. والعالمة األخرى لموافقتهم على الحيــاة المشــتركة الســليمة مــع المسلمين هي أن يوافقوا على دفع الجزية للمسلمين، بأن يعطوا

.(429)كل عام الحكومة اإلسالمية مبلغا قليال من المال« أما في ما يخص لفظ »نجس« فالبـد من معرفـة المــراد بـهــة، كــالبول والــدم وبــاقي األقــذار هنــا، هــل هي النجاســة الظاهري

نها الشارع، أم هي النجاسة الباطنية؟ والنجاسات التي عي »نجس« مصدر، ويـراد بـه الوصـف بالنجاسـة، مـع المبالغـة والتأكيد. أمــا الــراغب األصــفهاني فقــال: إن »النجاســة القــذارة،

.(430)وهي ضربان: ضرب يدرك بالحاسة؛ وضرب يدرك بالبصيرة« وذهب الشيخ الطبرسي إلى أن النجس »تطلــق على كــل شــيء

. فيالحظ تعدد االســتعماالت للفــظ(431)يتنفر منه الطبع اإلنساني«ــة. بــل ــة والظاهري »نجس«، وعدم حصــرها في النجاســات المادي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد284هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

نجــد أن العــرب كــانت تطلــق النجس على بعض األمــراض الــتيــا يعتــبر في يستعصي عالجها. وكذا كان الشــخص الســاقط أخالقيــول: ــذا فال يمكن الق عرفهم نجسا، إلى غيرها من االستعماالت. لــة القـــاذورات والبـــول ــركين من جنس نجاسـ ــة المشـ إن نجاســـادتهم ــة؛ لعب وغيرهمــا، وال أن المــراد بالنجاســة النجاســة الباطنيــة تجعــل ــة أو خارجي األوثان. إذا فالبد من البحث عن قــرائن داخلي

. (432 )أحد المرادات هو مراد الشارع الجدي والمشهور عند فقهاء اإلمامية أنه فقــط الــذين ثبت شــركهم

ــري عليهم الحكم بالنجاسة ــذين يس ــاب هم ال ــل الكت ؛(433)من أه ؛(434)وذهب فريق ثان منهم إلى القول بنجاسة أهل الكتاب مطلقا

وأما الفريق الثالث فقد نفى أن يكــون حكم النجاســة ســاريا إلىل أهل الكتاب، ودليلهم في هذا أن اللــه ســبحانه وتعــالى قــد فصــ

من105بين المشركين والكفار عبدة األوثـان، وذلــك في اآليــات ــرة، و ــورة البق ــران، و186س ــورة آل عم ــورة82 من س من س

ــدة، و ــان17المائـ ــدة األوثـ ــف عبـ ــورة الحج، حيث وصـ من سـبالنجاسة، ولم يتعداهم إلى أهل الكتاب.

وأما الروايــات الــتي تحــدثت عن نجاســة أهــل الكتــاب فقــدــة. قالوا: إنما المراد بها النجاســة العارضـة، وليس النجاســة الذاتي وهناك من قال بــأن مســألة نجاســة أهــل الكتــاب ليســت نجاســة ذاتية، وإنما هي نوع من السلوك السياسي حتى يبتعد المسـلمونر عن معاشرة أهل الكتاب، وبالتــالي يكونــون في مــأمن من التــأث

. كذلك فإن أغلب فقهاء مدرسة السنة قد(435)بأفكارهم وأخالقهمأفتوا بالطهارة الذاتية ألهل الكتاب.

ـ حكم طعام أهل الكتاب 2

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد285هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

ــة طعــام أهــل الكتــاب ــة عن حلي لقــد تحــدثت اآليــات القرآنيــالى: ــال تع ــوا﴿والمسلمين بعضهم لبعض، ق وطعام الذين أوت

(. وقــد5 )المائــدة: ﴾الكتــاب حــل لكم وطعــامكم حــل لهمــة؛ فــذهب بعض اختلف في نوعية الطعــام المشــمول بحكم الحلي فقهاء أهل السنة إلى أن كـل الطعـام هـو حالل للمســلمين، فهـوــة أن حكم عام يشمل حتى ذبائحهم، لكن مــا عليــه فقهــاء اإلمامي المراد بالطعام ما سوى ذبيحتهم، فإنها ليســت حالال. وقــد اســتندــيرة عن فقهاء الشيعة اإلمامية في استثناءهم هذا إلى روايــات كث

في مــا يخص×أئمة المذهب، منها: مــا روي عن اإلمــام الصــادقــوب والفواكــه، وليس ــام الحب ــة الســابقة: »أن المــراد بالطع اآلي

.(436)ذبائحهم؛ ألنهم ال يذكرون اسم الله عليها«ــة لهــذه الروايـات، ولآليــات الــتي تحــدثت عن وبنظرة تحليلين أنهم ال يقومــون بالعديــد من األعمــال الــتي أهــل الكتــاب، يتــبي تشترط في الذبائح، كذكر اسم الله عليهــا أثنــاء الــذبح، وتوجيههــا نحــو الكعبــة، وغيرهــا من الشــروط. لــذا يكــون لحم ذبــائح أهــلــة، ويبقى للمســلمين االســتفادة من الكتاب معفى من حكم الحلي الحبوب، كالقمح واألرز وأجناســها ومن كــل الفواكــه، فــإن الــرأي المشهور بين الفقهــاء حرمــة لحم ذبيحتهم، حتى لــو ذكــروا اســم

.(437)الله عليه

ـ الزواج من أهل الكتاب 3 لقد أعلن القرآن حرمة الزواج من الكافر والمشرك مطلقا،

وال تنكحــوا﴿ال فرق بين الرجل والمرأة، وذلك في قوله تعــالى: ركة المشركات حتى يــؤمن وألمــة مؤمنــة خيــر من مشــركين حتى يؤمنـوا ولعبـد ولو أعجبتكم وال تنكحوا المشـ

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد286هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

رك ولــو أعجبكم (. وكــذا221 )البقــرة ﴾مؤمن خير من مشــ ورد نفس الحكم في ســـورة الممتحنـــة. أمـــا في قولـــه تعـــالى:

ــاب﴿ ــوا الكت ــات وطعــام الذين أوت اليوم أحــل لكم الطيبــات نات من المؤمن حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصــــاب من قبلكم... ــ ــوا الكت ــ نات من الذين أوت ــ ــ ﴾والمحص

( فقد ذهب بعض الفقهــاء؛ واســتنادا إلى اآليــة األولى،5)المائدة: ــة إلى أن الحكم بالحرمة عام، فيكون المراد بأهل الكتاب في اآلي الثانية اللواتي اخترن اإلسالم دينا لهن بعــد كفــرهن، وأن الســبب في إيراد الحكم الثــاني هــو لكــون بعض المســلمين ممن تزوجــوا بالكتابيات قبل نزول اآليات أصــبحوا كــارهين لهن بعــد نــزول آيــة التحريم، فنزلت اآلية الثانيــة لــترفع هــذا الضــيق، ويصــبح زواجهم

با . (438)منهن حالال طي وعموما فقد وقع اختالف بين الفقهاء في مسألة الــزواج من الكتابية، سواء في مــا يخص الــزواج المنقطــع »زواج المتعــة« أو الــزواج الــدائم؛ ففي حين ذهب علمــاء وفقهــاء أهــل الســنة إلىــة الــزواج ــة حلي القول بجوازه مطلقا، رأى علمــاء الشــيعة اإلمامي منهن في الـــزواج المـــؤقت، ويســـتندون في مـــذهبهم هـــذا إلى

، فقد فصل اإلمام الصادق في األمر^روايات عن أئمة أهل البيت حين قال بأن زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية في الــزواج

. (439)المؤقت ال إشكال فيهفق عليه لــدى علمـاء المدرسـتين حرمـة زواج المـرأة و المت المسلمة من الكافر مطلقا، سواء كان من أهل الكتــاب أو غــيره،

. كــذلك(440)وسواء ثبت شركه أو لم يشــرك مــا دام ليس مســلما فإن زواج المسلم من الكافرة غـير الكتابيـة غـير جــائز، بينمـا دار زواجه من الكتابية بين الجواز واإلباحــة؛ فقــد قــال بعض الفقهــاء:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد287هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

ــة في حالــة االضــطرار حالل، وربمــا إن الــزواج الــدائم من الكتابي يكون هذا الحكم لترغيب الكتابية في اإلسالم وإعانتها على إدراك حقيقته، وكذا لخلق نوع من المعاشــرة واأللفــة بين أهــل الكتــابد بشروط موضــوعية وأخــرى والمسلمين، لكن الحكم بالحلية مقي

ذاتية البد من تحقيقها: : البــد من اليقين بأنهــا من أهــل الكتــاب، فالالقيد األول

ــرب من يكفي االتكاء على كون والداها كتابيين؛ ألن ما يعيشه الغــة ت بين مذاهب وأيديولوجيات مختلفــة، من اشــتراكية إلحادي تشت وماسونية صهيونية، يســتبعد إطالق أهــل الكتــاب على الغــرب، إال

على النزر القليل. د من عفتها وطهارتها وتقواها،القيد الثاني : البد من التأك

والمحصنات من الذين أوتــوا﴿طبقا لما جاء في قوله تعالى: ــذرة﴾الكتــاب من قبلكم ــذه الـ ــل هـ ــوع على مثـ . إال أن الوقـ

ــه في الغــرب المكنونة في الغرب أصبح شبه مستحيل؛ وذلــك ألنــة، لم تعد العفة والطهارة والتقوى من مستلزمات العصر األخالقيــات بل عد من يتمسك بها خارجا عن روح العصــر، ومخالفــا للحري

االجتماعية. : أن ال تكون المرأة الكتابية من الذين يكيدونالقيد الثالث

لإلسالم أو يحملون األحقاد قوال وفعال ضد اإلسالم. وربما هــذا هــوــة السبب الــذي دفــع ببعض الفقهــاء إلى إجــازة الــزواج من الذمي

فقط، دون غيرها من أهل الكتاب. ــا علىالقيد الرابع ــة باعث ــزواج من الكتابي : أن ال يكــون ال

إيجـــاد الفتنـــة أو الضـــرر القطعي والظني، وهـــو قيـــد في كـــل.(441)المباحات بأن ال تؤدي إلى الضرر والفساد والخسارة

ــة فيالحــظ أن اإلســالم لم يــترك اإلجــازة بــالزواج من الكتابي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد288هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

دها بقيود وشــروط، أهمهــا: التزامهــا بمــا جــاء في مفتوحة، بل قيــه؛ وأن تعيش تحت ــرف وأخالق ــد الش ــتزم بقواع ــا؛ وأن تل كتابه سقف الزوجية، ملتزمــة بــاحترام دين اإلســالم، بــل أن تعيش فير ــأث مجتمــع مســلم شــرط موضــوعي في هــذه اإلجــازة، حتى تتـة، وعلى بـع خطواتـه في األخالق االجتماعي بالمجتمع المســلم، وتت العكس فالعيش مع الكتابية في مجتمعها كثيرا ما يكون ســببا في التأثير على عقيدة الزوج المسلم؛ وكذا أن يؤمن منها عدم التأثير

على أوالده منها في عقيدتهم وأخالقهم.

ـ القضاء بينهم 4ر القاضــي المســلم في الحكم بين أهــل الكتــاب إذا لقــد خيــرفض، قــال عرضوا عليه اختالفاتهم واحتكموا إليه بين القبول وال

ــرض عنهم﴿تعـــالى: احكم بينهم أو أع ــ اؤوك ف ــ إن ج ــ ﴾ف (. إال أن هـــذا التخيـــير في حالـــة إذا لم يكن أهـــل42)المائـــدة:

الكتاب المتنازعين من أهل الذمة، أما إذا كانوا كــذلك، ويعيشــون تحت مظلة الحكومة المسلمة، فإن اإلسالم أوجب على القاضــيــاتهم والقضــاء بينهم. ويكــون القضــاء المســلم الفصــل في خالفــق والفصل بينهم طبق قوانين وأحكام القرآن والســنة، وليس طب

ــابهم: ــوانين كت ــع﴿ق ــزل الله وال تتب ــا أن احكم بينهم بم ــ ف.﴾أهواءهم

ـ الحرب وأخذ الجزية 5ميت سمي المال الذي يؤخــذ من أهــل الذمــة بالجزيــة، وســ الجزية من الجزاء مقابل الخدمات األمنية الــتي تقــدمها الحكومــةفها الراغب المسلمة لهم، من حفظ أموالهم وأنفسهم. وكذلك عر

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد289هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

األصفهاني حين قال: »والجزية ما يؤخذ من أهل الذمة، وتسميتها.(442)بذلك لالجتزاء بها عن حقن دمهم«

في حالــة تــولي المســلمين الســلطة وتســيير شــؤون البالدــدخول في المسلمة فإن لهم تخيير أهل الكتاب الذين لم يقبلوا ال اإلسالم بين ثالثة أمور: الحرب؛ أو الهجرة ومغادرة أرض اإلسالم؛ أو أن يـدفعوا الجزيـة عن يـد وهم صـاغرون، وهي أمــوال مقابـل

حفظ النفس والممتلكات. وفي حالـــة امتنـــاعهم عن إعطـــاء الجزيـــة، ومخـــالفتهمــتي عقــدوها مــع الحكومــة اإلســالمية، فــإن لهــذه للمعاهــدات ال

ــرم ــبي األك ــادة الن ــة بقي ــوص|الحكوم ــة المنص ــد من األئم أو أح أن تعلن الحـــــرب عليهم كـــــآخر خطـــــوة في ردعهم^عليهم

قوهــا، فــآخر وإرجاعهم إلى االلتزام بمــواثيقهم الــتي عقــدوها ووثالدواء الكي.

وليس في دفع الجزية مخالفة لحقوق اإلنســان، كمــا يحــاول البعض التشهير به، بل هو عين العدالة. فحفظ المجتمــع المســلم من حــاالت الخــروج عن القــوانين، والمســاس بوحدتــه وعقيدتــه، وإظهار عقيدة الحق والعــدل على كــل األفكــار الباطلــة والعقائــد المنحرفة الــتي تختلــف في عمقهــا عن دين اإلســالم الــذي يحكم تلك الحكومة التي يعيش أهــل الذمــة تحت رايتهــا، يســتدعي كــل هذا التزام أهل الذمــة بمــا عاهــدوا عليــه، فهم يــدفعون قــدرا من المال ســنويا مقابــل احتفــاظهم بعبــادتهم، ومقابــل ضــمان أمنهم وأمن أعراضـــهم وأمـــوالهم، بحيث إنهم يعيشـــون في المجتمـــع المسلم كواحد من أفراده، لكن بعقيدة مختلفــة، ويســتفيدون منــور الخدمات األمنية، وهم غير مطالبون باالشتراك في حفــظ الثغر في المقاصــد العامــة اإلســالمية ال أو رد العدو. »على أن المتــدب

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد290هـ1433م ـ 2012صيف

قواعد التعامل مع أهل الكتاب، جولة في معطيات الكتاب والسنة•

يشك في أن قتال أهل الكتــاب حتى يعطــوا الجزيــة ليس لغــرضع أولياء اإلسالم وال المسلمين من متاع الحيــاة الــدنيا... وإنمــا تمت غرض الدين في ذلــك أن يظهــر دين الحــق وســنة العــدل وكلمــة التقوى على الباطل والظلم والفســق، فال يعترضــها في مســيرها اللعب والهــوى، فتســلم التربيــة الصــالحة المصــلحة من مزاحمــة التربية الفاسدة، حتى ال تنجر إلى أن تنجذب هذه إلى جانب وتلك إلى جانب، فيتشوش أمر النظام اإلنساني، إال أن ال يرتضي واحــد أو جماعة التربية اإلسالمية لنفســه أو ألنفســهم فيكونــون أحــرارا في ما يرتضونه ألنفسهم من تربية دينهم الخاصة، على شــرط أنــة أو النصــرانية أو يكونوا على شيء من دين التوحيد، وهو اليهودي المجوسية، وأن ال يتظاهروا بالمزاحمة. وهذا غاية العدل والنصفة

. (443)من دين الحق الظاهر على غيره« وقــد ذهب البعض إلى تحليــل فلســفة الجزيــة، فقــالوا: إنهــاــني ــة الجــانب العســكري واألم ــة في تقوي إســهام من أهــل الذم

. (444)للحكومة المسلمة لكن الفلسفة األصلية لهذا الفعــل هي كمــا ســبقت اإلشــارة إليه، من أن مســألة الــدفاع عن حــدود وأمن الحكومــة المســلمة مسؤولية تقع على عاتق كل أفراد الحكومــة. ومــا دام هنــاك فئــة مذهبية قد رفع عنهــا هـذا الــواجب فهي؛ ولكي تعــوض مشــاركتها الفعلية، ملزمة بــدفع قــدر من المــال كمســاهمة منهــا في حفــظن لهــذه الجزيــة، بــل هــو الوطن والديار، وليس هنــاك مقــدار معي ناظر إلى القدرة المالية لكل ذمي. وهــو كمــا ســبق ســهم خــاص منهم مشاركة في حفظ البلد وتأمين أمنه الــذي هــو ضــمنا أمنهمــير ــارهم غ ــاد؛ باعتب واســتقرارهم، فقــد ســقط عنهم واجب الجه مكلفين بالشـــرع اإلســـالمي، ولكن لم يســـقط عنهم المشـــاركة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد291هـ1433م ـ 2012

أ. جالل وهابي همابادي / د. كاظم قاضي زاده•

المالية في الجهاد.

الهوامش

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد292هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

آلة الذبح مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي

*(*()الشيخ أحمد عابديني

بحث حول آلة الذبح هل يلزم أن تكون آلة الذبح حديــدا، بمعــنى أنهــا إذا كــانت من األلمينيوم أو الفوالذ ال يصح الـذبح بهـا، أو أن الحديـد يعمهمـا؟ وفي

الصورة الثانية هل يعم النحاس والرصاص وأمثالها أو ال؟ــام ــه اإلم ــا قال ــرف م ــدخول في البحث ينبغي أن يع ــل ال قب

كمتن للبحث:&الخميني : »ال يجوز الذبح بغـير الحديـد مــع االختيـار، فـإن ذبح3مسألة

بغيره مــع التمكن منــه لم يحــل، وإن كــان من المعــادن المنطبعــة، كالصفر والنحاس والذهب وغيرها. نعم، لو لم يوجد الحديد، وخيــف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها، أو اضطر إليها، جاز بكل ما يفري أعضاء الذبح، ولو كان قصبا أو ليطة أو حجــارة حــادة أو زجاجــة أو غيرهــا.

.(445)نعم، في وقوع الذكاة بالسن والظفر مع الضرورة إشكال...«ل بين الحديــد وغــيره من النحــاس&في هــذه المســألة فصــ

ــه ــذي نعرف والرصاص وغيرهما، ولم يفصل بين الحديد بالمعنى ال اآلن، وهو الذي يكــون مختلفــا عن األلميــنيوم والفــوالذ وغيرهمــا.ــذبح ــه هــل يصــح ال ــتي ســألوه بأن ولكن في جــواب المســائل ال

ــة في)*(*( بــاحث وأســتاذ الدراســات العليــا في الحــوزة العلميإصفهان، وعضو الهيئة العلمية لجامة آزاد ـ نجف آباد.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد293هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

بالسكين الذي صنع من فوالذ؟ أجاب: ال؛ ألنه ليس من الحديد. فعلينــا أن نبحث عن حقيقــة الحــال، حتى نــرى هــل يمكن أن

في هذا المجال أو ال؟&نساعد اإلمام الخميني فينبغي أن نذكر أقوال الفقهاء، ثم الروايــات الــواردة في هــذا

الموضوع، ثم نصل إلى النتيجة. ـــ قــال الصــدوق في )المقنــع(: وإذا لم يكن معــك حديــدة1

.(446)تذبحه بها فدع الكلب يقتله، ثم كل منه2 ـ وقال الشيخ الطوسي في )النهاية(: وال يجــوز الذباحــة إال

بالحديد، فإن لم يوجد حديدة، وخيف فوت الذبيحة، أو اضطر إلى ذباحتها، جاز له أن يذبح بمــا يفــري األوداج من ليطــة أو قصــبة أو

.(447)زجاجة أو حجارة حادة األطراف ـــ وقــال الســيد ابن زهــرة في )الغنيــة(: وال تكــون الــذكاة3

صحيحة مبيحة لألكل إال بقطــع الحلقــوم والــودجين والمــري على الوجــه الــذي قــدمناه، مــع التمكن من ذلــك بالحديــد أو مــا يقــوم مقامه في القطع عند فقده، من زجاج أو حجر أو قصب، مع كونــا ــدليل م ــة؛ ب ــع التســمية، واســتقبال القبل ــذكي مســلما، وم الم

.(448)قدمناه أقول: مقصوده من لفظ »بدليل مــا قــدمناه« هــو اإلجمــاع،

وطريقة االحتياط الذي أشار إليه سابقا. ـ وقال الشيخ الطوسي في )المبسوط(: كـل محـدد يتـأتى4

الذبح به ينظر فيه، فإن كان من حديد أو صفر أو خشب أو ليطــة ـ وهو القصب ـ أو مــروة ـــ وهي الحجــارة الحــادة ـــ حلت الــذكاة بكل هذا، إال ما كان من سن أو ظفر فإنه ال يحــل الــذكاة بواحــدةصــال أو منهما، فإن خالف وفعل بــه لم يحــل أكلــه، ســواء كــان مت منفصال. وقال بعضهم في الســن والظفــر المنفصــلين: إن خــالف

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد294هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

صال لم يحل. واألول مذهبنا، غير أنه ال وفعل حل أكله، وإن كان مت.(449)يجوز عندنا أن يعدل عن الحديد إلى غيره مع القدرة عليه

ـ وقال المحقق في )الشرائع(: وأما اآللة فال يصــح التذكيــة5 إال بالحديـد، ولـو لم يجـده وخيــف فـوت الذبيحـة جــاز بمـا يفــري أعضاء الذبح، ولو كان ليطة أو خشــبة أو مــروة حــادة أو زجاجــة. وهل تقع الذكاة بــالظفر أو الســن مــع الضــرورة؟ قيــل: نعم؛ ألن

.(450)المقصود يحصل، وقيل: ال؛ لمكان النهي، ولو كان منفصال ـ وقال الشهيد الثــاني في )المســالك(: المعتــبر عنــدنا في6

اآللة التي يذكى بها أن يكون من حديد، فال يجزي غيره مع القدرةــاص ــاس والرص ــة كالنح ــادن المنطبع ــان من المع ــه، وإن ك علي والذهب وغيرها، ويجــوز مــع تعــذرها واالضــطرار إلى التذكيــة مــا

.(451)فرى األعضاء من المحددات7 ـــ وقــال الفاضــل الهنــدي في )كشــف اللثــام(، ملفقــا(452)بالمتن : المطلب الثــاني ]اآللــة وال يصــح التذكيــة[ اختيــارا ]إال

بالحديد[ اتفاقا... ]فإن تعـذر وخيـف فـوت الذبيحــة جــاز بكـل مــا .(453)يفري األعضاء[ اتفاقا

ـ وقــال ابن قدامــة الحنبلي في )المغــني(: أمــا اآللــة فلهــا8 : أن تكــون محــددة تقطــع أو تحــرق بحــدها، الأحدهماشرطان:

: أن ال يكــون ســنا وال ظفــرا، فــإذا اجتمــع هــذانوالثانيبثقلها؛ الشرطان في شيء حل الذبح به، ســواء كــان حديــدا أو بلطــة أو

: » ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ما|خشبا؛ لقول النبي.(454)لم يكن سنا أو ظفرا«

وقال الشافعي: أحب الذكاة بالحديد، وأن يكون مــا ذكى بــه . وقــال أيضــا: »وكــذلك(455)من الحديد موحيا أخــف على المــذكى

كل ما ذكي به من شيء أنهــر الــدم وفــرى األوداج والمــذبح، ولم ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

295هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

.(456)يثرد، جازت به الذكاة، إال الظرف والسنتة، ويمكن جمعهــا أقــول: األقــوال في هــذه المســألة متشــت

.أوالبسهولة، هذا : هذه األقوال، وكذا أكثر األمثلة، أخذت من الروايات.وثانيا

فاإلجماع المذكور في بعض العبارات مدركي ال يعتنى به. : هذه المسألة ليست خالفية بيننا وبين غيرنا، ولــذا لموثالثا

ــة. يــذكر المســألة في الخالف الــذي دون لنقــل المســائل الخالفي&وبمالحظة ما كــان يصــر عليــه أســتاذنا الشــيخ منتظــري ـــ تبعــا

ــبروجردي ــا يكــون كالتعليقــة&ألســتاذه الســيد ال ــ من أن فقهن ـ والحاشية على فقههم؛ ألنه كــان رائجــا في تلــك األعصــار، فــتركــدلنا على المســألة على حالــه من دون نقــل خالف أو تعليقــة ي

اتحادنا معهم في تلك المسألة. فالحاصل مما ذكرنا من عبارات فقهائنا في مسألة آلة الذبحــه فقهــاؤهم. فالحقيقــة واحــدة، واأللفــاظ مختلفــة، هــو مــا يقول

وسنشير إلى هذه الحقيقة الواحدة بعد نقل األخبار. وأما بعض الخالف الموجود في مسألة الذبح بالسن والظفــر

فبحثه موكول إلى محله إن شاء الله.الروايات الواردة حول آلة الذبح

عن×ـ صــحيحة محمــد بن مســلم قــال: ســألت أبــا جعفر1.(457)الذبيحة بالليطة وبالمروة فقال: ال ذكاة إال بحديدة

ــبي، عن أبي عبدالله2 ــ صــحيحة الحل ــألته عن×ـ ــال: س ، ق الذبيحـــة بـــالعود والحجـــر والقصـــبة؟ قـــال: فقـــال علي بن أبي

.(458): ال يصلح الذبح إال بالحديدة×طالب قــال: ال×ـــ حســنة أبي بكــر الحضــرمي، عن أبي عبدالله3

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد296هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

.(459)يؤكل ما لم يذبح بحديدةقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الذكاة؟ فقــال:4 ـ موث

ى إال بحديدة، نهى عن ذلك أمير المؤمنين .×ال يذك أقول: هذه أربع روايات من طرقنا، وأكثرها صحيحة، وداللتها

على اشتراط الحديد في الذبح صريحة. هــذا كلــه في حالــة االختيــار، وعــدم خــوف فــوت الذبيحــة،ــل ووجدان الحديد، ولكن مع فقد واحد من هذه الحاالت يجــوز بك

.(460)ما يهريق الدم، ويدل عليه أخبار كثيرةــا عبدالله5 عن رجــل×ـ صحيحة زيد الشحام قال: سألت أب

لم يكن بحضرته سكين أفيذبح بقصبة؟ قــال: فقــال: اذبح بــالحجر وبالعظم والقصبة والعود إذا لم تصب الحديــد، إذا قطــع الحلقــوم

.(461)وخرج الدم فال بأس ×ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبــراهيم6

عن المروة والقصبة والعود يذبح بهن إذا لم يجــدوا ســكينا؟ قــال:.(462)إذا فرى األوداج فال بأس بذلك

ــو جعفر7 : الذبيحــة×ـ صحيحة محمد بن مسلم قال: قال أب بغــير حديــدة إذا اضــطررت إليهــا، فــإن لم تجــد حديــدة فاذبحهــا

.(463)بحجرــال: ال×ـ صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله8 أنه ق

.(464)بأس بأن تأكل ما ذبح بحجر، إذا لم تجد حديدةــه كــان يقــول: ال بــأس×ـــ في قــرب اإلســناد عن علي9 أن

.(465)بذبيحة المروة والعود وأشباهها، ما خال السن والعظم قــال: أتى×ـ زيد بن علي، عن أبيــه، عن جــده، عن علي10

،| راع بــأرنب مشــوية، قــال: فقــال رســول الله|إلى رســول الله حيث أتاه: أهدية أم صدقة؟... قـال: يـا رســول اللـه، فـإني أرعى

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد297هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

غنم أهلي، فتكــون العارضــة أخــاف أن تفوتــني بنفســها، وليســت معي مدية، أفأذبح بسني؟ قال: ال، قال: فبظفري؟ قال: ال، قــال: فبعظم؟ قال: ال، فبعود؟ قال: ال، قال: فبم يا رســول اللــه؟ قــالــل، بالمروة، والحجرين تضرب أحدهما على األخرى، فإن فرى فك

، إني أرمي|وإن لم يفر فال تأكــل، فقــال الــراعي: يــا رســول الله.(466)بالسهم...

بطريــق×أقول: إن ثبت إسناد هذا الكتاب إلى زيــد بن عليـة حــال صحيح فالخبر يصبح صحيحا، وإال نحســبه مرسـال. وعلى أي صدر هذا الخبر يدل على حلية لحم األرنب. وذيله يدل على عــدمصلين، لعله ألجل عدم كونه ذبحــا، جواز الذبح بالسن والظفر المت بل افتراس. والمنع عن الذبح بالعود لعله لعدم حدة العود وإخراجــا الدم. وذيله كسائر أخبارنا وأخبار أهل السنة يدل على الحلية بمــدهما على يفري األوداج، ولو كان ما يفري به الحجران يضرب أح

اآلخر حتى يفري. : إنا لــنرجو أو|ـ عن رافع بن خديجة أنه قال لرسول الله11

نخشى أن نلقى العدو وليس معنا مــدى أفنــذبح بالقصــب؟ فقــال : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليــه فكلــوه، إال الســن|رسول الله

.(467)والظفرــا القــو العــدو غــدا، وليســت معنــا12 ـ في صحيح مســلم: إن

ــل،|مدى؟ قال : أعجل أو أرني ما أنهر الــدم وذكــر اســم اللــه فك ليس السن والظفر، وســأحدثك؛ أمــا الســن فعظم؛ وأمــا الظفــر

.(468)فمدى الحبشة أقـــول: لم يظهـــر لي لم علق ســـؤاله على مالقـــاة العـــدو وفقدان المدى، مع أن اإلنسان حين مالقاة العدو له ســيف يمكن أن يذبح به؟ وأيضــا ال ربــط بين مالقــاة العــدو والــذبح؟ وأجــد في

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد298هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

شرح النووي لصحيح مسلم شيئا يحل مشكلتي، فعجالة يمكن أن يقال: في الحرب كــانت بعض الخيــول والجمــال والبغــال وغيرهــاــذبحونها؛ كي يســتفيدوا من ــانوا ي ــترك، فالمســلمون ك ــرح وت تج لحمها، وبعد الفتح والنصر كانوا يــتركون الســيف ويبــدؤون بجمــع الغنائم، فحينئذ لم يكن عندهم مدى، وكانوا يجدون حيوانا جريحــا،

ر. والسؤال وقع عن مثل هذا المورد، فتدب ، إن أحـدنا|ـ عن عدي بن حاتم قـال: قلت: يـا رسـول الله13

إذا أصاب صيدا وليس معـه شـفرة أيـذكي بمـروة أو شـقة العصـا؟.(469)قال: أمرر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عز وجل

أقول: هذا الخبر عندهم مستفيض، نقلوه بطرق مختلفة عن في كــل|عــدي بن حــاتم، ولكن جــواب المنقــول عن رســول الله

الطرق واحد. ـ عبدالله بن عمــر، عن أبيــه أخــبره أن جاريــة لهم كــانت14

ترعى بســلع، فـرأت شـاة من غنمهـا بهـا مـوت، فكسـرت حجـرا فأسأله ـ أو|فذبحتها به، فقال ألهله: ال تأكلوا منها حتى آتي النبي

، فســأله عن ذلــك ـــ أو|قال: أرسل إليه من يسأله ـ، فأتى النــبي ، إن جاريــة لنــا كــانت تــرعى بســلع،|رسوله ـ، فقال: يا نــبي الله

فأبصرت شاة من غنمها بها مــوت، فكســرت حجــرا فــذبحتها بــه،.(470) بأكلها|فأمره النبي

ــه كــان15 ـ عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني حارثــة، أن يرعى لقحــة بشــعب من شــعاب أحــد، فأخــذها المــوت، فلم يجــد شيئا ينحرها به، فأخذ وتدا، فوجأ به في لبتهــا، حتى أهريــق دمهــا،

.(471)، فأخبره بذلك، فأمره بأكلها|ثم جاء إلى النبي ـــ أقــول: ومثلــه خــبر آخــر عن عطــاء بن يســار، عن أبي16

سعيد الخدري، أن ناقة كــانت لرجــل من األنصــار في جبــل أحــد،

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد299هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

عن أكلهــا، فــأمره بأكلهــا.|فعرض لها، فنحرها بوتد، فسأل النــبي.(472)والظاهر اتحاده مع الخبر السابق

ونقل في السنن الكــبرى، بعــد ذكــر الخــبرين، عن جريــر بن حازم أن الوتد كان من الخشــب، ال من الحديـد. وذكــر خــبرا آخـر مضمونه أن كل شــيء أفــرى األوداج، من عــود أو حجــر، بعــد أن يفريها فهو ذكي. ولم أنقلها بلفظها؛ ألن فيها ألفاظا غريبة يطــول

شرحها.ــر على17 ــه م ـ في سنن ابن ماجة عن محمد بن صفوان أن

قهما، فقال: يا رســول اللــه، إني أصــبت هــذين|النبي بأرنبين معلــل؟ األرنبين، فلم أجد حديدة أذكيهمــا بهــا، فــذكيتهما بمــروة، أفآك

.(473)قال: كلــة األرنب أوضــح من داللتــه على أقول: داللة الخــبر على حليــة ــاب آل ــاب األرنب، دون ب ــره في ب ــذا ذك ــد، وله ــرطية الحدي ش

التذكية. ولهذا األخذ به مشكل جدا..265 ـ 260: 6وهناك أخبار أخر تراجع في كنز العمال

|ـــ عن شـــداد بن أوس، قــال: حفظت من رســـول الله18 خصــلتين، قــال: إن اللــه تبــارك وتعــالى كتب اإلحســان على كــل شيء، فإذا قتلتم فأحســنوا القتلــة، وإذا ذبحتم فأحســنوا الذبحــة،

.(474)وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ـــ عن ســالم بن عبداللــه بن عمــر، عن أبيــه، قــال: أمــر19

بحد الشفار، وأن توارى عن البهائم، ثم قــال: إذا ذبح|رسول الله.(475)أحدكم فليجهز

طريق الجمع بين األخبار إلى هنا ذكر تسعة عشر خبرا؛ تسعة من طرقنا؛ وواحــد من

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد300هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

الزيدية؛ وسائرها من أهل السنة. أما التي هي من طرقنا فأربعة منها تدل على لزوم أن يكون الذبح بالحديد، والخمسة األخر كانت تــدل على جــواز الــذبح بغــير

حديدة في حال الضرورة أو خوف فوت الذبيحة.ى بها أن قال الشهيد الثاني: المعتبر عندنا في اآللة التي يذك تكون من حديد، فال يجزي غــيره مــع القــدرة عليــه، وإن كــان من المعادن المنطبعة، كالنحاس والرصاص والــذهب وغيرهــا، ويجــوز مـــع تعـــذرها واالضـــطرار إلى التذكيـــة مـــا فـــرى األعضـــاء من المحددات، ولــو من خشــب أو ليطــة ـــ وهي القشــر الظــاهر من القصبة ـ أو مروة ـ وهي الحجر الحاد الـذي يقــدح النـار ــ أو غـير

ذلك، عدا السن والظفر؛ إجماعا، وفيها قوالن.ــار ــه أخب أما عدم إجزاء غير الحديد مع القدرة عليه فدل علي كثيرة منها... وأما إجــزاء غـير الحديـد عنـد الضـرورة فيـدل عليـه

.(476)رواية عدي بن حاتم... أقول: أما اآللة فسيأتي بحثه، وسيظهر أن الحديــد يمكن أن ال يكون اسما لفلز خاص، بل يحتمل أن يكون هو شيء له الحدة. ولو سلم أنه اسم خــاص فلــه ثالث اســتعماالت؛ فمــرة يســتعمله أهل الكيمياء في مقابل األلمينيوم مثال؛ وأخرى يســتعمله العــرفــل في مقابل النحاس والرصاص؛ وثالثة يستعمله العرف في مقاب الحجر والخشــب، فحينئــذ يشــمل النحــاس والرصــاص. وهــذا هــو

الذي في األخبار. وأمــا قولــه إجماعــا فمعتمــد اإلجمــاع فيــه هــو »عــدا الســن والظفر«؛ بدليل قولــه: »وفيهمــا قــوالن«، فيــدل على أن في مــاله بين القــدرة على عدا السن والظفر قول واحد، وهو الــذي فصــ الحديد وعدمها. فيظهر منهــا أن هــذا التفصــيل إجمــاعي. كمــا أن قولــه: »المعتــبر عنــدنا« أيضــا يشــعر باإلجمــاع. وأشــار صــاحب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد301هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

الجواهر إلى هذا، دون األول، بقوله: بل في المســالك: »عنــدنا«،.(477)مشعرا بدعوى اإلجماع عليه

ــنى ــط بفهمهم لمع ــدركي، ومرتب ــاع م ــان فاإلجم ــف ك وكي الحديد، ولم يكن شيئا ورد فيه نص أو تصــريح لم يصــل إلينــا، بــل إنهم كانوا يفهمون من الحديد ما يقابل النحاس والصفر. وســيأتي

التصريح بالمدركية في عبارة )كشف اللثام(. وأمــا التفصــيل بين القــدرة على الحديــد وعــدمها فهــو أحــدــا ــا أخــرى، كم ــار. ويمكن أن نجــد وجوه ــع بين األخب وجــوه الجم ــح إال ف: »ال تص ــن ــول المص ــل ق ــاض( في ذي ــيأتي. وفي )الري س بالحديد مــع القــدرة عليــه« قــال: فال يجــزي غــيره، وإن كــان من المعادن المنطبعة، كالنحــاس و...، بال خالف بيننــا، بــل في ظــاهر المسالك وغيره أن عليه إجماعنا، وهو الحجة، مضــافا إلى أصــالة الحرمة، مع اختصاص اإلطالقات كتابا وسنة بحكم التبــادر والغلبــةــة. ــير حكم اآلل ــر غ ــام أخ ــان أحك ــا واردة لبي ــع أنه ــدة، م بالحدي والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة.... وفي ذيل قوله: »ويجوز بغيرهــل، أو مما يفري األوداج عند الضرورة« قال: باالضــطرار إلى األك

.(478)الخوف من فوت الذبيحة أقول: الوجه الذي ذكر لجمع األخبار قريب لما ذكــر الشــهيد في )المسالك(، وسرد أدلة ثالثــة لعــدم الصــحة بغــير الحديــد من

: أصــالة الحرمــة؛ثانيها: اإلجمــاع؛ أولهاالمعــادن المنطبعــة: : األخبار.ثالثها

أقــول: اإلجمــاع مــدركي، واألصــل دليــل حيث ال دليــل، فــإن وجدنا أدلة أو إطالقا دلت على الصحة بغير الحديد فال يبقى مجال

لألصل.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد302هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

الهوامش

فقه الغناء والموسيقى دراسة تأصيلية تجديدية في ضوء القرآن والسنة

والمقاصدـ القسم الثاني ـ

*(*()د. يحيى رضا جاد

مين من السنة النبوية، ومناقشتها خامسا: أدلة المحر ليكــونن من أمــتي أقــوام يســتحلون الحــر»: |ـ يقول النبي1

]الزنا[ والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقــوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم ]يعني الفقــير[ لحاجــة، فيقولــوا:تهم اللــه، ويضــع العلم، ويمســخ آخــرين قــردة ارجع إلينا غدا، فيبي

وقـالوا بـأن الحــديث نص صـحيح. (479)«وخنـازير إلى يـوم القيامةوواضح، بل وصريح في تحريم المعازف والموسيقى.

ويناقش: قا ــال»بقوله: (480)أـ اإلمام البخاري إنما روى الحديث معل وق

أستاذ وباحث في علوم الشريعة اإلسالمية، ومتخصص في)*ـ( *(فات، من مصر. الدراسات الفقهية، له عدة مؤل

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد303هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد: حدثنا عبد الرحمن بن يزيدــة بن قيس الكالبي: حــدثنا عبــد الــرحمن بن بن جابر: حــدثنا عطي غنم األشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك األشعري ـ والله

.« يقول:... وذكر الحديث|ما كذبني ـ أنه سمع النبي وبالتالي ال يصح قول القائل: »رواه البخــاري في صــحيحه«؛ــه رواه موصــوال محتجــا بــه، وهــذا خالف ألن هذا اإلطالق يفيــد بأن

فــإن البخــاري إذا قــال: »قــال فالن«، وهــو من شــيوخه الحقيقة؛ــه أراد أن الحــديث دون شــرطه في الــذين ســمع منهم، يظهــر أن الصحيح، ولذلك عدل عن صيغة التحديث إلى صيغة التعليق؛ لعلة

وهــذا ينطبـق تمــام االنطبــاق على حــديث المعـازف في الحديث.قــه عن شــيخه هشــام بن عمــار ـالذي معنا؛ حيث إن البخاري عل

والبخاري ليس من أهل التدليس، فثبت بذلك سـماعه أو تلقيـه أو بسبب ضعف أحــد الــرواة الــذي تــدور أخذه للحديث من هشام ـ؛

ن إن شاء الله. ولــذلك أيضــا عليه جميع أسانيد الحديث، كما سنبي جعل ترجمة الباب »باب ما جاء في من يســتحل الخمــر ويســميه بغــير اســمه«، فلم يقــل مثال »بــاب النهي عن الغنــاء«، أو »بــاب تحريم المعازف«، بل إن البخاري ـ وكــذلك مســلم في صــحيحه ـــريم الغنـــاء أو ــ ـه أي بـــاب في تح لم يـــذكر في صـــحيحه كلــ

.(481)الموسيقىــع ب ـ الحديث ضعيف ال يثبت ـ فضال عن أن يصح ـ من جمي

ــد:»طرقه؛ ألن كال طريقيه يلتقيان عند حدثنا عبد الرحمن بن يزي.(482)«حدثنا عطية بن قيس...، به

ــه من أشـهر أئمــة وعطية هــذا ليس في )عدالتـه( خالف؛ ألنــه القــراءات في الشــام، ولكن الكالم في )ضــبطه لألحــاديث(؛ ألن في ذلك ضعيف ال يحتج به. قال فيـه إمـام أئمـة الحـديث وحامـل

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد304هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

، أي يعتبر«صالح الحديث»لواء الجرح والتعديل أبو حاتم الرازي: وهــذا يــدل على ضــعفه عنــد أبي حــاتم؛ حيث أفصــح ابن أبي.به

إذا قيـل»حاتم عن مراد أبيه بهذه اللفظـة إذا اسـتخدمها، فقـال: )ثقة( أو )متقن ثبت( فهو من يحتج بحديثه. وإذا قيل: )صدوق( أوــه. )محله الصدق( أو )ال بأس به( فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيــه دون وإذا قيل: )شيخ( فهــو ممن يكتب حديثــه وينظــر فيــه إال أن

.(483)«الثاني. وإذا قيل: )صالح الحديث( فإنه يكتب حديثه لالعتبارن ــالح الحـــديث( تعـــني )لي فهـــذا نص على أن كلمـــة )صـ الحديث(؛ فهذه العبــارة عنــد أبي حــاتم هي من ألفــاظ الجــرح، ال

وهي ـ فوق ذلك ـ دالــة على أن أبــا حــاتم إنمــا بــنى .(484)التعديلقوله على سبر واستقراء أحاديث هذا الراوي.

ــات( ــه في )الثق ان ل ــإيراد ابن حب ــاج ب ــا االحتج ــو(485)أم فهــان معــروف بتوثيقــه للمجاهيــل؛ حيث احتجــاج مــردود؛ إذ ابن حب

ق من لم يسبر حديثه؛ اكتفاء بالعدالــة العامــة للمســلمين !(486)يوثــه قـد اسـتقرأ فضال عن أن ابن حبان لم يأت بأية كلمــة تشــعر بأنــة كلمــة حال عطية أو فتش عنه، مثل: »مستقيم الحــديث«، أو أي

نحوها. فهــو«ال بــأس به»: (487)وأما االحتجاج بتوثيق البزار له بقوله

ــتقراء ــدي باس ــا ثبت ل ــ كم ــبزار ـ ــذلك؛ ألن ال ــردود ك ــاج م احتج(488)صــنيعه ـــ متســاهل في التوثيــق. وقــد أشــار إلى ذلــك أيضــا

وذهب بعضهم إلى أن مما تثبت به»: (489)الحافظ السخاوي بقولهــة ]أي الثقــات المشــاهير[ عن ــة الجماعــة من األجل العدالــة رواي

. ونص على تســاهله(490)«الراوي. وهذه طريقة البزار في مسنده أمــا»: (492) اليمــني بقوله(491)المحــدث مقبــل بن هــادي الــوادعي

ــه قــد علم تســاهل الــبزار في» و«،الــبزار فقــد عــرف تســاهله إن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد305هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

.«التوثيق، وكذا في التصحيحــة بن وأما االحتجاج بقول ابن سعد في )الطبقــات( عن عطي

فهو احتجاج مــردود كــذلك؛ ألن«كان معروفا، وله حديث»قيس: هذا القول ال يدل على توثيق الرجل. كان معروفا بمــاذا؟! الثــابت أنه كان معروفا بصــالحه وتقــواه وإمامتــه كقــارئ للقــرآن، وليس

بضبطه لألحاديث.قــه بإخراجــه لحــديث وأما القــول بــأن اإلمــام مســلما قــد وث لعطية بن قيس في صحيحه فأقول: هذا غير صــحيح؛ ألن مســلماقه واحتج به، لم يخرج له في )األصول( حتى نقول أنه بذلك قد وث وإنما أخرج له في )الشواهد( ـ أي أخرج له )استشهادا( ـ الحديث

ــه؛477رقم ) ــة على متن ( عن أبي سعيد الخدري؛ فلقد توبع عطيــلم )رقم ــحة.476حيث رواه مس ــوة والص ــة الق ــند في غاي ( بس

ــة فالقرينة التي جعلت مسلما يخرج له هــذا الحــديث هي أن عطيقد وافق حديثه حديث الثقات، وأشبه متنه متنهم.

فضال عن أن هذا الحديث الذي رواه عطية ـ وهــو حــديث أننــا|النبي يقول بعد الرفع من الركــوع: ســمع اللــه لمن حمــده، رب

ولك الحمد ـ حديث متواتر، رواه علي بن أبي طالب وعبد الله بنعباس وعبد الله بن عمر وأبو جحيفة.

وأما القول بأن عطية بن قيس من كبار التابعين وصالحيهم،ــعيد: ــيى بن س ــام يح ــال اإلم ــأقول: ق ــه، ف ــر»فيجب توثيق لم ن

قـال اإلمــام.(493)«الصالحين في شــيء أكــذب منهم في الحـديث . قــال«يعني أنه يجري الكذب على لسانهم وال يتعمدونه»مسلم: لكونهم ال يعانون صناعة أهل الحديث، فيقــع الخطــأ في»النووي:

.«روايتهم وال يعرفونه، ويروون الكذب وال يعلمون أنه كذبال بثبوتـه، وقـد ج ــ إن هـذا الحـديث ــ إذا سـلمنا جـدال وتـنز

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد306هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ــازف. علمت أنه ليس كذلك ـ ال دليل فيه مطلقا على تحريم المع إن هذا الحديث خبر، والخبر ال يفيــد حكمــا بذاتــه، وإنمــا قــد يــدل على وجود حكم مــا؛ فهــذا الحــديث مــا هــو إال عالمــة على وجــود

التحريم في المذكورات فيه، ال أنه دليل على تحريمها. وبعبارة أخرى أقول: إن هــذا الحــديث خــبر عن مســتقبل لمن ألقــوام تحــل بهم يكن قد وقع على عهد النبــوة، وعن وضــع معي عقوبة بسببه، وليس هو خبرا أريد به اإلنشــاء ليفيــد حكمــا بذاتــه. أي البد أن يكون لألمور المذكورة في الحديث أدلة ـ من خارجه ـ

تدل على مدى إباحة كل منها أو حرمته ـ استقالال ـ. فوجب أن يفهم هذا الحــديث كمــا يفهم أمثالــه ممــا ورد في

. فهي ليسـت تشــريعا، وإنمـا|أنباء المستقبل التي أخبر بها النـبيد ـــ منهــا هي إخبار بأشياء ستحدث بعده. فما دل ـ ظاهره المجــرــد على تحريم شيء ال يعرف في خصوصه دليل على التحريم فالب

م، وأن يكــون عــنى بــه|أن يكون ما أخبر به سيقع على وجه محر.(494)وقوعه على ذلك الوجه ال غير

ــادة في التأصــيل والتفصــيل واإليضــاح أقــول: إن لفــظوزيــاح أو الحالل ــتباحة المب ــتعمل في اس ــتحالل( يس ــا(495))االس . كم

وعليــه فلفــظ )االســتحالل( ال.(496)يستعمل في اســتباحة الحــرامــه على التحــريم على يدل بنفسه على التحريم، وإنما تتوقف داللت دليل خارج عن نفس لفــظ )االســتحالل(. وال ريب أن هنــاك أدلــة خارجية منفصلة قائمة بذاتها قد صحت، بل وتــواترت، في تحــريم الزنا والخمر الواردين في الحديث. وعليه فاســتحاللهما اســتحاللــه ــة من دين الل ــوم الحرم ــو معل ــا ه ــتحالل لم ــل اس ــرام، ب للح

بالضرورة.لت الســنن في حكمــه؛ ــر فقــد فصــ ــا بالنســبة إلى الحري أم

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد307هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

متــه على الــذكور، ورخصــت لهم في يســيره، فأباحته لإلناث، وحر.(497)وأجازته لهم للحاجة

ــد وأما بالنسبة إلى المعازف فلم نجد ـ نحن ـ دليال واحدا يفي تحريمها لذاتها، بل قد وجدنا أدلة صحيحة وصريحة تنطق باإلباحــة والتحليل، بل وبالندب والســنية في بعض األحــوال ـــ كمــا ســيأتي

تفصيله إن شاء الله ـ. وزيادة في التأصيل واإليضاح ـ فوق الزيادة السابقة ـ نقول: المرأة ــ مطلـق المـرأة ــ يشــملها مــا ورد في هـذا الحــديث منــق الوعيد قطعا ـ ال يماري في ذلك أحد ـ. فمع أن المــرأة ـــ مطلــواردة المرأة ـ إنما استحلت الحالل بلبسها للحرير فإن العقوبة ال شاملة لها بال ريب ـ مع أن ما يحل لبسه ال يعاقب عليـه ــ؛ وذلـك ألنها لبست ما يحل استعانة به على الحرام ـ من خمر وسكر وزنا

ـ، فصار لبسها له حراما، وصارت بذلك مستحقة للعقوبة. وما قلناه في الحرير يقال في شأن المعــازف تمامــا بتمــام؛ــا في أول البحث وكمــا ألن األصل في المعازف اإلباحة ـــ كمــا بين سيأتي إن شاء الله ـــ، وإنمــا ينتقــل عنهــا هــذا الحكم بحســب مــا تســتعمل لــه؛ إمــا معروفــا فتصــبح حالال، وإمــا غــير ذلــك فتصــبحمة. وهنــا في هــذا الحــديث ـــ على ضــعفه ـــ لمــا مكروهة أو محر جامعت المعازف الخمر والزنا كان ذلك قرينة على أنها استعملت وسيلة للحرام، وعونا عليه، وداعية إليــه، فأصــبحت بــذلك وســيلةــالي ــاد واللي ــون في الفس ــوم منغمس ــؤالء ق ــه. فه ــية الل لمعص

الحمراء، فهم بين خمر ونساء، وحرير وزنا وغناء!ــا هي ــديث إنم ــواردة في الح ــة ال ــك فالعقوب ــاء على ذل وبنــد االفــتراق مختلفــة ــان بمجموعــة أفعــال هي عن الســتحالل اإلتيمــة ـــ كــالخمر والزنــا ـ األحكام. فقد قرن هذا الحديث أشياء محر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد308هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ده يــدل على بأشياء مباحة ـ كــالحرير للنســاء ـــ، فهــل هــذا بمجــرد وروده في هــذا الحــديث، أم تحريم الحرير ـ على النساء ـ لمجر الصواب أن نقول ما قلته في الفقــرة الســابقة؟! وكــذلك الشــأن

في المعازف. فتأمل منصفا.مــة فذم المعازف الذي أشار إليه الحــديث ليس لكونهــا محرــإن الحكم على ــه. ف خــذت ألجل ــا ات ــة م ــا لحرم في األصــل، وإنم األصوات ـ ومنها المعازف ـــ بالحــل أو بالحرمــة عائــد إلى اعتبــارما؛ الصوت دعوة؛ فإذا كان الصوت يدعى به إلى معصية كان محر وإذا كان يدعى به إلى طاعة أو معروف كان مرغوبا مطلوبا؛ وإنــازف إذا ــإن المعـ ــذلك فـ ــا. ولـ ــان مباحـ ــذا وال ذاك كـ لم يكن هـ استخدمت في عرس كان ذلك مرغوبا فيه؛ لما يحقق من مقصود ـا ـ شرعي، وإذا استخدمت في مجال الخمور والعهر كان ذلك منهيما؛ لما يؤدي إليه من فجور وفســاد وإعانــة على معصــية عنه محر

الله.إذا، فمعنى الحديث ـ في ما يبدو لي ـ كالتالي:

: أي يباشرونها في الحــرام،«يستحلون الحر )أي الفروج(»ـ مة. أليست فــروج الزوجــات واإلمــاء وإال فليست كل الفروج محر

حالال؟!م منها. وإن شئت قلت: أي يستحلون المحر

: أي يستخدمونه في الحرام، وإال فالحرير حالل«والحرير»ـ للنساء.

م وإن شــئت قلت ـــ في تعبــير أدق ـــ: أي يســتحلون المحــرمنه.

: أي يســـتخدمونها في الحـــرام، والخمـــر كلهـــا«والخمر»ـ مة. محر

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد309هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

م منها، وكلها حرام. وإن شئت قلت: أي يستحلون المحرــازف»ـ ــرام، وإال فليس«والمعـ ــتخدمونها في الحـ : أي يسـ

هناك نص صحيح يفيد حرمتها في ذاتها.م منها، وهو ما اســتعين وإن شئت قلت: أي يستحلون المحر

به على معصية، أو ألهى عن واجب.ــ ليس دليال على ا فهمــه ـ ــ إذا أحســن ــ فحــديث المعــازف ـ ـ التحريم، وإنما هو وصــف لحــال قــوم يســتحلون الفــرج بال نكــاح، والحرير بال حاجة، والخمر بال إكراه وال ضــرورة، والمعــازف لغــير

الترفيه واللهو المباح، وإنما لإلضالل واإلفساد والفساد.

إن اللــه ـــ وفي روايــة: إن ربي ـــ حــرم عليكم ـ»: |ـ يقول2 وفي روايــة: علي ـــ الخمــر والميســر والكوبــة ]وكــل مســكر

ئل علي بن بذيمــة ـــ أحــد رواة الحــديث ـــ: مــا(498)«حــرام[ . وســمــون: هــذا الحــديث نص في الكوبــة؟ قــال: الطبــل. وقــال المحر تحريم الطبل، وأكــثر آالت العــزف أشــد من الطبــل، فلهــا حكمــه

كذلك.ويناقش:

أـ ال يجوز االعتمــاد على قــول ابن بذيمــة هــذا؛ إذ مــا هــو إال رجــل من المــوالي، ليس بــأعرابي فصــيح اللســان فيعتمــد قولــه لذاته، وليس بلغوي يعتمد قوله، كاألصمعي وأبي عبيدة واألزهري وابن األثير، وليس بفقيه يعرف دالالت األلفاظ ومخارجهــا فيعتمــد تفسيره، وإنما غاية أمــره أن يكــون رجال من الــرواة النقلــة ليسر إال! فهــل يصــح في العلم اعتمــاد قــول من هــذا وصــفه؟! وتــذك

نضر الله امرأ سمع منا حديثا، فحفظه حتى يبلغــه غــيره،»: |قوله فرب حامــل فقــه إلى من هــو أفقــه منـه، ورب حامــل فقــه ليس

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد310هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

.(499)«بفقيهرد )الطاولــة(. قــال ب ـ الصحيح في اللغة أن الكوبــة هي الن

. وقــال ابن األثــير:(500)«هــو الصــحيح»األزهري في هذا التفسير: . وقال الفقيه واللغوي الكبير أبو عبيد القاسم بن(501)«هي النرد»

ــة» أخبرني أن (502)وأما الكوبة فإن محمد بن كثير»سالم: «الكوب.(504)«(503)النرد في كالم أهل اليمن

د قول هؤالء جميعا مـا ثبت عن فضـالة بن عبيـد ــ وهـو ويؤي ــ، وكــان بجمــع من|من األنصـار، ومن خيـار صــحابة رســول الله

المجامع، فبلغه أن أقواما يلعبون بالكوبة، فقام غضبانا ينهى عنهــاــار(أال إن»أشد النهي، ثم قال: الالعب بها ليأكل قمرها )أي القم

ئ بالـدم. يعـني بالكوبـة الـنرد .(505)«كآكـل لحم الخــنزير، ومتوضـ أال إن الالعب بها»ففي هذا األثر تفسير صريح للكوبة بأنها النرد:

كـانوا|. وهذا كــاف للداللـة على أن أصــحاب النـبي«ليأكل قمرها يعرفون أن الكوبة هي النرد )الطاولة، وهي لعبة القمار وقتها(، ال

.(506)الطبل، كما يزعم البعض ـ فضال عن أن تفسير الكوبــة بــالنرد هــو األنســب واألوفــق3

بسياق الحديث الذي ذكر الخمــر والميســر )القمــار( فال عجب أن يذكر معها الــنرد ـــ وهي من جنس الميســر؛ إذ كــان يســتعين بهــا

العرب في المقامرة ـ.

...كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إال ثالثة:»: |ـ يقول3ــإنهن من ــه؛ ف ــه أهل ــه، ومالعبت ــه فرس ــه، وتأديب ــه عن قوس رمي

مــه إال مــا(507)«الحق . وقالوا بأن الحديث قد ذم اللهو مطلقا وحر استثني، وليس الغناء والموســيقى ممــا اســتثني، فــدل ذلــك على

حرمتهما؛ ألنهما من الباطل.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد311هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

ويناقش: أـ الحديث ضــعيف ال يحتج بــه؛ ألن إســناد الترمــذي معضــل؛

مفــاوز وعقــود! وإســناد|فبين عبد اللــه بن عبــد الــرحمن والنــبي الباقين يدور على خالد بن زيد، أو خالد بن يزيــد الجهــني، أو عبــد

الله األزرق، وكلهم مجهولو العين.م(، ال لغــة، وال ب ـ ال تالزم بين كلمــة )باطــل( وبين )المحــر شرعا. فاألصل في كلمة )باطل( الداللة على ذهاب الشيء وقلــة مكثه ولبثه؛ فالباطل هو ما ال فائدة فيـه وال منفعــة. ومــا ال فائـدة

فيه فهو من قسم المباح. إذا: الباطل يساوق المباح.ــذه«اللهو الحق»ج ـ الحديث ـ على ضعفه ـ ال يحصر في ه

كل الحق أو»، ولم يقل: إنها «من الحق»الثالثة، وإنما يقول: إنها . وسيأتي لذلك مزيــد بيــان في نهايــة النقطــة التاليــة(508)«جميعه

مباشرة. د ـ إن وجــود المنفعــة في الباطــل )أي المبــاح( يحيلــه حقــا، فعن جابر بن عبــد اللــه وجــابر بن عمــير، قــال أحــدهما: ســمعت

ــو لغــو» يقــول: |رســول الله ــه فه ــر الل ــل شــيء ليس من ذك ك ، إال أربعـــة خصـــال: مشـــي الرجـــل بين الغرضـــين )أي(509)ولهو

السعي بين مكانين؛ مشيا أو جريا(، وتأديبه فرسه، ومالعبته أهله،. (510)«وتعلم السباحة

ــري( ــي والج ــة المش ــانين )أي رياض ــعي بين مك وليس الس وتأديب الفــرس ومالعبــة األهــل وتعلم الســباحة أفعــاال اســتحقتــل جعلت االستثناء لذاتها، وإنمــا اســتثنيت عن )اللغــو واللهــو( لعل هذه االشياء مرغبا فيها، وهي االستعداد للجهاد ـ برياضــة المشــيــان ــن وإحس ــ وحس ــرس ـ ــأديب الف ــباحة وت ــري وتعلم الس والج

العشرة والمعاشرة لألهل؛ زوجة وأوالدا.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد312هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

فاالستثناء في الحديث إنما يقع على كل )لغو ولهو( يستعمللغرض مشروع.

هـ ـ إن الحصر في األربعة المذكورة في الحديث غير مــراد ـــ كمــا أوضــحنا ـــ؛ فــإن التلهي بــالنظر إلى الحبشــة وهم يلعبــون

أن يكــون مــع|. وقــد حث|ويرقصــون جــائز؛ لوقوعــه من النــبيــه. العرس لهو؛ إشاعة للبهجة والفرحة، وإعالنا بالنكاح وإشــهارا ل

المصارعة مع ركانــة، والمســابقة على األقــدام|وقد مارس النبيج على الحـــدائق والبســاتين، مــع عائشـــة. فضــال عن أن التفــر والمشي بين الغابات واألشجار، وسماع أصوات الطيور، مما يلهو به المرء، ال يحرم عليه شيء من ذلك مطلقــا، ال عقال وال شــرعا،

لهــذه األشــياء ـــ وغيرهــا كثــير|بالرغم من عدم استثناء الرســول يستحيل حصره ـــ. ممــا يــدل قطعــا على أن االســتثناء غــير مــراد

بذاته.

ـ عن نافع أن ابن عمر سمع زمارة راع، فوضع أصبعيه في4 أذنيه، وعدل راحلته عن الطريــق، وهــو يقــول: يــا نــافع، أتســمع؟ فأقول: نعم، فيمضـي، حتى قلت: ال، فوضـع يديـه، وأعـاد راحلتـه

ســمع زمــارة راع، فصــنع|رأيت رسول الله»إلى الطريق، وقال: مــة لمــا وضــع(511)«مثل هذا . وقالوا بأن الزمــارة لــو لم تكن محر

ــة|النبي إصبعيه في أذنيه، وأعــرض عن االســتماع. وبالتــالي فبقيمة؛ بجامع أنها ـ كالزمارة ـ من المعازف. اآلالت كلها محر

ويناقش:ــأى|أـ غاية ما في الحديث أن النبي أعرض عن االستماع، ون

د اإلعراض والترك ال يدل على التحــريم مطلقــا، بـل بجانبه، ومجر . والكراهة هنا ليست ألجل أن(512)أقصى ما يدل عليه هو الكراهة

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد313هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

كــان دائم القربــة|استماع الموسيقى مكروه لذاته؛ بل ألن النــبي كان رسول»والذكر لله في جميع أحواله؛ فعن عائشة أنها قالت:

، لذا كــان إعراضــه عن ســماع(513)«الله يذكر الله على كل أحيانه لو| بالقربة والذكر؛ حيث إنه|زمارة الراعي مناسبا لحال اشتغاله

استمع إليها لشغلته عما هو فيه من العبادة. وقد قلنــا ـــ أكــثر من مرة ـــ من قبــل: إن المبــاح ـــ كاســتماع زمــارة الــراعي ـــ يصــيرد تفويته للمستحب كذكر الله وعبادتـه. ولـذلك كـان مكروها بمجر

عن االستماع؛ حيث إنه كان في حال ذكر لله|إعراض رسول اللهوتسبيح له وتمجيد.

بــه ــه كتجن ــه لالســتماع يمكن تفســيره بأن ب فضــال عن أن تجنن، وأكــل ــا، كلبس اللي للكثير من المباحات من أمور الدنيا ومتاعهكئا، وكــأن يــبيت وفي بيتــه الطيب، وشرب الماء البارد، واألكل مت

لثوب كانت عليــه أعالم شــغلت قلبــه في|دينار أو درهم، وكخلعهالصالة،...إلخ.

مين، ال لهم؛ إذ لــو كــان ب ـ هذا الحــديث حجــة على المحــر عن بيان ذلــك للــراعي ـــ ولــو عن|المزمار حراما ما سكت النبي

لصوته إعالمــا للــراعي وبيانــا لــه وتنبيهــا! ـــ؛ إذ|طريق رفع النبي عن منكر دون إنكار له أو بيــان لحرمتــه. فضــال عن|كيف يسكت

، وخاصــة|أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ال يجوز في حق النبي أن هذه الحادثة إنما وقعت بعد ظهور اإلسالم وقوته؛ حيث إن ابن

بالمدينة.|عمر صاحب النبيــا ــيقى، وم ــة الموس ــدل على إباح ــا ي ــذا إن دل فإنم ــل ه ك

الزمارة إال آلة من آالتها.

ـ عن عامر بن سعد البجلي، قال: دخلت على ابن مسعود،5

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد314هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ــدف لهن ــد، وجــوار يضــربن ب ــابت بن يزي وقرظــة بن كعب، وثين. فقلت: تقرون بهذا وأنتم أصــحاب رســول الله ؟! قــالوا:|ويتغن

إنه رخص لنا في الغناء في العرس، والبكاء على الميت في غير» دليــل على أن«رخص لنا». وقالوا بــأن قــول الصــحابة: (514)«نوح

األصل هــو المنــع، وأن الرخصــة في اللهــو عنــد العــرس إنمــا هياستثناء من التحريم.

ويناقش:مون أن مثل هذا التعبير إنمــا«رخص لنا»أـ لقد نسي المحر

يأتي في ما يراد به التيسير على عباد الله في أمر كان يتوقع فيه ، الذي ورد«ال جناح عليه»التشديد والمنع؛ فهو من باب التعبير بـ

فا والمروة من شعائر اللــه فمن﴿في قوله تعالى: إن الصــه أن يطوف بهما ــاح عليـ ــر فال جنـ ﴾حج البيت أو اعتمـ

يــا أيهــا النــاس،»(. فمع أن السعي واجب ـ لقولــه: 158)البقرة: ر(515)«اسعوا؛ فإن السعي قــد كتب عليكم ـــ يــأثم تاركــه فقــد عب

ــه أن يطوف بهما﴿اللــه عنــه بـ الــذي يفيــد ـ﴾،فال جناح علي بذاته ـ جواز الطواف من غــير وجــوب؛ وذلــك ألن الصــحابة كــانواــه كــان يتوقعون ـ في أول األمر ـ التشديد والمنع من الســعي؛ ألن من أمر الجاهلية؛ حيث كان األنصــار ـــ قبــل أن يســلموا ـــ يهلــون لمناة الطاغية ـ وهـو أحـد أشـهر أصـنام العـرب ــ عنـد المشـلل،ج أن يطوف وكان من أهــل من األنصــار ـــ بعــد إســالمهم ـــ يتحــر

عن ذلــك،|بالصــفا والمــروة؛ بســبب ذلــك، فســألوا رســول الله.(516)فأنزل الله اآلية

مــون كــذلك أن )الرخصــة( ال تقابــل ب ـــ لقــد نســي المحرم(، وإنمــا تقابــل )العزيمــة(. وفي بــاب الترفيــه فــإن )المحــرــاة، بينمــا )العزيمــة( هي الجــد والعمــل؛ إذ همــا األصــل في الحي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد315هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

)الرخصة( هي الهزل واللهــو والموســيقى والغنــاء؛ دفعــا للســآمةوالملل، وتجديدا للنشاط.

وبنـــاء على ذلـــك فاالشـــتغال بـــاللهو المحض مبـــاح، ولكناألفضل هو االشتغال بالجد.

وبناء على ذلك أيضا فإن االشــتغال بــاللهو أو االســتماع إليــه إن كان بنية حسنة أو لمصلحة راجحة صار قربة ومستحبا ومندوبا

إليه. ج ـ الحديث ظاهر في رفع الحرج عن الضرب بالدف والغناء في العرس، وال يلزمنا مفهومه من وقوع للحرج في غير العرس؛ ألن مسألة اللهــو في األصــل هي من بــاب العــادات، ال العبــادات، واألصل في العادات اإلباحة والحل ورفع الحرج، فال يعدو الحديث الذي معنــا أن يكــون تأكيــدا لهــذا األصــل، وتنبيهــا على الــترخيصـع من العـادات بـالنص، وهيهـات أن يـأتي ورفع الحـرج، وإنمـا يمنمون به؛ ألنه غير موجود أصال، بل ويســتحيل أن يوجــد؛ لمــا المحرــه ال يتعلق أوضحناه من قبل في حكم الشرع في األصــوات من أن بهـــا حكم لـــذاتها، وإنمـــا يتعلق الحكم بمـــدى اســـتخدامنا لهـــذه ــدوب أو واجب؛ وإن قبيحــا األصوات واستعمالنا لها؛ إن حسنا فمن

م. فمكروه أو محرمون عن أن صــيغة إنمــا هي«رخص لنا»د ـ لقد غفل المحر

من عنديات من روى الحديث من الصحابة، فليست هي عين نص . وبالتالي فال يصح أن يحتج|، وإنما هي تعبير عما قاله|رسول الله

مون علينا بهذه الصيغة. فضــال عن أننــا بحثنــا عن النصــوص المحر في مسألة )اللهو عند األعراس( فوجــدناها كلهــا|التي قالها النبي

دة لما ذهبنا إليه .(517)مؤيــاء ــريم الغن ــديث على تح ــذا الح ــتدل به ــزم المس ــ يل ــ ـ هـ

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد316هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

م البكاء ـ مطلــق البكــاء ـــ، والموسيقى في غير األعراس أن يحر رخص لنــا في البكــاء على الميت»ويســتثني البكــاء على الميت:

. وهذا باطل ظاهر البطالن. وما لزم منه باطل فهو«من غير نوحباطل.

مارة وثمن الكلب»: |ــ يقــول6 .(518)«بئس الكســب أجــر الزــبها ــة، والنهي عن كس ــة والعازف ي ــأن الزمارة هي المغن ــالوا ب وق

للتحريم، وتحريم كسبها تحريم لمهنتها ـ أي الغناء والعزف ـ.ويناقش:

أـ تفســير الزمارة بالمغنيــة أو العازفــة خطــأ. والصــحيح في اللغــــة أن الزمارة هي الزانيــــة. قــــال الحجــــاج بن محمــــد

ــ:(519)المصيصي ــدده ـ ــ أحــد رواة الحــديث الــذي نحن في ص ـ. «الزمارة: الزانية»

هــذا»وقال أبــو عبيــد القاســم بن ســالم، تعقيبــا على ذلــك: عن كســب الزانيــة،|عندنا أثبت ممن خالفه. إنما نهى رسول الله

ــاتكم على البغــاء﴿وبه نزل القرآن في قوله: وال تكرهوا فتيــدنيا نا لتبتغوا عرض الحياة ال ــور: ﴾إن أردن تحص (،33 )الن

فهذا العرض هو الكســب؛ وهــو مهــر البغي؛ وهــو الــذي جــاء فيــهــاء، ــاتهم على البغ ــانوا يكرهــون فتي ــة. ك النهي؛ وهــو كســب األم ويــأكلون كســبهن، حــتى أنــزل اللــه تبــارك وتعــالى في ذلــك

. (520)«النهي. (521)«البغي»وكذلك ذكر ابن قتيبة أنها

وكذلك قــال اإلمــام أبــو بكــر بن األنبــاري، ثم عقب شــارحا:مــر عنــد» ن نفســها وكالمهــا. والز الزمــارة: الفــاجرة؛ ألنهــا تحســ

العرب: الحسن. قال ابن أحمر:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد317هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

رجل أجش عناؤه زمردنانان حنانان بينهما

ن»قـــال ابن األعـــرابي: مـــر: الحســـ . ومن هـــذا قيـــل«الزــا ســميت نها. ثم إنه ــر نفســها؛ تحســ ــا تزم ــاجرة: زمارة؛ ألنه للف

ــولهم: ــير؛ من ق ــا من الخ ــا فيه ـة م ــا وقلـ ــر»زمارة؛ لمهانته زم.(522)«المروءة

ــول|ب ـ لقد روى أبو هريرة نص قول النبي بقوله: قال رس نهى رسـول». ثم رواه بقوله: «بئس الكسب أجر الزمارة»: |الله

.(523)« عن كســب اإلمــاء|نهى النــبي»، و«اللــه عن مهــر الزمارة وهذا حاصله أن )أجر الزمارة( مرادف لـ )مهر الزمارة(، ومرادف

د أن المقصــود بالزمــارة الزانيــة»لـ )كسب اإلماء(. وهذا كله يؤكة مــع ورود«البغي ـ كما شرح أبو عبيد في ما نقلناه عنه ـــ، خاصـ

كلمة )مهر(.ــان، عليم ــيح اللس ــربي قح فص ــرة ع ــا هري ــال عن أن أب فض بلسان العرب ومرادهم، فقوله هنا يعتمــد والبــد، بــل ويقــدم على

أقوال غيره بال شك.ر به الحديث هو الحــديث نفســه. وقــد ج ـ إن أحسن ما يفس

، وهــذا«أجــر الزمارة وثمن الكلب»ورد في الحــديث الــذي معنــا ره حـــديث رســـول الله نفســـه؛ حيث قــال أبـــو مســـعود|يفســـ

ــاري: ــول الله»إاألنص ــر البغي،|ن رس نهى عن ثمن الكلب، ومه. (524)«وحلوان الكاهن

به دليـــل على دعـــوى وعليـــه فليس في هـــذا الحـــديث شـــالتحريم، بل ليس له أية صلة بموضوع الغناء والمعازف أصال.

ــول:|ـ عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله7 يق

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد318هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به إال مرتين من» الدهر، كالهما يعصمني اللــه تعــالى منهمــا؛ قلت ليلــة لفــتى كــان معي من قريش في أعلى مكة في أغنام ألهلها تــرعى: أبصــر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما تسمر الفتيــان، قــال: نعم، فخرجت، فلما جئت أدنى دار من دور مكة ســمعت غنــاء وصــوت دفوف وزمر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: فالن تــزوج فالنــة؛ لرجــل من قريش تزوج امــرأة، فلهــوت بــذلك الغنــاء والصــوت حتى غلبتــني عيني، فنمت، فما أيقظــني إال مس الشــمس، فــرجعت ]أي مــرة ثانية[ فســمعت مثــل ذلــك، فقيــل لي مثــل مــا قيــل لي ]أي أول مرة[، فلهوت بما سمعت، وغلبتــني عيــني، فمــا أيقظــني إال مس الشــمس. ثم رجعت إلى صــاحبي، فقــال: مــا فعلت؟ فقلت: مــا

: فوالله ما هممت بعدها أبــدا بســوء|فعلت شيئا. قال رسول اللهــة حتى أكرمــني اللــه تعــالى بنبوته .(525)«ممــا يعمــل أهــل الجاهلي

ــازف من ــاء والمع وقالوا بأن هذا الحديث يدل على أن سماع الغنم ف في الحـديث بالسـوء والقبح، وعصـ ـة الـذي وصـ فعل الجاهليالله نبيه منه قبل البعثة. مما يدل على تحريم الغناء والموسيقى.

ويناقش:مين هذا خطأ فــاحش وتفســير باطــل، فلم أـ استدالل المحر يكن الذي هم النبي أن يفعله من أمر الجاهلية مــرتين هــو ســماع

،«كالهما يعصمني الله تعــالى منهما» قال: |الغناء والمعازف؛ ألنه فلهوت بـذلك» لم يعصم من السماع في المرتين؛ ألنه قال: |وهو

ذلــك في المــرتين، وإنمــا عصــمه اللــه|، وقــع له«الغناء والصوتــباتهم من من، وحال بينه وبين، ما كان يفعله الجاهليون في مناس المنكرات واللهو بالفحش ومخادنة النساء وشــرب الخمــر، وليس

د سماع الغناء والمعازف. مجر

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد319هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

د هذا، ويزيده تأكيـدا، جـواب النـبي لمـا سـأله صـاحبه:|ويؤي»: | فقـــال«مـــا فعلت؟» ســمع من|، مـــع أنه«مـــا فعلت شــيئا

الجاهليين الغناء والمعازف، بل ولها بها حتى نام. وهذا يـدل داللـة ساطعة على أن الشيء القبيح الذي عصمه الله منــه ليس الغنــاءـة في والمعـازف، بـل الفــواحش الــتي كــان يرتكبهــا أهــل الجاهلي

أفراحهم.مين، ال لهم؛ إذ لو كــان ب ـ إن هذا الحديث حجة على المحر

ه على ذلــك النــبي ه على ســوء|الغناء والمعازف حراما لنب كمــا نبــدل وفحش وقبح ما كان يفعله أهل الجاهلية في أفراحهم. وهذا ي على إباحة الغناء والمعازف؛ إذ تــأخير البيــان عن وقت الحاجــة ال

.|يجوز في حقه

تنبيه عام هاممون غير هــذه األحــاديث هناك أحاديث أخرى يحتج بها المحر

ولكني أعرضت عن ذكرهـا هـا،السبعة التي ذكرتها في بحثي هذا هنا؛ ألنها بين ضعيف ـــ يقينــا ـــ وضــعيف جــدا وموضــوع من حيث

الرواية. ، بمــا ال مزيــدوقــد اســتوعب الكالم على أســانيدها وطرقها

أســتاذنا العالمــة عبــد اللــه بن، بل وبمــا لم يســبق إليــه،(526)عليهم: )الموســيقى يوســف الجــديع، في البــاب الثــاني من كتابــه القي

والغناء في ميزان اإلسالم(.نت ـ ــه أقــوى أدلتهم، وبي وقــد ذكــرت هــا هنــا مــا ارتــأيت أن

ـــ مــا على هــذه، غــير مقلد ألحــد بحسب فهمي واجتهادي الخاصاألحاديث من مالحظات ـ رواية ودراية ـ.

وأزيد على ما سبق فأقول: الحكم عندي على جميع أحاديث

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد320هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ذم الغناء والمعازف والقيان ـ الــتي تفيــد تحريمهــا صــراحة ـــ هــوــالبطالن ــا؛بــ ــارة متونهـ ــوع؛ لنكـ ــدي في حكم الموضـ ، وهي عنـ

لمخالفتها الصــريحة للقــرآن والســنة والمقاصــد والنظــر العقلي ـعلى ما سبق، وما سيأتي، إيضاحه وبيانه ـ.

مين بمعـان خارجـة عمـا تقـدم، سادسـا: اسـتدالل المحـرومناقشتهم

مة؛ لكونها مطربة. قالوا: إن الموسيقى محروالجواب:

ـ األصل في الطرب أنه شيء يثير النفس لفرح أو حزن أو1ارتياح. وأغلب ما تستعمل الموسيقى اليوم في الفرح أو االرتياح. وهذا المعنى للطرب هو أمر مدرك في سماع الموســيقى الـر؛ حيث تجـد النفس للســماع ارتياحـا وانبسـاطا محسوسـين. ينك

فهل في ذلك أي وجه للتحريم؟! اللهم ال.م مــا يزيــد الحيــاة حســنا وبهــاء إن اإلســالم ال يمنــع وال يحــر وصالحا وفالحا، بل هو يحض على مــا يرتفــع بالمشــاعر اإلنســانية ويسمو ويرتقي بها. ولذلك فالغناء والموسيقى مما ال يجوز رفضه لذاته. فضــال عن كونهمــا ممــا ال ينبغي اســتهجانه باســم الرجولــة والوقار؛ وكأن الرجولة قرينــة الغلظــة في الطبــاع، وكــأن الوقــار

قرين البالدة وانحراف الذوق! ـ إن اعتبار الطرب علة لتحريم الموســيقى يــوجب تحــريم2

ب طربــا ـــ، ســواء صــدر من سماع كل صوت مطــرب ـــ أي يســب إنسان أو طير أو آلة، وسواء كان الصوت مصــحوبا بكالم ـــ قرآنــا كان أو أذانا أو ذكرا أو شعرا ـ أو غير مصــحوب. وهــذا كله باطــل

ظاهر البطالن.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد321هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

ــا ـ ــذاتها لقيس عليه ــان المقصــود تحــريم المعــازف ل ــو ك ل ولدخل في حكمها ـ كل ما يلتــذ بــه اإلنســان من أصــوات الطيــورمين. ــزم المحــر وغيرها ليريح طبعه المكدود. وهذا من أشنع ما يلــرك من م من ذلك هو ما كان يح وفيه دليل ساطع على أن المحر القلب ما هـو مـراد الشــيطان من شـهوة وفتنـة. وأمـا مـا يحـرك الشوق إلى الله أو يدخل البهجة والمسرة على النفس؛ لتنشيطها وتحفيزها على مواصلة الجد والعمــل، فهــذا كلــه ـــ كمــا قــال أبــو

حامد الغزالي في اإلحياء ـ يضاد مراد الشيطان. ـ األدلــة المبيحــة للغنــاء والموســيقى، حتى على قــول من3

يحصرهما في األعراس واألعياد، ويحصر الموســيقى المباحــة في الدف فقط، ويحصر جواز كل ذلك في النســاء فقــط، تــدل داللــة قاطعــة على أن أثــر الصــوت في إطــراب الســامع ال أثــر لــه في الحكم؛ إذ لو كان لإلطراب أثر في التحريم لمنع الغناء والدف في األعـــراس واألعيـــاد، ولمنعت النســـاء منـــه. وهـــذا ال يقـــول بـــه

مون! المحر4 ـ لقد قلنا مرارا وتكرارا أن األصوات ـــ ومــا الموســيقى إال

صوت من األصوات ـــ ال يتعلق بهــا حكم لــذاتها إال اإلباحــة، وإنمــا يصير األمر إلى حل أو حرمة بالغرض الذي يســتعمل الصــوت من

أجله؛ إن حسنا فحسن، وإن قبيحا فقبيح، وإن مباحا فمباح.

قالوا: إن الموسيقى والغناء هي من شعار الفسقة والفجــرةــا ه بهم حــرام، ومن ثم فاالســتماع له وشــاربي الخمــور، والتشــب

واالشتغال بها حرام.والجواب:

ـ هذا قـول عاطــل باطــل فاســد. وهــو خطــأ على الشــرع،1

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد322هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

وصــحابته الكــرام|وتجن على التاريخ، بل وفيه اتهام صريح للنبيهون بأهــل الخمــور والفجــور والليــالي الحمــراء! فــإن هم يتشــب بأن الغناء والضرب على المعازف، من دفوف ومزامــير، قــد وقــع في

، بــل في خــير(527)ما ثبت لدينا في خير مجتمــع على وجــه األرض وبعــده.|؛ في عهــد النــبيمجتمع عرفه التاريخ؛ مجتمع الصــحابة

فكيف يصح بالله عليكم مثل هذا اإلطالق والتعميم؟! ـ لقد أباحت الشريعة اإلســالمية الغنــاء والمعــازف تأصــيال؛2

مــون؛ حيث إن وذلك لعدم الناقل، الذي عجز عن اإلتيان به المحراألصل في األشياء اإلباحة.

فضــال عن أن الشــريعة قــد جــاء فيهــا من القــرآن وصــحيح السنة، كمــا ســيأتي بيانــه، وقــد مــر بعضــه ســابقا، نصــوص تفيــد اإلباحة والحل، بل والنــدب واحتمــال الوجــوب في بعض األحيــان.

مون؟! فكيف يصح إطالق مثل هذا الوصف الذي ذكره المحرمين هــذا مــا هــو إال تجن على3 ـ لقد ذكرنــا أن قــول المحــر

ــه قـد عهــد الســماع التاريخ. وليس قولنا هذا مبنيا على فــراغ؛ فإن واالشتغال بالغناء والموسيقى في من عرف بالدين، بل وباإلمامة

وصحابته الكــرام ـــ، من أمثــال: إســماعيل بن|فيه ـ بخالف النبيــو من ــل مكــة، وه ــرآن، من أه ــاحب ق ــان ص ــامع المغني، وك ج

؛ والسيدة الفاضلة المغنية علية بنت المهــدي(528)مشاهير المغنين أخت الرشــيد، وهي شــاعرة عارفــة بالغنــاء والموســيقى، رخيمــة

؛ وإمــام المغنين وســيدهم(529)الصوت، ذات عفة وتقــوى ومنــاقبــون، إسحاق بن إبراهيم الموصلي، اإلمام العالمة الحافــظ ذو الفنــة، مــع الفقــه صاحب الموسيقى والشعر الرائق والتصــانيف األدبي

؛ والعلم الجليــل الكبــير(530)واللغة والبصر بالحــديث وعلــو المرتبة أبــو يوســف الماجشــون يعقــوب بن دينــار بن أبي ســلمة، مفــتي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد323هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

وقاضــي البصــرة؛ المدينة وراوي الحديث الثقــة الفاضــل الشــهير عبيــد اللــه بن الحســن العنــبري، من ســادات أهــل البصــرة فقهــا وعلما وعقال وثقة؛ واإلمــام الثقــة الحجــة إبــراهيم بن ســعد، أحــد أعالم علماء المدينة، وأحد أشهر رواة الحديث الثقات، وقد كان ال ــديما يحدث حديثا إال ويضرب قبله على المعازف؛ وغيرهم كثير، ق

مين سالف الذكر؟! وحديثا. فكيف يستقيم قول المحر ـ إن الغناء والموسيقى ـ تأصــيال وواقعــا وشــرعا ـــ ليســت4

ــت اق، وليست حكرا على أهل الفجور، وليس شعارا مختصا بالفسزون عالمة تجارية تـدل عليهم، وال أمــرا من األمــور الــتي بهــا يتمي ويعرفون دونا عن بقية النــاس، بــل إن اســتماعها واالشــتغال بهــا منتشر بين الفضالء والنبالء، كما مر بنا، وكما هو واقع مشاهد، بلز لفئــة عن فئــة، أو فرقــة عن وبين الناس كافة. فأمرها غــير ممي فرقة، أو طائفة عن طائفة. هي أمــر خــارج عن حــد الخصوصــية،ه إنمــا يكـون في شــيء مخصــوص ها؛ فــإن التشــب وعن كونه تشــبنة ال يتعاطاه إال هم، أما مــا كــان يفعلــه المــرء بشخص أو فئة معي

ه. هو وغيره فال يقال فيه: تشبمـون في ومن هذا تعلم خطـأ، بـل وبطالن، مـا ادعـاه المحرــاء والموســيقى معــروف أمرهمــا في قــولهم الســابق؛ فــإن الغن الناس، كل الناس، منذ الجاهلية، بل منذ عهــد الفراعنــة، بـل منــذز فجر البشرية األول، فجاء اإلسالم وهي في الناس، ولم تكن تميـة عمن سـواهم، حتى يقــال: هي شــعار فئــة عن فئـة، أو أهــل مله بقوم فهو منهم! لهؤالء يعرفون به، فيجب تحريمها؛ ألن من تشب ثم إن المباح ـ كما يقول بحــق، مــع تصــرف قليــل، ســلطان العلماء العز بن عبد السالم في الفتاوى الموصلية ـ ال يترك ألجـل أن الكفار أو الفساق تفعله. هل نترك ديننــا، ومــا أباحــه اللــه لنــا،

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد324هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

د فعل الكفار إياه؟! ما أبطله من قول، وأسقمه من فهم! لمجرــرك الحــق ألجــل الباطــل ال يترك الحق ألجل الباطــل، ولــو ت

لترك الناس كثيرا من أديانهم.اق بمــا يفعلونــه ــار أو الفســ ه بالكف ويختص النهي عن التشــبــدب أو ــق الن على خالف مقتضى شرعنا، وأما ما يفعلونه على وفــاه؛ فــإن اإليجاب أو اإلباحة في شرعنا فال يترك ألجل تعــاطيهم إيــاح من ه بمن يفعل ما أذن الله به، والمب الشرع ال ينهى عن التشب

جملته.ه بمن فعل ما سمح بــه الله سبحانه وتعالى لم ينه عن التشب الله، وال يجوز أن يتصور في حقه ذلك ـ حاشاه ـ؛ أينهى اللــه عماد فعـل الكفـار أو أذن في فعله ـ والمباح من جملته ــ ألجــل مجـر

.(531)الفساق إياه؟!.. ال يقول بذلك عاقل، فكيف بواهب العقل؟!

مين باإلجماع ومناقشتهم سابعا: استدالل المحرــيقى، ــاء والموس ــريم الغن ــاع على تح ــد ثبت اإلجم ــالوا: ق قــه. وخاصة األخيرة؛ فال يحل سماع شيء من ذلك، وال االشــتغال بــه. بل قولكم هذا بدعة مذمومة وإحداث في دين الله لما ليس منــاء ــوا الغنـ مـ ــار الـــذي حر ــا الكبـ ــالفوا أئمتنـ ثم من أنتم حتى تخـ

والموسيقى؟! أأنتم أفقه منهم؟!والجواب:

اإلجمـاع ــ في اصـطالح جمهـور. (532)ـ وهل اإلجماع حجة؟1 بعــد|األصوليين قديما وحــديثا ـــ هــو: اتفــاق مجتهــدي أمــة محمد

وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي ظني.ــة ال وجــود لهــا؛ وهــذا اإلجمــاع في مــا يبــدو لي صــورة خياليــه اجتمعت في مثلــه ــدعى فيــه أن فليس هناك أمر واحد يصح أن ي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد325هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

قيود هذا التعريف: أـ إن اتفاق المجتهــدين يحتــاج إلى ضــابط صــحيح للمجتهــد.

وقد اختلفوا فيه. ب ـ االتفاق يحتاج إلى اإلحاطة بأن ذلك الحكم قد نطــق بــهه كل منهم بأمارة صريحة على الموافقة مع انتفاء الموانع، أو أقر

ــا مثال ــون مكره ـدرك في(533)فال يك ـ ــتحيل أن ي ــر مس ــذا أم . وهالمجتهدين.

ــف ــآراء جميعهم على الوص ــة ب ــتحيل اإلحاط ــا يس ــ كم ج ـــار ــا. إن األعم ــاع بالد اإلســالم وانتشــارهم فيه ــع اتس الســابق مسع لذلك، فضال عن األعمــار القصــيرة؛ فــإن المصــر الطويلة ال تت الواحد قد يعجز من هو من أهله أن يعــرف مــا عنـد كــل فـرد من مجتهديه، بل قد يعجز عن معرفة كل مجتهــد فيــه، فكيــف بجميــع

بالد اإلسالم، بدوها وحضرها، مدنها وقراها؟! د ـــ كمــا يســتحيل منهم االجتمــاع على رأي اجتهــادي واحــد؛ فهذا مما تأباه طبيعة الدين وطبيعة اللغة وطبيعة البشــر وطبيعــةــة في ــاوية الدرج ــير متس ــوص غ ــدين نص ــاة؛ إذ ال ــون والحي الكــتنباط ــوة االس ــة في ق ــول، وهي مختلف رها العق ــ ــوح، تفس الوضــوص على ــا، وفي الغ ــل به ــدالئل أو الجه ــعفه، وفي إدراك ال وض المعاني أو الجمود على األلفاظ، في حدود اللغــة، وفيهــا مــا يــدل بالمنطوق وما يدل بالمفهوم، وفيهــا العــام والخــاص والمشــترك،د، وفيه القاطع والمحتمل، مــع التنزيــل على وفيها المطلق والمقي واقـع الحيـاة، الـذي يختلـف من بيئـة إلى أخـرى، ومن عصــر إلى

آخر. والبشر في ذلك كله جد متفاوتون؛ فالبد من االختالف. هـ ـ ولنفترض جدال وقوع ذلــك اإلجمــاع، مــع كونــه مســتحيال كما أنبأنــاك، فهــل من مــانع يمنــع اختالفهم بعــد إجمــاعهم هــذا؟!

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد326هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

اللهم ال. إن الواقع يحيل وقــوع ذلــك اإلجمــاع المــدعى. وتــاريخ هــذه

قــد اختلفت حتى بلغت حــد|األمة معلوم؛ فإنهــا بعــد رســول الله استحالة جمعها على ما اختلفت فيه من الكتاب، وهــو نص قطعيــر ال نص الثبوت، فكيف يتصور إمكان إجماعها، أو جمعها، على أم فيه بخصوصه، أو فيه نص ظني ثبوته أو داللته أو همــا معــا محــل

اجتهاد، ليكون حكما شرعيا لألمة جمعاء؟! إن اإلجمـــاع ال يقـــع، وال يمكن لـــه أن يقـــع، إال في شـــيء

.(534)مقطوع به في دين اإلسالم معلوم منه بالضرورة ـ أما استدالل األصوليين على ما ذهبوا إليــه بقولــه تعــالى:2

ــع﴿ سول من بعد ما تبين له الهــدى ويتب ومن يشاقق الر غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت

( فهو اســتدالل في غــير محلــه؛ ألن لفــظ115 )النساء: ﴾مصيرا »المؤمنين« لم ترد به طائفة دون أخرى، وإنمــا هــو لفــظ شــاملــوات ـ لجميعهم، وال يوجد شيء اجتمعوا عليه ـ األحياء منهم واألم

إال شيء معلوم من الدين بالضرورة ال يسع أحدا جحده. ثم إن معنى اآلية الصحيح، كما يرشد إليــه ســياقها )النســاء:

(، هو: ومن يسلك غير طريق اإلســالم الــذي جــاء بــه117 ـ 105 ؛ فيصير هو في شق واإلسالم في شــق آخــر، وذلــك عن|الرسول

ضــح، فسيصــليه اللـه ن وات عمد منه بعد ما ظهر له من الحق وتـبيجهنم، وساءت مصيرا.

وأما حديث »ال تجتمع أمتي على ضاللة« وما في معناه فهــو على ضعفه، كما حققه ابن حجــر في )تلخيص الحبــير(، والــدكتور صالح سلطان في دراسته عن مدى حجية اإلجماع، وأســتاذنا عبــد الله الجديع في كتابه الــذي مــا يــزال مخطوطــا )علــل الحــديث(.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد327هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

ــذي وجميع طرقه وشواهده ال تخلو من قوي مقال وقدح، األمر الال يجوز االحتجاج به.

ـــاكم والفرقـــة؛ فـــإن وأمـــا حـــديث »عليكم بالجماعـــة، وإي الشيطان مع الواحد، وهو من االثنين أبعد. من أراد بحبوحة الجنــة

وما في معناه فهو يأمر بالكون مع الجماعة(535)فليلزم الجماعة« وااللتزام بها، وهذا إنما يتحقق باالجتمــاع ال بــاالفتراق والتشــرذم، وبوحدة الكلمــة ال بتفرقهــا. وهــذا المعــنى ال توصــف بــه األحكــام الفقهية االجتهادية، بل ال يوجد في األحكام الشرعية إال في قضية ال يســوغ فيهــا الخالف من قضــايا الشــريعة المعلومــة من الــدين بالضرورة. واألقرب ـ من كل ذلك ـ واألصح في هذا الحــديث ومــا

ــراعات|في معناه أنه جاء في سياق حديث النبي عن الفتن والص السياسية، وكيفية التصرف خاللها، كما يدل عليه أكـثر من حـديث

؛ فهي تـأمر بلــزوم(536)صحيح يــدور حــول ذات معــنى حــديثنا هــذا جماعة المسلمين وإمامهم، وعدم شق عطا الطاعة، طالما كــانوا مختارين بطرق مشــروعة، عــاملين بمــا أنــزل اللــه؛ أي هي تــأمر

بلزوم الجماعة السياسية، ال لزوم أقوال المجتهدين وآرائهم.ضـح أن اإلجمـاع المـذكور في كتب3 ـ ومن كــل مـا سـبق يت

علماء األصول ليس بشيء، وهــو عنــد التحقيــق أليــق بــأن ينــدرجــه ــذي يدعيـ ــريح الـ ــاع الصـ ــكوتي؛ إذ اإلجمـ ــاع السـ تحت اإلجمـ األصوليون والفقهاء ال يزيد عن كونه قوال لبعض أهل االجتهــاد في عصر من العصور، ولم يوجــد عن أحــد من معاصــريهم أو من هــو ممن بعدهم من نقل عنــه ـــ في مــا وصــلنا أو في حقيقــة األمــر ـ

، أو لم يظهر منهم اعتراف بهذا القول أو إنكار له،(537)خالف ذلك فأجري ذلك ـ من قبل األصوليين والفقهاء ـ مجرى اإلجماع، وإنما

هو في الحقيقة من اإلجماع السكوتي على أفضل تقدير.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد328هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

وهذا كله ليس بحجة.ــل؟ على أن الســاكت ال ــول الســاكت مــا لم يق ثم كيــف يق يجزم أنه قد بلغه ذلك القول. ثم لــو بلغــه فجــائز أن يكــون منعــه مانع من االعتراض؛ ربما كان لهيبـة القائـل، أو الخــوف، أو لكونـهــأ بعــد لتحقيــق ــه لم يتهي يرى أنه ال إنكار في موضع اجتهــاد، أو ألن القول في هذه المسألة. كما يجوز أن يكون أنكــره ولم يبلغنــا، أو

لغير ذلك. أما أن ينتشر القول ويبلغ جميــع المجتهــدين فال تظهــر منهمــذا له مخالفة فهذا يستحيل أن توجد له مسألة واحدة توفر فيها ه

لما كان فيــه حجــة؛ لضــعف مــا اســتدل بــه(538)الوصف. ولو وجد على حجية اإلجمــاع. وكــل ذلــك ال يصــلح أن يكـون دينــا يلــزم بـه

الناس إلى يوم القيامة، ويحجر به على األمة بعده.ــددين4 ــل المتش ــ؛ بفع ــ لألســف ـ ــاع ـ ــد أصــبح اإلجم ــ لق ـ

ــار الكالمي ــ ــرة االختي ــ ــدين، أداة توظف لنص ــ والمقلدين والجام والفقهي، أو إلسكات المخالف أو تفسيقه أو تبديعــه أو مــا ســوى ذلــك من أشــكال اإلقصــاء. وأصــبح الخــروج على اإلجمــاع تهمــة مسوغة عندهم للمحاصرة الفكرية واإليذاء النفســي. وشــيء منــوة هذا وذاك حاصل في مسألة الغناء والموسيقى. وال حول وال ق

إال بالله. ـــ وممــا لــه وجــه صــلة بمســألة اإلجمــاع، وعالقتــه بالغنــاء5

والموسيقى، محاولة البعض )تقليص( أو )حصر( الدور الذي يجب أن يمارسه المجتهــدون في عصــرنا بــإلزامهم بعــدم الخــروج عن

أقوال السابقين. وهذا أمر ليس في صــالح الشــريعة اإلســالمية؛ ألن االختالف بمجمله رحمة، مادام في غير الثوابت والقطعيات، سواء كان بين

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد329هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

ــرة ع دائ المعاصــرين والقــدماء أو بين القــدماء أنفســهم؛ إذ يوســ الفهم والتفسير، ويقدم حلوال متنوعة وواقعية وعصــرية للمســألة

الواحدة. إن شيوع لون من التفكير اإلسالمي في عصر من العصور ال يعني أن هذا هو اإلسالم وحده. فما أخصــب اإلســالم نفســه، ومــا

أغزر الثمار التي تنتج عنه على اختالف األزمان.ــابقين في إدراك ــاء س ــادات لعلم ــوروث اجته ــا الم إن فقهن معاني النصوص، وفي التفريع على النصــوص العامــة الــواردة فيــة على ــة والظني القــرآن والســنة، وفي تطــبيق النصــوص القطعيــان ر األزم ــع تغي رة م ــائعهم المتغي ــة ووق ــر المتنوع ــوال البش أح

واألمصار والبيئات.ــه إذا اجتهــادات ذات وضــع بشــري، ومن ثم فهي تحتمــل إن

ر والتنوع مع اختالف البيئات واألحوال. الخطأ، وتحتمل التغيــة ينبغي اســتطالعها، وتجــارب مــاض صحيح أنه خــبرة تاريخيع العقــول ينبغي االنتفاع واالسترشــاد بهــا، ولكن دون إلــزام يخضــ

واألعناق. اإلجماع وحــده ليس بحجــة، وال دليــل، إنمــاـ والخالصة أن 6

.|الحجة والدليل كتاب الله وصحيح سنة رسولهــودا في7 ـ يستحيل وقوع إجماع على تحريم شيء كان موج

عهد التشريع، وال نص فيــه في مــا ثبت عنــدي على التحــريم؛ ألن عدم التحريم يعني اإلباحة، فكيف يصح وقوع إجمــاع على تحــريمت الشريعة إباحته؟! فضال عن عشرات األدلة، قرآنا وسنة، ما أقر التي تدل على اإلباحة والحــل، بــل النــدب واحتمــال الوجــوب في

بعض األحيان واألحوال، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.ــر وســيأتي،|ـ فضال عن نص النبي8 في ما ثبت لدينا، كما م

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد330هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

|على اإلباحة، وكفاه .(539) حجة ودليال من التغنيباإلضافة إلى مــا ثبت عن الصــحابة رجــاال ونســاء

ــه ضــمن مــا صــح منوالعــزف واالســتماع، على مــا ســيأتي بيان.|أحاديث رسول الله

ـــ ودونــك آل الماجشــون جميعــا، وهم من كبــار فقهــاء9 ومحدثي المدينة من التابعين فمن بعدهم؛ وإبراهيم بن سعد، وهو من أجلة محدثي المدينة؛ وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسـعود، وهو من خيار وأجلة التابعين في الكوفـة؛ وعبيــد اللــه بن الحســنــال العنبري، وهو من أجلة فقهاء وقضاة ومحدثي البصــرة؛ والمنه

؛ وابن قتيبــة(540)بن عمرو األســدي، وهــو المحــدث الكــوفي الثقة الدينوري؛ وأبو منصور التميمي، وعبد القاهر البغــدادي؛ وأبــو بكــرــدادي، ــامري البغ ــبيب الع ــد بن ح ــه بن محم ــد الل ــد بن عب محم وإسحاق بن إبراهيم الموصلي، وهــو المحــدث الثقــة، وأحــد أعالم الغناء والموسيقى في تاريخ الحضارة اإلسالمية؛ وابن حــزم؛ وابنــة بن ســعيد العــربي المــالكي؛ والحافــظ اإلمــام أبــو محمــد عطي األندلسي؛ والمحدث الثقة ابن طاهر القيسراني المقدســي؛ وأبــوــوح أحمــد ــو الفت ــزالي؛ وأخــوه أب ــد الغ ــو حام طــالب المكي؛ وأب الغــزالي؛ والقشــيري، والعــز بن عبــد الســالم؛ وابن دقيــق العيــد؛

ــديما ون ق ــ ــاء ال يحص ــيرهم فقه ــعراني، وغ ــوي؛ والش (541)واإلدف

وحديثا، مثل: حسن العطار، ومحمد رشيد رضا، ومحمد عبــد اللــه دراز، ومحمد أبو زهرة، والســيد ســابق، ومحمــود شــلتوت، وعبــد الحليم محمــود، وجــاد الحــق علي جــاد الحــق، ومحمــد الغــزالي،

، ويوسـف(542)ومصـطفى الزرقـا، وعلي الطنطـاوي، والشــعراوي القرضاوي، ومحمد عمارة، وفيصل المولــوي، وأحمــد الريســوني،

وعبد الله بن يوسف الجديع،...إلخ.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد331هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

ـ فضال كذلك عن أن الخالف في مسألة الغناء والمعازف10ــه أمــر أشــهر من أن من المفترض عند كل من شم أنف الفقه أنفون في هــذه المســألة ــزل العلمــاء يصــن ــذكر أو يفصــل؛ إذ لم ي ي لكبــار فــا مســتقال إباحة وتحريما، ففيها مــا يربــو على ســبعين مؤلمين يعاندون. العلماء ومشاهير الفقهاء قديما وحديثا، ولكن المحر

ــال من11 ـ قداسة النص، أي القرآن والسنة، ال تعني بأي ح األحوال قداسة من يتناوله بالدراسة؛ فــإن أهم مبــدأ في اإلســالمــا أوحى هو تقديس الله الواحد القهار وحده، وذلك يشمل قطعا مــأ الله به، قرآنا وسنة، وما دون ذلــك فــالجميع سواســية. وكمــا هير في حــدود زمــانهم ر والتبصــ اللــه للســلف الصــالح أســباب التفكــة التفكــير واالختالف ـــ وإال كيــف ومعارفهم وسط جو يؤمن بحري يفسر أصحاب النقــل وجــود أربعــة مــذاهب، بــل ثمانيــة؟! ـــ فمن المفيــد بــل من الضــروري أن يســمح المســلمون اليــوم لبعضــهمر والتبصر، بدل التســفيه والتشــهير ببعضــهم البعض بفسحة للتفك البعض، كما تنقض الــذئاب على فريســتها. القــرآن الكــريم وســنة

راتهما هي ال غير ـ مهمــا عال اســمه أو رســمه ـ|رسول الله ومقرالكلمة النافذة والحجة على الناس أجمعين إلى قيام الساعة.

را ألخي العزيــز الــدكتور ومن المفيد هاهنــا أن أنقــل قــوال ني أيمن علي صالح: ألحظ في كالم كثــير من معاصــرينا نــبرة عاليــةرة في تعظيم األقدمين من أهل العلم وتبجيلهم، وفي ونغمة متكرــوين من ــل الته الوقت نفسه جلد المعاصرين وذمهم، أو على األق شأن ما يأتون به في مقابــل المتقــدمين. وكــأن لســان الحــال مــا

قال الشاعر: ذهب الذين يعاش في

أكنافهم وبقيت في خلف كجلد

األجرب

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد332هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ــزج بــه في وجــه ومع إدراكي التام بأن أكثر هذا الكالم إنما يــدر طائفة المتعالمين؛ كبحا لتطــاولهم على األئمــة، ودفعــا لهم لق أنفسهم مقاديرها، وحثا لهم ولغيرهم من الناشئين في العلم علىــاره، ــل كب ــغار العلم قب ــتربي بص ــا، وال ــبيوت من أبوابه ــان ال إتيب، مع إدراكي لهذا كله فــإني أجــد جانبــا من والتحصرم قبل التزبــذات، ل في شيوع احتقار ال اآلثار غير الحميدة لهذا األسلوب، تتمثــثرة الشــكوى والتهوين من القدرات، والتغني بأمجاد الماضي، وك من انصرام العلوم، وعقم الفهــوم في الــوقت الحاضــر، كمــا هــو شائع بين اإلسالميين عمومــا، وطلبــة العلم الشــرعي ومشــايخهم خصوصــا. وهــذا من شــأنه أن يــدفع إلى اليــأس والخمــول وقلــةــة الــتي ســادت في االبتكار واإلبداع، وهو يستمد من الروح العلمي

عصور الجمود، التي حكمت بتحريم االجتهاد، وإيجاب التقليد.جهة إلى األمــام، بينمــا يســير لماذا يسير الناس ووجوههم مت كثير من المشتغلين بــالعلم الــديني ووجــوههم دائمــة االتجــاه إلىــيرا منهم يعيش جســدا في الحاضــر وعقلــه ــل إن كث الخلــف؟! ب

يسكن في الماضي! ومع قبولي وتقديري لوجهة النظر المخالفة فــإني أدعــو إلىــة، ال ــة نقدي التعاطي مع التراث وما سطره األقدمون بروح تحليلي بروح تبجيلية إطرائية، فهم بشر أصابوا وأخطــؤوا، وعلمــوا أشــياء

ولو كان من عند غيــر الله لوجــدوا فيــه﴿وغاب عنهم كثير، ، وكم تركوا لنا لنضيف. ﴾اختالفا كثيرا

ينبغي أن نبث هــذه الــروح في نفــوس المتعلمين، مــع حثهم في الوقت نفسه على الموضــوعية التامــة، واتبــاع المنهج العلميــع التحلي ــ ــد، م ــ ــل والنق ــ ــحيح في التلقي والبحث، والتحلي ــ الص

باالحترام الكامل لألئمة والكبار.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد333هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

أمـــا المتعـــالمون والمتســـلقون وأنصـــاف المتعلمين فهم سيتساقطون يوما بعد يوم، لن يقيم التــاريخ لهم وزنــا، وضــررهمــاير في دارهم. المهم أن ال ــا يتط ــررهم إنم ــو عليهم، وش ــا ه إنم يكونوا دائمي الحضور في وجداننا وكلماتنا، كأنهم جــل أهــل العلم والمشتغلين به. وإهمالهم ـ في رأيي ـ خير من التعرض لهم، ومــا أكثر من يصلح حاله منهم بعد حين، وقيل قديما: طلبنا العلم لغير

الله فأبى الله إال أن يكون له. انتهى بتصرف بسيط في كالمه.

مين بقاعدة سد الذرائع ومناقشتهم ثامنا: استدالل المحر قالوا: يجب منع الغناء والموسيقى، ومنع االشتغال بهما؛ ألنــإنهم يســتخدمون الزمان قد فسد، وألن دعاة الفساد قد كثروا؛ ف الغناء والموسيقى لتذويب الشخصية المســلمة وتحطيم صــالبتها،

وإشاعة الفاحشة في أبناء المجتمع المسلم وبناته...إلخ.:(543)والجواب

ـ الذرائع المفضية إلى الحرام في كل ما كان معهــودا زمن1ــاء ــك: الغن ــا، ومن ذل ــبط بابه ــريعة بض ــد تكفلت الش ــريع ق التشــرآن دة بنصوص الق والموسيقى؛ فقد أباحتهما الشريعة إباحة مؤكم مــا وصحيح السنة، كما سيأتي تفصــيله، فال يجــوز ألحــد أن يحــر

.(544)أباحه الله وأحله ـــ إن )المبالغــة( في ســد الــذرائع مذمومــة؛ ألنهــا ســتحرم2

م عليــه ــيرة، وســتحر المجتمع من مصالح معتبرة، ومن خيرات كثبــات زينة الله التي أخرج لعباده؛ بدعوى الــورع، وســتمنعه من طيع فيــه؛ ق عليه في مــا وســ قد أحلت له؛ بدعوى االحتياط، وستضيــويه اتقاء للشبهات كما زعموا. وربما أفضت تلك المبالغة إلى تش مالمح اإلسالم، الذي قام على التيسير ال التعسير، وعلى التخفيف

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد334هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ال التشديد، وعلى التبشير ال التنفير، فيصبح هذا الدين الرباني ديناــة ــة النصــارى ومانوي متزمتــا مغاليــا، أقــرب مــا يكــون إلى رهباني

الفرس.ــ نحن إذا وضــعنا ضــوابط وشــروطا شــرعية للموســيقى3 ـ

والغناء ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ أغنانــا ذلــك عن اســتعمال أداةـة )سد الذرائع(؛ حيث تكفينـا النصــوص الصـريحة والمقاصـد الكلي

والقواعد العامة في ذلك.منــا ولو أننا اســتجبنا لهــواجس المتخــوفين والمتشــددين لحرــات من ب على الناس الكثير من زينة الله التي أخرج لعباده، والطيعنا في الدين ما لم يأذن به الله، كما وقع لكثـير من الرزق، ولشرــبيل ــرأة على س ــألة الم ــية في مس ــور الماض ــاء في العص العلم

المثال. وفي اإلسالم؛ بطريق النص الجلي، وبطريــق االســتنباط من خالل بنيته التشريعية والفقهية، من الضوابط والشروط واألحكــامــا عن التفكــير واآلداب الكفيلة بسد ذريعة الفساد والفتن، ما يغنين في تحريم الحالل، وعن وضع موانع من عند أنفسنا. فما من أحــد

م الفــواحش إن غــيرة اللــه.(545)أغير من الله، ومن أجل ذلك حــر غيرة ســوية تنفــر من الفاحشــة ومــواطن التهمــة فحســب، فهــل

نحتكم إليها أم نحتكم إلى أمزجة الرجال؟! ـ إن عاشقي سد الــذرائع يتوهمــون أن الفتنــة بالموســيقى4

والغناء كانت مأمونة في القرون األولى، وأن الله لم يضع السدود أمامها بما فرض من ضوابط شرعية لهــا، كمــا ســيأتي ذكرهــا إنون أن طبيعــة البشــر واحــدة في كــل زمــان، شــاء اللــه، ويتناســــا جــاءت بأحكــام تصــلح لكــل زمــان ويتناســون أن الشــريعة إنم

ــةــومكان، ولكل شخص وإنســان، ولم تــأت بأحكــام إقليمي ة محلي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد335هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

وقتية.ــة5 ـ إن تحريم الغناء والموسيقى اتكاء على أداة سد الذريع

ــة ــول! إن الفتن ــا أقبحــه من ق ــالمين. فم اســتدراك على رب الع بالغناء والمعازف، واستخدامهما كأداة لنشــر الفســاد، والصــد عنــريع، فهي را وموجودا منذ عهد التش القرآن والذكر، كان أمرا مقرا لم يكن من قبــل. لم تحدث فيما بعد حتى نوجد لهــا حكمــا خاصــ ومع كل ذلك فقد أباحهما الشــرع، بــل قــد نــدب اســتعمالهما فيــيوخ نة كاألعراس، مع وجود المنافقين واألعراب، والش حاالت معي والشــباب، واألقويــاء والضــعفاء، والحكمــاء والســفهاء، والشــرفاء

والسفلة. ـ إن قرار الحظر العام بدعوى ســد الذريعــة غالبـا ــ إن لم6

ــاس أو معظمهم، ــع الن أقل دائما ـ ما يفوته استيعاب ظروف جمي وما يكونون عليه من مستويات خلقية متباينة. والشارع في تقرير المباح يراعي اختالف مصالح النــاس وظــروفهم، فضــال عن تعــدد

مستوياتهم الخلقية وأحوالهم النفسية. ـ فــرق كبــير بين حظــر ســماع أغنيــة مــا في ســاعة مــا أو7

ظرف مــا؛ درءا لمفســدة مصــاحبة لهــا، وبين إباحــة الســماع في عامة األحوال؛ لتحقيق المصالح المشروعة، وبين تحــريم الســماعــدعوى درء المفســدة تحريما مطلقا في كل الظروف واألحوال؛ ب

وسد الذريعة، مع أنه ال توجد مفسدة وال ذريعة. ولذلك البد من التفريــق بين الضــعف البشــري العــام، الــذي يعلمه الله تمــام العلم، ويرعــاه أكمــل رعايــة، وبين الــوهم الــذيــبرز، وأن ــع وت ــة تش ــون أن الفتن يغلب على البعض فيجعلهم يظن المفسدة تظهر وتنتشر، من مجرد ســماع أغنيــة جميلــة الكلمــاتــماع، عذبة األلحان، وإن كانت جامعة لكل الضوابط الشرعية للس

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد336هـ1433م ـ 2012صيف

آلة الذبح، مطالعة في األحاديث والموقف الفقهي•

ويجعلهم يحذرون الفاحشة في كل لحظة، ويخشون الفضيحة فيكل آن.ــه أن8 ــق رعايت ــوه ح ــون ولم يراع م ــه المحر ــا أهمل ــ مم ـ

ــان يقتضــي االستماع إلى الغناء والمعازف في العصور الماضية ك حضور مجالس الغناء والطرب، وشهود ما فيها، وقلما كانت تخلــو هذه المجالس من، أو كثيرا مــا كــانت توجــد في هــذه المجــالس،ك وعــري. وال مــات ومنكــرات، من خمــر وخالعــة ومجن وتهت محرم شـرعا؛ لمــا فيـه من نـزاع في أن حضـور هـذه المجـالس محـر

مشاركة في اإلثم، أو إقرار به، أو سكوت عليه.ــد من يريــد االســتماع إلى الغنــاء في أما في عصــرنا فلم يع حاجة إلى شيء من هذه المجالس، فهو يســتطيع أن يســتمع إلى ما يشاء عن طريق المذياع أو شــرائط الكاســيت أو األســطواناتـة. وال ريب أن هــذا عنصــر مخفف في القضــية ينبغي ـ اإللكترونيــائلين ــانب الق ة من ج ــ ــه، خاص ــات إلي ــه وااللتف ــاره ومراعات اعتب

بالتحريم سدا للذريعة. ـ إن معالجة مشكالت المجتمع ال تكــون بتحــريم مــا أباحــه9

ــة التشــريع الله وأحله، وال بإيجاب ما لم يأمر به الله، بل إن حكمــوجب، أن يتلطف العلمــاء ــة الصــحيحة ت تقتضــي، وأصــول التربيــوا األمــة تربيــة باألمــة، وأن يأخــذوها بــالرفق ال بالشــدة، وأن يربــذا إسالمية صحيحة في المساجد والمدارس والجامعات. وبمثل ه ـ وفقط ـ يمكن أن يوجد جيل مؤمن حــق اإليمــان؛ إذا ســمع أمــر

الله بادر إلى التنفيذ، وإذا سمع نهي الله بادر إلى االمتناع.ـة االسـتفادة10 مين قـد ألغـوا من تفكـيرهم كيفي ـ إن المحر

من الغناء والموسيقى كأداة لمقارعــة الباطــل على األقــل، فضــال عن إمكانية استخدامها كأداة للتوجيه والتثقيف والتعليم والترفيــه،

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد337هـ1433م ـ 2012

الشيخ أحمد عابديني•

فضــال عن أن التفكــير بمنطــق )درء المفســدة مقــدم على جلب المصلحة(، وهو المنطــق الــذي يشــهرونه في وجوهنــا بال علم والــاء ــام الغن ــكنا بزم ــيرة إذا أمس ــد كث ــا من درء مفاس نن ــه، يمك فق والموسيقى وأتقناها وأحسنا توجيهها واستغاللها. لنبدأ الدعوة عنــدين، ونشــرا لإلســالم بحــد طريــق الفن؛ إعالء لكلمــة الحــق وال

الموسيقى. ـ وأجمل مرادي من هذه المناقشة المطولــة في التــالي:11

خروج كثير من الناس بالغناء والموسيقى عن حــد المبــاح فيهــا الــر من صــنيعهم مــا تجــاوزوا بـه القــدر يبطل أصل حكمها، إنما ينكر الزمان أو سوء االســتعمال المشروع، وال يجوز أن يجعل من تغيبــات ـــ ال تــدخل منا على النــاس طي ذريعة لتحريم المباح، وإال لحر

تحت حصر ـ قد أحلت لهم. وإيقاف الناس على أصل حكم الشرع أبرأ لذمة العــالم وإن وافق هوى عند صاحب شــهوة؛ فــإن اإلثم ال يــأتي من جهــة فعــل

.(546)الحالل )أو المباح(، وإنما من الوقوع في الحرام

ـ يتبع ـ

الهوامش

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد338هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

عقوبة االرتدادمحاولة إلثبات البعد الوالئي

*(*()د. محمد إبراهيم شمس ناتري

*(*()*أ. إبراهيم زارع

تمهيد تتبادر إلى األذهان أحيانا الشبهة القائلة بأن اإلسالم يمنع منــذه ــتي تتعلق به ــات ال ــود بعض اآلي ــة لوج ــدة؛ نتيج ـة العقي ـ حريــة للمصــالح ــرات تابع ــإن التعزي ــاء ف ــال الفقه ــا ق المســألة. وكم والمفاسد، كتأديب الصغير والمجنون وتعزيرهمــا، وإن ذلــك يجــوز مــع المصــلحة، إال أن الحــدود ليســت تابعــة للمصــالح والمفاســد، كشرب الشخص لقطرة من الخمــر. ومن الطــبيعي أن المصــلحة هنا في مقام تنفيذ الحكم، وإال فإن جميع األحكام اإلسالمية ناشئة

من المصالح والمفاسد النفس األمرية. ــة للرســول واألئمــة|ونتبين من خالل دراســة الســيرة العملي

ــع مســألة^المعصــومين ــاملوا م ــاء، أنهم تع ــذلك كالم الفقه ، وكــاع ــة باألوض ــد المتعلق ــالح والمفاس ــاس المص ــداد على أس االرتــة السياسية واالجتماعية والثقافية. وإن مســيرة األحكــام الحكومي

د هذا الــرأي؛ فــإن أمــر الرســول^ واألئمة|في كالم الرسول | تؤي »من بــدل دينــه فــاقتلوه« يــدل على حكم حكــومي، وأن تنفيــذه يكون بيد الحاكم على أساس المصالح ومقتضيات الزمان؛ لغرضــؤامرات ضمان حفظ األصول اإلسالمية، والحيلولة دون تمرير الم

التي تحاك ضد اإلسالم.

ـة وعلم )*(*( ـ ــوق الجزائي ــة الحق ــو لجن ــاعد، وعض ــتاذ مس أسديس قم.پرالجريمة، في جامعة طهران،

طالب في مرحلة الماجستير، فرع الحقوق الجزائية وعلم )**(*(ديس قم.پرالجريمة، في جامعة طهران،

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد339هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

إن االرتــداد مــأخوذ من الجــذر »رد«؛ بمعــنى الرجــوع. قــالــر الجوهري في )صحاح اللغة(: »االرتداد هو الرجوع، والردة بكس

.(547)الراء اسم المصدر منه« إن البحث في أحكام المرتد يعتبر من جملة بحــوث الحقــوق الجزائية في اإلسالم، وهو من البحوث المشهورة في باب الحدود عند فقهاء الشيعة والســنة. وإن تــرك الشــخص للــدين اإلســالمي واعتناقه الكفر هو المقــدار المســلم في تعريــف المرتــد. وبتعبــير أوضح: هو الكفر بعد اإلســالم. علمــا أن اإليمــان هــو األمــر المهم

قالت﴿الذي أشــار إليــه القــرآن الكــريم، كمــا في قولــه تعــالى: ا لمنا ولم األعـراب آمنا قــل لم تؤمنـوا ولكن قولــوا أسـ

(، ولكن؛ بمــا أن49 )الحجــرات: ﴾يدخل اإليمان في قلــوبكم، ال يمكن الحكم باالرتـداد على أساسـه، اإليمان أمر باطني وقلبي بــل من األفضــل األخــذ بنظــر االعتبــار معيــار األعمــال والســلوك الظاهري للبشر. قال العالمة في كتابه )القواعــد(: »هــو يحصــل: إما بالفعل، كالسجود للصنم، وعبادة الشــمس، وإلقــاء المصــحفــا ــدل على االســتهزاء صــريحا؛ وإم ــل فعــل ي ــاذورات، وك في الق بالقول، كاللفظ الدال بصريحه على جحــد مــا علم ثبوتــه من دين اإلسالم ضرورة، أو على اعتقاد ما يحــرم اعتقــاده بالضــرورة من

.(548)، سواء كان القول عنادا أو اعتقادا أو استهزاء«|دين محمد إن موضوع االرتداد من المسائل التي تعد جريمة في األديان المختلفة. وقد ذهب بعض الحقوقــيين إلى أن االرتــداد يعــد جرمــا

.(549)من وجهة نظر جميع األديان ولقــد أقــر أصــحاب الــدين المــزدكي في العصــر الساســانيــة أيضــا. وقــد أشــار دراسة جريمــة االرتــداد في قــوانينهم الجزائي الشاعر اإليراني الفردوسي في بعض أشعاره إلى ذلك، فقال مــا معناه: إن زردشت قــال في كتابــه: من عصــى اللــه، وخــرج على مالــك رقــه وســلطانه، فعظــوه ســنة، فــإن اســتمر على عصــيانه

قوا بين رأسه وجثمانه. ففرــود، وذكرت التوراة أيضا في سفر الخروج مسألة ارتداد اليه

ق إلى قصة النبي موسى عنـدما رجــع من جبـل×من خالل التطرــنعه لهم ــذي ص ــل ال ــدون العج ــرائيل يعب ــني إس ــور، ورأى ب الط السامري، وقد عبــدوه من دون اللــه، وأمــر أبنــاء الوي أن يقتلــوا

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد340هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

جميع من سجد لغير الله، فقتل في ذلك اليوم ثالثة آالف من بني.(550)إسرائيل

إن عمــدة االســتدالل على عقوبــة المرتــد يعتمــد على قــولــة. ونحن في^ واألئمة المعصــومين|رسول الله وســيرتهم العملي

ــذي|هذه المقالة سوف نهتم فقط باالستدالل بحديث الرسول ، الــاديث ـة أحـ ــ ــاقتلوه«؛ ألن بقي ــه فـ ــدل دينـ ــه: »من بـ ــول فيـ يقـ

نــا بيــان داللــة^المعصومين ارتكزت على هذا الحــديث، فــإذا تمك هذا الحديث يكون تفسير بقية األحاديث على أســاس ذلــك أيضــا.

جــاء|ولكن كما هو واضح فإن هــذا الحــديث الــذي ورد عن النــبي هي روايــات^مطلقــا، بينمــا ســائر الروايـات الصــادرة عن األئمة

مقيدة، وقد فرقت بين المرتد الفطري والمرتد الملي، فضــال عند تشــريع حكم ــة كــل منهمــا. وهــذا األمــر يؤي ــق بين عقوب التفري االرتداد أيضــا، كمــا جــاء في هــذه الروايــة: محمــد بن يحــيى، عن

،×العمــركي بن علي، عن علي بن جعفــر، عن أخيــه أبي الحسنــل، وال يســتتاب، قلت: ر؟ قــال: يقت قال: »سألته عن مســلم تنصــ

فنصراني أسلم ثم ارتد؟ قال: يستتاب، فإن رجع، وإال قتل«.ــوهم إن النظرة األولى على األحكام المدونة حــول المرتــد تــة العقيـدة. وهــذا بأن هناك عدم انســجام بين هـذه األحكـام وحري يجعلنا نواجه مشكلة، وال ســيما ونحن نــدعي بــأن اإلســالم يــؤمن لإلنسان حريته في اختيار العقيدة من خالل االســتناد إلى األصــول

.﴾ال إكراه في الدين﴿اإلسالمية المسلمة، مثل: إن األمر يكون طبيعيا إذا بقيت أحكــام المرتــد على خلفيتهــاد تغيير العقيــدة، دون التاريخية. هذا على فرض أن موضوعها مجر تـــدخل عنـــاوين أخـــرى، مثـــل: العنـــاد، والتـــآمر على اإلســـالم والمسلمين. لكننا نجدها اليوم ليست كذلك في ثقافة الرأي العام العالمي وأفكاره، وال سيما بين طالب وخريجي الجامعات، بــل إن هنـاك تناقضـات حــول هــذه المســألة حتى في أذهـان المســلمين والباحثين، بحيث يتبادر إلى أذهـانهم الســؤال التـالي: كيــف يمكنــار ــدة واإلجب لإلسالم أن يكون من المساندين لمسألة فرض العقي

عليها؟! إن البحث الذي بين أيديكم هو محاولة لإلجابة عن السؤالين

التاليين: ما هي حقيقة االرتداد؟ وما هو حكمه؟

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد341هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

إن مــا نطرحــه كفرضــية؛ من أجــل تــأمين الهــدف من هــذا البحث، هو: يتبادر إلى الذهن أن االرتداد، الــذي يعــني الكفــر بعــدــه اإلسالم، يستتبع مجموعة من األحكام السياسية غايتها منع توجيــا على أســاس ضربة إلى الدين. وفي الحقيقة يكون حكما حكوميــون ــا يجب أن تك ــدود. كم ــامال للح ــون ش ــك، وال يمكن أن يك ذل عقوبته تابعة لمصالح ومقتضــيات الزمــان والمكــان، ويتم تنفيــذها

من قبل الحاكم اإلسالمي. وهنا أجد من الالزم في بداية األمر أن أقــوم بمناقشــة آيــاتــريم أم ال؟ القرآن؛ لكي نعلم هل ذكر حكم المرتد في القرآن الكــذا الحكم وإذا كان الجواب باإليجاب فسيكون من المسلم ثبات ه

ودوامه.

االرتداد في القرآن الكريمــداد في ســبع قــة باالرت ــة المتعل ــات القرآني يمكن عــرض اآلي

مجموعات،وهي: ـ اآليات التي أنذرت المرتد بالعذاب والخســران األخــروي:1

ــال فيــه قــل﴿قال تعالى: رام قت هر الحــ يسألونك عن الشجد ــه والمســ قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر بــر من الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكب القتل وال يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إنــافر استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينــه فيمت وهــو كرة وأولئك ــ ــدنيا واآلخـ ــالهم في الـ فأولئك حبطت أعمـ

(.217 )البقرة: ﴾أصحاب النار هم فيها خالدون نزلت هــذه اآليـة بســبب قتــل أحــد الكفــار، وهــو )عمــرو بن الحضرمي(، في األشهر الحرم؛ حيث اشتبهت ســرية بقيــادة عبــدــك ســأل ــر ذل ــرة الشــهر، وعلى أث ــد غ ــه بن جحش في تحدي الل

عن حرمــة األشــهر الحــرم في اإلســالم، فــنزلت|المؤمنون النبي هذه اآلية. وقـد أشــارت ضــمن بيانهــا لحرمــة األشــهر الحــرم إلى

.(551)سلوك المنافقين، وأن فتنتهم أشد من القتل والحبط هو بطالن العمــل وســقوط تــأثيره، ولم ينســب في

. وال يمكن تفسير معنى إحباط األعمــال(552)القرآن إال إلى العمل في الدنيا بإجراء األحكــام وعقوبــة المرتــد، كمــا فعــل ذلــك بعض

. (553)المفسرين ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد342

هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

بناء على ذلك ال يمكن استنباط أي حكم فقهي من هذه اآلية المباركة يفيد بمجازاة المرتد. وإن المالحظة الــتي تنطــوي عليهــا اآلية هي بيان هدف الكفار من الحرب مــع المســلمين؛ لكــونهم ال يرغبون ببقاء الدين، ويودون القضــاء عليــه لــو كــانت لهم القــدرة

على ذلك، وجعل المسلمين يرتدون عن عقائدهم. ل2 ن أن من يبتــغ غــير اإلســالم دينــا لن يتقب ـ اآليات التي تبي

ومن يبتغ غير اإلسالم دينــا فلن﴿منه، كما في قوله تعالى: رين رة من الخاســ )آل عمــران:﴾يقبل منه وهــو في اآلخــ

85.) لقد عد الشيخ الطوسي هذه اآلية في كتابه )المبســوط( من

(554)جملة أدلة إنزال عقوبة القتل بالمرتد ، لكنه لم يقــدم تفســيرا لكيفية داللة هذه اآلية على العقوبة المــذكورة. والتفســير الوحيــد الذي يمكن أن يستنتج من رأيه هو رفض المجتمــع اإلســالمي من وجهة نظر حقوقية للشخص الذي لن يقبل منه غير اإلسالم، وهذاــول مثــل هــذا ــل. لكن ال يمكن قب ــة القت ــاه اســتحقاقه لعقوب معنــذا ــها ه ــؤدي بنفس ــا ال يمكن أن ت ــريفة؛ ألنه ــة الش ــير لآلي التفس المعنى، وال يمكن استنتاج ذلك من خالل اآلية التي قبلها وبعــدها.ر إلى ــ كما أن الشيخ الطوسي نفسه في تفسيره )التبيان( لم يش

ضه لتفسير اآلية مورد البحث . (555)هذا المعنى عند تعرــة قبــول توبــة3 ـــ اآليــات الــتي يمكن االســتفادة منهــا إمكاني

المرتد، علما أن البحث حول توبة المرتد يحتــاج إلى مجــال آخــر،ــد إيمــانهم﴿كقوله تعالى: روا بع كيف يهدي الله قوما كفــ

سول حق وجاءهم البينات والله ال يهدي وشهدوا أن الرــه*القوم الظالمين ــة الل زاؤهم أن عليهم لعن أولئك جــ

ــة والناس أجمعين ف*والمالئكـ ا ال يخف ــ ــدين فيهـ خالـــابوا من بعــد*عنهم العذاب وال هم ينظرون الذين ت إال

حيم ور ر إن اللـه غفـ لحوا فـ ـ86 )آل عمــران: ﴾ذلـك وأصـ89.)

ـ اآليــات الــتي تشــير إلى أن الكفــر إذا كــان بعــد اإليمــان،4ــد ال يمكن أن ــدل على أن المرت ــادة في الكفــر، فهي ت ــه زي وتبعت

ــالى: ــال تع ــك. ق ــد ذل ــه بع ــل توبت ــد﴿تقب روا بع إن الذين كفــــوبتهم وأولئك هم ــل ت را لن تقب إيمانهم ثم ازدادوا كفــ

الون (.90 )آل عمران: ﴾الض

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد343هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم﴿وقال عز وجل: ر لهم وال روا ثم ازدادوا كفــرا لم يكن اللــه ليغفــ كفــ

(.137 )النساء: ﴾ليهديهم سبيالرين، وهــو يتعــرض لتفســير اآليــة من90قــال بعض المفســ

سورة آل عمران: إن عدم قبول التوبة في هذه اآلية؛ ألنها لم تقعالون﴿على وجه اإلخالص، ويدل عليــه قولــه: ﴾وأولئك هم الضــ

(556). كيف يهــدي اللــه﴿وعلى غرار هــذه اآليــات قولــه تعــالى:

ول حــق ســ هدوا أن الر روا بعــد إيمــانهم وشــ قومــا كفــوم الظالمين ــه ال يهــدي القــ ــات والل اءهم البين آل﴾ )وجــ

. (86عمران: ــه اســتحالة ــد االســتبعاد واإلنكــار، والمــراد ب االســتفهام يفي

وم﴿الهدايـــة. وقـــد ختم اآليـــة بقولـــه: ــ ــدي الق ــه ال يه والل . وقد مر في نظــير هــذه الجملــة أن الوصــف مشــعر﴾الظالمين

بالعلية، أي ال يهديهم مع وجود هذا الوصـف فيهم، وذلـك ال ينـافي هدايته لهم على تقدير رجوعهم وتوبتهم منه... وكيــف كــان األمــر

إلى أول الكالم يفيد أن المراد بالكفر﴾وشهدوا﴿فانضمام قوله: هو الكفر بعد ظهور الحق وتمام الحجة، فيكون كفرا عن عناد مع الحق، ولجاج مــع أهلــه، وهــو البغي بغــير الحــق، والظلم الــذي ال

.(557)يهتدي صاحبه إلى النجاة والفالحـة جريـان5 ــ اآليـات الـتي تشـير إلى عـدم المنـع من إمكاني

الكفر على اللسان مع اإلكراه والقلب مطمئن باإليمــان، كمــا فيــره﴿قوله تعــالى: من أك من كفر باللــه من بعــد إيمانــه إال

درا رح بــالكفر صــ وقلبــه مطمئن باإليمـان ولكن من شـن اللـــه ولهم عـــذاب عظيم ب م ــل:﴾فعليهم غضـــ )النحـ

(. وقــد نــزلت هــذه اآليــة الشــريفة في حــق ياســر، وعمــار،106ـاب، وســـالم، الــذين كـــانوا يعــذبون على أيــدي ـ وصــهيب، وخبمة، حيث استشهد ياسر وســمية، وبقي المشركين في مكة المكر اآلخرون يعانون من التعذيب الشـديد، وعنـدما فقــد عمـار طاقتـه

ــبي ــات المشــركين بســب الن ــل لرغب ومــدح|على التحمل، وامتثـه|آلهتهم، أخبر النبي بأن عمار قد كفـر، فقـال النـبي: حاشـاه، إن

مفعم باإليمان من رأسه إلى أخمص قدمــه، وقــد اختلــط اإليمــانر عمــار من قيــود المشــركين وجــاء إلى بدمه ولحمه. وعندما تحر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد344هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

: كيــف تجــد قلبــك وأنت|، وقص عليه ما حدث، سأله النبي|النبيــا باإليمــان، فقــال تباريهم في بعض ما أرادوا؟ فقال: كنت مطمئن

|النبي ن(558): فإن عادوا فعد . فإن المالحظ هو أن هذه اآلية لم تبيأي حكم فقهي بخصوص المرتد.

إن الذين﴿ـ اآليات التي تعرضت للعلل التكوينية لالرتداد: 6ــدى ــا تبين لهم الهـ ــد مـ ــارهم من بعـ ــدوا على أدبـ ارتـ

يطان سول لهم وأملى لهم (.25 )محمد: ﴾الش لقد تعرضت هــذه اآليــة المباركــة لبيــان الــدوافع الشــيطانية للمرتدين؛ حيث إن المصــالح والرغبــات واألمــاني الشــيطانية هي الســبب في ارتــدادهم عن الــدين، ال أنهم ارتــدوا على أســاســة اإلســالم، االستدالل والمنطق، بالرغم من أنهم قــد عرفــوا أحقي

ق هذه اآلية إلى أي حكم صادر بحقهم. ولم تتطرــه تعــالى: د﴿وكــذلك قول الوا ولقــ ــه مــا قــ يحلفون بالل

المهم وهموا بمــا لم قالوا كلمة الكفر وكفروا بعــد إســله وله من فضــ أن أغناهم الله ورســ ينالوا وما نقموا إال

.(74التوبة: ﴾ )فإن يتوبوا يك خيرا لهمــا: يمكن لنا أن نستنتج من هذه اآلية عدة مسائل، من جملتهح بأن هذه األعمال وهــذا الســلوك ال أنها تشير إلى االرتداد، وتصرر على المجتمع، بل يزيد من روحية المسلمين. كما تشــير إلى يؤث أن طريق عودة هؤالء إلى المجتمــع اإلســالمي مفتــوح، وإذا تــابوا

فإن الله يتوب عليهم.ــالكفر&لقد أوضح العالمة الطباطبائي ــة تتعلق ب أن هذه اآلي

.(559)بعد اإلسالم )االرتداد(ن أن االرتــداد ال يلحــق أي7 ـ اآليات التي تذم االرتــداد، وتــبي

ن بقدرتـه أن يبـدل هــؤالء الجاحــدين ضرر بالله تعـالى، وهـو يتمكــا في هم ويحبونه من المؤمنين المخلصين الطاهرين، كم بقوم يحب

يا أيها الذين آمنــوا من يرتــد منكم عن دينــه﴿قوله تعالى: وم يحبهم ويحبونــه أذلة على وف يــأتي اللــه بقــ فســة على الكافرين يجاهدون في سبيل اللــه المؤمنين أعزاء ــه يؤتيــه من يشــ ل الل وال يخافون لومة الئم ذلك فضــ

(.54 )المائدة: ﴾والله واسع عليم إن هــذه اآليــة المباركــة هي مواســاة للمؤمــنين، وتقويــة لمعنوياتهم؛ لئال يحبــط عــزائمهم ارتــداد مجموعــة من المســلمين

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد345هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

ــدين، وبينت أن ــت إلى ذم المرتـ ــا تعرضـ ــا أنهـ ــرافهم. كمـ وانحـارتدادهم ال يلحق أي ضرر بدين الله.

من سورة177 و144وهذا المعنى هو المستفاد من اآليات آل عمران أيضا.

يستشف من مجموع هذه اآليات عـدم وجــود أي حكم فقهيـا، بـل إن هـذه اآليـات في خصوص معاقبـة المرتـدين عقابـا دنيوي اهتمت بالعذاب األخروي فقط. وكذلك نستنتج ذلك من خالل اآلية

من سورة التوبة التي سنتعرض لها خالل البحث.66ـه؛ نت للمرتـد فإن وحتى لو افترضـنا أن هنـاك عقوبـة قـد تعي لكون هذه العقوبة ال يتم تنفيذها بالتساوي، بــل توجــد اســتثناءات في هذه المسألة، يمكن لنا أن نعتبر االحتمال األقوى منصــبا على أن حكم االرتداد هو حكم حكومي تابع لمقتضيات الزمان والمكان

والمصالح والمفاسد.

الحكم الحكومي، الحقيقة والتعريفــاذج في البداية البد من تعريف الحكم الحكومي، ثم نذكر نم

.^من األحكام الحكومية الصادرة من المعصومين لبيــان الحكم الحكــومي فقــال:&تعرض العالمة الطباطبائي

ــام ــرارات واألحك ــلة من الق ــذ سلس خ ــر أن يت ــولي األم »يمكن ل الثابتة، ويعتمد على هــذه األحكــام الثابتــة في اســتيعاب المصــالحــذه ــة. وه رات الطارئ ــاص المتغي ــع وامتص ــددة في المجتم المتج القرارات واجبة التنفيذ عنــدما تصــدر من مركــز الواليــة، لكنهــا ال تكون جزءا من الشريعة السماوية الثابتة، بــل هي قابلــة للتغيــير، وهي تابعة في ثباتها وبقائها للمصلحة، وهي تغطي حاجة المجتمع اإلنساني، وتسير نحو التغيـير والتطـور؛ ألنهـا مرتبطـة بحيـاة هـذا المجتمع، ومن الطبيعي أن هذه القــرارات ســتتبدل بالتــدريج إلى األفضل، أمــا النــوع الثــاني المنــوط بــدائرة الواليــة والمنبثــق عنرة الــتي تتبــع المصــالح المتبدلــة في صالحياتها فهو األحكام المتغي المجتمع بحسب الزمان والمكــان، باعتبارهــا آثــارا للواليــة العامــة

وخلفائــه والمنصــوبين من قبلــه، الــتي يتم|المنوطة بــرأي النــبي تحديدها ويتم تنفيذها على ضوء القرارات الدينية الثابتة، وبحســب مــا يقتضــيه الزمــان والمكــان. وال تعتــبر هــذه القــرارات بحســب

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد346هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

االصطالح الديني أحكاما وشــرائع ســماوية، وال يطلــق عليهــا أنهــا.(560)دين«

إلى ثالثة أقسام، وهي:|تنقسم األحكام الصادرة عن النبي مــأمورا بتبليــغ األمــور|ـــ األحكــام الــتي يكــون فيهــا النــبي1

الصادرة من الله تعالى، مثل: وجوب الصالة. بعنوانــه قاضــيا، وبعنــوان|ـ األحكام التي تصــدر من النــبي2

ــة شــخص ة، مثــل: الحكم بمالكي حكم قضائي متعلق بقضية خاصــلشيء في قضية متخاصم عليها.

بعنوانــه قائــدا، وهي|ـ األحكــام الــتي يصــدرها رســول الله3 ناشئة عن صالحياته في الوالية وقيادته للمجتمع، مثل: صدور أمر

.(561)في كيفية جمع الضرائب ومن نماذج األحكام الحكومية التي يمكن االستشهاد بهــا هنــا

ــة.|هو نهي رسول الله بعد فتح خيبر عن أكل لحــوم الحمــر األهلين اإلمام الباقر سبب ذلــك بقولــه: »وإنمــا نهى عن أكلهــا×وقد بي

في ذلك الوقت؛ ألنها كـانت حمولـة النـاس ــ وفي روايـة أخــرى: ، أي للمحافظـــة على نســـل تلـــك(562)إبقـــاء على الـــدواب ـ«الحيوانات من االنقراض. في موضــع آخــر: »من قتــل قــتيال فلــه|وقــد قــال الرســول

في(565) والعالمــة الحلي(564). ويــرى الشــيخ الطوســي(563)سلبه« هذا الحديث حكما حكوميا، ويرجح الشهيد األول هذا الرأي بقوله:ة بهــا؛ وألن »إن هذا األمر صــادر في بعض الحــروب، فهي مختصــ

﴿األصل في الغنيمة أن تكون للغــانمين؛ لقولــه تعــالى: واعلمــواــذي سول ول أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللر

اكين... ربى واليتــامى والمســ (. فخــروج41 )األنفــال: ﴾القــــه كــان يـؤدي إلى حرصــهم على السلب منه ينـافي ظاهرهـا؛ وألنــه ربمــا قتل ذي السلب دون غيره، فيختــل نظــام المجاهــدة، وألن

. (566)أفسد اإلخالص المقصود من الجهاد« جعــل الزكــاة على الخيــل في مرحلــة×كما أن اإلمــام علي

من مراحــل حكومتــه؛ من أجــل تـأمين مــا ينقص من بيت المــال. في هــذا الصــدد قولهمــا:’وقد روي عن اإلمامين الباقر والصــادق

ــرس×»وضع أمير المؤمنين على الخيل العتاق الراعية في كل ف . واحتمــل(567)في كل عام دينارين، وجعــل على الــبراذين دينــارا«

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد347هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

بعض الفقهاء أن أساس مــوارد ومقــادير الزكــاة تابعــة لــرأي ولي.(568)األمر، ومرتبطة بتحول أوضاع الزمان والمكان

في موضع آخر: »من أحيا أرضا ميتة فهي|وقال رسول اللهــه« ــ ــيخ الطوسي(569)ل ــ ــذهب الش ــ (571) والمحقق الحلي(570). وي

إلى أن هــذه(573) وجملة من الفقهــاء اآلخــرين(572)والعالمة الحليــبي ــة تــدل على الحكم الحكــومي، وأن الن أجــاز ذلــك من|الرواي

منطلق كونه قائدا للمجتمع. خصائص الحكم الحكومي

من أجل تحديد الحدود الزمانية لحكم ما على أساس مصالحــة ذلــك الحكم، علينــا االلتفــات إلى الزمان ومقتضــياته، أو عمومي

:(574)النقاط التاليةــات واألصــول1 ـــ مقــدار انطبــاق ذلــك الحكم على العمومي

األولية الموجودة في الكتاب والسنة.قــة بــأجواء2 ة المتعل ـ مــوارد ذلــك الحكم والشــروط الخاصــ

صدور الحكم.بة على الحكم.3 ـ المصالح والمفاسد المترت

يمكن لنا دراسة هــذه النقــاط الثالث من خالل عرضــها على : »من قتــل قــتيال فلــه ســلبه«؛ ألن هــذا الحــديث|حديث الرسول

ــهيد األول يتعارض مع ظاهر اآلية القرآنية، وكما جاء في كالم الش إذا سلمنا بأن هــذا الحكم هــو حكم ثــابت ينجم عن ذلــك مفاســد، من جملتها: اختالل نظــام المجاهــدة، وإفســاد االخالص المقصــود

من الجهاد. لذا يكون الحكم حكوميا على أساس هذا المصداق.

مقدار انطباق حكم االرتداد مع آيات القرآن الكريمــدود؛ إذ لم تذكر عقوبة االرتداد في القرآن، بخالف سائر الح إن تصريح القرآن بالحكم وتحديده للعقوبــة يلــزم أن يكــون ثبــات تلك العقوبة أو الحكم ودوامهما من المسلمات. وبالنظر إلى عدم وجود حكم المرتد في القرآن ينبغي لنا أن ننظر مــا إذا كــان هــذا

؟|الحكم قد صدر من قبل النبيـذكر في الكتب|روى أهـــل الســـنة عن النـــبي ــ حـــديثا لم ي

الروائية المعتبرة للشيعة، وإن ذكر كونــه مرســال في بعض الكتب ، واســتند إليــه(575)الشيعية الفقهية، مثل: سلسلة الينــابيع الفقهية

ــا(576)فقهاء الشيعة في كتبهم، وهو: »من بدل دينه فاقتلوه« . وهن

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد348هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

علينا دراسة هذا الحديث؛ لنرى هــل أن هــذا الحكم قــد صــدر عنــة الــتي قــام|النبي بوصفه حكما حكوميا أم أنه من الحــدود اإللهين في المرحلة األولى أن|النبي بإبالغها وتنفيذها فقط؟ إذا لقد تبي

حكم قتل المرتد ال يتطابق مع آيات القرآن الكريم.

أجواء صدور حكم قتل المرتد وهنا يجب القول بأن االرتداد في صــدر اإلســالم كــان يتحقق من خالل الرجوع عن الدين، فيصبح الشــخص المســلم ـــ بعــد أنــا، ولم يكن االرتــداد يعتنق اإلسالم ـــ مشــركا أو مســيحيا أو يهودي الفكري مطروحا في ذلك الزمــان، بــل إن حــاالت االرتــداد كــانتــة، كــأن يرتــد غالبا ما تقترن ببواعث سياسية أو اقتصادية أو قومي رئيس القبيلة عن اإلسالم، فيتبعه بقية أفراد القبيلة بــالخروج من اإلسالم، أو يكون للرجــوع عن الــدين جنبــة سياســية بحتــة؛ إذ لم يكن ارتداد الشخص عن دينه يحصل في ظروف عادية، وعلى أثرر الشخصي. وفي ذات الوقت بروز شك أو شبهة أو على أثر التدب كــان القــرآن الكــريم يحــذر المســلمين من أن الكفــار يواصــلون

وال يزالــون﴿القتـــال بهـــدف ردهم عن دينهم، يقـــول تعـــالى: تطاعوا... اتلونكم حتى يــردوكم عن دينكم إن اســ ﴾يقــ

ــار يــدفعون بمجموعــة للتظــاهر217)البقــرة: (، فقــد كــان الكفــل أن ــر؛ من أج ــون منهم إعالن الكف ــالم، ثم يطلب ــاق اإلس باعتنــدون عن دينهم، قــال ــوهم يرت ــوا إيمــان المســلمين، ويجعل يزلزل

ــزل﴿تعالى: ن أهل الكتاب آمنوا بالذي أن وقالت طائفة مره لعلهم ــ روا آخ ــ ار واكف ــ ه النه ــ ــوا وج على الذين آمن

(.72 )آل عمران: ﴾يرجعونــبي كــانت|وبالنظر إلى أن الحكومة اإلسالمية في زمــان الن

ــد آنــذاك انفصــاال عن في طــور التأســيس فــإن االرتــداد كــان يعــرآن الكــريم الحكومة اإلسالمية، وتعاهدا مع الكفار. وقد صور الق

ر العالمة الطباطبائي ، بأنهم جعلــوا أمــر اللــه&المنافقين، كما يعب . ومن كان يتواطأ على اإلسالم بهذه الصورة(577)ملعبة يلعبون بها

ــالى: ــال تع ــه، ق ــل من ــان حقيقي ليقب إن﴿لم يكن يثبت على إيمروا ثم ازدادوا ــوا ثم كفــ روا ثم آمن ــوا ثم كفــ الذين آمنبيال ديهم ســـ ر لهم وال ليهـــ را لم يكن اللـــه ليغفـــ ﴾كفـــ

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد349هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

(. باإلضافة إلى أن المرتدين في صدر اإلسالم كانوا137)النساء: ــة الرســول ، وفهمــوا قــول الحــق، لكنهم|من الذين شــهدوا بأحقي

ــدوا عن اإلســالم بســبب مصــالحهم الشخصــية، قــال تعــالى: ارتهدوا أن﴿ كيف يهدي الله قوما كفروا بعــد إيمــانهم وشــ

وم ــه ال يهــدي القــ ــات والل اءهم البين ول حــق وجــ ســ الرــواهد في86 )آل عمران: ﴾الظالمين... (. إذا في ضوء هذه الش

ضح أن حاالت االرتداد بدون المحددات المذكورة القرآن الكريم يت كانت قليلة وغير معتنى به، مما جعــل القــرآن الكــريم ال يتعــرض

لذكرها.

المصالح والمفاسد المترتبة على الحكمــد ــالح والمفاس ــة للمص ــام تابع ــالمية أحك ــام اإلس إن األحكر الحكم مع فقدان مصــلحته أو الخاصة بمتعلق الحكم، بحيث يتغي

أن^إحراز تغييرها. ويمكن لنا أن نالحــظ في ســيرة المعصــومين حاكم الشرع يستطيع أن يتجاوز عن عقوبــة شــخص على أســاســات موضــوعه فمن المصلحة. وبما أن ثبات الحكم يتوقف على ثبر موضوعه على أساس ر حكم موضوع عندما يتغي الممكن أن يتغي األوضاع المختلفة. واالرتداد من جملة هذه المواضيع؛ فهو ينقسم إلى عدة أقسام، بحسب األوضاع الثقافية واالجتماعية والسياسية

المختلفة: ـ يكون لالرتداد أحيانا بعــد شخصــي؛ وأحيانــا أخــرى يتحقق1

بشكل جماعي، حيث ترتد مجموعة تبعا ألحد األشخاص المرتدين. ـ يكون لالرتداد أحيانا جذور فكرية، نتيجــة لطــروء شــك أو2

ــارات السياسـية، شبهة، أو تدبر في األمر؛ وأخرى ينشأ نتيجــة للتيويتبلور على شكل مؤامرة.

ـ قد يحدث االرتداد في عهد تأســيس الحكومــة اإلســالمية؛3وقد يحدث في زمان تثبيتها.

ــــ قـــد ينتفض الشـــخص المرتـــد من خالل ارتـــداده على4الحكومة اإلسالمية؛ وقد يبقى ثابتا على ميثاقه معها.

ـ قــد يكــون لالرتــداد جــذور ممتــدة لفتنــة أعــداء اإلســالم،5 ويكون توجيهه من قبــل األعــداء والمعانــدين في الخــارج؛ وأحيانــا

يكون منشؤه المؤامرات الداخلية البحتة.ـة، يجب مع وجود هذه االختالفات، وعلى ضوء األصول العقليــذا األصــل ــاب. وه ــة والعق ــاك تناســبا بين الجريم ــول: إن هن الق

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد350هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

ة بـاألنواع يستوجب وجود نـوع من المرونـة بين العقوبـات الخاصـــع|المختلفة لالرتداد، وعدم إمكانية انطباق حديث النبي على جمي

هذه األنواع. وإذا كــان لتــأمين مصــالح المجتمــع اإلســالمي طــرق مختلفة بحسب األوضاع الفكرية واالجتماعية والسياسية المختلفة فمن الالزم أن يتعامل معها الحاكم اإلســالمي بحســب صــالحياته،

بحيث يحدد عقوبة المرتد على أساس األوضاع المختلفة. قال المحقق الحلي: »المصلحة هي مــا يوافــق اإلنســان في مقاصده لدنياه أو آلخرته أو لهما، وحاصله تحصيل منفعــة أو دفــع

. وفي صـدد هـذه المصـلحة قـالوا: »إن حكم اإلسـالم(578)ضـرر« با على المنافقين ـ وإن لم يكونوا مؤمــنين ـــ؛ اســتدراجا كان مترتر المجتمع منهم، ويزداد عدد لهم ومصلحة للمؤمنين؛ لكي ال يتضر

. (579)المسلمين، ال لكونهم مسلمين حقا« يمكن لنا مالحظة النموذج البارز للمصــلحة من خالل ســلوك

ــادل،×اإلمام علي مع »البغاة«؛ باعتبارهم خرجوا على اإلمام الع فتح×وأصبحوا نموذجا بارزا للمرتــد، لكن اإلمــام أمــير المؤمــنين

لهم أبــواب التوبــة، وقبــل تــوبتهم، دون أن يســأل عن كــونهمــة المجلســي: ــال العالم ــذا الصــدد ق ــارا. وفي ه مســلمين أو كف

الظاهر قبول توبته عند الله تبارك وتعالى، وصحة عباداته بعدها،» كما تقــدم من قبــول توبـة الخـوارج، مـع كــونهم من أشـد الكفـار

ـ عن أحــوالهم من×وأنجسهم، وعدم استفصاله ـ أي اإلمام عليــا الفطرة والملة ـ. وربما يقال: إن أمر بدو اإلسالم كان مغايرا لم بعده؛ لكونهم حــديثي عهــد باإلســالم، ولــو كــان يعمــل معهم هــذا

.(580)«العمل لما كان بقي من أهل الدنيا أحدــار مرتــدون عن و ذهب صــاحب الجــواهر إلى أن البغــاة كف

ة، كمــا وقــع من أمــير فطــرة، وقبــل القــول بقبــول تــوبتهم خاصــ.(581) معهم؛ ولعله لكون الشبهة عذرا في حقهم×المؤمنين

ــدرء ــورد شــمول قاعــدة ال ــرأي في م ــداء ال ــا إب ال يمكن لنــا ــبهات. أم ــدود بالش ــورد درء الح ح في م ر ــا صــ ــرات، كم للتعزي

األصل في قاعــدة درء»عبدالقادر عودة فقد قال في هذا الصدد: الحدود بالشبهات أنها وضعت لجرائم الحــدود، لكن ليس ثمــة مــاــعت ــدة وض ــر؛ ألن القاع ــرائم التعزي ــا على ج ــع من تطبيقه يمنهم في حاجــة همين، وكــل مت لتحقيق العدالة، ولضــمان صــالح المتهمــا في جريمــة من جــرائم لتوفير هذين االعتبارين، سواء كان مت

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد351هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•رة في ــر ــة المق ــادئ العام ــر. وإن المب ــرائم التعزي ــدود أو ج الح الشريعة أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبــة. وأصــل هذا المبدأ قــول الرســول عليــه الصــالة والســالم: »إن اإلمــام أن

ومعــنى.(582)يخطئ في العفــو خــير من أن يخطئ في العقوبــة«ت من أن ــد التثب ــة إال بع ــح الحكم بالعقوب ـه ال يص ـ ــدأ أن ــذا المب هم منطبق على الجريمة، الجاني ارتكب الجريمة، وأن النص المحر فإذا كان ثمة شك في أن الجاني ارتكب الجريمـة، أو في انطبـاقم على الفعــل المنســوب للجــاني، وجب العفــو عن النص المحــر الجاني، أي الحكم ببراءته؛ ألن براءة المجرم في حال الشك خيرــع ــبريء م ــاب ال ــة، من عق ــق العدال ــة، وأدعى إلى تحقي للجماع

.(583)«الشك وأمــا البغــاة»كما قال الشهيد الثــاني في مــا يتعلق بالبغــاة:

فإنهم عندنا كفار مرتــدون، فــإن بــدؤوا فــالواجب محــاربتهم، وإنــرة. وإذا اقتضــت كفوا وجب بحسب المكنة، وأقله في كل عام مــأذن المصلحة مهادنتهم جاز، لكن ال يتولى ذلك إال اإلمام، أو من ي له اإلمام، يطلب نقلهم إلى اإلســالم مــع اإلمكــان. فــإن قيــل: إذا كانوا مرتدين فارتدادهم فطري، فكيف يطلب إسالمهم، مع أنه ال

×يقبل توبة هذا القسم من المرتدين عنـدنا؟ قلنــا: قـد قبــل علي توبة من تاب من الخوارج، وهو أكثرهم. وهــذا يــدل على أن لهــذا النوع من المرتدين حكما خاصا. وجاز أن يكون السبب ـ مع النص

ن الشبهة من قلوبهم .(584)«ـ تمك عند فتح مكة العفو العــام، واعتــبر ســتة|وكذلك أعلن النبي

أشــخاص ممن يســتحق القتــل، من بينهم: عكرمــة، الــذي أســلم فعفي عنه، إال عبدالله بن سعد، الذي أنكر الكتاب والوحي، وارتدــول ــه الرس ــد حكم علي ــركين، فق ــق بالمش ــالم، والتح |عن اإلس

بالقتل، لكن بما أن عثمان ـ الذي كــان أخــاه بالرضــاعة ــ أتى بـه ، بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة، واستأمن لــه، عفــا|رسول الله

.(585) بالرغم مما يبطن من كفر؛ وذلك للمصلحة|عنه الرسول

األصول القرآنية المتعلقة ببحث االرتداد يوجـــد في الميـــدان المتعلق ببحث االرتـــداد في القـــرآن مجموعة من األصــول، البــد من االلتفــات إليهــا عنــد دراســة حكم

المرتد، وهي:ــرآن الكــريم فيـ نفي اإلكراه في الــدين1 : صــرح الق

آيــات متعــددة بعــدم جــواز اإلكــراه في مجــال العقيــدة واإليمــان. ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد352

هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

ويمكن جعل هذا األصل من األصــول األساســية في القــرآن. قــالــالى: د من الغي﴿تع شــ ــراه في الــدين قــد تبين الر ﴾ال إكــة أخــرى: 256)البقرة: اء ربك آلمن﴿(. كما جاء في آي ولو شــ

ــره الناس حتى أنت تك ــ من في األرض كلهم جميعــا أف(.99 )يونس: ﴾يكونوا مؤمنين

ــة ــزول اآلي ــاء في شــأن ن ــد ج ــرة:256وق من ســورة البق »نزلت في رجل من األنصار يكنى أبا الحصين، وكــان لــه ولــدان، فقدم تجار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الرجوعــا أبي الحصــين، فــدعوهما إلى النصــرانية، ــاهم ابن ــة أت من المدين

فقال:|فتنصرا، وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول الله فقــال﴾،ال إكراه في الـدين﴿اطلبهما، فــأنزل اللــه عــز وجــل:

.(586): أبعدهما الله، هما أول من كفر«|رسول الله : »بعدما بينا أن أمر المشــية إلى&وقال العالمة الطباطبائي

ــة، الله، وهو لم يشأ إيمان جميع الناس، فال يؤمنون باختيارهم البت لم يبق لك إال أن تكره النــاس وتجــبرهم على اإليمــان، وأنــا أنكــرــذا ذلك عليك، فال أنت تقدر على ذلك، وال أنا أقبل اإليمان الذي ه

.(587)نعته«ــه تعــالى مــا بــنى أمــر وقال الفخر الرازي في تفســيره: »إنــار؛ إذ ن واالختي اإليمان على اإلجبار والقسر، وإنما بناه على التمك في القهــــــر واإلكــــــراه على الــــــدين بطالن معــــــنى االبتالء

.(588)واالمتحان«ــة فقــال:&كما أن اإلمام الخميني تطــرق إلى مســألة الحري

ــار ــرار في إظه ــه أح ــاس في ــالم، والن ــة في اإلس »...الديمقراطي عقائدهم أيضا، طالما لم يتآمروا على النظام، ولم يبرزوا القضــايا

.(589)التي تضلل الشباب اإليراني«ــني ــام الخمي ــة&يمكن أن نســتنتج من كالم اإلم ــذا إمكاني ه

إصدار حكم االرتداد في حالة تشخيص المؤامرة. وكذلك باإلمكان أن نحصل على هذه النتيجة من خالل السيرة العملية له. وهذا ما

سنشير له في البحوث القادمة. على ضوء هاتين اآليتين نعلم أنه ال يوجد أي إكراه في قبــول

من اآليات المحكمات في﴾ال إكراه في الدين﴿الدين، وإن آية: .(590)القرآن الكريم، لم تنسخ، ولم تخصص

: يوجد أصل آخر في القرآنـ احترام النفس اإلنسانية2 الكريم، وهـو التأكيـد على احـترام النفس اإلنســانية، بحيث اعتـبر

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد353هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•ــلالقرآن الكريم قتل إنسان واحد في غير مورد القصاص ، أو ألج

من قتل نفسا﴿الفساد، يضاهي قتل الناس جميعا، قال تعالى: اد في األرض فكأنمــا قتــل الناس بغيــر نفس أو فســ

(. وبعبــارة أخــرى: إن القــرآن الكــريم يقــر32 )المائــدة: ﴾جميعا القتل إذا كان من أجل القصاص من القاتل أو اإلفساد في األرضــه ر عقيدت ــه غي د أن فكيف يمكن القول بوجوب قتل الشخص لمجر دون أن يورد أي خلل في المجتمــع، أو يحــدث أي نــوع من أنــواع الفساد؟! على هذا األساس يمكن االستدالل من خالل هــذه اآليــةــة ــد في الحال ــل على المرت ــوب الحكم بالقت ــول بوج على أن القــات ــير فســادا في األرض، يكــون مخالفــا لآلي ــة، دون أن يث العاديــال ــائزا في ح القرآنية. وال شك أن إنزال العقوبة بالمرتد يكون ج أفســد في األرض أو شــن على المســلمين الحــرب، لكن ال يمكن اعتبار الشخص الذي ال يقوم إال بتغيير عقيدتــه مصــداقا للمفســد،

ومعاقبته على ذلك. : األصــل ليس وكيال على إيمـان النـاس|ـ الرسـول3

|اآلخــر الموجــود في القــرآن الكــريم هــو أن الرســول ليس وكيالــالرغم من أن ــدهم. وب ــا على عقائ ــاس، وال مهيمن على إيمــان الن

ــبي ــادة الن ق إلى ذلك ال تتنافى مــع قي |داللة اآليات التي تتطر ، إالأن إيمان الناس وعقائدهم هي أمور خارج ميدان صالحياته.

ــا أنت عليهم بجبار﴿قــال تعــالى: (، وقــال45 )ق: ﴾وم ومــا جعلنــاك عليهم حفيظــا ومــا أنت عليهم﴿تعـــالى: ــام: ﴾بوكيـــل ــ ــالى: 107 )األنع ــ ــال تع ــ ت عليهم﴿(، وق لســـ (. وفي صــدد هــذه اآليــة المباركــة قــال22 )الغاشية: ﴾بمسيطر

بيان أن وظيفته ـ وهو رســول ـــ التــذكرة»: &العالمة الطباطبائي كمــا جــاء. (591)«رجاء أن يستجيبوا ويؤمنوا من غير إكــراه وإلجــاء

ول﴿ من سورة الزمر أيضا: 18في اآلية ــ الذين يستمعون الق . وإن تشخيص واختيار القول األحسـن يصـدق﴾فيتبعون أحسنه

عندما تكون هناك آراء مختلفة، وإال لما كان التباع القول األحســنــذكير، وال|مفهوم. وعلى هذا األساس فإن رسول الله مــأمور بالت

ينبغي له إكراه الناس وإجبارهم على قبول الدين.ــق4 ــاس المنطـ ــاظرة على أسـ ــوار والمنـ ــ الحـ ــ

ــالى: واالســتدالل ــال تع بيل ربك بالحكمــة﴿: ق ادع إلى ســن إن ربك ــالتي هي أحســ والموعظة الحسنة وجادلهم بــدين بيله وهــو أعلم بالمهت ل عن ســ ﴾هــو أعلم بمن ضــ

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد354هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

ــة التعامــل مــع125)النحل: (. وتشير هذه اآلية المباركة إلى كيفيــيرة الكفار، وكيفية دعوتهم إلى اإلسالم في أجواء سليمة، وإن س

في التعامـــل مـــع الكفـــار^ واألئمـــة المعصـــومين|رســـول اللهــة الــرأي. فقــد كــان بعض ومخالفيهم تدل على أنهم يؤمنون بحريــدهم األشخاص، مثل: ابن أبي العوجاء، والديصاني، يظهرون عقائ

، ومع ذلــك|المشوبة بالكفر حتى في بيت الله، وفي مسجد النبيكان المسلمون مكلفون بأن يجادلوهم بالتي هي أحسن.

ــق، ال التقليد5 ــاليقين والتحقي ــام ب ــ االهتم ــالـ : قــع﴿تعالى: ــل نتب وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا ب

يطان يــدعوهم إلى ما وجدنا عليه آباءنا أولــو كــان الشــعير (. إذا من هذه اآلية، التي جاءت من21 )لقمان: ﴾عذاب الس

أجل ذم التقليد األعمى للسلف، يعلم أن اتباع دين الله يصدق معه إلى﴿التمسك بالعروة الوثقى، قال تعالى: لم وجهــ ومن يســ

ك بـالعروة الــوثقى وإلى الله وهو محسن فقد استمســ(.22 )لقمان: ﴾الله عاقبة األمور

ــق ــا اإلســالم للبحث والتحقي ــتي أواله ــة ال ــدار األهمي إن مق جعلتنا ال نتمكن من قبول األصول على أســاس التقليــد، بــل يجب أن نتحرى أقصى الدقة في قبول أصول الــدين، وال يجــوز التقليــدــة فيها. لكن إذا اختار الشخص أصال بعــد البحث والتحقيــق والحري التامــة يجب أن يلــتزم بلوازمــه. إذا فهــذه اآليــة نــزلت حــول األشخاص الذين يجادلون ويظهرون العداء بال علم بالله وتوحيــده، وإن سبب مذمتهم هو األعمال التي يقومون بها على ضوء التقليد

.(592)األعمىد على أســاس ذلــك يجب القــول: إن االرتــداد إذا كــان مجــر تغيير عقيدة، ولم يكن مصداقا لإلفساد في األرض، فسوف يكون على ضوء هذه األصول خارجــا عن شــمول حكم القتــل وصــالحية ولي أمر المسلمين. وإن حفظ هذه األصول يقتضي أن يكون أمرــا. ومن أجــل عــدم منــع »من بــدل دينــه فــاقتلوه« حكمــا حكومي |الطعن في هــذه األصــول يجب القــول: إن تنفيــذ أمــر الرســول

يكون من باب صالحياته القيادية.عقوبة المرتد، حكم حكومي

الروايات ورأي الفقهاء

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد355هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•ــادة في الفقــه الشــيعي ــد بحســب الع ــرح أحكــام المرت تط المعاصر تحت عنوان حد المرتد. وإن الفقهــاء المعاصــرين يــرون أن االرتداد يستوجب حدا، ولكن في النصوص الفقهية القديمة لمــر يكن هذا التعبير رائجا، وقد كان فقهاء السلف القريبين من عص

ــيخ^األئمة ــ ــذكر الش ــ ـة. فمثال: ال ي ــ ـ ــوص الروائي ــ دين بالنص مقي ،(594)، والشــيخ المفيــد في )المقنعــة((593)الطوســي في )المقنــع(

حدا للمرتد، على الرغم من أنهم يطرحــون حــد الســرقة، والزنــا، وشرب الخمــر، والقــذف، في بــاب الحــدود. كمــا أن الحلــبي في

ــذلك الشــيخ(595))الكافي( ال يذكر أحكام المرتد ضمن الحدود . وكــورد ــد في مـ ــير الحـ ــتخدم تعبـ ــة( ال يسـ ــي في )النهايـ الطوسـ

. والمحقق الحلي في )شرائع اإلسالم( هو أكثر الفقهاء(596)المرتد تصريحا بأن عقوبة المرتد التعزير، واعتبرها خارج دائــرة الحــدود، فقد قال: »كل ما له عقوبة مقدرة يسمى حــدا؛ ومــا ليس كــذلك يسمى تعزيرا. وأســباب األول ســتة: الزنــا، ومــا يتبعــه؛ والقــذف؛ وشرب الخمر؛ والسرقة؛ وقطع الطريــق. والثــاني أربعــة: البغي؛

.(597)والردة؛ وإتيان البهيمة؛ وارتكاب ما سوى ذلك من المحارم« كما ذهب الميرزا التبريزي إلى ذلك أيضــا في كتابــه )أســســرات ــاب األول من التعزيـ ص البـ ــ ــرات(، وخصـ ــدود والتعزيـ الحـ

. (598)لالرتدادــا، واعتبر أحد الفقهــاء المعاصــرين حكم االرتــداد حكمــا والئي وأصر على إثبات ذلك، واعتبر أوضاع الزمان والمكــان دخيلــة في ــا إجرائــه، حيث قــال: »قــد يكــون حكم قتــل المرتــد حكمــا والئي

،(599)وحكوميا، البد من رعاية أوضاع الزمان والمكان في إجرائه«ــكل؛ ألن يقين ــداد مش ــات االرت ــر: »إن إثب ــع آخ ــال في موض وقــة ــار في ماهي الشخص بأحقية ما نسب للمرتد قد أخذ بعين االعتبــهودة، وال ن من األمور النفسانية غير المش االرتداد. واليقين والتبيد قولــه كلمــة يمكن إحراز المراد الجدي للمتكلم أو العامل لمجــر

.(600)أو قيامه بعمل في مجال إنكار الحق« البعض اآلخر ال يرى أن االرتــداد الجمــاعي، الــذي يــؤدي إلىــة، ــة للمجتمــع، مشــموال باألحكــام الفقهي ــويث األجــواء الفكري تل ويقول: »وتقبل توبة المرتد الفطــري إذا كــان ارتــداده عن شــبهةــداد الجمــاهيري حصلت له، واعترضت سبيل اعتقاده. بيد أن االرت ال يكون سببا لتطبيق حكم االرتداد، وهو ال يكــون غالبــا عن تغيــير

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد356هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

طبيعي وجذري في االعتقاد؛ إذ يكون عادة بسبب الجو الفكري أو الدعاية الكـبرى الــتي ينحــرف بســببها الكثـيرون، وال يـؤمن معهـا

.(601)على انحراف عقيدة وتبديل دين«ــة&كما يمكننا أن نقارن بين تعامل اإلمام الخميني مع الجبه

الوطنية وتعامله مــع ســلمان رشــدي. فالجبهــة الوطنيــة اعتــبرت حكم القصاص الذي هــو نص صــريح في القــرآن الكــريم حكمــا ال إنسانيا، وكانوا يخالفون الالئحة التي تنص على القصــاص، فــأعلن

ارتدادهم، حيث قال: »الجبهة الوطنية من اليوم محكومة&اإلمامـة: نحن لم ـ ــة الوطني ــول الجبه ــداد. نعم، من الممكن أن تق باالرت نصدر هذا اإلعالن، لو جاؤوا إلى اإلذاعة اليوم بعد الظهر، وأعلنــوا في اإلذاعــــة أن اإلعالن الــــذي اعتــــبر الحكم الضــــروري بين المسلمين، كل المسلمين، غير إنساني ليس صادرا عنا، لو أعلنواــه ليس من عنــدنا فســنقبل منهم. بــاب رحمــة اإلســالم مفتــوح أن

. وفي مقابـل هـذا التعامــل تعامـل اإلمـام(602)بوجه جميع الناس«ــداد، حيث رد على&الخميني مع الحكم على سلمان رشدي باالرت

وسائل اإلعالم األجنبية ـ بعد أن قالوا بأن سلمان رشـدي إذا تـاب فسيلغى الحكم عليــه باإلعــدام ـــ بقولــه: »يكــذب هــذا الموضــوع جملــة وتفصــيال أن ســلمان رشــدي حتى لــو تــاب وأضــحى زاهــدد روحه وماله وكــل همــه عصره فإنه يجب على كل مسلم أن يجن

. لو لم ينل كتاب سلمان رشدي(603)إلرساله إلى الدرك األسفل« الترحيب غير العادي في األوساط األدبية والفنية في الغــرب، ولمــار يترجم إلى عدة لغات حية في العالم خالل فترة وجيزة، لمــا أث مثل هذه الحساسية في المجتمعات اإلسالمية، إال أن اإلقبال غــيرة من النــاس، المتعارف على كتاب من هذا النــوع، يقــرؤه الخاصــ

ــدي ردود&جعل اإلمام الخميني يتعامل بحساسية مع فحــواه، ويب فعلــه تجــاه اإلهانــات العجيبــة الــتي وجههــا هــذا الكتــاب إلى

المقدسات اإلسالمية. ويجب االلتفات إلى أن الروايات الــتي تعرضــت إلى مســألة المرتد لم تستخدم لفظــة الحــد، بخالف الروايــات الــتي تعرضــت لعقوبة الجرائم األخرى، مثل: الســرقة والزنــا واللــواط والقــذف، فإن الشــائع فيهــا اســتخدام تعبــير الحــد. كمــا أن الروايــات الــتير فيهــا بالحــد في جمعت في )وسائل الشيعة( حول المرتد لم يعب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد357هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

أي مورد من الموارد. وهذا الترديد يجعلنا نعتبر االرتداد خارجا عنالحدود، وحقيقته هو التعزير.

مرونة عقوبة المرتد في القرآن الكريم يمكن أن نشهد المرونة التي يبديها القرآن الكــريم في بــابــة العفــو عن مجــازاة ــه أشــار إلى إمكاني عقوبــة المرتــد، بحيث إن

رتم بعــد﴿بعض المرتدين. فقد قال تعالى: ال تعتذروا قــد كفــــأنهم ة ب نكم نعــذب طائفــ إيمانكم إن نعف عن طائفة م

ــة إلى66 )التوبة: ﴾كانوا مجرمين (. وقد كانت هــذه الفتنــة قوير عنهـا بأنهــا باعثـة على الكفـر بعـد درجـة أن القـرآن الكـريم يعب اإليمان )االرتداد(. كما تحدث القــرآن عن ارتــداد هــؤالء في قولــه

المهم﴿تعالى: روا بعــد إســ ر وكفــ ﴾ولقد قالوا كلمة الكفــ (. وتطرق العالمة الطباطبــائي في تفســيره إلى هــذه74)التوبة:

اآلية قائال: »إن المراد بالعفو هو ترك العذاب لمصلحة من مصالح الدين، دون العفو بمعنى المغفرة المستندة إلى التوبة؛ إذ ال وجــه ظاهرا لمثل قولنا: إن غفرنا لطائفة منكم لتــوبتهم نعــذب طائفــة لجرمهم، مع أنهم لو تابوا جميعا لم يعذبوا قطعا. وقــد نــدب اللــه

إن يتوبــوا﴿إليهم جميعا أن يتوبوا، حيث قال في آخر اآليــات: فــ . كمــا جــاء في شــأن نــزول هــذه اآليــة أن(604)«﴾يك خيــرا لهم

، وكــانوا يســبون|المنافقين ذهبــوا إلى غــزوة تبــوك برفقــة النــبيــبي ــأفواههم،|الن ــدين ب ــوتهم، ويتجــرؤون على ال وصــحبه في خل

:| بخبرهم، فقال النبي|فأحس بهم حذيفة بن اليمان، فأخبر النبي أيها المنافقون، ما هذا الخبر الذي سمعته عنكم؟ فأقســموا باللــه

.(605)أنهم لم يقولوا شيئا، فنزلت هذه اآلية في تكذيبهم إن سياق اآلية يشعر بأنهم أتوا بعمل سـيئ، وشـفعوه بقـول

عاتبهم على قــولهم، مؤاخــذا لهم،|تفوهوا به عند ذلك، وأن النبي فحلفوا بالله ما قالوا. والله سبحانه يكــذبهم في األمــرين جميعــا:

ــه: ر﴿أما في إنكارهم القــول فبقول الوا كلمــة الكفــ ،﴾ولقد قــــة على جــد﴾؛وكفروا بعد إسالمهم﴿وفسره ثانيا بقوله: للدالل

القول، فيتفرع عليــه الكفــر بعــد اإلســالم )االرتــداد(، الــذي يحكم.(606)عليه بالقتل

ب عليــه يمكن أن نستنتج من هذه اآليات أن االرتداد ال يــترتــه عقوبة دنيوية قطعية، وإن كان له منشأ عملي، وإن تنفيذ عقوبت

، وطبيعة األوضاع االجتماعية والسياسية.|يتعلق بصالحية الرسول

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد358هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

مرونة عقوبة المرتد في الرواياتــائية في ــلطة القض ــؤولون في الس ــون المس يجب أن ال يك صدد تنفيذ األحكام الجزائية على أساس افتراض أن هذه السلطة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والسياسية، بل عليهم أن يعلموا أن هاتين القوتين مستقلتان من جهة، ومرتبطتان مع بعضهما من جهة أخرى. وإن التعامل مع الجرائم وتحديد العقوبة وتنفيــذها يتمــتي تــؤدي بعدة أساليب. فليس من الصعب أحيانا جعل الجرائم الــرض األمن االجتمــاعي للخطــر، تحت ــالمجتمع، وتع إلى اإلخالل بد، ويكـون التصـدي لهـا عـادة مشـفوعا عنوان المحـارب والمفسـ برغبــة أبنــاء المجتمــع كافــة، بحيث تتمكن الســلطة القضــائية من تنفيــذها بســهولة، دون أن تشــعر بـالقلق من نتائجهــا. لكن يكـون التعامل وتنفيــذ العقوبــة صــعبا مــع بعض الجــرائم األخــرى، مثــل:ــة، وال االرتداد، الــذي ال يــؤدي إلى اإلخالل في حيــاة النــاس العادي يمكن لمس آثــاره الســيئة على النــاس. وهــذا يحتــاج إلى معرفــة المجتمع المعرفة الصــحيحة آلثـار ونتــائج تنفيـذ الحكم. ففي مثـل هــذا النــوع من الجــرائم ال تتمكن الحكومــة اإلســالمية أن تتحمل مسؤولية تنفيذ الحكم، بحيث تقدم على تنفيذه بدون األخــذ بنظــر

االعتبار العوارض االحتمالية التي تنجم عن تنفيذه. قولــه: »لــوال أني أكــره أن يقــال: إن|فقــد روي عن النــبي

محمدا استعان بقوم حتى إذا ظفــر بعــدوه قتلهم لضــربت أعنــاق.(607)قوم كثير«

هذا يدل على أن عدم المجــازاة ناشــئة عن|إن حديث النبي يختلــف في مواجهــة الجــرائم|مصلحة اإلسالم. لكن تعامل النــبي

الــتي تســتدعي الحــد، بحيث نقــل في التــاريخ أن امــرأة من أحــد القبائل ارتكبت جريمة الزنا، فجاء رئيس تلك القبيلة مع مجموعة

، وطلبوا منه أن يغض الطرف عن تنفيذ الحد على هذه|إلى النبيــبي |المرأة؛ من أجل حفظ ماء وجه القبيلة، وكلما أصروا على الن

لم يقبل، ثم جاؤوا له عن طريق اإلغراء والترغيب، فــامتنع أيضــا، وفي نهاية األمر هددوا باالرتداد عن الــدين بــأجمعهم إذا تم تنفيــذ

بتعطيـل الحــد اإللهي أيضـا، فـأجرى الحــد|الحد، فلم يقبل النــبيعلى هذه المرأة، وارتدت القبيلة.

ــبي ــل الن ــذا االختالف في تعام ــازاة|إن ه ــدل على أن مج ي المرتدين تتعلق بمصــالح المجتمــع ومقتضــيات الزمــان والمكــان،

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد359هـ1433م ـ 2012

د. محمد إبراهيم شمس ناتري / أ. إبراهيم زارع•

وأن هذه الجريمة ال يمكن جعلها ضمن الحدود. النموذج اآلخر الــذي يمكن اإلشــارة إليــه هنــا هــو روايــة عن

في وليــدة×، حيث قــال: »قضــى أمــير المؤمــنين×اإلمام البــاقردها، ثم إن سـيدها مـات، كانت نصـرانية، فأسـلمت، وولـدت لســي وأوصى بها عتاقة السرية على عهد عمر، فنكحت نصرانيا ديرانيا،رت، فولـدت منـه ولــدين، وحبلت بالثـالث، قـال: قضـى أن فتنصـ يعرض عليها اإلسالم، فعرض عليها، فــأبت، فقــال: مــا ولــدت من ولــد نصــراني فهم عبيــد ألخيهم الــذي ولــدت لســيدها األول، وأنــا

.(608)أحبسها حتى تضع ولدها الذي في بطنها، فإذا ولدت قتلتها« قال الشيخ الطوسي في شأن هــذا العمــل، الــذي جــاء على خالف حكم المــرأة المرتــدة: »هــذا الحكم مقصــور على القضــية

ــه ال يمتنــع×التي فصلها أمير المؤمنين ، وال يتعدى إلى غيرهــا؛ ألن.(609) وتزويجها«،صالحا؛ الرتدادها رأى قتلها×أن يكون هو

خالصة البحثــة المتعلقــة بالمرتــدين أي نــوع من لم تحــدد اآليــات القرآني العقوبات الدنيوية لهم، بل توجد آيات تدل على إمكانية العفو عن المرتد. وقد روي حديث عن الرسول جاء فيه أنه »من بــدل دينــهــبي |فاقتلوه«. ومن خالل دراسة هذا الحديث على ضوء سيرة الن

وتعامله مع المرتدين في زمانــه، وكــذلك من خالل تعامــل األئمــةــون^المعصومين مع المرتدين في زمانهم، علمنا أنهم كانوا يراع

دائما مصــلحة اإلســالم ومصــلحة المجتمــع في تنفيــذ هــذا الحكم. ومن خالل دراســة خصــائص الحكم الحكــومي وانطباقــه مــع هــذاــد حكم ــة المرت ــو أن عقوب ــوى ه ــال األق ــون االحتم ــديث يك الح

حكومي. وفي ضوء اآليات المتعلقة ببحث حرية الــرأي، وتلــك اآليــات المتعلقة باحترام النفس اإلنســانية، وعــدم جــواز قتــل األشــخاص في غير مورد القصاص واإلفساد، وكــذلك اآليــات الــتي تــدل على

ن|أن إيمان الناس خارج صالحيات سلطة النبي ــبي ، واآليات التي تــاس على أســاس|كيفية الدعوة لإلسالم، وتأمر النبي أن يدعو الن

ن أن االستدالل والمنطق، أقول: في ضوء جميع هــذه اآليــات نتــبيد تغيير العقيدة ال يمكن أن يكون ســببا للحكم على الشــخص مجر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد360هـ1433م ـ 2012صيف

عقوبة االرتداد، محاولة إلثبات البعد الوالئي•

ــة بعقوبــة القتــل؛ ألن هــذا العمــل يمكن أن يعكس صــورة إرهابيوعنيفة في أذهان المسلمين وشعوب العالم.

ــوب^ واألئمة المعصومين|كما أن سيرة النبي تدل على وج تعامل المسلمين على أساس االستدالل والمنطق والجدال بــالتي هي أحسن مع بعض األفراد، كما حصل هــذا مــع ابن أبي العوجــاءــه ــر في بيت الل ــدة الكف ــران بعقي ــا يجه ــذين كان والديصــاني، الل

الحرام. وبالنظر إلى وجود األوضاع المختلفة لالرتداد، كتغيير العقيدةــآمر على ــهم بالت ــام بعض ــط، أو قي ــخاص فق ــل بعض األش من قب الحكومة اإلسالمية وإثارة الفوضى والشــغب باإلضــافة إلى تغيــير عقيــدتهم، بــات من الالزم أن يكــون هنــاك تناســب بين الجريمــة والعقوبة، وعدم وجود إمكانية لجعل جميع أنواع االرتداد مشــمولة بحكم واحد، وضرورة تحديد العقوبــة من قبــل الحــاكم اإلســالمي

على أساس أوضاع المجتمع ومصالحه. ــا على ضوء هذه األدلة يكون احتمال كون حكم االرتداد حكم حكوميا هو األقوى، ويتم تنفيذه من قبــل الحــاكم اإلســالمي وفقــاــاع ــاس األوض ــان، على أس ــان والمك ــيات الزم ــالح ومقتض لمص

االجتماعية والثقافية والسياسية.

الهوامش

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد361هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

سجن المديندراسة فقهية مقارنة

*(*()د. محمد رضا آيتي

*(*()*أ. عبدالجبار الزرگوشي

مقدمةــو من ثبت ــا موســر. فالمعســر ه ــا معســر؛ وإم المــدين إمنــة أو بتصــديق خصــمه. وهــذا بعــد إثبــات إعســاره ال إعساره بالبي

ــة: ــة الكريم ــل حتى يوســر؛ لآلي ــل يمه وإن كــان ذو﴿يحبس، ب280 )البقرة: ﴾عسرة فنظرة إلى ميسرة (، إال إذا كان منفقا

مــة والمعاصــي، فحينئــذ يســجن مــا اســتدانه في األعمــال المحرــاختالف تعزيرا وتأديبا، ومدة سجنه تفوض إلى القاضي، وتختلف ب

الناس، ومقدار الدين، قلة وكثرة. نة. وهــذا والمدين الموسر هو من ثبت يساره بإقراره أو بالبي يسجن إذا ماطل وامتنع عن وفاء الدين الحــال؛ لظــاهر الروايــات التي أفتى الفقهاء حسب مفادها. فمن ثبت عليه حــق وامتنــع عن أدائه، مع قدرته عليه، يسجن حتى يؤديه. وقد وقع االختالف حــول سجن المدين المعسر فيما لو ادعى اإلعسار؛ فبعض قال: تســمع

ــوم )*(*( أســتاذ مســاعد في جامعــة آزاد اإلســالمية، فــرع العل.والتحقيقات، في طهران

طالب دكتــوراه في جامعــة آزاد اإلســالمية، فــرع العلــوم)**(ــ *(.والتحقيقات، في طهران

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد362هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

نتــه؛ بينمــا نته على اإلعسار؛ وبعض رأى حبســه قبــل اســتماع بي بي ذهب فريق آخر إلى التفصيل بين أن يكون الــدين بــدل مــال وأن يكـــون أصـــل الـــدعوى غـــير مـــال؛ ففي األول يحبس حتى يثبت إعســاره؛ وفي الثــاني ال يحبس؛ ألن األصــل عــدم وجــود المــال،

فيقبل قوله في اإلعسار بيمينه. وقد تناولت هذه الدراسة حبس المدين الموسر الممتنع عن

قت إلى مدة حبسه. أداء دينه، وحبس المدين المعسر، ثم تطر

حبس المدين الموسر الممتنع عن أداء دينهر ــاء المــذاهب اإلســالمية بحبس المــدين الموســ ــتى فقه أف القادر على الوفاء إذا ماطل وامتنــع عن أداء دينــه. وإليــك عــرض

وتحليل لموقف كل مذهب من المذاهب اإلسالمية.

أوال: المذهب الحنبلي ر إذا يــرى أكــثر فقهــاء هــذا المــذهب حبس المــدين الموســــالقول، ــه ب تقاعس عن أداء دينه. ويرى بعضهم جــواز اإلغالظ علي

: »لي الواجــد|فضال عن الحبس؛ مســتدلين بحــديث عن الرســول.(611): »مطل الغني ظلم«|، وقوله(610)يحل عرضه وعقوبته«

قال ابن المبــارك: »يحــل عرضــه أي يغلــظ عليــه، وعقوبتــه. (612)حبسه«

. (613)وقال وكيع: »عرضه شكايته، وعقوبته حبسه« قال ابن قدامة: »إذا امتنع الموسر عن قضاء الدين فلغريمه مالزمته ومطالبته واإلغالظ له بالقول، فيقول: يا ظالم، يا معتدي،

»لي الواجد يحل عرضه وعقوبتــه«،|ونحو ذلك؛ لقول رسول الله فعقوبتــه حبســه، وعرضــه أي يحــل القــول في عرضــه بــاإلغالظ.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد363هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

ــبي ــال الن ــق|وق ــاحب الح ــال: إن لص ــني ظلم. وق ــل الغ : »مط. (614)مقاال«

م الجوزية: »والذي يدل عليــه الكتــاب والســنة وقال ابن القيــه ال يحبس في شــيء من ذلــك، إال أن يظهــر وقواعــد الشــرع أن بقرينة أنه قادر مماطل، سواء أكــان دينــه عن عــوض أو عن غــير عوض، وسواء لزمه باختياره أو بغير اختياره؛ فإن الحبس عقوبــة،بها. وهي من جنس الحــدود، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقيق مســبــم، ت الحاكم، ويتأمل حال الخص فال يجوز إيقاعها بالشبهة، بل يتثبن له مطله وظلمــه ضــربه إلى أن يوفـــي، أو ويسأل عنه، فإن تبي يحبسه، ولـو أنكـر غريمـه إعسـاره، فـإن عقوبـة المعـذور شـرعا

.(615)ظلم« وإنكــار بعض العلمــاء في فقــه المــذهب الحنبلي مشــروعية

، في غير(616)الحبس في الديون، معلال بأنه من األمور المستحدثةــا وشــريحا كانــا محلــه؛ لــورود روايــات متعــددة تنص على أن علي يحبسان في الدين. جاء في مسند زيد: »حدثني زيد بن علي، عنــه كــان يحبس في أبيــه، عن جــده، عن علي رضــي اللــه عنهم، أنــع ــدود، وفي جميـ ــاص، وفي الحـ ــدين، وفي القصـ النفقـــة، والـ

.(617)الحقوق« وجاء في الكــافي: »محمــد بن يحــيى، عن أحمــد بن محمــد،

ال، عن عمـار، عن أبي عبـد الله ، قـال: كــان أمــير×عن ابن فضـ.(618) يحبس الرجل إذا باعه، فيقسم«×المؤمنين

ــدثنا وورد في مصنف ابن أبي شيبة: »حدثنا أبو بكر، قال: ح جريــر، عن طلــق بن معاويــة، قــال: كــان لي على رجــل ثالثمائــةــدوني أن ــل: إنهم وع ــال الرج ــريح، فق ــمته إلى ش درهم، فخاص، فقال شريح: إن الله يأمركم أن تــؤدوا األمانــات إلى يحسنوا إلي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد364هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

. (619)أهلها، وأمر بحبسه«ف أيضا: »حدثنا أبو بكر، قــال: حــدثنا وكيــع، وورد في المصن عن علي بن صالح، عن عبد األعلى، قــال: شــهدت شــريحا حبس رستم الضرير في دين. قال وكيع: ما أدركنا أحدا من قضــاتنا، ابن

. (620)أبي ليلى وغيره، إال وهو يحبس في الدين«ف عبد الــرزاق: »عن ابن ســيرين قــال: كــان وجاء في مصن شــريح إذا قضــى على رجــل بحــق يحبســه في المســجد إلى أن

. وغير ذلــك(621)يقوم، فإن أعطاه حقه، وإال يأمر به إلى السجن«من الروايات.

ثانيا: المذهب الحنفي

ذهب فقهـــاء المـــذهب الحنفي إلى حبس المــدين إذا كـــانــدفع. ويكــون ــاعس عن ال ــه وتق ــاء بدين ــادرا على الوف را ق موســ

الحبس بناء على طلب الدائن. ــأله حبس ــدعي، وس ــق للم ــلي: »وإذا ثبت الح ــال الموص ق غريمه، لم يحبسه، وأمره بدفع ما عليه، فــإن امتنــع حبســه، فــإن

. (622)أقر أنه معسر خلى سبيله« وقال في كتــاب الحجــر: »وال يحجــر على الفاســق، وال علىــي ــبيع ويوفـ المــديون، فــإن طلب غرمــاؤه حبســه حبســه حتى ي

.(623)الدين«ــه وفي ذيل الحديث النبوي الشريف: »لي الواجد يحل عرض وعقوبتــه« قــال بــدر الــدين العيــني: »عقوبتــه أن يســجن، وقــالــتدل على ــانه... واس ــه: أذاه بلس ــفيان عرض ر س ــ ــحاق: فس إسـه ـ مشروعية حبس المديون إذا كان قادرا على الوفاء تأديبا له؛ ألن

م وإن قل« .(624)ظالم حينئذ، والظلم محر

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد365هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

.(625)و أجاز اإلمام أبو حنيفة حبس المدين

ثالثا: المذهب المالكيــدين ــواز حبس الم ــالكي ج ــه الم ــالب في الفق ــاه الغ االتج المماطل إذا كان استيفاء الدين منه غــير ممكن، أمــا لــو كــان لــه مال، وأمكن للحاكم استيفاؤه منه، فال يجوز حبسه. ولقد جاء فيــال: المدونة الكبرى: »قلت: أرأيت الدين هل يحبس فيه مالك؟ قن للقاضـي اإللـداد من الغــريم حبسـه، قال مالك بن أنس: إذا تـبي قلت: فما قول مالك في اإللداد؟ قال: قال مالك: إذا كان له مالبــه، قــال مالــك: أو مثــال هــؤالء همه السلطان أن يكون قــد غي فات التجار الذين يأخذون أموال الناس فيقعـدون عليهـا، فيقولـون قـد ذهبت منا، واليعرف ذلك إال بقــولهم، وهم في مواضــعهم، ال يعلمـه ســرق مــالهم، وال احــترق بيتهم، وال مصــيبة دخلت عليهم، ـ أنهم يقعدون على أموال النــاس، فهــؤالء يحبســون حتى يوفــوا ولكن الناس حقوقهم، قلت: هل لحبس هؤالء عند مالــك حــد؟ قــال: ال، ليس لحبس هؤالء عند مالك حد، ولكنه يحبســهم أبـدا حتى يوفــوا

ن للقاضي أنه ال مال لهم« . (626)الناس حقوقهم، أو يتبيبه حبسه« هم أنه قد أخفى ماال وغي .(627)وجاء أيضا: »فإن ات

ــاء ــق؛ إلج ــع الح ــع عن دف ــرافي: »يحبس الممتن ــال الق وق.(628)إليه«

ــر أو ــ أي الحج ــذا الخالف ـ ــد: »وه ــة المجته ــاء في بداي وج الحبس ـ بعينه يتصــور في من كــان لــه مــال يفي دينــه، فــأبى أنمه عليهم أم يحبســه ينصف غرماءه، هل يبيع عليه الحــاكم فيقســ حتى يعطيهم بيده مــا عليــه؟... وأمــا حجج الفريــق الثــاني الــذينــبيع ــا في ــوت محبوس ــه أو يم ــا علي ــالحبس حتى يعطي م ــالوا ب ق

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد366هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

مه على الغرمــاء... قــالوا: يــدل على القاضــي حينئــذ مالــه ويقســ : لي الواجد يحل عرضه وعقوبته قــالوا: العقوبــة هي|حبسه قوله

. (629)حبسه« ويطــرح هنــا ســؤال، وهــو: كيــف يخلــد في الســجن بجنايــةــدير ــي تق ــرع تقتض ــد الش ــه، وقواع ــدرهم، حتى يوفي ــيرة، ك حق

العقوبات بقدر الجنايات؟ ويقال في الجواب: إن الســجن عقوبــة صــغيرة بــإزاء جنايــةــدين صغيرة؛ ألنه في كل لحظة يمتنع فيها المســجون عن دفــع ال يقابلها لحظــة من الســجن، واالمتنــاع من أداء الحــق ظلم عقابــهرة متقابلــة، غــير مخالفــة الســجن، فهي جنايــات وعقوبــات متكــر

. (630)لقواعد الشرع

رابعا: المذهب الشافعي يــرى فقهــاء المــذهب الشــافعي حبس المــدين الملتــويــل يجب التضــييق والممتنع عن أداء دينه إذا كان معروفا بالمال، ب عليه، فضال عن الحبس. وقد جاء في كتاب األم لإلمام الشــافعي: »إذا كان للرجل مال يرى في يديه ويظهر منه شيء، ثم قام أهل الدين عليه، فأثبتوا حقوقهم، فإن أخرج ماال أو وجد له مال ظاهرــال ــه م يبلغ حقوقهم أعطوا حقوقهم، ولم يحبس، فإن لم يظهر ل ولم يوجد له ما يبلغ حقوقهم حبس، وبيع من مالــه مــا قــدر عليــه

.(631)من شيء« وقال الماوردي: »أما الممتنع من حقــوق اآلدميين من ديــونــذرت، إال أن ــا إذا تع ــرا إذا أمكنت، ويحبس به ــا فتؤخــذ جب وغيره

. (632)يكون بها معسرا« وهنــاك فقهــاء نســبوا القــول بســجن المــدين المماطــل إلى

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد367هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

ــة: »ومن كــان المــذاهب األربعــة. وفي هــذا الصــدد قــال ابن تيمي قادرا على وفاء دينه وامتنــع أجــبر على وفائــه بالضــرب والحبس،ــد ــافعي وأحم ــك والش ــحاب مال ــة من أص ــك األئم ونص على ذل

.(633)وغيرهم«ــد ذهبت ــ ــواز الحبس للواج ــ ــوكاني: »وإلى ج ــ ــال الش ــ وق

.(634)الحنفية...«

خامسا: الظاهرية يرى فقهاء الظاهرية عـدم جــواز حبس المـدين إذا ظهــر لـه مال. ويرى ابن حزم الظاهري أن سجنه مع القــدرة على إنصــاف

ما كان له سجن قط، وأما|غرمائه ظلم له. وزعم أن رسول الله إذا لم يكن للمـــدين مـــال ظـــاهر، واشـــتبه أمـــره بين اإلعســـار واإليسار، فإنه يرى حبســه حتى إثبــات إعســاره. ويقــول في هــذا الصدد: »فإن لم يوجد له مال فإن كانت الحقوق من بيع أو قرض ألزم الغرم، وســجن حتى يثبت العــدم، وال يمنــع من الخــروج في طلب شهود له بذلك، وال يمنع خصمه من لزومه والمشي معــه أو وكيله؛ فإن أثبت عدمه سرح بعد أن يحلف ما له مال باطن، ومنع خصمه من لزومه، وأوجر لخصومه؛ ومــتى ظهــر لــه مــال أنصــف

. ويقول أيضا: »ومن ثبت للناس عليه حقوق من مال أو(635)منه«ــل مما يوجب غرم مال ببينة عدل أو بإقرار منه صحيح بيع عليه ك ما يوجــد لــه، وأنصــف الغرمــاء، وال يحــل أن يســجن أصــال، إال أنــه يوجد له من نوع ما عليه، فينصف الناس منه بغير بيع، كمن علي دراهم ووجدت له دراهم، أو عليه طعام ووجــد لــه طعــام، وهكــذا

ــه تعــالى: ط﴿في كل شــيء؛ لقول ...،﴾كونوا قــوامين بالقســ : »مطل الغني ظلم«. فســجنه مــع القــدرة على|ولقول الرسول

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد368هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

ــالى إنصاف غرمائه ظلم له ولهم معا، وحكم بما لم يوجبه الله تع. (636)قط وال رسوله، وما كان لرسول الله سجن قط«

ــرد على زعمــه هــذا أن رســول الله ــأمر بالربــط|وي كــان يــود أو باألعمدة، وأحيانا يأمر بالحبس في البيوت، وكان الربط بعم بسارية هــو الســجن آنــذاك؛ لعــدم إعــداد مكــان خــاص للســجناء.

ال تشترط بأن يكــون مكــان خــاص|فمشروعية السجن في عهدهــول ــجن في زمن الرسـ ــرم|للسـ ــو حبس المجـ ــود هـ ، فالمقصـ

والمتخلف، بحيث يمنع من التصرف مــتى أراد، وهــذا يتحقق بــأي نحو من أنحاء الحبس، سواء كان بالربــط إلى األعمــدة أو الحبســاب دار ــر بن الخط ــترى عم ــدهليز. ومن ثم اش ــجد وال في المســة بأربعــة آالف درهم، وجعلهــا ســجنا، وبــنى صفوان بن أميــة بمك علي بن أبي طالب سجنا ســماه نافعــا. وعنــدما هــرب منــه بعض المسجونين بنى آخر من مدر سماه المخيس. جــاء في مســتدرك

. وجــاء في ســنن(637) حبس رجال في تهمــة«|الحــاكم: »إن النــبي خيال من قبـل نجــد فجـاءت برجــل|أبي داوود: »بعث رسـول الله

من بــني حنيفــة، يقــال لــه: ثمامــة بن أثــال، ســيد أهــل اليمامــة،.(638)فربطوه بسارية من سواري المسجد«

ــة: »فجعلت بنت حــاتم في حظــيرة وجاء في الســيرة النبوي. (639)بباب المسجد، كانت السبايا يحبسن فيها«

ــه بــنى ســجنا فســماه وقال ابن األثــير: »في حــديث علي أن المخيس، وقال: بنيت بعد نافع مخيسا، بابا حصــينا، وأمينــا كيســا.ــين، نافع: اسم حبس كان له من قصب، هرب منه طائفة المحبس

. (640)فبنى هذا من مدر، وسماه المخيس« وقال أبو إسحاق الشــيرازي: »ويســتحب أن يكــون لــه ـــ أيــة بأربعــة آالف درهم، للقاضي ـ حبس؛ ألن عمر اشــترى دارا بمك

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد369هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

خذ علي سجنا« .(641)وجعلها سجنا، واتسادسا: الزيدية

ــاء في ــد ج يرى المذهب الزيدي حبس المدين المماطل. وق مسند زيــد: »حــدثني زيــد بن علي، عن أبيــه، عن جــده، عن عليـه كــان يحبس في النفقــة، والــدين، وفي ـ رضــي اللــه عنهم، أن

. (642)القصاص، وفي الحدود، وفي جميع الحقوق«ـة إلى حبس ــ ـ ــاء الزيدي ــ ــيى من فقه ــ ــد بن يح ــ وذهب أحم

. (643)المدينــد ــد إلى زي وفي نيل األوطار نسب جواز حبس المدين الواج

.(644)بن علي

سابعا: مذهب الشيعة اإلماميةر ــة بحبس المــدين الموســ وردت روايــات من طــرق اإلمامي المماطل. وأفتى الفقهاء اإلماميون على طبقهــا بــالحبس. وننقــل

هنا بعض الروايات، ومن ثم فتاوى بعض فقهائهم: يحبس الرجــل إذا×جاء في الكافي: »كــان أمــير المؤمــنين

م مالــه بينهم بالحصــص، فــإن التوى على غرمائه، ثم يــأمر فيقســ. (645)أبى باعه فيقسم«

. وكــذلك رواهــا(646)ورواهــا الصــدوق عن األصــبغ بن نباتة. (647)الشيخ الطوسي في التهذيب

ــه قــال:×وجاء في دعائم اإلســالم: »عن جعفــر بن محمد أنرا حاضــرا عنــده مــا وجب من امتنع من دفــع الحــق، وكــان موســــه ــه، فإن عليه، فامتنع من أدائه، وأبى خصمه إال أن يــدفع إليــه حق يضرب حتى يقضيه، وإن كان الذي عليه ال يحضره إال في عروض

. (648)فإنه يعطيه كفيال، أو يحبس له إن لم يجد الكفيل«

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد370هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

ــا ــذيب »أن علي ــان يحبس في×ونقــل الطوســي في الته كن لــه إفالس وحاجــة خلى ســبيله، حــتى يســتفيد الــدين، فــإذا تــبي

. (649)ماال« وقال الشــيخ المفيــد: »إن اعــترف المنكــر بعــد يمينــه باللــه بدعوى خصمه عليه، وندم على إنكاره، لزمه الحق والخــروج منــه

.(650)إلى خصمه، فإن لم يخرج إليه منه كان له حبسه«ــ الحــق وقال الطوسي: »وإن توجه عليها ـ أي على المرأة ـ ألزمها الخروج منه على مــا يقتضـيه شــرع اإلسـالم، فـإن امتنعت

.(651)من ذلك كان له حبسها، كما أن له حبس الرجال« وقــال المحقق الحلي: »لــو امتنــع المقــر من التســليم أمــر

. (652)الحاكم خصمه بالمالزمة، ولو التمس حبسه حبس«. (653)كما أفتى سائر الفقهاء اإلمامية بحبسه

حبس المدين المعسرفه وإنفــاق أموالــه في وقد يكون إعسار المدين لســوء تصــر

الحرام والمعاصي؛ وقد يكون لغير ذلك.ــة م وفي الصورة الثانية ـ أي عدم اإلنفاق في األعمال المحرنة اإلعسار التي يقيمها المدين قبــل الحبس أم البــد ـ هل تسمع بي

نته؟ أن يحبس أوال ثم تسمع بي وقع الخالف بين العلماء في ذلك، ومن ثم هل يتنافى ســجن

رة﴿المعسر مع اإلنظار، فيخالف ظاهر اآلية: ــ وإن كان ذو عس (؟ وهل هناك فــرق بين أن280)البقرة: ﴾فنظرة إلى ميسرة

يكون الدين بدل مال، كثمن المبيع والقرض، فيحبس، وأن يكــونبدل جناية، كالدية وأرش الجنايات، فال يحبس؟

البحث عن ذلك يكون في مسائل، وهي:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد371هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

ـ حبس المعسر لو أنفق ماله في الحرام 1 إن المعسر قــد يكــون احتــال على النــاس وخــدعهم، بصــفة كونه صاحب شركة تجارية أو مقاول، أو كان غير مؤهل لممارسة هذه األعمال وتصدى لها، فتســلط على أمــوال النــاس أو الدولــة،ــه ــدق علي ــذ يص ـه حينئ ـ ــروعة، فإن ــير مش ــال غ ــا في أعم وأنفقهــة تنص على اإلعســار. والمعســر كهــذا يســجن. وقــد وردت روايــال ــدى ألعم ــاال، ويتص ــك م ــذي ال يمل ــري المفلس ال حبس المك تجارية وما شابه ذلك، فيستغل النــاس ويخــدعهم بــالعنوان الــذيــذلك، ــؤهال ل ــه م ــدم كون ــه؛ لع ــه لنفســه، ويفشــل في عمل انتحل

فيفلس. ونص الرواية هو: »روى الطوسي بإســناده عن الصــفار، عن علي بن إبـــراهيم، عن إبـــراهيم بن هاشـــم، عن النـــوفلي، عن

قال: يجب على اإلمام×السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليــاء، والمفــاليس أن يحبس الفساق من العلماء، والجهال من األطب

ــاء« ــري، ويســتعمل بمعــنى(654)من األكري ــاء جمــع الك . واألكري المكاري والمكتري معا، وهم المقــاولون الــذين يخــدعون النــاس،ــائط ــ ــداللين ووس ــ ــمل ال ــ ــه يش ــ ــاتهم. ولعل ــ ــون بالتزام ــ وال يف

.(655)المعامالت وال خصوصـــية للعنـــاوين واألصـــناف الـــواردة في الروايـــة،ــير ــاط، ســجن غ ــاء الخصوصــية وتنقيح المن ــا؛ بإلغ ــتفاد منه فيســدعون ــذين يخ ــاعي، ال ــل االجتم ــدين للعم ــؤهلين من المتص المــوع إذا أفلس، وطلب الناس، ويستغلونهم. فالمتعامل من هــذا الن

الغرماء حبسه، يحبس تعزيرا وتأديبا. ــ بحبس ــة ـ ــاء اإلمامي ــ من فقه ــبي ـ ــدين الحل ــتى تقي ال أف

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد372هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

مــة والمعاصــي، وفي المعسر إذا أنفق أمواله في األعمــال المحر األغــراض الســيئة غــير المشــروعة. وقــد قــال: »ويكــره للــدائنع به، المطالبة بالدين مع الغناء عنه، وظن حاجة الغريم إلى التوس وال يحل له ذلك مع العلم أو الظن بعجز الغريم عن أدائــه، ويلــزم النظرة إلى حين التمكن منــه، ولــه االحتســاب بــه من الزكــاة إذا كان الغريم من أهلها. وإن كان مخالفا للحق أو منفقا ما اســتدانه

. (656)في حرام فله حبسه« ولكن مع ذلك فإن حبسه يتنافى مع اإلنظار، فيخــالف ظــاهر

رة﴿اآلية: ؛ ألن اآليــة﴾وإن كان ذو عسرة فنظــرة إلى ميســبعمومها تفيد أن كل معسر ينظر إلى ميسرة.

ــا ومن الممكن أن يقال: إن اآلية تفيد اإلنظار لكل معسر، مــي. مة والمعاص عدا المعسر الذي ينفق أمواله في األعمال المحر فبناء على ذلك يحبس المدين المعسر الــذي أنفــق األمــوال الــتي

استدانها في الحرام والمعاصي.

ـ حبس المدين المدعي اإلعسار إذا كان الدين بدل مال 2 أفتى بعض الفقهاء بحبس المــدين الــذي يــدعي اإلعســار إذا كان أصل الدين ماال، بأن كان بــدل مــال، كــالقرض وثمن المــبيع؛ ألنه إذا ثبت المال في يده ثبت غناه، وزوال غناه محتمل، فاألصل بقاء المال، والغالب إذا خرج من ملكه مال فقــد دخــل في ملكــهـه لزمـه عن مال يقابله. وكذلك يحبس بما لم يكن بـدل مــال، لكن عقد التزمه، كبدل الخلع والكفالــة والمهــر والحوالــة؛ ألن إقدامــه على ما يلزم ذلك المــال دليــل القــدرة عليــه. وال يحبس فيمــا لــو كان أصل الدين بغير مال، بأن يكـون بـدل إتالف وأرش الجنايـات

والدية؛ ألن األصل عدم المال، فيقبل قوله مع اليمين.

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد373هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

قال الموصلي من فقهاء األحناف: »...إن قال المــدعي: هــو موسر، وهو يقول: أنا معسر، فإذا القاضي يعرف يساره، أو كــان الدين بدل مــال، كــالثمن والقــرض، أو التزمــه، كــالمهر والكفالــة وبدل الخلع ونحوه، حبسه، وال يحبسه في ما سوى ذلك إذا ادعىنــة أن لــه مــاال فيحبســه، فــإذا حبســه مــدة الفقر، إال أن تقوم البي يغلب على ظنه أنه لو كان له مال أظهره، وســأل عن حالــه، فلم

.(657)يظهر له مال، خلى سبيله« ؛ وابن(659)؛ وابن الهمام(658)ويرى ذلك أيضا كل من: الزيعلي

، من الحنفية. (660)عابدين وقال ابن قدامة من فقهاء الحنابلة: »...وإن لم يجد له مــاال ظــاهرا فــادعى اإلعســار، فصــدقه غريمــه، لم يحبس؛ وإن كذبــه غريمه فال يخلو إما أن يكــون عــرف لــه مــال؛ أو لم يعــرف؛ فــإن عرف له مال؛ لكون الدين ثبت عن معاوضة، كــالقرض والــبيع، أو عرف له أصل مال سوى هذا، فالقول قول غريمه مع يمينه، فــإذا

نة بإعساره« . (661)حلف أنه ذو مال حبس حتى تشهد البي ، من فقهاء الشــافعية، إلى(662)وذهب أبو زكريا يحيي النووي

ــده، أن المدين يسجن في كل دين لزمه بدال عن مال حصل في ي كالقرض وثمن المبيع، وكذلك إذا لم يكن بدل مال لكنه لزمه عن عقد التزمه، كالحوالة وبدل الخلع، وال يسجن في ما ســوى ذلــك؛ ألنه منكر متمسك باألصل، واألصل أن اإلنسان يولــد وال مــال لــه،ــه، وصاحب الدين يدعي أمرا عارضا، فالقول قول المدين مع يمين

ما لم يكذبه الظاهر. وقال ابن حزم الظاهري: »فإن لم يوجد له مال فــإن كــانت الحقوق من بيع أو قرض ألــزم الغــرم، وســجن حتى يثبت العــدم، وال يمنع من الخروج في طلب شـهود لـه بـذلك، وال يمنـع خصـمه

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد374هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

من لزومه والمشي معه أو وكيله، فإن أثبت عدمه ســرح بعــد أن.(663)يحلف«

ــة إلى ســجن المــدين لــو كــان وذهب فقهــاء الشــيعة اإلمامي أصل الدعوى مــاال، وإلى عــدم جــواز ســجنه فيمــا لــو كــان أصــل

الدعوى بغير مال. فقال زين الدين العاملي في هــذا الصــدد: »إنمــا يحبس مــع دعوى اإلعسار قبل إثباته لو كان أصــل الــدين مــاال، كــالقرض، أو عوضــا عن مــال، كثمن المــبيع، فلــو انتفى األمــران، كالجنايــة

.(664)واإلتالف، قبل قوله في اإلعسار بيمينه؛ ألصالة عدم المال« وقال المحقق الحلي: »وإن لم يكن لــه مــال ظــاهر، وادعىنة، قضي بها، وإن عــدمها، وكــان لــه أصــل اإلعسار، فإن وجد البي

. (665)مال، أو كان أصل الدعوى ماال، حبس حتى يثبت إعساره«نـة على وقال العالمة الحلي: »وإن لم يظهـر لــه مــال، وال بي دعوى اإلعســار، حبس حتى يظهــر إعســاره، إن عــرف لــه أصــل

.(666)مال، أو كان أصل الدعوى ماال، وإال قبل قوله« وقال السيد محمد جــواد العــاملي في هــذا المجــال: »حبسنة المطلعة على باطن أمره، حتى يثبت إعساره، وذلك يكون بالبي فإن األصــل بقــاء المــال، واألصــل عــدم تلفــه. والظــاهر ال يقــاوم

.(667)االستصحاب، وأصل العدم«

ـ اذا أقام المــدين بينــة على إعســاره فهــل تقبــل قبــل3السجن أم ال تقبل؟

نــة اإلعســار الــتي اختلــف الفقهــاء في شــأن وقت ســماع بييقيمها المدين الذي يدعيه، هل تسمع قبل السجن أو بعده؟

يمكن حصر هذا الخالف في ثالثة آراء:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد375هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

الرأي األول: بينة اإلعسار تسمع بعد الحبس نة اإلعسار تســمع بعــد الحبس؛ ذهب بعض الفقهاء إلى أن بي ألن األصل في المدين اليسار. فوفقــا لهــذا الــرأي يحبس المــدين

د ثبوت الدين، دون حاجة إلثبات يسار المدين. بمجرنــة ـــ في جاء في المغني: »قال أبو حنيفة: ال تسمع ـ أي البي الحال، ويحبس شــهرا، وروي: ثالثــة أشــهر، وروي: أربعــة أشــهر،

. (668)حتى يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال ألظهره«نة اإلعسار تسمع بعــد الحبس. وكذلك يرى اإلمام مالك أن بيــه أصــيب وقد جاء في تبصرة الحكام: »إذا زعم ـ أي المــدين ـــ أن ماله، وشهد لــه شــهود أنــه مــا عنــده شــيء، أرى أن يســجن، وال يعجل سراحه من السجن. وقال ابن الماجشــون: البــد من ســجن

. (669)الغريم، وال يتم التفليس إال به، وإن شهد أنه ال شيء عنده« وإن كان ذو﴿ال يخفى أن هذا الرأي يتنافى مع آية اإلنظار:

.﴾عسرة فنظرة إلى ميسرةــه حتى نة اإلعســار، وإمهال فبمقتضى اآلية البد من استماع بي

يوسر، فال يجوز حبسه.

الرأي الثاني: بينة اإلعسار تسمع قبل الحبس ذهب أكثر الفقهاء إلى هذا الرأي، فيجب على القاضــي أن ال يعجــل في حبس المــدين قبــل أن يســمع مــا لديــه من أدلــة على

نة اإلعسار ظلم له. عسرته؛ ألن حبسه بعد قيام بيــال ــذا ق ــال، وبه ــة في الح ن ــة: »وتســمع البي ــال ابن قدام ق

. (670)الشافعي« وقال بدر الــدين العيــني: »وإن ثبت إعســاره وجب إنظــاره،

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد376هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

؛ واإلمــام(672). ويرى ذلك اإلمام أحمــد بن حنبل(671)وحرم حبسه«.(673)الشافعي

ـــة: »فـــإن ادعى وقـــال العالمـــة الحلي، من فقهـــاء اإلماميــديق نة المطلعة على حاله، أو بتص اإلعسار، وثبت صدقه، إما بالبي

ر« . وقــال أيضــا:(674)الخصم، لم يحل حبسه، وأنظــر إلى أن يوســــد؛ ألن نة اإلعسار في الحال، وبه قال الشافعي وأحم »ال تسمع بينة جاز سماعها بعــد مــدة جــاز ســماعها في الحــال، كســائر كل بي

نات« .(675)البي وقال السيد العــاملي: »فــإن ثبت اإلعســار لم يحــل حبســه.ـة؛ فقـال بعض يحبس بعـد قال: باتفــاق أصـحابنا. وخــالفت الحنفيــة، حتى ــة؛ وبعض أربع ــهرين؛ وبعض ثالث ــهرا؛ وبعض ش ــة ش ن البي يغلب على الظن أنه لــو كــان لــه مــال لم يصــبر على حبس تلــك

.(676)المدة«ــبي(677)وكــذلك قــال الشــيخ المفيد ــو الصــالح الحل ،(678)، وأب

. (680)، وابن حمزة(679)وسالر وقــد وردت روايــات تــدل على أن المــدين يحبس حتى يثبت

إفالسه وإعساره، ومنها:ــه×»عن علي ن ل ــبي ــي رجال في دين، ثم ت : إذا حبس القاض

.(681)إفالسه وحاجته، أخرجه حتى يستفيد ماال« ×: وقضــى علي×و»روى األصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين

ن إفالســه والحاجــة فيخلى في الدين أنه يحبس صــاحبه، فــإذا تــبي. (682)سبيله حتى يستفيد ماال«

ن×وروى الطوسي »أن عليا كان يحبس في الدين، فإذا تــبي. (683)له إفالس وحاجة خلى سبيله حتى يستفيد ماال«

وهنا يطرح ســؤال، وهــو: هــل أن حبس المــدين حتى إثبــات

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد377هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

إعساره ـ كما جاء في الروايات، وأفتى به بعض الفقهاء ـ يتنــافىمع آية اإلنظار؟

ــار ــدل على اإلنظ ــة ت ــة الكريم ــواب: إن اآلي ــال في الج ويق وإمهال المدين بعد إثبات إعساره، وحبسه قبل إثبــات اإلعســار ال

ينافي مقتضى اآلية.

الرأي الثالث التفصــيل بين أن يكــون أصــل الــدعوى مــاال وبين أن يكــوننــة اإلعســار من أصل الــدعوى بغــير مــال. ففي األول ال تســمع بيــل المدين قبــل الحبس؛ وفي الثــاني تســمع قبــل الحبس، بــل يقب قوله في اإلعسار مــع يمينـه. وقـد تقــدم بيـان ذلــك في المســألة

الثانية، فال نعيد. ـة على وفي صدد حل التعارض بين آية اإلنظار واألخبار الدالـــة ــى اآلي ــال: مقتض ــد يق ــاري: »ق ــيد الخوانس ــال الس الحبس ق

ــريفة: رة﴿الشـ رة فنظــرة إلى ميســ ـان ذو عســ ﴾وإن كـــرط في وجـــوب ــار شـ ــة على الحبس أن اإلعسـ ــار الدالـ واألخبـ اإلنظــار، ال أن يكـون اإليســار شــرطا في جــواز اإلجبــار والحبس،را يجــوز إجبــاره وحبســه، وإن لم يثبت ن كونــه معســ فإذا لم يتــبي كونه موسرا. ومع قطع النظر عن اآلية الشــريفة واألخبــار نقــول: إن العجــز مــانع عن وجــوب األداء وجــواز المطالبــة، ال أن تكــونق المــذكور القدرة شرطا فيهما. ويمكن أن يقــال: مقتضــى الموث )لي الواجد يحل عرضه وعقوبته( ـ بعد تفسير العقوبة بــالحبس ـ شرطية اإليسار في جواز الحبس، ومــع التســليم مــا الــدليل علىــالعموم ك ب جواز الحبس مع عدم إحراز عدم المانع؟ إال أن يتمســ أو اإلطالق في الشبهة المصداقية، لكن يســتفاد من بعض األخبــار

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد378هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

ـه لالحتيــاط في مــال ن اإلعســار، ولعلـ جــواز الحبس حتى يتــبي. (684)المسلم«

ويمكن أن يقال: ال فائدة الستصحاب بقاء المال فيما لو كان أصل الدعوى ماال؛ ألن هذا االستصــحاب ال يجعلــه ذا مــال واقعــا؛دا، والحبس عقوبــة، كي يحل عقوبتــه. إال أن يقــال: إنــه واجــد تعب فإذا لم يثبت كونه واجدا للمــال لم يتحقق الموضــوع للعقوبــة. ثمــال: إن ــه يق إذا قيل: إن حبس شخص قبل موجبه غير معقول فإنرا أم هم باليسر قبل أن ينكشف حالــه، من كونــه معســ سجن المت ال، من موارد السجن االستبرائي، وهــو جــائز شــرعا، ووردت فيــه

.(686)، وأفتى به بعض الفقهاء(685)روايات

مدة حبس المدينر ــاء المــذاهب اإلســالمية بحبس المــدين الموســ ــتى فقه أفــل المماطل في أداء دينه إلى أن يقضيه ويدفعه. فلو امتنــع وماط في الدفع يبقى في السجن وال يفرج عنــه. وفي المدونــة الكــبرى نقل رأي مالك بن أنس بأنه يرى حبس المدين حتى يوفـــي دينــه: »قلت: أرأيت الدين هل يحبس فيــه مالــك؟ قــال: قــال مالــك بنن للقاضي اإللداد من الغريم حبسه، قلت: فمــا قــول أنس: إذا تبيهمــه مالــك في اإللــداد؟ قــال: قــال مالــك: إذا كــان لــه مــال فاتبه، قال مالك: أو مثل هؤالء التجار الذين السلطان أن يكون قد غيــا، وال ــد ذهبت من يأخذون أموال الناس فيقعدون عليها فيقولون قــه ســرق ــك إال بقــولهم، وهم في مواضــعهم؛ ال يعلم أن يعــرف ذل مالهم، وال احترق بيتهم، وال مصيبة دخلت عليهم، ولكنهم يقعدونــوا النــاس حقــوقهم، على أموال الناس، فهؤالء يحبسون حتى يوف قلت: هل لحبس هؤالء عند مالك حد؟ قال: ال، ليس لحبس هؤالء

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد379هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

عند مالك حد، ولكنه يحبسهم أبدا، حتى يوفوا الناس حقــوقهم، أوـه ال مــال لهم أخـرجهم ن أن يتبين للقاضي أنه ال مال لهم، فاذا تـبي

. (687)ولم يحبسهم« وجاء في الخالف: »قال أبو حنيفة: ال يجوز له ـ أي للحاكم ـ

. (688)الحجر عليه بحال، بل يحبسه أبدا إلى أن يقضيه« وقال ابن رشد: »...حجج الفريق الثاني الذين قالوا بالحبســه ــذ مال حتى يعطي ما عليه، أو يموت محبوسا فيبيع القاضي حينئ

: لي الواجــد|ويقسمه على الغرماء، قالوا: يـدل على حبســه قوله.(689)يحل عرضه وعقوبته، قالوا: العقوبة هي حبسه«

ــة: »ضــابط الحبس وقــال الشــهيد األول، من فقهــاء اإلمامي توقف اســتخراج الحــق عليــه. ويثبت في مواضــع:...والممتنــع منــة أداء الحق مع قدرته عليه. فإن قلت: القواعد تقتضي أن العقوب بقدر الجناية، ومن امتنــع عن أداء درهم حبس حتى يؤديــه، فربمــا طال الحبس، وهذه عقوبة عظيمة في مقابلة جناية حقيرة، قلت: لما استمر امتناعه قوبل بكل ساعة من ســاعات االمتنــاع بســاعةرة، وعقوبـــــات من ســـــاعات الحبس، فهي جنايـــــات متكـــــر

رة« . (690)متكر وقال العالمة الحلي: »وإن عرف كذبه حبس حتى يخرج من

.(691)الحق«د بدفع الدين، وال يجوز حبســه فوفقا لذلك حبسه مغيى ومقي

على سجن مدعي اإلعســار(692)أكثر من ذلك. وقد دلت الروايات حتى يثبت إعساره وإفالسه. وعلى هذا الرأي أكثر الفقهــاء. ولكننــة على هنــاك فريــق من الفقهــاء يــرى حبســه حتى لــو أقــام البي إعساره، ويعتبر هذا الحبس تأديبا له. وقد قال أبو دقيقة في هــذاــة، ــهرين أو ثالث ــل: ش ــدة الحبس: قي ــوا في م ــال: »واختلف المج

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد380هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

وبعضهم قدره بشهر؛ وبعضهم بأربعة؛ وبعضــهم بســنة. والصــحيحــاس ــي(؛ ألن الن ــوض إلى رأي القاض ــك أوال )أي يف ــرت ل ــا ذك م يختلفون في احتمال الحبس، ويتفاوتون تفاوتا كثيرا، فيفوض إلى

. (693)رأي القاضي« وفي الحديث عن سلمة بن ســليمان: ال يحبس اإلنســان في

.(694)الدين أكثر من أربعين يوماــدة ــدير الم ــع في تق ــاء إلى أن المرج ــور العلم وذهب جمه القاضي؛ ألن الغرض من سجنه هو التضــييق عليــه، حتى إذا كــانــاختالف الــدين كــثرة لــه مــال قضــى دينــه منــه. وهــذا يختلــف ب

.(695)وقلة وقد عرفت في ما تقدم أن حبس المدين المعسر بعد إثبات إعساره مناف آلية اإلنظار والروايات. ولــذلك اليجــوز حبســه بعــدنــة على إعســاره. نعم، لــو كــان منفقــا مــا اســتدانه في إقامة البي حــرام ومعصــية يحبس تعزيــرا، والمرجــع في تقــدير مــدة حبســه

القاضي.

نتائج البحث بعد هذا االستعراض لجوانب الموضـوع يمكننـا أن نشــير إلى

أهم النتائج المستخلصة من هذه الدراسة، وهي: ـ يرى معظم فقهـاء المـذهب الحنفي والشـافعي والحنبلي1

والزيدي سجن المدين الموسر القادر على الوفاء بدينه إذا ماطل وتقاعس عن األداء. ويرى بعض فقهــاء المــذهب الحنبلي وفقهــاء الشافعية التضييق وجواز اإلغالظ عليه بالقول، فضال عن السجن.

ـ االتجاه الغــالب في الفقــه المــالكي جــواز ســجن المــدين2 المماطل إذا كان اســتيفاء الــدين منــه غــير ممكن، فيســجن حتى

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد381هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

يوفـي الناس حقوقهم، أما إذا كان له مال وأمكن اســتيفاء الــدينمنه فال يجوز حبسه.

ـ يرى فقهاء الظاهرية عدم جواز سجن المدين إذا ظهر له3 مال، وإنما يســتوفي الــدين من مالــه. ولكن لــو اشــتبه أمــره بين

اإليسار واإلعسار يسجن حتى إثبات إعساره. ر4 ــ ــدين الموسـ ــجن المـ ـة إلى سـ ــ ــاء اإلمامي ــ ذهب فقهـ ــ

ــجن المماطل. واستدلوا بروايات على ذلك. ويرون بقاءه في الســوق ــه ألداء حق ــبيع أموال ــأمره القاضــي ب ــه. وي ــؤدي دين إلى أن ي

غرمائه. ر الــذي أنفــق أموالــه الــتي اســتدانها في5 ـ المــدين المعســ

مة والمعاصي يسجن. وال منافاة بين الحكم بحبسه األعمال المحررة﴿وآية اإلنظــار: رة فنظـرة إلى ميسـ ـان ذو عسـ ؛﴾وإن ك

فاآلية تفيد اإلنظار وإمهال المعسر إال إذا أنفق أمواله في الحــراموالمعصية، فحينئذ يسجن.

ـ المدين الذي يدعي اإلعسار يســجن إذا كــان الــدين بــدل6 مــال؛ ألن األصــل بقــاء المــال، وال يطلــق ســراحه إال إذا أثبتنـة أو بتصــديق خصــمه لــه. وعلى خالف ذلــك إذا لم إعســاره بالبي يكن الدين بدل مال، كما لو كان عن جناية؛ فاألصل عــدم المــال،

ويقبل قوله مع يمينه ما لم يكذبه ظاهر حاله. نـة على7 ـ اختلف الفقهاء حــول ســجن المــدين إذا أقـام البي

إعساره:نته على اإلعسار. أـ يحبس أوال، ثم تسمع بي

وهذا الرأي يتنافى مع اإلنظار في اآلية. ولــذلك تقــدم اآليــة.نته قبل حبسه. والبد من استماع بي

نة اإلعسار قبل الحبس. ب ـ تسمع بي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد382هـ1433م ـ 2012صيف

سجن المدين، دراسة فقهية مقارنة•

وقد ذهب معظم الفقهاء إلى هذا الرأي، ووردت به روايــات،كما تدل عليه آية اإلنظار.

نة ج ـ التفصيل بين أن يكون أصل الدعوى ماال فال تسمع البي قبل الحبس، وبين أن يكون أصل الدعوى بغير مــال فتســمع قبــل

الحبس، ويقبل قوله في اإلعسار. ــوفر أحــد الــدواعي8 ـ يطلق سراح المدين من السجن إذا تالتالية:

أـ دفع الدين. ب ـ رضا صاحب الدين.

نة على اإلعسار، أو على تلف المال. ج ـ قيام البيد ـ تصديق خصمه له على اإلعسار.

هـ ـ حلف مدعي اإلعسار فيما لــو كــان أصــل الــدعوى بغــيرمال.

ي ـ عند الضرورة، كذهاب العقل والمرض المستعصي. ـ أنواع الحبس؛ بسبب الدين بصفة عامة، ثالثة: 9

ر الــذي أنفــق أـ حبس تعزير وتأديب في حق المدين المعســما استدانه في الحرام والمعصية.

ب ـ حبس استبراء واختبار في حق المدين المجهول الحــال،الذي يدعي اإلعسار، حتى يكشف عن وضعه المالي.

ــع عن أداء ر الممتن ج ـ حبس تضييق في حق المدين الموســ الدين. فإن كل من ثبت عليه حق وامتنع عن أدائه مع قدرته عليه

يسجن حتى يؤديه. ـ اختلف الفقهاء في مدة حبس المدين؛ فقــدرها بعضــهم10

بشهرين؛ وبعض بثالثة أشهر؛ وبعض بأربعة؛ وآخرون بستة أشــهر؛د وقيل: يسجن نصف شهر؛ كما قيل: يسجن ســنة؛ كمــا قيــل: يؤب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد383هـ1433م ـ 2012

د. محمد رضا آيتي / أ. عبد الجبار الزرگوشي•

حبسه حتى يقضي دينه إذا علمت قدرته على األداء. ــة وجمهــور العلمــاء إلى أن المرجــع في ذهب فقهــاء اإلمامي

تقدير المدة القاضي، فيفوض أمره إلى القاضي.ــاس، وهــذا ــة من ســجنه إلجــاؤه إلى دفــع حقــوق الن والغاي

يختلف باختالف الناس، واختالف الدين كثرة وقلة.

الهوامش

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد384هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

والية الفقيه في الفقه الشيعي*(*()البروفسور عبد العزيز ساشدينا

ترجمه عن اإلنجليزية: هيثم مزاحم

ــة الشــيعية: من الغيبــة إلى يأتي نشر كتاب »تطــور المرجعي واليـــة الفقيـــه«، للـــدكتور هيثم أحمـــد مـــزاحم، في وقت تجـــد المرجعية نفسها تحت المجهر، لجهة إدراكها لإلصالح المنشود لهــا

ومواءمتها لشؤون الرجال والنساء الشيعة في العصر الحديث. وحيث إن السلطة القانونية للمجتهد الشــيعي أمــر البــد منــهــإن ــع ف ــروحي واألخالقي المنشــود للمجتم الســتمرار اإلرشــاد ال الشكل واإلدارة التقليديين للمرجعية قد أثارا تساؤالت جدية حولــة قدرتها على تأمين اإلرشاد الضروري ـ في حيز المبـادئ األخالقي

العملية والفقه اإلجرائي ـ المواكب للحاجات اليومية للشيعة. تبرز دراسة الدكتور هيثم مزاحم أهمية هذا الموضوع للناسـة العاديين الذين يحاولون فهم األهمية المنوطــة بمنصــب المرجعي في القــرن الحــادي والعشــرين. والصــفحات التاليــة ترســم إطــارز في تاريخ المرجعية، الذي حاول مزاحم اإلحاطــة بـه بشـكل ممي هذا الكتاب؛ إذ إن أسلوبه مباشر ودقيق في تقديم مناقشة أصيلةن المــذهب الشــيعي من البقــاء، ــة تمك يعتد بها لقرائــه حــول كيفي

مفكر عالمي متخصص في الفكر اإلسالمي، وأستاذ األديان )*(*( في جامعــة فيرجينيــا، وقــد كتب هــذه الصــفحات تقــديما ألحــد

أعمال األستاذ هيثم مزاحم في تطوير المرجعية الشيعية. ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

385هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

ز ــة ضــمن حي ل أقلي على الرغم من تقلب الظروف، مع كونه يشكــة على إرشــاد األمة المسلمة األوسع، وحــول قــدرة قيادتــه الديني

الطائفة خالل عصور مختلفة، لتجاوز تحديات متنوعة تواجهها. ويأتي توقيت نشر هــذه الدراســة مناســبا جــدا؛ إذ تالزم مــع الوفاة المحزنة للمرجع العظيم السيد محمد حســين فضــل اللــه،رين في وقت تشــتد الحاجــة إلى أمثالــه بنظــر كثــيرين من المفك

واألكاديميين الشيعة المعاصرين حول العالم.ــة إن أبرز مــا يقدمــه هــذا الكتــاب هــو مناقشــة اآلراء العلميــة األخــرى: ــة ــــ فضــال عن اآلراء الفقهي ــة الشــيعية اللبناني الفقهي اإليرانية، والعراقية ــ حول السلطة الدستورية لوالية الفقيه، ممــا كتب القليل عنه إلى اليــوم. إنــه لــوقت مــؤات، للقــراء اللبنــانيينــادة كفــوءة في ــة التنعم بقي ــد، للتأمل في أهمي على وجــه التحديــاس إلى تحقيــق المجتمعــات الشــيعية حــول العــالم؛ إلرشــاد الن

أهدافهم المشروعة في سالم وانسجام مع مجتمعات أخرى.

تجديد أم تتمة؟ إن فكرة واليــة الفقيــه الشــيعي العامــة، الــتي تخولــه تــولي السلطة الشــاملة، بمــا تشــتمل عليــه من الصــالحيات الدســتوريةــيعة ــة الش ــنين في دول ــه بين المؤم ــاط بمثل ــتي تن ــائية ال والقض اإلمامية إلى أن يظهر صــاحب الزمــان اإلمــام المهــدي المعصــوم الثاني عشر )واألخير( في آخر الزمان، قد بدت لكثير من العلماء، من المســـلمين والغـــربيين، ابتكـــارا من نحـــو مـــا، ينحـــرف عن

المظاهر األساسية للمبدأ الديني ـــ السياسي لإلمامية.ل امتــدادا لـــ »واليــة هذا االبتكار، بحسب هؤالء العلمــاء، يمث اإلمام المعصوم« بالنسبة إلى عالم ديني شيعي، على الــرغم من

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد386هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

غياب أي نص كهذا في عقائد اإلمامية.ــادي، يكمن في فرضــية أن ــرأي، في اعتق ــذا ال إن ســبب ه سلطة كهذه لعالم ديني شـيعي يمكن اسـتنباطها من خالل تعـيينــا أو إمامــا، اصــطفته صريح من قبل قائد معصوم، ســواء كــان نبي المشيئة اإللهية كطريقة وحيدة تتأسس من خاللها ســلطة اإلمــام

الشيعي.لت نظرية اإلمامية، ومن المهم االلتفات إلى أنه منذ أن تشك خالل القرن الثامن الميالدي، لم تخضع ألية مراجعــات كــان يمكننـة في التـاريخ السياسـي لمجتمـع أن تجرى نتيجـة تطـويرات معيــام ــة في الحقبــات الالحقــة. وعلى الــرغم من قي الشــيعة اإلماميــة في القــرنين دويالت شــيعية لفــترات محــدودة، كالدولــة البويهي العاشر والحــادي عشــر الميالديين، والدولــة الصــفوية في القــرن السادس عشر الميالدي، فــإن عقيــدة إمامــة المعصــومين االثــني

عشر لدى الشيعة قد بقيت على حالها من دون أي تغيير.ــة ــاب الســلطة السياســية لمعظم أئم ــر غي ــذا فعلى إث وهكالشيعة، في أعقــاب استشــهاد اإلمــام األول علي بن أبي طــالب)

ــة للجماعــة الشــيعية40 هـ(، استدعت الحاجات الدينية واالجتماعيــذا باكرا ظهور مؤسسة النيابة أو الوكالة عن اإلمام المعصوم. وهــدين، بــل في إطــار الفقــه النقــاش لم يجــر في حقــل أصــول ال

والتكاليف الشرعية.

الجذور التاريخية لـ »والية الفقيه«ـة ـ ــادرا لحركي ــر، نموذجــا ن ــالم المعاص ع، للع يقــدم التشــيــة تكتنـف فرضــيات عن تـدخل إلهي مســتمر على أيــديولوجيا ديني مدى التاريخ اإلنساني؛ لتمكين اإلنسانية من بناء انتظام اجتمــاعي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد387هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

مثالي. وقد أخذ علماء الدين الشــيعة على عــاتقهم ـــ في فــترات مختلفة من التاريخ ـ تأويل ثــوابت التــدخل اإللهي إلنشــاء مجتمــع وحكومــة جديــدين. وشــغل موضــوع غيــاب العدالــة في المجتمــع

تفكير الملتزمين من المسلمين، وواجب المجتمع إزاء ذلك.ــنين من ــأويالتهم الث تاريخيا أبرز إرشاد علماء الدين الشيعة تــة لمنظــور ســلطوي ينظم الوجــود المعتقدات األساســية الجوهري الــدنيوي للمجتمــع الشــيعي. هــذان المبــدآن همــا: العــدل اإللهي؛ــاواة، ــة والمس ــون حكم العدال ــتقيمين يحفظ ــراد مس ــة أف وإمام

عون الواجبات في ظله. ويشر إن الجدل حول األحق بخالفة النبي قد وســم الشــرخ الــدائمزتين في ــتين متمي ــرز مدرســتين فكري ــذي أب ــة، ال في وحــدة األم

اإلسالم، هما مذهب أهل السنة )األكثرية(؛ والتشيع )األقلية(.ـة لألمـة إن المسألة األهم التي تحدد الوجهة السياسية الديني تتعلق بالقيود على قوة سلطة مســلمة في الدولــة، الــتي وجــدتــا؛ لبســط العــدل واإلنصــاف. رة إلهي ــا حاجــة مقــر بدايــة على أنه وحـــددت المســـألة المســـارات الـــتي ينبغي أن يمضـــي وفقهـــاــط ــلطة عن خ ــراف الس ــويض انح ــلمون؛ لتق ــتزمون المس المل العدالة، جاعلة السلطة المنحرفة دولــة غــير شــرعية من الوجهــة

الدينية. ومع بدء األزمــة الثانيــة، مــع انتهــاء القيــادة الظــاهرة لألئمــة

هـــ(، الــذي329بغياب اإلمام الثاني عشر واألخير محمد المهــدي) أثر على الفقه السياسي للشيعة، تــأجلت فكــرة الكفــاح المســلحهــا بقيت تعتــبر فاســدة ضد أية ســلطة مســلمة في الظــاهر، ولكن ومنحطة إلى أجل غير مسمى، حتى آخر الـزمان. فالثورة ستأتي في المستقبل »ليمأل األرض قسطا وعدال«. واالعتقاد هــذا حاضــر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد388هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

ــثر لدى جميع المسلمين، ولو أن لفظ »المهدي« أصبح منوطــا أكبوظيفة اإلمام األخير عند الشيعة اإلمامية.

وقــد أدى االعتقــاد الشــيعي بظهــور اإلمــام وظيفــة معقدة،ــة سياســية وعلى األظهر متضادة. فقد كان وراء حركــات راديكالي تدعو إلى دوام التيقظ واالستعداد للمحاربـة مـع اإلمــام الـذي قـد يظهر في أي وقت، وكــذلك وراء انتظــار هــادئ لقضــاء اللــه، فيشبه استقالة مسلمة للقدر حيال عودة اإلمام قبل يوم الحساب. وفي الحــاتين كــانت المشــكلة الرئيســة هي تحديــد المســارز اجتماعي وسياسي. وقــد توقف الحــل الصحيح للتحرك ضمن حي العقالني حيال مسار التحرك على االتفاق على وجود سلطة تأخذ على عاتقها جعل إرادة اإلمام واضــحة ألتباعــه. فحتى في الــوقت الــذي كــان فيــه اإلمــام قاعــدا عن الســلطة على رأس دولــة المسلمين ظل مكمن سلطته على ثلــة المؤمــنين من أتباعــه في أنه القادر على تأويل الوحي اإللهي، في مصدريه: القــرآن؛ وسـنة النبي المثالية، بطريقة ال يشوبها أي خطأ. فكان في الواقع شــرح

اإلمام للوحي جزءا من الواجب الديني على المؤمنين. واعتبر المؤمنون الشيعة تأويل اإلمــام هــو اإلرشــاد الصــائب الذي يحتاجه الناس في كل األوقات. وبالنتيجة بحث الشيعة خالل الغيبة الكبرى لإلمام المهدي عن ذلك اإلرشــاد لــدى قيــادة تكــون قادرة على تقلد مسؤولية القيــادة الحاســمة لألمــة في الظــروف

الدقيقة، بحسب إرادة اإلمام المعصوم وتعاليمه الدينية.ــرد ــه إلى ف ولقد كان خطيرا أن توكل سلطة اإلمام في غياب يتولى منحييهــا: الــديني؛ والسياســي، فتلقــف الفقهــاء األمــر بــأن أنتجوا استجابة شافية لهذا الوضع في أعمالهم الفقهية، التي فيهاد اعتقاد اإلمامية بأن اإلمام هو القائد المؤهل الوحيد. فإلى أن تأك

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد389هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

يعود اإلمام الغائب صار غير وارد احتمال تولي السلطة السياسية والسلطة الدينية المشابهة لتلك التي لدى اإلمام المعصوم نفسه. وبالتالي تولى واجب إرشاد األمة فقهاء شيعة مؤهلون، فأضــحوا، بحســب االعتقــاد الشــيعي، قــادة األمــة بتعــيين عــام من اإلمــام

الغائب.ز هذا األمر سلطة الفقهاء الشيعة؛ باســتثارة عالقــة غــير عز ــا د إحساســا قوي مسبوقة بين المؤمنين وعلمائهم الدينيين. كما ول باإلخالص للقادة الدينيين بصفتهم وكالء عامين لإلمــام، بعـد العـام

ــأثير329 ــة الت هـ. هيأ هذا اإلخالص تدريجيا النبثاق قيادة دينية هائلنين إلهيا في المجتمع الشيعي. من غير األئمة المعي

شرعية سلطة الفقيه في الفقه الشيعي مع عدم وجود تعيين صريح من اإلمام الغائب لشخص محــددــة ينوب عنه في مهام اإلمامــة أفضــى النقــاش الفقهي حــول حيثي تولي نيابة اإلمام المعصوم أثناء غيبته إلى اعتماد أن تكون النيابــة شــرطا في أداء وظــائف عامــة معينــة، كمــا في منصــب القضــاءز ـة أن يمي )إحكام العدالة(. فقد تطلبت الظروف التاريخية الواقعيــأن تقلد منصــب الفقهاء بين »القوة« و»السلطة«، وأن يعترفوا ب

السلطة وانتحال القوة السياسية ضرورتان إلحكام العدالة.ر تأسيس الدول الشيعية الحاكمة، كالدولة البويهية ) ولم يغي

م(، الـــتي1789 ـ 1501م(، والدولـــة الصـــفوية )1055 ـ 954ــة ) ع، والدولــة القاجاري م(،1789 ـ 1794حولت إيران إلى التشــي

ــة ) ــة )1794 ـ 1750والزندي م(، خالل1979 ـ 1925م(، والبهلويـة ـ ــة على التقي ـة، القائم ـ ــاس لإلمامي ــدة األس ــام العقي ــة اإلم غيب

واالنتظار.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد390هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

واستنادا إلى عقيدة الشيعة االثني عشرية فإن اإلمام الثاني عشر الغائب هو الحاكم الشرعي الوحيد للمسلمين، وهــو ســيعود في آخر الزمان ليقيم النظام اإلسالمي العام. مع ذلك فقــد تــولى الفقهاء الذين عاصروا الحكومات الجائرة منصب الحاكم الشــيعي العادل، الذي يستطيع مؤقتا اتباع التفويض القرآني القاضي بخلقــك ــولي ذل ــر«، إال أن ت ــدرأ الش ــير، وي ــرس الخ ــام »يك ــام ع نظ

المنصب كان مؤقتا وعرضة للخطأ. والفقهاء الشيعة أقل طواعية من نظــرائهم من أهــل الســنة لتحفيز االنقياد للحكومات الجائرة المستبدة، إال أنهم انشغلوا فيــة والســكون لهــا. فالغيبــة الكــبرى لإلمــام تبرير ظروفهم التاريخي والحالة األقلوية للشيعة مكنت الفقهــاء، بــل ألــزمتهم، أن يكونــوا براغماتيين وواقعيين في تواصلهم مع الحكومــات المعاصــرة لهم،ــام األمــر الواقـع وفي صوغ آرائهم الفقهية حيالهم، وخاصة أن حكع. لهــذا كــان كــل عمــل فقهي يحــال كانوا محســوبين على التشــيــييم ــة، وإلى تق ــوفرة إلى اقتباســات من القــرآن والســنة النبوي ب الفقهاء الدقيق لمن سبقوهم من الفقهاء. فالفتــاوى، المســتنبطةية ــ من خالل األدلة العقلية والنقلية، تكشف عن أنها وضعت لخاصنة في الدولة اإلسالمية في ذلك الوقت. مواكبة حاالت ظرفية معي اعتبر الفقهاء المتقدمون النيابــة عن اإلمــام نوعــا من الثقــةعوا ألي منهم أن يتصرف بصفته حجة الموالة منه في غيبته؛ فشر لإلمـام بين أتباعـه، فيأخــذ على عاتقـه كـل الوظـائف الــتي خـول اإلمام أن يشرع بهــا بنفســه، أو يفــوض أمرهــا إلى من يجــده أهال لتمثيلــه. وقــد ارتكــز الفقهــاء في مــا اســتنبطوه من نيــابتهم عن اإلمام على مبدأ المصــلحة العامــة لألمــة، الــذي يخــولهم صــالحية القيام بوظائف ذات طابع سياسي، كأئمة قــائمين، وذلــك اســتنادا

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد391هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

إلى والية الفقيه في األمور الحســبية الــتي ال منــاص من تحققهــا،وخصوصا حفظ النظام العام.

ــه أن ــه وجب علي وكي يضمن مرجع التقليد إخالص الشيعة ل يثبت اســتحقاقه ليكــون حــارس األمــة، بوضــوح وموضــوعية، من خالل معــايير اإليمــان الســليم والعلم والشخصــية الحاضــرة، إلىفــات عن القضــايا ذياع صيته على أنه األعلم، بمــا ينشــره من مؤلديـه. أمـا شخصـيته فـوجب الدينية، ومن خالل تدريس طالبه ومقلــ إلى أن تتأسس على التقوى التي تؤهله ـ من بين ما تؤهله إليه ـــددها التشــريع، ليتم ــاة وخمس( يح ــوق شــرعية )زك اســتالم حق

توزيعها على المحتاجين.ــديث في اإلدارة، والتعليم ــط حـ ــة كنمـ ــول الحداثـ ــع دخـ مـــتي أدخلت لت اإلصــالحات ال الحديث، ومنظومة القيم الحديثة، مث إلى النظام القضائي والحكومي عــبر وضــع دســتور »مشــروطة«ــة والسياســية في إيران محــاوالت تحـديث للمؤسســات االجتماعيــادا بين التقليدية اإلسالمية في المجاالت اإليرانية، ما أثار نقاشا ح فصائل مختلفـة تنتمي إلى طيـف واسـع من األيـديولوجيات. وقـد واجهت الحركة الدستورية )المشــروطة( في إيــران معارضــة من النظام والمجتمــع التقليــدي وبعض الفقهــاء التقليــديين في إيــران

خالل حكم القاجار الملكي. وقد أدى االصطدام المضطرب، والعدائي أحيانا، بين الثقافةــة ــة الحديثــة إلى تقــويض فعالي ــة والقيم الغربي اإلســالمية التقليديــة القيادة الشيعية التقليدية في التعاطي مــع التطــورات االجتماعي والسياسية في ذلك الوقت. فمارس الشيعة الملتمسون لإلرشــادــة ــة الحداث ــة والسياســية في حال ــات االجتماعي ــال العالق في مجنوا لهم أوجــه المعاصرة ضغطا هائال على مراجــع التقليــد؛ كي يــبي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد392هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

ــتي ــة ال ــة للقضــايا الطارئ ــة المعالجــات اإلســالمية التقليدي فعالي تســتثير توقعــات للشــيعة فــوق العــادة، وقــد بــات على المراجــع

مواكبتها. ــد انحصــار موقــع األعلم من وفي أوائل القرن العشرين تزايــؤالء إلى ــدا به ــا ح ــة، م ــة البحت ــائل الديني ــاء في المس بين الفقه االنكفاء عن الساحة االجتماعية ـ السياســية. وقــد أدى هــذا األمــرــدور إلى تسليم لدى القيادة والجسم الشيعي العام بأنه ليس بمق

الفقهاء تقلد أية مسؤولية سياسية، وال سيما في دولة حديثة.ــدأ كان الرد العقيدي، في مقابل االنكفاء هذا، إعادة تأكيد مب »واليــة الفقيــه«، الــذي أعيــد تفســيره وتطــويره، في محاضــرات

8 كــانون الثــاني و21اإلمــام الخميــني في النجــف األشــرف بين م.1970شباط من العام

ــة الــتي على ل مبــدأ »واليــة الفقيــه« الركــيزة الديني لقــد مثــؤون ــ »منفذ ش ــيعي كـ ــه الش ــع الفقي ــز موق ــها يتم تعزي أساس

الشيعة« في دولة شيعية في العصر الحديث.

والية الفقيه منذ الثورة اإلسالمية في إيران لقد طورت نظرية والية الفقيه في التــاريخ الشــيعي مــرارا،ر التوقعــات وعــبر سواء من خالل اإلطــار السياســي أو نتيجــة تغيــة ز تصور اإلمــام الخميــني الخــاص لنظري تطبيق الفقهاء لها. وعزر؛ إذ كان ثمة فرق جوهري وملحــوظ والية الفقيه هذا البعد المتغي بين موقفه في شأن الجدل حــول الواليـة السياســية للفقيــه قبــل الثورة وموقفه منه بعد الثورة، وخصوصا حول مــا إذا كــانت هــذه الوالية شاملة وعامة ومطلقة، على غرار والية اإلمــام المعصــوم،

أم ال؟

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد393هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

ر من »واليــة الفقيــه« قــد ظهــر في فموقف الخميــني المبكل كتابه المعنون »كشف األسرار«. فالكتــاب عبــارة عن رد مفصــ على االتجــاه المعــادي للــدين، الــذي كــان يتضــمن بيانــات تنتقــد مطالبــة المجتهــد الفقيــه بتــولي الســلطة السياســية. فقــد طــرح الخميني مفهوم »والية الفقيه« في »كشــف األســرار« بنــاء على آراء تقليدية وحذرة ظهــرت في أعمــال الفقهــاء المشــهورين في المرحلة القاجارية والمرحلة التي تلتهــا. وكــان هــذا المفهــوم قــد ذكر مــع مالحظــة أن »واليــة الفقيــه« كــانت منــذ البدايــة مســألةــة بين الفقهــاء أنفســهم، الــذين اختلفــوا في مــا بينهم حــول خالفي المسألة الجوهرية، وهي: »هل يحظى الفقيه بأية والية؟ ومــا هــو

مدى هذه الوالية، ونطاق اختصاصها؟«.ــولي ــة ت ــني أن حقيق ــح الخمي ــد أوض ــك فق وعالوة على ذلــوقت الفقهاء للحكومة والوالية في هذا الوقت ال يعني أنهم في ال

نفسه »الملك، والوزير، والمسؤولون العسكريون، وهلم جرا«. واقــترح الخميــني تأســيس مجلس مؤلف من فقهــاء عــدول وذوي أهلية ويخافون الله، يكون مكان المجلس الفاسد الذي كانــر بانتخـــاب تحت حكم الشـــاه. وينبغي لهـــذا المجلس أن يباشـــة، وال يحكم سلطان عادل غير بعيــد عن االلــتزام بــالقوانين اإللهي بحيــف وال اســتبداد. وإذا كــان مجلس الشــورى مكونــا من فقهــاء أتقياء، أو ظل تحت رقابتهم، كما ينص الدستور، فالدولة ســتحققفــاه. إذا فــاقتراح اإلمــام الخميــني ال هدفها في حفظ العدالة والرـة للمجلس ـ ل الذراع التنفيذي يستبعد احتمال وجود حاكم عادل يمث

المؤسس شرعيا من الفقهاء. وبعبارة أخرى: إن اقتراح الخميــني ال يســتبعد إمكــان وجــود حاكم عادل كذراع تنفيذية لمجلس الشورى الشرعي المكون من

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد394هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

الفقهاء. هذه المالحظة المستنتجة في هذا الصــدد ترتبــط بالــدورد ــالم اإلســالمي، حيث يؤك السلمي الذي يلعبه المجتهدون في الع اإلمام الخميني أنهم ال يعترضون على الوضع المســتقل لبلــدانهم،ــام، واعــترفوا بالنظــام حتى عندما واجهوا سلوكا ظالمــا من الحك

الظالم لهؤالء الحكام. وفي ضوء هــذه المهمــة الســلمية الــتي ينتهجهــا المجتهــدونــة العـــدل ــة حكومـ ــدثون عن مـــدى حقهم في إقامـ ــدما يتحـ عنـ وممارسة الوالية فهم ال يتجاوزون عددا قليال من البنــود المحــددة بشكل صحيح في الفقه، بما في ذلك الواليــة في إصــدار األحكــام القضائية؛ للفصل والتدخل في حماية أموال القصر، أي ما يسمىر. بالمصطلح الفقهي: األمــور الحســبية في أمــوال األيتــام والقصــ فهم ال يأتون إطالقا على ذكر مسألة ممارســة الحكم )الحكومــة(ــية ــلطة السياس ــدث عن الس ــا ال تتح ــا أنه ــود، كم ــذه البن بين هــه باســتثناء )الســلطنة(، وذلــك على الــرغم من إدراكهم التــام بأن شــريعة اللــه فجميــع األنظمــة القضــائية )المســتمدة من أوروبــا(ــترمون فاسدة وغير مناسبة للشعوب المسلمة. مع ذلك فإنهم يحــه ــة، وال يرفضــونها، ويعتقــدون أن هذه القــوانين غــير المالئمــة البت

ينبغي أن يتم التسامح معها ما دام النظام ال يتحسن. هذا الموقف المتردد لإلمام الخميني في »كشــف األســرار«ــرف، خالل ــف األش ـة في النج ـ ــثر حركي ــف أك ر إلى موق ــد تغي ق

م، والــتي نشــرت الحقــا في كتــاب بعنــوان1970محاضراته عام ــة ــه في الدول ــة الفقي ــك بشــأن والي »الحكومــة اإلســالمية«، وذل

الشيعية التي بلغت ذروتها في الوقت الحاضر. يطرح العنوان المعطى لهذه المحاضرات حول والية الفقيه، في كتـاب »الحكومــة اإلسـالمية«، تحــول مبـدأ واليـة الفقيـه إلى

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد395هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

ــا إخضــاع الســلطة السياســية )الســلطنة( نســق حكــومي، موجبحة في الفقــه اإلســالمي. إذا فالحكومــة ــة الموضــ للمعــايير اإللهي اإلسالمية هي السلطة الدينية األخالقية للفقهــاء، الــتي تســود في فـروع حكومــة حديثـة، تشـريعيا وتنفيـذيا وقضـائيا. فالمحاضـراتــع المســؤولية توضح الحاجة الملحة إلى أن يتمسك الفقهاء بمواق

في تحقيق أهداف الحكومة اإللهية لإلنسانية. وقد أدى عدم اإلجابة عن أســئلة حيــال عــدد من اإلجــراءات التشريعية إلى عودة ظهور النقــاش الغــائب الحاضــر بين العلمــاء الدينيين ـ من جهة ـ، الذين يقاربون موضوع منع االمتياز اإلنساني في التشريع من منحاه الحــرفي الضــيق، وأولئــك الــذين يجــيزون تشــريعات إضــافية ـــ من جهــة أخــرى ـــ، على أســاس أن الفقــه التقليدي؛ بكونه سلسلة معايير، يفتقر في جوهره إلى أهلية طرح

حلول لمشاكل معقدة يواجهها المجتمع الحديث. إن التساؤالت غير المجاب عنهــا تطــرح الشــكوك في تأكيــدــاة، الطبقة الدينية في العصر الحديث أن اإلسالم؛ بكونه نمــط حي يملك حله الفريد للمشكالت األساسية التي تواجه اإلنســانية، كمــا تتحــدى مقــدرة الفقهــاء على اإلتيــان بأجوبــة شــافية عن أســئلة عميقــة، كـــ »إعــادة توزيــع األراضــي لضــمان الصــالح العــام«، أوــراز وزن من »التدخل في العالقات بين رب العمل والموظف إلح

عدالة، مما ال حلول له لدى الفقه التقليدي«. وفي مناسبات عدة لقي البرلمان معارضــة مجلس الخــبراء،ــع ــان م ــريعات البرلم ــجام تش ــإقرار انس ــه ب نت وظيفت ــذي عي ال الشريعة؛ لتمريره إجراءات معاكسة للفقه التقليدي. هذا المــأزقز قــوة الدولــة للتــدخل في بعض األمــور المتواصــل في تحديــد حيد ثقال للعدالة في المجتمع كان األساس الذي انطلق منه التي تؤك

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد396هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

د تفــوق الدولــة اإلســالمية في ظــل الخميني في فتــواه الــتي تؤكــني على والية الفقيه في حفظ رفاهية مواطنيها. أتت فتوى الخميــذاك الســيد علي ــة آن ــا إلى رئيس الجمهوري شــكل رســالة وجهه الخامنئي، الذي أشار في خطبــة الجمعــة إلى أن إنشــاء دولــة لم يكن من أولويات رسالة النــبي، فأجــاب اإلمــام الخميــني بالتــالي:ــك ال تــرى »يبدو من خالل مواقف سماحتكم في صالة الجمعــة أن

من|الحكومة تساوي الوالية المطلقة الــتي منحت للنــبي األعظمــة ــة، ولهــا األولوي قبل الله، والتي هي أهم جزء من الشريعة اإللهيــه من أن الحكومــة أمام جميع األحكام الفرعية. إن تأويلك لما قلتــة الموجــودة )األحكــام لهــا أن تتصــرف ضــمن التشــريعات اإللهيــا في مــا ي ــة المحفوظــة في الشــريعة( فحســب يصــب كل الثانويــتي هي يناقض ما قد قلته.... ينبغي أن أشير إلى أن الحكومــة، الــات فــرع من الواليــة المطلقــة لرســول اللــه، هي من بين األولويع بأســبقية أمــام جميــع التشــريعات التشـريعية في اإلسالم، وتتمت

الثانوية، كالصالة والصيام والحج«.ــا أعاله ينفتح على ــواه المقتبس منه إن كالم الخميني في فتــاحثي ــرب، بين ب ــران والغ ــأويالت، في إي ــة واســعة من الت مروح الدراســات اإلســالمية والشــرق أوســطية. فمــا يظهــر من إعالن الخميني في فتواه أن اعتبارات سياسية قد تكون لها أولوية علىــبر معظم معتقدات أخرى في الشريعة. هذه هي الوجهة التي اعت األكــاديميين الغــربيين أن اإلعالن في الفتــوى ينحى منحاهــا، فلهــاــام سند في التاريخ السياسي لإلسالم، حين خالف ـ بالفعل ـ الحك المسلمون ــ سواء من الخلفاء السنة أو سالطين األمر الواقــع ــ

تعاليم الشريعة؛ ألغراض سياسية.ــوى، ــا ورد في الفت لذا ال دليل على أي انتهاك للعقيدة في م

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد397هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

إذا ما كانت الحكومة اإلسالمية قد أعلنت حكومة تامــة تحــدد كــلقــة بمصــالح النــاس، وإن بهيمنــة على التشـــريعات األمــور المتعل

الثانوية، إذا ما اقتضت الضرورة. ــة ــه« مطلقـ ــة الفقيـ ــول إلى »واليـ ــذا التحـ واألدل على هـــه بمقــدور الصالحيات هو تعبير الخميني ـ في الفتــوى عينهــا ـــ بأنــا ــــ إبطــال التزامــات شــرعية، كــانت الحكومة اإلسالمية ــ أحادي أنجزتها مع أفراد شعبها، حالما تكون هذه االلتزامات متعارضة مع مصلحة البلد واإلسالم. فيمكن لحكومة الولي الفقيــه إنهــاء أمــور كـــانت ـــــ تقليـــديا ـــــ جـــزءا من القســـم الفقهي المتعلق بـز الطاعة في إطار العالقات اإلنســانية(. وبــذلك »المعامالت« )حي بات الدستور الذي ضمن سيادة الشــعب خاضــعا لســلطة القيــادة اإلسالمية المهيمنــة، تحت رعايــة واليــة الفقيــه )الوحــدة الوحيــدةالمؤهلة لتحديد الخطوط العريضة لماهية مصلحة البلد واإلسالم(. فباتت الحكومة اإلسالمية مفوضة لـ »منع أي عمل يقــام بــه على نحو عبادي فردي لوجه الله ـ أو أي نحو آخــر ـــ، ويصــب في ما يتعارض مع مصلحة اإلسالم، طالما أنه يظـل مؤذيـا لإلسـالم«.ــرام ــ ــه الح ــع الحج إلى بيت الل ــة أن تمن ــتطيع الحكوم مثال: تس والحج واحد من أوجب العبادات التي أمر الله بها ــــ حينمــا تكــونــا رحلة الحج منافية لسالمة اإلسالم، بمقتضى الظرف المحيط. م كان يقال في السابق، أو هو يقال اآلن، حول والية الفقيه ينم عن

إلمام قاصر بمفهوم »الوالية المطلقة«.ــر عن أســاس واليــة الفقيــه في أراد الخميني بشرحه المبتكــة ــة االقتصــادية العملي فتواه أن يوفر حلــوال للمشــكالت االجتماعيــري، من خالل منح المجلس ــ ــريعي النظ ــ ــتوى التشـ ــ على المس الســلطة، وقــد كــان يشــكك في مــدى قدرتــه على إحكــام تنفيــذ

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد398هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه في الفقه الشيعي•

ــني ــــ للمجلس القوانين في دولة حديثة. فصار ــ كمــا أراد الخمي طابع الشرعية الدينية، مما أهله لتطبيق قراراته بصفتها منسجمة

حتما مع مصلحة اإلسالم والمجتمع. م ظــل منصــبه1989ومع وفــاة الســيد الخميــني في العــام

ــل مرجــع للتقليــد »الولي الفقيه« غير قابل بعده للملء إال من قب شبيه بــالخميني علمــا وتقــوى. ولتــدارك هــذا الفــراغ في القيــادةة دســتوريا للنظــام الشــيعي الحــاكم عمــد مجلس صــيانة ــر المقع، وهــو االعــتراف الدستور إلى هجر تقليد شيعي راسخ في التشي بإجازة االجتهاد الفقهي للمجتهــد قبــل اإلقــرار لــه بأهليتــه في أن يكون مرجعا للتقليد، وتــولي منصــب الــولي الفقيــه. فلم يكن في ند ليكـون غـير المجتهــد أهال أســاس مبـدأ »واليـة الفقيـه« أي ســ ليصير »الولي الفقيه«؛ إذ أتاح فقط تدبير دستوري حــديث لحجــة

اإلسالم علي الخامنئي أن يرتقي إلى رتبة »آية الله«. بهذا تحول مبدأ تقليد مرجـع ديـني من مسـألة اقتنـاع ورضـا شخصــيين للمــؤمن إلى مســألة والء يفرضــه الدســتور في إيــران تجاه حامل وظيفة »الولي الفقيه«، كمــا هي الحــال تجــاه الســيد

الخامنئي. إن الوضــع الــراهن لواليــة الفقيــه يســطر ذروة خصوصــيتها التدريجية في النطاق الشيعي اإليراني، ألنهــا أخفقت في أن تجــد لها أرضية خصبة سياسيا خارج النطاق اإلقليمي إليران. بــل بــاتتــة معقدة، تواجههــا الدولــة تشوب قيامها في إيــران مشــاكل عملي في مكابدتها لهموم أكثر بروزا ـــ كإعــادة إثبــات نفســها عضــوا ذاــر أمــل د أن تعتب مصداقية في النظام العالمي الحديث ـ من مجــر

المضطهدين في خلق نظام عالمي مسلم في ظل والية الفقيه. إن التجربة العقيدية للشــيعة كابــدت اضــطرابات ناجمــة عن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد399هـ1433م ـ 2012

البروفسور عبد العزيز ساشدينا•

كين بالســلطة. ولن يكــون مفاجئــا أن نشــهد ثــورة جــور المتمســ أخــرى للمضــطهدين بتوجيــه من قــادتهم الــدينيين، في ســياق الطمـــوح الرســـالي للشـــيعة في حكم العدالـــة واإلنصـــاف على

األرض.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد400هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

والية الفقيه بين التجديد الكالميوالفقهي

مداخلة نقدية مع الكاتب عمران سميح نزال

*(*()الشيخ صفاء الدين الخزرجي

تمهيدــة كثــيرة. التعاطي مع الفكر الشــيعي مــر بمنعطفــات تاريخيــة ــرعية، إلى محاول ــادرة الش ــل ومص ـة الحجب الكام ـ فمن عمليــة التشويه واالفتراء بعد اليأس عن الحجب والمصادرة، إلى مرحل

االنفتاح النسبي. لت »أزمة الخطــاب الشــيعي مــع اآلخــر المــذهبي« وقد تمث

ــييب( ــاب أو )تغـ ــية في غيـ ــود الماضـ ــترات والعقـ في بعض الفـــة ــة والعلمي الخطاب الشيعي وحجبــه عن دائــرة األوســاط الثقافي األخرى. حتى أن كاتبا شهيرا كأحمد أمين لما عوتب ـــ في زيارتــه إلى العراق ـ على بعض ما طرحه حــول الشــيعة في كتبــه اعتــذر ــان نقال ــه ك ــا كتب ــه، وأن م ــذهب لدي ــذا الم ــوفر كتب ه ــدم ت بع

بالواسطة! وال شــك فــإن غيــاب مصــادر أي فرقــة أو مــذهب يفتح بــاب التقول عليهم واسعا. وهــذا مــا حصــل للفكــر الشــيعي على وجــه

باحث وأستاذ في الحوزة العلمية، وعضو هيئة تحرير مجلة)*ـ( *(.^فقه أهل البيت

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد401هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

الخصــوص. ولكن اليــوم، وبعــد تجــاوز هــذه األزمــة، وبعــد انفتــاح من خالل وســائل عصــرية« أبواب »التعــارف الفكــري والمــذهبي

كثيرة تخطت الحواجز والخطوط الحمراء التي كانت سـابقا، نجـدــل في اليوم وجها آخر لألزمة في التعامل مــع هــذا الخطــاب، تتمث المنهج الذي يلزم اعتماده لقراءة هــذا الفكــر والتعــاطي الصــحيح

معه. والخطأ الفادح الذي تقع فيه بعض القراءات للفكــر الشــيعي

معيــارا للحكم عليــه أو« هو اعتماد »المــوروث الــروائي الشــيعي محاكمته على ضوء تلك المعطيات الروائية، في حال أن المــدخل الصحيح لقراءة الفكــر الشــيعي بشــتى أبعــاده هــو اســتطالع آراء المحققين والباحثين من علمائه في كــل قضــية من قضــايا الفكــر وأبعاده، سواء كانت تتعلق بالبعد العقائدي أو التفسيري أوالفقهيلــون آراء المــذهب؛ ألن آراءهم أو غيرهــا. فالعلمــاء هم الــذين يمث تأتي دائما بعد دراسة الموروث الروائي والتــدقيق فيــه وتمحيصــه

وغربلته. إال أنه يجب االنتباه إلى قضية هامــة في هــذا اإلطــار، يخطئ فيهـا الكثـيرون، وهي أن الـرأي الـذي يجب اعتمـاده الستكشـافــيره من اآلراء ــه، دون غ ــهور في ــرأي المش ــو ال ــذهب ه رأي الم الخاصة، فضال عن الشــاذة. فــالرأي المشــهور هــو الــرأي الوحيــد الذي يمتلك أو يكتسب صفة التمثيل للفكــر الشــيعي، وأمــا غــيرهــل ــر داخ ــات نظ ــا وجه ــا على أنه ــل معه من اآلراء فيجب التعام المذهب، وليست هي المذهب بأجمعــه، ولــذا ال يجــوز تعميمهــا أو

إساءة توظيفها في البحث العلمي. ــة في عــرض األفكــار، واجــتزاء ومن هنا فإن ظاهرة االنتقائي اآلراء، ثم محاولة تعميمها أو نســبتها إلى الجميــع ـــ وال ســيما مــع

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد402هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

تبرؤ الجميع منها، كما نالحظ في ما ينسب إلى الشيعة من القول |بتحريف القــرآن، أو القــول بخطــأ الــوحي في نزولــه على النــبي

، وغير ذلــك من االفــتراءات الواهيــة ـــ هي×بدل نزوله على علي أخطر اآلفات التي تعتري محاوالت قراءة الفكــر الشــيعي اليــوم. ولألسف فـإن البعض يمارسـها بشــكل مقصــود؛ من أجــل تشــويهــة بين ــه، وبث الفرق ــبابية حول ــارة الض ــر، وإث ــذا الفك ــمعة ه س

المسلمين. ــذكور، فإذا ما توفرت قراءة الفكر الشيعي على الشرط الم أعني قراءته من خالل بوابة رأي المشهور من علمائه، صح حينئـذ التعامل معه، والحكم له أو عليه. وبهذا يصح أن نصــف مثــل هــذهــة القراءة بأنهــا موضـوعية وملزمــة للفكـر الشــيعي، وأمـا النمطي األولى من القراءة فال شك أنها عارية عن الموضــوعية، ومجــتزأةل غــير ملزمــة؛ وذلــك ألن المــوروث الــروائي عنــد الشــيعة ال يمث الحقيقة المطلقة التي تعلو على الدراسة والنقد، كما هــو الشــأن في الموروث الروائي الســني الــذي يوصــف الكثــير من مصــادرهــتي ينتمي إليهــا، بــل ل إلزامــا للمدرســة ال بالصــحيح، ممــا يشــك الموروث الروائي الشيعي خاضع للدراسة والنقد بجميع مصــادره، حتى الكتب األربعـــة؛ إذ »لم تثبت صـــحة جميـــع روايـــات الكتب األربعة، فالبد من النظر في سند كل رواية منها، فإن توفرت فيها

فالرؤيــة إذا عنــدهم تجــاه .(696)شروط الحجية أخــذ بهــا، وإال فال« الموروث الروائي ليست رؤية تصــحيحية إطالقــا، وإنمــا هي رؤيــةــه ـ نقدية وبحثية؛ والسبب هو أن التراث بمطلــق أبعــاده واتجاهاتــة وســواها ـــ يحمــل في ــة والفقهي ــة والتاريخي التفســيرية والروائي طياته الغث والســمين. ولــذا فـإن من الخطــأ المنهجي دراســة أو محاكمـة الفكـر الشــيعي من خالل المـوروث الـروائي، بعيـدا عن

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد403هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

ــذا المــوروث في رة في كتبه للتعامل مع ه المعايير العلمية المقر كل علم أو فن. لكن المنهج ذاته يصح بالنسبة إلى دراسة الــتراث الروائي السني ـ على نحو الموجبة الجزئية بالنســبة إلى الصــحاح الستة ـ؛ ألنه يلتزم مسبقا بالرؤية التصحيحية تجاههــا، فلــذا ســاغ

اإللزام بها، أونسبة القول بمضامينها إلى أهل السنة. إذا هناك نمطان من القراءة للفكر الشيعي:

ـ القراءة االنتقائية التي ترصــد الســقطات والعــثرات الــتي1 يمكن أن تعتري المــوروث الــروائي، أو حتى العلمي، لــدى الفكــر الشيعي، وذلك لتقدمه على أنه الرأي المعتمــد لديــه. ومثــل هــذه القراءة ال يمكن التعامل معها، وهي ال تغني القارئ، وال تجدي له، سوى تشويش الصورة وإساءة الظن باآلخر وتعقيد األجــواء، بــدل تنقيتهــا، أو فســح المجــال للتعــارف الفكــري والبحث العملي كي يأخذ مساره. وال نريد أن نسمي الكتب أو البحوث أو المحاضرات أوالمناظرات التي وضعت في هذا اإلطار بأسمائها، بل هو متروك للقـارئ المتـابع. والمـيزان في تقــويم مثـل هــذه القــراءة هـو أن دراسة الفكر الشيعي أو نقده ال تنطلق من بوابة الحديث أبــدا، أوة، حتى لـو كـانت صـادرة من أكــابر بوابة اآلراء الشـاذة أو الخاصـل آراء ة تمث المذهب فيه، فهي ال تعدو أن تكون وجهات نظر خاصــل المذهب بأكمله. وعليه فكل دراسة نقدية تــأتي أصحابها، وال تمث «في هذا اإلطار ـ حتى لو كانت تســتند إلى مثــل كتــاب »الكــافي

للشيخ الكليني، أو غيره من المصــادر المعتمــدة ـــ محكــوم عليهــاــا. سلفا بالبعد عن المنهج العلمي القويم، وال يقيم لها الشيعة وزنبون مناقشــتها أو الــرد عليهــا؛ وذلــك ألنهم يؤمنــون ولذا ربما يتجن بنقد الــتراث ودراســته من أجــل تقويمــه وغربلتــه، والوصــول إلى

الصواب، ال من أجل التشويه أو التشويش.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد404هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

ــيعة وأعالمهم ــاء الشـ ــتند إلى آراء علمـ ــة تسـ ــل دراسـ وكـ المحققين، المعروفــة أســماؤهم لــدى القاصــي والــداني، فهي دراسة مرحب بها، وتستحق الوقــوف عنــدها، بــل وشــكرها؛ ألنهــا تســاعد على تحريــك البحث العلمي وتحــري الحقيقــة واكتشــاف

الصواب. ـ القراءة غير المتأنية، وهي التي ربما تنطلق بـدافع البحث2

العلمي، وربما تكون مستندة أيضا إلى آراء علماء الشيعة، ولكنهــا وغــير متــوفرة على خصــائص«، كما وصفناها قــراءة »غــير متأنية

ع واإلحاطة باألسس والخلفيات والمرتكزات البحث العلمي، كالتتب التي يقــوم عليهــا هــذا الفكـر. ومن هنـا تبتلي مثــل هــذه القـراءةع واالسترسال في االستنتاج والتحليل غير الــدقيق لألفكــار بالتسر

التي تناقشها. ويأتي في هذا السياق مــا ورد في كتــاب »شــرعية االختالف

للكــاتب البــاحث األســتاذ عمــران ســميح نــزال،«، بين المسلمين الذي يعد من تيار التجديد في التراث الفقهي والكالمي، كما يقدم الكاتب نفسه في كتابه هــذا. فقــد ورد في البــاب الخــامس منــه،

، فصــل«وهو تحت عنوان »مشــاريع التجديــد الفكــري المعاصــرةــد علم الكالم )المشــروع الشــرقي ــوان: »تجدي ــد(«تحت عن . وق

ــة واليــة الفقيــه الــتي طرحهــا اإلمــام تعــرض فيــه الكــاتب لنظرية الخميني في عصرنا الحاضر. وقد قدم فيها الكاتب قــراءة خاصــــة واليــة الفقيــه الــتي تبناهــا مفادها ـ على وجه اإليجاز ـــ أن نظري اإلمام الراحل تعتبر تجديــدا في الفكــر الكالمي الشــيعي قبــل أنــة تكون تجديدا في الفقه السياسي له؛ وذلــك ألن صــاحب النظري وجد فيها مخرجا مناسبا للخروج من إحراجات فكــرة الغيبــة الــتيــدة، حتى عــاد ال يؤمن بها الكالم الشيعي، والتي طالت قرونا عدي

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد405هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

ــ، فلم يكن يعقلها عقل وال منطق وال عادة ـ حسب تعبير الكاتب ـ مناص من التخلص من تبعات هــذه الفكــرة، أو من هــذا االنســداد

السياسي، إال بالقول بوالية الفقيه. هذه هي الفكر األساسية التي طرحها الكــاتب بشــكل عــام. ولكي نتوفر على رؤية أكثر استيعابا وتفصيال بشــأن هــذه الفكــرةــا وبشــأن أمــور أخــرى اكتنفتهــا حــول موضـوع الغيبــة وغيرهــا فإنــه ــاتب، ثم نتبع ــي لكالم الك ــل النص الحرفـ ــرص أوال على نق نح

بالمالحظة والتعليق عليه. مــا يلي: »الفصــل الثـاني:313قـال مؤلف الكتـاب في ص

تجديد علم الكالم )المشروع الشرقي(: ـ من مفارقات الفكر اإلسالمي )السياســي( أن يتبنى كثـير1

من غير العرب من المسلمين النظرية الشيعية في اإلمامة، وهي تحصر اإلمامة باألسرة العلوية القرشية العربية؛ ألن المفترض أن تكون هذه النزعــة ذات طــابع قــومي، كمــا هــو الحــال في األســر

المالكة في التاريخ والحاضر. ــل2 ــة لم تق ـ والمفارقه األخرى أن مــدارس الشــيعة الفكري

ت الجمــود السياســي في ــا تبن بإغالق باب االجتهاد الفكري، ولكنه تبنيها للوراثة والنص على اإلمام، وباألخص األئمة االثني عشر بعد

، والذين لو حكموا جميعا، بمــا فيهم اإلمــام الغــائب، النتهى|النبية الغيبــة الكــبرى كــانت(697)عصرهم منذ قرون طويلة. ولعل قصــ

مخرجا لهــذه األزمــة، حتى تم الخــروج من هــذا المــأزق بالتجديــدالسياسي بنظرية والية الفقيه.

ــد علم الكالم ــوم وج ــني ي ــام الخمي ــد اإلم ــذا التجدي ــام به ق الشيعي في عقيدة اإلمامة يصــطدم مــع الواقــع، فقــال: »واليــومــؤون ــدير ش ن ي ــخص معي ــد نص على ش ــة ال يوج ــد الغيب في عه

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد406هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

الدولة، فما هو الرأي؟ هل نترك أحكام اإلسالم معطلة؟ أو نرغبــرنين ــاس ق بأنفسنا عن اإلسالم؟ أو نقول: اإلسالم جاء ليحكم الن من الزمان فحسب، ليهملهم بعد ذلك؟ أو نقــول: إن اإلســالم قــد

. (698)أهمل أمور الدولة؟« هذه أسئلة كبرى يطرحها أحد علماء الشــيعة الكبــار، والــذي أراد بهــذه األســئلة أن يهــز الكيــان الفكــري لعلم الكالم الشــيعي اإلمامي االثني عشري، والذي يقول بغيبة اإلمام الثاني عشر حتى

اليوم، وينتظر خروجه ليمأل األرض عدال. هنا من قبل أن بــذرة علم الكالم اإلســالمي بعامــة،3 ـ وقد نب

ــة ــبب الحال ــة األولى بس ــرت بالدرج ــط، ظه ــيعي فق وليس الش المأساوية التي واجهتها األمة اإلسالمية إثــر االنحــراف عن مســارــة االستقامة السياسية بعد الخالفة الراشدة. ولكن الوالدة الحقيقي لم تتم إال بعد اكتمال جــنين علم الكالم في رحم األحــداث طــوال قرنين من الزمان، قدمت األمة اإلسالمية خاللهــا أعــز أبنائهــا في

، فكــانت|ثورات التصحيح الداخلي، وفي مقدمتهم أحفاد الرسول لحظــة والدة فكــرة اإلمــام الغــائب عنــد الشــيعة االثــني عشــريةمتزامنة مع والدة علم الكالم اإلسالمي بعامة، والشيعي بخاصة.

ــالمي ــنع علم الكالم اإلس ــانت من ص ــة ك ــذه األزم أي إن هــني ال الشيعي، وليس من صنع اإلسالم نفسه. ولكن اإلمــام الخمي يستطيع تحدي علم الكالم الشيعي الذي يعتبر هــذه القضــية أكــبرــة اإلســالمية، زه عن غــيره من المــدارس العقدي عقيدة شيعية تميز ــة مــع اإلســالم. لــذا رك والعقيــدة تتســاوى في النظــرة التقليدي أســئلته على مــا بعــد يــوم الغيبــة الــتي طــال انتظارهــا لدرجــة ال

يحتملها عقل وال فقه وال كالم وال سياسة. ـ أي إنه لم يســتطع أن يقـاوم فكـرة الغيبـة، وهـو يعلم أن4

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد407هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

هذه خطوط حمــراء، ال يســتطيع عـالم شــيعي واحــد أن يتحــداها، مهما بلغت قناعته بعدم صحتها شرعيا أو عقليا، وإال احترق، وهذا يشــعرنا بمــدى صــعوبة التجديــد في علم الكالم حتى لــو اصـطدم بالواقع والعقــل والعلم الطــبيعي. لــذا وجه األســئلة الــتي تتحــدىــذي ــأن ال نتائج الغيبة غير المحتملة؛ إذ ال يوجد نص بعد الغيبة، وك

. (699)نص على االثني عشر تخلى عنا، فما هو الرأي اليوم؟« هذه هي قراءة الكاتب لفكــرة واليــة الفقيــه ولفكــرة الغيبــة

في آن واحد. وهنا نسجل مجموعة مالحظات تصحيحية لهذه القراءة على

هذا النص: وهي تتعلق بالمفارقـة األولى الــتي ذكرهـا الكـاتباألولى:

ــة إمامــة في بدايــة بحثــه حــول تبني كثــير من غــير العــرب لنظري ، وهم من األســـرة الهاشـــمية القرشـــية،^األئمـــة االثـــني عشر

فنقول: ـة، والأوال: إن ما ذكره من المفارقة ليســت مفارقـة حقيقي

ــود ــ ــا منهج البحث العلمي؛ ألن المنهج العلمي ينبغي أن يق ــ يقره الباحث إلى التســاؤل أوال، وقبــل تســجيل المفارقــة، عن أســباب هذه الظاهرة التي تبدو مفارقة ألول وهلة، فمــا هــو الســبب وراءــة األئمــة االثــني عشــر الــذين هم من إيمــان غــير العــربي بنظريد مزعمة عارية عن الدليل أم هي قريش؟ فهل هذه النظرية مجر مدعومة باألدلة والــبراهين، بحيث دعت غــير العــربي إلى اإليمــان

بها؟ وإذا كانت مدعومة باألدلة فما هي تلك األدلة؟ والجــواب في مصــادر أهــل الســنة قبــل الشــيعة؛ فــإن هــذه

ــبي ــا الن س له ــ ــد أس ــة ق ــوص|النظري ــة من النص من خالل جملـة عنه ـ ــات المروي ــريقين. نعم، الخالف بينهم في|والبيان ــدى الف ل

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد408هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

ــني رونها في أئمتهم االث ــا. فالشــيعة يفســ التطــبيق والتفســير له عشر؛ النطباق العدد عليهم بشكل واضح، فيما اختلف أهل السنة

في تفسير ذلك. وإليك بعض تلك النصــوص الــواردة في مصــادر أهــل الســنة

قبل الشيعة: ـــ مــا رواه البخــاري في الصــحيح عن جــابر بن ســمرة أن1|النــبي فقــال كلمــة لم«، قــال: »يكــون بعــدي اثنــا عشــر أمــيرا

. (700)أسمعها، فقال أبي: إنه قال: »كلهم من قريش« ـ مــا رواه مســلم في الصــحيح عن جــابر بن ســمرة قــال:2

ــبي ــع أبي على الن ــر ال|دخلت م ــذا األم ــول: »إن ه ــمعته يق فس ، قــال: ثم تكلم بكالم«ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشــر خليفة

.«خفي علي، قال: فقلت ألبي: ما قال؟ قـال: »كلهم من قـريش. (701)وقد رواه بتسعة طرق

ـ ما رواه أحمد بن حنبل عن الشعبي، عن مســروق، قــال:3 كنا جلوسا عند عبدالله بن مسعود، وهو يقرئنا القــرآن، فقــال لــه رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رســول اللــه كم يملــك األمــة من خليفة؟ فقال عبدالله بن مســعود: مـا ســألني عنهــا أحــد منـذ

فقـال:|قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله ورواه في موضــع آخــر.(702)»اثنا عشر عدة نقباء بــني إســرائيل«

أيضا. أنه قال: »يكون بعــدي|ـ ما رواه المتقي الهندي عن النبي4

.(703)اثنا عشر خليفة«ــد5 ـ ما رواه الهيثمي عن أبي جحيفة قال: كنت مع عمي عن

وهو يخطب فقال: »ال يزال أمر أمتي صــالحا حتى يمضــي|النبي اثنا عشر خليفة«، وخفض بها صوته، فقلت لعمي، وكــان أمــامي:

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد409هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

ما قال يا عم؟ قال: »كلهم من قريش«، ثم قال: رواه الطــبراني .(704)في األوسط والكبير والبزار. ورجال الطبراني رجال الصحيح

ـ ما رواه الهيثمي أيضا عن جــابر بن ســلمة قــال: ســمعت6|رسول الله ما ، وهو يخطب على المنبر، وهو يقول: »اثنا عشر قي

من قريش، ال يضرهم عداوة من عاداهم«، فالتفت خلفي فإذا أنا بعمر بن الخطاب رضي الله عنــه في أنــاس، فــأثبتوا لي الحــديث كما سمعت«. قال: رواه البزار عن جــابر بن ســمرة وحــده، وزاد

ــه، فقلت: ثم يكــون|فيه: ثم رجع ـ يعــني النــبي ـــ إلى بيتــه، فأتيت .(705)ماذا؟ قال: »ثم يكون الهرج«. ورجاله ثقات

أنه قال: »ال تزال هذه األمة|ـ ما رواه المتقي الهندي عنه7 مستقيما أمرها، ظاهرة على عدوها، حتى يمضي منهم اثنا عشــر

هم من قريش، ثم يكون المرج . (707)«(706)خليفة كلــر أنه قال: |ما رواه المتقي الهندي عن النبيـ 8 »ال يزال أم

أمـــتي صـــالحا حتى يمضـــي منهم اثنـــا عشـــر خليفـــة كلهم من. «قريشــذا أنه قال: |ما رواه المتقي الهندي عن النبيـ 9 »ال يزال ه

«. الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريشــه قــال: |ما رواه المتقي الهنــدي عن النــبيـ 10 »ال يــزال أن

. «اإلسالم عزيزا إلى اثني عشر خليفة »اليزال هذا أنه قال: |ما رواه المتقي الهندي عن النبيـ 11

األمــر ظــاهرا على من نــاواه، اليضــره مخــالف، وال مفــارق، حتى. «يمضي منهم اثنا عشر خليفة من قريش

ــه قــال: |ما رواه المتقي الهنــدي عن النــبيـ 12 »ال يــزال أن. «أمر هذه األمة ظاهرا حتى يقوم اثنا عشر كلهم من قريش

ــه قــال: |ما رواه المتقي الهنــدي عن النــبيـ 13 »ال يــزال أن

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد410هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

أمر هذه األمة هاديا على من نــاواه حتى يكــون عليكم اثنــا عشــر. «خليفة كلهم من قريش

ــه قــال: |ما رواه المتقي الهنــدي عن النــبيـ 14 »ال يــزال أن الدين قائما حتى تقوم الســاعة، أو يكــون اثنــا عشــر خليفــة كلهم

«. من قريشــه قــال: |ما رواه المتقي الهنــدي عن النــبيـ 15 »ال يضــر أن

هــذا الــدين من نــاواه حتى يقــوم اثنــا عشــر خليفــة كلهم من«. قريش

»يملك هــذه أنه قال: |ما رواه المتقي الهندي عن النبيـ 16. «األمة اثنا عشر خليفة كعدة نقباء بني إسرائيل

ــه قــال: |مــا رواه المتقي الهنــدي عن النــبيـ 17 »يكــون أنــذلهم، كلهم من ــا، ال يضــرهم من خ م ــا عشــر قي ــة اثن ــذه األم له

. «قريشــه قــال: |مــا رواه المتقي الهنــدي عن النــبيـ 18 »يكــون أن

. «بعدي من الخلفاء عدة نقباء موسىــون من أنه قال: |ما رواه المتقي الهندي عن النبيـ 19 »يك

. «بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ليست المفارقة في اتباع غــير العــرب لمبــدأ اإلمامــةثانيا:

ـة|الذي أسسه النبي في ضـوء األخبـار الســابقة وغيرهــا من األدلبــع العــرب التي لسنا في صدد بحثها، وإنمــا المفارقــة هي أن ال يت

ــ كمــا|المبدأ الذي أسسه النبي ، والذي يقوم على أساس قومي ـ يقول الكاتب في توصيفه لفكرة األئمة االثني عشــر ـــ. فهــذه هي

المفارقة الحقيقية التي يجب االنتباه إليها، واألخذ بها. تتعلق بالمفارقة الثانية التي ســجلها الكــاتب علىالثانية: و

ر عنهــا ـــ، حيث لم تغلــق بــاب مدارس الشيعة الفكرية ـــ كمــا عب ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

411هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

االجتهاد الفكــري من جهــة، إال أنهــا وقعت في الجمــود السياســي بتبنيها لنظرية النص واإلمامة والتزامها باالثني عشر إماما، الــذينــراغ ــيعي في ف ــر الش ــع الفك ــرهم، ولوق ــوا النتهى عص ــو حكم ل سياسي، كما يقول، فجاءت فكرة الغيبة مخرجا من هــذه األزمــة،ــة فلما طال عهد الغيبة ولم يأت اإلمام المنتظر جاءت فكــرة والي

الفقيه كمخرج من هذه األزمة. وهنا نسجل المالحظات التالية:

ـ إنه قد تقدم في النقطة السابقة أن فكــرة األئمــة االثــني1 عشر ـ سواء أسقطناها على نظرية اإلمامة لــدى الشــيعة أو على غيرها ـ هي فكرة إسالمية نبوية أصيلة، وليست دخيلة على الفكر السياسي في اإلسالم. فقد روت مصادر الفـريقين مضـمون هــذه الفكرة بروايات كثيرة جدا، تصل إلى حد التواتر أو يزيد. ولذا فإنــدر اإلشكال عليها، ونعتها بالجمود السياسي، هو إشكال على مص

ــوحى،|تشريعها األول ، الذي ال ينطق عن الهوى، إن هو إال وحي يوال سيما في مثل هذا األمر الذي يخص مستقبل األمة وكيانها.

ــالفكر السياســي2 ـ إن إشكال الجمود السياسي ال ينحصر ب اإلمامي، بل يتوجه إلى المدارس الفكرية السياسية األخرى، التيــا ــحاحها وفي موروثه ــر في ص ــني عش ــة االث ــات األئم روت روايــة، وال ســيما أن هــذه المــدارس كــانت الروائي ومصادرها الحديثي تؤمن بفتح باب االجتهاد، ولم تقل بغلقــه إال في القــرن الســادس

فما بعد. ــه تأسيســا على مــا تــذهب إليــه الشــيعة من أن أمــر3 ــ إن ـ

اإلمامة شأن ديني وإلهي محض ال دخل فيه إلرادة األمة، كمــا هــوــغ هــذا األمــر اإللهي|األمــر في منصــب النبــوة، وأن النــبي قــد بل

ببيانات عديدة ومناسبات كثيرة ـ منها: حديث األئمة االثــني عشــر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد412هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

المتقدم، ومنها: حديث الغدير، وحديث الثقلين، والمنزلة، وسواهاــا لضــمان مســتقبل ـ، فإن فكرة اإلمامة تكون حينئذ مخططــا إلهي األمة بعـد العهــد النبـوي، ويســتنفذ هـذا المخطط أغراضـه ضـمن

إذا مــا حكمــوا، ثم^الوضــع الطــبيعي لواليــة األئمــة االثــني عشرــه يحكم بعــد اإلمــام الثــاني عشــر جماعــة من تقوم الساعة، أو أن ذريته ـ على ما في بعض النصــوص ـــ ثم تقــوم الســاعة. وبهــذا ال يكون أي فراغ أو انسداد سياسي كما يقول الكاتب. فلعل األمــورر ـ كما يفهم من النصوص ـ كانت تمضي وفق هذا السياق لوال تغيــذ ــري. وحينئ ــتبداله بالمخطط البش ــار المخطط اإللهي، واس مسنة؛ كي فمن الطبيعي أن يتوقف المخطط اإللهي، ويجمد مدة معيــة يعطي للمشروع البديل فرصة يمارس فيها تجربته، وتحصد األمــا ــام في تأريخن ت باألرق ــا هــو مثب ــا الســلبية المــدمرة، كم نتائجهــل اإلسالمي، حيث الويالت التي جرت عليه منذ واقعة كربالء، وقت

وعياله بتلك الفاجعة المؤلمــة، إلى وقعــة الحــرة في|سبط النبي المدينـة، وهــدم الكعبـة الشــريفة وضـربها بـالمنجنيق، إلى القتــل

وتصفيتهم جسديا، كقتل اإلمــام زيــد بن علي،|الذريع لذرية النبيــل اإلمــام موســى بن جعفر ــة، وســجن ثم قت ،’وذي النفس الزكي

ــكري، إلى وولده اإلمام الرضا، وولده الجواد، ثم الهادي، ثم العس غير ذلك من الدماء البريئـة الـتي سـالت، وفـوق كـل ذلــك ضـياع مســتقبل األمـة في متاهـات ال زلنـا نعيشــها في واقعنـا المعاصـر على الصــعيد العــربي واإلســالمي. فــإذا مــا أعلن هــذا المشــروع إفالسه، ورجعت األمة إلى تبني المشروع اإللهي الحقيقي بشــكلــودة ــذ، وع ــروج المنق ــية لخ ــباب واألرض ـأت األس ـ ــوعي، وتهي ط المشروع اإللهي ثانيــة إلى مســرح الحيــاة؛ كي يســتنفذ أغراضــه،

. ×انتهت فترة الغيبة، وظهر اإلمام المهدي الموعود ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

413هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

وفي ضوء هذا التصور فإن إشــكالية الفــراغ السياســي غــيرر المخطط واردة بتاتــا؛ ألن فكــرة الغيبــة إنمــا جــاءت نتيجــة لتغي ــا ــة، وليس مخرجـ ــادة األمـ ــاره في قيـ ــه عن مسـ اإللهي وحرفـ

إلحراجات فكرة اإلمامة كما قيل. وأما تفريـع فكـرة واليـة الفقيـه على فكـرة الغيبـة، والربـطــات بينهما على أساس أن الفكرة األولى جاءت مخرجا من إحراج فكرة الغيبة، فهذه هي فكرة المقــال األساسـية، الـتي يريــد الـردــذا نفردهــا بشــكل مســتقل في المالحظــة عليهــا ومناقشــتها. ول

الثالثة. ولنبـــدأ من حيث أنهى الكـــاتب كالمـــه في النصالثالثــة:

المنقول عنه سابقا، حيث ذكر أن فكــرة الغيبــة ـــ أو أزمــة الغيبــةر ـ هي من نتاج الفكر الكالمي الشيعي، وليست من صــنع كما يعب اإلســالم نفســه. ولمــا كــان القفــز على هــذه الفكــرة أو تجاوزهــاــل إلى ــرة تص ــا فك ــني؛ باعتباره ــام الخمي ــع اإلم ــا عن وس خارج مستوى الثابت الديني الــذي ال يمكن تجــاوزه، فقــد طــرح اإلمــامــة الخميني فكرة والية الفقيه كمظلة إنقاذ ونجاة للمذهب من حال االنسداد السياسي التي أصيب بها. وقد اعتبر الكاتب عمل اإلمام

الخميني إنجازا تجديديا على صعيد الكالم الشيعي. ح ــتي يمكن أن توضــ ــا نضــيء على جملــة من األمــور ال وهن

حقيقة الحال حول رؤية الكاتب هذه: ــاه الكــاتب حــول فكــرة الغيبــة،1 ـ إن هــذا الطــرح الــذي تبن

ناتجة عن الفكــر الكالمي الشــيعي الــذي ظهــر«واعتبارها »أزمةد استنتاج تنقصه الكثير بعد قرنين من انتهاء مدة الخالفة، هو مجرـة ـ ــوص التاريخي ــل إن النص ـة. ب ـ ـة والعلمي ـ ــواهد التاريخي من الشــة تثبت عكســه، حيث إن الروايــات الــواردة حــول فكــرة والروائي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد414هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

د والدة هــذه الفكــرة قبـل الغيبة، والتي اســتند إليهــا الشــيعة، تؤك ظهــور علم الكالم. وعليــه فهي ليســت من نتاجاتــه وإفرازاتــه؛ إذ

ــبي واألئمــة من بعــده في مصــادر|وردت أحــاديث كثــيرة عن النــإن الفريقين تنص على فكرة غيبة اإلمام الثاني عشر. وبالنتيجة فــة، فكــرة إســالمية فكــرة الغيبــة؛ طبقــا لهــذه المعطيــات الروائي

أصيلة، وليست أزمة ناتجة عن ظهور الفكر الكالمي الشيعي. وفي ما يلي جملة من الشواهد الروائية الدالة على صحة ماــذهب ــاء الم ــا لبعض علم ــادر إخوانن ــة في مص ــاه، وهي مروي قلن

الشافعي والحنفي: ،|، عن رسول الله×ـ روى اإلمام الجويني بإسناده إلى علي

قال: المهدي من ولدي، تكون لــه غيبـة وحــيرة تضــل فيهــا األمم،^يــأتي بــذخيرة األنبيــاء ، فيمألهــا عــدال وقســطا كمــا ملئت جــورا

. (708)وظلما ،|ـ وبإســناده أيضــا إلى جــابر بن عبــد اللــه، عن رســول الله

قال: المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه النــاس بي خلقا وخلقا، تكون له غيبة وحــيرة يضــل فيهــا األمم، ثم يقبــل كالشـــهاب الثـــاقب، يملؤهـــا عـــدال وقســـطا كمـــا ملئت جـــورا

. (709)وظلماــاس، عن رســول الله ، قــال: إن|ـ وبإسناده أيضا إلى ابن عب

علي بن أبي طالب إمــام أمــتي، وخليفــتي من بعــدي، ومن ولــده القائم المنتظر، الذي يمأل الله به األرض عدال وقســطا كمــا ملئت ظلما وجورا. والذي بعثني بالحق بشــيرا، إن الثــابتين على القــول

. (710)به في زمان غيبته ألعز من الكبريت األحمرــدوزي الحنفي عن علي ــ وروى القنـ ــول الله×ــ ،|، عن رسـ

قال: طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتم به في غيبته قبل ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

415هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

قيامه، ويتولى أوليــاءه، ويعــادي أعــداءه، ذلــك من رفقــائي وذوي. (711)مودتي وأكرم أمتي علي يوم القيامة

قـال: البـد للغالم من|ــ وروى الصــدوق بإســناده عن النــبي. (712)غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل

نكتفي بهذا القدر من الروايات الكثيرة جدا في هذا المجال. ـــ إن فكــرة واليــة الفقيــه الــتي طرحهــا اإلمــام الخميــني،2

ــه في وفعلها في عصرنا الحاضر، لم تظهر ظهورا فجائيا على يدي هذه الفترة، وإنما هي فكــرة طرحهــا من قبلــه كبــار الفقهــاء فيــة التخصصــية، وانتهــوا إلى صــحتها وصــحة األدلــة بحــوثهم الفقهي

ــاء القــرن726الدالة عليها. فهذا العالمة الحلي) هـ(، وهو من فقه الثامن، يظهر من عبارته القول بذلك في بحث الحدود، حيث ذكر أن إقامتها من صــالحيات الفقيــه، ثم قــال »األقــرب عنــدي جــواز ذلك للفقهاء. دليلنا: تعطيل الحدود يقضــي إلى ارتكــاب المحــارمــا وانتشار المفاسد، وذلك أمر مطلوب الترك في نظر الشرع، وم

، وغــير ذلــك من األحــاديث×رواه عمــر بن حنظلــة عن الصــادق الدالة على تســويغ الحكم للفقهــاء، وهــو عــام في إقامــة الحــدود

. (713)وغيرها«ــركي) ــرنين جــاء المحقق الك ــد ق د نفس940وبع ــ( ليؤك هـ

ــ على أن فق أصحابنا ـ رضوان اللــه عليهم ـ الرأي، حيث قال: »اتــه ر عن ــوى، المعب ــرائط الفت ــامع لش ــامي الج ــدل اإلم ــه الع الفقي بالمجتهد، نائب من قبل أئمة الهدى ـ صلوات الله وســالمه عليهم

. وواضــح أن(714)ـ في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل«أهم ما للنيابة فيه مدخلية هو مسألة الحكم.

وفي القرن الثالث عشر كتب ثالثة فقهاء بــارزين من فقهــاءاإلمامية بحوثا ضافية حول والية الفقيه. فقد كتب الفقيه النراقي)

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد416هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

هـ( حول هذه المســألة وأدلتهــا ـــ وهي عبــارة عن اإلجمــاع1245 والنصــوص البالغــة تســعة عشــر روايــة، من قبيــل: العلمــاء ورثــةــالم، وأن على األنبياء، وأمناء الرسل، وخلفاء النبي، وحصون اإلس

(80أيديهم مجاري األمور وغيرها ـ، وقد بحث هذه المســألة في )(.54صفحة، في العائدة رقم )

ــاوين ــدما بحث«ثم تاله المحقق المراغي في كتابه »العن عنــألة في ) ــة16المس ــوم في »بلغ ــر العل ــه بح ــفحة، ثم الفقي ( ص

الفقيه«. ثم جاء دور اإلمام الخميني لتتــويج تلــك الجهــود، ونقلهــا من مرحلة التنظير إلى مرحله التطبيق والتفعيل العملي. وعليــه فــإن

فكرة والية الفقيه قد مرت بعدة أدوار، وهي كالتالي: ـــ مرحلــة الصــيرورة واالنبثــاق على يــد العالمــة الحلي1

والمحقق الكركي، وربما على يد فقهاء آخرين سبقوهم في ذلك، كــأبي الصــالح الحلــبي، في بعض كلماتــه في كتابــه »الكــافي في

. «الفقه ـ مرحلة التنظير والتكامل على يد النراقي والمراغي وبحر2

العلوم. ــة واليــة الفقيــه وإحيائهــا ثانيــة في3 ـــ مرحلــة بلــورة نظري

ــة لإلمــام الخميــني في الســبعينات، والــدعوة إلى البحــوث الفقهي تطبيقها، وإقامة الحكومة اإلسالمية على أساسها، وذلك من خالل

ك الجماهيري. إطالق الثورة والتحرــد اإلمــام4 ــذ في آن واحــد على ي ــة التقــنين والتنفي ــ مرحل ـ

الخميني. ـة5 ـ ــود العلمي ــري، من خالل الجه ــق النظ ــة التعمي ــ مرحل ـ

ــة الفقيه «والبحثية التي بذلها الفقهاء والمحققون بعد كتاب »والي ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد

417هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

لإلمـــام الخميـــني، حيث صـــدرت موســـوعات وكتب ودراســـاتــورة هــذه ــق وبل ــاه؛ لغــرض تعمي ــيرة في هــذا االتج ومقــاالت كث

الفكرة. والغرض من هذا العرض هو أن هذه الفكــرة قــد مــرت عــبر هذه القــرون العديــدة، وكــانت بمــرأى ومنظــر العديــد من فقهــاءه أحــد ريها ومثقفيها وساستها وقادتها، فكيف لم يتنب الطائفة ومفك منهم إلى أن هذه الفكرة يراد بها تجاوز قضية الغيبــة أو االلتفــافــة فكــرة الغيبــة حولها أو الخروج من إحراجاتها، وال سيما مع أهمي في الفكر الشيعي، والحرص البــالغ على تثبيتهــا، كمــا اعـترف بـهــة أخــرى ال تقــر الكاتب نفسه، وال سيما كذلك مع وجود آراء فقهي مبدأ والية الفقيه وتتحفظ عليه؟ لكن أحدا من هــؤالء وغــيرهم لمــة يخطر بباله مثل هذا التحليل الذي طرحه الكاتب؛ لكونه في غاي البعد والغرابة. وال شك أنه ناشئ عن عدم اإللمام الكافي بطبيعة

الفكر اإلمامي، وال سيما في قضية الغيبة. والجدير ذكره أن فكرة واليــة الفقيــه لم توضــع لــدى البعضــا ــاذ أطلقه ضمن سياقها الصحيح. فبينما يعتبرها الكاتب مظلة إنقــود ــة الجم ــيعي من حال ــالفكر الش ــروج ب ــني؛ للخ ــام الخمي اإلم السياسي التي مني بهــا جــراء فكــرة الغيبــة نجــد البعض يعتبرهــا غطاء شرعيا لتمرير مكاسب سياسية من خالل إطالق يد الحــاكم

، وتكــريس صــالحياته ونفــوذه وحاكميتــه«الذي يسمى بـــ »الفقيه على المجتمــع؛ كي يتم ذلــك باســم الــدين. بيــد أن هــذه مغالطــةــة. والــذي يكشــف عن خطــأ هــذه أخرى تثار في وجه هذه النظري

ــفة »الفقاهة ــو ص ــة ه ـة« المغالط ـ ــرطا في حاكمي ــأخوذة ش الم الفقيه، وهي تعني حاكمية الفقه والتشريع على الحيــاة، وال تعــنيــه ــة الفق حاكمية اآلراء الشخصية للفقيه. والضمانة إلعماله حاكمي

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد418هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

في آرائه، دون أهوائه، هو أمران: ــة مناألول ــون من جماعـ ــادة المكـ ــبراء القيـ : مجلس خـ

الفقهــاء الــذين يشــرفون على ســلوك القيــادة وأدائهــا وقراراتهــا ومدى مطابقتها مع الشــرع. وهــؤالء يتم انتخــابهم من قبــل األمــة

مباشرة. ــمانةالثاني : اشتراط العدالة في شخص الفقيه الحاكم كض

لسالمة حاكميته وقراراته، فمتى ما أخــل بالعدالــة زالت حاكميتــه بشكل تلقائي، بال حاجة إلى عزله من قبل مجلس خبراء القيــادة. نعم، قرار هذا المجلس بعزله يعلن لألمة فقده لصالحية الحاكمية

والحكم مباشرة.ص في وعليه لم تكتف هذه النظرية بشرط الفقاهة والتخصــــظ ــة، كضــمانة لحف ــه العدال ــل اشــترطت في ــه فحســب، ب الفقي االســتقامة والنزاهــة في آرائــه وممارســاته؛ كي ال يخــرج بهــا عن العمل للصالح العام. والمسؤول عن توفر هذه الضمانة )العدالــة( هو رقابــة األمــة، من خالل مجلس الخــبراء الــذي يتم انتخابــه من قبل الشعب، ويشرف إشرافا قانونيا على قيادة الفقيــه وتســييرهصــف ممارســات الحــاكم ــه إذا لم تت لألمــور. ولهم حــق العــزل لــب، د إعالن قانوني فحس رة، وقرارهم بعزله مجر بالشروط المقر وإال فهو معــزول من منصــبه بحكم الشــرع قبــل إعالن عزلــه من

قبلهم. ـ لقــد جــاء في آخــر كالم الكــاتب وهــو يحكي لســان حــال3

اإلمام الخميني وكأنه يقول: »ال يوجد نص بعد الغيبة، وكأن الــذينص على االثني عشر تخلى عنا، فما هو الرأي اليوم؟«.

ــد ســبق اســتدالل المحقق ــو وجــود النص. وق والصــحيح ه النراقي بتسعة عشر نصا على تولي الفقهــاء للســلطة. والغــريب

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد419هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

ــة ــاب »الحكوم ــه لكت ــه ومراجعت ــع مالحظت ــاتب، م ــف أن الك كي لإلمام الخميني، لم يقف على الروايــات الــتي ذكرهــا«، اإلسالمية

ــة؟ ومن اإلمام الخميني إلثبات حكم والية الفقهاء في زمــان الغيبدا ـــ هــو التوقيــع الصــادر عن جملة ما اســتدل بــه ـــ أو جعلــه مؤي

، الــوارد فيــه: »وأمــا الحــوادث الواقعــة فــارجعوا×اإلمام المهدي ؛(715)فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجـتي عليكم وأنـا حجــة اللـه«

وأيضا رواية: »الفقهاء أمناء الرسل«؛ ومقبولــة عمــر بن حنظلــة؛وغيرها من الروايات التي استدل بها.

وعليه فمع وجود هذه النصوص التي تعالج مسألة الحكم في زمن الغيبة كيف يقال: »إن االمام الخميني كأنه يقول: مع فقدان

النص في زمن الغيبة ماذا نفعل؟«.

وفي الختام ختاما نقول: إنه في الوقت الذي نــرحب فيــه باالنفتــاح على الفكر اإلمامي الشيعي، ودراسته، ونقده، ونعتبر ذلك أمرا إيجابيا،دة في االتجــاه الصــحيح لتفعيــل جميـع مفاصــل الفكـر وخطوة جي اإلسالمي، وعدم إقصاء أوتهميش أي جزء أو تهميشه، فإننا نقول: إن لهذا االنفتاح شروطه وخصوصــياته الالزمــة، وهي التــوفر على قدر كبير من االطالع واإللمام باألسس والخلفيات التي تقف وراءــف اإلنســان على تلــك األســس ال يمكنــه هــذا الفكــر. فمــا لم يق دراســته بشــكل موضــوعي. والــدليل على ذلــك مــا حصــل لهــذهــة واليــة الفقيــه في ســياقها الدراســة، فإنهــا بــدل أن تضــع نظريــر، الصحيح، وأنها جاءت تجديدا فقهيا في الفكر السياسي المعاص اعتبرتها ـ خطأ ـ تجديدا في علم الكالم. وبهذا لم تســتطع إعطــاء

المسألة حقها من الدراسة، ولم تضعها في نصابها الصحيح.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد420هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

وأيا كان فإنا مدعوون لدراسة هذا الفكر؛ من أجــل التعــرفر ــة، فنكــر عليه، والتعامل معه، وأن ال نخطئ في هذا التعامل ثاني الخطأ السابق؛ بتجاهله أو إقصائه أو اتهامه، ولكن بطريقة أخرى، مــع تقــديرنا للنوايــا في التعامــل الجديــد، إال أن النتيجــة ســوف ال تكون مختلفة كثيرا عن السابق، بل قد يكون الخطأ مضاعفا هذه المرة، ألنه بدل أن نقرأ هذا الفكر قــراءة صــحيحة ســوف نقدمــه للقارئ بشكل مشوه ومجتزأ. وهذا مــا يجب أن ينــأى عنــه البحث

الموضوعي. ــزال ر الشكر للكاتب األستاذ عمران ســميح ن مرة أخرى أكر على أصـــل هـــذا التوجه في االنفتـــاح، ونـــدعوه إلى المزيـــد من

المداخالت والقراءات للفكر الشيعي.

الهوامش

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد421هـ1433م ـ 2012

الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

بسم الله الرحمن الرحيمتدعوكم

االجتهاد«مجلة «والتجديد

للمشاركة في ملفاتها الخاصة القادمة تحت العناوين التالية:

ـ التجديد في االجتهاد اإلسالمي، مشروع1 اإلمام الخوئي أنموذجا

ـ فقه المواطنة والمجتمع الديني والمدني2ـ فقه المعارضة في اإلسالم3

تستوعب المجلة مختلف أنواع الدراسات: الوصفية، والتحليلية، والمقارنة، والنقدية،

والتجديدية، وغيرها.

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد422هـ1433م ـ 2012صيف

والية الفقيه بين التجديد الكالمي والفقهي، مداخلة نقدية مع الكاتب عمران •سميح نزال

ـ العـدد الثـالث والعشـرون، السـنة السادســة، صـيف االجتهاد والتجديد423هـ1433م ـ 2012

قسيمة االشتراكمجلة االجتهاد والتجديد

أفراد مؤسسات ......................................................اســــم المشترك:

..........................................................العنوان الكامل: ..............................................................................

...................................الهاتــــف:.................فاكــــس: .................مدة االشتراك:....................... ابتــداء مـــن:

.........................المبلغ:......................عـــدد النســـــخ: .................نقـدا إلى:............................ شيك مصرفي:

..........................التــــاريــخ:.......................التوقيــــع:

االشتراك السنوي 200للمؤسسات دوالر 100لألفراد سائر الدول:

)خالصة أجور البريد(دوالر

ثمن النسخة ل.ل 5000لبنان ل.س 150سوريا ــار2.5األردن دين ــــــــــــــــــــــــــــويت ــــــــــــــــــــــــــــار 3الـك ديـن دينــار 3000العــراق ـة درهمــا 30اإلمــارات العربيـ

ريــاال 30الســعودية ريــاال 30قطــر دينــار 3البحــرين جنيهـــات 7مصـــر ريـــاال 400اليمن ريـــال 3عمـــان

ــانير 5ليبيا شلنا 150الصومال دينار 200السودان دن درهمــا 30المغــرب دينــار 3تــونس دينارا 30الجزائر

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد424هـ1433م ـ 2012صيف

5قـــبرص لـــيرة 20000تركيـــا أوقيـــة 500موريتانيـــا دوالر.10أمريكا وأوروبا وسائر الدول األخرى جنيهات

Al-Egtihad & Attagdeed

Editor-in-chief:

Haidar Hobballah

Editor-in-Director:

Mohamad Dohaini

General Director:

Ali Baqer AL-mousa

Responsible Director:

Rabie Sowaidan

Correspondence:

To the office of the Editor-in-chief

P.O.Box: 25 \ 327 Beirut ـ Lebanon

Summer 2012 6 1433ـ st Year ـ No. 23

E-mail: info@nosos.net

ـ العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد426هـ1433م ـ 2012صيف

ــات46)( محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة لألصول: 1 ، قم، مركز األبحاث والدراسهـ.1421التخصصية للشهيد الصدر،

)( تراث وآثار الشهيد مرتضــى مطهــري )مجلــد العرفــان والــدين والفلســفة، كتــاب2م.2009، بيروت، دار اإلرشاد، 435أصول الفقه(:

، بــيروت، مركــز الغــدير128:ــ 1)( عبــدالهادي الفضــلي، دروس في أصــول الفقــه 3م.2007للدراسات والنشر،

ــة: 4 ، بــيروت، مركــز الحضــارة23)( رشدي عليان، دليل العقــل عنــد الشــيعة اإلماميم.2008لتنمية الفكر اإلسالمي،

.23)( المصدر السابق: 5.452)( المصدر السابق: 6م.2006، القاهرة، دار الفكر العربي، 69)( محمد أبو زهرة، أصول الفقه: 7.70)( المصدر السابق: 8 )( تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهــري )مجلــد الثــورة والدولــة، كتــاب االجتهــاد في9

م. 2009، بيروت، دار اإلرشاد، 351اإلسالم(: ، بيروت، مؤسسة األعلمي، بال تاريخ.124: 2)( محمد رضا المظفر، أصول الفقه 10.22، كتاب العقل والجهل، ح25: 1)( الكليني، الكافي 11.12، ح16: 1)( المصدر السابق 12.59)( المعالم الجديدة لألصول: 13هـ.1425، ×، قم، مؤسسة اإلمام الصادق17)( جعفر السبحاني، رسائل أصولية: 14.10)( دليل العقل عند الشيعة اإلمامية: 15.114)( المصدر السابق: 16.125: 2)( المظفر، أصول الفقه 17)(المصدر نفسه.18.209)( المعالم الجديدة لألصول: 19. 171: 2)( المظفر، أصول الفقه 20.92: 2)( المصدر السابق 21.98: 2)( المصدر السابق 22.289: 2)( المصدر السابق 23.211)( المعالم الجديدة لألصول: 24. 140: 2)( المظفر، أصول الفقه 25 ، بــيروت، دار العلم222)( محمد جواد مغنية، علم أصــول الفقــه في ثوبــه الجديــد: 26

م. 1975للماليين، .92 ـ 91: 2)( المظفر، أصول الفقه 27.92: 2)( المصدر السابق 28.289: 2)( المصدر السابق 29.358)( مغنية، أصول الفقه في ثوبه الجديد: 30.119)( دليل العقل عند الشيعة اإلمامية: 31.237: 1)( المظفر، أصول الفقه 32.239: 1)( المصدر السابق 33.240: 1)( المصدر السابق 34.51)( المعالم الجديدة لألصول: 35 «.إن كتاب المستصفى أواخر إنتاجات الغزالي». 3: 1المستصفى )( 36.251: 1)( المستصفى 37األنصاري، الحاشية على القوانين.)( 38.294: 1)( المستصفى 39.348: 1)( المستصفى 40.424: 1)( المستصفى 41 هـــ.ش:1377)( مركز اإلحصاء في إيران، المجلة السنوية لإلحصاء في البالد، ســنة 42

734..257 ـ 256)( منوشهر مؤتمني الطباطبائي، الحقوق اإلدارية: 43.344: 22)( النجفي، جواهر الكالم 44.136 ـ 135)( يوسف إبراهيم، النفقات العامة: 45.92: 2)( المحقق القمي، القوانين المحكمة 46)( المصدر نفسه.47.461: 2)( اإلمام الخميني، كتاب البيع 48، تعريب: عبدالحسن آل نجف.187)( النائيني، تنبيه األمة وتنـزيه الملة: 49.282)( آيتي، تأريخ نبي اإلسالم: 50.26)( الحراني، تحف العقول: 51.56)( الكتاني، التراتيب اإلدارية: 52.53)( نهج البالغة، الكتاب رقم 53.34)( المصدر السابق، الخطبة رقم 54.316: 2)( محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقى 55.161)( نهج البالغة، الخطبة رقم 56.164)( المصدر السابق، الخطبة رقم 57.40)( المصدر السابق، الخطبة رقم 58.227 ـ 219)( آيتي، تأريخ نبي اإلسالم: 59.256 ـ 255: 3)( سيرة ابن هشام 60.53)( نهج البالغة، الكتاب رقم 61.352: 2؛ الخالف 252: 2)( الطوسي، المبسوط 62.234: 75)( المجلسي، بحار األنوار 63.171: 4)( اآلمدي، غرر الحكم ودر الكلم 64.165)( المصدر السابق: 65.377: 2)( باقر شريف القرشي، حياة اإلمام الحسن 66.333)( صبحي الصالح، النظم اإلسالمية: نشأتها وتطورها: 67.1، باب جواز االستنابة في الجهاد، ح22: 11)( الحر العاملي، وسائل الشيعة 68.53)( نهج البالغة، الكتاب رقم 69.15)( المصدر السابق، الخطبة رقم 70.53)( المصدر السابق، الكتاب رقم 71)( المصدر نفسه.72.127)( المصدر السابق، الخطبة رقم 73.155 ـ 154)( انظر: عبد الكريم األردبيلي، فقه القضاء: 74.53)( نهج البالغة، الكتاب رقم 75.6، 5، 4)( للتفصيل انظر: محمد رضا الحكيمي وغيره، الحياة 76.53)( نهج البالغة، الكتاب رقم 77)( المصدر نفسه.78.1 )نفقة النصراني إذا كبر وعجز(، ح19، باب 49: 1)( وسائل الشيعة 79.327: 4)( بحار األنوار 80.306: 2)( العروة الوثقى 81.88: 5)( الكليني، الكافي 82.33: 12)( وسائل الشيعة 83.10)( المصدر السابق: 84.91)( نهج البالغة، الخطبة رقم 85)( المصدر نفسه.86.20)( جعفر مرتضى العاملي، السوق في ظل الدولة اإلسالمية: 87.9: 7؛ الطوسي، تهذيب األحكام 300: 12)( وسائل الشيعة 88.383: 6؛ تهذيب األحكام 300: 12)( وسائل الشيعة 89

؛ المحمــودي، نهج302:ــ 2؛ تــاريخ اليعقــوبي 39:ــ 2)( البالذري، أنســاب األشــراف 90.32: 5السعادة في مستدرك نهج البالغة

.34)( نهج البالغة، الخطبة رقم 91.216؛ تحف العقول: 151: 5)( الكافي 92.177: 4 ×)( محمد الريشهري، موسوعة اإلمام علي بن أبي طالب93.538: 2)( القاضي النعمان، دعائم اإلسالم 94.38، 35: 5)( نهج السعادة في مستدرك نهج البالغة 95.177)( المصدر السابق: 96.53)( نهج البالغة، الكتاب رقم 97.543: 4؛ تاريخ الطبري 53، والكتاب رقم 34)( المصدر السابق، الخطبة رقم 98

؛223ـ: 4؛ الخالف 282؛ االقتصاد: 79ـ: 3؛ رسائل المرتضى 242)( انظر: المقنعة: 99 ؛ مدارك األحكــام143؛ جامع الخالف والوفاق: 579:ــ 2؛ المعتبر 124غنية النـزوع:

؛ الروحــاني، المــرتقى إلى الفقــه األرقى151:ــ 1؛ شــرائع اإلســالم 238 ـ 237:ــ 5 ؛ بـني فضــل، مـدارك تحريـر الوســيلة217:ـ 11؛ مهذب األحكــام 318:ـ 2)الزكاة(

ـ451:ـ 22؛ اإلشـتهاردي، مـدارك العـروة الـوثقى 371 ـ 369)الزكـاة والخمس(: 536ـ: 1؛ فضل الله، فقه الشريعة 172 ـ 167ـ: 3؛ المنتظري، الزكاة 456 )حاصرا

ذلك بسهم الفقراء والمساكين خاصة(؛ و....224: 4)( الخالف 100.9: 5؛ تهذيب األحكام 145: 2)( االستبصار 101.546: 3)( الكافي 102.54: 4؛ تهذيب األحكام 545: 3؛ الكافي 374 ـ 373: 2)( علل الشرائع 103.242؛ المقنعة: 52: 4؛ تهذيب األحكام 547: 3)( الكافي 104.125: 8)( الكافي 105.79: 12)( المازندراني، شرح أصول الكافي 106.555: 3)( الكافي 107.53: 4)( تهذيب األحكام 108)( المصدر نفسه.109.168: 4)( مجمع الفائدة والبرهان 110.168: 3)( المنتظري، كتاب الزكاة 111.53: 4)( تهذيب األحكام 112.104: 10)( مستند الشيعة 113.46: 4)( تهذيب األحكام 114.53: 4)( المصدر السابق 115.600)( مرتضى الحائري، الخمس: 116.601 ـ 600)( المصدر السابق: 117.170: 3)( المنتظري، كتاب الزكاة 118.52: 4)( تهذيب األحكام 119.379: 15)( جواهر الكالم 120.131: 1)( الصدوق، عيون أخبار الرضا 121.347: 4)( هادي النجفي، موسوعة أحاديث أهل البيت 122.225: 9؛ تفصيل وسائل الشيعة 520)( تفسير اإلمام العسكري: 123.473 ـ 471: 1)( انظر: حيدر حب الله، دراسات في الفقه اإلسالمي المعاصر 124.172 ـ 167: 3)( المنتظري، كتاب الزكاة 125.228؛ قرب اإلسناد: 259)( مسائل علي بن جعفر: 126 . ونحــوه خـبر إبـراهيم بن أبي محمـود362؛ التوحيد: 131:ـ 2)( عيون أخبار الرضا 127

(.228: 9الضعيف السند )انظر: تفصيل وسائل الشيعة .283: 3؛ تهذيب األحكام 101)( الصدوق، التوحيد: 128.568 ـ 567: 2)( اختيار معرفة الرجال 129

.756: 2)( المصدر السابق 130.55: 4؛ تهذيب األحكام 551: 3)( الكافي 131)( المصادر نفسها.132)( المصادر نفسها.133.549 ـ 548: 3)( الكافي 134.322)( األنصاري، كتاب الزكاة: 135.549: 3)( الكافي 136 :4؛ تهذيب األحكام 6 ـ 4ـ: 2؛ كتاب من ال يحضره الفقيه 497 ـ 496ـ: 3)( الكافي 137

.91: 2؛ تفسير العياشي 49 ؛ نظــام الحكم في33:ــ 3،ــ 99:ــ 1)( انظر: المنتظري، دراســات في واليــة الفقيــه 138

.452اإلسالم: .180: 12)( انظر: البحراني، الحدائق الناضرة 139.181 ـ 180: 12)( راجع: المصدر السابق 140.88: 4؛ تهذيب األحكام 52 ـ 51: 2)( االستبصار 141.51: 2)( االستبصار 142.181 ـ 180: 2)( كتاب من ال يحضره الفقيه 143.173: 4)( الكافي 144؛ و...180: 2؛ كتاب من ال يحضره الفقيه 391: 2)( المصدر نفسه؛ علل الشرائع 145.237: 5)( انظر: مدارك األحكام 146)( المصدر نفسه.147

؛ روح اللــه الخميــني،315:ــ 3)( محمد باقر الصدر، بحوث في شرح العروة الوثقى 148.441: 3كتاب الطهارة

.568 ـ 517)( راجع: حيدر حب الله، حجية السنة في الفكر اإلسالمي: 149.405: 2)( كتاب الخمس 150.374، 338: 1)( الهاشمي، منهاج الصالحين 151.115: 7)( القمي، مباني منهاج الصالحين 152)( المصدر نفسه.153.400 ـ 399: 2)( الهاشمي، بحوث في الفقه، كتاب الخمس 154.401: 2)( المصدر السابق 155.402: 2)( المصدر السابق 156.539: 1)( الكافي 157.58: 8)( المصدر السابق 158.320)( انظر: الخوئي، كتاب الخمس: 159.129: 4؛ تهذيب األحكام 540: 1)( الكافي 160. 127: 4)( تهذيب األحكام 161.216: 2؛ عيون أخبار الرضا 624)( الصدوق، األمالي: 162

.2: 1)( الذريعة 163ــه كــان164 )( أي تلك األمالي بعد ذلك، بواسطة قــراءة التالميــذ عليــه في مجالســه، فإن

يعلق على تلك المطالب.ار مجــالس درســه، من أمثــال: الشــيخ165 )( والظــاهر أن بعض تالمذتــه األذكيــاء وحضــ

ــانوا ــه في األصــول ك ــدما كــان يملي عليهم الســيد المرتضــى مطالب الطوســي، عن يسجلونها، ثم يتأملون فيهـا، وبعـد ذلـك كـانوا يحضــرون عليــه، ويقـرؤون تعليقــاتهم عليه، وهو يعلق على كلماتهم وتعليقاتهم على كلماته. وبهذا الشكل كــانوا يضــبطون

المسائل العلمية..5 ـ 4: 1)( الذريعة 166 . وتعريف السيد المرتضى هذا أضبط وأفضل وأكمل وأوزن من8 ـ 7ـ: 1)( الذريعة 167

ــة الفقــه، وإذا تعريف الشيخ الطوسي في العدة، حيث يقــول: أصــول الفقــه هي أدلكان تكلمنا في هذه األدلة فقد نتكلم في ما تقتضيه من إيجاب وندب وغير ذلك.

.7: 1)( العدة 168.5: 1)( أكد على بعض هذه المطالب أبو الحسين البصري في المعتمد 169.32 ـ 30: 1)( أنوار األصول 170.2؛ غاية المسؤول: 5)( القوانين: 171.9)( كفاية األصول: 172.29: 1)( فوائد األصول 173.32: 1، أنوار األصول 6: 1)( تهذيب األصول 174.95 ـ 94)( الكفاية: 175.243)( الكفاية: 176.463)( الكفاية: 177ــل: 178 ــ 1)( ولمزيد من االطالع على حكم األعالم الجنسية راجع: شرح ابن عقي ؛126:

.101: 4؛ المبادئ العربية: 249معجم النحو: س علم179 )( فيمكن للتحقيق في هذا الشأن مراجعة كتــاب أرســطو، الــذي عــد مؤســ

، الــذي هــذب ونقح المنطــق،340المنطق، ولقب بالمعلم األول، وكتــاب الفــارابي: ولقبوه بالمعلم الثاني.

.28: 1)( األسفار 180.34 ـ 28: 1)( األسفار 181 )الطبعة الحجرية(.17)( هداية المسترشدين: 182.58؛ منطق اإلشارات: 164)( الدكتور عبدالمحسن مشكاة الديني، منطق نوين: 183.54)( إرشاد الفحول: 184.209: 1)( دروس الشيخ جوادي اآلملي لألسفار )الرحيق المختوم( 185.216: 1)( الرحيق المختوم 186 :1؛ بيــان األصــول 23؛ شرح الشمسية )منشــورات الرضــي(: 18)( شرح المطالع: 187

12.)( المصادر نفسها.188.12: 1)( بيان األصول 189ــه الشــيخ محمــد حســين بن محمــد رحيم، وهــو صــاحب190 )( والظــاهر أن المــراد من

(.150الفصول)ص .7 ـ 4)( الشيخ حجتي، الحاشية على الكفاية )تقريرا ألبحاث السيد البروجردي(: 191 :7)( مجموعة آثار األســتاذ الشــهيد مطهــري )دروس اإلشــارات والنجــاة والشــفاء( 192

238..239: 7)( المصدر السابق 193 ؛211 ـ 210:ـ 13)( مجموعة آثار األسـتاذ الشـهيد مطهـري )المقـاالت الفلسـفية( 194

)شرح منظومة السبزواري(.393: 10.247: 7)( مجموعة آثار األستاذ الشهيد مطهري )دروس اإلشارات والنجاة( 195.248: 7)( المصدر السابق 196 )الطبعة الحجرية(؛ مختصر ابن الحاجب من18)( اقتباس من هداية المسترشدين: 197

.53 ـ 52شرح بيان المختصر لإلصبهاني: ، مع اإلصالح والتهــذيب. ومــع ذلــك212 ـ 209)( اقتباس من حاشية المال عبد الله: 198

ربما ال زال فيه بعض اإلشكال..34: 9)( العالمة الحلي، مختلف الشيعة 199.687)( المفيد، المقنعة: 200.585)( المرتضی، االنتصار: 201.374)( أبو الصالح الحلبي، الكافي: 202.252: 4)( الصدوق، من ال يحضره الفقيه 203.126: 4؛ المبسوط 642)( الطوسي، النهاية: 204 ؛ المحقق الحلي،391؛ ابن حمزة، الوسيلة: 141 ـ 140ـ: 2)( ابن البراج، المهذب 205

:2؛ إرشاد األذهان 376ـ: 3؛ العالمة الحلي، قواعد األحكام 835ـ: 4شرائع اإلسالم 125.

.126: 4؛ المبسوط 642)( النهاية: 206.259: 3)( ابن إدريس، السرائر 207

.252: 4)( من ال يحضره الفقيه 208 )( وليعلم أن هذه التسمية أو الوصف لآلية بلحــاظ أمــر مهم فيهــا، وهــو حكم كاللــة209

األم، الذي تضمنه المقطع الثاني فيها.ــل﴿وتمــام النص: ل يـورث كاللــة أو امـرأة ولــه أخ أو أخت فلك وإن كان رجـ

دس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من واحد منهما السية من الله والله عليم ار وصــ ــر مضــ ا أو دين غي ى بهــ ية يوصــ ــد وصــ بع

.﴾حليم.176)( النساء: 210 ـ242ـ: 7؛ السبزواري، مواهب الرحمن 29ـ: 6)( القرطبي، الجامع ألحكام القرآن 211

243..11)( النساء: 212.291 ـ 290: 7)( مواهب الرحمن 213.144: 18)( ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البالغة 214)( انظر: رضا الصدر، رسالة االختالف في إرث الزوجة.215.34: 9)( انظر: مختلف الشيعة 216.1389، ح393 ـ 392: 2)( انظر: القاضي النعمان، دعائم اإلسالم 217 من ميراث األزواج.6، باب 211 ـ 205: 26)( انظر: الحر العاملي، وسائل الشيعة 218.349؛ الجزائري، قالئد الدرر: 307: 7)( انظر: مواهب الرحمن 219 ؛ الــنراقي،217 ـ 207:ــ 39)( لمزيــد من االطالع راجــع: النجفي، جــواهر الكالم 220

،45، األعداد: ^لة فقه أهل البيتوانظر أيضا: مجـ. 388 ـ 359ـ: 19مستند الشيعة ؛ وغيرها من مصادر فقه اإلمامية.48، 47، 46

.3 من ميراث األزواج، ح5، باب 207 ـ 206: 26)( وسائل الشيعة 221.4 من ميراث األزواج، ح5، باب 207: 26)( وسائل الشيعة 222)( الطوب: اآلجر.223.2 من ميراث األزواج، ح6، باب 206: 26)( وسائل الشيعة 224.9 من المهور، ح58، باب 329: 21)( وسائل الشيعة 225.1 من ميراث األزواج، ح7، باب 212: 26)( وسائل الشيعة 226.2 من ميراث األزواج، ح7، باب 213: 26)( وسائل الشيعة 227.184)( انظر: الخضري، أصول الفقه: 228)( المصدر نفسه.229 1، مقال )ميراث الزوجة من العقار / القســم 45، العدد: ^لة فقه أهل البيتمج)(ــ 230

(، للسيد محمود الهاشمي.2و.25 ـ 22: 3؛ الموسوعة الفقهية الكويتية 48 ـ 15: 39)( انظر: جواهر الكالم 231

1، مقال )ميراث الزوجة من العقار / القســم 45، العدد: ^لة فقه أهل البيتمج)(ــ 232(، للسيد محمود الهاشمي.2و

:2)( انظر: خنجر حمية، فقه المواريث والفرائض )تقريرا ألبحاث السيد فضل الله( 233261.

)( أال وهو الشيخ األرباب )انظر: د. حسين مهر پور، بررسي ميراث زوجه در حقــوق234 ]باللغة الفارسية[.132إسالم وإيران:

ـ253:ــ 2)( انظر: فقه المــواريث والفــرائض )تقريــرا ألبحــاث الســيد فضــل اللــه( 235.309 ـ 301: 5 ـ 4؛ الصادقي، الفرقان في تفسير القرآن 284

ــة)( محمد 236 سردرودي، مقالة بعنوان: )السيرة الحســينية، المصــادر والمراجــع(، مجل، بيروت. 207: 9نصوص معاصرة، العدد

ــة)( محمد 237 صحتي سردرودي، مقالة بعنوان: )التحريف في السيرة الحســينية(، مجل، بيروت. 73: 8نصوص معاصرة، العدد

. 201: 9 مجلة نصوص معاصرة، العدد )(238. 73: 8 مجلة نصوص معاصرة، العدد )(239، دار الزهراء، بيروت. 106أحمد الوائلي، تجاربي مع المنبر: )( 240

، دار التراث، بيروت. 389: 5أبو جعفر الطبري، تاريخ األمم والملوك )( 241.513: 5المصدر السابق )( 242.390: 5 المصدر السابق )(243.393: 5 المصدر السابق )(244.460: 5 المصدر السابق )(245ــ 246 ــبهات: )( ــوق الش ــربالء ف ــاملي، ك ــى الع ــر مرتض ــالمي151جعف ــز اإلس ، المرك

م. 2000للدراسات، م، بيروت. 2007، دار الجوادين، 396عباس القمي، منتهى اآلمال: )( 247.401المصدر السابق: )( 248م، مقتل الحسين: )ـ( 249 )الهامش(، انتشارات الشريف الرضي،264عبد الرزاق المقر

إيران. م، بيروت. 1992، دار المحجة البيضاء، 365عباس القمي، نفس المهموم: )( 250 )المقدمــة(، الطبعــة الخامســة،7:ــ 1محسن األمين العاملي، المجالس الســنية )(ــ 251

انتشارات الشريف الرضي، إيران. . 202: 9مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 252.211، 209، 203: 9المصدر السابق، العدد )( 253م، بيروت. 1980، مؤسسة األعلمي، 137 الصدوق، األمالي: )(254د أخطب الخوارزمي، مقتل الحسـين )(ـ 255 ، الطبعـة األولى، دار أنـوار16:ـ 2أبو المؤي

الهدى، إيران. ، الطبعة األولى، دار161رضي الدين ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: )ـ( 256

األسوة، إيران. . 371 القمي، منتهى اآلمال: )(257 م،1996 )الهــامش(، دار األمــير، 109محسن األمين العاملي، لواعج األشــجان: )(ــ 258

بيروت. م،1981، الــدار اإلســالمية، 111مهـدي شــمس الــدين، أنصــار الحســين: )( محمــد 259

بيروت. . 90: 8مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 260.201: 9مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 261. 12: 2الخوارزمي، مقتل الحسين )( 262.159ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: )( 263. 37: 2الخوارزمي، مقتل الحسين )( 264.139، 104 األمين، لواعج األشجان: )(265، مؤسسة الوفاء، بيروت. 274: 3باقر شريف القرشي، حياة اإلمام الحسين )( 266.236: 3المصدر السابق )( 267م، مقتل الحسين: )(268 . 271، 239 المقر. 209، 203، 201: 9مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 269. 88 ـ 87: 8مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 270. 624 القمي، نفس المهموم: )(271م، مقتل الحسين، )(272 . 282 المقر.145 األمين، لواعج األشجان: )(273.177ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: )( 274.38: 2الخوارزمي، مقتل الحسين )( 275 .449: 5تاريخ الطبري )( 276المصدر نفسه. )( 277. 143: 8نصوص معاصرة، العدد )( مجلة 278. 216: 9مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 279. 230المصدر السابق: )( 280. 180ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: )( 281

.151 األمين، لواعج األشجان: )(282.456: 5تاريخ الطبري )( 283.44: 2الخوارزمي، مقتل الحسين )( 284ــة المرتضــوية، طبعــة261جعفر بن قولويه، كامل الزيارات: )(ــ 285 ، المطبعــة المباركي

هـ، النجف األشرف. 1356حجرية، .225: 9نصوص معاصرة، العدد )( مجلة 286، دار الغدير، بيروت. 19محسن األمين، التنـزيه: )( 287، مؤسسة األعلمي، بيروت. 243 المفيد، اإلرشاد: )(288.195ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: )( 289ي: 355القمي، نفس المهمــوم: )(ــ 290 ، مؤسســة394. والروايــة في رجــال الكشــ

األعلمي، بيروت. ، الطبعة األولى، مؤسسة البعثــة،153:ــ 3مرتضى العسكري، معالم المدرستين )(ــ 291

إيران. .356 القمي، نفس المهموم: )(292. 228، 209، 202، 195: 9مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 293.225ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: )( 294.525 القمي، نفس المهموم: )(295.142الصدوق، األمالي: )( 296.423: 3 القرشي، حياة اإلمام الحسين )(297.184 األمين، لواعج األشجان: )(298.190: 2الخوارزمي، مقتل الحسين )( 299م، مقتل الحسين: )(300 .363 المقر ، مؤسســة66المصدر نفسه؛ وراجع: رضي الدين ابن طاووس، إقبــال األعمــال: )(ــ 301

األعلمي، بيروت. ، شبكة الشيعة العالمية، اإلنترنت. 26المفيد، مسار الشيعة: )( 302.67 ابن طاووس، إقبال اإلعمال: )(303.391 القمي، نفس المهموم: )(304.159: 8نصوص معاصرة، العدد )( مجلة 305. 237؛ المفيد، اإلرشاد: 435: 5تاريخ الطبري )( 306. 71: 2الخوارزمي، مقتل الحسين )( 307م. 1979، دار الفكر، 263: 3ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البالغة )( 308.452: 5تاريخ الطبري )( 309.241المفيد، اإلرشاد: )( 310م، بيروت. 1980، دار التعارف، 138: 3محسن األمين، في رحاب أهل البيت )( 311.49مهدي شمس الدين، أنصار الحسين: )( محمد 312.233: 9نصوص معاصرة، العدد )( مجلة 313.76الصدوق، األمالي: )( 314.54: 2الخوارزمي، مقتل الحسين )( 315، مدرسة چهل ستون، طهران. 104عبد العزيز الطباطبائي، الحسين والسنة: )( 316.160: 8مجلة نصوص معاصرة، العدد )( 317.139الصدوق، األمالي: )( 318.453: 5تاريخ الطبري )( 319(. )الهامش147 األمين، لواعج األشجان: )(320.242؛ المفيد، اإلرشاد: 174ابن طاووس، اللهوف: )( 321.102: 3 األمين، في رحاب أهل البيت )(322م، مقتل الحسين: )(323 .275 المقر.2، ح20، باب 386: 4)( الوسائل 324.228 ـ 227)( الموسوعة الرجالية: 325

.20، باب 387: 4)( الوسائل 326)( المصدر نفسه.327.1، ح21، باب43: 3)( الوسائل 328.2)( المصدر السابق، ح329.1، ح19، باب382: 4)( الوسائل 330.5، ح19، باب383: 4)( الوسائل 331.19، باب384: 4)( الوسائل 332.19، باب385: 4)( الوسائل 333)( المصدر نفسه.334)( المصدر نفسه.335.67)( التبريزي، األنوار اإللهية )رسالة في لبس السواد(: 336.137 ـ 136: 46)( الخوئي، الموسوعة الفقهية 337.120: 3)( الهاشمي، مباحث الدليل اللفظي 338.61 ـ 60)( التبريزي، رسالة في لبس السواد: 339.118: 7)( الحدائق الناضرة 340.349: 5)( السبزواري، مهذب األحكام 341.67)( رسالة في لبس السواد: 342.3، ح21، باب68 ـ 67)( كامل الزيارات: 343.10، ح67، باب238: 3)( الوسائل 344.2، ح8، باب 21: 5)( الوسائل 345.60)( الطوسي، األمالي: 346.508: 14)( الوسائل 347.287: 44)( البحار 348.14)( الوسائل، الجزء 349.10)( مستدرك الوسائل، الجزء 350قين 351 .376: 5)( المجلسي، روضة المت.10: 98)( البحار 352.434: 17)( الحدائق الناضرة 353.1، ح38، الباب 428: 14)( الوسائل 354.432: 13)( الوسائل 355.433 ـ 432: 14)( الوسائل 356.433: 15)( الوسائل 357.2، ح44، الباب 444: 15)( الوسائل 358.3)( المصدر السابق، ح359.5، ح445: 15)( الوسائل 360.1، ح437: 15)( الوسائل 361.1، ح444: 15)( الوسائل 362.4، ح445: 15)( الوسائل 363.1، ح85، الباب 563: 15)( الوسائل 364.5، ح38، الباب 430: 15)( الوسائل 365.7، ح38، الباب 431)( المصدر السابق: 366.10، ح37، الباب 414)( المصدر السابق: 367.69 ـ 68: 15)( مهذب األحكام 368.89 ـ 78: 2)( المرتضى، الذريعة 369.51: 1)( ابن إدريس الحلي، السرائر 370.92 ـ 84)( حيدر حب الله، نظرية السنة: 371.172: 1)( األنصاري، فرائد األصول 372.203 ـ 200)( حسن بن زين الدين، معالم الدين: 373

.234 ـ 233: 47)( الخوئي، الموسوعة الفقهية 374.212 ـ 211: 1)( رسائل الشريف المرتضى 375.118)( الكاشاني، األصول األصلية: 376.183: 2)( األردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 377.277 ـ 274: 47)( الخوئي، الموسوعة الفقهية 378.349: 10)( الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 379.278 ـ 277: 47)( الخوئي، الموسوعة الفقهية 380.310: 1)( الخوئي، صراط النجاة 381.59: 2)( الخامنئي، أجوبة االستفتاءات 382.162)( التبريزي، األنوار اإللهية: 383.123: 9)( مجلة نصوص معاصرة، العدد 384.4، ح4، الباب 89: 17)( الوسائل 385.1، ح61، الباب 118: 25)( الوسائل 386.81)( عبد الحسين صادق، سيماء الصلحاء: 387.93)( عالء النجفي، فتاوى مراجع الدين: 388.72)( الهاشمي، في السيرة الحسينية: 389.239 ـ 238: 98)( البحار 390.284 ـ 283: 44)( البحار 391.1، ح35، الباب 107)( كامل الزيارات: 392.88، الباب 262 ـ 261)( المصدر السابق: 393.115 ـ 114: 45)( البحار 394.325: 8)( تهذيب األحكام 395.29: 10)( الشهيد الثاني، مسالك األفهام 396.64)( فتاوى مراجع الدين: 397.2، ح66، الباب 501: 14)( الوسائل 398.80)( فتاوى مراجع الدين: 399.3)( األمين، رسالة التنـزيه: 400.4)( المصدر السابق: 401.8)( المصدر السابق: 402.61: 2)( الخامنئي، أجوبة االستفتاءات 403.149)( حياة األصفهاني، دراسة وتحليل: 404.464: 2)( صراط النجاة 405.181 ـ 180)( محمد السند، الشعائر الحسينية: 406.158)( التبريزي، األنوار اإللهية: 407. 364: 1الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن )(408. 343: 2)( الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 409 ، ترجمة: أحمد آرام وهمكاران، طبعة131 ـ 130: 13)( ويل دورانت، تاريخ التمدن 410

، طهران، سازمان انتشارات آموزش إنقالب إسالمي.2 ، ترجمة: الــدكتور حســن حبشــي، القــاهرة،158)( تريتون، أهل الذمة في اإلسالم: 411

م.1956دار إحياء الكتب العربية، )( رواية البخــاري )كتــاب الشــهادات(، نقال عن صــالح بن حســين عيــد، حقــوق غــير412

، ترجمة: داود ناروئي، طهران، نشر إحسان.39: 1المسلمين في الدول المسلمة . 267: 5)( قرائتي، تفسير النور 413. 412 ـ 413: 1)( قرائتي، تفسير النور 414 ، ترجمــة:164 ـ 163)( بالنقل عن كويلر يونــغ، الشــرق األدنى: مجتمعــه وثقافتــه: 415

عبد الرحمن محمد أيوب، القاهرة، دار النشر المتحدة. . 116 ـ 114)( الواحدي، أسباب النـزول: 416ــة: 417 ،3، ترجمــة: عــادل زعيــتر، ط146 ـ 145)( غوســتاف لوبــون، الحضــارة العربي

القاهرة، دار إحياء الكتب العربية. . 227)( عباس محمود العقاد، حقائق اإلسالم وأباطيل خصومه: 418، مادة أهل. 169: 1)( مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 419. 231 ـ 228: 21)( جواهر الكالم 420. 616: 2)( دائرة المعارف الشيعية 421ــريم 422 ــرآن الك ــارف الق ــرة مع ــ 5)( دائ ــز 143: ــرآن، قم،فرهنگ، مرك ــارف الق ومع

انتشارات مكتب تبليغات إسالمي، الحوزة العلمية. . 339: 5)( هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما 423. 134: 2)( مكارم الشيرازي، تفسير األمثل 424. 326 ـ 325: 1)( خرمشاهي، دانشنامه قرآن كريم 425. 619 ـ 610: 1)( دائرة المعارف الشيعية 426. 144: 5)( دائرة معارف القرآن الكريم 427. 567: 3)( الكليني، الكافي 428. 416 ـ 412: 7)( تفسير األمثل: 429. 791: 1)( الراغب األصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن 430. 351: 10)( مجمع البيان في تفسير القرآن 431. 413: 10)( مقتبس عن تفسير األمثل 432. 44 ـ 41: 6)( جواهر الكالم 433، باب النجاسات.211: 1)( ترجمة تحرير الوسيلة 434. 245)( عميد الزنجاني، حقوق األقليات: 435:ــ 1)( تفســير القمي 436 ، وروايــات أخــرى762 ـ 593:ــ 1؛ تفســير نــور الثقلين 163

من أبواب األطعمــة15، الباب 371:ــ 16ذكرها صاحب وسائل الشيعة في الوسائل واألشربة.

. 773 فقه: فرهنگ)( محمود هاشمي الشاهرودي، 437. 251: 3)( مجمع البيان في تفسير القرآن 438. 349: 5، نقال عن تفسير الميزان 300 : 7)( تهذيب األحكام 439. 772: 1 فقه فرهنگ )(440. 595 ـ 583: 1)( القرضاوي، نظريات حديثة في الفقه 441، مادة جزى. 195: 1)( مفردات ألفاظ القرآن 442. 247 : 9)( الميزان في تفسير القرآن 443.11)( كالنتري، الجزية وأحكامها: 444

مؤسسة إسماعيليان.146: 2)( تحرير الوسيلة: 445.34)( الجوامع الفقهية، المقنع: 446.556)( الجوامع الفقهية، الغنية: 447.374)( الجوامع الفقهية، النهاية: 448.263: 6)( المبسوط 449.204: 3)( شرائع اإلسالم 450.2:226)( مسالك األفهام 451)( كشف اللثام )شرح للقواعد(. فالمتن يكون للعالمة الحلي، والشرح لبهاء الدين محمد بن الحسن، الملقب بالفاضل الهندي.452.258: 2)( كشف اللثام 453.43: 11)( المغني والشرح الكبير 454.258: 2)( كشف اللثام 455.236: 2)( األم 456.51: 9 من أبواب الذبائح؛ تهذيب األحكام 1، الباب 307: 16؛ وسائل الشيعة 227: 6)( الكافي 457)( المصدر نفسه.458)( المصدر نفسه.459)( المصدر نفسه.460.228: 6 من أبواب الذبائح؛ الكافي 2، الباب 308: 16؛ وسائل الشيعة 213، 51: 9)( تهذيب األحكام 461)( المصدر نفسه.462

من أبواب الذبائح.2، الباب 309: 16؛ وسائل الشيعة 52: 9؛ تهذيب األحكام 228: 6)( الكافي 463.308: 16؛ وسائل الشيعة 326: 3)( من ال يحضره الفقيه 464.309: 16)( وسائل الشيعة 465 )دار الكتب العلمية، بيروت(.223)( مسند اإلمام زيد: 466.281: 9)( البيهقي، السنن الكبرى 467.123: 13)( صحيح مسلم )مع شرح النووي( 468.281 : 9)( السنن الكبرى 469)( المصدر نفسه.470)( المصدر نفسه.471)( المصدر نفسه.472.3244 من أبواب الصيد، ح17، باب 1080: 2)( سنن ابن ماجة 473.280: 9)( السنن الكبرى 474)( المصدر نفسه.475.226: 2)( مسالك األفهام 476.100: 36)( جواهر الكالم 477.272: 2)( رياض المسائل 478ــان )5590)( أخرجه البخــاري )479 (؛3417(؛ والطــبراني في الكبــير )6719(؛ وابن حب

(؛ واإلســماعيلي في272:ـ 3،ـ 221:ـ 10(؛ والـبيهقي )588وفي مسند الشــاميين ) ؛ وابن عســاكر في تــاريخ56:ــ 10المســتخرج على الصــحيح. كمــا في فتح البــاري

. وهو حديث ضعيف سيأتي الكالم على سنده وفقهه في المتن.156: 19دمشق وقد ادعى البعض ثبوت حديث البخاري هذا، أو ما يدور في فلكه من أحاديث شــبيهة ال تثبت، بخمسة شواهد كلها ضعيفة ال تســمن وال تغــني من جــوع، فضــال عن بطالن مبــدأ تقويــة الحــديث بتعــدد طرقــه أو شــواهده، كمــا أوضــحت في أول بحــثي هــذا؛

فإليكها:خ قــوم من هــذه األمـة|الشاهد األول: عن أبي هريرة قال: قال رســول الله : »يمسـ

في آخر الزمان قردة وخنازير، قالوا: يا رسول الله، أليس يشهدون أن ال إله إال اللهــالهم؟ وأن محمدا رسول الله؟ قال: بلى، ويصومون ويصلون ويحجون. قالوا: فمــا ب قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات، فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد

(. وفي سنده ثالث8مسخوا قردة وخنازير«. أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم المالهي )علل:

األولى: سليمان بن سالم، وهو مجهول الحال. والثانية: حسان بن أبي سنان، وحاله دائر بين الجهالة )جهالة حال ضبطه لألحــاديث(

والضعف. ــات ــان في الثق ــول ابن حب ــة؛ فلق ــا الجهال ــ 6أم ــروي عن أهــل البصــرة255: : »ي

الحكايات والرقائق، ولست أحفظ له حديثا مســندا«. وهــذا يــدل على نــدرة روايتــه، ومن ثم صــعوبة تــبين موقفــه. والعجب من ابن حبــان يوثقــه وهــو ال يجــد لــه حــديثا

مسندا يجمعه ويسبره! : »شــغلته العبــادة عن الروايــة«.119:ــ 3وأما الضعف فلقول أبي نعيم في الحليــة

وصدق اإلمـام ابن مهـدي حين قـال: »لم نـر الصـالحين في شــيء أكـذب منهم فيالحديث«.

والثالثة: رجل ـ هكذا مبهم في اإلسناد؛ فهو مجهول العين ـ. فالرواية ساقطة؛ إذ اإلسناد مسلسل بالظلمات!

: »يكون في أمتي خسف ومسخ|الشاهد الثاني: عن عائشة، قالت: قال رسول الله وقذف، قالت عائشة: يا رسول الله، وهم يقولــون ال إلــه إال اللــه؟ قــال: إذا ظهــرت القيان، وظهر الربا، وشربت الخمر، ولبس الحرير، كـان ذا من ذا«. أخرجـه ابن أبي

ر، عن محمــد بن4الدنيا في ذم المالهي ) (، بسند حسن ال بــأس بــه، عن أبي معشــالمنكدر، عن عائشة، به.

وفيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن، وهو ضــعيف جــدا، خاصــة في روايتــه عن ابنالمنكدر، كما في السند الذي معنا.

فالرواية ساقطة.ين، قــال: قــال رســول الله : »يكــون في أمــتي|الشاهد الثالث: عن عمران بن حصــ

قذف ومسخ وخسف، قيل: يا رسول الله، ومتى ذلــك؟ قــال: إذا ظهـرت المعـازف، ( وغــيره، بســند صــحيح،2212وكثرت القينات، وشربت الخمور«. أخرجه الترمذي )

عن عبــد اللــه بن عبــد القــدوس، قــال: حــدثني األعمش، عن هالل بن يســاف، عنعمران بن حصين، به.

وفيه عبد الله بن عبد القدوس، وهو عندي ـ بعد جمع حديثه وسبره ـ ضعيف، يخالف ويأتي بالمناكير. ومن كان هذا وصفه لم يقبل ما يتفرد به. فضال عن عنعنة األعمش؛ــر عنهم، إذ قد يدلس تدليس تسوية في األسانيد التي يرويها عن غــير شــيوخه المكثة التـدليس في حقـه هاهنـا؛ إذ لم يصــرح وليس منهم هالل بن يساف، فرجحت مظنــة حــال تها عنه. وعلى أي بالتحديث بين هالل وعمران، ولم يأت ما ينفيها أو يبعد مظنني أفرغ لها، أو عــل مسألة تدليس األعمش بذاتها تحتاج إلى مزيد بحث ودراسة، عل أحدا من البــاحثين الجــادين يتــولى أمرهــا. والحمــل في هــذا الحــديث على ابن عبــد القدوس أولى؛ إذ قد تفرد بروايته عن األعمش، على الوجه الــذي ســبق، دون بقيــة الرواة الثقات األثبات فيه، بل ومخالفـا إيـاهم؛ إذ قـد رووه عن األعمش، عن عمـرو بن مرة، عن عبد الله بن باسط، به ـ كما سيأتي في الكالم على الشاهد الخامس ـ. فهو حديث غريب منكر، خلط فيه ابن عبد القدوس سندا ـ بإدخاله رواة مكــان رواة

ـ وغلط متنا ـ بذكره لـ »كثرة القينات« بدل »لبس الحرير« ـ. يقــول: »ســيكون|الشاهد الرابع: عن أبي مالك األشعري، قال: سمعت رســول الله

في أمتي الخسف والمسخ والقذف، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قــال: باتخــاذهم ( وغــيره، بأســانيد3410القينات، وشربهم الخمور«. أخرجــه الطــبراني في الكبــير )

صحيحة عن علي بن بحر، عن قتادة بن الفضــيل بن قتــادة، عن هشـام بن الغـاز بن ربيعة بن عمرو الجرشي، عن أبيه )أي الغاز(، عن جــده )أي ربيعــة(، عن أبي مالــك

األشعري. وفيه علتان: األولى: قتادة بن الفضيل بن قتادة. وأراه ال يحتمل أن يتفــرد عن أحــد بروايــة. وهــوقيا في ذلك ما رواه الضعفاء عنــه. عندي ـ بعد جمع وسبر ما تيسر لي من حديثه، متــد وأكثر حديثه في المعجم الكبير للطبراني، ومنه أفراد متفرقات تعد على أصابع الي الواحدة في مســند أحمــد والســنن الكــبرى للنســائي ـــ ضــعيف؛ حيث وجــدت أكــثر مروياته مما تفرد بها عمن روى عنه. والمقرر في علم الجرح والتعديل في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكــون قــد شــارك الثقــات الحفــاظ في كثــير ممــاــروه غــيره رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم أتى بما لم ي عن ثقات المحدثين ومشاهيرهم قبلت روايته. وهو ما لم يوجد في حالة قتــادة. هـذا

في ما انتهى إليه اجتهادي. وال يعترض علي بتوثيق ابن شاهين إياه؛ فإنما وثقه تبعا لتوثيق ابن حبان. ومن عادة ابن حبان ومنهجه أن يوثق المجاهيل؛ اكتفاء بالعدالــة العامــة للمســلمين. ثم إن ابنــابه. حبان لم يأت بأية لفظة تشعر بسبره لحديثه، نحو: »مستقيم الحديث« أو ما ش وليست متابعة ابن شاهين لغيره في التوثيق والتضعيف تقليــدا حــدثا فــذا لم يتكــررق الحارث األعــور، على ضــعفه المعلــوم وجــرح النقــاد مثله منه؛ فابن شاهين قد وثق شبيب بن بشر، على ضعفه المعلــوم وجــرح ر له، تبعا ألحمد بن صالح؛ ووث المفس

ر له، تبعا ليحيى بن معين...إلخ. النقاد المفس أما قول أبي حــاتم في قتــادة بن الفضــيل: »شــيخ« فقــد أراد بهــا، كمـا أوضــح ابنــه مقاصد مصطلحاته ـ كما سيأتي في المتن ـ، أنــه »ممن يكتب حديثــه وينظــر فيــه«، وفوق ذلك هو عند أبي حاتم ـ كما بين ابنه كذلك ـ دون »الصــدوق« الــذي ـــ أيضــا ـ يكتب حديثه وينظر فيه. وها قد نظرنا ـ جريا على ما فهمه الجمهور من مقصود أبي حاتم بـ »النظر«، وسنوضح بعد قليل خطأ ما ذهب إليه الجمهور ـ فوجدناه على مــا

سبق البيان. وقول أبي حاتم »يكتب حديثه« يتبين معناه من قوله: »إذا قالوا ـ يعــني في الــراوي ـــ: مــتروك الحــديث، أو ذاهب الحــديث، أو كــذاب؛ فهــو ســاقط الحــديث، ال يكتب

:1حديثه« )ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل (. ومنه يتضح بجالء أن المــراد بـ37،ــ 1 »يكتب حديثه« أن الراوي »ليس كذابا وال متروكا«، وأما تحديد مــدى درجــة ضــبطه وحفظه وإتقانه فإنها تظهــر بجمــع حديثــه وســبره وعرضــه على مرويــات غــيره من

ه. الثقات...إلخ. ولذلك قال أبو حاتم »ينظر فيه«، فتنبا وســنبين أنــه ن ال أن قول أبي حاتم يعني توثيق الرجل ـــ وقــد بي ولنفترض جدال وتنـز ليس كــذلك مطلقــا ـــ، فكــان مــاذا؟! إني لم أخــالف اإلمــام أبــا حــاتم ألجــل شــهوةت حــديث ذلــك الــراوي، أي مــا تيســر لي المخالفة، ولكني اعتبرت ـــ بمعــنى فحصــ الوقوف عليه منه ـ فوجدته كما أخبرتك من قبــل، فهــل أتــرك مــا أداني إليــه البحث

واالجتهاد لقول اإلمام واجتهاده؟! اللهم ال.ـه فائدة استطرادية: قول أبي حاتم في الثقة: »يحتج بحديثــه« يوازيــه ويفهم بـه قول في من دون الثقة : »يكتب حديثه وينظر فيه«، ويوازيه ويفهم به قوله في من دونــه في من دون الثــالث: »ال الثاني: »يكتب حديثــه لالعتبــار«، ويوازيــه ويفهم بــه قولــارات ــه؛ ألن العب ــه يتضــح أن من دون األول منهم ال يحتج بحديث ــه«. ومن يكتب حديثــرت في مقابلــة األولى؛ أي ألن معــنى العبــارات األخــرى إنمــا جــاء األخــرى إنمــا ذك لمقابلة معنى األولى؛ و»االحتجاج« ال يقابله إال »عدم االحتجاج«، وإنما يكتب حــديثر أو الفقيــه، ويكتب حــديث الثــالث الثاني منهم للنظر فيه؛ لعل فيه ما يفيــد المفســعظ به من أدب ورقائق وحكمة، وال يكتب حديث الرابــع منهم لالعتبار؛ لعل فيه ما يت منهم على أي وجه كان قصد كتابته؛ ألنه ساقط الحــديث رأســا. فجميعهم ـــ في من دون األول ـ ال يحتج بحديثهم، وإنما يكتب على وجه غير االحتجاج نظرا فيه واعتبــارا به ـ على المعنى السابق شرحه للنظر واالعتبار ـ، ال ـ كما يظن النــاس ـــ تقويــة لــه

بغيره ممن هو في درجته أو أضعف. وهذا عبد الرحمن بن مهدي، اإلمام الجليل العلم، يقول ـ في مــا يطــابق مقالــة أبي حاتم ـ: الناس ثالثة: رجل حافظ متقن، فهذا ال يختلف فيه. ورجل يهم والغالب على حديثه الصحة ـ الحظ هذا القيد المفصلي الخطير من هــذا اإلمــام الجهبــذ »والغــالب على حديثه الصحة«، فأي الناس يســلم من الــوهم والغلــط؟! المهم أن يكــون ذلــكــدي ن ابن أبي حاتم مراد ابن مه قليل الحدوث والوقوع ـ فهو ال يترك حديثه ـ وقد بي ومقصوده بعبارة »يترك حديثه« بقولــه: »يعــني: ال يحتج بحديثــه«، وهــذا واضــح من سياقها ـ، ولو ترك حديث مثل هــذا لــذهب حــديث النــاس. وآخــر يهم والغــالب علىــترك حديثــه. أخرجــه ابن أبي حديثه الوهم ـ الحظ هذا القيد المفصلي كذلك ـ فهذا ي

(، وغيرهما، بسند35؛ ومسلم في التمييز )رقم 38ـ، 1ـ: 1حاتم في الجرح والتعديل صحيح عن ابن مهدي. أبعد ذلـك يقـال: إن أئمـة الحــديث يقـوون الحـديث الضــعيف بتعدد طرقه الضعيفة، وهم ال يجيزون كتابتها إال على وجه النظر واالعتبــار، بــالمعنى الذي شرحته لهما، ولم أخترعه من عنــدي، بــل ســياق كالمهم والتأمــل فيــه هــو مــا

ينطق بذلك؟! ثم كيف تصحح األحاديث بتعدد طرقها الضعيفة؟! كيــف ذلــك وهي كتقويــة المــريض بمريض مثله؟! هل هذا طــبيعي؟! اللهم ال، إنــه شــذوذ يزيــد المريضــين ضــعفا على ضعف! وهل تصلح أو تستقيم أو تسير بذلك حياة؟! اللهم ال، إال أن تكون هذه الحياة وهنا من بعد وهن، وعجزا من بعد عجز، وذال من بعد ذل؛ ظلمات بعضها فوق بعض!

وهذا ال يأتي بمثله اإلسالم أبدا، ال منهجا وال تشريعا. والثانية: الغاز بن ربيعة. وهو وإن كان يفتي النــاس في زمن معاويــة، كمــا قــال أبــو نعيم في كتابه )معرفة الصحابة( عنه في ترجمته ألبيه ربيعة، فهو مجهول الحال في الحديث. وليس يكفي لتوثيقه وإثبات ضبطه وحفظه مجــرد روايــة النــاس عنــه، كمــا فعل ابن حبان؛ إذ قد وثقه على عادتــه ومنهجــه في توثيــق الــرواة؛ اكتفــاء بالعدالــة العامة أو الظاهرة، دون سبر حديثهم؛ إذ لم يأت بأيـة لفظـة تشـعر بسـبره لحديثـه،ــه علم ــام علي ــذي ق ــأين المنهج ال ــا شــابه، وإال ف نحــو: »مســتقيم الحــديث«، أو م الرجال؟! أين جمع مروياته وفحصها بالمقارنة بينهــا وبين مــا رواه الثقــات، وبعــرض

معاني ما يحدث به على القرآن وصحيح السنة؟!د قتادة به عن الثقة المكــثر هشــام بن وليس تقوم حجة وال شبهها بإسناد كهذا؛ لتفر

الغاز، دون بقية الرواة األثبات الثقات فيه، ولجهالة مدى ضبط الغاز بن ربيعــة. فهــوحديث غريب منكر.

وثمــة مالحظــة نختم بــذكرها: بمقارنــة متن مــا روى الغــاز بن ربيعــة عن أبي مالــك األشعري هنا بمتن ما روى عنه عطية بن قيس اآلتي ذكره في المتن، يتضــح أنهمــا ـر شــيئا من ــه وغي في ما يغلب على الظن ـ حديث واحد، اختصر بعض الــواهمين متنــد سنده. وال يبعد أن يكون الغاز بن ربيعة ـ إذا سلمنا بثبوت تحديثه لهذا الحديث، وق علمت أن ذلك ال يثبت عنه؛ لضعف قتــادة بن الفضــيل، فضــال عن جهالتـه هـو ـــ قــد سمع الحديث من عطية بن قيس، وكالهما شامي دمشقي كانا في زمن معاوية عنههما. وعطية أيضــا مجهـول الحــال في الحــديث، كمـا ســيأتي معروفين غير صغير سنــه مثال، وهــو وارد؛ أليس بيانه في المتن، كابن ربيعة تماما بتمام، فأخطأ ـ لضعف فيــالعكس ــا. أو العكس ب مجهوال حال ضبطه؟! ـ فيه سندا ومتنا، فرواه على ما مر آنف

مع عطية بن قيس، تماما بتمام.ــه مجهــول مــدى ضــبطه فيعود الحديث في نهايــة األمــر إلى شــخص واحــد، هــو عينــذي فتح وحفظه لألحاديث. فهل يحل في حكم العقول المستقيمة ـ بعد هذا البيان ال

الله به علي ـ تقوية الشيء بنفسه؟! اللهم ال. ثم هل يحل ـ بعد هذا البيــان المطــول ـــ أن يــزعم أحــد ثبــوت مثــل هــذه األحــاديث األفراد الغرائب المنــاكير ـــ مــا ذكــر منهــا ومــا ســيأتي ـــ، أو حــتى أن يقــوي بعضــها

ببعض؟! اللهم ال. الشاهد الخامس: عن عبد اللــه بن باســط، قــال: قــال رســول اللــه: »إن في أمــتي خسفا ومسخا وقذفا، قالوا: يا رسول اللــه، وهم يشــهدون أن ال إلــه إال اللــه؟ قــال:ــيبة في ــه ابن أبي ش ــر«. أخرج ــور، ولبس الحري ــازف والخم ــرت المع نعم، إذا ظه

، بسند صحيح، عن عبد الله بن عمرو بن مرة )وهو صدوق حســن164:ــ 15مصنفه (، بسند صحيح، عن أبان بن تغلب )وهو9الحديث(؛ وابن أبي الدنيا في ذم المالهي )

ثقة(، كالهما، عن األعمش، عن عمرو بن مــرة )وعمــرو من شــيوخ األعمش الــذين أكثر عنهم(، عن عبد الرحمن بن سابط )وهو تابعي ثقة كثــير اإلرســال(، قــال: قــال

رسول الله:.... ســنة...40وهذا مرسل؛ فابن سابط تابعي صغير ولد بعد وفاة رسول الله بحــوالي

ولو سمع هذا الحديث من صحابي ـ أو حتى من ثقــة عن ثقــة ـــ لبــادر إلى تســميته.والله لم يكلفنا ـ وال يتصور ذلك منه ـ أخذ الدين عمن لم يعرف.

(، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الــرحمن1716وأخرجه نعيم بن حماد في الفتن ) بن سابط، به. ونعيم بن حماد متروك الحديث. وليث ضعيف. فأية متابعة هذه لعمرو بن مرة وراويها ـ أقصد نعيما ـ متروك ال يســتبعد منــه الغلــط في األســانيد، بــل هــو األصل في كل ما يرويه، ولذلك جاء لنــا بهــذا اإلســناد الجديــد، ذاكــرا ابن أبي ســليم وغيره، ومسـقطا األعمش وغـيره؟! هنيئـا لمصـححي الحــديث )راجـع لزامـا تعليقي على الشاهد الثالث؛ للصلة الوثيقة بينه وبين الخامس هذا؛ إذ هما في حقيقــة األمــر

حديث واحد(. وفي ختام هذه الوقفة الحديثية المطولة التي فتح الله بها علي أقــف مــع فقــه هــذه األحاديث ـ على ضعفها، وعدم جواز االحتجاج بها أو البناء عليها ـ عدة وقفات، لها ما

بعدها، مما سيرد في المتن إن شاء الله:ــل في ــة ستحص ــبر عن حادث ــا، فهي تخ ــبر، وليس حكم ــاديث خ ــذه األح األولى: ه المستقبل، عن قوم هذه صفاتهم، سوف ينـزل بهم مسخ وكذا وكذا. إن اإلخبــار عن

حدث غير الحكم فيه بحل أو حرمة. والعقوبــة الــواردة فيهــا لم تحصــل رغم وقــوع مــا علقت عليــه من أمــور منــذ ألــف

بمثــل هــذه|وأربعمائة سنة. وهذا دليل، ال مــدحض لــه، على عــدم تحــديث الرســول األحاديث، وإال كان في ذلك نسبة الكذب إليه وإلى من أرســله؛ إذ لم يقــع مــا أخــبرا

به، وهو محال. والثانية: ال تشير هذه األحــاديث إلى كــون العقــاب قــد حــل عليهم لمجــرد ســماعهم للمعازف، وإنما لكون الفقير يــأتيهم لحاجــة، فيبخلــون عليــه، بينمــا هم غــارقون في

ــك، مســتحلون ــازف، مســتعذبون ذل ــور واســتماع المع ــا وشــرب الخم ــا والخن الزنــأتيهم، ومستحلون إياه، البسون للحرير متنعمون به، ومع ذلك يــردون الفقــير حين يــاح الحالل في لعنهم الله. إن اجتماع هذه األمور، ال مجرد وجود أفرادها؛ إذ منها المب

ذاته ونفسه، كما سيأتي بيانه في المتن، هو ما أنزل بهم العقوبة المزعومة.بت عليــه والثالثة: إن لفظ »الظهور« الوارد في عــدد من هــذه األحــاديث، والــذي رت العقوبة، إنما يقصد به ــ كمـا هـو ظـاهر ــ كـثرة ذلـك وظهـوره وانتشـاره وشـيوعهس بــذلك أو مواقعتــه، وإال فالمعــازف واإلسراف فيه وحدوثــه مقترنــا، ال مجــرد التلب والقيان والحرير والزنا وشرب الخمور موجود في كل كل زمان ومكان، زمن النــبي

وما قبله وما بعده، إلى يوم الناس هذا. وانتشار وشيوع تلك األمور ال يقع بالفعل اليسـير في حيــاة جـادة، وإنمـا ظهـر حـتى صار غالبا على غيره، وهذا في جملته يفيد االستغراق في أمرين، دون مراعــاة حالل أو حرام، اعتدال أو إفراط، هما: اللهو والــترف. وهــذه حــال مــا تمكنت من قــوم إال

ط عليكم|هلكوا. تذكر قوله : »والله، ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبســطت على من كــان قبلكم، ـ الحظ دقة التعبير: »عليكم« ال »لكم« ـ الــدنيا كمــا بســ

فق عليه[. فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم« ]متمون، فإنما هي فمثل هذه األحاديث، على ضعفها، ال يستفاد منها ما ذهب إليه المحر إعالم لألمة بخطر اإلغــراق في الملــذات الزائلــة. أمــا أحكــام أفــراد هــذه الجزئيــات فيعود ـ كما سيأتي بيانه في المتن ـ إلى إثبات حكم كل جزئية ببرهان مســتقل غــير

أعيان هذه األحاديث. والرابعة: إن نصوص بعض هذه األحاديث، أي المسخ والقــذف إذا ظهــرت المعــازف والقيان، وما شابه ذلك، ال تــدل على تحــريم المــذكورات فيهــا إال بــدليل أجنــبي عن ذات هــذه األحـاديث. أرأيت إذا قيــل: »إذا تطـاول النـاس في البنيـان ســيحدث كـذا وكذا، وإذا كثرت األموال سيحدث كذا وكذا، وإذا كثر الخطباء وقل العلماء ســيحدثد التطــاول في البنيــان وكــثرة األمــوال وكــثرة كذا وكذا...إلخ« هل يعني حرمة مجــر الخطبــاء وقلــة العلمــاء؟ اللهم ال، وإنمــا يعــني، عنــد كــل ذي لب، أن هــذه األمــور،ــر. فال داللــة في هــذه بمجردها، مجرد عالمات، ال أكثر وال أقــل، على حــدوث مــا ذك النصوص على تحريم المذكورات بذاتها مطلقا. وإنما هي من بــاب أحــاديث عالمــاتــك الساعة: أن ترى أو يحدث كذا وكذا، فإذا رأيت تلك المذكورات أو حدث مــا أخبرت

به فانتظر الساعة. والله تعالى أعلى وأعلم. ، وفي12161،ــ 583:ــ 8)( هذا هو الصحيح. وإليه ذهب المزي في تحفة األشــراف 480

ترجمته لعطية بن قيس في تهذيب الكمال. وكذا قال ابن حجر في هــدي الســاري ـ مقدمته لفتح الباري ـــ. وكــذا قــال د. بشــار عــواد في تعليقــه على تهــذيب الكمــال،

للمزي. )( وزيــادة في تحريــر موضــوع تعليــق البخــاري لبعض األحــاديث ـــ للمهتمين بعلــوم481

الحديث وفنونه ـ نقول ـ على طريقة السؤال والجواب ـ:السؤال األول: لماذا يعلق البخاري بعض األحاديث واآلثار في صحيحه؟

اإلجابة: إنما يعلق البخاري بعض األحاديث في صحيحه بصيغة الجزم ألسباب هي: ـ أن يكـون قـد أخـرج مـا يقــوم مقامهـا؛ فال داعي لتكــرار الحـديث بسـنده كـامال،1

فيورده معلقا.ـ أن يكون أخذها في حال المذاكرة. والمذاكرة غير مجلس السماع:2

مجلس السماع هو المجلس الذي يتصدى فيه الشيخ للتحديث، ويسمع الطالب منه، يا أو يقرؤون عليه وهو يسمع. وهي مجالس إمالء وتحديث، يكون المحدث فيها متحرتا أشد ما يكون التحري والتوقي والتثبت، والطالب منتبه أشد ما يكون ومتوقيا ومتثب االنتباه، يكتب أو يحفظ أثناء السماع أو يعارض إذا كان عنده النسخة التي تقرأ على

الشيخ المحدث. أما المذاكرة فهي قريبة الشبه بمجالس المذاكرة الــتي يعرفهــا النــاس اآلن، يجلس المحدث مع بقية المحدثين، ويقــول لهم: أنــا أروي حــديث كــذا وكــذا وكــذا، وعنــدي ــا ي ــا وال متحر رواية من رواية فالن عن فالن عن فالن... والمحدث هنا ال يكون متوقي

توقيه وتحريه الذي يفعلــه في مجــالس التحــديث. ومن ثم فاحتمــال الــوهم فيهــا أواالختصار أو الرواية بالمعنى احتمال وارد.

ولذلك يجنح اإلمام البخاري إلى أن يميز هــذه الروايــات الــتي تلقاهــا بالمــذاكرة عن الروايات التي تلقاها في مجالس السماع والتحــديث، فــيروي هــذه األحــاديث ـــ وإن

قة إلى من نسبها إليه. كانت على شرطه، وكذلك إن لم تكن ـ بصيغة الجزم معل ـ أن ال تكون مسموعة له، ال في مجالس السماع وال بالمذاكرة، كأن يكــون أخـذها3

وجادة؛ أي وجدها في كتاب من كتب شــيوخه، أو من غــيرهم ممن يحتفظــون بكتبــا شيوخهم عندهم )بشرط أن يكونوا ثقات(، فقرر أن يوردها غير متصلة؛ أي بتعليقه

قها عنه. مجزومة إلى من علـ أنها قد تكون صحيحة ولكن على غير شرطه في كتابه الجامع الصحيح.4ـ أنها قد تكون ثابتة ولكن بإسناد ليس في المرتبة العليا من القبول.5

السؤال الثاني: وماذا تفيد صيغة التعليق الجزمية؟ــذا الحــديث الجواب: إن تعليق البخاري للحديث أو األثر بصيغة الجزم إنما يفيد أن هقه عنه، ال أنه حــديث أو أثــر صــحيح في ذاتــه؛ أو هذا األثر المعلق صحيح إلى من عل فهذا أمر آخر؛ الحتمال أن يكون في باقي اإلسناد الذي ذكره أو في متنه علة توجب

تضعيف الحديث. إذا فالبخاري إذا قال: »قال فالن« فهــو يجــزم ـــ فقــط ـــ بصــحة اإلســناد إلى الــذيــوال وقــد ال اه، فوجب علينا أن ندرس بقية اإلسناد، وكذلك المتن، فقد يكون مقب سم يكون. )قارن بـ: ابن حجر، هدي الساري مقدمة فتح الباري؛ د. حاتم العوني، مصادر

ــ 1السنة ومناهج مصنفيها ، كتاب إلكتروني منشور على موقع مكتبة مشــكاة9 ـ 6:اإلسالمية، وأصله مجموعة محاضرات علمية تحمل ذات العنوان(.

ــاري482 )( أما القول بأن عطية قد توبع عليه، تابعه إبراهيم بن عبد الحميد. أخرجه البخ ، قــائال: »قــال لي ســليمان بن عبــد الــرحمن،305 ـ 304:ــ 1/ــ 1في التاريخ الكبير

قال: حدثنا الجراج بن مليح الحمصــي، قــال: حــدثنا إبــراهيم بن عبــد الحميــد بن ذي في الخمــر|حماية، عمن أخبره، عن أبي مالك األشعري أو أبي عامر: سمعت النبي

والمعازف«. أقول: هذه متابعـة ال تسـمن وال تغـني من جـوع؛ لوجـود ذلـك الـراوي المبهم؛ حيث يحتمل أنه راو مجهول أو هــو عبــد الــرحمن بن غنم، أو هــو عطيــة بن قيس نفســه. وعليه فال تصلح هذه المتابعة على اإلطالق. فضال عن أن البخاري لم يســق المتن إال

في الخمر والمعازف« ـ فلم يسق اللفظ.|مختصرا للغاية ـ »سمعت النبي أرجح أن متن حديث ابن ذي حماية مخالف لمتن عطية بن قيس؛ بدليل أن البخــاري قد قال ـ بعد ذكره لمتن إبراهيم بن ذي حماية ـــ: »إنمــا يعــرف هــذا عن أبي مالــك ]أي األشعري[«. وساق البخاري بسنده عن مالك بن أبي مريم ]وهــو مجهــول[، عن

قــال: »ليشــربن نــاس|عبد الرحمن بن غنم، أنه سمع أبا مالك األشعري، عن النــبي من أمتي الخمر يسمونها بغير اســمها، يضــرب على رؤوســهم بالمعــازف والقينــات،

يخسف الله بهم، ويجعل منهم القردة والخنازير«. فهذا إن دل فإنما يدل على أن لفظ إبــراهيم بن ذي حمايــة هــو لفــظ مالــك بن أبي

مريم، وليس عطية بن قيس.، فال فضال عن أن لفظ ابن ذي حماية ـ الذي ساقه البخاري ـ مختصــر اختصــارا مخال

يصلح ـ بناء على ذلك ـ متابعة على اإلطالق، فتأمل منصفا. .37: 1/1)( ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 483.112: 3)( انظر: األلباني، السلسلة الضعيفة 484.260: 5)( ابن حبان، الثقات 485 )( لقــد أوضــحنا من قبــل أن العدالــة ثابتــة يقينــا لعطيــة بن قيس؛ لكونــه من أئمــة486

ــ منصــب على مســألة ــ كــل الكالم ـ القــراءات المشــهورين بالشــام، ولكن الكالم ـ)ضبطه لألحاديث(.

.106: 1)( كشف األستار 487 )( وإبانة حجتي في هذا األمر يحتاج إلى بحث قائم بذاته، ال أفــرغ لــه اآلن، فــأكتفي488

مؤقتا باإلحالة على أقوال السخاوي والوادعي، كما سيأتي في المتن أعاله. .12: 2)( فتح المغيث 489ــه490 ــا ل ــد توثيق ــرواة ال تع ــة عن راو من ال ــة بعض األجل ــاك أن مجــرد رواي )( وال يخف

ــة بمفردها. هذا تساهل غير مقبول ـ كما أوضحت عند حديثي عن المقدمات المنهجي في أول بحثي هذا ـ في منهج إثبات الحديث ـ الملزم لألمة جمعاء حتى قيام الساعة

!|ـ عن رسول اللهــذيء الكالم في491 )( هو محدث يمني معاصر ثقة في علمه، وإن كان طويل اللســان ب

حديثه عن بعض فقهاء األمة الثقات المعاصرين، رحمه الله وغفر له.ــؤالين 492 ــه عن السـ ــئلة175 و85)( في جوابـ ــة أسـ ــترح في أجوبـ ــه المقـ من كتابـ

المصطلح.)( أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه.493494 )( أصل فكرة السطور العشرة السابقة مستفاد ـ بتصرف؛ تنقيحــا للفكــرة وتأصــيال

وتحريرا وتحويرا لها وزيادة عليها وحذفا منها ـ من فتوى العالمة محمــد رشــيد رضــا في مجلــة المنــار المتعلقــة بحــديث البخــاري في المعــازف، ومن كتــاب الغنــاء والموسيقى ألستاذنا الجديع، الذي تــابع رشــيد رضــا في مــا قالــه، أو الشــوكاني في إشارته المقتضبة إليها، كما سيأتي بيانه بعد سطرين، أو هما معا، واستفاد منه، وزادع، وإن لم يشر إليه. وعــدد من عبــارات أســتاذنا الجــديع تكــاد عليه وبنى وأصل وفر

تكون مطابقة لعبارة رشيد رضا. ورشيد رضــا هــو صــاحب فكــرة مــا ورد في المتن أعاله، لم يســبقه إليهــا ســابق، ال قديما وال حديثا، في مــا أعلم، إال إشــارة مقتضــبة، ولكن رائعــة مركــزة، من اإلمــام

، وإن حكاها ثم ردها، على طريقة:440ـ: 8الشوكاني لذات الفكرة في نيل األوطار فإن قيل بكذا وكذا، فيجاب بكذا وكذا. وأظن أن رشيد رضا قد لمحها بذكائه وفطنته في نيل األوطار؛ إذ كثيرا ما يحيل عليه، حتى في ذات فتوى المعازف الــتي سننشــر

ع. نصها ملحقا بآخر الكتاب، فاستفاد بها ونماها وأصلها وبنى عليها وفر : »...فمــا وجــدنا فيــه حالال اســتحللناه...«. حــديث صــحيح أخرجــه|)( كمــا في قوله495

(. وسنده صحيح.4604(؛ وأبو داوود )664الترمذي )(.1218: »...واستحللتم فروجهم بكلمة الله...«. أخرجه مسلم )|وكما في قوله

496 )( يقول أستاذنا الجــديع ـــ بتصــرف من قبلي في قولـه؛ ضـبطا وتحريـرا واســتدراكاــه،وإضافة ـ: استعماله الستباحة الحرام يكون باعتقاد حله، سواء واقعه أم لم يواقع

فإن كان اعتقاده ذلك بغير إذن من الشرع أو عذر ـــ كتأويــل أو جهــل ـــ كــان كفــرا. نعم، قد يدل لفظ االســتحالل على مجــرد مواقعــة الحــرام، ولكن البــد في ذلــك من

قرينة.ــنى قوله ــذا المع ــإنكم|ومن شــواهد اســتعماله في ه ــه في النســاء، ف ــوا الل : »اتق

أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمــة اللــه«. أخرجــه مســلم. وذلــك أناألصل في الفروج هو التحريم، وهذا استحالل بإذن الشارع.

ومن شواهده قول أهل السنة والجماعة: »ال نكفر أحدا بذنب مــا لم يســتحله«؛ ألناستحالل المحرم البين التحريم تكذيب لله ورسوله.

)( لتفصيل ذلك راجع أيا من كتب الفقه اإلسالمي قديمها وحديثها.497 (، من221،ـ 213:ـ 10(؛ والـبيهقي )3274،ـ 2625)( حديث صحيح. أخرجه أحمد )498

طرق، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم مالــك الجــزري، عن قيس بن حبــتر،عن ابن عباس، به. وسنده صحيح.

(، عن علي بن بذيمــة: حــدثني قيس، بــه.3696(؛ وأبــو داوود )2476ورواه أحمــد )وسنده صحيح، والزيادة له.

/ ب( ـــ كمــا ذكــر أســتاذنا الجــديع في كتابــه عن10ورواه ابن وهب في جامعه )ق: ،222: 10؛ إذ لم نقف على جامع ابن وهب هذا ـ والبيهقي 332الغناء والموسيقى:

عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمرو بن الوليد بن عبدة، عن قيس قــال: فــذكره )بالروايــة الثانيــة| ـــ أن الرســول|بن سعد ـ وكان صاحب رايــة النــبي

وبدون الزيادة(. وسنده صحيح.

(؛ والترمذي )3660(؛ وأبو داوود )21590)( حديث في غاية الصحة. أخرجه أحمد )4992656.)

)( انظر : لسان العرب، مادة: قنن.500.207: 4)( ابن األثير، النهاية 501)( وهو رجل عدل من أهل اليمن.502)( وما أهل اليمن إال عرب أقحاح.503.278: 4)( أبو عبيد القاسم بن سالم، غريب الحديث 504. وسنده حسن جدا.1267، 788)( أخرجه البخاري في األدب المفرد: 505 )( وقول فضالة بن عبيد ونهيه ـ الواردان في األثر السابق ـ إنما هو مأخوذ من قول506

: »من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنـزير ودمه« )أخرجه مســلم|النبي(2260.)

فضال عن أن العرب كــانوا يقولــون: »ال يــزال معــه كــوب الخمــر وكوبــة القمــر«، ال م، دار1979،ــ 300يعنــون بــذلك إال الــنرد. )انظــر: الزمشــخري، أســاس البالغــة:

المعرفة ـ بيروت(. (3146ـ، 3578(؛ والنسائي )2513(؛ وأبو داوود )148ـ، 146ـ: 4)( أخرجه أحمد )507

(، كلهم، عن أبي سالم ممطور الحبشي، عن خالد زيد ـ وبعضــهم2811وابن ماجة ) قال: عن خالد بن زيد، وآخر قال: عن خالـد بن يزيـد الجهـني، وآخـر قـال: عن عبـد

الله األزرق ـ عن عقبة بن عامر، به. (، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عبـد الـرحمن بن1637وأخرجه الترمذي )

أبي الحسين، أن رسول الله قال: فذكره.وسوف يأتي الكالم على سند الحديث في المتن إن شاء الله.

)( مستفاد من أستاذنا الجليل د. محمد عمارة.508 )( هذا الحديث الصحيح جاء فيه )لغو ولهــو( مكــان )الباطــل( في الحــديث الضــعيف509

السابق ذكره، مما يجلي األمر ويحدد المقصود. فضال عن أن اللهو ـ كما قلنا سابقا ـ ال يتصل بــه حكم لذاتــه إال اإلباحـة، ويصــير إلى غيرها بالغرض الذي يستعمل له؛ فإن كان الغرض مطلوبــا شــرعا صــار اللهــو حقــا؛

وإن كان الغرض ممنوعا شرعا صار اللهو مكروها أو محرما ـ حسب درجة المنع ـ. فالمقصد من اللهو هو الذي يجعله واجبــا أو منــدوبا أو مباحــا أو مكروهــا أو محرمــا.

وكن من هذا التوضيح على ذكر دائما، فهو مفتاح القضية.ــير )54)( أخرجــه النســائي في عشــرة النســاء )510 ــ 2(؛ والطــبراني في الكب (؛211:

(. وهو كما قال.315وصححه األلباني في الصحيحة ) (، من4926،ــ 4924(؛ وأبــو داوود )4965،ــ 4535)( حديث صحيح. أخرجه أحمــد )511

طريقين صحيحين، عن نافع، به.( من )مقدمات منهجية( في أول بحثنا هذا.6)( انظر لزاما رقم )512(.3384(؛ والترمذي )18(؛ وأبو داوود )373)( أخرجه مسلم )513 (؛ وابن قــانع في معجم427:ــ 17)( حــديث صـحيح. أخرجــه الطــبراني في الكبــير )514

(، كلهم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن289ـ: 7(؛ والبيهقي )130ـ: 1الصحابة )عامر، به.

ــي ) ــه الطيالس ــيبة )1221وأخرج ــ 4(؛ وابن أبي ش ــاكم )193: ــ 2(؛ والح (؛184:والبيهقي )السابق(، كلهم، عن شعبة، عن أبي إسحاق، به.

وكال الطريقين إسنادهما صحيح.(؛ وصححه األلباني. وهو كما قال.97: 5)( أخرجه أحمد، والبيهقي )515(.1278، 1277(؛ ومسلم )4496، 4495، 1790)( أخرجه البخاري )516 )( انظرها في أدلة اإلباحة من السنة، كما سيأتي إن شاء الله. وإنما تجنبنا ذكرها ها517

هنا خشية اإلطالة والتكرار. )( أخرجه اإلمام أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم العطار ـ كما أفاده الجــديع في518

؛ إذ لم نقف على جزء العطار هذا ـ في جزء من359كتابه عن الغناء والموسيقى: / ب( من طريق إسماعيل بن علية، عن يــونس، عن ابن ســيرين، عن95حديثه )ق:

أبي هريرة، قال: فذكره. وسنده صحيح. (، عن هشــام بن حســان، عن محمـد بن ســيرين، بلفــظ:126:ـ 6وأخرجه البيقهي )مارة«. وسنده صحيح.| »نهى رسول الله عن ثمن الكلب ومهر الز

(، عن أبي حازم سلمان األشجعي، عن أبي هريرة،5348ـ، 2283وأخرجه البخاري ) عن كسب اإلماء«. وسنده صحيح. |قال: »نهى النبي

)( هذا الرجل كالمه في العربيــة والمعــاني حجــة؛ »قــال أبــو بكــر األثــرم ألحمــد بن519 حنبل: كان صــاحب عربيــة؟ قــال: نعم«. )ذكــره المــزي في ترجمــة المصيصــي في

(.454: 5تهذيب الكمال .343 ـ 341: 1)( أبو عبيد القاسم بن سالم، غريب الحديث 520)( لسان العرب، مادة: زمر.521 م، المطبعــة1982، ط 178:ــ 1)( انظر: أبو أحمد العسكري، تصحيفات المحــدثين 522

العربية الحديثة، القاهرة.ــا درجــة ثبوتهــا في هــامش تخــريج الحــديث523 )( كل تلك الروايــات قــد خرجناهــا، وبين

السابق.(.1567(؛ ومسلم )2282)( متفق عليه. أخرجه البخاري )524 (؛6272؛ وابن حبـان )80 ـ 79)( حديث صـحيح. أخرجـه ابن إســحاق في السـيرة: 525

(. وسنده صحيح.7619والحاكم ) )( وأنا أختلف مع سيادته، ومع غيره، في بعض ما حكم به على عــدد من األحــاديث،526

ـه، وغـيره، في دراسـتي هـذه دون إشـارة إلى خاصة ما صححه وقـواه منهـا، فتعقبتاسم المعقب عليه؛ إذ إنما أناقش )الحجة(، ال )قائل الحجة(.

مين من الســنة )أرقــام: 527 ،4)( وقد مر بنا شيء من ذلك؛ انظر مناقشتنا ألدلة المحر(. وسيأتي لذلك زيادة تفصيل إن شاء الله.7، 5

.289: 6)( انظر: األصفهاني، األغاني 528.187: 10)( انظر: الذهبي، سير أعالم النبالء 529.118: 11؛ وسير أعالم النبالء 268: 5)( انظر: األغاني 530ــه نقض531 ــة، بحــق وصــدق وعلم، )( وفي هذا كل ألصــل فكــرة وكتــاب اإلمــام ابن تيمي

)اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم(. ومراجعـه في«هـل اإلجمـاع حجة»للتفصيل والتأصيل واالستزادة: انظـر مبحث )(ـ 532

، تقــديم:الباب الثاني من كتابي: في فقه االجتهاد والتجديد، دراسة تأصــيلية تطبيقيةم، دار السالم باألزهر، القاهرة.2010، 1د. محمد عمارة، ط

)( وال غير ذلك مما سيأتي بعد قليل.533 اليقيني الثبوت والداللة.=)( في اصطالحنا هاهنا: المعلوم من الدين بالضرورة 534)( حديث صحيح. أخرجه الترمذي وغيره.535ــة...»)( من مثل: 536 «من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مــات ميتــة جاهلي

من رأى من أميره شيئا يكرهه )ملحوظة خاطفــة: الحــظ»(؛ و1848)أخرجه مسلم ــه من فــارق الجماعــة«شيئا يحــرم عليــه فعله»، ال «يكرهه»التعبير؛ (، فليصــبر؛ فإن

ــه ســتكون هنــات وهنــات،»(؛ و1849 )أخرجـه مســلم «شبرا فمات فميتة جاهلية إنق أمر هذه األمة، وهي جميع، فاضــربوه بالســيف، كائنــا من كــان «فمن أراد أن يفر

(. 1852)أخرجه مسلم إجمــاع ال يزيــد عن كونــه قــوال وجــدت جميــع اآلثــار واألخبــار»)( وبتعبــير آخــر هــو: 537

فقت على حكم واحــد المنقولة عن المجتهدين ـ في خصوص تلــك المســألة ـــ قــد اتــه ـ ــل عن فيه، ولم يوجد عن أحد من أهل زمن هؤالء المجتهدين ومن بعــدهم من نق في ما وصلنا أو في حقيقـة األمـر ــ خالف قـولهم، أو لم يظهـر منهم اعـتراف بهـذا

.«القول أو إنكار لهويجب االنتباه هاهنا إلى أمرين:

ـ أن المنقول من هذه اآلثار ال يجوز التسليم به هكذا على عالته؛ إذ احتمال ضــعف1األسانيد وارد، فوجب البحث في سالمة المنقول من عدمه.

ت في معانيهــا؛ حتى2 ـ أن من هذا المنقول ما هو غير صريح في داللته، فوجب التثب

ال نحملها ما ال تحتمل، وال نقولها ما لم تقل. )( وهذا مستحيل لكونه مما تأباه طبيعة الدين وطبيعة اللغة وطبيعة البشــر وطبيعــة538

الكون والحياة، كما فصلنا القول في ما سبق. ، قد يعترض البعض قائال: هذا دور؛ إذ تحتج بمحل النـزاع، وهو ما ال يجــوز في)( نعم539

البحث والمناظرة. نــات والجواب: إني قد أقمت، على ما ذهبت إليــه في موضــوع الغنــاء والمعــازف، بي أربع من القرآن، وبينــات ثالث عشــرة من صــحيح الســنة، وبينــات أربــع من مقاصــد الشريعة ـ المستمدة من الكتاب والسنة ـــ، وحججــا وافــرة من المعقــول، وبــراهينــا من ــرد، عليه ســاطعة مســتمدة من األنفس واآلفــاق، ودفعت مــا ورد، ومــا قــد ي االعتراضات. فجميع ذلك حجة عليك، يجوز لي إلزامك به، إلى أن تأتيني بما ينقضه،

وهيهات.ــه يفيــد ذلــك)( نعم540 ، الخبر الوارد عن المنهال ال يقطع بإباحة الغناء والمعــازف، ولكن

بطريق الظن الغالب؛ فالخبر الوارد هو أن عددا من أئمة الحديث والجــرح والتعـديلدر ــ ــ يص قد سمعوا ـ أثناء مرورهم ببيته ـ صوت طنبور ـ وهو أحد اآلالت الموسيقية ـ

منه. وهذا يحتمل أن المنهال نفسه هو من كان يعزف، أو أن أحدا من أهــل بيتــه هــو من كان يعزف بإقرار منه، أو أن أحدا منهم كــان يعــزف مســتثمرا فرصــة عــدم وجــودهــال األخــير ن أن االحتم ــازف. وبي م عليهم العــزف والمع ــه يمنعهم أو يحــر مثال؛ لكون ضعيف؛ ألن فيه قدحا في أهل بيت المنهال ـ وهو من هو ثقة وفضــال وأدبــا وتأديبــا ـ وظنا سيئا بهم، وهو ما ال يجوز أن يصدر عن المسلم بحق أخيه المسـلم، فمــا بالــك

إن كان بحق أهل بيت المنهال بن عمرو! حيث قد ذكــرمثل: أكثر فقهاء ومحدثي المدينة المنورة، قبل وجود مالك وبعده. )(ــ 541

إنمــا يهمنــا من الوجهــة، ودع عنــك إنكــارهم،رأي علماء المدينة ـ وإن أنكــره عليهم التاريخية إثبات قول جمهور فقهاء ومحدثي المدينة باإلباحة ـ اإلمام الزهري )أخرجه

، بســند حســن(؛ ومعمــر بن راشــد )أخرجــه361:ــ 1ابن عساكر في تــاريخ دمشــق ، بســند حســن(؛ ويحــيى بن ســعيد القطــان170الخالل في األمــر بــالمعروف، رقم

، روايــة ابنــه عبــد اللــه، وســنده1875)أخرجــه أحمــد بن حنبــل في مســائله، رقم صحيح(.

م الغنــاء والموسـيقى؛ لفتـوى542 )( شاع ـ بعض الشيوع ـ عن اإلمام الشعراوي أنه يحر مقتضبة منشورة في كتابه )الفتاوى(، أفتى بها ألحد الناس مراعاة لحالــه ال غــير؛ إذ

الفتاوى تختلف باختالف حال المستفتين.ر في المسألة هو اإلباحة بضوابطها الشــرعية، كمــاوالحق أن رأي الشعراوي المحر

ن ووضح عند تفسيره آلية: ديث﴿بي ــان:﴾ومن الناس من يشتري لهو الحــ )لقمــة كمــا يحب أن يســميها ـــ، ط6 (. راجع تفسيره لآلية المــذكورة ـــ خــواطره اإليماني

أخبار اليوم، القاهرة. واستمع إليــه كــذلك عنــد بث تفســيره هــذا صــوتيا عــبر إذاعــةالقرآن الكريم القاهرية. والمكتوب مطابق للمسموع.

د. ؛35: ، الموسيقى والغناء في ميزان اإلســالمعبد الله بن يوسف الجديع)( انظر: 543 ؛ عبــد الحليم أبــو153 ـ 152،ــ 74 ـ 73يوسف القرضاوي، فقه الغناء والموسيقى:

.222 ـ 132: 3 تحرير المرأة في عصر الرسالةشقة، في مقدمات منهجية من هذا المقال.5)( حول مسألة سد الذريعة انظر: رقم 544)( أخرجه البخاري.545 بتصرف )600 الموسيقى والغناء في ميزان اإلسالم:، عبد الله بن يوسف الجديع)(546

قليل(..479: 2)( الجواهري، صحاح اللغة 547.573: 3)( العالمة الحلي، قواعد األحكام في معرفة الحالل والحرام 548.256: 1 الحقوقفي معجم مصطلحات المبسوط ، لنگرودي)( جعفري 549.88: 32)( انظر: الكتاب المقدس، سفر الخروج، الباب 550.138، أسباب النـزول: قراگزلو)( علي رضا ذكاوتي 551

.168: 2)( الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 552.335: 1)( اآللوسي، روح المعاني 553.71: 8)( الطوسي، المبسوط في فقه اإلمامية 554.521: 2)( الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 555.791: 2)( الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 556.340: 3)( الميزان في تفسير القرآن 557.150، أسباب النـزول: قراگزلو)( ذكاوتي 558.340: 9)( الميزان في تفسير القرآن 559ــة وعلمــاء الــدين: 560 ؛ مقتطفــات من اإلســالم:83)( الطباطبائي، بحث حــول المرجعي

71 ،80..241؛ الشهيد الثاني، تمهيد القواعد: 217: 1)( الشهيد األول، القواعد والفوائد 561.322: 16)( الحر العاملي، وسائل الشيعة 562.403: 1)( ابن أبي جمهور األحسائي، عوالي الآللي العزيزية 563.66: 2)( التبيان في تفسير القرآن 564.431: 1)( العالمة الحلي، تذكرة الفقهاء 565.217)( القواعد والفوائد: 566.51: 6)( وسائل الشيعة 567ــاب الزكــاة 568 ــ 1)( حســين علي منتظــري، كت ؛ محمــد رضــا مدرســي، الزكــاة149:

.72 ـ 34والخمس في اإلسالم: .227: 17)( وسائل الشيعة 569.270: 3)( الطوسي، المبسوط في فقه اإلمامية 570.271: 3)( المحقق الحلي، شرائع اإلسالم 571.400: 2؛ تذكرة الفقهاء 130: 2)( العالمة الحلي، تحرير األحكام 572.245)( ابن إدريس، السرائر: 573.144)( عيسى واليي، االرتداد في اإلسالم: 574.281: 7)( انظر: الطوسي، المبسوط في فقه اإلمامية 575.168: 31؛ علي أصغر مرواريد، سلسلة الينابيع الفقهية 126: 4)( سنن أبي داوود 576.113: 5)( الميزان في تفسير القرآن 577.221)( المحقق الحلي، معارج األصول: 578.328: 1)( ضياء الدين العراقي، شرح تبصرة المتعلمين 579قين 580 .328: 6)( محمد تقي المجلسي، روضة المت.47: 21)( النجفي، جواهر الكالم 581.1424، كتاب الحدود، ح33: 4)( سنن الترمذي 582.216: 1)( عبدالقادر عودة، التشريع الجنائي اإلسالمي 583.21: 3)( الشهيد الثاني، مسالك األفهام 584.52: 4)( سيرة ابن هشام 585.46، أسباب النـزول: قراگزلو)( ذكاوتي 586.126: 10)( الميزان في تفسير القرآن 587.15: 7)( الفخر الرازي، التفسير الكبير 588.468: 5)( الخميني، صحيفة اإلمام 589.342: 2)( الميزان في تفسير القرآن 590.275: 20)( الميزان في تفسير القرآن 591.502: 8)( مجمع البيان في تفسير القرآن 592)( الشيخ الصدوق، المقنع.593)( الشيخ المفيد، المقنعة.594

)( أبو الصالح الحلبي، الكافي في الفقه.595)( الطوسي، النهاية.596.136: 4)( المحقق الحلي، شرائع اإلسالم 597.407)( جواد بن علي التبريزي، أسس الحدود والتعزيرات: 598.387: 3)( حسين علي منتظري، دراسات في والية الفقيه وفقه الدولة اإلسالمية 599.131)( حسين علي منتظري، الحكومة الدينية وحقوق اإلنسان: 600.451: 2)( جعفر السبحاني، مفاهيم القرآن 601.461: 14)( الخميني، صحيفة اإلمام 602.268: 21)( المصدر السابق 603.335: 9)( الميزان في تفسير القرآن 604.133: 1، أسباب النـزول قراگزلو)( ذكاوتي 605.340: 9)( الميزان في تفسير القرآن 606.551: 18)( وسائل الشيعة 607.143: 1)( الطوسي، تهذيب األحكام 608)( المصدر نفسه.609

؛ مسند811ـ: 2، سنن ابن ماجة 58ـ: 2؛ صحيح البخاري 313ـ: 3)( سنن أبي داوود 610.222: 4أحمد

.109: 12؛ صحيح البخاري 34: 5)( صحيح مسلم 611.58: 2)( صحيح البخاري 612ف ابن أبي شيبة 613 .79: 7)( مصن.505 ـ 504: 4)( ابن قدامة، المغني 614م الجوزية، الطرق الحکمية: 615 .63)( ابن القي.649: 2)( ابن مفلح المقدسي، الفروع 616.265)( البقال، مسند زيد: 617. 191: 6؛ الطوسي، تهذيب األحکام 102: 5)( الکليني، الکافي 618ف ابن أبي شيبة 619 ف عبد الرزاق 248: 6)( مصن . 305: 8؛ مصنف ابن أبي شيبة 620 .250: 6)( مصنف عبد الرزاق 621 .306: 8)( مصن.89: 2)( الموصلي، االختيار 622.98)( المصدر السابق: 623. 236: 12)( العيني، عمدة القارئ 624.173: 7؛ البدائع 208: 3؛ الهداية في شرح البداية 94: 8)( البحر الرائق 625.205: 5)( مالك بن أنس، المدونة الکبرى 626.105: 4)( المصدر السابق 627. 79: 4)( القرافي، الفروق 628.285: 2)( ابن رشد، بداية المجتهد 629.69: 4)( انظر: القرافي، الفروق 630.189: 3)( الشافعي، األم 631.263)( الماوردي، األحکام السلطانية: 632.480: 4)( ابن تيمية، الفتاوى الکبرى 633.241: 5)( الشوکاني، نيل األوطار 634.172: 8)( ابن حزم الظاهري، المحلى 635.169 ـ 168: 8)( المصدر السابق 636 ؛ سنن أبي داوود28ـ: 4؛ سنن الترمذي 102ـ: 4)( الحاکم النيسابوري، المستدرك 637

ف عبد الرزاق 314: 3 . 216: 10؛ مصن.57: 3)( سنن أبي داوود 638.225: 4)( ابن هشام، السيرة النبوية 639

.92: 2)( ابن األثير، النهاية 640.294: 2)( أبو إسحاق الشيرازي، المهذب 641. 265)( مسند زيد: 642.459)( المرتضى، عيون األزهار: 643.245: 5)( الشوکاني، نيل األوطار 644.102: 5)( الکافي 645.19: 3)( الصدوق، من ال يحضره الفقيه 646.299: 6)( الطوسي، تهذيب األحكام 647. 540: 2)( التميمي المغربي، دعائم اإلسالم 648.196: 6)( تهذيب األحكام 649.114)( المفيد، المقنعة: 650.348)( الطوسي، النهاية، 651. 281)( المحقق الحلي، المختصر النافع: 652 ؛ علي بن حمــزة، الوســيلة إلى448)( انظر: أبو الصالح الحلبي، الکافي في الفقه: 653

؛ يحيى بن سعيد، الجــامع95:ـ 2؛ المحقق الحلي، شرائع اإلسالم 213نيل الفضيلة: ؛ الشــهيد األول، القواعــد656:ــ 2؛ العالمــة الحلي، تــذکرة الفقهــاء 525للشــرائع:

:2؛ الــنراقي، مســتند الشــيعة 279؛ المحقق القمي، غنائم األيام: 192:ــ 2والفوائد ــوثقى 547 ــروة ال ــيزدي، الع ــ 3؛ ال ــرة: 50: ــرح التبص ــراقي، ش ؛76؛ المحقق الع

.24: 1الخوئي، مباني تکملة المنهاج .221: 18)( الحر العاملي، وسائل الشيعة 654.483: 2)( انظر: دراسات في والية الفقيه 655.331)( الکافي في الفقه: 656.280)( سورة البقرة، اآلية 657.180: 4)( انظر: تبيين الحقائق 658.279: 7)( انظر: شرح فتح القدير 659.384: 5)( انظر: رد المحتار على الدر المختار 660.499: 4)( انظر: المغني 661.137: 4)( انظر: روضة الطالبين 662.172: 8)( ابن حزم، المحلى 663 ، تحقيق: الســيد40:ــ 4)( الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 664

محمد کالنتر..95: 2)( شرائع اإلسالم 665.176: 1)( العالمة الحلي، قواعد األحکام 666.74: 10)( محمدجواد العاملي، مفتاح الکرامة 667.500: 4)( ابن قدامة، المغني 668.15: 21)( ابن فرحون، تبصرة الحکام 669.500: 4)( المغني 670. 236: 12)( عمدة القارئ 671.235، مسألة 105: 4)( انظر: فتاوى ابن تيمية 672.189: 3)( انظر: األم 673.209: 2)( قواعد االحکام 674. 58: 2)( تذکرة الفقهاء 675. 72: 10)( مفتاح الکرامة 676.111)( انظر: المقنعة: 677.341)( انظر: الکافي في الفقه: 678.230)( انظر: المراسم: 679.274)( انظر: الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 680.262)( مسند زيد: 681

.19: 3)( من ال يحضره الفقيه 682.196: 6)( تهذيب األحكام 683. 25: 6)( الخوانساري، جامع المدارك 684.262)( انظر: مسند زيد: 685. 40: 4)( انظر: الروضة البهية 686.205: 5)( المدونة الکبرى 687. 621: 1)( الخالف 688. 285: 2)( بداية المجتهد 689.79: 4؛ انظر: القرافي، الفروق 192: 2)( القواعد والفوائد 690.209: 2)( قواعد األحکام 691.300: 6)( انظر: تهذيب األحكام 692 )الهــامش(؛ انظــر: رد المحتــار على الــدر المختــار )حاشــية ابن90:ــ 2)( االختيــار 693

؛ حاشـية280:ـ 3؛ حاشية الدسوقي على الشـرح الكبـير للــدردير 426:ـ 5عابدين( .174الطرابلسي الحنفي:

. 482: 4)( انظر: الذهبي، ميزان االعتدال 694. 326: 2)( انظر: تبصرة الحکام 695 : ومــع تسلســل. وقــال العالمــة العســكري92:ــ 1الخوئي، معجم رجال الحديث )(ــ 696

، كمــا شــاهدنا، فــإن|األسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت إلى رسول اللهــه فقهاء مدرستهم لم يسموا أي جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح، كمــا فعلت مدرسة الخلفاء، وسمت بعض جوامع الحــديث لــديهم بالصــحاح، ولم يحجــروا بــذلك على العقول، ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور، وإنما يعرضون

(. 261: 3كل حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث )معالم المدرستين ؛ محمد رضــا المظفر،519:ــ 6ظر: جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل ان)(ــ 697

. 76عقائد اإلمامية: هـ ـ1409ـ، 1، دار عمار، األردن، الطبعة 43 اإلمام الخميني، الحكومة اإلسالمية: )(698

م. 1988. 313شرعية االختالف بين المسلمين: )( 699 : كتاب األحكام، البـاب الـذي جعلـه قبـل بـاب إخـراج الخصــوم4صحيح البخاري )(ـ 700

. 241: 2وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة؛ المعجم الكبير . 79: 2مسلم صحيح )( 701. 190: 5. ورواه مجمع الزوائد 406، 398: 1د أحمد مسن)( 702. 160: 6ز العمال كنـ)( 703190: 5)( مجمع الزوائد 704. 191)( المصدر السابق: 705(.314: 4)( المرج: الخلط، انتهى )النهاية 706. 33 ـ 32: 12: كنـز العمال 20 إلى حديث 7انظر من حديث )( 707. 335: 2)( فرائد السمطين 708)( المصدر نفسه. 709)( المصدر نفسه. 710. 396: 3)( ينابيع المودة 711. 1، ح179، باب 243: 1)( علل الشرائع 712. 478: 4)( العالمة الحلي، مختلف الشيعة 713. 142: 1)( رسائل الكركي 714.4، باب التوقيعات، ح 484: 2)( كمال الدين 715